عدنا (على عملات سبيس تووووون) معادلات الفيزياء و التصور الفلسفي للعالم
كثيرا ما تثور النقاشات حول المعنى المستتر في إكتشافات الفيزياء فمنذ مجادلات الكلاميين القديمة حول قدم العالم و حدوثة (التي تستند بالمناسبة لتصور مغلوط تماما حول طبيعة العقل و المكان و الزمان)* مرورا بمجادلات مدى علمية الفلسفة المادية الجدلية .. و حتى تضمينات الإنفجار العظيم أو نظرية التطور أو ميكانيكا الكم يحلو للكل أن يدافع عن وجهة نظره الفلسفية بإدعاء أنها علمية بحته !!
سأتخذ من الإختلاف حول معادلة آينشتين هذه حول المادة و الطاقة مدخلا لبيان تعلقها برؤية معينة للعالم بين الفرقاء .. قبل نقد التفسيرات جميعا !!
لنبدأ برأي مكتشفها ذاته .. السيد آينشتين شخصيا (بالصوت)!!
فآينشتين و من لف لفه من الفلاسفة و الفيزيائيين .. يرون بأن الكتلة و الطاقة وجهين لعملة واحدة .. أي أننا نقيس نفس الكمية الفيزيائية تماما .. فمرة نطلق عليها كتلة و مرة أخرى نطلق عليها طاقة لذا تكون مسألة تحول المادة لطاقة أو العكس .. لا معنى لها أصلا !! و لتبرير هذا التفسير يقدم هذا الفريق رأيه في طبيعة العالم بالقول أن الحقول Fields هي أساس بنية العالم Substance of the world.. و أن المادة Matter ماهي إلا تركز مؤقت للحقول بالمكان و الزمان .. يسمى هذا التفسير بالأنطولوجي Ontological interpretation لأنه يفترض أن للمعادلة معقبات حول طبيعة العالم فعلا ..
وجهة نظر أخرى قريبة من هذا الرأي تقول بأن : الكتلة و الطاقة ماهي إلا خاصية واحدة لا غير بمعنى أنهما ليستا وجهين لعملة واحدة .. بل هما نفس الوجه الواحد تماما !! لتفهم هذا الرأي جيدا علينا الإنتباه لأنه يعزي إختلاف طرق قياس الكتلة و الطاقة لقصور في طريقة تعاملنا مع الواقع الفيزيائي .. فبالنسبة لهذا الرأي تكون الكتلة هي الشيء الحقيقي فقط لا غير أما الطاقة فما هي إلا طريقتنا في قياس هذه الكتلة نفسها من منظور آخر أي أن التكافؤ هنا بين الكتلة و الطاقة ماهو إلا تعبير عن الإنتقال بين مستويات مختلفة من التفسير و ليس شيئا موضوعيا بالعالم الخارجي !! (فالكتلة لا تنفصل عن قدرتها على التأثير)
من وجهة نظر أخرى يرى بعض الفلاسفة و الفيزيائيين أن الكتلة و الطاقة شيئين مختلفين جوهريا !! و لكن ينقسم هذا الفريق مجددا حول إمكانية تحول أحداهما للأخرى : أ/ فمن ناحية يرى البعض أنه لا يمكن للكتلة أن تتحول لطاقة بتاتا !! و أن كل الكتلة التي تختفي أحيانا في بعض التفاعلات النووية** ما هي إلا تحول لطاقة التقييد داخل النواة لطاقة حركية في نواتج الجسيمات و بالطبع يستدعي هذا .. الإنتباه لكون أن الطاقة المقيدة تساهم في القصور الذاتي للجسم*** ب/ من ناحية أخرى يرى الآخرون أن الكتلة تتحول أحيانا لطاقة !! فمع تسليمهم بأن بعض التفاعلات التي تختفي فيها الكتلة ماهي إلا تحولات للطاقة إلا أنهم يشيرون لأن النسبية الخاصة لا تمنع وجود كمية معينة محفوظة من الكتلة و يستشهدون بتفاعلات الإفناء .. حيث تتفاعل المادة و المادة المضافة بقوة منتجة ضوئا فقط دون أي جسيمات !! .. فمثلا يتفاعل الإلكترون السالب و الإلكترون الموجب لينتجا أشعة جاما (ضوء شديد التذبذب) و مجموع كتلة و طاقة الجسيمين يساويان في المقدار طاقة الضوء الناتج بإستعمال المعادلة !!
الشاهد في كل هذه التأويلات أنها تستبطن معادلة التكافؤ و ترجو تفسيرها فيزيائيا .. فهل من الممكن حسم المسألة بوضع المعادلة في سياقها التاريخي لمعرفة معنى الكتلة و الطاقة كما تعبر عنهما الحدود الرياضية للمعادلة ؟؟!
