|
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. (Re: محمَّد زين الشفيع أحمد)
|
مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. _____________
*** لم أكُ أعلم قطُّ ، أنَّ الْمَظْهرَ الْخارجيَّ مُهِـمٌّ في جَادّةِ الْحَيَاة ، وأنّ ملبسي الْقديمَ ذاكَ لا يُخَوِّلني حتَّى للجُلوسِ بمنزِلِنا طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ بالرَّحماتْ ، مَا بالُكَ بحضُورِ حفلٍ غِنائيٍّ – كما يقولونَ - ساهِرْ . مدني ، السُّوق الْكبير ، حيّ الموظّفينَ ، وأمامَ * الْخَور ، أقطُنُ برفقةِ أهلي هناك وبعض أُصيْحابي ، يجمعُنا بيتُ خالِنا / عبد الله . الْفقرُ ديدني وصديقي اللَّدود ، فهو يعرفني أكثرُ ممَّا أعرفه ، قَدَّمني الوالدُ حينَها ببضْعِ دريْهماتٍ أقمنَ صُلبي فترةً ، ثُمَّ فارقَ الحياةَ بعدَ هذه الْقصَّةِ بقليلٍ ، وأنا بأُولى عتباتِ الدُّروسِ هناك ، لا مالَ لي إلا مِن خِلٍّ وَفيٍّ ، أو قريبٍ كريم .
_________________
* مجرى مائيّ ، مُتَّسِخٌ ومُتَقَطِّعُ الْمَاءِ جدًّا ، يسكنُ فيه بعضُ الَّذينَ فقدوا عقولَهم وفقدوا ألبَابَهُمْ ( لنَقُلْ مجازًا إنَّهم : مجانين ) معَ أنِّي لا أحبُّ هذه الكلمة ، فعذْرًا أصدقائي الْمجانين ، ونعلمُ يقينًا أنَّهُ لا تفصِلُنا عنكم سوى شَعْرَةٍ ، فإنْ شَدَدْناها قليلا حتمًا نكونُ بصحبتكم في دارِكم تلك ( الخور ) .
.الْغَريبُ في الأمرِ كنتُ وصديقي / أبو الْفتوح ، ننامُ اللَّيلَ أكثرَه ، وصديقي هذا ، جميلٌ مِثلي في اقتنائهِ للفقْـرِ والْعدم . مَا يُميِّزُني أيضًا أنِّي لا أُجيدُ ربطةَ الْعُنقِ ، وليستْ لديَّ معرفةٌ كافيةٌ بفنونِها، وبمناسباتِ لبسِها حَتَّى. صديقي ( بن جُنيد ) ، يُجيدُ فنَّ الذَّهابِ للْبَنَادرِ منذُ آمادٍ بعيدة ، ويحتكُّ بكبارِ الشَّخصيَّاتِ الهامّةِ والْمُهِمَّةِ من أهلِه ، وربطةُ الْعُنقِ في ذاكَ الْحينِ ذاتُ صلةٍ بهم ، فاستقاها صاحبي من هناك . كان يُجهدُ نفسَهُ في تعليمي كيفَ أربِطُها ، ولكنِّي كُلُّ مرَّةٍ أنسى ما قاله لي في المرَّةِ الْفائتة ، حتَّى أصبحتْ عادةً لئيمةً عندي مناداتُه : - يلَّا يا ( بنْ جُنيد ) تعال أربط لينا الكرفتّة دي ياخي . فيربِطها صديقي دونَ مللٍ أو تَذَمُّر ، بلْ يُعجِبُهُ فعلُ ذلك جِدّا، فهوَ بــارعٌ فيهِ ، كبَرَاعَتي في أكـلِ ( ملاح )* الويكاب ، لا طَبْخِهِ لأنِّيَ فاشلٌ فيه ، لكنِّي أرَى نفسي جيِّدًا في غسيلِ الأواني والْمَواعينْ ، أوْ هكذا شُبِّهَ لي .
__________________________
* بعضُ الرِّيفيِّيينَ الْمُتفلسفينَ عندنا يرَوْنَ أنَّ تسميةَ هذا الإيدام بهذا المُسَمَّى نتجتْ من الكلمةِ الإنجليزيَّة Wake up ، مُلَمِّحينَ بذلكَ للاستيقاظ ، ولا أظُنُّهم مُحِقُّينَ فيما ذهبوا إليْهِ من قَوْل ، فقد أكلناهُ حَتَّى أهْرَى بُطُونَنا ولم نَفِقْ من سُبَاتِهِ إلَى الآن. والْعجيبُ أنَّي كلَّما أكلتُهُ يأتيني النَّومُ طواعيَةً دونَ أنْ يطرفَ للنَّوْمِ جَفْن .
.( معهدُ الأُستاذ ) ما يزال عالقًا بذاكرتي ، دلفنا إليه سويًّا ، أنا وصديقي ( بن جُنيد ) ، قمتُ بالتَّسجيلِ فيه رُغم قلّةِ حيلتي ومَا يَنُوشُني آنَئذٍ من رماحٍ للفقرِ حادّة ، وما سهَّلَ عليَّ الأمرَ ومكَّنني من الدِّراسةِ فيهِ ، أنَّ التَّسجيلَ عندَهم مُيَسَّرٌ ، على دفعاتٍ وأقساط ، وإلا لَصَعُبَ على نِضْوِ عُسْرٍ مِثْلي . أُستاذ إبراهيم ، مديرُ الْمعهدِ وصاحبهُ وراعيه، وابنُهُ محمَّد ذو الطّاقيّة الْعجيبة ، الَّتي لا تفارقُه صباحَ مساء ، حتَّى إنِّي لأكادُ أتخيَّلُها تعتلي رأسَهُ حينَ سُويْعاتِ نَوْمِـه. ، في الْبَدْءِ يُشعرانَكَ بأنَّهما دُهاةٌ قُساةٌ ، وما إن تتعوَّدَ عليهما حتّى يتغيَّرَ فهمُكَ فيهما إلى كبيرِ حُبّ ، وتبيتُ تُحاجِجُ غيرَكَ بأنَّهما أطيبُ مخلوقَيْنِ تحويهُما مُخيِّلَتُه ، سِـوَى فائزْ !! ، الَّذي يُشارِكُهما الإدارةَ . ففائزٌ هذا صَعْبُ الْمِرَاسِ جدّا ، قاسٍ في طِبَاعِهْ ، يَتَبَرْقَعُ وجْهُهُ باكْفِهْرارٍ دائم ، ظنَّناهُ الْقُسُوةَ تتمثَّلُ شَكْلَ إنسانْ ، لا يُؤجِّلُ قِسْطَ شهرِكَ الْحالي ، للَّذي يَليهِ أوْ يَعْقُبُهْ ، يطردُكَ منْ الدَّرسِ إنْ تأخَرْتَ في الدَّفع ، لا يُفَرِّقُ بيْنَ طالبٍ دَميم ، أو طالبةٍ حَسَنةِ الْوجهِ ، تُرْبِكُ مُحَدِّثَها ، هكذا كانَ تفسيرُنا للقُسُوَّةِ وقتَها . ولمَّا عَقَلْنَا فيما بَعْدُ مَا عَناه ، وَعَلِمْنا أنَّهُ مُحِقٌّ في فعلِهِ ذاكَ ، عَذَرْناه . ندرسُ الصَّباحَ بذاكَ الْمعهدِ موادَ الثّالثِ الثّانويّ ، لِيُؤهِّلَنا لدخُولِ الْجامعة، وعندَ الأُمسيات نُحاولُ اشتمامَ الْحفلات ، ومعرفةَ الْجِهَاتِ الَّتي تقودُنا إليها أُنُوفُ أسماعِنا ، وأصواتُ فنَّانيها ، ونتغالطُ كثيرًا عن جهةِ الصَّوت : - الصوت دا جايي من قِدَّام . - لا ، لا ، الصَّوت دا جايي من ( بي جَايْ ) .
ويَحْضُرُني في سيرةِ هذه الْكلمةِ ( بي جَايْ ) ، أنَّ أهلَ الْمُدُنِ وفي الْغَالبِ الأعَمِّ يحذفونَ ياءَها الأُولَى، ويكسِرُونَ باءَها ثُمَّ يُلصِقُونَها في حرفِ الْجيمِ الَّذي يَليها ، هكذا : ( بِجَايْ ) ، وأرَاهَا مثلَ نُطْقِهِم لشبهِ الْجُملةِ (في بيتِنا ) وما كانَ على شاكِلَتِها من جُمَلْ ، فحينَ يسألُ أحدُنا مُتَمَدِّنًا : - إتَّ وينْ هَسَّـة آزول ؟. يُجيبُكَ الْمُتَمَدِّنُ ، بلُطْفٍ بائنٍ في حديثِهْ : - أنا فْبيتْنا . قاصدًا بقولِهِ ذاكَ أنَّهُ في بيْتِهِمْ .
والرِّيفيُّونَ مِنَّا يَمقتُونَ ذلكَ ويستنكرونَهُ جدّا ، ويَعيبونَهُ علينا حينَ استخدامِنا تلكَ الْجُمَل في حديثِنا معهم ، فيما يَظُنُّونَ بأنَّا قد خرجنا عن جلدتِنا فالْتَوتْ ألسِنتُنا بكلامٍ مَمجوجٍ ، لا يرغبونَهُ مِنَّا ، فما يَفتَأُ ينطِقُهُ أحَدُنا بالرِّيف إلا قالوا فيه : - دا زول تربية بنادر سايْ ، قَعَدْلو يومينًا في الْبندر وبِدُور يسويلْنا فيها مِتفلفِسْ . يقولونَ ذلكَ ، حَتَّى وإنْ كانَ أبَوَاكَ من صُلبِ الْقريةِ أوِ الرِّيفِ ذاتِهْ . وعن نفسي ، استمسكتُ بتِلْكَ الْجُمَلِ زمنًا ، ثُمَّ تركتْني هِيَ طائعةً مُختارة ، فأظُنُّها وجدتْ نفسَها لا تتناسبُ وريفيَّتي الْقُحَّة ، أو لَعلَّها وَجَدتْني ميَّالًا لأنْ أتحدّثَ لغةَ قوْمي ، فخشيَتْ عليَّ من أنْ يصفَني أحَدُهُم بِمَذمَّةٍ لا تُحْمَد . والَّذي لاحظتُهُ ، أنَّ معظمَ أهلِ مدني الطَّيِّبينَ ، وبخاصَّةٍ الطُّلابَ منهم ، يكسِرُونَ حرفَ الْقافِ في الْفعلِ ( قَرَأَ ) ، فما إنْ تسألَ أحدًا ، على دارجةِ الْقَول : - وين قَريت الثَّانوي ؟. حَتَّى تجدَهُ قائلًا : - قِريتْ في مدرسة مدني الثَّانويَّة ، مثلا . فيكسِر قافَ الْفِعْلِ ( قريتْ ) ، وقدْ سمِعْتُ ذلكَ من أفواههم مُباشرةً دونَ أنْ يَرويَهُ لي أحد، فما سَمِعْتُ أحدًا يقولُها إلا علمتُ ضمنًا أنَّهُ : إمَّا أنْ يكونَ من سُكَّانِ مدني أو لَرُبَّما خالطَهمُ الْعَيْشَ والسَّكَنْ . للهِ دَرُّها من مدينةٍ نابهَةٍ نابِغة ، استفدْتُ منها وأساتذتِها فوائدَ لا يُكاثِرُها حَصَى الأرضِ وَحَصبَاؤها ، ولعمري ، إنَّهُ لَنْ يكفيني في وصفِها ألفاظُ الْقَوْلِ الضِّخَامْ . وهكَذَا إلى أنْ تَلِجَ بِنَا أقدامُنا الْحَفْلَ ، الَّذي رُمْنا مكانَهُ واستهوَانا الْبحثُ عنه ، في لَيْلَتِنا تلكْ . وأذكُرُ من مُطْربي ذلكَ الْوقت : عمر جعفر ، عصام محمَّد نور ، فتَّاح السّقيد ، عزّ الْعرب إبراهيم ، محمّد زمراوي ، عادل هارون والَّذي هُوَ أمْيَلُ لأغاني الْحقيبة ( من الأسكلا وحلَّ ، قام من الْبلد وَلَّى ، دمعي لي التِّياب بَلَّ ... إلخ ) . محمّد زُمراوي ، في تقديري ، كَغَيْرِهِ من الَّذينَ ظلمَهُمُ الإعلامُ كثيرًا ، ولَرُبَّما يكونُ مجهولًا لدى الْكثيرينَ منَّا. وإنِّي لَمْ أرَ أحدًا يُماثِلُ الْفنَّانَ / أحمد الْجابري ، صوتًا ، ودُرْبَةً فيهِ ، مِثْلَه . يذوبُ في الأُغنيةِ ذَوْبانًا باهرًا لناظِرِه ، إحساسُهُ بالْكَلماتِ لَجِدُّ عَالٍ ، يَقِفُ مُنْحَنيًا ، إذْ لا يَرَى النَّاسَ بأُمِّ عينيْهِ ، بلْ يُغْمِضُهما أحيانًا ، وينظُرُ بهما إلى أعلى أحايينَ مُمَاثِلَة ، تُدَانيهِ الْحَرَكَةُ والرَّقْصُ من كلِّ جانبْ ، طَرِبتُ لهُ جدًّا ، ومُذْ فارَقْتُ مَحْبُوبتي مدني لم أسمعْ بهِ ثانية . فتّاح السّقيد ، نراهُ الأجملَ حينما يُشَنِّفُ آذانَنَا بمدني الْجَميلةِ ، الَّتي يسألُ نفسَهُ فيها ثُمَّ يُجيبُهـا ، هكذا : ( إنتِ منْ وين يا بنيَّة ، وناوية على وين السَّفر ؟ ، قالوا لَيْ مدني الْجميلة ، مدني يا أجمل خبر ) ، وغيرِها من أعاجيبِهْ ، وعَلِمْنَا بَعْدُ بأنّهُ أخٌ أصغرُ للفنّان / علي السّقيد ، هكذا أخبرونا ، أوْ رُبَّما ظَنَّنا ذلك . وعصامُ محمّد نور هذا ، أنا أُحِبُّهُ وأُجِلُّهُ جدًّا ، وما سَمِعْتُ بهِ يَودُّ أنْ يُغَنِّيَ في مكانٍ ما ، إلا وتجدُني أوَّلَ الْحاضرينَ ، ولوْ كانَ الْحفلُ في ( بالكونةِ ) بِنَايةٍ شاهِقَةِ الارتفاعْ ، وكانَ أحدُ أصحابي بمدني دائمًا يقولُ لي : - واللهِ حفلَةْ عِصَام محمَّد نور دا ، لو كانتْ في فُنجان إلا أحضَرَا . وأظُنَّني قُلْتُ قولي أعلاه ( ولوْ كانَ الْحَفْلُ في بالكونة ... إلخ ) ، مُتأثِّرًا بقَوْلِ صديقي ذاكْ . وعمر جعفر ، تسمعُ منهُ أغاني / الأُستاذ / محمّد الأمين فيُخْلَبُ لُبُّكَ بلا شَكّ . أمَّا عزُّ الْعرب إبراهيم ، فهوَ فنَّانٌ بحقّْ وحَقيقْ ، ولا أعلمُ مآلَهُ وأينَ هُوَ حاليًّا ؟ . وآخرين منهم .. لا أتبيّنهم على وجه الدّقَّةِ الآنَ لِطُولِ عهدي بِهِم . فندخُل الْحَفلةَ سامِعينَ وراقِصِينَ ، ولا نُشعِرُ أصحابَ الحَفْلِ بأنَّا غُرَباءُ عنهم ، كما لا أحدَ يَسألُكَ : مِنْ أينَ أتيْتَ ؟. وهكذا تَلُمُّنا رقصةُ أغنيَّة ، وتَفْصِلُ بيْننا استراحةُ الْفَواصلِ أو عشاءُ الفنَّانين ، كما يُسمَّى عندنا في الأريافْ ، حتَّى بلغنا في ذلِكَ الْمَجَالِ شَـأوًا لا يُستهانُ بأمرِه. مجموعةُ عقد الْجلادِ الْغِنائيَّة مجموعةٌ لا تُخطئها عَيْنُ سامع ، تختارُ مُفْرَداتِ غنائها من شعراءَ يَتَّسِمونَ بالْحديثِ عنْ هُمُومِ الشَّارعِ والشّعبِ بلغةٍ تجدُ نفسَكَ فيها طواعيَةً دونَ إلْزَامٍ مُسْبَقْ ، فصيحِها ودارِجِها ، أصواتُهم مُتناغِمَةٌ تستَصْحِبُ الْقُلُوبَ معها ، وزَيُّهُم مُتَشَابِهٌ ، وجيلُهم واحدٌ أو يكاد ، وحينما تَسْمَعُ لهم : - يلا يا اولاد الْمدارس *** في رُبا السُّودان وسَهْلوا . يلا شَخبِطو في الْكراريس *** اكتبو الواجب وحَلُّو .
