....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-24-2024, 10:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-26-2007, 06:42 AM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله (Re: Abdulbagi Mohammed)

    لم يكن الأب مارشيلو مصدقاً لما سيحدث إلا أنه لو حدث سيكون غير مستغرباً من ليو وأن لم يحدث سيكون فأيضاً غير ذي غرابة .. مضى بحركته البطيئة التي اكتسبها من طول تقمصه لشخصيات أصحاب الفضيلة كما قرأ عنها وكما درسها منذ أيام شبابه ، مضى يشق الجمع البسيط من المشاركين من أصدقاء ومدوعين ليو ، فيوزع عليهم التحايا بالهمس مرات وبالابتسام أحياناً ، أضاء بعض الشموع على جانبي المذبح انحنى أمام المسيح متمتماً بعض الصلوات ،ثم ألتفت عليهم ، وقفت ايتوكا بجانب ليو .. لم تصدق ايتوكا كما لم تنبهر لما يجري أمامها فسمعت أصوات عديدة تحوم حولها ولم تستبن منها سوى الصوت الخارج من الصدى ليجب على أسئلة الأب وليردد صلواته وراءه.. باركهم الأب .. قبلها ليو ثم انقض عليها ووضعها على كتفه ، انزاحت ملابسها كاشفة عريها حتى أعلى فخذيها اللذين تلطخا بلون فستان عرسها البنفسجي ، سال لعاب من أعلى الصليب الذي خلف المزبح ، اندهش الأب فانتصبت قامته ..عض ود الأعرج على شفتيه في منزله وهو يؤدي صلاة المغرب .. تحركت العربة "

    "هذا ما قاله لي أحد العمال السابقين مع ليو مدعماً كلام سائقه"
    دخلت العربة البيت وسط ضحكات ليو ومحاولات ايتوكا للاستجابة ، فتح العمال أبواب العربة لهما مباركين ، أحست ايتوكا بقصر الجبل وتلاشيه حينما انحنت لها خادمة ليو الهندية فجذبها ليو للداخل بعجلة .

    أحس ليو بنظراتها تلتهمه فترك ايتوكا وهرول للداخل ثم خر ساجداً أمام صورتها التي استقرت على الجدار .. دلفت ايتوكا خلفه فتعرفت على صورتها التي لطالما رأتها في الصحف والمجلات القديمة التي كانت تقوم باستلافها من الراهبات .. اقتربت ايتوكا أكثر فتوقفت خلف ليو تماماً .. تأكدت من أنها هي نفس الملكة جالسة على كرسي كبير وبجانبها يقف زوجها بشواربه الضخمة وجسدها الفارع ..
    ***********************
    ولم أفعلها إلا بعد أن ملأني الخوف من أنك لم تعودي في حوجة لي "هكذا همس ليو للصورة وهو مطرق تماماً .. هربت ايتوكا للداخل .. هبطت عن إطار صورتها تلك ثم أشارت له بيدها ليتبعها وكذلك فعل زوجها .. وضعت ما استقر على رأسها جانباً وتحركت في الغرفة شبه عارية تماماً ، انخفضت الإضاءة قليلاً ، اندفعت صوب ليو بنهم بينما جلس زوجها يرقبهما بجوع يخلو من الشهية"
    ـ ألم أحذرك ؟
    هكذا رددتها بصوت متقطع يصعد ويهبط وسط ردود ليو التي كانت تخرج بنفس الإيقاع .. أطبقت أياديها عليه بقوة .. وقف زوجها منتصباً وهو يحس ليو على المزيد بشكل هيستيري

    ـ أنني لم أتحرك
    "قالها زوجها وهو ينزع شواربه عن وجهه بغضب .. دفن ليو رأسه بنشوة يطاردها الخوف في جسدها .. ضحكت بنشوة ثم ضحكت ضحكة جافة ، فقطع ضحكتها بطلقة مكتومة وأنين .. اهتز القصر "لقد انتحر" صاح ليو .. عدلت من هيئتها بعد أن وضع على جسدها كامل ملابسها الملكية
    ـ كنت أعلم أنه سيفعلها يوماً ما في أي لحظة مثل هذه "
    رفع ليو رأسه للصورة
    ـ أنتي التي دفعتيني لذلك ، لقد كنت لاعب كراكيت محبوب ،أجوب الطرقات مع من أحب وأقابل من أريد ، حتى إلتقطيني في ذلك اليوم ، أحسست بأنني حينها ـ كالنبي يوسف ، أعلنتِ لي عن حبك ومتابعتك لي ، فعلناها بجنون حيواني بعد نقاش طويل ، في ذلك اليوم لم أحس بشيء لقد كنتُ في النشوة وأعلاها .. كررناها فشعرت بنظرات تخترق ظهري من ثقب الباب .. طمأنتيني حينما حدثتك عنها .. صارت النظرة أكبر من كتلة على ظهري .. اعتدت عليها فعرفتيني بها .. صار يشاركنا المكان يراقبنا ويوجهنا أحياناً ،حينها أحسست بدوري كآلة .. حاولتُ الرفض بعد أن مللت ذلك هددتموني .. حددتم علاقاتي وحاصرتم مكان إقامتي .. بعد فعلته تلك تنفست بارتياح متخوف .. أعلنتِ لي أنني لك وحدك ثم أمرتِ بإبعادي سراً حتى لا أكون مصدر شكوك وبعيداً عن الصحف والمغامرين لكشف أعراض الملكة .. حضرت إلى هنا بعد أن ودعتني بدموع سخية ـ أذكرها جيداً ـ وعدتني بأن لا تنسيني وستطلبين حالما استقام كل شيء ، حتى هنا طالبوني بأن أكون في هذا المكان القصي وبعيداً عن أي صلة بك ، علمتُ لحظتها أنك دفنتني مع زوجك في ذلك اليوم ، المهم لم أصحو من وهمك إلا على صوت ود الأعرج يعلن زواجه التاسع والثلاثون داخل جنتي ، داهمتني الغيرة فنافسته عليها ، تنازل لي دون أي محاولة منه للتشبث بها ، سأنساك منذ اليوم"

    هكذا كان يتحدث أمام تلك الصور كلما سكر واجبر ايتوكا على السكر بجانبه حتى ، يدخل بها إلى عالم لا يتذكرانه ، أو يتذكران منه شيء بعد الخروج منه .. فشلت كل محاولاته في أن يفعلها لأكثر من مرة لوحده ، لكنه في الختام نجح في ذلك بعد أن أشرك ود الأعرج في ذلك دون حياءٍ من عماله أو حتى خادمته الهندية التي اعتادت أفعاله هذه منذ أن كانت صديقته يصطاد لها من يريد من عماله .

    صار ود الأعرج هو الأعلى أسهماً والأقرب إلى ايتوكا في كل أعمالها حتى نجح في الانفراد بكل ما تركه ليو بعد موته فلم يبقى لها سوى هذا البيت الذي اتضح بعد موتها أنه مرهون لود الأعرج مقابل أن يحافظ لها على مظهرها الذي اعتادت عليه أمام المحلين ورجالات الجيش الذين صارت تصطفيهم في مجالسها من حين لآخر.





    لم نوافق ـ أنا وهوريا ـ "للي" في أن نركب الدراجة مرة أخرى بعد أن خرجنا متجهين لوسط المدينة الذي احتوى سوقها ..الفنادق الصغيرة تناثرت على جانبي الطريق إلى الجبل .. فنادق صغيرة منها ما هو بأبواب حديدية ـ التي صارت ناجية من التخليع ـ ومنها ما هو بدون أبواب أو كان بأبواب خشبية تم خلعها فصارت كلها مهجورة لا تستقبل سوى الظلام ليلاً ، والضوء نهاراً إن كان هنالك نهار ..
    ـ لقد كانت ايتوكا تفضل هذا الفندق "قالتها للي وهي تحاول دفعنا لداخله" حتى بعد أن صارت لا تملك شيئاً كانت تأتي إليه لتقضي فيه لياليها مع أصدقائها من ضباط الجيش وغيرهم من المغامرين بالتقرب لها.. لم تكن تفضل السهر في بيتها ذاك ، هنا أقامت مؤتمرات عديدة لتسويق أفكار وأسهم شركاتها التي كان يقترحها عليها ليو

    أحسست بشيء من الحزن حينما دخلنا الفندق الذي فقد أبوابه وأثاثاته الخشبية إلا أنني ما زلت محتفظاً بإحساس الألفة مع الأماكن المهجورة التي تجذبني إليها وأفضل أن لا ينتزعني منها أي شيء .. رائحة الرطوبة تلفُ كل شيء خطوط كنتورية رسمتها الماء في محاولتها لتسلق الجدار بعد أن تسللت للداخل عبر الأبواب والنوافذ .. قلبي يضرب بعنف فجاءة ثم يهدأ لزمن طويل أنسى معه ضرباته العنيفة السابقة .. فعلاً لقد كانت أجمل من أن أقدر على وضفها .

    تجاوزنا حجرة الاستقبال .. انعطفنا يميناً نتبع هوريا الذي فلت منا للداخل فتركنا في قاعة طويلة يبدو أنها كانت تستخدم كمطعم وقاعة مؤتمرات واحتفالات عند الضرورة .

    صوت "للي" يخرج منها ويبلغني مختلطاً بالصدى المتضامن مع صدمات ايتوكا التي تلقتها بعد زواجها من ذلك الخواجة "ليو" سارت "للي" تحكي لتخفف من دهشتي لتلك العلاقة التي نشبت واستمرت بين ايتوكا وليو حتى موته .

    في البدء كنت أعتقد أنه يحبني بالرغم من أن هناك من هن أجمل مني لكن فورة جسدي وإعجابي بنفسي جعلت هذا الاعتقاد يرسخ أكثر .. تركتُ المدرسة وعملتُ معه كمصففة شعر في أكبر فنادقه التي يمتلكها .. لقد قبلني مرتين دون أن يسكرني ،كما كان يفعل معي دائماً ،فصرتُ معه أسكر حتى لا أعي في الصباح ما حدث لي ليلاً ، قررتُ أن لا أسكر وأخبرته بذلك لكنه كان يسخر من ذلك ثم يأتي ويصر على أن أشاركه الشرب أغرقني بالمال والهدايا لم أسكر لكنني افتعلت ذلك ، حملني على كتفه ، لقد كنت واعية لم أكن أشك في أي شيء فقط لا أريد أن أسكر كما لا أريد أن أغضبه ، تركني كما ولدتني أمي على السرير ، ناداه باسمه ، قفز إلى السرير ، خِفتُ في البدء أن يعضيني لكن يبدو أنه دربه على هذا ، لقد كان منظر بشع بالنسبة لي .. استسلمت له خائفة ، لكن ماذا يعني هذا ؟آ لهذا يأتي بي كل يوم فاقدة الوعي ؟ افرغت كل ما في بطني وبدأت احتقر نفسي ، كدت أن أثور عليه ، لكن ماذا سأفعل بدونه هو الذي نجح في أن يفصلني عن أسرتي وكل الذين حولي ، تعودت على كل شيء أراده لي المهم واصلتُ معه بكل شره ومرضه هذا حتى حضرت إلى هنا يوم زفاف ايتوكا لتجهيزها فقررت أن لا أعود ..

    تحول صوت "للي" إلى حوار حزين مع صدى صوتها وهذا المكان ، لم اندهش لحكايتها تلك بقدر دهشتي لطريقة سردها لها ..

    ـ "رش الجسم بماء البحيرة هذه من أسفله إلى أعلاه يقلل من الدهون ويحسن من شكله وملمسه كما يساهم في تنشيط الدورة الدموية ويخفض من حجم الزوائد" فخبيرنا المحلي لتلنقوي الحائز على ثقة أطباء عالميين وخبراء التجميل ينصح باستخدامه والتركيز على المناطق اللحمية كالساقين والردفين على أن لا تزيد الكمية المستخدمة عما يصفه لك خبيرك الخاص الذي يحدد الكمية المطلوبة حسب حجم الزوائد .

    هكذا كانت ايتوكا تروج لمشروعها السياحي في المؤتمرات بالتركيز على البحيرة والطبيعة في منطقتها وهكذا افتتحت ندوتها عن التجميل وأدواته وإمكانية المنطقة الزاخرة بكل ما هو طبيعي للتجميل داعية الشركات للاستثمار بجانبها .

    ـ في البدء وقبل كل شيء هل تعرفون هذا "رفعت ايتوكا كيساً مملوء بفوح الياسمين " طبعاً لا لأن معظمكم لم يمر بسوق البلدة الشعبي أو لم يصل بعد لبحيرة الياسمين هذا أيها السادة الكرام "صمتت ثم ابتسمت في وجه أحد خبراء التجميل قام بتوجيه كاميرته الحساسة جداً صوبها .. طق كررر"هذا أيها السادة عبوة تقليدية لفوح الياسمين الصافي والطبيعي ابتكرها لتنلقوي مالك أسرار البحيرة قام بتحضيره عن البحيرة فوجد رواجاً وسط الأطباء والخبراء الذين ينصحون باستخدامه لتجديد الحيوية بعد النهوض من النوم مباشرة ومفيد لأشياء كثيرة
    "صمتت ايتوكا وهي تقلب وجوه الحضور في القاعة التي امتلأت بعبارات ممنوع التدخين" ماذا لو طورنا هذه العبوة ، أي جعلناها مواكبة للأناقة والذوق العام بدلاً عن هذا الكيس الذي لا يعبر عن ما بداخله تعبير حقيقي يدفع المستهلك لاغتنائه إلا إذا قام البائع بالإصرار والإسهاب في شرح مزاياه للمشترين .. لقد طرحنا مسابقة لتصميم الشكل الأنسب بعد أن حملنا إعلان طرحنا بكل ما يساعد المصممين على إيجاد الشكل الأنسب .. وقد فاز هذا التصميم "أخرجت ايتوكا فتيلاً من يد وصفيتها الهندية التي كانت تقف بينها وبين ليو .. اهتزت الجدران لتلك الصفقة التي انفجرت فجاءة في القاعة " سوف نطرح الأسهم منذ الآن أمام كل الذين يودون المشاركة في هذا المشروع .

    ما أن انتهت ايتوكا من حديثها حتى تدافع الحضور لاغتناء الأسهم بواسطة وكلاءهم ومساعديهم .. نهضت ايتوكا مبتسمة تدعي طرد الإرهاق والتعب الذي تجاهد في أن تدعيه أمام الخبراء فباءت محاولاتها بشيء من النجاح لم ينطلي على ود الأعرج وليو اللذان لم ينسيا تاريخها في مزارع التبغ .. نزلت ايتوكا من أعلى المنصة داعية الخبراء والمشاركين إلى جولة حول مدينتها والبحيرة .

    ما أن وطئت قدما ايتوكا الأرض حتى تجمع حولها الصبية والعجائز من الأهالي يعلوهم الإرهاق والدهشة للضيوف الذين بصحبتها .. تجمع المحلين يحملون أكياس الياسمين الطبيعي فتعالت أصواتهم تنافس بعضها وتتصارع على هؤلاء المشترين الذين سرتهم هذه المنافسة مما أثار حفيظة ود الأعرج و أيتوكا معاً ، انسحبت ايتوكا للوراء .. خرج ود الأعرج وعاد بعد زمن بسيط يجرجر مجموعة من رجال الشرطة والجيش .. أعلن قائد الشرطة فشله قبل أن يبدأ ..قام الأعرج بسحبه جانباً ثم أطلقه .. عاد فتغئ ذلك القائد تعليمات بصوت جهور اندفع رجاله بوحشية على الأهالي والصبية .. أخرج الضيوف كاميرا تهم الصادقة الإحساس وأعلنوا إعجابهم بهذا المشهد التمثيلي ، ثار الأهالي على الشرطة والشرطة على الصبية ، انسحبت عربات الضيوف خلف ايتوكا بعد أن سجل الصراع موت عجوز وإصابة بعض الصبية بجروح بالغة وأخرى طفيفة .