إن حاولنا ذلك فسنجد أن آينشتين قد إشتق المعادلة أولا من صلب معادلات ماكسويل و قياس كمية التحرك و بدون الدخول في التفاصيل الرياضية للأمر .. يمكن الخلوص لأن الكتلة و الطاقة في هذا الإشتقاق الأول تعني كتلة السكون (في مقابلة للكتلة النسبية) و تعني طاقة السكون (في مقابل الطاقة النسبية) أي أن الأمر متعلق بممانعة الحركة (القصور الذاتي) و تأثيرها (الشغل) في المقام الأول .. على هذا المستوى لا يمكن تبرير إفتراضات خارجة عن منطوق الإشتقاق الرياضي أي إفتراضات تتعلق ببنية الحقيقة الفيزيائية و طبيعة المكان و الزمان ..
فهل الأمر مجرد تحميل للطريقة الرياضية في قياس الكميات الفيزيائية ما لا تحتمل ؟؟ للأسف وجهة النظر هذه غير صحيحة !! فبرغم أن الإشتقاق الأولي للمعادلة يحمل آثار نظريات فيزيائية أخرى ( و من ثم من اللازم تفسير حدودها الرياضية على هداها ) إلا أن هناك طريقة أكثر أساسية يمكن بها إشتقاق نفس المعادلة دون الإعتماد على أي من النظريات الفيزيائية الأخرى أي أن المعادلة هنا تكون مستقلة عن مفاهيم الكتلة و الطاقة بتلك النظريات على هذا المستوى يكون من المبرر تماما النظر لمعنى المعادلة الفيزيائي كمعبر عن بنية المكان و الزمان و المادة النهائي
لذا سيكون من الصعب تفسير معنى تكافؤ/مساهمة/تحول الكتلة للطاقة أو العكس دون إفتراض فهم معين للطبيعة الحقيقية للعالم على المستوى الأساسي (مكان/زمان/مادة) لذا تتعدد التفسيرات و التبريرات التي تستبطن مفهوما معينا للحقيقة لفهم المعادلة الآينشتانية و الجدير بالذكر هنا أن القائلين بنفي التحول بين الكتلة و الطاقة مع تمايزهما كخاصيتين مختلفتين و القائلين كذلك بوحدة الكتلة و الطاقة مفاهيميا (وجهين لعملة واحدة) كمدخل لنفي التحول بينهما يستبطنون تركيبا للمادة لا تكون فيه عديمة التعقيد Structureless و أعني بهذا ألا تكون نقطية zero-dimension و ألا تكون قابلة للتجزؤ إلى ما لا نهاية
هذا مدخل جيد للبدء في إستعراض النسبية العامة لنعرف علاقة المادة ببنية المكان و الزمان (بعد أن رأينا علاقة السرعة بهذه البنية) لندلف من بعدها لإستقصاء تركيب المادة على هدى نظرية الكوانتم
ثم نتأمل أخيرا كيف أن النتيجة الأخيرة لتجربة النيوترينو الأسرع من الضوء قد تفتح الباب لتوحيد النسبية و الكوانتم نحو إستبصار عميق لطبيعة المكان و الزمان و المادة أو هذا العالم الغريب الذي نتنفس فيه الأفكار و الهواء معا ..
كونوا معي .. و طبتم بخير
كلمة شكر واجبة لكل من قرأ أو ساهم أو صوب بهذا البوست فقد منحتموني فرصة ثمينة لمعاودة التفكير في هذا الكون و التعرف لحدود فهمي له بعد أن تشتت إنتباهي بين مجالات معرفية بعيدة عن هذا الأصل البعيد فشكرا لكم كثيرا و أنتم ترافقونني بإهتمام و قوة في دربنا المشترك بين رحاب هذا الكون الأنيق و نعما بها من مغامرة لا تنتهي !! _______________________________________ * إن مد الله في الزمن حدثتكم كيف أن محنة (خلق القرآن) التاريخية هي في آخر المطاف "لم ينجح أحد" !! .. مجرد سوء فهم للعقل و للعالم ،من قبل كل المتنازعين !! (و ما قدروا الله حق قدره) ** المثال الأشهر هو تفاعل النيوترون مع ذرة الليثيوم 7 (4 بروتونات و 3 نيوترونات) الذي وثقه Cockcroft and Walton عام 1932 حيث ينتج عنه جسيمين ألفا (جسيم ألفا هو 2 بروتون + 2 نيوترون) فرغم أن عدد الجسيمات هنا ثابت (4 من البروتونات و النيوترونات قبل و بعد التفاعل) إلا أن كتلة النيوترون و نواة الليثيوم قبل التفاعل أكبر من كتلة جسيمي ألفا !! *** كل التفسيرات المختلفة لا تقدم أي تبرير لهذه المساهمة .. فهو فرض مسكوت عنه لدى الجميع !!! و لن يجد تفسيرا منطقيا سوى بنظرية التوحيد العظيمة .. علها تكون الأوتار الفائقة آخر المطاف !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة