....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-24-2024, 07:17 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2007, 05:32 PM

Abdulbagi Mohammed
<aAbdulbagi Mohammed
تاريخ التسجيل: 12-12-2006
مجموع المشاركات: 1198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله

    1 تليه
    التحية لك و لكل الأصدقاء هناك
    صديقي دخلنا مدينتك،تلك المدينة الصغيرة، التي طالما حدثتني عنها، أجل دخلناها بعد حصار دام لأكثر من عامين متتاليين وحوار بالقذائف لم ينقطع أو يتوقف.. تذكرتُ حديثك عن ذلك الحوار الذي أنجب هذه المدينة ـ حوار البحيرة والجبل عبر رائحة الياسمين ـ لا أخفي عليك ،أعدنا إنتاجه حرباً بالرغم من أنني كنت أتمنى أن ندخلها دون معركة، أو، معركة اقل شراسة ، حتى لا نفسد وصفك لها ، لكنها هي ،الحرب يا صديقي لا تستمع للأحاديث الجميلة أو حتى الغناء الذي ليس فيه حرب ، فقط تطربها الانفجارات وتنبسط أساريرها لأنات خروج الروح.. المهم دخلناها بكل خير فينا وبعض شرورنا أو العكس.
    صديقتك أيتوكا؟ أجدني آسف لمصيرها الذي أظن أنه سيكون قد بلغك نبأها مع النازحين ،أو، الفارين صوبكم مع من أنسحب من جيش الحكومة ،أكرر أسفي لأنني لا أستطيع أن أفيدك بأي تفاصيل عما جرى لها لكن سأسعى لأن أعرف عنها ما يهمك أن كان ذلك يجدي بعد هذه المدة الطويلة .
    أعتقد أنها،أعني المدينة، صارت أكبر قليلاً عن تلك التي كنت تحكي لي عنها مما جعل من الصعب بالنسبة ليّ، انا، العثور على قبر والدتك خاصة وأن كل مواقع سكن المحلين قد تغيرت أو انسحبت صوب الجبل .. المواقع القديمة صارت امتداداً للسوق ولفنادقها، أي المدينة، إضافة لمباني البوليس الحديثة وكذلك الحامية العسكرية .
    الكنيسة ما زالت صامدة لم تتأثر بالقصف المدفعي الذي تركز على الحامية ، إلا أن بعض القذائف الضالة قد سقطت في فناءها..انكسرت ذراع العذراء اليسرى مما جعل الصبي الذي تحمله متشبثاً بها طيلة الوقت ،كما أصبح عرضة للسقوط ما لم يجد من يعيد ذراع والدته إلى مكانه حتى يتثنى له الاستقرار عليه مرتاحاً و 000
    ما أن وصلتُ هذا المكان حتى وجدتني أمزق الورقة للمرة الخمسين لأعلن فشلي وللمرة الخمسين أيضاً في الكتابة إليه ،قررت أن لا أحاول مرة أخرى، على الأقل الآن .. سحبتُ الفانوس المصنوع بيديّ بعد أن حاصرني دخانه وضعفت إضاءته .. ركلت الأوراق التي كنتُ قد كورتها بيديّ أيضاً ـ فأحدثت بعثرتها صوتاً أشبه بسقوط الجليد على النوافذ في الأفلام السينمائية .. دخلت "للي" راكضة من تلك البرودة التي لاحقتها من حمامها في العراء أمام الغرفة حتى أخذت موقعها بين يديّ.. استقبلتها بأحضاني وهي تقاوم الركون إلىّ .. سقطنا على السرير سوياً .. أمتد الصمت بيننا تتخلله أنفاس باحثة عن دفٍ ما في مكان ما من هذا السرير 0000 جلستْ 00 صبتْ كأس من الخمرة البلدية التي اعتادت على وضعها لي تحت سريري مباشرة ـ دلقتها على فمها بسرعة فائقة فأحسستُ برعشة الكأس الأولى تسري في جسدي قفزت من مكاني كمن لسعته عقرب فأصبحتُ في وضع الجالس بيسارها بعد أن أطلقتُ أسمها وكأنني أريد أن ألفتُ إنتباهها لشيء ما . قفزت ـ"للي" ـ على قدميها وهي تطلق صرخة ضعيفة
    ـ ماذا هناك ؟
    هكذا سألتني بعد أن تأكدت من عدم وجود ثعبان أو عقرب أو أي شيء يستدعى صياحي ذاك و بتلك الطريقة ..قفزت واقفاً بجانبها .. طوقت عنقها بطريقة درامية ـ أعتقد أنني استعرتها من ركن قصيٌ في ذاكرتي، ركن يخص الأفلام الهندية ولحظات العناق في الأفلام الكلاسيكية ، إذ أنها أقرب إليّ من الأفلام الحديثة التي لم ترسخ حركاتها في ذاكرتي لتؤثر على حركتي وتعاملي مع الفتيات ،أو، فلنقل تأثيرها لم يكن كتلك التي شاهدتها في طفولتي .. رفعت "للي" رأسها إليّ لتثبت لنفسها ،ولي أنا أيضا ،بأنني أطول منها ..غُصتُ عميقاً في عينيها 00
    ـ الحديد يهزمه الحديد
    والشوق يهزمه اللقاء
    وأنا تهزمني عيناك "يا للي"
    تنفسي ،
    تنفسي فإني أختنق
