الثنائي/ د.( محمد جعفر +الصادق حسن).. بجمهورية مصر في الثمانينيات...تجربة ثرة يجب أن لا ننساها

Quote: * كانت محاولات صلاح جلال و إصراره لدخول السفارة تعبر بوضوح عن دوافع ذاتية محضة لإشباع غرائز و حاجات خاصة فقد كان المدعو يسعى للظهور أمام الطلاب و السفارة كقائد طلابى بارز ،،، على وزن زعيم إسلامى بارز تعزى له الأقلام الكاذبة المدربة على تزوير التاريخ فضل قيادة الإعتصام و إشعال شرارته ،،، كما حاولت و لا زالت تحاول إختصار كل ديالكتيك أكتوبر 21 بتعقيداته و أبعاده و تناقضاته و مضامينه التاريخية و الثورية فى مجرد ليلة سياسية لمسيلمة آخر الزمان "حسن الترابى" فى الميدان الشرقى لجامعة الخرطوم ،،، و روجت و لا زالت تروج إلى أن إجتماعا مصغرا بمنزل المرحوم عمر نور الدائم و أحمد عبدالرحمن مع بعض قيادات طلاب جامعة أم درمان الإسلامية كان هو السبب المباشر الذى أدى إلى تفجير إنتفاضة مارس 85 ،،، فهى نفس الأقلام التى جعلت من قتل جسِّاس بن مرة لابن عمه و ملكه وائل بن ربيعة "كليب" برأس تلك الناقة اللعينة "سراب" سببا فى إشعال حرب البسوس التى دارت رحاها أكثر من أربعين عاما فى جزيرة العرب التى كانت حينها بركانا فائرا بالصراع الطبقى الذى شكل واقعا خصبا لدعوة رسول الإسلام محمد بن عبدالله و كانت عاملا حاسما فى نجاحها وإنتصارها كما صورها لنا المفكر الشيخ حسين مروة "شهيد القلم الحر والفكر النيِّر" ،،، * و قد كان الحبيب صلاح جلال يعتقد ساذجا بأن السفير، القنصل، أو غيرهم من المستشارين موجودين داخل السفارة متربعين على مكاتبهم يباشرون أعمالهم اليومية ،،، و لم يخطر بباله بأنه لو وقع مثل هؤلاء فى مصيدة المعتصمين داخل السفارة لتجاوزت المطالب حدود الإسترليني و مجانية التعليم وحلقت إلى ساحات أوسع و ميادين أرحب زاخرة بالمطالب الجوهرية الهامة ،،، و التطلعات المشروعة ،،، و الأحلام البسيطة بحياة حرة كريمة يكون فيها الطالب معافى فى بدنه ، آمنا فى ثربه ، و مالكا لقوت يومه ،،، و لكان الإعتصام مفتاحا لحل كثير من قضايا النضال المطلبي التى زامنت مسيرة الحركة الطلابية لسنوات طويلة،،، لذلك فقد جاء ردنا للحبيب عفويا تلقائيا يمزج بين مشاعر الغضب و السخرية "ما عندنا سفير ِهنا ،،، و لا قنصل ،،، و لا مائدة مستديرة للمفاوضات،،، عندنا بس " نيران، شطوط ، مولوتوف ، حرائق ، خراب دمار ، موت" ، عايز شنو؟؟؟". و أذكر أنه قرر ألا يضيع وقته فى الحديث معنالأنه ببساطة إقتنع تماما بأن هذا لا يساعده على تحقيق مراده فعادأدراجه لخارج السفارة،، و بمراقبة تحركاته من إحدى شرفات الدور الأول و هو خارج السفارة لاحظنا تحدثه لأحد ضباط الإحتياطى المركزى وبعض عناصر أمن السفارة،، و بدأت الهواجس و الشكوك تراودنا بشدة وبعد مناقشة تلك المخاوف مع الرفيق محمد طه قررنا اللجوء للجردل المكوكى و عكس تلك المخاوف و مبرراتها لقيادتى الجبهة الديمقراطية و الحزب خارج السفارة، فمن حق أى إنسان ولدته أمه حرا أن يحلم و يطمح كيفما شاء و تكون له رغباته و حاجاته الخاصة بالكم و الكيف الذى يرغب فيه و لكن عندما يكون للأمر تقاطعاته السلبية مع مصالح الناس ،،، ترفع الصحف ،،، و تجف الأقلام ،،، و تصبح كل اللغات ممكنة و قابلة للفهم ،،، و قد تلخصت رسالتنا للرفاق فى الخارج فى: 1- أن يتولى ممثلين للجنة التنفيذية للإتحاد العام المفاوضات و إقترحنا لهم محمد مكرم بإعتباره رئيسا للإتحاد و صلاح أبو جبر بصفته سكرتيرا عاما للإتحاد والا تتم المبادرة بطلب المفاوضات و ترك ذلك للسفارة ،،، 2- أن يتم إيقاف المساعى الفردية للحبيب صلاح جلال عن طريق التحدث معه مباشرة أو