فلا تُداخِلُكَ مِريةٌ بأنَّكَ أحدُ هَؤلاءِ الطُّلابِ الْمخاطبينَ بالأُغنيَة . وتسعيناتُ الْقَرنِ الْمَاضي بمدني ، ذاكَ عصرٌ ازدهَرَ فيهِ مَجيءُ عقدِ الْجَلادِ إلى هُناك ، وكثيرًا مَا تأتي هذه الْمجموعةُ إلى مدينةِ ود مدني ، وتحديدًا على مسرح الْجزيرة ، لاحتفالات أعيادِ إذاعة ود مدني ( لا أتَذَكَّر ضبطًا ، فأظُنُّه العيد الأوّل أوِ الثَّاني أوِ الثَّالث ، ... ) ، الْمُهِمُّ في الأمرِ أنَّها الأعيادُ الأُولَى للإذاعة . تأتي الْمجموعةُ ويسبِقُها خَبرُها ، وينتشِرُ بينَ العامَّةِ مِثلِنا والْخاصَّة ، الَّذينَ نَلْحَظُهم يَؤمُّونَ الْجِهَةَ الأماميَّةَ والْمُقابلةَ والْقريبةَ من خَشَبةِ الْمَسْرَح ، فيما يُعرفُ بالْمقصورة في ( إستاداتِ ) الْكُرَةِ ، الَّتي لَمْ أزُرْ واحدًا منها ، بيدَ أنِّي لَصيقٌ بمشاهدةِ التِّلفازِ ، إلَّمْ يُصِبْني النُّعاسُ أمَنَةً مِنْه . فأهلُ مَدني مِثْلي مَهْووسونَ ومَفْتُونونَ بتلكمُ الْمَجْموعةِ جدّا ، يُرَدِّدونَ غِناءَهم باستِمْرَارْ ، فغناؤهم عَلِمْناهُ ، جَوَّابَ ثَرَى ، فَتَّاقَ أذْهانْ ، نراهُ غيمًا يَدُسُّ صَيْفَ الْحالِ والأزمنة ، وأهْلُ مَدني يَتشَوَّفُونَ ويَتطلَّعونَ لِمُلاقاتِهِمْ ، ، ويَرْقُبُونَ مَجيئَهم ، رِقْبَةَ هلالِ رمضانْ . يَحْفَظُونَ أغانيهم ، ويكْتَحِلُونَ السُّهادَ حُبًّا في سَمَاعِهِمْ . الْمجموعةُ حينَئذٍ بها : ( جويلي ، حوّاء الْمنصوري ، أنور عبد الرّحمن ، شمّتْ ، شريف شرحبيل ، حمزة سليمان ، .... ) ، إلى آخِرِهم من كَوْكَبَةٍ ألْمَعِيَّةٍ فيها . وبالْمَجْمُوعةِ عضْوٌ يَقْرُبُنَا مَوَدَّةً ورَحِما ، وهوَ الفنَّان / أنور عبد الرَّحمن . أنور لم يَكُ طويلًا جدًّا ، وبحسبِ ما نرى وقتها أنَّهُ مربوعُ الْقامة ، إذَّاكَ نحفظُ تفاصيلَ وجهِهِ وتقاسيمَهُ كمَا نَحْفَظُ نشيدَ الْعَلَمِ ، ودجاجي يلقُطُ الْحَبَّ ، ويجري وهوَ فرحانُ ، وقد كنتُ استغربُ لهذهِ الْقصيدةِ في صِغَري ، إذْ كيفَ يفرحُ الدَّجاج ؟! ، ولاحِقًا علِمْتُ أنَّ الزَّمنَ يستطيعُ أنْ يجعَلَ الإنسانَ يَعْوي ، فهَانَ عليَّ بعدَها أمرُ الدَّجاجْ . زادَ لُمَامُ مَعْرِفتِنَا سَعَةً بـ / أنورَ ، لمَّا أخبرنا خَبَرَهُ ، الدُّكتور محمَّد الَّذي كانَ أقربَنا إلَيْهِ عِلاقةً ، فدكتور محمَّد هذا رجلٌ واسعُ الدِّرايةِ والْعلم ، في أُولَى سِنِيِّهِ الْجامعيَّة ، يَمْلِكُ منْ الأخلاقِ دَمِثَها ، نَعُدُّهُ خالًا أيضا ، وهُوَ من أهْلِنا الَّذينَ يَقْطُنونَ الْعاصِمَةَ الْمُثَلَّثَة ، تَلَمَّظْنَا منْ كرمِهِ ومالِهِ مِرارا ، لا يتحدّثُ كثيرًا ، وإنْ فعلَ ، أجادَ وأفادَ ، فكلامُهُ جَمُّ التَّهذيبْ ، مُهَنْدَمٌ في مَلْبَسِهِ بِشِدَّة ، وقَدْ طَالَتْ أيادينا وجُسُومُنا حَتّى ملابِسِهِ تلك ، فكانتْ لَنا خَيْرَ مَعينٍ في ارْتيادِ الْمَحافِلْ ، خَاصَّةً الَّتي تُزَيِّنُها مجموعةُ عِقْدِ الْجَلاد ، فَتَبْدو عليْنا سيماءُ وَسَامَةٍ بائنة ، فَنَبْدُو للنَّاسِ لكأنَّا من وُجَهَاءِ الْقَوْمِ وكُبرائهِمْ ، كُلُّ ذلكَ بفضْلِ د.محمّد ، وملابسِهِ الْقَيِّمَةِ تِلْك . ( هوَ ) ودكتور ( قَسِم ) مشغولانِ جدًّا بتحصيلِهِمَا الأكاديميّ ، يخرُجانِ صباحًا ، ولا يأتيَانِ إلا في أواخرِ اللَّيل .ونحنُ لا يفرُقنا عنِ الْمنزلِ غيرُ سُويْعَاتِ الْمَعْهدِ في الصَّباحِ ، أو حفلٍ غنائيٍّ ساهـرِ نستَنشَقُ عِطْرَهُ وعبيرَهُ مَسَاءً ، عبرَ أسماعِنَا الْمفوّضةِ من جانبِنَا في ذلِكمُ الزَّمَنِ لتلكمُ الْمهمَّة . والْفقْرُ وأوَارُ الْجُوعِ يُحيطُ بِنا من كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ وَجَانِبْ . وذات مَرَّةٍ حَضَرَ إليْنا من إحْدَى قُرَانا الْبعيدة ، أخونا ( علاء ) ، جلسَ برفقتِنا يوميْنِ كامليْنِ ، لمْ يَرَنا فيها نرفعُ أيدينا إلى أفواهِنا لنضعَ أكلًا فيها ، فقالَ مُتعجِّبًا من أمرِنا ذاك ، بعدَ أنْ حمدَ اللهَ في سِرِّهِ وجَهْرِهِ ، على نَفَسِهِ الَّذي يرتَفِعُ ثُمَّ يَهْبِط : - واللهِ إتُّوا ناس صَحَابَة عديل كِدَة . فضَحِكْنا لِذلِكَ بأصواتٍ أقْرَبِ للبُكاءِ منها للضَّحِكْ ، ثُمَّ مَا كانَ منَّا في اليومِ التَّالي إلا أنِ اتّبعنا هذه الطَّريقةَ ، الْخاليَةَ مِنْ كِمِّياتٍ وَمَقَاديرَ ، هكذا : - دخلْنَا مَطْبَخَنا الْخاوي . - وأخرجنا قديمَ خُبزِنَا الجافِّ المُتَبقِّي فيه ، والْممتليءِ بالنَّمل . - حاولنا تنظيفَهُ قدرَ استطاعتِنا ، من نملِهِ ذاكَ باجتهادٍ يَقْرُبُ السَّاعةَ ونصفَها . - ومِنْ ثَمَّ أضفنا لهُ ماءً يَحْمِلُ لَوْنًا ، من الْحنفيَّةِ مباشرةً . - وضعناهُ بعدَها على نارٍ تبدو هادئة . - وأضفنا لهُ قليلَ سكَّرٍ مخلوطٍ بحبيباتِ شايٍ سوداء . - أنزلْنا الْخليطَ من النَّارِ برفقْ . - تركْناهُ يبرُد لدقائقَ ليستْ معدودة . - ثمَّ ، غسلنا أيدينا بماءٍ فاتر . - وجلسنا جميعًا نَنْعَمُ بمأدُبَتِنا تلكَ ، وتَلُوكُ أضراسُنا الطَّعَامْ ، على غَيْرِ مَا تَرَى ، دُونَ انْفِعَالٍ مِنْهَـا يُذْكَرْ . ( علاءٌ ) صاحبُ طُرْفَة ، حاضِرُ الْبديهةِ فيها ، وكما تَقُولُ دارِجَتُنا : ( دَمُّو خفيفْ خلاسْ ). رافقتُهُ إلى السُّوقِ مَرّةً ، فرأيتُهُ يُعاكِسُ الْفتياتْ ، وأرَاها جديدةً عليَّ مُعَاكَسَتَهُ تلك .حاولتُ أنْ أُثنيهِ عَن ذلك ، لكنّهُ لَمْ يأبَهْ لِحالي وقَوْلي . فتاةٌ تَمْشِي أمامَنا في غَنَجٍ واضِحٍ وسَافِرْ . صاحَ رفيقي قائلًا ، بعدَ أنْ سَرَّحَ النَّظَرَ فيها : - شَتِّتُو ، وأنا بَلَقِّطو ! . خِلْتُ أنَّ كَفًّا سريعًا وعابرًا ، سيُداعِبُ شِقَّ صديقي الأيْمَنَ أوِ الأيسَرَ من وَجْهِهْ ، على أقلِّ تقديرٍ من تلكَ الْفتاة ، ولكنْ ! ، عَلَى غيْرِ ما اعتقدتُ . وجدُتها تَقُول : - أها لَقَّطْناهو ، إرتِحْتُو !!. إلَى أنِ افترقَتْ بِنَا دُرُوبُ السُّوقِ الْمزدحمةُ بالْمَارّةِ والْبَاعَةِ، الْجالسينَ منهم والمُتَجَوِّلينْ ، من غَيْرِ أنْ يحدُثَ شِجَارٌ بيْنَ كِلَيْهِمَا ، لِما اقترفه لِسَانُ صديقي من بَذيءِ قَوْلْ ، ودونَ أنْ أرَى شيئًا تَشَتَّتَ مِنْ تِلْكَ الْفتاةِ ، أوْ آخرَ قدْ تَمَّ الْتِقَاطُهُ أوْ جَمْعُهُ مِنْ قِبَلِ صديقي ذاكْ . للهِ دَرُّكِ يا جَدَّتي .. دائمًا ما تُوصينني قَبْلَ مُبارحَتي الْبيتَ إلى الدِّراسة ، بيَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ ، بألا أُعاكِسَ النِّساء ، فتَقُولُ ناصِحَةً لي ، عَقِبَ سُؤالِهَا الْمُعتادْ ، بالْكادِ حَفِظْتُهْ : - إتَّ آجَنا قِرايْتَكْ دي ما كِمْلَتْ ؟ . - واللهِ آيُمَّه * لي هَسَّعْ ما كِمَلَتْ . - أها آوَلَدي ، خَلِّي بالكْ في دروسك ، وابعِدْ من مشَاغلْةَ الْبَنُّوتْ ، أسمعْ كلامي دا ، وما تَدِّيهو الهوا ، وزمان أهلْنا قالوا : أسمعْ كلام الْببكِّيك ، وما تسْمعْ كلام الْبِضَحِّكَكْ . - سَمِحْ آيُمَّة . وكأنَّها قرأتْ قَوْلَ الْقُدَامى : اِلْزَمْ أمرَ مُبكِيَاتِكَ ، لا أمرَ مُضْحِكاتِكَ . مَعَ أنِّيَ في كامِلِ دِرَايتي أنَّها لَمْ تَجْلِسْ ، وَلَوْ لِساعةٍ واحِدَة ، تحْتَ ظِلِّ مدْرَسَةٍ ما ، لكنَّها الْحَيَاةُ ، يَقُولونَ ، هِيَ الأُخْرَى أكْبَرُ الْمَدارسْ .
-------------------------
* قَوْلٌ دارِجٌ لكنَّهُ فصيحٌ يُعْنَى بـهِ ( إلى هَا السَّاعة ، أو إلى هذه السَّاعة ، ومِثْلُها ، مِثل قَوْلِنا : ( دَحين ) ، قاصدينَ بها : ذا الْحين ، أو إلى هذا الْحين - مُشارٌ ومُشارٌ إلَيْه - وأظُنُّ أنَّ سرعةَ حديثِنا حَدَى بهذهِ الْكَلِماتِ إلى أنْ تأتيَ على ذاكَ النَّحْوِ الَّذي نراه .. واللهُ أعلمْ ) .
.ولعلَّها لَوْ دَرَتْ بما دارَ هُنَاكَ ، لَوَبَّخَتْني نيابةً عنْ صديقي أشَدَّ تَوبيخ .ولَقَارَبَتْ أنْ تُنْكِرَ معـرفتَها بي ، أوْ لأخبرَتْ عَنِّي ( ودّ الزَّيْنين ) ، كَيْما يَحْرمَني عَنْ حُضُورِ ليلَتَيْهِ اللَّتَيْنِ يَدَّرِعُ فيهما اللَّيْلَ في مَدْحِ رسولِ الله صَلى اللهُ عليْهِ وسلّمَ . ونحنُ وقتَها نتعاقَدُ فيما بيننا نَحْوًا من عشرينَ شخصًا أو يزيد ، لنذهبَ إليْهِ مادحينَ معه ، فيُصَوِّتُ حينَ يَرَانا مُناديًا مُرَحِّبا. ولَعَمْري إنَّهُ لَرُجُلٌ في الْخَيْرِ سَبُوقٌ ، طُولَ شِتْوِهِ وصَيْفِهْ ، فيَنْقَعُ بمدحِهِ ذاكَ صَدَانا وأُوامَنا ، وهُوَ في ضرْبِهِ لِنَوْبَتِهِ تلكَ نَشِطٌ جَمُومْ . وما أظُنُّها – حُبًّا فِيَّ – بفاعِلة ، فهيَ تتَوَعَّدني كثيرًا منذُ صِغَري ، بالْجَلْدِ وبالضَّرْبِ ، ولا تُنَفِّذُ من أمْرِ وَعْدِها شيئًا . افتُتِنَّا بسماعِ عِقْدِ الْجلاد ، لكنَّ افْتِتَانَنَا هذا ، أتَى على مَراحِلَ ، وإنْ كانتِ الْمرحلةُ الأولَى هيَ استنكارُنا الدَّاخليُّ لِتِلْكَ الْمجموعة ، في طريقةِ الأداءِ واللَّحْن ، إذْ لمْ تتعوّدْ أسماعُنا وأنظارُنا على مجموعة من الأفرادِ يقفونَ حِذَاءَ بعضِهِمْ بعْضًا ، يُؤدُّونَ مقاطعَ مُتشابِهَةً وواحدَة ، وقدْ ألِفْنَا في أريافِنا سَماعَ فَنّانٍ واحِدٍ ، ليسَ أكثَر ، يَقِفُ أمَامَنا بِجِلْبَابِهِ الأبيضِ ، تَعْلُو رأسَهُ عِمامةٌ تَحْمِلُ ذاتَ اللَّوْنْ ، خاصَّةً وأنَّ الْبيئةَ الَّتي نشأنا فيها وقَدِمْنا منها هي ذاتُ الْبيئةِ الَّتي شَكَّلَتْ وأنتَجَتْ الأُستاذَيْنِ / عبد الله مُحمّد ، وعوض الْكريم عبد الله ، وما كانَ ليَدْنُوَ – وقتَها - أحَدٌ مِنْ بقيَّةِ مَنْ نعرفُهُم من الْفنّانين ، بأيِّ حالٍ من منزلتِهِمَا ، وإنَّ شَأوَهُما عندَنا منْ شَأوِ الأخرينَ لَجِدُّ بعيدْ . وكذلكَ من أهْلينا : الْمُطرب / عبيـد محمَّد سعيـد ، الَّذي اشتُهِرَ قديمًا في مَنَاحي الْعَاصِمة بـ ( عبيد الرِّيشة ) ، أظُنُّ أنَّ تلكَ التَّسميةَ قدْ لَحِقَتْ بهِ لِرُقِّ عَظْمِهِ ، فهوَ مثلي نَحيلٌ جدًّا ، وفي الْحِسْبَةِ والْقَرابةِ ، هُوَ جَدٌّ لي ، كَوْنُهُ عَمًّا لِوَالدتي ، ورُغمَ ذا كانَ لا يُعْجِبُني صَوْتُه ولا