|
Re: ذهنية التحريم (( تحريم الذهن)) 1 من2 (Re: هدهد)
|
هدهد
تحايا بقدر الإشتياق وطول مسافة الدرب والغياب
قبل لحظات كنت أرد على أحد الزملاء الأجلاء فى موضوع ال "لو" وقلت له، "لو" أن ذلك الفتى برومثيوس كان ذا عقل أكثر بلادة وجرأة أقل إقداما، لما سرق تلك النار العجيبة، ولما حكم على عقولنا، حتى تاريخه، بأن تنهشها نسور التجريم والتحريم
ليته كان قنع بغشاوة الذهن وعتمة الروح فينا، لكان أراحنا من عناء البحث والأسئلة، ومن مكابدة الأشواق لتخضير العقول المجدبة، لكنه حكم زيوس الجبار
تنبه الأقدمون قبلنا، وأحس بقليل خجل حين أدرك أنهم قد تنبهوا لضرورة إعمال الذهن فى تناول كل شئ وأى شئ، وهو ما عجزنا نحن الحاضرون عنه، أقول أنهم تبهوا لذلك، وتجد ذلك فى كل الحضارات الزاهية التى أشعلت نار الأسئلة والتى من خلال الإجابة عليها، يمكن الولوج الى روح المعانى وكنهها، بدءا بالصينيين والهنود ببوذاهم المشترك وكونفشيوس، والفرس بزراديشت، وحضارة الهيلينيين والأثينيين بكل ما فيها من زخم معرفى وفلسفى طاغى، والعرب، مع بعض التحفظ على هؤلاء، إستثناءا فقط للقرنين الثانى والثالث الهجريين، حيث سطع عقل عربى متميز ما فتئ أن خبأ ثانية، وأظنه هامد حتى الآن
ما يزال العقل مسروقا يا هدهد، وكأن لعنة النار المسروقة قد حلت عليه
ولنا عودة ثانية
كان الله مد فى العمر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ذهنية التحريم (( تحريم الذهن)) 1 من2 (Re: bayan)
|
هذه هى الايات التى تحدثت عن الخلق ولاحظ الاية35
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (3 وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
سورة البقرة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ذهنية التحريم (( تحريم الذهن)) 1 من2 (Re: هدهد)
|
اخي الكريم هدهد تحية طيبة الموضوع لطيف للغاية وشيق ومداخلات الاخوة كذلك فقط احب ان اورد بعض الايضاح حول مسالة الغرانيق
ولك الود
Quote: 19 - اسطورة الغرانيق
قد يكون بين القرّاء من يودُّ التعرف على اسطورة «الغرانيق» التي رواها بعض مؤرّخي السنّة ومعرفة جذورها كما يودّ التعرف على الأيادي الخفية التي كانت وراء اختلاق هذه الاسطورة، وأمثالها من الأكاذيب، والمفتريات.
ولقد أدرج بعضُ المؤلفين المسلمين بعض هذه المفتريات في مؤلفاتهم وجعلوها في عداد الحديث والتاريخ الصحيح من دون تمحيصها والتحقيق فيها، ثقة بكل من أظهر الاسلام، وتظاهر بالإيمان، وانضم إلى صفوف المسلمين !!
ولكنّ اليوم حيث يجد العلماء فرصة اكبر للتحقيق في هذا النوع من الأحاديث والاخبار، والمنقولات والنصوص وبخاصة بعد أن توفّرت لديهم - بفضل جهود طائفة من المحققين المسلمين القواعد والضوابط الكفيلة بتمييز
______________________________
(1) وهي التي يُطلَق عليها الاسرائيليات وقد ألّفَت في هذا المجال بعض الكتب.
{ 488 }
الحسن عن القبيح، والصحيح عن السقيم، وفرز الحقائق التاريخية عن القصص الخياليّة، والروايات الاسطورية.
من هنا لا ينبغي لكاتب مسلم ملتزم أن يعتبر كل ما يراه في مصنّف تاريخيّ أو غير تاريخيّ متقدِّم أمراً صحيحاً مقطوعاً بسلامته، ويرويه في كتابه من دون دراسة وتحقيق، وتمحيص وتقييم.
ما هي اُسطورة الغرانيق ؟!
يقولون : إن «الأسود بن المطلب» و«الوليد بن المغيرة» و«اُمية بن خلف» و«العاص بن وائل» وهم من زعماء قريش واسيادها قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله :
يا محمّد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبدُ فنشترك نحن وانت في الأمر !!
وقالوا ذلك رفعاً للاختلاف، وتضييقاً لشقّة الخلاف فأنزل اللّه سبحانه سورة الكافرين التي امر فيها نبيّه أن يقول في جوابهم :
(لا أعبُدُ ما تعبدُون. ولا أنتُم عابِدُون ما أعبُد).
ومع ذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يرغب في أن يساوم قريشاً ويجاربهم وكان يقول في نفسه : ليت نزل في ذلك أمر يقرّبنا من قريش.
وذات يوم وبينما كان صلّى اللّه عليه وآله يتلو القرآن عند الكعبة ويقرأ سورة «النجم» فلما بلغ قوله تعالى :
(أفرأيتُم اللات والعُزّى. ومَناة الثّالِثَة الاُخرى).
أجرى الشيطانَ على لسانِه الجُملتين التاليتين :
(تِلك الغرانِيقُ العُلى مِنها الشفاعَةُ تُرتَجى)(1).
فقرأهما من دون إختيار، وقرأ ما بعدها من الآيات، ولمّا بلغ آية السجدة سجد هو ومن حضر في المسجد من المسلمين والمشركين أمام الاصنام، إلا
______________________________
(1) النجم : 19 و20.
{ 489 }
«الوليد» الذي عاقه كبر سنه عن السجود !!
وفرح المشركون، وارتفعت نداءاتهم يقولون : لقد ذكر «محمّد» آلهتنا بخير.
وانتشر نبأ هذه المصالحة والتقارب بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمشركين، المهاجرين الى الحبشة، فعاد على أثرها جماعة منهم إلى مكة، ولكنّهم ما أن كانوا على مشارف «مكة» إلا وعرفوا بأن الأمر تغير ثانية، وأن ملك الوحي نزل على النبيّ وأمره مرة اُخرى بمخالفة الاصنام ومجاهدة الكفار والمشركين، وأخبره بأن الشيطان هو الّذي أجرى تينك الجملتين على لسانه، وانه لم يقله وأنه ليس من «الوحي» في شيء أبداً.
وعندئذ نزلت الآيات (52 - 54) من سورة «الحج» التي يقول اللّه تعالى فيها :
(وما أرسلنا مِن قبلِك مِن رَسُول ولا نبِيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشيطانُ في اُمنِيّتِهِ فينسَخُ اللّه ما يُلقي الشيطانَ ثم يُحكِمُ اللّه آياتهِ واللّهُ علِيم حكيم.
ليجعل ما يُلقي الشيطانُ فِتنةً لِلّذين في قُلُوبهم مرض والقاسيَةِ قُلُوبهم، وإن الظّالِمين لفِي شِقاق بعيد ولِيعلمَ الّذين اُوتُوا العلم أنّه الحقّ مِن ربك فيُؤمنُوا به فتُخبتُ لهُ قلُوبُهم وإنّ اللّه لهادِ الّذين آمنُوا إلى صِراط مُستقيم).
هذه هي خلاصة اُسطورة «الغرانيق» التي أوردها «الطبري» في تاريخه(1) ويذكرها ويردّدها المستشرقون المغرضون بشيء كبير من التطويل والتفصيل !!
محاسبة بسيطة لهذه الاسطورة
لنفترض أن «محمّداً» لم يكن نبياً مرسلاً ولكن هل يمكن لأحد أن ينكر ذكاءه وحنكته، وفطنته وعقله.
فهل لعاقل فَطِن، محنّك لبيب مثله أن يفعل مثل هذا ؟
ان الذكيّ اللبيب الذي يجد انصاره يتكاثرون ويتزايدون يوماً بعد يوم
______________________________
(1) تاريخ الطبري : ج 2 ص 85 و76.
{ 490 }
وتقوى صفوفهم اكثر فاكثر بينما تتفرقُ صفوفُ أعدائه ومناوئيه ويتناقص معارضوه وخصومُه، هل يقدم في مثل هذه الحالة على عمل يوجب ان يسيء الجميعُ ظنهم به، ويشك الصديق والعدوُ في أمره ؟!
هل تصدّق أنت أيها القارئ الكريم أن رجلاً ترك جميع الأموال والمناصب التي عرضتها قريش عليه، في سبيل دينه الحنيف، وعقيدته التوحيد أن يصبح مرة اُخرى من دعاة الشرك، ومروّجي الوثنية ؟؟!
إننا لن نصدّق بمثل هذا الاحتمال في حق مصلح أو سياسي عادي من الساسة والمصلحين فكيف برسول اللّه ونبيّه العظيم.
رأي العقل في هذه القصة :
1 - إن العقل يحكم بان المرشدين الذين يبعثهم اللّه تعالى الى البشرية لهدايتها وارشادها، وتزكيتها وتعليمها مصونون عن أي خطأ وزلل بقوة (العصمة) التي اُوتوها، اذ لو تعرض مثل هؤلاء الى الخطأ والزلل في اُمور الدين لزالت ثقة الناس بهم وبكلامهم.
يجب علينا ان نقارن بين أمثال هذه القصص، وبين هذا الأصل العقائديّ المنطقي ونعالج بواسطة معتقداتنا القوية المبرهنة متشابهات التاريخ ومعضلاته.
إنّ من المسلّم أن عصمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كانت تمنعه وتحفظه من أي نوع من هذه الحوادث في تبليغ رسالته السماوية.
2 - إن هذه الاسطورة تقوم أساساً على أن النبيّ قد تعب من أداء مهمّته التي ألقاها اللّه سبحانه عليه، وقد شقّ عليه ابتعاد الوثنيّين عنه، فكان يبحث عن مخلَص من هذا الوضع المتعِب، يكون طريقاً - حسب تصوره - إلى إصلاح وضعهم !!
ولكن العقل يقضي بأن على الانبياء أن يكون صابرين حلماء أكثر ممّا يتصور، وأن يكونوا مضرب المثل عند الجميع في ذلك، فلا يُحدّثوا أنفسَهم بالتهرّب من المسؤولية وترك الساحة مطلقاً، مهما اشتدّت الظروف، وتأزّمت
{ 491 }
الأحوال.
بينما لو صحّت هذه الرواية - الاسطورة لكانت دليلاً على أنَّ بطلَ حديثنا قد فقد عنان الصبر وأفلت منه زمام الثبات والاستقامة وانه بالتالي تعب وملّ، وضني وكلّ، وهو أمر لا ينسجم مع ما يحكم به العقل السليمُ في حق الأنبياء، كما لا يتفق كذلك مع ما عهدناه من سوابق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ومن مستقبله أبداً.
إن مختلق هذه الاسطورة لم يمرّ بخاطره وباله أنّ القرآن الكريم شهد ببطلان هذه القصة، اذ يعد اللّه تعالى نبيه الكريم، بأن لا يتسرّب الى القرآن أي شيء من الباطل إذ قال :
(لا ياتِيه الباطِلُ مِن بينِ يديه ولا مِن خلفِه)(1).
كما وعده أيضاً بأن يصونه عبر جميع أدوار البشرية من أي حادث سيئ اذ قال سبحانه :
(إنّا نحنُ نزّلنا الذِكر واِنّا لهُ لحافِظُون)(2).
ومع ذلك كيف يستطيع الشيطان الرجيم عدو اللّه أن ينتصر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويسرّب الى القرآن شيئاً باطلاً، ويصبح القرآنُ الذي تقوم معارفه وتعاليمه على أساس معاداة الوثنية ومحاربتها داعياً الى الوثنية ؟؟!!
إنه لأمر عجيب جداً أن يفتري مختلِقُ هذه الاسطورة أمراً ضدّ التوحيد في موضع قد كذّبه القرآنُ قبل هذا المكان بقليل إذ قال اللّه تعالى :
(وما ينطِقُ عن الهَوى. إِن هُو إلا وحي يُوحى)(3).
فكيف يترك اللّه نبيّه - وقد وعده بهذا الوعد - من دون حفيظ، ويسمح للشيطان بأن يتصرف في قلبه وعقله ولسانه ؟؟
إن هذه الأدلة العقلية إنما تفيد من يكون مؤمناً بنبوة محمّد صلّى اللّه عليه وآله ورسالته.
______________________________
(1) فصّلت : 42.
(2) الحجر : 9.
(3) النجم : 3 و4.
{ 492 }
واما المستشرقون الذين لا يعتقدون بنبوته، ويعمدون الى شرح ونقل وترديد أمثال هذه الأساطير للحط من شأن دينه ورسالته فلا تكفيهم هذه الدلائل، فلا بدّ أن ندخل معهم في البحث من باب آخر.
تكذيب القِصَّة من طريق آخر
إنّ النصّ التاريخيّ يقول : إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قرأ هذه السورة، وكبار قريش واكثرهم من عمالقة الكلام، وأبطال الفصاحة والبلاغة العربية حضور في المسجد ومنهم «الوليد بن المغيرة»، متكلم العرب ومنطيقها المفوّه المعروف بينهم بالذكاء وحصافة العقل والنباهة، وقد سمعوا جميعاً هذه السورة إلى ختامها حيث سجد الجميع بسجدتها.
فكيف اكتفى هذا الجمعُ المؤسسُ للفصاحة والبلاغة الذين كانوا ينقدون كل ما يعرض عليهم نقداً دقيقاً ؟
كيف اكتفوا بتينك الجملتين اللتين امتدحتا آلهتهم، وقد تضمنت الآيات السابقة عليهما، واللاحقة لهما على شتم آلهتهم وتفنيدها، والازدراء بها بصورة صارخة وصريحة ؟!
كيف تصور مختلق هذه الاكذوبة الفاضحة، تلك الجماعة أصحاب اللغة العربية وآباءها ونقّاد الكلام المعدودين عند العرب كلّها من عمالقة الفصاحة والبلاغة بلا منازع، والذين كانوا أعرف من غيرهم باشارات تلك اللغة، وكناياتها (فضلاً عن تصريحاتها).
كيف اكتفى هؤلاء بتينك العبارتين في امتداح آلهتهم، وغفلوا عما سبقها ولحقها من الذمّ لها والطعن الصارخ فيها ؟
إنه لا يمكن قط أن نخدع العادّيين من الناس بهاتين الجملتين المحفوفتين بكلام مطوّل يذم عقائدهم وسلوكهم فكيف بمن عُرف باللب، والحصافة، والحكمة والذكاء ؟
وها نحن ندرج هنا الآيات المتعلّقة بالمقام ونترك أصفاراً (وفراغاً) في مكان
{ 493 }
الجملتين اللتين اُدّعي اضافتهما، ثم نترك للقارئ نفسه أن يقيم بنفسه هل لتينَك الجملتين مكان بين هذه الآيات (التي وردت في ذمّ الاصنام والقدح فيها) : وإليك هذه الآيات :
(أفرأيتُمُ اللاتَ والعُزّى. ومناةَ الثالثِةَ الاُخرى...(1) ألكُم الذَّكرُ ولهُ الاُنثى. تِلك إذاً قِسمَةً ضِيزى. إن هِي إلا أسماء سمّيتُمُوها أنتُم وآباؤُكم ما أنزَل اللّه بِها مِن سُلطان)(2).