من خلال أحد ممثلى الأنصار حزب الأمة فى اللجنة السياسية المركزية للتجمع ،،، ولا بأس من ضمه لفريق المفاوضين شريطة أن يلتزم بالخط العام المرسوم و المحدد للتفاوض و ذلك حتى نتفادى النتائج السلبية التى تنشأ عن محاولاته الفردية ،،، 3- أن يتم ربط المعتصمين داخل السفارة بمسار المفاوضات عندما تبدأ أول بأول و جلسة بجلسة فإن نجاح الإعتصام بدرجة كبيرة مرهون بمدى سيطرة المعتصمين داخل السفارة على الوضع و مدى قدرتهم على الصمود و بالتالى فإن أي موقف للمفاوضين يجب أن يستمد قوته من الموقف داخل السفارة ،،، و على الرغم من أن اللجنة السياسية تبنت كل النقاط الثلاثة أعلاه و أن حبيبنا صلاح جلال أصبح ضمن المفاوضين إلا أن تحركاته الأولى و حديثه مع بعض الضباط مبديا رغبته فى لقاء السفير أو أحد المسئولين بالسفارة كانت لها نتائجها السلبية التى أثرت على مسار الإعتصام والمتمثلة فى: 1- ورود أنباء "مصدرها عناصر أمن السفارة" بأن السفير لن يقبل التفاوض مع الطلاب باعتبار أن ما أقدم عليه الطلاب هو عمل فوضوى غير مشروع ،،، 2- ورود أنباء متوالية "من نفس المصدر" بأن السفارة تقوم حاليا بالترتيب مع قيادة الإحتياطى المركزى لاقتحام السفارة و مهاجمة المعتصمين و ضربهم واعتقالهم و إبعادهم ،،، و تزامن ذلك مع تحركات مكوكية منظمة و مرتبة من قبل قوات الإحتاطى المركزى بالتحرك من هنا و هناك و تحريك بعض العساكر فى طوابير عسكرية توحى ببدء استعدادهم لللإقتحام ،،، 3- عمل محاولات جادة لدراسة الوضع داخل السفارة و تقدير عدد الطلاب المعتصمين ومدى استعدادهم و قدرتهم للتصدى للهجوم المضاد،، و لعل رجل الأمن المصرى البدين "الذى لا زال عالقا فى ذاكرة محمد طه" و الذى جاء عابرا لمدخل الطابق الأول خالعا لثوبه العسكرى و مردتيا زيا مدنيا و هو يصرخ باكيا بملء فمه و بطنه شاكيا من تصرفات ضباط الأمن و نواياهم باقتحام السفارة و ضرب الطلاب و تعذيبهم و إلحاق الأذى بهم محاولا إثارة عطف المعتصمين لعلهم يأووه بين صفوفهم و يتمكن بالتالى من حصر عدد الطلاب و تقييم أوضاعهم و مدى قدرتهم على الصمود و المقاومة،،، و لكن هيهات ،،، وهيهات فقد كشفته جموع الطلاب المعتصمة بحدسها الثورى العفوى البسيط ،،، أولا من خلال الحزام العسكرى الذى كان يقيد به بنطلونه المدنى الضخم الذى يرتديه , و حذائه العسكرى الذى عاد بما عادت به "خفى حنين" و اللذان نسى أن يخلعهما مع ثوبه العسكرى ،،، و ثانيا لبكائه دون أن يذرف دمعة ، و نظرات عينيه الميتة التى لا تحزن و لا تعرف الحزن ، و هى تتفحص المكان بدم بارد و نظرات ماكرة يمينا و يسارا ،،، و سرعان ما انقلب الأمر عليه و لعن اليوم و الضابط اللذان دفعاه للقيام بمثل هذا الغباء عندما طوقته الجموع الغاضبة "و هى تزمجر" فى ركن قصى و هو ملقى على أحد كنبات مدخل الدور الأول مثيرة فيه رعبا و هلعا لا يطاق أو يحتمل ،،، و بدلا من النجاح فى مهمته و الرجوع لقادته "بسماحة الوصف" فقد كانت عودته لهم فاجعة كبرى و خيبة أمل فقد أيقنوا تماما بأن الطلاب ليسوا فقط جاهزون للتصدى و المقاومة بل أنهم يتمتعون ببعض ِحكم أساطير فنون القتال الصينية فى أن تقاتل و أنت أعزل ثم لا تمر لحظات و يكون سلاح الخصم هو سلاحك فقد إنقلب عميلهم سلاحا عليهم عندما أفرجت عنه جموع الطلاب المعتصمة و هى بكامل وعيها حاملا رسالة لكلاب الأمن و قادتهم بأن أي محاولة للهجوم ستكون انتحارا ليس إلا ،،، و لعل من أهم الدروس المستقاة من هذا الحدث "و هى أيضا من حكم الأساطير القديمة لحضارة شعب الصين العظيمة" بأن التقليل من قدرات الخصم هى أولى خطوات الهزيمة ،،،،،،،،،،،، و نواصل