    هكذا تصاعد هسيسنا وأنا أستعير ذلك الشاعر بطريقتي مبعثراً تلك القصيدة بين أنفاسها و ثورتي الشرقية جداً ..ذهب الرعب الذي أحدثه تصرفي عن عينيها.. عادت إرتعاشة ما من مكان ما وذهبت بارتجافة الخوف والبرد أيضاً لمكان ما
    ـ لابد وأن الحرب قد ذهبت ببعض عقلك أيضاً .... لكن بالرغم من أنني لم افهم من حديثك هذا شيء ، إلا أنه يبدو جميلاً ،
    ـ وكيف توصلتِ ذلك ؟.
    قلتها وأنا اسحبني وهي للجلوس ... أدخلت يديها تخلل شعري
    ـ لأنه تسلل لأذني بعد أن مرّ برئتي أولاً .
    أخرجت يديها من شعري ثم وضعت رأسها على كتفي ..هاهي يدها اليمنى تقبض على الكوب تسللت من نهاية مقولتها تلك لأغنية باللغة السواحلية التقطت من مفرداتها الكثير وخمنت ما تبقى بطريقتي
    "أيها الحبيب الملائكي الطلعة
    حينما تذهب للحرب باختيارك
    تذكر أنني هنا ،وهنا فقط لانتظارك
    بالرغم من عدم اقتناعي الكامل بخيارك
    لكنني لا أملك سوى انتظارك
    وحياكة الأماني برؤيتك عائداً
    طافت ذاكرتي بأيام حصارنا للمدينة ، المدينةهذه التي قابض أنا عليها بيدي الآن ووجوه عديدة ،للموت والدمار، في حالتي النصر أو الهزيمة، تحوم حوليّ .. عدتُ، مسحتُ هذه المدينة بذاكرتي أبحث عن صورة لوالدة تليه ،لصديقته أيتوكا وصورة أخرى لـ "للي" قبل أن نلتقي بها .
    "لم تكن للي صديقتنا أو رفيقتنا أو حتى من المتعاطفين معنا قبل أن نجتاح هذه المدينة وننظفها من عناصر الجيش الحكومي ، العناصر التي فرت من أمامنا دون وجهة محددة وفر معها من امتلأ رأسه وقلبه رعباً من تلك الصور التي نُشرت عنا ،لم تكن "للي" صديقتنا إلا أن "جون هوريا" الصغير قد تمكن من إحضارها أو انتزاعها بقوة سلاحه الذي كان يحافظ عليه معبأً في مواجهة كل من يدعوه للتنازل له عنها أو لتركها لتذهب كبقية النساء اللائى رفضن البقاء معنا أو مع رفاقنا طواعية فأستنجد بيّ المسؤول السياسي في ذلك اليوم لأحررها من براثن رفيقي الصغير دون عنف معه، ذهبتُ له في ذلك المساء الثالث ليّ،لنا، في هذه المدينة إثر دعوة منه،جون هوريا، ليّ على العشاء .. رأيتها على ضوء ألسنة اللهب .. سرى تيار خرافي الطلقة أمتد بيني وبينها عبر النظرات فقط .. عدلتُ عن وضعي وعن فكرة إقناع صديقي بتركها تذهب فأقنعتها بأن تبقى معنا طالما أن ليس لها أحدٌ هنا أو زوج ، بابتسامة ارتحت لها كما ارتاح لها هوريا ،دعوتُ نفسي للإقامة معهم في هذا البيت أو في الركن القصي من الحامية العسكرية ، لم يكن هوريا قد تجاوز الثانية عشرة من عمره إلا أنه رفض الدراسة في مدرسة خصصت لهم ، هرب إلينا ونحن نحاصر هذه المدينة مع بعض زملائه الأقل عناداً منه فأوكلت إليّ مهمة إشراكهم في العمليات العسكرية وإبعادهم عن القتال المباشر ، كان هوريا فنان يحول بيديه البارعتين آي قطعة خشب تعجبه إلى منحوتة تدهش كل من يراها ، وحين يسأل وأحياناً عن أسم ما ينحت من أشكال يجئ الرد بسرعة الطلقة هوريا
    حتى سار ذلك الاسم الذي يطلقه على منحوتا ته واستقر على صدر أسمه هو ، نشأت بيني وبينه علاقة صداقة فنية وحوار ندّى عما ينحت دائماً "
    ـ شرب هوريا حتى سكر تماماً قبل أن تعود ، لماذا لا تمنعه ؟
    هكذا أخرجتني للي من صمتي بعد أن أنهت أغنيتها تلك بضربة خفيفة على خدي عند عودتها من إرخاء ستارة الباب ،المستعارة من جوالات الإغاثة البلاستيكية البيضاء ،وضعت رأسها على صدري وهي تمارس تمددها بجانبي
    ـ إذا كان إقناع هوريا بهذه السهولة التي تتصورينها لما كنا سوياً الآن أو في هذا السرير يا صديقتي .
    حينما أسلمتني شفتيها لأرتشف منهما بعنف مستساق ـ لم أتعلمه إلا بعد أن تمردتُ ودخلت لغابتها هذه ـ حينما تمردت يدي على جسدي وراحت تسعى وتعبث ـ كعادتها ـ في جسدها وتبحث عن مكان لها وسط هذا الفرح الناري .. أخذت أدغالها الناعمة الأشجار ترسل عطورها من كل جزءٍ منها وبأجمل مما احتوت عليه من قرنفل وصندل وروائح أشجار استوائية ،لا علم لي بأسمائها إن كان لها أصلاً وإن لم يكن فلا أريد أن أكون أول من يضع لها أسماء .. انزلقت يدي هناك ..ارتفعت ضربات قلبي تضخ براميل من الطاقة لجسدي و لها عبر الأنفاس اللاهثة .. صحت سراً بصديقي "تليه" ـ الذي أضحى لا يرى في هذه الأدغال سوى سموم نثرها أغراب في غفلة من الزمان وأهلها ،أخذوا عنه أمه بالموت وصديقته أيتوكا بالتنازع ـ صحت به سراً ليراني وهذه الغابة تغطيني ،تغسل عني كل دخان المدن المكتظة بالفوارغ والتلوث .. عدتُ لعينيها المغلقتين أمامي ،المشرعتين على محطة عودتي ..صاحت بي بلغة عربية مختلفة تأسرني حينما تتحدث بها وبنعومتها