ثم هل يسمحُ إنسان عاديّ لنفسه أن يكفّ عن معاداة نبيٍّ هاجمَ عقائدهُ طيلة عشرة اعوام، وهدر إستقلاله وكيانه، وجرّ عليه الشقاء بتسفيه أحلامه، وشتم آلهته، لعبارات متناقضة وكلام خليط من الذّم الكبير والمدح العابر.
دَليل لغَويُّ على تفنيد هذه الاسطورة
يقول العلامةُ الجليلُ الشيخ محمّد عبدُه : لم يُستعمَل لفظ الغرانيق في الآلهة أبداً لا في اللغة ولا في الشعر العربي(3).
و«غرنوق» و«غرنيق» اللذان جاءا في اللغة استعملا في نوع من طيور الماء أو الشابّ الجميل، ولا ينطبق أيُ واحد من هذه المعاني على الآلهة.
وقد اعتبر احدُ المستشرقين يدعى «السير وليم مويير» قصة «الغرانيق» هذه من مسلَّمات التاريخ واستدل لها بقوله : لم يكن يمضي على هجرة المهاجرين الاول إلى الحبشة اكثر من ثلاثة أشهر يوم صالح محمّد قريشاً فعادوا إلى مكة.
إن المسلمين الذين هاجروا إلى تلك الأرض وكانوا يعيشون في أمن وطمأنينة في جوار النجاشيّ إذا لم يكونوا يبلغهم نبأ مصالحة النبيّ لقريش لما عادوا إلى مكة للقاء بذويهم.
فاذن لا بدَّ أنّ «محمّداً» قد تذرّع بشيء لمصالحة قريش، والتقرّب اليها،
______________________________
(1) مكان الجملتين المزعومتين : تلك الغرانيق.. الى آخرها.
(2) النجم 19 - 23.
(3) نقله عنه القاسمي في تفسيره : ج 12 ص 55 - 56.
{ 494 }
وهذا الشيء هو قصة الغرانيق» !!(1).
ولكن يجب أن نسأل هذا المستشرق المحترم :
أولاً : لماذا يجب أن تكون عودة المهاجرين ناشئة عن نبأ صحيح حتماً.
إن النفعيين وذوي الأهواء والأغراض يسعون دائماً إلى بثّ عشرات بل مئات الأخبار الكاذبة بين جماعتهم لتحقيق مآرب خاصّة لهم، فما الذي يمنع من أن نحتمل أن هناك من افتعل خبر مصالحة النبيّ لقريش بهدف إرجاع المهاجرين من الحبشة الى «مكة». وقد صدق بعض اُولئك المهاجرين هذا الخبر الكاذب فعادوا إلى أرض الوطن، بينما لم ينخذع الآخرون بها وبقوا في الحبشة ولم يعودوا الى مكة ؟؟
ثانياً : لنفترض أن النبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يريد أن يصالح قريشاً، فهل يكونُ الطريق إلى السلام والمصالحة منحصراً في افتعال هاتين الجملتين.
ألم يكن إعطاء مجرّد وعد مناسب أو مجرّد السكوت عن عقائدهم كافياً لتهدئة خواطرهم، واجتذاب قلوبهم نحوه ؟
وعلى كلّ حال فان عودة المهاجرين لا يكونُ دليلاً على صحّة هذه الاُسطورة، كما أن المصالحة، والتقارب غير متوقفين على النُّطق بهاتين الجملتين.
والأعجب من هذا أن البعض تصوَّر أن الآيات (52 - 54 من سورة الحج) قد نزلت في قصة الغرانيق.
وحيث أن هذه الآيات قد وقعت ذريعة بأيدي المستشرقين ومرتكبي جريمة التحريف في التاريخ، فاننا نعمدُ هنا إلى توضيح مفاد هذه الآيات، ونبين للقارئ بأنها تنظر إلى امر آخر، ولا ترتبط بهذه القصة بتاتاً.
وها هو نصُّ الآيات المشار إليها :
(وما أرسَلنا مِن قبلِك مِن رسُول ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشَّيطانُ في اُمنِيّتِه فينسَخُ اللّه ما يُلقي الشُّيطانُ ثم يُحكِمُ اللّه آياتِه، واللّه عليم حَكيم
______________________________
(1) راجع حياة محمّد : ص 165 و166.
{ 495 }
ليَجعَلَ ما يُلقِي الشّيطانُ فِتنَةً لِلَّذين في قُلُوبِهم مرَض والقاسِيَة قُلُوبُهُم وإن الظالِمين لَفِي شِقاقٍ بعيدٍ ولِيعلمَ الّذينَ اُوتُوا العِلم أنّهُ الحقُّ مِن ربِّك فيُؤمنُوا بهِ فتُخبتَّ له قُلوبُهُم وأنَّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صِراط مُستقيمٍ).
والآن يجب أن نبين مفاد الآيات ولنبدأ بالآية الاُولى :
انّ الآية الاُولى تذكِّرُ بثلاثة اُمور هي :
1 - انّ الأنبياء والرسل يتمنون.
2 - انَّ الشيطان يتدخّل في تمنياتهم.
3 - انّ اللّه يمحي آثار ذلك التدخّل.
وبتوضيح هذه النقاط الثلاث يتضح مفاد الآية والمراد منها.
