بإنفصال الجنوب .. يتم تحرير جزء من البلاد

Quote: حول شعار حق تقرير المصير خطاب داخلي إلي أعضاء الحزب الشيوعى والديمقراطيين يعرض هذا الخطاب المنطلقات والمؤشرات التي أسس عليها الحزب موقفه من شعار حق تقرير المصير، وطرحه عبر مندوبيه في التجمع، في الداخل والخارج ، على كافة أطراف المعارضة ،تمهيداً ومواصلة لتبادل وجهات النظر التي تقدمت بها بعض الأحزاب . مناقشة الخطاب في الفروع والهيئات ومع الديمقراطيين ،ورفع الحصيلة لقيادة الحزب ، يسهمان في تطور وتأصيل موقف الحزب، ويقتربان به من الواقع ورغبات شعباً في قضية بالغة التعقيد، وظروف متقلبة إقليمياً ودولياً، وحرب طاحنة نازفة لموارد الوطن البشرية والمادية ، وسلطة فاشية ما انفتحت فرصة للسلام إلا وسارعت لسدها. في لقاء واشنطن بين الحركة الشعبية ومجموعة رياك مشار، اتفق الطرفان على طرح شعار حق تقرير المصير للجنوب وجبال النوبة والجماعات المهمشة ، سواء في ظل الحكومة الحالية أو الحكومات القادمة. وبهذا الطرح أصبح الشعار معطى من معطيات السياسة السودانية، لا يجوز تجاهله أو تفادي التصدي لتعقيداته وتداعياته بالصمت التعالي.فملابسات عقد اللقاء وطرح الشعار ، وثيقة الصلة بجهود وضغوط دول أفريقية وغربية لتوحيد أطراف الحركة، وبمحاولات الحركة وجناح مشار التوصل إلي حل وسط، يوفق ولو شكليا بين دعوة الحركة للوحدة، ودعوة مشار وجناح الناصر للانفصال أو الكونفدراليه. تلتقي توجهات الدعوة لحق المصير، في أوساط الحركة وأجنحتها في الدول الأفريقية والغربية، في عدم مصداقية الأحزاب الشمالية الكبيرة تجاه الحل الديمقراطي لمشكلة الجنوب ، وبصفة خاصة مسألة فصل الدين عن الدولة ويستندون في ذلك إلي أن تلك الأحزاب كانت تطالب بإلغاء قوانين سبتمبر قبل الانتفاضة ثم تراجعت بعدها تحت شعار صياغة بديل إسلامي ، وشاركت من خلف ظهر الجنوبيين في تآمر المجلس العسكري الانتقالي والجبهة الإسلامية ، في التحايل على دستور 1956م المعدل، وإصدار الدستور الانتقالي، ثم التعاون مع الجبهة الإسلامية في حكومة الوفاق وتقديم القانون الجنائي –قانون الترابي – الجمعية التأسيسية. المخاوف التي تلتقي عندها الحركة والدول الأفريقية والغربية ، تتجاهل بعض المتغيرات ، وفي مقدمتها ميثاق التجمع الذي وقعته الأحزاب الشمالية والجنوبية 1989م، ثم وقعت عليه الحركة بعد إجازة التعديلات التي اقترحتها في لقاء أديس أبابا، وتتجاهل اتفقا نيروبي الذي وقعته الحركة والأحزاب الشمالية والجنوبية، وكان أكثر وضوحاً من الميثاق في مسألة فصل الدين عن الدولة حسبما في فقراته التالية:- أ-تعتبر المواثيق والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من القوانين السودانية. ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لها ويعتبر غير دستوري. ب- يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التميز بسب الدين والعرق أو الجنس أو الثقافة، ويبطل أي قانون يصدر مخافة أن تنكر أحزاب الشمال لما اقتفت عليه الميثاق واتفاق نيروبي في المستقبل، فان الحزب يتقدم بالاعتبارات الموضوعية التالية:- أ- جسر العبور للمستقبل ،أي مستقبل، هو الإطاحة بدكتاتورية الجبهة الإسلامية. ب- حق تقرير المصير ، كحق ديمقراطي للشعوب والأقليات ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة ، تنسخه وتعصف بعصف