|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
كانت الرغبة الجامحة لوالدي هو أن يمحي تاريخه القديم من ذاكرة الآخرين، وأن يبدؤوا بمناداته باسم "الأب" ورغم أنه تحصّل فعلاً على اللقب بمباركة باباوية في إحدى احتفالات التنصيب بالكنيسة إلا أنني لم أكن على قناعة بهذا التنصيب، فقد كان والدي ديماغوجياً*من الدرجة الأولى، لاسيما بعد أن أثبت قدرة عالية على حفظ أعداد لا بأس بها من التراتيل والآيات والأدعية الأنجيلية. وكان والدي يحتفظ في غرفته في المنزل بعدة نسخ من الأنجيل من العهدين القديم والجديد. وليس لدي أدنى شك بمدى صدقه في أن يكون رجلاً متديناً، ولكن ما كان يثير حنقي عليه، هو أنه لم يدخل غرفة الاعتراف قط. وكان يعتبر أن تاريخه المشين، تاريخ لشخص آخر غيره. وربما عقد صفقة ما مع الرب ليمحي عنه تاريخه مقابل أن يقيم أسرة ذات نهج كاثوليكي محافظ. وربما أوصاه بابنه كاسبر تحديداً لسببٍ ما. هذا ما كان يخطر لي عندما أجده متشدداً حيال جعلي كاثوليكياً مأدلجاً منذ وقتٍ مبكر.
_____ * الديماغوجية: هي القدرة على كسب ثقة الآخرين عبر التأثير عليهم بالخطاب العاطفي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
منذ بداياتي وأنا أحاول أن أجد طريقة ما أسهل للتقرب إلى الرب. طريقة لا تكون مرسومة بأيدي بشرية أبداً. لذا فإنني لم أوفق أبداً في التمتع بالشعور الديني الذي كان يتمتع به الجميع عند وقوفهم أمام لوحة العذراء الباكية تحت أقدام يسوع العاري المصلوب. كنت أرى أن الخشوع قناع من بلاستيك شفاف سرعان ما يذوب بفعل حرارة الحياة المادية خارج جدران الكنيسة. حتى الكنيسة نفسها كانت تغمرني بذات الشعور الذي تمنحه لي المدرسة. وكانت جذوة المشكلة التي نشأت بيني وبين والدي متمحورة حول هذه النقطة تحديداً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
ذات يوم سألت والدي عن كيف سمح الرب بصلب ابنه ، وترك الأشقياء دون عقوبة! وعن مكان قبر يسوع الأرضي المقّدس. وما زلت أذكر كيف قطّب حاجبيه وانتفخت أوداجه - كضفادع بركة الأوراليوس في موسم التزاوج - وهو يصرخ في وجهي زاجراً وكاد أن يصفعني لولا تدخل ابن عمه أرماندو رسل المعتدل ومنعه من ذلك. كانت الهرطقة هي الجريمة التي لا تغتفر من قبل والدي والرب على حد سواء، ولكنني كنت مهجساً بهذا السؤال على أي حال.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
ثمة أسماء ووجوه أتذكرها كلما مررت بشريط ذكرياتي بالصدفة على مرحلة عمرية ما من حياتي: إخيليو نوريس وماريو كانسيليو هذا بالإضافة إلى العم سلفادور أورفل والجد مانويل إميليو الذي ارتبط اسمه لدي بشوكولاته جوز الهند، إذ كان مشرفاً في مصنع يعمل في صناعة هذا النوع من الشوكولاته. ولم يكن يأتي منزلنا إلاّ وهو يحمل علبة كبيرة تحتوي على 24 إصبعاً من الشوكولاته المغلفة بطبقة من جوز الهند الفاخر.
مانويل إميليو أحد المئات الذين هاجروا كوينكا مبكراً، واختلفت الروايات حول سبب هجرته. فبينما تقول أمي أن والدها هاجر بسبب الطاعون الذي عصف بكوينكا أواخر الخمسينيات. تقول إحدى الروايات التي يتناقلها الرجال الذين عاصروا جدي أيام شبابه، أنه عندما غادر كوينكا إلى مالقة أولاً قبل وصوله إلى أرتكاتا، كان قد ذهب بحثاً عن فاتنة برتغالية كانت بائعة أقمشة متجولة مرّت بكوينكا تبيع الحرير والكتان المطرّز. اشتعل في صدره حبها عندما رآها ذات يوم عند حافة النهر بينما كانت تغسل قدميها مستعينة بصخرة ملساء لهذا الغرض.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
__________________________
مالقة هذه المدينة البحرية التي كانت تسميها بعض كتب التاريخ بالمالكة أو الملكة على حد تعبير إحدى روايات كتب التاريخ المعاصر لأسبانيا، هي أول مدينة يدخلها صناعة تجفيف الأسماك وتمليحها. وتقول إحدى المصادر أن اسم مالقة ربما اشتق من "مالحة" لهذا السبب. وكانت الآثار الفينيقية ما تزال موجودة بها عندما غزتها الجيوش العربية قديماً.
لم ترق لي تلك الرواية التي تحاول وصف مانويل إميليو بالمراهق الذي يركض خلف شهوته الضائعة بين فخذي فاتنة برتغالية عابرة. بينما كانت ملامحه أكثر رزانة مما كانوا يحاولون تصويره. لذا آمنت برواية أمي. وربما لم أكن أرغب بتصديق تلك الرواية الماجنة لأنني لم أشأ أن أكره الشخص الوحيد الذي أحببت هداياه القيّمة، رغم أنه كان يحمل تلك الرائحة الغريبة التي يحملها بقية العجائز .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
في منزلنا المكوّن من طابقين، كانت ثمة سيدة عمياء تسكن في الطابق العلوي. زوجها السيد فرانكو ماتيوس الذي كان يعمل في إحدى شركات التغليف. كان عديم الذوق كما يصفه الجميع. رجل حاد الطباع، ذو ملامح متخشبة. كنت أقول في سري أن الرب لحكمة جليلة أفقد هذه السيدة بصرها حتى لا ترى هذا الثور الخشبي الذي تعاشره. ولكنهم أخبروني أنها فقدت بصرها بعد سنتين من زواجهما، الأمر الذي جعلني أعتب على الرب كثيراً. كانت السيدة سابيلا آندروس رغم فقدها لبصرها، عكس زوجها الثوري، منشرحة ومنبسطة الملامح. ولأنها لم ترزق بأطفال طيلة حياتها الزواجية، فقد كانت تحب الأطفال كثيراً وتعشق ملاعبتهم. ولا أنس أنها كانت السبب في إقناع أبي في أن يشتري لي أول دراجة أركبها في حياتي. عندما توفيت سابيلا آندروس بالسل، حزنت كثيراً لدرجة أنني أضربت عن الطعام حتى أنّ أمي أخذتني إلى المستشفى القريبة من منزلنا، وبقيت لثلاث ساعات بتغذية وريدية عن طريق مغذ الجلكوز.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________________
الأطفال يحبون الجميع بطبعهم، فالحب هو الفطرة الإنسانية الأولى، بينما يكتسب الإنسان الكراهية بالتدريج عبر مراحله العمرية المختلفة. والكراهية لدى الأطفال ببساطة تعني التوقف عن الحب. ولأنهم، الأطفال، أكثر شفافية من غيرهم، فهم يستطيعون التفريق بين من يحبهم بصدق، وبين من يتظاهر بذلك. في مرحلةٍ ما يميل الأطفال، بالتعلّم، إلى كراهية البالغين، لأنهم يحاولون فرض سلطتهم عليهم. والأطفال لا يحبون السلطة بطبعهم. الحرية والحب والحركة. هذه هي الحاءات الثلاث التي يتغذى عليها الأطفال إضافة إلى حاء الحليب. فهم بحاجة لحرية تسمح لهم أن يتحركوا ليكتشفوا هذا العالم، وأسراره التي تبعد عن أيديهم فقط بضعة أقدام. وهم بحاجة ماسة إلى أن نحبهم بالدرجة التي تجعلها لا نقرأ حركتهم هذه على أنها "أفعال تخريبية"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________
إخيليو نوريس إحدى الشخصيات التي ما زلت أتذكرها جيداً في طفولتي. كان والدي يعتمد عليه في الاعتناء بنا أثناء غيابه وأمي عن البيت لوقتٍ طويل. لذا فقد اعتبرته كالقاتل المأجور. ورغم أن مهمته كانت تنحصر في منعنا من إحداث حالات شغب منزلي، أو الخروج إلى الشارع، أو اللعب بالآلات المطبخية الحادة، إلاّ أنه كان يتجاوز كل ذلك إلى منعنا من مشاهدة التلفزيون وحتى إجبارنا على النوم في مواعيد محددة. تولدت لدي مشاعر سالبة تجاه هذا الإخيليو نوريس، الذي كان يمارس علي أنا وجوانيتا سلطوية عالية الامتهان. ولا شك أنه كان يجد متعة في ذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