واليك توضيح تلكم النقاط الثلاث :
1- ما هو المقصود من تمني الانبياء والرسُّل
لقد كان الأنبياء والرسل يحبّون هداية اُممهم، ونشر دينهم وتعاليمهم فيها، وكانوا يدبّرون اُموراً ويخطّطون خططاً لتحقيق أهدافهم هذه، كما كانوا يتحملون في هذا السبيل كل المتاعب والمصاعب، ويثبتون في جميع المشكلات والمحن.
ولم يكن رسول الاسلام صلّى اللّه عليه وآله مستثنى عن هذه القاعدة، فقد كان صلّى اللّه عليه وآله يخطط لتحقيق أهدافه كثيراً، ويهيّئ مقدمات ويبيّن القرآن هذه الحقيقة بقوله :
(وما أرسلنا مِن رسُول ولا نبيّ إلا إذا تمنّى).
فاتّضح إلى هنا المراد من لفظ تمنّى ولنشرح الآن النقطة الثانية.
2 - ما هو المقصود من تدخّل الشيطان ؟
إن تدخُّل الشيطان يمكن أن يتم على نحوين :
1 - أن يوجد الشك والترديد في عزم الانبياء، ويوحي إليهم بأنّ هناك
{ 496 }
عوائق كثيرة تحول بينهم وبين أهدافهم، ولذلك لن يحرزوا نجاحاً في تحقيق تلك الأهداف.
2 - بأن الأنبياء كلما مهّدوا لأمر وهيّاوا له مقدّماته، وظهرت منهم أمارات تدلُّ على أنهم مقدِمون على تنفيذه فعلاً أقام الشيطان ومن تبعه من شياطين الانس العراقيل والموانع في طريقهم، ليمنعوهم من الوصول إلى غاياتهم.
أما الاحتمالُ الأول فلا ينسجم لا مع الآيات القرآنية الاُخرى ولا مع الآية اللاحقة.
أمّا مِن جهة الآيات الاُخرى فلأنّ القرآن ينفي بصراحة لا صراحة فوقها أنه لا سلطان للشياطين على أولياء اللّه وعباده الصالحين (ولو بأن يصوّروا لهم بأنهم لن يقدروا على تحقيق آمالهم، وأهدافهم) إذ يقول :
(إنّ عِبادي ليس لك عليهِم سُلطان)(1). ويقول أيضاً :
(إنّه ليسَ لهُ سُلطان على الّذينَ امنُوا وعلى ربّهم يتوكّلُون)(2).
إن هذه الآيات، والآيات الاُخرى التي تنفي سلطان الشيطان على أولياء اللّه وعباده الصالحين، وتأثيره في قلوبهم ونفوسهم لخيرُ شاهد وأفضل دليلٍ على أنّ المقصود من تدخّل الشيطان في تمنيات الأنبياء ليس بمعنى إضعاف عزيمتهم، وإرادتهم وتكبير الموانع والعراقيل في نظرهم.
أمّا من جِهَة الآيات المبحوثة فان الآية الثانية والثالثة تفسِّر وتشرح علّة التدخّل على النحو الآتي :
إننا نختبر بهذا العمل فريقين من الناس : الفريق الأول : الّذين في قلوبهم مرض، والفريق الثاني : الذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر.
يعني أنّ تدخُّل الشيطان في أعمال الأنبياء عن طريق تحريك الناس ضِدَّهم وضدّ أهدافهم يوجب مخالفة الفريق الأوّل ومعارضتهم للانبياء في حين يكون الأمر على العكس من ذلك في الفريق الثاني فانه يزيد من ثباتهم وصمودهم.
______________________________
(1) الحجر : 42، الاسراء : 65.
(2) النحل : 99.
{ 497 }
وان بيان أن لتدخل الشيطان في تمنيات الانبياء، مثل هذين الاثرين المختلفين (أي يحمل فريقاً على المخالفة وفريقاً آخر على الثبات والصمود) يفيد أن المراد بالتدخل هنا هو المعنى الثاني، يعني ان التدخل يحصل عن طريق تحريك الناس ضدّهم، وإلقاء الوساوس في قلوب أعدائهم، وخلق الموانع والعراقيل في طريقهم لا أنهم يتصرفون في نفوس الأنبياء وقلوبهم ويضعفون ارادتهم وعزمهم.
إلى هنا اتضح معنى تدخّل الشيطان في تمنيات الانبياء والرسل.
والآن حان الحين لتوضيح المطلب الآخر يعني محو آثار هذا التدخل.
3 - ما هو المقصود من محو آثار التدخل ؟
اذا كان معنى تدخّل الشيطان هو تحريك الناس وتأليبهم ضد الانبياء ليمنعوا الأنبياء والرسل من التقدم في أهدافهم، فان محو آثار التدخّل الشيطاني من قبل اللّه - حينئذٍ - يكون بمعنى ان اللّه يدفع عن أنبيائه ورسله كيد الشيطان ليتضح الحقُّ للمؤمنين، ويكون إختباراً لمرضى القلوب كما يقول تعالى في آية اُخرى :
(إنّا لنَنصُر رُسُلَنا والّذين آمنُوا في الحياة الدّنيا)(1).
وخلاصة القول : أن القرآن يخبر - في هذه الآيات - عن سنة للّه قديمة في مجال الأنبياء وهي :
إن تمنّي التقدم في الأهداف وتمنّي التوفيق في هداية الناس هو فعل الانبياء دائماً.