    اندفعت العربات صوب البحيرة تسبقها الكاميرات التي حرصت على تسجيل كل ما هو جميل أو كل ما يصلح للمشاهدة وإثبات أنهم كانوا هنا .. توقفت عربة أيتوكا ، هبطت بعد أن غيرت ملابسها بأزياء رياضية أبرزت كل مفاتنها التي أثارت ود الأعرج وضيوفها .. ابتسم ليو لنظرات الإعجاب التي سارت تتحول لأصوات غزل هامسة ..
    ـ لتنلقوي "صاحت ايتوكا" جلست على مقعدها السياحي" إنه أطرش لا يسمع لقد كان يسمع ويتحدث إلا أنه فجاءة صار أطرش "نهضت ايتوكا ثم جمعت الضيوف شارحة للمكان أجوائه الأسطورية التي تجذب كل من له حس طبيعي ، كما عبرت ايتوكا .. ظهر لتنلقوي بجسده القوي العاري من أعلاه .. انشغلت يده بحربة صغيرة بينما عملت الثاني على حك رأسه الذي علاه الشيب بالرغم من عمره الصغير جداً .. راحت أعينه تبحث فيهم عن شيء لم يحدده .. أشارت اليه أيتوكا معرفة الضيوف به .

    "لتنلقوي خبير البحيرة ومالك أسرارها وأسرار تجميع فوح الياسمين فقط أطرش ..
    ما أن خلصت ايتوكا من تقديمه حتى اندفعت إحدى الخبيرات نحوه فاحتضنته طالبة صورة معه في محاولة منها لسحب الأنظار عن ايتوكا فجاءت محاولتها الناجحة باستسلام لتنلقوي لدفئها النحاسي لاعناً سرعة الالتقاط ، ظهرت صورته معها معبرة كما قال مسئولي الدعاية والإعلان ففازت ببطولة أحد الأفلام بعد أن ظهرت صورتها في مجلات بلادها وهي تلتصق بلتنلقوي المسترخي .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    تقافزت ضحكاتهم المصطنعة والمجاملة أحياناً فدخلت العربات .. دارت المحركات عائدة مخلفة ضجيجها ودخانها المختلط بفوح ياسمين البحيرة ، انعطفت يميناً ثم سلكت طريق عودتها تشق مزارع التبغ القديمة .. انفجرت أصوات الأهالي من خلف أشجار المانجو التي أخفتهم وغضبهم الذي صبوه على عربة ايتوكا وود الأعرج .. زادت العربات من سرعتها تطاردها اللعنات هتافاً لا يسمع من وراء الزجاج فبدأت صورهم مثيرة لضحك الضيوف ولقلق أيتوكا .. انصبت معظم اللعنات المقذوفة على عربتها المشهورة عدلت ايتوكا من وضع نهديها في حمالة النهدين ثم انحنت على مرآتها لتتأكد من زينتها .

    ـ بهذه الطريقة سيفسدون كل ما نفعل من أجلهم
    ـ رجال الشرطة لا يريدون التعاون "قالها ود الأعرج ملوحاً ببعض تهديداته التي كثيراً ما تخيف ايتوكا"
    ـ سأقابلهم غداً .. سأجتمع معهم والأب
    هكذا قررت أيتوكا بعد أن دخلت مرآتها منتزعة من صورتها فيها شيء من الإصرار

    توقفت كل العربات أمام الفندق الذي ازدحم بالضيوف المقيمين فيه والعابرين والباحثين عن أمسية تشاركهم فيها أيتوكا بعد أن تظهر إعجابها بجلستهم .
    ـ لذا أفضل شراء الملابس الداخلية على غسلها وعندي الآن العشرات من الصناديق الممتلئة بها
    قالتها إحدى خبيرات التجميل وهي تحاور أيتوكا في إمكانية إنشاء مصنع للملابس الداخلية

    ـ لكنني لا أحس بإلفه مع الملابس الداخلية لذا ،ودائماً ما أحاول التخلص منها في أول فرصة لذلك

    خرج ليو فتبعته ايتوكا بنظراتها من خلف دخان جليستها الباحثة عن أي دعوة لأي سهرة بعد أن فشلت في الترويج لمشروعها .


    اجتمع الأهالي وزادهم مكبر الصوت تجميعاً .. نزلت ايتوكا بعد أن ارتدت ملابسها الصباحية، لم يزل طعم النوم يطاردها ملطخا بحلم تليه .. وصلت مكان تجمعهم بعد أن مرت في طريقها بالأب ليشاركها في لقاءهم ..طرد المحلين الخوف وكسروا حاجز الرهبة حينما رأوها .. ظهرت أمامهم بزيها الشعبي المكتمل .. صمتوا حينما لوحت يدها في الهواء ملقية التحية والسلام بلغتهم المحلية التي كادت أن تنساها .. صفع الطرب أجسادهم وتخللها من كل حواسهم حينما شاهدوا لغتهم تسلل لآذانهم من خلف مكبر الصوت لأول مرة .. صفقوا بأيديهم وأرجلهم وبدون أرادتهم خرجت الهتافات بحياتها .. دخل الأب "مارشيلو" بجانبها بعد أن أكملت حديثها ووعدوها .. ابتدر الأب حديثه معهم بطريقته التقليدية في الكنيسة أخرج المتعلمين منهم أناجيل بلغتهم المحلية ثم أطرقوا يتابعون فيها ما يقرأه الأب ..

    ـ لتثبت المحبة الأخوية .. لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون اذكروا المقيدين لأنكم مقيدين معهم .. ليكن الزواج مكرماً لديكم وليكن المضجع غير نجس ، أما العاهرون الزناة فسيدينهم الله .. لتكن سيرتكم خالية من محبة المال .. كونوا مكتفين بما عندكم لأنه قال لا أهملك ولا أتركك حتى أننا نقول واثقين الرب معين لي فلا أخاف ماذا يضيع الإنسان في ..
    فلنصلي .

    أطرق الجميع في خشوع بالغ مرددين صلواته بهمهمات فطال إطراقهم وامتد حتى مرت كل العربات وعادت بما لا يعرفون

    ـ أمين !!
    هكذا أنهت الجموع صلواتها خلف الأب .. هتفوا بحياة ايتوكا بعد أن قامت بتقسيم بعض الملابس المستعملة للصبية وألحقتها بحلوى زرعت الفرحة في قلوبهم فردوها لها حزن عميق على مقتلها فساهموا في تشييعها بأكبر قدر من الدموع في يوم القداس الذي أقيم لها ولم يحضره سوى الأهالي بصبيتهم والأب برا هباته.


    تركنا معظم المدينة خلفنا وسط شرح "للي" لكل شيء تعرفه عنها .. صمتنا لمدة ليست قصيرة ونحن نسير على أرجلنا ونستعرض ما سمعنا عنها ممن قابلناهم .. انتزع هوريا الدراجة فجأة من بين يديّ "للي" وهرب بها أمامنا ، صرخت "للي" صرخة أرادت أن تطرد بها الصمت والحزن ثم ركضت خلفه .. قفز هوريا بسرعة على ظهر الدراجة ثم صار يمد لها لسانه كلما سنحت له الفرصة للالتفات وسارت الضحكات تمتد بينهما كجسر قوي نجح في إزالة المسافة بين ضفتين .. تعبت "للي" من الركض والضحك ، عادت ثم لفت يديها حول عنقي متعلقة بي من الخلف وهي تلتقط أنفاسها من وسط ضحكاتها .. فكت يديها من حولي حينما لم استجب لكل ما فعلت بأي حركة ما ، سوى تفكيري الداخلي فيهما معاً ـ
    دفعتني من الخلف بكل قوتها
    ـ ألا تريد أن تحاول؟ هيا
    ركضت مدفوعاً بأيديّ للي من الخلف .. لم ينتبه هوريا لركضنا إذ بدأ يسير ببطيء
    ـ جوني .. إنه وراءك "صرخت فيه فزاد سرعته دون أن يلتفت ليرى ماذا هناك يئست من اللحاق به .. ضربت الأرض بقدمي تلاحقت أنفاسي أخرجتني "للي" من الطريق الرئيسي ويدي حول عنقها ويدها اليسرى على ظهري وتجاهد أن تكون على كتفي .. دخلنا لطريق أقدام يختصر المسافة للبحيرة عبر مزارع التبغ القديمة التي مازال التبغ ينمو فيها كل عام بمجهوده الخاص ..
    ـ أسمع حينما نصل لابد أن تحمل معك حجر من الحجارة التي سنجدها حول البحيرة
    ـ لماذا ؟
    سألتها
    ـ ألا تريده أن يقرأ لك مستقبلك
    ـ كيف.
    ـ إذا أردت أن تعرف أي شيء يؤرقك فما عليك إلا أن تسمي هذا الشيء وتختار أي حجر وتسلمه للكجور

    لم أستغرب ما قالته "للي" إذ أنني كثيراً ما سمعت عن أشخاص يقرؤون المستقبل بطرق عديدة في هذه الأقاليم ، وأنا شخصياً كنت أفضل قراءة حظي من بطون الحيوانات التي كنت أصطادها دون أن أفسد أمعائها كلما سنحت الفرصة لذلك بين تلك القبائل الرعوية التي عشت بينها مدة ليس بالقصيرة في هذه الأحراش و قبل أن نحضر لهذا الاتجاه ..