يُطْرِبُني أبدا ، فلا أعلمُ لماذا ! ، رُبَّما يكونُ هناكَ خَلَلٌ في ذائقتي ، أوْ أنَّ اللَّحْنَ لَمْ يَصِلْ إلَيَّ بالطَّريقةِ الَّتي يَحْتاجُها إحساسي وَقْتَذَاكْ . و ( جاد الله ودّ الْعقاب ) ، الَّذي تَغَنَّى في الإذاعةِ قديمًا ، كما ورَدَتْ إلَيْنَا أنباؤه ، وإنَّهُ لَيَحْفَظُ الْحقيبةَ ويتلوها على مَسَامِعِنا في ( الْحَفلاتِ ) بصوتٍ شجيٍّ ، لا يَفْرُقُهُ عَنْ تاليها الأساسيِّ ، سِوى أنَّ الأخيرَ كَثُرَتْ شُهْرَتُه ، ونَحْنُ أطفالٌ آنَذَاكَ ، شُعْثًا غُبْرا ، لَمْ نغسِلْ وجُوهَنا جيِّدا ، وإنْ غسلناها تركْنَا نِصْفَها ، وكَذَلِكَ نَفْعَلُ بأرجُلِنا . وسراويلُنَا الْقصيرةُ فُوَيْقَ رُكَبِنَا ، نأتي الْحَفْلَ وفي أغلبِ الأحيانِ ، قد قُدَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَاتِنَا من قُبُلِهَا وقُدَّامِها ، ولا نَحْفَلُ لِذلكَ أبدًا .إذْ لا تبينُ الْعَورةُ مِنَّا إلا حينَ جُلُوسِنا ، لأجْلِ ذا يجتَهِدُ الْواحِدُ منَّا ، مُثَابِرًا بَيْنَ خَيَارَيْن : وقُوفِهِ طَوالَ الْحَفْل ، حَتَّى لا تَبَانَ سَوْءَتُهْ ، أوْ يَجْلِسَ مُنْكَفيءَ الرُّكبتَيْنِ ، مَضْمُومَهُمَا . وكما يَقُولُ ابنُ عَمِّي ، عُثْمان ، في استذكارِهِ لتِلْكَ الْمواقفْ : - يا سلااااام ، ديك أيَّام جميلة ، ياخي اللَّباس تلقاهو كُلُّو كويس وما فيهو أيِّ شرطة ولا قَدَّة ، إلا الْحِتَّة ديك ، ماني عارف لي شنو ! ، باللهِ التَّقول التَّرزي دا قاصِدنا . ثُمَّ تَزدادُ ضحكتُهُ مقدارَ شِبْرٍ مِنْ أُولاهَا : ههههههههههههه . أظُنُّهُ يَضْحَكُ لِحالِنا تلك . وكذلكَ المُطرب / خير السِّيد ، نَعْشَقُهُ جدّا . وإبراهيم صديق . وإبراهيمُ هذا ، هُوَ ابنُ أُختٍ للمُطربِ / عوض الْكريم عبد الله ، وأظُنُّهُ لَوْ تُرِكَ يَذْهَبُ للإذاعةِ في زمانِهِ ذاكَ ، لأضْحَى جِدًّا واسِعَ الشُّهرةِ ، مِثْلَ خالِهِ تمامًا ، فصَوْتُهُ – بعدُ ، أعلَمُهُ – مُرْهَفٌ وبهِ تَحْنانٌ لأبْعَدَ ما يكون ، وما أزالُ أذكُرُ جَلْسَاتِنا معهُ وإخوتنا ، بقريتِنا ( تُورس ) ، جالسينَ حينَها ببصٍّ قديمٍ مُكَسَّرةٌ أبوابُه ، يحتَلُّ مكانًا أماميًّا بالْقَريةِ ، يَلْفِتُ نظرَ كُلَّ مَنْ أتَى ( تُورسَ ) ، في مُناسباتِها مُسلِّمًا ، أو مُعَزِّيًا ورافعًا ( لفاتِحةٍ ) فارقَ صاحِبُها الدَّارَ الْفانية . نجْلِسُ في ذاكَ ( الْبَصِّ ) تَتقدَّمُنا دُفُوفُنا ، ولا يُؤانسُنا شيءٌ غيرُ الشَّدْوِ والْغِنَاءْ . وبكري بخيت الزّين ، أقربُهُمْ إلَيْنا مَعَزَّةً وعُمرا ، كَوْنُهُ حَدِثَ السِّنِّ فيهِم ، رُغمَ أنَّهُ يفوقُنا بأكثرَ من عشرِ سنوات . وَلَمْ نَزَلْ نأسَف على فقْدِنا لهُ ، فقدْ خرجَ مِنّا في باكورةِ صباهُ ولمَّا يرجع بعدُ .وإلَى حِينِنَا هذا ننتظِرُهُ بَيْنَ فَيْنَةٍ وأُخْتِها . فَحَفْلُهُ ماتِعْ ، ما لَمْ يُفْسِدْهُ لَنا شاربُ خمْـرٍ ، أوْ عِرْبيـد ، حينَ اتِّكائهِ على مُسْكِرٍ أذْهَبَ عَقْـلَه ، فجعلَـهُ يرَى كُلُّ فـردٍ بالْحَفْلِ ، ثلاثًا ثلاثا . فكثيرٌ مِنّا ، رأيْتُهُمْ يمتهِنونَ خرابَ ( الحفلات ) ، وباتتْ عادةً لخفيفي الرَّأسِ حينَ سُكْرِهِم ، فما إنْ يشربَ أحَدُهُم كأسًا واحدًا ، إلا ويأتينا مَساءً ، فاردًا سُبّابتُهُ الْيُمْنَى ، مُتَوَعِّدًا : - واللهِ ، عِلّا أفرتكْ ليكُنْ الْحفلة دي اللّيلة ، هِعْ ، هِعْ . وهوَ لا يَقْوَى على الْوقُوفِ حَتَّى . فَيَشْتَبِكُ في أقربِ الأقربينَ إليهِ دُونَ سببٍ وجيهٍ يُذكر ، ثُمَّ يَبْدَأُ الضّربُ بيْنَ الْجانبيْنْ ، فيكونُ لِوَجْهِ صَاحِبِنَا النَّصيبُ الأوْفَى من تلكَ الْمُلاكمةِ ، غَيْرِ الْمُتكافئة. وكُنتُ دائمًا أرَى أنَّ السُّكارَى لا يُخَرِّبُونَ ( الْحفلاتْ ) ، إنَّمَا غيرُ السُّكارى أوِ الْواعينَ مِنَّا ، همُ مَنْ يفعلونَ ذلك ، ومَا ضَرُّهُمْ لوْ أخَذوا هذا السِّكِّيرَ وَنَأَوْا بِهِ إلى وادٍ بعيدٍ ، غَيْرِ ذي أُناسٍ وحَفْلٍ ، لِيُحاسِبُونَهُ فيه ، قُلْ لي بِرَبِّكَ : ما ضَرُّهُمْ ! . والْكُلُّ في يَقينِهِ أنَّ السِّكِّيرَ لا يَقْوَى على مُبارزَةِ طِفْلْ ، لأنَّ تلكَ الَّتي أدارَ راحَها قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْنَا ، قد شغلتْ دِماغَهُ وأزْرتْ بِجِسْمِه . لكِنَّ مُصيبةَ بعْضِنَا ، يُحِبُّ أنْ تتنَدَّرَ بهِ الْفتياتُ في الْيَومِ الَّذي يَعْقُبُ الْحَفلَ : - والله آعَلويَّة ، أكَّان شُفْتي ( ودّ الْجفران ) !!. - أها مالو آآ رابحة ؟. - هَيْ ما قال كَدي شالِّيك ( ودّ النّمِتِّي ) ، شالو ليك كَدي آيُمَّه لي فوق وخبتْلِكْ بيهو الواطة . - نانْ في شنو لكين ؟ . - قال بِدُور يخرِبْلَنَا الْحفلة !. - إستاهل آحبيبة ، عَجَبني ليهو تَبْ وسَرَّ بالي ، أريتَا رَجَالةْ الرُّجال لي حَدَّهُنْ . وتَجِد الْمُتَنَدَّرَ عنه ( ودَّ الْجَفْران ) ، في اليومِ التَّالي ، يَمشي بِخُيَلاءَ في الْحِلَّة مُتَضَرِّعًا ، مُتَمَخْترا ، خاصَّةً عندَ رؤيَتِهِ اللائي حَضَرْنَ الْحَفـلْ ، فتَراهُ يُقَدِّمُ رجلًا بِبِطْءٍ مُتَعَمَّدْ ، ويُؤخِّرُ أُخرى ، راميًا بَصَرَهُ ناحيَتَهِنّ ، ويُصْلِحُ من وَضْعِ ( طاقيَّتِه ) بَيْنَ كُلِّ ثانيةٍ وأُخرى ، مَعَ أنَّ وضعَها لا يَحْتَاجُ إلَى تصليحٍ يُذْكَر ، وكأنَّهُ هزَمَ جَيْشًا جَرَّارًا في لَيْلَتِهِ تلك . وصاحبُنا السِّكيرُ ، لا يتذكَّرُ من أمْرِ الْحفلِ شيئا !. هذا ما عَلِقَ بِذاكرتي من الَّذينَ حضرْتُ لهم حَفلا ، في تلكَ الْحِقْبَةِ من الأزمنةِ الْبعيدة ، فالأسماءُ أكثَرُ من الَّتي أتَيْتُ بها هُنا ، لأنَّ معظمَ أهلِنا هُناك ، يُغنُّونَ على السّليقة ، وأصواتُهم ، كما أرَى جميلة ، وكثيرونَ يحفظونَ حقيبةَ الْفنِّ – إنْ لَمْ أكُ مُبالِغًا - عَنْ بَكْرَةِ أبيها ، وأيُّ واحِدٍ منهم يَسْتَطيعُ أنْ يُقيمَ لكَ حفلًا : (كما يُقولُونَ : حَدَّها الصَّباح ) . ومُذْ رأتْ أعيُنُنا الدُّنيا وجدناهم على تلك الْحالة ، لا يُدرِكُونَ طبقاتِ أصواتِهِم ، ولا يُهِمُّهم في أيِّ مَدًى تَقَعُ ، لكنّكَ إنِ استَمَعْتَ إلَى أحَدِهِمْ ، فإنَّ صوْتَهُ لَسَاحِرُكَ بلا شَكّ ، وما أزالُ أتَذَكَّرُ بعضَهم حينَ رَوَاحِهِ من خَلائِهِ مَسَاءً ، فتجدهُ يُغرِّدُ في الطَّريقِ كَبُلْبُلٍ لا تَودُّ سُكُوتَهُ أبدا . وأمَّا نَحْنُ ، وفي سِنِيِّ طُفُولتِنا الأُوَلْ ، يَقُودُنا اللَّحْنُ الْجميلُ أكثر مِن الْمُفردةِ ذاتِها ، إذْ لا يَهْتَمّ أكْثَرُنا لها . والشَّيءُ – يَقُولونَ - بالشَّيءِ يُذْكَرُ ، فأذكُرُ أنَّ شِبلًا صغيرًا مِنّا ، سمِعْتُهُ يغَنِّي بِصَوْتٍ عَذْبٍ جَهُور ، فانْضَمَمْتُ إلى جِلْسَتِه ، فَوَجدتُهُ مُتناوِلًا أُغنيةَ الفنّانِ الْمرحوم ، صلاح أحمد عيسى ، طَيَّبَ اللهُ قَبْرَهُ بشآبيبِ مَغْفِرةٍ لا تَنْقَطِع ، هكذا : - إتَّـا حبيبي أنا بَأُوّا ، لأنَّك إتَّـا ، إتَّا إتَّـا مصيبي ، يا حبيبي ، أنا بَأُوّا . وأنا أُكَرِّرُ خلفه بذاتِ الَّذي أسمعُهُ منه . ثُمَّ يُواصل صديقي : - سِهِرْتا ليلنا ، وكَمَانْ ليالي ، أنَا والظّروف وَمَعَايْ خيالي ، أنا بأُوّا .... وبقيَّتُها كَذلك ، تأتي على ذاتِ التَّكسيرِ الَّذي تَرَوْنَه . ورأفَةً بأسماعِكُم ، فَلَنْ أُكْمِلَها لكم . فصَوتُهُ نَدٍ وجميلٌ جدّا ، وأطربَني – في حينِها - كثيرًا ، لكنّهُ لا يَحْفَظُ الْمفرداتِ جَيِّدًا ، وكما تَرَى ، سيِّدي الْقاريء الْكَريم ، أنَّهُ حَرَّفَ الأُغنيةَ عَنْ مَوَاضِعِها ، وعمّا كانَ عليهِ أصلُها ، ولعلَّ أحدًا لا يَكادُ يَتَخيَّلها أبدًا أنْ تأتيَ على هذا الشَّكْلِ ، لكنَّ الأمرَ وَارِدٌ لكلِّ مَنْ لا يُكَلِّفُ نفسَهُ عَناءَ الْحِفْظ . ولوْ قدْ كانَ سِمْعنا آنَئذٍ صاحبُها ، لأوْسَعَنا ضرْبًا وشتما ، ولأصابَنا بِكُفُوفٍ من ذاتِ الْكُفُوفِ الَّتي سَقَطَ أداؤُها سَهْوًا ، حِينَ غَفِلَتْها تلكَ الْفتاةُ ، الَّتي سَبَقَتْ مِنِّي الإشارةُ إلَيْها . وهذا ما عَمَّقَ فِيَّ أنَّنا كُنّا نَهْتمُّ باللَّحْنِ الَّذي يَصِفُ دَواخِلَنا ويَجْعَلُهَا تَهْتَاجُ بِشِدَّة ، أكثرَ من مُفردةِ الأُغنية . وشيئًا فشيئًا عَلِمتُ أنَّ صاحِبَها كانتْ تَبْدُو عِنْدَهُ هكذا : - أنا بهواك ، يا حبيبي ، لأنَّك إنتَ إنتَ نَصيبي يا حبيبي ... إلَى آخِرِها . وليسَ لديَّ عِلْمٌ كافٍ إنْ كانَ صديقي قدْ عَلِمَ بِصَوَابِها مُؤخَّرًا ، أمْ ما يزالُ بَاقٍ على جَهْلِنَا الأوَّلِ وضلالِنَا الْقديمِ ، الَّذي تَفَارَقْنَا وتَرَكْتُهُ عليْه . وكُلُّ الَّذي أذْكُرُهُ ، أنَّ سُرْوَالَ صديقي هــذا كانَ جديدًا وقتَها ، اشْتراهُ لهُ أبوه ، فقدْ صَادَفَ يومُنا ذلك أيَّامَ استلامِ الرَّاتب من ( مكتب تُورس ) أو فيما يُعْـرَفُ ( بِصَرْف الْفَرْدي ) ، فمعظمُ أهْلِنا مُزارعون ، وتلكَ الأيَّام دائمًا ما تَجِدُنا نُرَدِّدُ فرِحينَ ، منذُ صباحِها الْباكِرْ ، وقُبيْلَ أنْ يَسْتَلِمَ آباؤنَا الدُّرَيْهِمات : - اللَّيْلَة الصَّرِفْ ، حُمارْ أبُويْ بِنْعَرِفْ ..... ثُمَّ نُكَرِّرُها جيئةً وذهابا ، أو ، ذَهابًا وجيئة .. فَأكْثَرُ ما نَحْتاجهُ حينها أنْ نَرَى الْمَوزَ ، مَفْروشًا على الأرضْ ، فنُخْبِرُ آباءَنا بشرائهِ لَنا ، فليسَ من مُنْطَلقِ إنَّهُ ( أكلُ الْفلاسِفة ) ، أوْ لِشَيْءٍ من هذا الْقَبيل ، لا ، أبدًا ، فلمْ نَكُ نَدْرُس الْفلسفةَ بعدُ ، وليسَ لَدَيْنا فكرةٌ عنها. لَكِنَّا نراهُ يُعَبِّرُ عَنَّا تمامًا ، وخَيْرَ مُنْصِفٍ لِفَرْحَتِنا تلك . فَشُكْرًا ، سيِّدي الْمَوْز ، وتُعْسًا ، ثُمَّ تُعْسًا للتُّفَّاحِ الَّذي لَمْ تَرَهُ أفْواهُنا ،إلا بعدَ أنْ هَرِمَتْ أسْنانُنَا . والأمثلةُ كثيرةٌ عندي ، في هذا الشّأنِ من حفظِنَا الرَّكيكِ والْمُخِلِّ للأُغنياتِ ، فبعضُها مُضْحِكٌ وبعضُها مُبْكٍ ، وما زلتُ أُقارِنُ في قرارةِ نفسي بيْنَ قَوْلِ بعضِنا قديمًا للأُغنيات ، وما