ثم يأتي الدور لتدخّل الشيطان وأتباعه من شياطين الإنس والجنّ، وذلك بايجاد الموانع والعقبات في طريق الأنبياء والرسل.
ثم يأتي من بعد ذلك حلول المدد الإلهي الغيبيّ بمحو وفسخ كلّ التدابير الشيطانية المضادّة لأهداف الانبياء المعرقِلة لتحقيق أمانيّهم.
وهذه هي إحدى السنن الالهية الثابتة التي جرت في جميع الاُمم السالفة.
______________________________
(1) غافر : 51.
{ 498 }
إن تاريخ الأنبياء والرسل وقصصهم من نوح وإبراهيم وأنبياء بني إسرائيل وبخاصّة موسى وعيسى عليهما السّلام، وتاريخ حياة الرّسول الاكرم صلّى اللّه عليه وآله خير شاهد على هذا المطلب.
وينبغي إستكمالاً لهذا البحث أن نقول : ولأجل ما ورد على هذه القصة الاُسطورية من مؤاخذات رفضها وفنّدها بعض المحققين من أهل السنة اذ قال بعد ذكرها على النحو الذي ادرجها الطبري في تاريخه وأرسله ارسال المسلّمات :
(وأهل الاُصول يدفعون هذا الحديث بالحجة).
ومن صحّحهُ قال فيه أقوالاً :
منها : ان الشيطان قال ذلك وأذاعه والرسول عليه الصلاة والسّلام لم ينطق به.
(وذكر وجوهاً اُخرى ثم قال والحديث على ما خيّلت غير مقطوع بصحته(1).
|
| |
|
|
|
|
|
|
آدم وحواء (Re: هدهد)
|
الأخ هدهد والجميع تحية واحتراما
الفقرات التالية التي سأنقلها لكم من كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري"ـ وهو كتاب كتبه الأستاذ محمود محمد طه ونشر في يناير 1971 ردا على كتاب الدكتور مصطفى محمود "القرآن: محاولة لفهم عصري"ـ وكان قد نشر على حلقات في مجلة صباح الخير تحت إسم: "القرآن: محاولة لتفسير عصري"ـ http://www.alfikra.org/books/bk020/index.htm وهذا الجزء الذي أنقله شيق جدا وفي بابه تماما في هذا البوست.. ================= آدم وحواء وفي صفحة 80 عن الشجرة أنت ترى: (أنها رمز للجنس، والموت، اللذين تلازما في قصة البيولوجيا.. حينما أخذت الكائنات الحية، بطريق التلاقح الجنسي، تتكاثر، فكتبت على نفسها، طارئ الموت.. ولم تكن الكائنات قبل ذلك تموت، بل تتجدد، وتعود إلى الشباب بالإنقسام الذاتي: كان التلاقح الجنسي، هو الشجرة المحرمة، التي أكلت منها الحياة، فهوت من الخلود إلى العدم.. وبالمثل كان زواج آدم وحواء، هو زواج إثنين، من الخالدين في الجنة.. وفي مثل هذا الزواج لم تكن توجد وظيفة للنكاح، والتلاقح الجنسي.. فالخلود حقيقة قائمة، ولا حاجة للنسل، لاستمرار الحياة.. وكان الشيطان يعلم أن شجرة النسل هي إيذان ببدء الموت، والطرد من جنة الخالدين.. فكذب على آدم، وسول له أنها شجرة الخلود بعينها.. وأغراه بأن يخالط زوجه بالجسد).. أنت تقول هذا بعد أن تعرضت، في صفحة 79، لرفض رأي الذين يقولون: أنها شجرة المعرفة.. حيث تقول: [يقول بعض المفسرين أنها شجرة المعرفة وأنها رمز.. وهو تفسير غير مقبول.. فالله لم ينه الإنسان عن طلب المعرفة بل هو على العكس كان يحضه على طلب العلم.. (وقل ربي زدني علما).. (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)] ونحن نرى معك أن الشجرة هي العلاقة الجنسية، ولكننا لا نرى رفض القول بأن الشجرة هي المعرفة، ذلك بأن الله لم ينه عن العلاقة الجنسية، وإنما نهى أن تكون تلك العلاقة بغير شريعة.. إن آدم هو زوج حواء في الحقيقة، لأنها انبثاق نفسه السفلى، عنه خارجه.. ولكن الله أراد له أن تكون زوجه في الشريعة.. والتكليف الذي وردت إليه الإشارة في الآية التالية، حين قال، تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة)، إنما هو بدء الشريعة.. قال تعالى: (ويا آدم اسكن، أنت وزوجك، الجنة، فكلا من حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري من سوآتهما.. وقال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور.. فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.. وناداهما ربهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟؟ وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدو مبين؟؟ * قالا: ربنا!! ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن من الخاسرين * قال: اهبطوا!! بعضكم لبعض عدو.. ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون، وفيها تموتون، ومنها تخرجون).. فكأن القول بأن الشجرة هي شجرة المعرفة يستقيم مع القول بأن الشجرة هي اللذة الجنسية.. فاللذة الجنسية غير محرمة داخل الشريعة، وإنما هي محرمة خارجها – هي غير محرمة إذا أخذت بحقها – وحقها يقتضي معرفة الحرام، والحلال.. والذي يسمع قولك: (ولم تكن الكائنات قبل ذلك تموت بل تتجدد وتعود إلى الشباب بالإنقسام الذاتي).. الذي يسمع هذا القول يشعر بأن مرحلة التجدد بالإنقسام الذاتي، أكمل من مرحلة الموت، وهذا خطأ جسيم.. وقولك: (كان زواج آدم وحواء هو زواج إثنين من الخالدين في الجنة.. وفي مثل هذا الزواج لم تكن توجد وظيفة للنكاح والتلاقح الجنسي فالخلود حقيقة قائمة ولا حاجة للنسل لاستمرار الحياة)، يدل على جهل بحقيقة وظيفة النكاح، إذ يجعل النسل هو همها الأول، والحق أن اتساع حياة كل من الزوجة والزوج، بممارسة اللذة التي بها يتسامى الحب، هو الوظيفة الأساسية للزواج.. فإنه، إن يكن كما زعمت، يكن الفرد وسيلة للجماعة.. وهذا أمر يضع العربة أمام الحصان.. ذلك بأن الفرد هو غاية الحياة.. وما الجماعة إلا وسيلتها إلى إنجاب الفرد، الحر، الكامل.. إن صورة الأمر كله هكذا: خلق الله خلقا هم عقول بلا شهوة، وهؤلاء هم الملائكة.. وخلق خلقا هم شهوة بلا عقول، وهؤلاء هم الأبالسة.. وخلق خلقا هم شهوة ركبت عليها العقول لتسوسها بشريعة الحرام، والحلال، وهؤلاء هم البشر.. وحين نقول: أن الشجرة هي اللذة الجنسية، أو نقول: أن الشجرة هي معرفة الحلال، والحرام، إنما نحن نتحدث عن شئ واحد، يختلف اختلاف مقدار.. فالمعرفة وسيلة الممارسة الصحيحة، وأنما ذكرنا العلاقة الجنسية في هذا الباب، لأنها أعمق اللذات، وأقربها من لذة الحياة نفسها.. وإلا فإن الشجرة تعني، في التنزلات، أي رغبة نفس، في قضاء لبانة من لباناتها.. وكل لبانة لا تقضى باسم الله، وفي سبيل الله، فهي حرام.. قال تعالى، في أمر الحلال، والحرام: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا، طيبا.. واشكروا نعمة الله، إن كنتم إياه تعبدون * إنما حرم عليكم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به.. فمن اضطر، غير باغ، ولا عاد، فإن الله غفور رحيم * ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب: هذا حلال.. وهذا حرام.. لتفتروا على الله الكذب.. أن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) فالحرمة إنما هي حكم شرعي، وليس شئ هو حراما في عينه.. وعند العارفين، الحرام من الكسب ما أخذ من غير يد الله، مهما كان حله في الشريعة.. إذا أخذت، ولم تر يد الله، وأنما حجبت عنها بيد الواسطة، فقد أخذت حراما.. هذا هو ما دلت علية الآية الأولى: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا.. واشكروا نعمة الله، إن كنتم إياه تعبدون).. فالحكمة من شريعة الحرام والحلال هي رؤية يد الله في كل شئ.. ومعنى هذا: أن كل عمل، نعمله أو ندعه، لا يكون اعتبار مرضاة الله فيه هو دافعنا للعمل، أو للترك، فهو عمل باطل.. قولك: (وكان الشيطان يعلم أن شجرة النسل هي إيذان ببدء الموت والطرد من جنة الخالدين فكذب على آدم وسول له أنها شجرة الخلود بعينها وأغراه بأن يخالط زوجه بالجسد) قول يعطي الشيطان فضيلة ليست له.. إن الشيطان لم يكن يعلم، وإنما كان يجهل.. ولولا أنه كان يجهل لما عصى الله.. هذا لا ينفي عن الشيطان مطلق العلم، وإنما ينفي عنه العلم النافع.. فقد كان يعلم بظواهر الأشياء فقط، ولذلك يقول الصوفية: إن علم الظاهر وحده علم شيطنة، وهو لا يورث التقوى.. وكذلك كان إبليس.. كان عالما بغير تقوى.. و التفاصيل التي وردت في الفقرة التي اقتبسناها لك آنفا لا يعرفها الشيطان.. وهو، إنما أضل آدم، لجهله هو لا لعلمه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (فدلاهما بغرور) يعني: خفض درجتهما، بنصيحته الجاهلة.. هذا ما تيسر، في أمر باب قصة الخلق.. وهو باب يثير مسائل في غاية الأهمية.. ولكننا نكتفي بهذا القدر، ونرجئ الحديث عن أسرار العدد إلى أن يأذن الله في فرصة أخرى.. ربما في كتاب (القرآن بين التفسير، والتأويل)..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ذهنية التحريم (( تحريم الذهن)) 1 من2 (Re: هدهد)
|