قرأت ذات مرّة في كتاب منزوع الغلاف أن الأبيض ليس لوناً بل هو "اللالون". وعدمية اللون، لون آخر محايد تماماً، لذا فإن البشرية اتفقت منذ القديم على اختيار اللون الأبيض كدلالة للاستسلام والسلام، رغم الفارق الكبير بينهما. كما يذكر الكتاب أنه يصعب على وجه التحديد معرفة اللون الأول في العالم. بينما تذهب بعض النظريات الفيزيائية إلى أن الألوان وجدت لذاتها كلاً على حدا، إلا أنه تم تحديد ألوان "معاصرة" كاللون الأرجواني، والبنفسجي، والقرمزي التي اكتشفها الإنسان بمحض الصدفة. ورغم أن هذه النظرية اللونية مشكوك فيها إلاّ أن لها مدارس تلقى رسالتها رواجاً كبيراً بين فئة كبيرة من الرسامين التشكيليين الذين يؤمنون بعصرانية الألوان لذا فإننا نجد لوحاتهم الأكثر غرابة ورمزية هي التي تتخذ من التلاعب بالألوان عنصراً أساسياً فيها معتمدين في ذلك على "التجديد" الذي هو نقلة نوعية في عالم التلوين. ربما لم يكن ذلك ذا علاقة مباشرة بالأطفال، ولكنني فقط أحسست أن ثمة رابط بين نشأة الألوان، ونشأة المشاعر الإنسانية في تمحورها من الحب إلى الكراهية. إذ تتدرج الألوان من الأبيض "الأكثر صفاءً" إلى الأسود "الأكثر قتامة".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
__________________________
كان إخيليو نوريس "الحارس المأجور" الأكثر قابلية من غيره من الذين فرضوا أنفسهم دون تكليف رسمي من والديّ حتى! الأمر الذي كان يثير شعوري بالامتعاض الشديد من هؤلاء البالغين. بينما كانت التقاليد تسمح بأن يتدخل كل الكبار في تربية وتأديب كل الصغار. وكأننا جراء لقبائل بدائية. الأمر الذي جعلني أكثر حساسية تجاه الآخرين، وأكثر تحفزاً. كانت الحياة في أرتكاتا حياة جامدة رتيبة. وكأنها حياة مسبقة الصنع في قوالب متناسخة بحيث يمكنك تخمين مجريات اليوم التالي لكل يوم. كان أبي شخصاً نمطياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فلم يكن يعشق التغير، لا سيما الفجائي منه. وهذا ما جعله يبدو أكثر حذراً وتردداً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
____________________________
لم يكن من الصعب عليّ أن أعرف أنني أنتمي لأسرة أحمسية* تميل إلى المسالمة، وربما كانت القبائل النوركية قبائل أحمسية بطريقة ما. وعلى الطريقة النوركية التقليدية فقد كانت أمي تحذرنا من التشاجر مع الآخرين "لا تختلق المشاكل، وإن واجهتها تملّص منها" هذه الطوباوية جعلتني إلى وقتٍ قريب لا أستطيع أن أحدد الفارق على وجه الدقة بين الجُبن والحكمة. ولا زال النوركيون يعتبرونني همجياً مقارنة بمعايير مذهبهم المسالم. وكنت لأقبل بأية قيمة مقابل أن أعرف موقفهم من الحرب الأهلية التي اندلعت في منتصف الثلاثينيات.
_________ * الأحمسا: أو مذهب اللاعنف وهو مذهب يدعوا إلى مواجهة الكره بالمحبة وبالمحبة فقط. ويعتبر الماهاتما غاندي مؤسس هذا المذهب المثالي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
كان أبي رغم الفخر الذي كان يخفيه بإنجابي، يعاملني معاملة قاسية، تذكرني بالحياة العسكرية التي كان يعيشها الجيش الإسباني بداية تشكليه. إنه يحاول أن يصنع مني رجلاً قوياً – كما كان يقول – غير أنني كنت أكيداً من أنه أخفق تماماً في جميع توجهاته. ولقد عرف ذلك عندما أنجب أخوتي البقية، عندها، شعر بحوجته لاقتناء كتب متخصصة عن الأساليب التربوية الحديثة وطبقها عليهم. لقد كانوا أوفر حظاً مني ومن جوانيتا. فقد كانت القسوة هي السمة الغالبة في التعامل الأمر الذي خلق حاجزاً بيني وبين والدي، ما زلت استشعره حتى اليوم. وكالخيط الرقيق الذي لم أستطع أن أراه بين الجُبن والحكمة، كان هنالك خيط آخر يجب عليّ أن أراه بين الخوف والاحترام. ربما الآن أستطيع أن أقرر بأنني كنت أخاف أبي دون أن أشعر بالاحترام تجاهه. ربما ظنّ أن القسوة تجلب الاحترام، وربما لم يستطع أن يفرق هو الآخر بين الخوف والاحترام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
رغم كل ذلك كان السلوك الأبوي يطفو رغماً عنه في بعض المواقف النادرة جداً. وأذكر أنني لم أكن لأصدق تلك الانقلابات المزاجية التي كان يمر بها عندها. فعندما عدت أمسية ذلك يوم من رحلة مدرسية إلى متحف سانت كورت، وجدت الجد مانويل إميليو في انتظاري على درج المنزل، والمشهد الخلفي من ورائه لأناس أعرف بعضهم ولا أعرف البقية. كانت الأنظار كلها تتجه نحوي بشفقة. لم أستطع وقتها أن أخمن سبب وجود هؤلاء بهذه الصورة المتجمهرة، غير أنني لم أستطع أن أتقدم أكثر، حتى لوّح لي مانويل إميليو بيديه المرتعشتين بأن أتقدم. وعندما فعلت احتضنني بقوة وهو يبكي بحرقة. كانت نظرات الرجال من ورائه تثير فيني تساؤلات متفاقمة. وكانت دموع مانويل الحارقة تفتفت حجار دهشتي وتحيلها إلى كِسَر من الخوف والرهبة. "أين كنت يا عزيزي؟ هل أنت بخير" كانت اللهفة الأبوية التي سألني بها مانويل لا تقبل القسمة على أكثر من تخمين. عندها عرفت أن ثمة أمراً ما سمعه هؤلاء عني. أمراً جعلهم يظنون أنني لست بخير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
____________________________
لم يكن لأبي أو أمي أي أثر في المنزل، الأمر الذي زاد من توجسي. وما هي إلا بضع ساعات وعاد أبي يتقدم بخطوات مترددة بينما كانت أمي تمسك بدرابزين الدرج وهي تحاول الصعود. وكأنها خائرة القوى. سقطت أمي على ركبتها قبل أن تكمل صعود الدرج بينما أشارت لي بيديها بعد أن رسمت على صدرها علامة الصليب في امتنان، فارتميت على أحضانها لتبكي ما شاء الرب لها أن تبكي. وجهي الذي بللته أمي بالقبلات والدموع كان الشيء الوحيد الذي تمنى أبي أن يراه قبل أن يجثو على ركبته مخبئاً وجهه بين كفيّه. علمت بعد حين أنهما تلقيا اتصالاً هاتفياً من مجهول يفيدهم بأن الباص المدرسي الذي كان يقلني قد تعرض لحادث تصادم في طريقها إلى متحف سانت كورت.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
بعد هذه الحادثة قرر والدي الرحيل من المنزل إلى منزل آخر. وهذه المرة اختار أن تكون الأقرب إلى الكنيسة. كان والدي يتعجّب كيف لم يحترم أولئك الكاذبون هيبة ردائه الأسود ذو الياقة البيضاء، وكان يسمهم بالمارقين، كلما جاء ذكرهم. طوباويته المفرطة التي جعلته لا يتوقع الشر من الآخرين. كثيراً ما كانت أفكار جهنمية تراودني حول الانتقام من أولئك "المارقين" بطريقة تجعلني استعيد دموع أمي التي ذرفتها عليّ هدراً، ولكنني لم أفلح في جميع محاولاتي البائسة أن أفعل. وحققت على المستوى الشخصي رضاً نسبياً بنجاحي تلك السنة بتفوق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
تنادت أوعية الإستصغاء الدقيقةحضورا وتجمعت بقدر مساحاتها الفقر ليت فراسخ الهامش إتساع فقد تأتي قسرا مومياء الحكايا من فوق سقوفات الجدة ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, تمطيناك انتظار وأحتبسناك للزمن الإضافي هتاف جمال نورالهادي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: nourelhadi awad)
|
_________________________
عارف يا نور الهادي
ليتنا لا نضيّع لحظات التثاؤب لنتذكر الذاكرة الحبلى بملايين القصص والكائنات الحية التي تعيش في ظلام دامس بعضها يطرق أبواب الوعي بخجل ، وبعضها بقوة، وبعضها الآخر ينزوي خوفاً من الضوء . .. كل ما علينا هو أن نهدهدها ونأخذها باللين حتى لا "نجهرها" فجأة ، ثم نجعلها على سقف الوعي الآني نعيد ترتيبها وهندمتها تماماً كما تهتم الأم بفستان زفاف ابنتها البكرية
آآآآه من الذكريات ومن ألم الليل الذي لا يستكين يا نور الهادي .. آآآهٍ منه عندما يكون الجرح بإرادتنا والألم متعتنا اللحظية سخرية الفعل الماضي ..