عَلِمْتُهُ حينَ تَفَقَّهْنَا بِمُرورِ الزَّمَنِ فيها ، لكنَّ الَّذي أذكُرُهُ جَيِّدًا ، أنَّنا نُؤدِّي لَحْنَها بأصواتٍ جدّا ، شجيَّةٍ وعَذْبَة ، وأحسَبُنا لمَّا نَزْلْ . ولمّا أصَبْتُ جانبًا يسيرًا منْ ضُرُوبِ الْعَربيّة، منْ الْمدارسِ والْخَلاوي والْمعاجم ، فاجأتني عِقْـدُ الْجلاد ، بمُفْرَداتِها الْقَويَّة ، الَّتي تَحْمِلُ الرِّسالةَ والْهَدَفْ . وأوَّلُ ما أثارَ استغربي فيها ، اسمُها : عِقْدٌ ، ثُمَّ ، جَلاد : جيمٌ مَفتوحة ، ولامٌ مفتوحةٌ أيضًا دونَ تشديد ، حتّى لا يُصْعَقُ مَنْ يَقرؤُها ، فقدْ كَفانا الزَّمنُ جَلْدًا وبِتْنَا لا نَحْتاجُ آخَرَ يُسانِدُهْ !. وحقًّا - قديمًا - حرْتُ كثيرًا في أمرِ معناها ، أهِيَ من الْجَلْدِ والضَّرب ؟، أمِّنْ ضِخَامِ النَّخْلِ ؟ ، أمِّنْ الْجَلَدِ والصَّبْرْ ؟ ، أمَّا ما يَخُصُّ الْمَعنى الْقائل ، إنَّها : الإبلُ كثيرةُ اللَّبنْ ، فلم أكترِثْ لهُ ، واستبعدتهُ بِشِدَّةٍ عنِ الْمعاني ، معَ أنَّ ابْنَ الصَّامتِ ، أثبتَهُ قديمًا في كَلِمَةٍ مشْهُورَةٍ لَه :
أَدِينُ وَمَا دَيْنِي عَلَيْكمْ بِـمَـغْـرَمٍ *** ولَكِنْ عَلَى الْجُرْدِ الْجِلاَدِ الْقَرَاوِحِ .
وأرَاهُ كَسَرَ الْجيمَ فيها هكذا : ( الْجِلادْ ) . وبيْنَ هذا التَّنازُعِ وذاك ، رَاقَنِي بَعْدُ ، أنَّها اخْتَارَتْ اسْمًا جميلًا ، ووصْفًا لِجَمْعِهِم هذا ، حَسَنا . وحينَ اِتْيَانِها الْكثيرِ لمدينةِ ود مَدني ، دائمًا مَا يَفْصِلُنا عَنْهَا ، مبلغُ تذاكرِ الدُّخولِ لمسرحِ الْجزيرة ، إذْ كيفَ يَتأتَّى لنا ذلكَ وكلانا ، كَكَلٍّ على مَوْلاه ؟ ، ومَا مَنَعَنَا الإتيانُ للْمسرحِ من بابِهِ إلا صَفَرُ الْيَدَيْن!. لكنَّي ! ، وصديقي ( بن جُنَيْد ) ، داهيَتَان لا نَعْدَمُ حَلًّا أبَدا ، وحَيْثُمَا كانَتْ كُنّا ، لِمَا بَيْنَنا وبيْنها مِنْ مَوَدّةٍ لا تَعْرِفُ الْفُتُورَ والْهَوَانْ ، فمسرحُ الْجزيرةِ – نَعْلَمُهُ - يُطِلُّ بناحيَتِهِ الشَّماليَّة ، على الْمَجْمَعِ الثَّقافيّ . والْمَجْمَعُ الثَّقَافيُّ مَنَارةٌ ثقافيَّةٌ ، وعلميَّةٌ معروفةٌ بمدني ، يَرْقُدُ وَجْهُهُ قُبَالةَ شارعِ النِّيلْ ، يَنْشُرُ الْوَعيَ والثَّقافةَ ، ويَبُثُّهُما في النَّاسِ فَلَقًا وغَسَقا ، فَمَا ذَبَّ أحَدًا قَدِمَ إلَيْهِ فآبَ يَنْشُدُه ، وأيْضًا لَمْ يَكُنْ عَيَّابًا لِمَجيءِ أحَدْ . كُنَّا حادِري الشَّبابِ آنَئذْ ، قَرَأنا من كُتُبِهِ عُلُومًا ، وأصَبْنَا كثيرًا منها ، فأهْدَى إلَى أذْهانِنَا خَصْبًا بعدَ إمْحَالْ ، ولَوْلاهُ لَدَقِعَتْ مَنابِتُ أفكارِنَا ، ولَباتَتْ جَدْباءَ بلا اخضِرارْ . يُحْذيكَ من الْفائدةِ خَيْرَها ، نارُهُ مَشْبُوبَةٌ ، وأبوابُهُ مَفْتُوحةٌ لكُلِّ مَنْ شَمَّرَ عَنْ ساعِدِهِ ، وَكَمِشَ إزَارَهُ للْعُلُومِ والْمُدارَسَةِ فيهْ . ولاِرْتيادِنا الدَّائبِ لَهُ ، فَغَيْرُ خَافٍ عنِّي وصديقي دُرُوبَهُ ، وفي عِلْمِنَا أنَّ هناك زُقَاقًا ضَيِّقًا ، يَرْبِطُ بيْنَهُ ومسْرَحِ الْجَزيرة ، لا يسمِحُ بمُـرورِ واحدِنَا، مَا بالُكَ باثنَيْـنْ ؟! ، يُفْضِي إلَى حائطٍ حَـوْشٍ مكسورْ ( شَرَمَة ) . لا يعلمُهُ كثيرُ قَوْمٍ هناك ، فَأشَرْتُ لصديقي بهْ ، ثُمَّ ، قَامَ كِلانَا بِتَحْويرِ فائدةِ هذا الزُّقاقِ وقتئذٍ لِتُناسِبَ أغراضَنا الْخاصَّـة ، وقدْ كانَ أعْوَنَ لَنا في دخولِ الْمسرحِ خِلْسَةً من الْخَلْفْ ، إذْ يقعُ في الْجِهَةِ الشَّماليَّةِ والْمُعاكِسَةِ للْبَابِ الرَّئيسيِّ للمَسْرَحْ ، تَسَلَّلْنَا من ذاتِ الْجِهَةِ دونَ اكتراثٍ مِنْ أحَدْ ، لنستَمِعَ إلى شدوِ تلكَ الْمجموعة . ولمَّا أدمنَّا دخولَ الْمسرحِ من تلكَ النَّافذة ، كانتْ دهشتُنا باديةً حينما أتينا مرَّةً فَوَجَدْنَاهم – لسوءِ حَظِّنا - أغلقوها ، فَصِرْتُ تَئِقًـا مَئِقـًا لِفعلِهِم ذاك ، لأنَّهم طَمَسُوا سَبيلَنَا الْوَحيدَ الَّذي نَعْلَمُهْ . لكنَّ صديقي لا يَعْدَمُ رأيًا !، ورَأيْتُهُ يقولُ لي : اتْبَعْني ، فَأعادني ثانيةً إلى الْبيتْ ، والْلَّيْلُ ما يزالُ في بدايةِ تَوَلُّجِهْ ، والْحَفْلُ لَمْ يَكَدْ يَبْدأْ بَعْدُ ، فتيقَّنْتُ أنَّ لهُ طَرْحًا جديدًا ، وعَلِمْتُ أنَّهُ سيبتكِرُ حيلةً أُخرى للدُّخولْ . فَتَأنَّقْنَا ما شاء اللهُ لَنا بِبِذَلِ أخينا د.مُحمَّد ، ثُمَّ أتَيْنا من جديدْ ، ورأيتُهُ يوصيني إبَّانَ إيابِنا بأنْ أكونَ جادًّا ، وألَّا أضحكَ عندما يتحدّثُ هُوَ و ... ، حينما نكونُ وقوفًا أمامَ حارسي بابِ الْمَسْرَحْ ، ومَا إنْ وَقَفْنَا أمامَهُم ، إلا أجدهُ في كاملِ أناقتِهِ ودَهْشَتي منهُ ، يَقُول : - السَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه . ويبدو جادًّا فيها أكثرَ ممَّا تخيَّلتُهْ ، ولكأنِّي أوَّل مرَّةٍ أسمعُ فيها هذهِ التَّحيَّة . - عليكم السَّلام والرّحمة والبركة. - نحنا من طرف خالنا الفنَّان / أنور عبد الرَّحمن .