    استقبلنا بصمته العاري وطبله الناطق المغلف بالخرس وابتسامته تخبرنا بأنه في خدمتنا وخدمة كل من يلجأ للبحيرة ،التي هو فارسها ومالك أسرارها، .. انتظرتُ أن تبدأ "للي" لأنها أدرى بالطقوس المتبعة ، إلا أنها رفضت ذلك
    ـ لا أريد أن أري الأشياء السيئة قبل أن تحدث ، أبدأ أنت "قالتها وهي تقذف حجرها لخارج كوخ من القش و مظلم ،لقد كان هو الناجي الوحيد من الاحتراق ..

    زحفتُ صوبه دون أن أكلف نفس عناء الوقوف والجلوس مرة أخرى .. صرتُ بالقرب منه وللي خلفي تماماً.. كشفتُ الحجر الذي بيدي ، ابتسم ابتسامة بطعم مر نظر للحجر بعمق ثم قذفه داخل "قرعة" امتلأت ماء صافي أمرني بعينيه أن اقترب وأنظر معه لذلك الماء ، فعلت فغاص بعيداً أحسست بماء بارد حول جسدي رأيتهم وسمعت صوته.
    "في صباح ذلك اليوم ، انفتحت مغاليق أعينهم صاروا يرون من رحمها الشفاف كل ما هو خارجي وجميل ، رأوا وجهها يحمر ويزرق ورداً بلون ما جاورهم من الأمعاء .. عيونها الحزينة تبحث عن شيءٍ في القاع لتمسك به ، جحظت عينيها فأغمضهما الألم ، ارتجوا في الرحم فتكورت بطنها.. صرخت لفظهم الرحم لاعناً فرقتهم .. تدفقوا في قاع البحيرة ، صرخوا ترتعش أوصالهم من البرودة والجوع ، فتحت أعينها.. ابتسمت نصف ابتسامة ثم شرعت في إحصائهم بعيونها الرقيقة .. نادت كل منهم باسمة همساً .. تجمعوا حولها يترقبون مشهد انفلاق الروح المحبة لاوتنق عن جسدها البحري .. خرجت تاركة جسدها الزجاجي طافت بكل أنحاء البحيرة تتبعها طيور مائية وأسماك عطرية ، خلفت وراءها جسد ينبض زرقة زجاجية وجمالاً قدسي .. غطوها بزهورهم البحرية ثم شرعوا في التهام ما خرج معهم من الرحم من زجاج صمغي ليتقوا به لحين .. امتلأت أمعائهم رأوا عريهم .. طفحت الشهوة في أجسادهم اهتاجت البحيرة .. ضاقت .. جاء صوتها الإلهي النبرة الزجاجي الصدى من قمة الجبل
    ـ ما هذا الذي فعلتموه
    خافوا فارتعدت أجسادهم من الذعر والحياء .. تواروا عن أعين صوتها خلف الصخور البحرية ـ إلا أنها ترى كل شيء حولها بعين درِبة ، حاصرتهم نظرتها الغاضبة فصاحوا بصوت واحد
    ـ أننا لم نفعل شيئاً
    ـ إذاً أخرجوا لتروني "قالتها بصدىً أرعب لتلنقوي خارج البحيرة فاعتذرت له همساً"
    ـ لا نقدر على رؤيتك فوجهك يجهرنا
    "هكذا خرجت كلماتهم تحمل الخوف والتهجد"
    ـ إذاً لقد فعلتم ما ليس لكم به طاقة ولا قوة أسمعوني، جيداً وأصغوا لما أنتم قادمين عليه ها هو عددكم مكتمل تسعاً وتسعون ذكراً ومثلها من الإناث لن تنقصوا عن هذا العدد كما لن تزيدوا عنه ، إذا زدتم أحداً "مولوداً" من أصلابكم أخذنا من بينكم مثله بالموت والعذاب ، فإذا كان المولود أنثى أخذنا أنثى وإذا كان المولود ذكراً أخذنا مثله ولن نحدد الكيفية التي بها نختار من نأخذ حتى لا يكون التناسل بينكم وسيلة للخروج لمن سئم الحياة ..

    ألقت عذابها ثم انسحب صوتها ملتحفاً جسد أوتنق ، فانبهرـ لتلنقوي ـ لما يرى ويسمع أغلقت الدهشة أذنيه وطمرت لسانه فصار اطرشا، يسعى وسط التجمعات حاملاً حكاياته الخرساء ولا يجد من يبيعها أو حتى ينظر لها فبنى منها كوخاً وجاور البحيرة يأخذ نسبته من فوح الياسمين الخارج من جسدها ـ المسجي في قاع البحيرة ـ ثم يقوم بتعبئته على طريقته ويبيعه للسواح الآتين بصحبة ايتوكا والأهالي فصار مصدر دهشة للأهالي والضيوف .



    صاروا متحدين ضد ما تأتي به البحيرة من غضب وعذاب فراحوا يجوبون أعماقها بحثاً وحباً في البقاع فكان الضنك شريك مأساتهم ومأوى شهواتهم التي أعلن أكبرهم
    " رغم الضنك والعذاب إلا أن الحياة جميلة فأغلقوا مسارب الجسد واقتلوا الشهوة حتى لا نفقد من إلفنا فلا نجد له عوضاً في الجديد ، أضربوا في البحيرة لنحرسها وهذا الجسد الراقد بيننا فأننا منه خرجنا "
    ما أن انتهى من موعظته تلك حتى خروا سجداً أمام جسدها المغطى بالزهور وأجمل الأعشاب فاختاروا من بينهم حراساً عليه

    خرجت مجموعة التسعاً وتسعين رجلاً ومثلهم من الإناث في ذلك الجو الرهيب تهفوا قلوبهم للسمو من أجل البقاء والشهوة تحاصرهم والخوف من المجهول يطاردهم .