هل يخاف الله من عقل الإنسان تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فالله خالق العقل وهو القائل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) كأن الكاتبة رفعت لفظ الجلالة بدلاً من أن تنصبه فجعلت الله يخاف من العلماء بدلاً من أن العقل هو الذي يقود إلى مخافة الله. الإسلام ليس فيه هذه النظرة البشرية لله (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) الكاتبة عندي تميل إلى فكر هلينا بتروفنا بلا فتسكي وتكاد تنقل قولها في تمجيد الشيطان]( الشيطان هو ذلك الملاك الذي كان فخوراً بما يكفي ليزعم أنه الرب، شجاعاً بما يكفي أن يشتري استقلاله بثمن تعاسته الأبدية وعذابه المستمر، جميلاً بما يكفي أن يعبد نفسه في الضوء المقدس الكامل، قوياً بما يكفي ليرزح في الظلمة و الألم الشديد... ومع ذلك يصنع لنفسه عرشاً من هذا الركام المشتعل غير القابل للإنطفاء( ..) كأني بها تروج لفكر حركة الأنموذج الجديد نيو ايج موفمنت) التي أسستها هلينا وقوتهاأليس بيلي ونبغ فيهادوشارده،و كارل يونغ، وإدقار كايس وآخرون. والتي تمثل مدرسة قديمة متجددة في الثيوصوفية أو الحكمة الإلهية كما يسمونها، والتي ليست إلا نوعاً من الوثنية في صورة جديدة. الإسلام يدعو إلى المعرفة ويحض عليها ويكفي أن أول أياته إقرأ ورسولنا الكريم لم يؤمر بأن يستزيد (يطلب الزيادة) في شئ سوى العلم: وقل رب زدني علما، ثم إن أكثر أيات القرآن تختم بالمتوسميين والعالمين، لقوم يفقهون، يعقلون ... الخ أما ربط التحريم بهذا الأصل الخاطئ فاعتساف يخدم اغراض خبيثة، هل يعني التحريم أن نلغي عقلنا؟ ألم يثبت العلم أن كل امر محرم في الإسلام خطورته معلومة على الفرد والمجتمع، من كان يماري في هذا فليراجع كتاب حجة الله البالغة للعلامة ولي الله الكاندهلوي، ففيه غناء؟ أم يريدون ديناً لا تحريم فيه، إذن ذلك ليس بدين وهذا أمر من البداهة بمكان، أتريدون أن تحرموا علينا ان نلتزم بعقائدناالمنزلة من عند الله، ثم تهاجمون التحريم أين المصداقية، حتى الكاتبة لا تنفك تحرم وتجرم، الفرق بينناأننا نرى ان حق التحريم والتحليل ملك لله، غير أن الكاتبة تبيحه لنفسها وتمنع منه الأخرين... أما حديث الغرانيق فقد أحسن الإخوة الرد عليه كذلك الدكتورة بيان وفقت في ردودها وسؤال أختم به ماهو راي الهدهد فيما نقل؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ذهنية التحريم (( تحريم الذهن)) 1 من2 (Re: هدهد)
|
ادم وحواء
اذ قال الرب لحواء (اكثر اتعاب حياتك بالوجع تلدين اولادا والى رجلك يكون اشتياقك وهو
يسود عليك ) كذلك عوقب ادم بالكد والعناء واقعا تحت اسر حواء دائم الحنين اليها والشوق ، قال تعالى:- واذا قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرءيا التى اريناك الا فتنة للناس والشجرةالملعونة في القران ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا - الاسراء-60 الشجرة الملعونة رمز الخطيئة الاولى لادم وحواء هذه الخطيئة التي ما زالت تطارد البشر
وتجعلهم يربطون الجنس بالخطيئة وطرد هم من النعيم المقيم الى الحياة الفانية . ولكن اذا فكرنا في هذه المسالة جديا لتجلت لنا حكمة الخالق من وراء هذا الطرد ، لان الله
لا يفعل شيئا عبثا فهدفه تعمير الارض لان حواء وادم لو استمر وجودهم ا في الجنة لما كان
هناك بشر غيرهما لاننا نتاج لممارسة الجنس والولادة ولولا هذه الممارسة لما تكاثر البشر الى يومنا
هذا ، وهذه الخطيئة التي ينسبها الرجل للمراة بدعوي انها هي التي اغرت ادم وتسببت بطرده
من الجنة هي دعوة تنم عن السطحية والجهل لان الانسان اساسا خلق ليكون خليفة الله على
الارض ، قال تعالى في البقرة-اية 30 واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون-ص وعلاقة الجنس بالفناء والتجدد علاقة جدلية مستمرة فالجنس وظيفته الاساسية هي حفظ النوع
واستمرار الحياة ، والرجل والمراة نفس واحدة التكوين لا فرق بينهما بيولوجيا وتشريحيا الا
في ضرورة التلاقى والتكامل الحيوي الذي يخرج الحياة بينهما كذكر وانثى .وهذا العطاء
وهذا التلاقى لابد له من شبوب عاطفي ولابد له من مودة ورحمة حتى يلتقى الجسدان في
لحظة الحب والميلاد وان كان العبء الاخطر يقع على المراة ومن هنا كان تقديس الام
وتفردها الجميل .
نقلت هذا من بوست الاباريق -في بحثى عن المراة والجنس عبر العصور ، كمساهمة منى في هذا البوست ، وساكمل باقى مساهمتى لاحقا ردا على بعض النقاط المثارة بخصوص ربط الاسطورة بالنص القراني ، ثم ربطها بعقلية التحريم -تابو- وامتلاك المعرفة
| |
|
|
|
|
|
|
|