شكراً على المرور والمتابعة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
في المنزل الجديد، لم يكن الحظ حليف والدي القسيس الذي تفاجأ بعد أسبوعين من الانتقال، بأن جاره الذي يقطن في الشقة السفلية مباشرة يعمل قوّاداً. وفي مكانٍ آخر كانت القوادة مهنة نبيلة، حيث تقوم على فلسفة التوفيق بين راغبين في ممارسة "الراحة الفطرية" التي ألقاها الرب لدى الجميع. لم أكن أفهم سبباً منطقياً لموقف أبي الغاضب من هذا القوّاد، إذ لم أكن أعرف على وجه التحديد خبايا هذه المهنة، حتى رأيت من خلال فتحة بين خشبة عتيقة ومكيف الهواء ما جعلني أشعر تجاه ماليوني بوبيكا بتقزز لم أشعر به تجاه شخص آخر. عرفت فيما بعد أن ماليوني الأمرد القوّاد كان يقضي ليله في مقهى مولينوس يصطاد زبائنه من الشباب وأثرياء المدينة. كان يملك في بيته ما يزيد عن تسع فتيات تتراوح أعمارهن بين الثامنة عشر والثلاثين. بعضهن كنّ يعشن معه في ذات المنزل، بينما تسكن أخريات في الجوار. ورغم تقززي من منظر العُري الذي رأيته من فتحة التكييف، إلاّ أنني استشعرت نبل هذه المهنة لا سيما وأنها لم تكن بالإكراه، فكل شيء يتم برضا وقبول الطرفين.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
__________________________
ماليوني – مجهول الجذور – كانت لديه عادة احتساء فنجان النسكافيه الساخن في شرفته كل صباح، وهو يقرأ الجرائد اليومية، ويراقب المارة دون فضول. كان لمنظره الناعم والبراق أثره البالغ في كسب علاقات واسعة جداً لا سيما بين الطبقات الأرستقراطية. وعندما أتاحت لي الفرصة ذات يوم الدخول إلى شقته عرفت ولعه باقتناء التحف والتماثيل الخشبية منها والعاجية. في زاوية ما من منزله كان ثمة تمثال جبسي مطلي بدهانٍ خاص لامرأة عارية تحمل دلو ماء أو ما شابه، كان التمثال مصنوعاً بإتقان لدرجة أنني حسبته حقيقياً للوهلة الأولى. والغريب أنه كان يحتفظ في منزله بلوحة كبيرة لصلب المسيح. لم تكن اللوحات التي يقتنيها لرسامين مشاهير، ولكن يبدو أنه كان يختارها بعناية فائقة. على جدارٍ ما ثمة لوحة "العشاء الأخير" ليوناردو دافينشي يبدو أنها مزيفة بوضوح بألوان باهتة وغير مطابقة للوحة الحقيقية. "الحياة هي المتعة، وعلى الجميع أن يستمتع كما يحب!" هذه الجملة التي حفرت بإزميل على طريقة النحت بالحرق على واجهة خشبية ملونة كان موافقاً تماماً للحياة التي يعيشها ماليوني. بينما قد تسمع ضحكات نسائية آتية من جميع أرجاء المنزل المتكلّف. ولسببٍ ما كان ماليوني يعاملني بلطفٍ جم، وهذا ما كسر حاجز نفوري منه بعد حين. كان يناديني دائماً ب"كاسبرو" ورغم أنني في كل مرة كنت أصحح له "اسمي كاسبر يا سيدي" إلاّ أنه كان لا يأبه بهذا التصحيح، ويعتبره تهذيباً طفولياً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________________
ذلك اليوم، عندما ابتسم في وجهي، اندفعت بحماسة لأسأله. وكنا حينها قد اعتدنا على الأحاديث المطوّلة. أعتقد أنني الوحيد الذي اكتشف الجانب الإنساني لديه، بالإضافة إلى حبه للأطفال والتحدث إليهم. سألته عن صلة القرابة التي تربطه بهؤلاء الفتيات، فضحك حتى كاد يختنق، ولم يرد عليّ. فقط اكتفى بأن مسح على شعري وهو يقول "كاسبرو – أيها الشقي - مازلت في العاشرة من عمرك. غداً تفهم كل شيء" كنت قد أدمنت كراهية هذا المستقبل اللعين. فعندما كنت ألعب كان والدي يصيح في وجهي "غداً عندما تنتهي من الدراسة بوسعك أن تلعب بقية عمرك" ولم يكن هذا الغد ليأتي أبداً. وكأن الرب يخبئه عني تحديداً.
في السنوات القليلة التي قضيناها في هذا المنزل، لم يكن يزورنا غير قلّة من الذين كانوا يجدون في أحاديث والدي الوعظية متعة لا تضاهيها أية متعة أخرى، فهم كمن كانوا بحاجة إلى من يذكرهم بالرب يسوع. بعض النسوة كن يعتقدن أن أبي ينحدر مباشرة من ذرية أحد حوارييه، وكنّ يتعاملن معه باحترام لا يليق بهن. لم تكن تلك الهالة القدسية حول والدي وحول جذورنا الدينية مثار اهتمامي على مدار تلك السنوات، فقد كنت شغوفاً بالمناكفة الطفولية واللعب.
- نهاية الفصل الثالث -
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________________
في إحدى شوارع أرتكاتا المتعرّقة بمطر الشتاء، كان الشيء الذي لا يتوقعه أبي أن يجد نفسه مضطراً لمرافقة رجل كفيف لا يحمل عصاه وأن يعبر به الشارع المكتظ بالسيارات المتهورة. ظل الكفيف يتلو شعارات الشكر والامتنان على مسامع والدي حتى عبر به الشارع، وتقبل بكل سرور نصائحه الواعظة "لا يجدر بك أن تسير بمفردك دون عصا مرشدة، الرب ليس شرطي مرور!" وقبل أن يفترقا عرّف الكفيف بنفسه، "أدعى دادوريس، ديجو دادوريس. وأنت؟" غيظ والدي الذي تحوّل فجأة إلى ضحك غير منقطع كانت الشرارة الأولى في علاقة أسرية دامت سبعة عشر عاماً. فقد تفاجئ والدي بأن دادوريس ليس بكفيف، ولكنه – كما قال – كان يريد امتحان إيمان القساوسة السلوكي. وكان دادوريس أول من استمع إلى قصة تحوّل والدي من عامل منجم ألماس إلى قسيس كنيسة كاملةً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
كانت أماتا الأنثى الملهمة التي ظلت تهبني القدرة على الكتابة. كنت لم أملك بعد مخزوناً لغوياً يجعلني على قدر أن أهديها أعمالاً من كتاباتي، لا سيما وأنها الأنثى الأولى في حياتي، فكنت اضطر لسرقة ما يناسبني من أعمال كاهيتي*، ولوركا*، وأوتيرو*، وثيلايا* ساعدني على ذلك أنها لم تكن مهتمة بالقراءة. هذه السرقات لم تكن تتم عشوائياً، إذ تطلبت مني أن أمضي أوقاتاً في البحث عن الأعمال الجيدة بمقاييسي ذلك الوقت، ومناسبة لحالتي العاطفية، أو على الأسوأ يمكن معالجتها بحبكة مصطنعة. فيما بعد، وجدت أنه أصبحت لدي القدرة على المحاكاة، ولم أكن أعرف أن تلك السرقات كانت – بالإضافة إلى فلسفة دو ريجيلو الزنجي، وموهبة الكذب الأولى البذرة الحقيقية لخلق كاسبر سارجينيو شاعراً!