    تسلل أحدهم وأنثاه خارجين من البحيرة طافا في شواطئها التي لم تطفي ظمأهم أو شوقهم للعناق .. قادهم الفضول بين أشجار المانجو .. جلست فتمدد على فخذيها .. ضحك لتلنقوي .. أغمضت عينيها لطمتها أنفاس المتمدد على ساقيها ، سحب لتلنقوي نظراته وخطواته خارجاً فتوارى خلف أشجار المانجو ، فعلاها كالثعابين البحرية ولم يهدأا حتى سقطت عنه متورمة البطن فملا صياحهم الأرض بلغت دموعهم المالحة البحيرة فألهبتها بالحرارة قفزا للبحيرة منجذبين ، ذاع الخبر يسبقهم لأصقاعها ، غاص الجميع للأعماق بانسكار ..اتجهوا صوب الجسد الزجاجي النابض ورداً وعطر فكانت الوطأة أكبر حينما لحق بهم في الخطيئة عشرين زوج أُخر فصاح حراس الجسد
    ـ ها أنكم جئتم وعلينا أن نتحمل أعباءها مثلكم .. ليتنا فعلناها مثلكم أيها الملاعين ، ماذا علينا أن نفعل سوى أن ننتظر ميلاد من يخلف لنودع من سيذهب
    ـ واحداً وعشرون مرة واحدة يالكم من بائسين فعلاً
    قالها أكبرهم
    ـ ها أنكم تقللون من نسبة البقاء لكل منا
    مضى الصمت بينهم يعمق تفكير كل منهم في أمل البقاء
    ـ أنا أول من فعلتها وسأتحمل نتيجة ذلك إذا كان القادم ذكراً فأنا أول من يغادر
    ـ وإذا كانت أنثى فأنا أول من تغادر
    هكذا ساندته أنثاه
    ـ إذا كان هنالك خيار كما أبدع خيالكم لفعلناها يوم خروجنا "قالها ثم خرج وهو يعلن" خمسة عشرة أصابهن الحمل وستة تخلل الخوف والذعر سهامهم فطاشت إلى غير هدف

    ظهر ملل الانتظار والمجهول يسعى بينهم ناشراً الضباب في كل أعماق البحيرة .. الكسل يدب في أجسادهم وينخر عظامهم .. هرب الكثير منهم لداخله منكفئاً عازلاً نفسه عن نفسه.. اختفت كل سمات الفرح لقبول الحياة على علاتها .. انفلت كبيرهم في صلوات حول الجسد المسجي بازدراء مثير للدهشة والشهوة والاحترام .

    اشتعلت الرغبات في الخلاص وداعبت رؤوس البعض منهم الحلم بوضع نهاية وحد لهذا الذي يجري فخرج بينهم من يدعوهم جميعاً للاستماع إليه وإلى ما هو مقبل عليه .

    ـ لماذا نطرق ممعنين في تأليم ذواتنا أننا الآن لا نعرف ماذا سيحدث لنا ومن منا سيقضي نحبه فاسحاً المجال لوافدٍ من أصلابنا أليس كذلك؟
    ـ أجل صحيح
    ـ ماذا تريد أن تقول
    ـ لا تزيد بلوانا نرجوك
    خرجت الإجابات بشكل همهمات تحمل الرفض والموافقة وتخفي الرغبة في معرفة ما يريد أن يقوله .
    ـ لا أريد منكم جواباً لأنني أعلم ما أمر به هو نفس ما تمرون به لذا قررت وأرى أن تشاركوني قراري هذا
    صمت قليلاً يتفحص رد فعل حديثه على وجوههم
    ـ لنفعلها جميعاً ولنخرج عن هذه البحيرة ولندع ما سيحدث يحدث .

    ما أن انتهي من حديثه حتى قذفه الجميع بحصى البحيرة فظهر كبيرهم ملتحياً بالحكمة والهدوء .. فصاح صيحة يحاول بها قتل ما يراوده من حقيقة .

    ـ أنسيت الوعظ أيها الوغد ـ الذي خاطبتكم به كبنين "يا أبني لا تحتقر تأديبي .. لا تخُر إذا وبختك .. الذي أحبه أُؤدبه وأجلد كل من يقبله .. إذا احتملتم التأديب عاملتكم كبنين"

    ها أنا قد سمعنا قراره فاسمع قرارنا ، أخرج من بيننا حتى لا تبث سمومك فينا أخرج ودون أنثاك
    ـ سأخرج ليس لأنه قرار من الجميع لأنني أعلم أنه قرارك وحدك لكن لأنني فقط سئمت الحياة هذه وتقديسها الفارغ تحت هذا الجسد الممدد بازدراء.
    لفظ مقولته تلك وخرج فتبعه الكل خارجين بعد أن أحسوا شجاعة قراره وليس إقناعه ضاقت البحيرة وزادت حرارة مياهها فلفظت حراس الجسد بعيداً منثورين داخل الغابات نهاراً ، فعادوا ليلاً ، مزقوا جسدها فيما بينهم وخرجوا للأدغال مرة أخرى .
    ما أن خرجنا من بين عراف البحيرة حتى دخل كل منا في نفسه مرة أخرى يفكر فيما رآه وسمعه من حجر مستقبله ـ هاجمتني فكرة أن نرحل ونترك "للي" لوحدها خاصة وأن الرحيل سيكون يوماً ما ، فنحن ما زلنا متمردين وما زالت هنالك مدن وحواجز عديدة تقف أمامنا .

    ـ حتماً سنغادر هذه المدينة يوماً ما
    "هكذا همستُ لهوريا"
    ـ لكن هل ستقبل الرحيل معنا؟
    لن ترفض لأنها تحبنا وحتماً لن ترضى بفراقنا كما تدل وتقول كل تصرفاتنا سوياً .. لكن لماذا سيطرت علىّ فكرة رحليها .. الآن هوريا رأي ذلك في حجره
    ـ مستقبل مكتوب على حجر بهذه القسوة حتماً سيكذب ولتكذب نبؤة حجره هذه المرة
    ـ أجل فلتكذب النبوءة ولن نقول لأحد بأنه كذب
    هكذا رد على هورياً مقترحاً هذا الحل

    سارت للي أمامنا تسحب الدراجة بسرعة في طريق العودة ـ لم تنتبه لما دار بيني وبين هوريا . لحقنا بها يطارد صمتنا صمتها .. قالت لي وبحزن لأول مرة .
    "إن ايتوكا بعد موت ليو عاودها الحلم بعودة تليه لينتشلها من خبث ود الأعرج .. انتظرت وطال انتظارها .. صابها القلق ، فأنفقت جًل ما تملك فيما يمكن أن يعيده عن طريق الوسطاء والخطابات التي كانت تأتي دون ردود .. لجأت للوسائط الروحية من كجره وعرافين ولم تقتنع بأنه لن يعود إلا بعد أن اكتشفت إن ود الأعرج فعل كل ما يريد فعله وسحب منها كل ما تملك.. سارت في نفس طريق إدمانها للخمرة الذي رسمه لها ليو بحياته .. أصبح كل يوم يأتي بأسوأ مما كانت عليه .. دخلت في علاقات معقدة مع كبار رجالات الجيش في هذه المدينة .. أصبحوا يشاركونها سهراتها ولم تستقر حتى أخر يوم في حياتها على رجل منهم لتقنعه بأن يساندها حتى تتجاوز ما رسمه لها ود الأعرج بل صارت وحتى ذلك اليوم الأخير من حياتها ـ مصدر نزاع بينهم حولها ، فكان ذلك النزاع الأخير الذي نشب بين قائد الحامية الأسمر وكبير رجالات إستخباراته ذو الأصول التركية والذي قتلها بطلقةٍ واحدة حينما أحس بأنها في سكرها ذاك مالت عنه ولصديقه القائد .. لم تكن في وعيها لقد كانت في حالة سكر ذهبت بكل ما تملك من عقل وحياء وأشياء أخرى ولم تبقى لها سوى جمالها الذي توهج في تلك اللحظات حينما تخيلت فيها أن قائد الحامية العسكرية هو نفسه تليه ولم تكتشف حتى لحظة موتها أنه ليس هو ولا يجمع بينهما إلا السمرة التي هي القاسم المشترك بينهم جميعاً في حامية المدينة .
    ـ لماذا فعلت ذلك أيها النجس
    هكذا تحدث القائد بحنق هادئ
    ـ لا أنا ولا أنت أنها تسعى للإيقاع بيننا ، قبل حضورك أنا الذي حضرتُ معها وكانت تجلس معي منذ ما يزيد على الأربعة الأيام ، ما الجديد فيك حتى تكتشفه الآن أنني أشك في أنها مكيدة مدبرة لتوقع بيننا وتشق صف الجنود وتمزق صفوفهم لصالح المتمردين .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    سُجلت الحادثة دون اهتمام ، كما لم يهتم بها أحد من الذين كانوا موجودين في ذلك المكان من ضباط الجيش الآخرين ..اكتفوا بمنظر المراقب ثم ما لبثوا أن أخذوا موقفاً أكثر انحيازاً حينما أشادوا بموقف زميلهم الاستخباراتي والوطني جداً ، مما حدا بالجنود لممارسة هذه الفعلة كلما اختلفوا حول فتاة ما فلحق بايتوكا ما لا يقل عن أثني عشرة فتاة كانت أكبرهن لم تبلغ السابعة عشرة من عمرها ..صارت هذه الوسيلة خير طريقة لتعليم الفتيات ،المتقلبات المزاج والغير صبورات على غياب أصدقائهن، الولاء والوفاء لجندي واحد فصرن حتى بعد موت هذا الصديق يقمن بزيارة قبره ونثر الورود عليه وإرسال رسائل الغرام لورثته مع معاشه
    الشهري .