به استحالة ممارسته أو تطبيقه في ظل الديكتاتورية،وتخزن الحركة السياسية السودانية شمالاً وجنوباً مرارة وخذلان ما آل إليه تطبيق الحكم الذاتي الإقليمي ، كحق ديمقراطي في ظل الديكتاتورية المايوية. في هذه الوجهة يتقبل الحزب الشيوعي شعار حق تقرير المصير ، كشعار ديمقراطي إنساني ، ويتعامل معه كشعار صراع سياسي مفتوح، يحمل إمكانية دعم الوحدة وإمكانية الانفصال ، ويلقي الحزب ثقله مع دعاة الوحدة في الجنوب والشمال ، ويصارع بلا هوادة وبلا تحفظ عاجل أو أجل ضد دعاة الانفصال في الشمال والجنوب ، ويسعى مع الساعين لإرساء دعائم الوحدة وضمانتها ولا يصاب بحرج من ضغوط ومزايدات بعض الساسة الجنوبيين الذين يفسرون ويؤولون موقف الحزب بأنه اعتراض مغلف على حق تقرير المصير، أو تخرصات بعض الساسة الشماليين الذين يدعون أن مجرد الاعتراف بحق المصير إقرار ومباركة للانفصال. استناد إلي ما تقدم طرح الحزب على التجمع الاقتراح التالي:_ أ‌- أن يقر التجمع من حيث المبدأ شعار حق تقرير المصير، ويوظف ما توصل إليه في الميثاق وفي اتفاق نيروبي لتنشيط وحشد عوامل الوحدة ومقوماتها وضماناتها. ب‌-أن يبادر التجمع بالدعوة إلي لمؤتمر سياسي لكافة أطراف في المعارضة المنضوية تحت لوائه، أو بقيت خارجه لسبب أو آخر، للتداول في عوامل الوحدة ومقوماتها وضمانتها ، وإزاحة المعوقات عن طريقها ، وتبديد رواسب ومخاوف الماضي وتجارب السلبية التي تغذي الدعوة للانفصال. ج- دعوة المراقبين من هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية لحضور المؤتمر ، والتوصل ألي صيغة ملائمة تجعل من مشاركتهم بمثابة إشراف دولي على ما يجمع عليه المؤتمر ، وتلتزم به المعارضة السودانية أمام شعب السودان والمجتمع الدولي. من نافلة القول إن هذا المؤتمر ليس بديلاً للمؤتمر الدستوري المقر في الميثاق. تقدم الحزب باقتراحه هذا التجمع آخذاً في الاعتبار ما يلي : تعدد وجهات النظر وتباينها داخل التجمع وخارجه في المجتمع السوداني عامة حول شعار تقرير المصير. لكن الأمل معقود على التجربة الجماعية التي راكمها التجمع، أن لم يكن منذ الانتفاضة ،فأقله منذ انقلاب الجبهة، والدليل الملموس ما تم الاتفاق حوله والتوقيع عليه في الميثاق واتفاق نيروبي كثمرة من ثمار الصبر والحكمة بعد مخاض مرهق طويل. تداخل وتشابك الأحداث والمؤثرات الداخلية والإقليمية والدولية، وما يصيبها من تقلبات، وأحياناً تصادم في المواقف والشعارات بوتائر متسارعه لم تألفها السياسة السودانية. وعلى سبيل المثال، سبقت لقاءات واشنطن سلسلة متدافعة من الأحداث: احتمال التدخل الأجنبي في الجنوب تحت مظلة الأمم لفرض مناطق منزوعة السلاح، وملاذات آمنة، وحصار اقتصادي ألخ….احتمال لإبرام اتفاق بين الحكومة وجناح الناصر أبوجا، شعارات جناح الناصر بقيام دولتين في الجنوب والشمال ثم استفتاء للمواطنين في الجنوب ،انشقاق جناح الناصر ، وغير ذلك الاحتمالات والأحداث والشائعات .فمتغيرات الوضع الدولي والإقليمي تفرض مؤثراتها على السودان، وتهز موات السكون الذي امتص ماء الحياة من الحركة السياسية السودانية منذ أن أناخت دكتاتورية الجبهة. وارد، وليس مستبعداً، أن تطل الدعوة للانفصال برأسها، عارية بلا قناع، كنتاج لتمادي السلطة في نهجها السقيم الواهم بأحلام الانتصار العسكري الشامل وأسلمه الجنوب بالجهاد المقدس، وحل النزاعات القومية والعرقية بالتقسيم الإداري الجغرافي باسم الفدرالية، وتعاود نشاطها تلك الأوساط في دول الغرب التي أعلنت منذ عام 1990أن الانفصال أخف الضررين كبديل لمواصلة الحرب. برغم ما تقدم، يعترض الحزب على أن تقبل المعارضة ،أو أي طرف فيها بالخيار الضيق، الخيار المستحيل:إما حرب وإما انفصال، ومن ثم طرح مواصفات وضوابط لتخفيف مأساة الانفصال مثل تخطيط الحدود وفترة انتقال واستفتاء الخ. فما وزال الأفق متسعاً لخيار العقل المستجيب لمصالح شعب السودان، خيار الوحدة،ورفض الحرب والانفصال معاً-الوحدة للإطاحة بدكتاتورية الجبهة ، والوحدة لاستعادة الديمقراطية ، والوحدة لإنهاء الحرب في الحياة السياسية السودانية، والوحدة في ظل سلم وطيد، فلا مبرر ولا مسوغ لأن يشل الذعر من كارثة الانفصال والأذهان ويلجم الألسن وكأنه قدر محتوم لا راد له، فالدعوة للانفصال دعوة يائسة ونتاج أزمة وعمى سياسي، ومن الميسور محاصرتها في دائرة ضيقة إذا دفعت أطراف المعارضة الموقف الإيجابي تمهيداً للحركة والفعل. وما أكثر منغصات الحياة التي تقترب بالجماهير يوماً إثر يوم نحو الانفجار. في ذات الوجهة طلب الحزب إلي مندوبية في التجمع ضرورة مخاطبة المسئولين المصريين، بأن الرأي العام السوداني يتفهم حرصهم على وحدة السودان، ومخاوف مصر المشروعة لإقامة دولة ثالثة تطالب بنصيب في مياه النيل وهي بالكاد تكفي.لكن التصريحات جاءت وحيدة الجانب ، ومل تأخذ في الاعتبار العوامل التي دفعت بالإحداث نحو الهاوية، وزودت دعاة الانفصال بالجرأة على الصياح بعد أن خبا صوتهم، فضلاً عن أن أمن مصر لم يتهدد في عمقها الجنوبي مثلما تهددته صادرت الإرهاب الحاقد ، وما من سبيل لدرء خطر الانفصال والإرهاب سوى أن تلقى مصر بثقلها السياسي والإقليمي على كفة الحل الديمقراطي السلمي للمشكلة التي أشعلت الحرق، وليس في هذا دعوة لتدخلها في شئون السودان، فشعب السودان كفيل بتصفية حساباته الداخلية. وفي ذات السياق يفرض الواجب القومي مخاطبة الجامعة العربية التي أغفلت مقررات جلستها101، أن ثغرات التدخل الأجنبي فتحتها الحكومة العضو التي أضفت على الحرب الأهلية طابعاً دينياً، ومارست باسم الأمن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وليس غائباً على أجهزة الجامعة، أن الحروب التي تشعلها مشاكل القوميات في بلد عربي أو آخر تمتد ألسنة لهيبها على مدى الكيان العربي بأسره، فهلا بادرت الجامعة بالاقتراب والتعرف على أبعاد الأزمة في شمولها واستمعت لوجهات نظر الأطراف المعنية؟ ولا ندعي أننا في وضع من يذكر الجامعة بأتساع رقعة الحروب الأهلية في أفريقيا:أنغولا، ليبريا، موزمبيق، الصومال، بورندي، رواندا،وسابقة الانفصال أريتريا، أو يلفت نظر الجامعة لتصدع كيان الاتحاد السوفيتي وتقطيع أوصال يوغسلافيا، وانفصال السلوفاك عن الشيك، وغيرها وغيرها من براكين المسألة القومية الناشطة التي تستدعى معالجة جديدة في آفاق جديدة أرحب. تلك كانت المنطلقات والمؤشرات التي أسس عليها الحزب موقفه من شعار حق تقرير المصير، وهو ليس موقفاً منغلقاً على ذاته، ولا يمثل الكلمة الخاتمة في حل المعضلة . وسيواصل الحزب موقفه الداعم للوحدة المعارض للانفصال، ويتعامل مع المتغيرات والمستجدات في حركتها الواقعية الملموسة ويحرص على بلورة رؤية مشتركة مع أطراف المعارض على نطاق الوطن.