______________ * كاهيتي: مانويل كاهيتي شاعر إسباني صاحب قصيدة "الكلمة الزرقاء للأيام" * لوركا: فريدريكو غارسيا لوركا شاعر ورسام إسباني مجيد صاحب قصيدة "غزالة الموت المظلم" * أوتيرو: بلاس دي أوتيرو صاحب قصيدة "في قشتالة" المشهورة * ثيلايا: غابرييل ثيلايا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
في تلك الحقبة، كنت قد بدأت أعشق القراءة من خلال طوفان الوله الذي وفرته لي رغبتي في سرقة الأعمال لتقديمها لأماتا في المناسبات المجيدة. لم أكن بعد مقتنعاً بجدوى أن أكون متديناً طالما أنني لم أجد إجابة على سؤالي الهاجس "لماذا سمح الرب بأن يصلب ابنه؟ وأين أجد قبر يسوع؟" حتى تلك اللحظة التي صارحت فيها أماتا بتلك الهواجس. كانت – كغيرها – تخشى الخوض في هكذا أمور، وتضع غول الهرطقة بين قوسين، ربما كانت على نحو ما تستشعر رهبة كوني ابن قسيس متزمت. غير أنني استبصرت رغبتها في معرفة الإجابة. كانت تحبذ أن نمضي أوقاتنا في الحديث عن سلالات النباتات العطرية النادرة التي يوجد القليل منها على سفوح جبل عين الشمس، وقدرة تلك النباتات الخارقة على علاج البهاق وأنواع قليلة من الالتهابات الجلدية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________________
لم تكن علاقتي بأماتا تخلو من مظاهر برجوازية تتمثل في ميلنا إلى قضاء ساعات طويلة في المحادثات الهاتفية التي غالباً ما تصب في كوني متغزلاً بها. وتبادلنا الهدايا السخيفة من غير ما مناسبة. كنت أذهب إلى منزلها ليلاً وأترك لها رسالة غرامية أعلقها خلف زجاج نافذتها المطلة على الشارع، كنت أفعل ذلك بسرية تامة، ولكنها لم تكن ترد على رسائلي، بل تكتفي بالكتابة على الوجه الآخر من الورقة "أحسنت.. يسعدني أنك ما زلت تكتب لي!" لم يكن والدي على علم بهذه العلاقة حتى رأى تلك اللوحة الأبلاكاشية التي حفرت عليها اسمها كاملاً، فأوسعني ضرباً لأنه رأى في ذلك انحرافاً عن الخط الذي رسمه لي طوال حياته، وأردف "لن أسمح لك أن تفسد علاقتي بأصدقائي"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
كانت هيمنة والدي الاقتصادية هي من تفرض هيبته على البيت ، وحتى على النطاق الأسري. ففي الوقت الذي كان أبناء أورفل القاطنين في كوينكا يعانون فيها من جميع أنواع الهوان الاجتماعي والأسري، كان والدي يلقى حظوته الأكيدة في العائلة الأبوية ذات التقاليد الصارمة، لا سيما من لدن سوليداد فيدل ذات الشفاه الرطبة، إذ كانت تخصه برسائل على غير عادة الأمهات النوركيات. وكان والدي شديد الاعتزاز بهذه الحظوة، وربما ساعده ذلك على وضع صورة افتراضية لعلاقاته بأخوته الأصغر سناً. فكان يفترض فيهم الطاعة العمياء والاحترام منقطع النظير، لدرجة أنه كان يتدخل في تسمية أبناء أخوته الذكور والإناث على حدٍ سواء. أعجبني سلوك العمة تيرا أورفل المتمرد الذكي حين رفضت تسمية ابنها البكر جرسفندور – الذي لدغته الأفعى السامة في كوينكا - باسم كاسبر الذي اختاره لها، غير أنها سجلته باسم جرسفندور في مكتب سجلات المواليد وفي حفل التعميد الكنائسي* غير أنهم ظلوا ينادونه باسم كاسبر إرضاءً له حتى ولدت أنا فأسماني بهذا الاسم، ويبدو أنه كان لسببٍ ما مغرماً بهذا الاسم.
_________ * Christen هو طقس يقام في الكنيسة لتسمية المواليد الجدد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
على ضوء فانوس زيتي قديم لم يكن معداً للاستعمالات المفاجئة، كتبت رسالتي التاريخية إلى أماتا دادوريس في الليلة التي انقطع فيها التيار الكهربائي على إثر عاصفة رعدية. جاء في تلك الرسالة:
"حبيبي .. وقطتي المدللة أماتا
أكتب إليك في هذا الجو الرطب، ولا أدري أية رغبة تلك التي ربطت بينك وبين هذا الجو الماطر. ولكنني أحسست برغبة غامرة في الكتابة إليك، حتى وإنني لا أعلم كيف سوف أوصلها إليك. لا بأس فما يهمني أنني أغرق في شعوري بالدنو منك لحظات الكتابة. ما تزال لدي رغبة ملحة في أن أؤكد على حبي لك في كل مرة، دون أن يخدش ذلك من يقينك بهذا الأمر. ولو تدرين كم أشتهي الجلوس بين يديك والنظر إلى عينيك الزجاجيتين ذواتا اللمعة كطاقم أباريق أمي التي تحتفظ بها منذ انتقلنا إلى كوينكا ولو تستخدمها في أية مناسبة. آهٍ لو تعلمين مقدار حبي لك يا أماتا، ورغبتي في قضاء أسبوع كاملٍ معك نتبادل فيه أحاديث الغرام والكلام عما يخصنا نحن فقط. لا تخافي سيكون لك متسع من الوقت تتحدثين فيه عن نباتاتك المفضلّة! كم تمنيت أن أكون إحداها ولو لساعة!!"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
كانت تضايقني اهتمامات أماتا غير المنقطعة بتربية النباتات العطرية، وانشغالها بذلك عني، غير أنها كانت تؤكد لي بأنها تحبني كلما أحست بضجري من اهتماماتها الفارغة، وتصر على إخباري بأن ما يمنعها عن الإفصاح لي بهذا الحب أنها أنثى تحاصرها التقاليد الأخلاقية. ربما كانت محقة فيما تقول، فلم تكن من عادة الفتيات الإفصاح عن مشاعرهن بذات السهولة والجرأة التي يفعلها الفتيان. كانت هوامش الحرية المتاحة للذكور تنعكس سلباً في هذه النواحي تحديداً. بعضهن كن يجدن في كونهن إناثاً ملاذاً جيداً للتنصل من ورطة العلانية. فكان يتوجب علينا أن نعتمد على تفسير ما يصدر منهن من ابتسامات وإيماءات، ما كان يجعل الأمر أكثر صعوبة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
الحب البرجوازي لا يستمر طويلاً، ولكن لم تكن ثمة حلول أو بدائل، وهذا ما ساعد علاقتنا أن تعيش أكثر من عمرها الافتراضي. ولكنني لا أنسى لأماتا أنها كانت المحفز لي للكتابة، وما زالت تحتفظ برسائلي في صندوقها السري الصغير. وبذا فإن علاقتي بها كانت علاقة براجماتية ليس إلا، فقد كنت بحاجة إلى أن تكون لي ملهمة، كما كانت بحاجة إلى أن تستشعر أنوثتها من خلال ما أرسله لها من قصائد وأشعار مسروقة. قلت في نفسي "لا بأس فكلنا كالقمر، لنا جوانب مظلمة" واستشعرت فداحة ما كنت أفعله بسرقتي لأشعار غيري. غير أن ذلك ساعدني في معرفة كيف يصاغ الشعر عموماً. لا بأس قد تكون بداية سيئة لمسيرة أكثر نضوجاً. لم استطع أن أمنع طيور اليأس أن تحلق فوق رأسي تلك الفترة، غير أني لم أسمح لها بأن تعشش فيه أبداً. بطريقة ما أثرت فيني تلك النهاية لفترة طويلة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________________
في العام 1994م كنت استعد لدخول الجامعة، وكانت تلك أهم لحظات حياتي. كنت أحمل معي بقايا علاقة برجوازية فاشلة، وأسئلة كثيرة أبحث عن إجاباتها وشخصية أطمح بجدية في تحديد ملامحها، وعاطفة لم تعرف بعد مسارها الطبيعي، وعداء أسري اكتسبته من خلال شراستي في المطالبة بنيل الحرية التي أريد. ساعدني على دخول الجامعة أمران ليس لهما أي منحىً أكاديمي، أولهما أنني كنت أنفذ رغبة والدي الذي طمح أن يتباهى بي أمام أصدقائه، وربما أراد أن يثبت للرب أنه رجل قائم بواجباته على أكمل وجه. وثانيهما تشجيع دادوريس لي والذي اعتبرته بدافع الرغبة في التعويض، فقد كان متألماً من كون ابنه الأكبر "انطونيو" فاشلاً في دراسته.