    ـ بابا 000 أنك تقتلني
    أحسست بها تمتص كل شكوك تليه التي زرعها فيّ ، تحاورني عبر كل حواسي بصدق يملأني غيرة ممن سبقوني لها ، فأعود وأتصالح حينما يراودني الإحساس بأنني قادر على مسح آثارهم أو أوحالهم من كل أجزاء ذاكرتها .
    ـ بابا أنك 000 لن 000 آه
    بدأنا سرعة أعنف من خيول تتسابق للحاق بنقطة النهاية .. بلغنا قمة الجبل وصار التنافس على الشهيق.. أطبقت علينا الدنيا بأيدينا وأسلمتنا لصمت لا يقطعه سوى التقاط الأنفاس بعمق وإخراجها زفيراً ببط وهدوء .أخيراً وبعد مقاومة مرهقة الإقناع فعلناها بطريقة جديدة عليها وبجنون انتابني معها فقط.قالت لي –
    -يقولون أن من يفعلونها هكذا الفرق في زمن الموت بينهما لن يكون أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام
    -وما العيب في ذلك ، من جهتي لا أمانع في ذلك.
    --لكن الناس سيعرفون أننا كنا نفعلها كالخواجات .
    لم يكن تليه صديقي منذ أيام الطفولة أو حتى مراحل الدراسة المتقدمة ،لكن التقينا بعد أن قررتُ اختصار الطريق وعدم البحث عن عمل بشهادات أضحت لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به في حسابات القائمين على أمر تقييمها ..ملأت سطل ماء بالماء أخذت قطعة صابون ،لألتحق بأولئك القابعين أمام الفنادق الكبيرة لغسل العربات ،أو لمسحها مما علق بها من أنفاس الحاقدين وزفرات الفقراء 00 لم أعاني في التأقلم مع هذه المهنة ،أو مع أهلها إذ تقبلوني بترحيب حار بعد أن رأوا خبراتي التي اكتسبتها منذ أيام دراستي وصباي ،وجدتهم، أو، الغالبية منهم تحاول تجاوز مرحلة التشرد لوضعٍ أفضل ،فوجدوني أحاول استعادة وضعي الأول بعد أن خدعتني أوهامي بأن شهادتي ستضمن لي وضع ما أفضل من هذا، عموماً دعوني الأستاذ بعد أن رأوني أتصدى لبعض قضاياهم مع البوليس والمتطفلين ممن يرون فيهم مصائر أفلتوا منها ،في عاصمة تبتلع كل شيء بشراهة التقينا ،كانت تحاصره نفس همومي وهواجسي .. لم يحاول البحث عن عمل في نفس مجال تخصصه الذي اعتقدت أنه نادر ،إلا أنه شككني في ذلك حينما أخبرني بفصله بعد أن عمل لمدة ثلاثة أعوام في مؤسسة حكومية . .. كان السبب سكنه النأي الذي يجعل المؤسسة غير قادرة على توفير مواصلاته ،بالرغم من كل توسلاته المشفوعة بتنازلات عديدة منها حقه في المواصلات وحتى نصف راتبه إلا أنهم أحالوه للصالح العام على ما يعتقد هو ، وأنا أيضاً، جاء ليغسل العربات مثلي ، تعارفنا ، ودون جهد زالت المسافة بيني وبينه ، دعاني أيضاً للإقامة معه حينما شهد معاناتي في توفير مكان للنوم فتعرف عليّ أكثر وعلى توجهاتي الساعية صوب الأدغال الاستوائية .وفي واحدة من تلك الأيام التي زرنا فيها مشرحة المدينة التي اعتدنا على زيارتها كلما سمعنا خبر ،عبر الراديو، عن العثور على جثة امرأة مجهولة غريقةٌ في النيل أو قتيلة بأي طريقة أخرى .. بالرغم من أننا لم ولن نتمكن من التعرف عليها إلا أنه أكد لي أنها ليست هي وأنه مؤمن بأنه سيجدها ولو قبراً ، كان ذلك بعد أربعة أعوام من اختفاءها هي وصديقاتها ، لم تظهر بالرغم من ظهور كل من كن معها ،قال لي في ذلك اليوم
    "في نفس اليوم الذي التقيت فيه "بادليو" أحسست بفرح من وجد نفسه بعد ضياع طويل أو فلنقل أحسست بأنني التقيت بشخص لن يرفض انتمائي له .. إنه .. إنه خال "ايتوكا" ..... حقيقة كنتُ قد فقدت كل ما يربطني بأهل أمي ،أو فلنقل أنني ورثت موت علاقة أمي بأهلها منذ حياتها وحتى بعد وفاتها ، لأنني كنت أخاف أن لا يُنظر إليّ إلا كثمرة رفض أبنتهم لخيارهم وسعيها وراء خيارها المرفوض سلفاً وحتى بعد موتها . لم يبقى لي سوى أيتوكا .. تزوجت هي بدورها على ما اعتقد من خواجة حينما أحست بطول غيابي واحتمال عدم عدوتي .