    تمدد جسد ايتوكا في ذلك المكان لمدة يومين يحمل نفس الابتسامة التي امتدت من بين شفتيها وحتى أقدامها الابنوسية وكأنها أُحييت في مقتل بوردة وأريجها لا طلقة ونزيفها .. لم يكن هناك وفي كل جسدها أي حركة تدل على مقاومة خروج الروح ،فعلق الطاهي الذي كان يقدم الوجبات لكبار ضباط الجيش
    ـ"أنها لم تريد أن تفسد ممارسة موتها بمقاومة يائسة"
    خرجت بقعة دم من نفس مكان دخول الطلقة لتحدد لون اليوم الحقيقي للحزن عليها .

    استحسن قائد الحامية تصرف زميله فأوصى بنقله حتى لا يلحقه غضب المحلين الذي استقبلوا الخبر بشكوك حول انتحارها الذي أُشيع بعد ذلك مباشرة لكنها ـ شكوكهم ـ لم تتحول لشيء سوى حزن ذهب بقدوم الحرب لديارهم ، شيعناها جميعاً ، الفتيات اللائى كن يعملن في الفنادق والمسنين من المحلين وعمال مزارع التبغ ولتلنقوي كجور البحيرة الذي كان الوحيد من بين الحضور يبكي بحرقة حقيقية وكذلك الراهبات والأب الذي اجتهد في أن يجعل من يوم قداسها حدث يلفتُ الأنظار لأفعال رجالات الجيش في هذه المناطق النائية والبعيدة عن المركز إلا أن اجتهاد الأب جاء فاشلاً رغم الدعوات التي أرسلها في كل الاتجاهات لمن يعتقد بأن أمراً كهذا يهمهم .

    غسلناها بماء البحيرة اتباعاً لتعليمات وتوجيهات لتنقوي ،"اقتصر التشييع وإلغاء النظرة الأخيرة على الأهالي وصديقاتها وبعض الترانيم الحزينة التي كانت تؤديها حينما كانت في كورس الغناء في هذه الكنيسة .. لم يكمل الأب مراسيم التشييع كما خطط لها حينما أحس بفشله فيما أراد .
    كانت للي تتحدث بحسرة حينما تقدم هوريا وسحب الدراجة من بين يديها ببطيء ، تخلت عنها بيدين ساهمتين في الحكي فأصبحتا خارج أرادتها فانتبهت لذلك وحاولت السيطرة عليهما بسحب المظلة من المقعد الخلفي للدراجة .. فتحت المظلة بالرغم من أنهاـ أي الأمطار ـ توقفت عن الهطول منذ لحظات ..صارت الشمس تظهر وتختفي خلف القيوم التي تتجمع متجهة صوب قمة الجبل .. حملت المظلة مفتوحة بيدها اليمنى فاشتبكت يدها اليمنى بيدها اليسرى
    ـ خير من يتحدث عنها هو قريبها بوالدها الذي كان يعمل سائقاً "لليو" ـ كذلك خادمته الهندية أنها ما زالت تقيم بالقرب من الحدود .. بعد حديث "للي" ذاك سعيت للقاء خادمة ليو الهندية وكان ذلك بعد عامين ..بالفعل لم أذهب لتلك المدينة بقصد لقاءها ولا بقصد السياحة بل لأسباب أخرى ..

    لم تكن تلك المرآة الهندية قد غادرت بعيداً وراء الحدود فلقد استقرت مرة أخرى في هذه المدينة الحدودية وكأنها رُبطت بشيء قوي على هذه الحدود .

    لم اتعب في البحث عنها كثيراً إذ أنني ما أن سألت عنها حتى جاءني رد إيجابي من أول شخص سألته .. كانت المدينة تتوسط حديقة حيوان مفتوحة مما جعلها عرضة لاستقبال ووداع السياح يومياً .. قادني حتى المكان المعتادة على الجلوس فيه خارج المدينة على الطريق الرئيسي المؤدي للعاصمة عبر جبال وغابات كثيفة يحفها قدر لا بأس به من السلم مما جعلها جاذبة لحيوانات غاباتنا التي فرت من أمام صوت السلاح ولجأت لهذه المناطق ..صارت المنطقة بؤرة كثافة حيوانية.. فكان كل الاستثمار التجاري الغالب يتعلق بالسياحة في هذه الاتجاهات من وطن "للي".

    ولم يكن المكان بعيداً حتى يحتاج لمواصلات من وسط المدينة كما توهمت واستأجرت دراجة بسائقها فلم نسير لأكثر من سبعة دقائق بالضبط في ذلك الصباح حتى لمحتها هي نفسها أمام مبنى ضخم أُستخدم كمتجر ومطعم ملحقٌ به بار .. استوقفتُ سائق الدراجة .. أخذ أجره ووضعه بجيبه دون أن ينظر إليه .. سحب دراجته وهو يطلق صفيراً استعراضي يلفت به أنظار السياح لحركاته ولمحبوبته الدراجة ـ كما يناديها ـ وهو يبحث عن سائح تائه ليوصله بها ..

    ألقيت عليها التحية وجلست قبل أن تدعوني .. ردت عليّ دون أن تخدعها نفسها أو عيناي بأنني جلست بجانبها للبحث عن مغامرة معها .. قدمت لها نفسي ولم تفرح لذكرى اسم تلك المدينة التي شهدت جزء من حياتها مع ليو كما لم تستاء .. لقد كان وجهها محايداً تماماً إلا من علامات وأثار نوم داخل برميل خمرٍ ويأس .. رحتُ أجرجر الحديث معها دون أن أُضيع زمناً يجعل لقائي بها سبباً لمجيء هنا .. استلمت مني الحديث تماماً قالت الكثير عن نفسها وعطرته برائحة خمرة اليوم أم البارحة ؟ لا شيء يوضح ذاك.
    ـ "كان أبي كثير الكلام وصعب المزاج حتى إن أمي ماتت نتيجة أخلاقه ومزاجه هذا ، ماتت وتركت لي أبي كورثة ثقيلة ، تحملته ، إلا أنه مات هو أيضاً وتركني في الثانية عشرة من عمري وفقري إذ أنه، أبى،مات نتيجة مصادرة أمواله وطرده من هذا البلد ،مات بذبحة صدرية ، أخذتني إحدى الراهبات الكاثوليك واعتنت بي بالرغم من أنني لم أتلقى أي شكل من أشكال التربية المسيحية ..واصلتُ معها في الكنيسة والتعليم المسيحي لمدة ثلاثة سنوات اختتمتها برفض للبقاء فيها ..كنتُ قد مللت الحياة تلك ،التي أعتقد أن أمي لن ترضاها لي ، عثر علىّ "ليو" هذا وأنا أبحث عن عمل كمترجمة لدى أي سفارة تحتاج خدماتي .. عاملني في البدء كصديقةٍ أعجبته فصرت أنمو وأحلم في كنفه.. لكن لقد كنت فتاة صغيرة أحس بداخلي تمرد حتى على الفستان ، لم أعد أحتمل برودة ليو إلا أنني تحملته حتى ذلك اليوم الذي أحسست فيه بأنه أصبح يعاملني كخادمة فصرت أبحث عن نفسي وسط مستخدميه هناك ، أعجبت بسائق تراكتور كان يلاحقني كلما توفرت له فرصة لذلك ، استسلمت له بعيداً عن أنظار ليو وصرنا نحلم سوياً بيوم أفضل يضعنا بعيداً عنه .