كانت علاقتي بدادوريس تزداد عمقاً كلما قرأت لسارتر وعرفت معنى أن يختزل آلامه وإخفاقاته في نكتة، ويظل يضحك عليها وكأنه يضحك من نفسه. أن تقرأ في الضحكات حزناً من النوع الذي يحاول أن يخفيه، وأن تتذوق طعم الملح في ابتساماته المنهكة. كان دادوريس من النوع الذي يجتر حزنه بمفرده، ويبدو للآخرين قوياً حكيماً بينما يذوب ضعفاً بين يدي من يشعر بالثقة أمامهم. لم يكلفني فيما بعد عناء أن أسأله عن سبب حزنه، فوجدته يحكي لي قصته مع زوجته اندريا سواريه وكيف أن الرب لم يكتف بمعاقبته على خطيئتهما بزواجه منها، بل امتد غضبه ليشمل بؤسه مع أبنائه حتى اللحظة. "انطونيو حليف الرب وسوطه المسلّط على ظهري!" هكذا كان يقول لي دائماً عندما تأتي المناسبة. ومثلما اكتشفت حزنه دون أن يعلم، فقد اكتشفت رغبته في أن يزوجني بأماتا، بيد أنه لم يصرح لي بذلك علانيةً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
__________________________
في الجامعة، تعرفت على "جهاد عواملة" العربي القادم إلى إسبانيا مهاجراً هو وعائلته. لم أشأ أن أتعرف عليه، فقد كانت لي تحفظات لا حصر لها على مصادقة ذوي الأصول العربية. ورغم أنه كان يتكلم الإسبانية بطلاقة لا توحي بجذوره العرقية، إلا أن اسمه كان كفيلاً بأن يخلق لدي ولدى البعض الآخر نوعاً من الانكماشية تجاهه هذا علاوة على ملامحه العربية التي لا يخطئها أحد. كان هذا العربي منشرحاً ومجداً أكثر مما يجب. وكان ذلك سبب آخر يدعوني إلى تجنبه، فلم يكن يعجبني أولئك المنهمكون في الدراسة. بالإضافة إلى إعجاب أماتا به، لطالما كانت مغرمة بأصحاب اللحى الخفيفة، الأمر الذي جعلني استبعد أية مبادئ لعلاقة معه فيما بعد. لم تكن بدافع غيرة بقدر ما كانت سياسة أتجنب بها الاحتكاك بها ولو بالمصادفة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
في الجامعة، كنت أحس براحة أكبر من تلك التي أجدها في البيت. هنا يمكنني أن أقول وأن أفعل ما أريد وقتما أريد. فليس كلهم يعرفون تاريخ عائلتي الدينية. ونجحت في أن أحجّم علاقتي بأماتا إلى الحد الذي جعلني أبصر غيرها وأن أعيش حياة طبيعية ترضيني. كان همي آنذاك أن أبحث عن نفسي التي كنت لم أجد بعد متسعاً من الوقت والكفاءة للبحث عنها في دهاليز سيطرة والدي الأبوية المظلمة، والتقاليد النوركية المتحجّرة. كانت إسبانيا ذلك الوقت بدأت في اتجاهها نحو الاهتمام بالسياحة بعد النجاح الذي أحرزت في المجال الصناعي منذ عام 1975م ودخولها ضمن قائمة أكبر عشرة دول صناعية في عهد خوان كارلوس. الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي حتى على المنشآت غير الحكومية كالجامعات الأهلية ودور التعليم المتخصصة والمعاهد التقنية وحتى فن عمارة الكنائس التي تأثرت بصورة مباشرة بهذه الطفرة الاقتصادية الكبرى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
العزيز هشام كيف حالك ؟
أتابع هنا أيضاً و هذا دأبي مع كل نصوصك
كما قلت لصديقي عبدالله الطاهر " نقد النصوص التي لم تعلن عن اكتمالها عبث كتشذيب اللبلاب " !
لذا في هذا النوع من النصوص تجدنا نميل الى المتابعة
أضف الى ذلك أن النص غير مطروق من حيث علاقة المؤلف بهوية الأماكن و الشخصيات ,
فتجدنا نتابع و لا نحاول التذاكي و التحاذق لنقول أننا فاهمين الحاصل شنو !
سأقرأ و أعود لأقرأ , و بعدها يطول الحديث و يورق !
مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: منى أحمد)
|
__________________
الأستاذة : منى أحمد
أسعد الله أيامك .. ومتعك بالصحة والعافية
هذا النص مرهق جداً يا منى ولعله من أهم الأعمال التي كتبتها على الإطلاق. هذا من وجهة نظري بالطبع ولكن تظل مسألة القراءة الثانية مهمة، إذ أنني لم يتسن لي أن أعيد قراءة الرواية للمرة الثانية وهذا سبب من الأسباب التي دعتني إلى نشرها كاملة هنا حتى تتم قراءتها بشكل جماعي لا سيما في ظل وجود نقاد هنا أعتبرهم نقاداً متميزين، ونقاد هذه ليست بالضرورة بالفهم الأكاديمي للناقد، ولكن كل من يتذوق القراءة فهو ناقد لذا تجدينني سعيد غاية السعادة بهذا الجملة:
Quote: سأقرأ و أعود لأقرأ , و بعدها يطول الحديث و يورق ! |
وأنا في انتظار هذه اللحظة بفروغ صبر
لك التحايا وموفور المودة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
______________________
مساءً ، بدأنا جولتنا بزيارة لقصر الشوق، ثم متحف البرادو، ثم انتهينا إلى حيث ساحة ثيبيليس بنافورة مياهها الرائعة. ما أفسد عليّ روعة الاستمتاع بالرذاذ البارد المتناثر منها، تقافز ذلك العربي اللعين وهو يشير بإصبعه السبّابة إلى تمثال في المنتصف لسيدة في عربة إغريقية يجرها ثلاثة أسود "هذا تمثال للملكة جوليا دومتا أشهر المليكات الرومانيات، وهي زوجة الإمبراطور الروماني سبتيموس سيفيريوس. تقول كتب التاريخ أن لها أصولاً عربية، ويعتقد أنها سورية في الأصل" لم تعجبني تلك التلميحات العنصرية منه، فقررت أن أوقفه عند حدّه "قرأت فيما مضى عن ملكة رومانية - من أصول عربية أيضاً - أنها وضعت السم لزوجها الإمبراطور لتظفر بحب عشيقها أحد حراس القصر، ما دعاها لذلك أن الإمبراطور المغدور كان مصاباً بالعجز الجنسي" قلتها وأنا غير متأكد من دقة تلك المعلومات، غير أنني كانت لي رغبة في إهانته. عندها وقف متحيراً، كأنه لم يفهم مغزى الرسالة، وهزّ كتفيه قبل أن يقول: "لم أسمع بهذا من قبل. ربما كانت ملكة أخرى غير هذه!" وأشار إلى التمثال مرة أخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
كانت أماتا دادوريس، تجلس متكئة على سلّة خزفية وضعت فيها ساندويتشات المارتديلا ومربى الكرز، وشطائر التفاح وبعض الأكواب البلاستيكية المعدّة للاستخدام لمرة واحدة، ابتسمت في وجهي وفي عينيها بريق لشعورٍ متأسٍ تجاهي. وكأنها أحسّت أن ما فعلته لم يكن إلا بدافع الغيرة. فابتسمت لها بالمقابل، ثم قهقهتُ بصوتٍ عالٍ. عندها شعر جهاد بأنني أضحك عليه، بدا ذلك واضحاً من الحمرة التي اعتلت وجهه الأصهب. ثلاثتنا لم يفهم من بعضنا شيئاً ، وكنّا على اتصال تيليباسي* على نحو غريب. كان جهاد قد بدأ في الانتباه لما أفعله وأقوله منذ تلك القهقهة المستفزة. أرهقتني جداً محاولاتي الفاشلة في أن أبدو طبيعياً إذ كان كل ما أفعله يعني لها دوراناً حول محورها حتى وإن لم أقصد ذلك. ربما كانت مشكلتي في أنني كنت أحاول قياس ما أفعله بنظراتها وردود أفعالها. وكم أحجمت عن أشياء كنت أرغب القيام بها حتى لا أقع في مصيدتها الماكرة.