وَلَمْ أغْمِسْ لساني بِقَوْلٍ مَعَهْ ، اتِّبَاعًا لتعليماتِهْ ، الَّتي ألْجَمَني بِها سابِقًا. والَّذي أحترمُهُ ، وأتفاجأُ لهُ دائمًا ، أنَّ حارسَ الْبَابِ وكأنَّهُ يعلمُ بِحُبِّنَا لها ، فيُدْخِلنا دُونَ أنْ يُنازِعَنا أطرافَ الْقَولِ والْحَديثْ ، أوْ أنْ يُجيلَ النَّظَرَ في أقوالِنا تلكْ . فنلِجُ الْمَكَانَ هَانئيْنِ ، ونَخْتَارُ أجملَ الْمَقَاعِدِ الأماميَّة ، ونُصَفِّقُ ونطْرَبُ ونتمايلُ ، كما يتمايلُ أصحابُ التَّذاكرِ ، ورَسْمِ الدُّخولِ الأساسيُّونَ ، والْقادمونَ بـ ( تَذَاكِرِهِم ) عَبْرَ الْبَابِ الأماميِّ. ثُمَّ نقولُ ونُرَدِّدُ معهم : - ( يا ليلَى ليلك جَنَّ ، مَعْشوقِكْ تأوَّهُ وأنَّ ... ) . والَّتي تَعودُ بِنَا إلى نكْهَتِنا الصُّوفيَّةِ الْبَحْتَةِ الَّتي قَدِمْنا مِنْهَا وتربَّيْنا خِلالَها . و .. - ( والرَّقَم اللِّسَّه واحِد ) . ولا أعلمُ إنْ زادَ الرّقمُ عنْ واحِدِهِ ذاكَ ، أمْ ما يزالُ ذاته ! ، فكانتْ تُعجبُني جدًّا هذهِ الرَّمزيَّةُ الْعالية ، لأنَّنَا نُرْْخي لِمُخيِّلاتِنَا الرَّسَنَ والْعَنانَ لِنَقْرَأَ يُتْمَ حَالِنَا فيها . و .. - ( يا بنيَّة كُبِّي الجَبَنَة يا بنيَّة ) . ولاحِقًا .. - ( حاجَّة آمنة اتصبَّري ، عارف الْوجع في الْجوف شديد ، وعارفِكْ كمانْ ما بتقدري ) . وَقْتَها كُلُّنا حاجّة آمنة ، الَّتي اعْتَوَرَتْهَا الْمصائبُ من كُلِّ مَكَانْ ، وأشَاحَ الزَّمَنُ بِوَجْهِهِ عَنْهَا ، فأطْعَمَها حَسْوَ الصَّديدْ . وعِنْدَما يكونُ د.مُحمَّد حاضرًا فينا ، نُرافِقُهُ في الطُّلوعِ إلَى الْمَسرح ، لِنُسالِمَ أعضاءَ الْمجموعةِ واحدًا واحِدًا ، أثناءَ إسدالِ السِّتارْ ، ونِقِفُ بجانبِ قريبِنا أنورَ ، وفينا خليطٌ من دهشةٍ وفرح . وهَكَذا إلَى أنْ يتبَلَّجَ الصُّبْحُ ، ويَفْتَرَّ ثَغْرُهْ . ومِنْ ثَمَّ ، استمرَّ بِنا الْحالُ هكذا ، مُدَّةً من الزَّمنِ ، يُعْجِبُنا دِثَارُ تلكَ الْمَجموعةِ مِنْ مُفْرَدةٍ ورسالةٍ وهَدفْ . وكلَّما أتتْ عِقْدُ الْجلادِ إلى مدني ، ونحنُ لا نحمِلُ إلا هَمَّ الْمَلْبَسِ ، لا رَسْمَ الدُّخول ، ثُمَّ نَخْرُجُ بعدَها فرحينَ نتقَارَضُ السَّلامَ فيما بيننا والأصدقاءْ ، وننتَشِرُ مَالئينَ كُلَّ الْفِجَاجِ وَالْمَنافِذْ . فَحينَ يُصيبُنَا الأيْنُ والتَّعَبُ ، وتَتَفَتَّقُ فينَا أرديَةُ الْمُعانَاة ، وأوْجَاعُ الذَّاكرة ، تُرَتِّقُها لَنَا عِقْدُ الْجلادِ بأجْمَلِ الدِّيباجِ والْحُلَلْ ، هكذا أحْبَبْنَاهَا بلا مُدَاوَرَةٍ ، أوْ مُدَارَاة ، وأحْسَبُنَا كَذلِكْ .
* * * * *** انتَهَتْ *** . الرِّياض . مساء : 02/08/2009م.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 08:30 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 08:35 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 08:39 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 08:43 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 08:57 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 09:04 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-23-09, 09:43 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | خالد عبد الله محمود | 07-23-09, 11:08 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | HAIDER ALZAIN | 07-23-09, 07:30 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | فاروق أبوحوه | 07-23-09, 07:56 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | عمران حسن صالح | 07-24-09, 11:16 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:16 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:24 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:31 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:33 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:37 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:42 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:47 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 04:51 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 05:03 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 05:12 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 05:19 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | معتصم الطاهر | 07-25-09, 08:50 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 09:22 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-25-09, 09:48 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | عبدالأله زمراوي | 07-25-09, 09:58 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | عبدالله كع | 07-25-09, 10:34 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 07:43 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 07:53 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 07:55 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 07:57 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 07:59 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 08:04 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 08:08 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 08:12 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 08:19 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | معتصم الطاهر | 07-26-09, 08:37 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 11:49 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 11:54 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-26-09, 12:00 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-27-09, 08:31 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | انور الطيب | 07-27-09, 08:57 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-27-09, 09:19 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-27-09, 09:29 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-27-09, 09:47 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-27-09, 09:52 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-27-09, 10:07 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | معتز تروتسكى | 07-27-09, 10:21 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمد الطيب يوسف | 07-27-09, 05:46 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 06:53 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 07:29 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | جعفر محي الدين | 07-28-09, 07:48 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | كمال علي الزين | 07-28-09, 08:49 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 10:10 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 10:16 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 10:37 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 10:51 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 11:01 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-28-09, 11:42 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | كمال علي الزين | 07-28-09, 12:45 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | مجدي عبدالرحيم فضل | 07-28-09, 01:33 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | اسامة دفع الله ابوالحسن | 07-28-09, 02:09 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-29-09, 04:28 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-29-09, 04:33 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | Elmosley | 07-29-09, 04:33 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-29-09, 04:54 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | كمال علي الزين | 07-29-09, 06:58 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | كمال علي الزين | 07-29-09, 06:58 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | اسامة دفع الله ابوالحسن | 07-29-09, 07:52 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | اسامة دفع الله ابوالحسن | 07-29-09, 01:50 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 07:48 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 07:51 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:16 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:18 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:20 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:24 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:29 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:35 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 08:41 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 07-31-09, 09:02 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | كمال علي الزين | 07-31-09, 09:14 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | مصدق مصطفى حسين | 07-31-09, 09:24 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | د.محمد حسن | 07-31-09, 12:09 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | ابو جهينة | 07-31-09, 01:18 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | abubakr | 07-31-09, 02:14 PM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 03:45 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 07:08 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 07:17 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 07:21 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 07:25 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 08:20 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:08 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:11 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:14 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:22 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:33 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:44 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:47 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 09:58 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 10:05 AM |
Re: مَا بيْنَ مجموعةِ عِقْـدِ الْجَلادِ الْغِنَائيّـة .. وَ .. أنَـا .!. | محمَّد زين الشفيع أحمد | 08-01-09, 10:09 AM |
|
|
|