    في نفس اليوم الذي قابلت فيه "ادليو" ذهبت معه لمكان إقامته ،ركبنا بص ونزلنا ،ركبنا آخر ونزلنا ..ركضنا ثم ركبنا عربة أخرى ليس بها ما يدل على أنها كانت عربة في يوم ما، حتى نزلنا هنا ، سرنا مسافة ليست بالقصيرة وسط بقايا عربات وحديد محترق لم ينتهي إلا تحت ذلك التل الصغير ..صعدناه وحينما بلغنا قمته صفعتني أشعة الشمس على وجهي بعد أن كانت تلهب ظهري فاعتقدت أن الشمس هنا شمسين لولا أنني تبينت أنها مجرد إنعاكس أشعة الشمس على منازل الصفيح المتناثرة بإهمال ..تخللتها بعض بيوت الطين التي لا تدل إلا على قدم حلول ساكنيها بهذا المكان وتمسكهم به ، اندفعت أجسادنا محمولة من فوق التل على أجنحة السرعة الإجبارية تجاه هذا القاع من المدينة ..ظهرت لي معالم الطرق الصغيرة والأزقة .. حاصرتني رائحة مياه لن تشتمها إلا في مكان يمارس فيه الحب في أي وقت ،لا يهم طالما ان المسالة خاضعة لقانون العرض والطلب ، رائحة مختلطة برائحة الخمور البلدية والغناء الذي يتسلل من بينها في محاولة منه، أي الغناء،لخلق جوٍ من الفرح ،ينجح أحياناً ويفشل مرات عديدة ،بسبب الشتائم وأصوات العراك التي تتخلله .. الصبية في كل مكان من الشارع يتقافزون هنا وهناك حتى جعلونا نتلمس طريقنا كالعميان .
    - ادليو أرجوك اجعله من نصيبي أجعلك والد لأبني حينما يرزقني الله بذلك
    هكذا غازلتني ميمونة بضحك وغنج حينما رأتني لأول مرة
    - شكراً لقد تعبت من تربية أبناء الحيّارى
    "هكذا رد عليها ادليو دون أن التفت أنا عليها بعد أن تجاوزناها"
    -والله يا ادليو سأموت من أجله
    -تموتين من اجله أم من أجل جيبه
    لم تستجب لرد ادليو لقد لحقت بنا حتى البيت ، لقد كانت جميلة حقاً ، جلست بجانبي ، لا أخفي في البدء تعاملت معها كداعرة إلا أنها أجبرتني لأن أغير فهمي لها خاصة بعد أن أحاطتني بدفٍ لم أحس به من قبل .. نجحت في انتزاعي من زميلة دراستي تلك ..شجعتني على مواصلة الدراسة كما ألقت على عاتقها مسؤولية نجاحي في ذلك الظرف الذي صرنا نتنفسه سوياً .. رحل ادليو ولم أتمكن من الانتقام له سوى أن أرعى أسرته ..في نفس يوم موته أخذوها هي وصديقاتها ..لم أستطع إعادتها فاحتفظت بفانوس بيتها هذا مضاءً وسأحتفظ به حتى تعود أو حتى لا أنساها يا صديقي" .