________ * Telepathic تخاطري من Telepath أي التخاطر، وهو قسم من علم الميتافيزيقا أو "ما وراء الطبيعة" يدرس الحالات الشعورية المرتبطة بموجات العقل وإمكانية إنشاء نوع من الاتصال من خلال هذه الموجات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
ليلاً .. وبينما أُشعل سيجارة كنت قد بللتها مسبقاً بالكولونيا حتى نشفت، طرق أحدهم الباب بصوتٍ خافت، حتى ظننت أنه كان يُخيّل إليّ. ولكنه كان أعلى درجةً في المرة الثانية. عندما فتحت الباب وجدت ماربيلا ريكولاس الغجرية تقف خائفة ومرتجفة، وكأنها تقف في جو ممطر دون مظلة. كانت ثمة نظرات غريبة في عينيها لم أستطع أن أجد لهما تفسيراً سريعاً. وقبل أن أكمل التحية الحذرة، دفعت بي إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها. "هل أنتِ على ما يرام؟ هل هنالك شخص يطاردك ماربيلا؟" ورغم ما أبديته من بدائية ساذجة، إلا أنني لم أشك للحظة أنني سوف أنعم بليلة جنسية ساخنة، مع فتاة جاءتني على طبق من ذهب. وفجأة تبدد هذا الشعور عندما أجهشت بالبكاء عرفت أن تخميني لم يكن صحيحاً وأن الأمر متعلق برغبتها في الإفصاح عن سرٍ ما. كانت ماربيلا الغجرية قليلة الكلام، تملك شخصية محيرة، فهي رغم جمالها، لا تجيد استخدام مساحيق التجميل التي تتفنن الفتيات في استخدامها لا سيما داخل الحرم الجامعي. ومع التكرار تمكنت أخيراً من حساب مقدار أحمر الشفاه الذي يتوجب عليها أن تضعه. ولم تكن تجيد إقامة العلاقات مع بقية الزملاء حتى مع بني جنسها من الإناث. لم تكن فقيرة، غير أن تاريخها الذي سردته عليّ دون أن أتأكد من مصداقيته، أوحى لي بمدى الألم الذي كانت تعاني منه. ولم أعرف سر إفصاحها لي عن ذلك حتى الآن.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________
ماربيلا بايومباس فتاة غجرية قادمة من المكسيك. كانت واحدة من ثمانية أطفال ينتمون لعائلة فقيرة تعيش على جمع القوالب الكرتونية وقوارير المشروبات الغازية الفارغة وإعادتها إلى مصادر تصنيعها لتعيد تدويرها مرة أخرى، بينما كانت أمها تعمل خادمة في بيت أسرة برازيلية متوسطة الحال. كانت ماربيلا في إجازة المدرسة تعمل غاسلة ملابس لدى بعض الأسر في الحي ذاته الذي تعيش فيه. وظلت الأسرة تكابد ظروف الحياة الصعبة دون أن تستشعر بأنها سوف تواجه وضعاً أصعب من هذا، حتى توفي والدها بروماتيزم في القلب. كانت ماربيلا التي اختارت طرف السرير لتجلس عليه بغير ارتياح، تنظر إليّ بعينين لم استطع قراءتهما بمنأىً عن القصة التي كانت تسردها عليّ. وجاهدت كثيراً في أن أكون أكثر إنصاتاً وأن أبدي قدراً من الاهتمام بما تقوله. إياك أن تتجاهل كلام فتاة لا سيما عندما تفضي لك بسر! قد لا تكون بحاجة لمساعدتك فعلاً، ولكن أقصى ما تتمناه أو تتوقعه بالضرورة أن تنصت لها فقط.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________
في طورٍ متقدم من الحوار، عرفت من ماربيلا أن أمها قد اضطرت – بعد وفاة زوجها بأكثر من عام - لبيع أبنائها الواحد تلو الآخر لأسر ثرية كانت بحاجة إلى أبناء وذلك مقابل مالٍ يكفيها لعلاج ابنها الذي أصيب بالعمى عندما بصقت أفعى الجايكندو سماً في عينيه. أنهت ماربيلا كأسها الأخيرة وهي تقص عليّ كيف أنها كانت من نصيب تاجر أخشاب إسباني كان بحاجة لفتاة يلهي بها زوجته منزوعة الرحم، حتى يتفرغ لعمله بدلاً من إضاعة وقته في سماع موشحات العويل اليومية. وقتها لم يكن الطب قد اكتشف أطفال الأنابيب أو أساليب التلقيح خارج الرحم، وهذا ما جعل الأغنياء يستغلون حوجة بعض الفقراء وإغرائهم بالمال مقابل أن يخدعوا الرب الذي ظنّ أنه حرمهم من الذرية. كما لم تكن الرأسمالية قد تمكنت بعد من رؤوس الإسبانيين حتى يستنوا خروج المرأة للعمل. وجال في رأس سؤال اعتراضي عابر: "لماذا كان الفقراء أكثر خصباً من الأغنياء؟" توفيت والدة ماربيلا بسرطان في الاثنا عشر وتركت ثمانية أبناء متفرقين داخل وخارج المكسيك. وبحرقة ذات مذاق مغاير لما قبله، سردت لي كيف تعرضت لاغتصاب من قبل "سيدها" الإسباني لأكثر من مرة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
لم تكد ماربيلا تبلغ الحادية عشر من عمرها حتى بدأت تعاني من تقيحات مهبلية جعل سيدها يدخلها مشفىً تقليدي في ضواحي مدريد، وحتى بعد أن خرجت منه ظل يغتصبها دون أن تدري زوجته، حتى وافق يوم خصبها وحملت منه فأجبرها على إجهاضه. قلت لها "ولماذا لم تخبري زوجته بذلك، أنسيتِ أنكِ ابنتها؟" فقالت بأسى "وماذا كان عساها أن تفعل؟ يمكنهما بسهولة أن يتبنيا طفلاً آخر، ويودعاني الرصيف المقابل. أنسيت أنت أنهما اشترياني بثمن؟" شعرت بأنني بحاجة ماسة لاحتضانها والبكاء معها، ولكنني تخشبت مكاني ولم أفعل. كنت أخشى أن تؤول ذلك على غير مقصده. كانت فكرة أن تبيع الأسرة أبنائها فكرة لا تصدق بالنسبة إليّ، ولكن من لا يعرف الفقر كمن لا يعرف القراءة!
ما زاد حيرتي أكثر أنها كانت ما تزال تعيش معهما، ولكن حيرتي انتهت باحترام بالغ، عندما عرفت أنها مضطرة لذلك حتى تكمل دراستها وأنهما من يدفعان لها رسومها الجامعة. ختمت ماربيلا حديثها بجملة اعتبرتها أشد مأساوية "لقد تلقيت اتصالاً هاتفياً هذا اليوم من سيدي .. وشعرت بغصة قوية. لا تظن أنني هنا من أجل استدرار العطف، ولكنني شعرت بك شخصاً جديراً بالثقة، فلا تخن ثقتي أبداً" وخرجت وهي تحمل في عينيها ذات النظرات الغريبة التي دخلت بها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
______________________
عندما غادرت ماربيلا . شعرت بهدوء مخيف، وبرودة في غير موسمها تسري في أطرافي حتى تدثرت بغطاء السرير كليةً وتركت فقط رأسي بادياً. بدأت استرجع ما قالته لي عن أخوتها الذين بيعوا الواحد تلو الآخر، وحاولت أن أعايش تلك المحنة الإنسانية فلم أستطع أن أتصور ذلك. وأحسست معنى أن يبيع المرء قطعةً من جسده حتى يأكل، ويأكل وهو يتألم! فبكيت بحرقة شديدة قبل أن أتذكر كلام إكسمن دو ريجيلو عندما كان يقول لي في غرفته رديئة التهوية "هذا العالم صراع أضداد يا كاسبر: أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، قاهرين ومقهورين ، متعلمين وجهلاء. ولكننا حتى لا نملك أن نختار لأنفسنا المكان المناسب." كان ذلك قبل مراحل بعيدة جداً عن قراءتي لكارل ماركس، وتساءلت عما إذا كان دو ريجيلو ماركسياً.