    صمتت وهي تنظر بعيداً بعينين تبتسمان بسخرية لذكرى مؤلمة .. طلبت قهوة لي ولها ، إلا أنها في اللحظة الأخيرة لمغادرة عاملة البار صاحت صيحة متآلفة مع المكان
    ـ "روي" لا أريد قهوة ربع براندي أرجوك
    بدأت لي وكأنها كانت تشرب منذ الصباح وقبل حضوري .. تناولت القهوة كما تناولت هي كأس بطريقة أثارت لدى الرغبة في مشاركتها أحست بذلك فدعت عاملة البار باسمها
    ـ "روي" اعتقد أن السيد يريد شيء آخر فاليوم هو السبت .
    إذا فاليوم خمرٌ وغداً خمرٌ طالما أنني لستُ على عجلة من أمري ، أو للعودة .. "هكذا همست لنفسي ..
    ـ أليس هناك غير هذا الكونياك لأنني أفضل الصناعات المحلية
    ـ لدينا "يوغندا عرقي"
    "قالتها بابتسامة كشفت عن أفضل أسنان لدعايات معجون الأسنان "
    ـ ربع منه اعتقد أنه خير ما يدمر هذا الصباح "ياروي"
    كادت أن تطيل الوقفة والابتسامة المضيئة لولا مضايقة الوافدين والمغادرين للمحل دفعتها لإفساح الطريق ..
    ـ "لم أكن أعلم أن ليو يتبع خطواتي ليوقع بي في شرك ما ، واجهني بعلاقتي بذلك الشاب بغيرة أثارت لدى الإحساس والرغبة في معرفة مشاعره تجاهي .. هددني بطرده وتشريده ، خفت خضعت لما يريد لقد كنتُ بعد صغيرة وكل ما أعرفه هو حبي لذلك الشاب وبعض المفاهيم التي حملني بها .. ابتسم ليو حينما فهم قصدي وطريقة تفكيري فحسني للإبقاء على هذه العلاقة فقط أن يكون هو طرف فيها يكتفي بمراقبتنا بثقب خصصه هو لذلك دون أن أخبر صديقي .. سرى الهمس بين عماله المنزلين فعلم صديقي بذلك وعلم أنني أعلم أيضاً استفرغ حبه لي أمامي واختفى ..لم أراه حتى الآن .. حزنت عليه حزن لم يجدي ولن يجدي كما أقنعني "ليو" بذلك ..استبدل صديقي بأصدقاءٍ يصطاد هم هو ويهيئهم لذلك بشتى الطرق والإغراءات "

    دخلت روي عاملة البار تحمل ما طلبت منها على صينية أنيقة بجانب ابتسامتها تلك فكانت صديقتي الصباحية قد أفرغت كل زجاجتها .
    ـ أنني جائعة ألن تطلب لي شيء يؤكل
    ـ اطلبي ما تريدين لكن أعلمي أنني لست سائحاً"
    تحدثت لروي باللغة المحلية جداً فلم استبن ما طلبت إلا أنني وبالرغم من طريقة إخراجها لما تريد مني شائعة لدى داعرات الفنادق والبارات في هذه الاتجاهات ـ إلا أنني اعتقدت أنها ما زالت متمسكة بأصولها الثقافية وستطلب أنواعاً من الخضارات إلا أنها صححت اعتقادي ذاك بدعوتها لي لأن أشاركها دجاجة كاملة محاطة باليام المسلوق ، رفضت فواصلت حديثها الذي صار يخرج من بين مصمصة شفتيها لطعم الدجاج وبقايا الخمرة على الفم .

    "حتى جاء ذلك اليوم الذي صار فيه ود الأعرج ينافسه أو فلنقل صارت علاقته معه مشبوبة بشيء من الندية والتنافس .. انتزع ليو ايتوكا من براثن ود الأعرج الذي كان يتزوج كل أسبوع من الفتيات الصغار للمحلين ويطلق متى ما شاء ذلك .

    لا أخفي عليك لقد أحسست بالغيرة بالرغم من أنني أعرف مقاصد ليو ، لكن أن يقوم بزواجها رسمياً وفي الكنيسة هذا ما أثارني وجعلني أحس بأن دوري اقتصر على خادمة ليس إلا.. إذاً لا أصلح لغير ذلك .. تضايقت من هذا الوضع فأحست ايتوكا بذلك وعلمت بما كان يربطني "بليو" حاولت أن تخلق معي علاقة ودية إلا أنني لم استسغ ذلك .. رحلت بعد أن مللت وضعي ذلك وبعد أن اكتشفت أنها أوفر حظاً مني .. "صمتت لمدة طويلة صارت تفتح أعينها وتقلقهما"
    ـ كيف ؟ "سألتها حتى ، لا أعطيها فرصة للخروج من إيقاع سردها أو الانفصال عن الشخصية التي ولجتها وهي تسرد
    ـ لا يا صديقي هذا يكفي فعليك الآن أن تُقبلني أو تدعوني لربع آخر .

    لم أفاجأ لطلبها ذاك إذ أنني في البدء اعتقدت أنها قفزت في حكيها لمكان آخر إلا أن مفاضلتها ما بين القبلة وربع الكونياك جعلتني ابتسم لطريقتها في المفاضلة .. فتذكرت الأفلام الهندية التي كنا ندمنها في أواخر أيام طفولتنا وبدايات شبابنا .. تذكرت صديق لي وحلمه بأن يقبل أي فتاة هندية حتى ولو ابنة ذلك التاجر الهندي التي حتماً سيصبُ في عناقه لها كل عشقه لبطلات تلك الأفلام الهندية التي كان يحفظها من بدايتها وحتى نهايتها مروراً بالغناء والضربات والقفزات من المناطق العالية ولحظات الحزن والبكاء والرقصات التي تتخلل الفلم..
    ـ هل تجيدين الرقص والغناء بالهندية "هكذا سألتها"
    ـ كلا أنني مواليد هذا البلد كما ذكرت لك
    ـ إذاً سأدعوك على ربع أخر ، اطلبي ذلك
    عدتُ لنفسي محاولاً الفرار لداخل المدينة خاصة وأنها بعد ربع آخر ستتحول حتماً لشخص آخر
    ـ ألم تتزوجي قط ؟ "سألتها لأقتل الزمن الذي ستستغرقه عاملة البار حتى تعود وتأخذ حسابها"
    ـ ألا تريد أن تتبول؟
    قالت فأحسست وكأنها تشاركني مثانتي وأيضاً لا تريد الرد على سؤالي فقررت أن أصر على سؤالي
    ـ أجل أريد لكن ما علاقة هذا بسؤالي
    ـ العلاقة أنني لا أريدك أن تتبول على ملابسك في هذا الصباح الباكر .

    حملتني بوصف جيد لدورة المياه داخل ذلك المتجر مروراً بالبار وحجرة استقبال الفندق .. اكتظ المتجر أو واجهة البار والفندق بالسياح المنكبين على شراء أشياء وهدايا تدل على أنهم وصلوا لهذه البقعة النائية والمتوحشة فكان الإقبال على قطع من مصنوعات يدوية لشنط وحقائب يد وكذلك تماثيل من العاج والأبنوس وعطور شرقية من أصل هندي .. خرجتُ عائداً لها بعد أن مسحت المكان الذي تفوح منه رائحة عرق سياح بلون النحاس وطعم الدولار.
    ـ ها أرجو أن تكون قد تبولت
    ـ أجل
    ـ ألم ترى ذلك الفيل الهندي العجوز الجالس على الكاونتر؟
    ـ تقصدين ذلك الرجل العجوز؟
    ـ أجل إنه زوجي يا صديقي ولا يهتم إلا بجمع المال والنظر خلسة لأرداف النساء وكذلك ضرب كل من يدعوني على خمرٍ
    ـ لم أكن أعلم أنك تريدين تأديبي
    ـ لا أريد تأديبك ، فقط أريد أن أذكره بأنني هنا وما زال هناك من يهتم بي
    بدأت وكأنها ستفقد وعيها وتسقط بعد لحظةٍ .. دخنت أكثر من أربع سيجارات من علبة تبغ مستورد .. صارت رموش عيونها ثقيلة لا تستطيع الصمود أمام دخول الضوء لعينيها .. قررت الانسحاب بسرعة ، دفعت ما يجب علىّ أن أدفعه وأرفقته بشيء بسيط من أجل ابتسامة "روي" الغالية جداً .. سرتُ مبتعداً فطاردني صوتها بعبارات الإعجاب ، قبضت على أول سائق دراجة أجرة وركبت خلفه ، رأيت زوجها بحدسي في باب المتجر يبحث بعينيه عن من أعجب زوجته وأسكرها .. ابتعدت الدراجة بعجلة فتخيلته وهو يسأل عاملة البار عن من فعل ذلك .
    عدتُ أحمل ما وجدته من تلك المرآة الهندية بعد عامين من هذا اليوم ،الذي كنت أسير فيه مع للي وهوريا ،خرجنا من الطريق الذي ابتدعته الأقدام للبحيرة .. اعتدلنا في السير على الطريق الرئيسي الذي يقود إلى الكنيسة من خلفها.. سرنا على إيقاع صمتنا لمدة لا أقدر على تحديدها حتى دلق هوريا صوت جرس الدراجة بشكل مزعج وكأنه يريد أن يغسل هذا الصمت وبأي طريقة .. لم أتحدث معه كما لم تفعل "للي" ذلك .. قرصتني "للي" على ظهري لتذكرني بوجودها فأعدت قرصتها تلك ـ كرد ـ لكن في مؤخرتها .. قطع هوريا صوت الجرس ودخل في غناء شاركته أنا فيه وكذلك فعلت "للي" لقد كانت أغنية شعبية لدى الثوار ،أو،المتمردين ومنتشرة حتى بين النساء والأطفال . سارت تلك الأغنية بيننا تختال بطريقة فرايحية وبإيقاع راكض.