    ـ ها.. "للي لماذا لم تهربي من هذه المدينة قبل المعركة أو حتى أثناءها خاصة
    وأن قدراتك تتيح لك ذلك.
    هكذا سألتها محاولاً الإمساك بأطراف الحديث لأول مرة لأعرف عنها شيئاً ، بعد أن وضعت ركبتها اليسرى وجزء من فخذها بين ساقيّ الممدتين باسترخاء تام . نهدها الأيسر يضغط على كتفي الأيمن وينقل إلي جسدي تردد ضربات قلبها.
    ـ لا أريد أن أبتعد عن مدينتي الكائنة بإصّرار خلف الحدود ، هل تعلم أن لك
    طعم.. طعم مختلف عمن قابلت؟

    قذفت بسؤالها دون مناسبة وكأنها أرادت أن تهرب من سؤالي القادم ، كدت أصر عليها بسؤال آخر حتى لا تهرب إلا أنها كانت أسرع مني
    أنك تجيد الثرثرة المريحة .. ففي كل لحظة أراك أري لهفة اللقاء الأول.. أري وكأنك تلاقيني لأول وهلة ،أو فلنقل ، كأنني سأضيع منك غداً .. كما وأنك تتحدث بيديك بشكل يضفي عليك طعم لا أستطيع تسميته .