آمنت بقراءات كارل ماركس لفترات طويلة، وحتى الآن أرى أنه كان الأثقب بصيرة في قراءة التاريخ وحركته، غير أني في مرحلةٍ ما ظننت أن ماركس أخطأ التقدير في جانبٍ ما. فالحياة ليست صراع طبقات، بقدر ما هي صراع قيم، حتى وإن كانت هذه الطبقات هي المنتجة لهذه القيم، ولكن القيمة في حد ذاتها لها حركتها بعيداً عن سلطة الطبقة التابعة لها، وهي في حركتها هذه، تصطدم بقيم أصيلة من النوع الذي لا ينتمي لطبقةٍ ما ، وفي حين يبدو الصراع بين قيم طبقة وطبقة أخرى فإن الصراع الحقيقي يكمن في صراع قيم هذه الطبقات مع القيم المحايدة التي لا يعرف مصدرها أحد. وأياً يكن فإن ماربيلا لم تأتِ من أجل أن تعرض لي جسدها كما خُيّل إليّ أول الأمر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
__________________________
في بهو الفندق، كان الجميع قد بدؤوا في التجمّع كسرب إوز مهاجر. كانوا يتجمعون في شكل مجموعات مسبقة الترتيب، حتى أنني بدأت أعرف أعضاء كل مجموعة منفردة. كانت ماربيلا تجلس في صالة الطعام تتناول قهوة الصباح، فتوجهت إليها وجلست حتى دون استئذان. شعرت بارتياحها الخجول لوجودي بجوارها بينما كانت تركز نظراتها على فنجان قهوتها وهي تمسكه بيديها الاثنتين. "هل نمتِ جيداً ليلة أمس؟" نظرت إليّ بامتنان غريب وهزّت رأسها دون أن تنطق بكلمة واحدة. لم أكن ساعتها أعرف ما يتوجب عليّ قوله، ولم ينقذني إلا صوت البروفيسور خافيير ديلانو "هيا .. فلنبدأ جولتنا لهذا اليوم!" لم أكن أعرف سراً لهذا التناقض الذي بدا في رغبتي الشديدة في الجلوس إليها في حين أنني كنت – صباحاً – أتمنى ألا أصادفها. ولكنني قررت أنها كانت تتوقع مني فعلاً كهذا، ولم أشأ أن أخذلها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________________
قبل أن نصعد إلى الحافلة، كان مشهد جهاد وهو يضع كفّه على ظهر أماتا ليساعدها على صعود الحافلة، مشهداً أتوكيتياً مهذباً بالنسبة للجميع، غير أنه كان بالنسبة لي كطعنة صدرية بسكينٍ ساخن. حاولت أن أخفي ذلك الإحساس عن الجميع، ونجحت إلا عن ماربيلا التي أحست بذلك فوراً ربما لأنها كانت الأكثر مراقبة لي. إذ ذاك – وبطريقة هزلية لا تخلو من طرافة - همست في أذني "لا بأس .. يمكنك أن تساعدني على الصعود، إذا أحببت" ابتسمت في وجهها بهدوء ، كانت ابتسامة ممتنة أكثر منها موافقة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
في طريقنا إلى أتوشا* جنوباً، مررنا بشارع الغرنادة ذو الطابع العربي الواضح، لا سيما ملامح برج سان بيدرو العتيق. كنت في كل مرة أتعجب كيف وصل العرب بجمالهم وخيولهم الهزيلة إلى هنا قادمين من صحراء بلادهم الحارقة. لم أكن لأصدق أن ثلةً من الرعاة البدو قد تكون لديهم نوايا استعمارية إلى هذا الحد، وربما حدا بي هذا التعجب إلى أن أقرأ المزيد عنهم وعن ديانتهم التي كانت قد نالت قسطاً وافراً من اهتمامي، لا سيما وقد اشتمل كتابهم المقدس على ذكرٍ لليسوع. كنت أبحث عن ترجمة إسبانية لكتاب العرب المقدس آملاً في أن أجد إجابة لتساؤلاتي أو هرطقاتي القديمة، ولكنني لم أجد في أرتكاتا ولم اجتهد في البحث إلا بعد تلك الجلسة التاريخية في بلاثا مايور والتي شكلت منحنىً هاماً في مسار علاقتي بجهاد عوالمة.
_________ * محطة قطار
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_____________________________
بعد زيارة قصيرة وسريعة لمحطة أتوشا، توجهنا إلى الريتيرو لتناول الإفطار هناك، كان إفطاراً متأخراً، وقد صادف وجودنا إقامة عروض استعراضية لبعض الفرق الشعبية، والتي عرفنا فيما بعد أنها تقام كل يوم أحد في ذات المكان. وبينما انشغل الآخرون بمشاهدة العروض البهلونية التي كان يؤديها أقزام مكتنزون، كنت كدارسي الحياة الفطرية، أراقب ماربيلا ريكولاس عن كثب. كنت أتسائل هل كانت هذه الفتاة الغجرية صادقة في روايتها؟ ولماذا اختارتني أنا بالذات؟ ولماذا ذلك التوقيت بالتحديد. ولماذا لم تبد رغبة في الحديث معي بعدها؟ هل تراها تتوقع مني أن أفعل ذلك؟ الفتيات يحببن ذلك، ولكنها بالأمس القريب فقط كسرت هذه القاعدة! هل تراها أعادت إصلاح الكسر؟ ترى هل تدعوني إلى الجنس بطريقةٍ ما؟ كانت تربط في شعرها منديلاً أحمراً منقّطاً بنقط بيضاء صغيرة تماماً كما تفعل النساء الغجريات، في أواسط التسعينيات أصبح هذا النوع من المناديل الغجرية صرعة منتشرة لا سيما بين الفتيات الجامعيات. وكانت ترتدي بنطالاً من الجينز الضيّق الذي يبهت عند الركبتين، وقميصاً قطنياً لم استطع أن أحدد لونه على وجه التحديد، غير أنه كان يحمل نقشاً في مقدمته باللغة الإنكليزية "وجهة نظر أخرى." وبينما كنت أبحث عن مفصلٍ ضعيف أكسر عليه طوق الحذر المفروض علينا، مرّ أحدهم أمامي وهو يرمي بنظرة متأرجحة بيننا "لقد أحسنت الاختيار، إنها فتاة مثيرة حقاً، لا تتردد فيمكنها أن تمنحك الراحة في أي مكان تشاء" كنت مندهشاً للجرأة الواثقة التي تكلم بها ذلك الشاب. ولكنني اكتشفت فيما بعد أنه قد مارس معها الجنس لمرات، وكذلك فعل الكثيرون، وهذا لم يجعلني أثق بأنها كانت تكذب في قصتها التي حكتها لي أبداً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
أشارت إحدى الفتيات على البروفيسور خافيير زيارة ساحة بلاثا مايور فوافق على الفور. وهناك، وبينما كنت ما أزال أدرس احتمالات ماربيلا بين كونها ضحية لفقر أرغمها على بيع جسدها كما أرغم أمها لبيع أطفالها من قبل، وبين كونها داعرة محترفة لم تشأ حتى أن تقايض على جسدها بمال، ربّت أحدهم على كتفي بلطف، وعندما التفت وجدته جهاد عوالمة، مبتسماً وهو يطلب الإذن بالجلوس. كنت أظنه يريد تفسير الذي بينه وبين أماتا بطريقة ماكرة، كما هي عادة العرب دائماً، غير أنه فاجأني بقوله "هل تقبل صداقتي إن عرفت أنني أحبك؟" وحتى قبل أن آذن له، وجدته قد فرد صفحة من جريدة يومية قديمة، وجلس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
لقد كان كالصدأ الذي لا تستطيع منعه من الزحف على قطعة معدنية رطبة، فقد تمدد عنوة رغماً عني، ولم أكن أشأ أن أطوّر علاقتي به. قلت لنفسي "ربما بعثه إليك الرب ليجيب عن تساؤلاتك المعلّقة" عرفت أنه لا يتوجب عليّ الخوض في أحاديث دينية منذ الجلسة الأولى، مما عنى لي أن أتحمله في البداية حتى تحين الفرصة المناسبة. لم تكن ثمة حجة منطقية لعدائي له غير إحساسي تجاهه بأنه كان مستعمري في حقبةٍ ما. كانت تلك رجعية بائنة لم استطع معالجتها، وعنصرية متخفية خلف ستار وطني سخيف. وما أثار تعجبني أنه كان يشعر بذلك، ولم يبدي أي استياء حيال ذلك. تعلمت من علاقتي معه بعد تحسنها أنك حين تبغض شخصاً تبغض كل ما يتعلق به بلامنطقية وتصبح هذه اللامنطقية سبباً منطقياً لك أنت وحدك، فقط أنت لا تعرف اللحظة التي توافق انفتاح صمامٍ ما في قلبك يدخل منه اليقين ليحميك من ظلم الآخرين، ومن جرم الكراهية التي لا يحتملها قلب بشري.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