    سار غناءنا يسبقنا إلى الكنيسة وما جاورها حتى وإن بعض الراهبات خرجن في ذلك الجو الهادئ المهيأ لأمطار خفيفة ليرين مصدر الغناء السائر في الطريق العام بشكل مفرح بالرغم من عدم زوال أثار جثث الموتى عن الطرقات .. اتجهنا صوب الكنيسة كما حددت "للي" في هذا الصباح لزيارة قريبتها الراهبة .. اقتربنا من الخلف للكنيسة ..صارت المقابر ترقد بيسارنا تماماً .. سحبتُ "للي" من يدها فتبعنا هوريا بالدراجة .. لم تكن المقابر داخل حوش كما تعودت أن أرى في معظم المقابر الملحقة بالكنائس .. سألت "للي" عن قبرها ، حددت قبر لم يكن يختلف في شيء عن القبور التي جاورته فعادت مترددة وأشارت لآخر ثم نفت للمرة الثانية بقولها أنه واحد من هذه القبور التي تتشابه وتسعى للانطماس بخطى حسيسة ، حاولت أن أساعدها فاقتنعت بحديثي بأنه هو ذلك الذي نمت على ظهره ثلاثة من الورود البرية إذ أن لونهما يدل على أنه مستمد من ثوب زفافها الذي صممته "للي" ومن لون ايتوكا المفضل .

    اقتنعت للي بحديثي وكذلك اقتنعت أحد الراهبات التي انضمت لنا بعد عناق طويل مع "للي" ، قدمتنا "للي" لها بلغة محلية وعرفتنا بها بشكل يدل على أنها كانت موضوع حديثنا في لحظات عديدة منذ أن التقينا

    تبادلت تلك الراهبة حديث طويل مع "للي" بلغتها المحلية ..لم نفهم منها شيء سوى التغيرات الواضحة التي طرأت على وجه "للي" .. أثار ذلك قلقنا ..صمتنا معتقدين أنها ألقت عليها خبر فقد شخص عزيز على "للي" .. لم نضايقها بالسؤال بل ساعدناها بصمتنا المتضامن مع حزنها عندما سرنا مبتعدين عن الكنيسة .

    توقفنا أمام بوابة الحامية العسكرية ، فواصلت "للي" أمامنا للبيت على ظهر الدراجة . دخلنا أنا وهوريا على صديقنا في البوابة نحمل مظلته .. تحركنا عنه بعد مدة قصيرة بادلنا فيها أسلحتنا بالمظلة .. تركناه مبتعدين فلحق بنا صوته يغير وجهة سيرنا
    ـ عليك أن تذهب للمسؤول السياسي لقد أرسل وراءك في المدينة أكثر من مرة

    سمعنا كلماته دون أن نلتفت له فقط أخذنا طريق آخر
    ـ مأمورية إذن .
    همس لي هوريا متمنياً عكس ذلك .. صمتنا حتى بلغناه كان قد خرج لاستقبالنا أمام عربة فارهة حاولت أن أتبينها من بعيد لم أستطع فعلمت بعد أن اقتربت منها تابعة لإحدى المنظمات الإنسانية العاملة في هذه المناطق المتضررة من الحرب والتبغ .

    ألقينا عليه التحية بحرارة وعلى شخص وقف بجواره ..رد علينا رفيقنا تحيتنا بابتسامة جميلة بينما اكتفي ذلك الشخص بتعديل نظارته السوداء التي يبدو أنها تُقيه شر هواء سرعة عربة فارهة كهذه .. تلاقت أُكفنا ببرودة ،أستمدها من أناقته ووسامته المنتشرة على جسده أو حتى دون أي ابتسامة .. جرني رفيقي الذي طلبني مبتعداً عن العربة وصاحبه .. ألقى على الخبر الذي لم أتوقعه قط أو أستوعبه حتى أحدد رد فعلي .. أشرتُ عليه بأن يستلم سلاح رفيقي الصغير حتى لا يثور .. فعلها بعد أن أخذ سلاحي أنا أولاً .

    ـ هوريا ضع سلاحك هنا في البيت لأننا سنركب عربة تابعة لمنظمة دولية وقانونهم يمنع ذلك كما تعلم .

    ركبنا جميعنا تلك العربة التي صارت غير مريحة البتة بالنسبة لي .. وصلنا بيتنا وجدناها واقفة خارج البيت وقد استعدت لذلك يبدو ..توقفت العربة .. نزل عنها وتقدم إليها .. عانقته بحرارة بل هو الذي عانقها بحرارة لأنها لم تحس معنا ببرود’ قط .. سحبها للعربة دون أن يتيح لها فرصة الالتفات إلينا إلا أنها تمكنت من ذلك حينما أنزلت زجاج النافذة فقبلتنا بعينيها الحزينتين أو هكذا تخيل هوريا حينما تذكرناها بعد ذلك بأربعة أعوام .

    ـ لا تخف أنها تحبنا أكثر منه يا هوريا

    ضرب هوريا الأرض بقدمه والهواء بيده الفارغة وهو يعض شفته السفلة ويهز رأسه ..
    ـ لكنها ذهبت ..

    10 أكتوبر 1995 ـ 12 مايو 1996
    1995 ـ 1996

    (عدل بواسطة Abdulbagi Mohammed on 03-05-2007, 03:03 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-21-07, 05:32 PM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Ali Alhalawi02-21-07, 11:44 PM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 07:35 AM
      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 10:24 AM
        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 01:22 PM
          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 04:59 PM
            Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 06:23 AM
              Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 10:39 AM
                Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 03:20 PM
                  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 03:43 PM
                    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Inaam Saad02-23-07, 06:29 PM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdelfatah Saeed Arman02-23-07, 07:55 PM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 06:18 AM
      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 06:24 AM
        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 07:08 AM
          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 09:02 AM
            Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 09:11 AM
              Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-26-07, 06:42 AM
                Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-27-07, 10:30 AM
                  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله shahto02-27-07, 02:04 PM
                    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-28-07, 09:58 AM
                      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-02-07, 08:32 AM
                        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-05-07, 03:15 PM
                          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-10-07, 00:50 AM
                            Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله محى الدين ابكر سليمان03-10-07, 05:53 AM
                              Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله عبد المنعم ابراهيم الحاج03-10-07, 06:09 AM
                                Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-10-07, 03:20 PM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdelfatah Saeed Arman03-13-07, 00:37 AM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-13-07, 01:24 AM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdelfatah Saeed Arman03-14-07, 04:18 PM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-14-07, 06:00 PM
      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Raja03-15-07, 06:17 PM
        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-16-07, 08:16 AM
          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-17-07, 05:50 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de