    لم أكترث لحديثها لأنني فعلاً أجيد الثرثرة ولا أعطي محدثي ظهري بسرعة ، أما يدي فهي متمردة علىّ ،لا أقدر على التحكم في حركاتها ، لذا لا أنشغل بها كثيراً ألا إذا اكتشفت مجاهل لم أبلغها من قبل
    - لم تتزوجي قط؟
    هكذا قررت أن أسألها مباشرة طالما أنها تحاول المراوغة أو تغير الموضوع ، صمتت لمدة قصيرة وكأنها تريد أن تستجمع أنفاسها ،أو، قوتها الهروبية أو تنسيق وتنميق إجاباتها بالرغم من جمال عفويتها وتلقائيتها حينما تحاول أن تجيب دون تفكير فيما تريد قوله .

    ـ كان زوجي من نفس أبناء مدينتنا ، إلا أنه من قبيلة أخرى رعوية التقينا هنا في هذه المدينة ، كان يعمل كسائق عربة تهريب مع أحد التجار من القادمين من الشمال،أو فلنقل ، من "العرب" ، لقد سافر مع هذا التاجر بما يهرِبون ولم يعودا ، عبرا الحدود فأغلقتموها وراءهما ، قبل حصاركم للمدينة بأكثر من عامين ، لم يبلغني منه أي خبر أو من الممكن أن يكون قد فقد الأمل في إنجابي ، أو، لا اعلم ، لكن أحياناً يقولون أن المتمردين قتلوهم ، لكنني لم أصدق ذلك
    - إذاٍ لم تنجبي معه؟ "سألتها"
    - أجل والـ ..السبب أنا
    - لماذا؟
    - لأن أبي لم يتمكن من دفع مهر والدتي وبالرغم من ذلك ذهبت أمي إليه بعد أن أنجبتني لتقيم معه ،غضب أهل والدتي وقالوا لها ها انك تنجبين لكن عقابك سيكون على ظهر بنتك، أي أنا، وهذا يعني أنني سوف لن أنجب ، لكن زوجي هذا سافر ودفع مهري مباشرة لأهل والدتي حينما علم سبب عدم إنجابي فلم يتبقى لهم إلا أن يقوموا بإجراءات "السبر " حتى يزيلوا عني غضبهم على والدتي .

    لم أستغرب لحكايتها أو لتفاصيل عدم إنجابها إذ أن أحد رفاقي سافر عنا ،قبل عامين، لأهل والدته بنفس السبب حينما أكتشف بعد ثلاثة سنوات من زواجه عدم قدرته على الإنجاب وحكايات كثيرة مماثلة سمعتها من زملائنا الاستوائيين ،الذين هم امتداد لثقافة "للي" هنا أم هي امتداد لثقافتهم هناك ،خلف هذه الحدود الكائنة بقوة حب السلطة والتسلط ،لا برغبة القابعين خلفها، لا يهم بالنسبة لهم لأن لا شيء يفصلهم سوى الحدود المرسومة على الخرائط المعلقة في مكاتب الجمارك أو نقاط التفتيش الحدودية .

    -هل تعلم أنني تركت الدراسة بالرغم من أنني وصلت مرحلة متقدمة في "سانتا ماريا" هناك، تركتها فقط لأنني كنت معجبة بمصفقة الشعر ومصممة ملابس العرائس، التي كانت تسكن جوار سكن الطالبات ،الذي كنت أقيم فيه؟ .. نجحت في العمل معها في أكبر مكان لتصفيف الشعر يمتلكه أحد الخواجات في أكبر فندق في مدينتنا التي تكبر العاصمة حجماً وازدحاما .

    أحسست بأنها بدأت تسلم نفسها لخدر الخمرة والثرثرة دون أي حاجز ..سارت بحديثها الشبه مهموس لتغسل النوم عن عينيّ وتجعلني متأرجح بين صوتها وصوت أنفاس الجبل التي تخترق الحائط والضوء الخافت في الغرفة .. حكت لي الكثير عن نفسها وعن أسباب حضورها لهذه المدينة ..بدأت الذهاب مبتعداً بذهني حينما لاحت لي الرتابة تتسلل لحديثها ،إلا أنها أعادتني إليها بقوة حينما بدأت تتحدث عن ايتوكا فأحسست بذاكرة تليه داخلي تنتعش .
    - إذٍ أنك تعرفينها !
    - أجل فأنا التي أُحضرتَ خصيصاً لوضعها في فستان زفافها ، لقد قمت بتجهيزه أنا.. كنت أحلم بارتدائه إلا أنني تنازلت لها عن حلمي حينما رأيتها حقيقةً ، لم أكن أعلم من هو العريس أو العروس فقط جهزته بالمواصفات المطلوبة التي أعطاني لها مكتوبة ذلك الخواجة 0 لم أعرف إلا منها .. ارتدته أمامي فسبقت عليه الكثير من جمالها والقليل من لون حزنها .

    شدتني "للي" بحديثها ، حينها أحسستُ للمرة الثانية أنني أمسك بشيء ما يجعلها تناجيني ويحملني على التعلق بها ،حكيت لها حكاية تليه ..قاطعتني بعد أن أنفك لسانها وصار أكثر تلقائية من جراء الخمرة .
    ****************************************

    نواصل غداً
                  

العنوان الكاتب Date
....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-21-07, 05:32 PM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Ali Alhalawi02-21-07, 11:44 PM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 07:35 AM
      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 10:24 AM
        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 01:22 PM
          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-22-07, 04:59 PM
            Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 06:23 AM
              Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 10:39 AM
                Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 03:20 PM
                  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-23-07, 03:43 PM
                    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Inaam Saad02-23-07, 06:29 PM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdelfatah Saeed Arman02-23-07, 07:55 PM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 06:18 AM
      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 06:24 AM
        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 07:08 AM
          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 09:02 AM
            Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-24-07, 09:11 AM
              Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-26-07, 06:42 AM
                Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-27-07, 10:30 AM
                  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله shahto02-27-07, 02:04 PM
                    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed02-28-07, 09:58 AM
                      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-02-07, 08:32 AM
                        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-05-07, 03:15 PM
                          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-10-07, 00:50 AM
                            Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله محى الدين ابكر سليمان03-10-07, 05:53 AM
                              Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله عبد المنعم ابراهيم الحاج03-10-07, 06:09 AM
                                Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-10-07, 03:20 PM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdelfatah Saeed Arman03-13-07, 00:37 AM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-13-07, 01:24 AM
  Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdelfatah Saeed Arman03-14-07, 04:18 PM
    Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-14-07, 06:00 PM
      Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Raja03-15-07, 06:17 PM
        Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-16-07, 08:16 AM
          Re: ....... أو هكذا لملم شاطئيه ورحل.. قصة قديمة يا يحي فضل الله Abdulbagi Mohammed03-17-07, 05:50 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de