تكلمنا عن أشياء كثيرة، ودون شعورٍ مني وجدتني منساقاً لما يقول. كان - عكس ما توقعت - مثقفاً، عارفاً بتلك الهوة الثقافية بين مجتمعاتنا وأسبابها. وتولدت لدي رغبة جامحة في معرفة شيء ما عن البلدان العربية خلاف ما قرأت عنها في صغري، لا سيما في حقبة ما بعد الانحسار الاستعماري. حكى لي عن دمشق وأوغاريت وأبجديتها الأم وعن تاريخ رقصة الدبكة وأنواعها، وتمنيت ساعاتها أن نطبّقها، بل وتخيّلت نفسي وأنا أرقصها كما ولو كانت سهلة بالنسبة لي. وحكي لي عن مملكة ماري الغارقة تحت تلّة الحريري، وإيبلا المدفونة تحت تلّة مرديخ، ومعبد تلال براك وحبوبة، وآرام. وحكى لي عن تاريخها كما لو أنه يحكي لي سيرته الذاتية. كانت ثمة لمعة جذابة في عينيه الماكرتين، اللتان كانتا مصابتين بمتلازمة موتّرة، غير أني لم أستطع إلا أن استمع له، فلقد كان بي ولع بالتاريخ غير مسبوق. ثم أنه توقف فجأة ليقول في تهذيب غير مصطنع "عذراً .. عليّ أن أذهب لأصلي"
- نهاية الفصل الرابع -
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
أحاديث النسوة الأرستقراطيات بعد مغادرة الرجال للصيد، لها طابع خاص. رنين اصطكاك الفناجين الخزفية ودقات بندول الساعة الجدارية العملاقة، وضعية الكراسي والإضاءة كلها تكثيف لخصوصية الحديث الذي لا يخلو من بذاءات النبلاء. وعلى الشرفات - من الخارج – تبدو الستائر المخملية الحمراء راقصات مبتدئات، في صالة الاستربتيز الحديثة على الإسبانيين. بينما تتعالى صيحات الجماهير في ميدان مصارعة الثيران. أتعجب للباس الماتادور وعلاقته باللعبة. دخان باكو ليزدر محضّر الثيران للعبة، وجالب العلف النتن لهذه المناسبة. موزّع بطاقات اليانصيب على الحضور واستهدافه للفتيات والمراهقين. تصفير المومسات في زقاق بيساغرا المناديات للرجال وهنّ يدخنّ التبغ المخصص للإغراء، أنين فتاة تقبّل عشيقها في شغف على سور سانتا لويزا مشهد رومانسي يعد طبيعياً في مدريد عاصمة الجنس والثيران. هكذا خرجت بانطباعي عن مدريد بعد سنواتي الخمس التي قضيتها فيها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
أكثر ما يفسد هذا العالم، النظام والفوضى، هذا ما كان يميّز مدريد عن ضواحيها التي كانت ما تزال تعيش تحت خطوط الفقر ببدائية مريحة. كان الجد أورفل، قد نشر روايته "ما وراء النهر" بعد أن بلغ به اليأس مبلغه. وافقت إحدى دور النشر المغمورة على نشر وتوزيع روايته بعد أن أرغمته على التنازل عن أرباحه. غير أنه اشترط أن توضع صورته على غلاف الرواية وليس خلفه كما كان متعارفاً عليه. بعد مرور عام نفذت النسخ الموزعة من رفوف المكتبات، وطبعت الدار نسخة محدّثة للرواية وبدأت شهرة أورفل بودن في الازدياد، وما أن وصلت أولى نسخ روايته المحدّثة مدريد حتى توفي. كان ذلك في العام 1996 لم أشعر لوفاته بفقد كبير كما شعرت لوفاة مانويل إميليو جدي لأمي الذي كان قد توفي قبله بعامين. كانت ثمة أعوام مرت على الأورفليين لم تشهد أحداثاً غير موت كبار السن. وكانت النساء في كل مرّة يحتفين بطقوسهن عند كل عزاء. تذكرت ذلك القسيس جاد الملامح ذو اللحية البيضاء الذي رأيته في كوينكا، وتوقعت أن يصبح والدي مثله ذات يوم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
____________________________
أصر العم زينون أورفل على سحب الرواية من الأسواق حتى دون أن يستشير أخوته، غير أن صاحب دار النشر لم يكن ليوافق على ذلك لا سيما وأن الطلب على الرواية أصبح متزايداً، وبلغ سعر الكتاب أكثر من 40 يورو ذلك الوقت. لم أعرف سر تهافت الناس على الرواية رغم أنها كانت تتناول أحداثاً ساذجة بطريقة لا تخلو من البساطة المفرطة. لقد أصبح أورفل من أشهر الرواة الإسبانيين بعد وفاته، وتم تكريمه في الذكرى الأولى لوفاته وحضر أبي التكريم متأبطاً يد أمي كأرستقراطي محدث. حاول أن يبدو كنبيلٍ حزين، ولكنه لم يفلح أن يقنعني بذلك. ثم ألقى كلمته التي ظلّ يصوغها لأسبوعٍ كامل. لا أدري ولكنني شعرت بأننا أسرة لا تمتلك تلك العاطفة المقدسة التي كان الرب يوصي أن نبذرها بين الناس. كلنا يرتدي قناعاً واهناً يكاد أن يسقط عندما نعطس. وحتى في خطابه التأبيني لم ينس مهنته القديمة كعامل في منجم، فكان مما قاله: "نحيي اليوم هذا الأب الراحل، لأنه رحل قبل أن نعرف مقدار ما بداخله من جواهر ثمينة، ولكن لا بأس تظل الأحجار الكريمة كريمة طالما أنها مدفونة في شقوق الجبال." كانت أمي تمسح دموعها بأطراف منديل لا يبتل أبداً، وكنت أعلم أنها لن تحزن لموت أورفليّ قط. كنت أجلس في الخلف ترافقني سواريتا ديماتواي صديقة جديدة من ذلك النوع الذي لا تستمر معهن إلا لأسابيع فقط. كانت تحاول إلهائي بحركات قدميها وهي تفركهما بساقي. لا بأس فلم يكن أورفل أحد أقاربها على أي حال. ونمت معها تلك الليلة في شقتها التي بالإيجار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_______________________
مرت السنوات الثلاث الأولى دون أن تكون لدي أي علاقات عاطفية صادقة، فيما عدا تلك العلاقة الحذرة التي كنت أمارسها بين الفينة والأخرى مع كارسيس ريكو ماندل. فتاة بطعم الكرز ورائحة البرتقال. فتاة تحمل من الصفاء ما يذكرني بنهر كويربو. كانت الفتاة الوحيدة التي تسللت إلى قلبي بهدوء لم استشعره إلا عندما طلبت استشارتي في علاقة ناشئة في أطوارها الأولى بينها وبين شاب يدعى ألبيرتو جيوفاني. كانت كارسيس من تلك الفتيات اللواتي لا يبتذلن الوقت في الكلام عن ما لا يفيد. وعندما طلبت مقابلتي عرفت أن ثمة أمراً خطيراً يسترعي الاهتمام. ولسببٍ ما أحزنني معرفة ذلك. كثيراً ما نويت أن أصارحها بما أحمله تجاهها من عاطفة، غير أن ما منعني من ذلك هو خوفي الذي لم أكن أملك سيطرة عليه. فكنت أراها فتاة من نوعٍ آخر، نوع لا يمكنك أن تتصور وجوده إلا في محميات إنسانية. رقيقة إلى الحد الذي يجعلك تخاف عليها حتى من نفسها عندما تبكي، أو تحزن. في تلك الفترة، كنت قد قررت ألا أخلص في علاقةٍ ما، حتى لا أعيد ما حدث مع أماتا دادوريس. غير أني كنت أراهن في علاقاتي العابرة على أنني ما أزال شخصاً مرغوباً من الجنس الآخر. ولكنني أحببت كارسيس في صمت حتى تخرجت من الجامعة وأنا أحمل عشقها تمثالاً محنطاً ما يزال طازجاً حتى عدت أدراجي إلى أرتكاتا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
________________________________
تذكرت كلام الجدة يواماريز روجيليو – زوجة أورفل الثانية – عن الأورفليين وورعهم الأربعيني . وكنت أخمن دائماً تلك النقطة التي تجعلني أنقلب من مسيحي مهرطق إلى كاثوليكيّ متديّن، ولم تكن ثمة أية إشارات لذلك. ساعدني على نبذ ما تبقى من مخلفات أرتكاتا البائدة أن مدريد كانت نافذة منفتحة على العالم، وكنت أرى يهوداً بقبعاتهم السوداء الصغيرة في منتصف رؤوسهم – دون أن أعلم سر ثباتها دون أن تقع – وهم يعبرون شوارع العاصمة غير خائفين ولا متوجسين. تنهدت بعمق وأنا أسبّح "فلتتمجّد أيها الرب في الأعالي!"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
عشت أرجوحة فكرية من النوع المرهق، حيث أن عدائي لهذا الدين البربري كان عداءً مقدّساً، ولكنني في السنة الأخيرة لي في مدريد وقعت في يدي بعض المخطوطات والمنشورات الدينية في مكتبة الجامعة عندما كنت أستعد لجمع مراجع مفيدة لرسالة التخرّج. كانت تلك المخطوطات تتحدث عن الخطبة التي ألقاها البابا أربان الثاني في كليرمونت والتي كان يحرّض فيها المسيحيين على عداء المسلمين الذين نعتهم بأنهم "أبناء عاهرات" وأكد في المقابل على حصولهم على مكافأة من الرب لكل من يقتل مسلماً. عندها توقفت عن القراءة وتساءلت "عن أي رب يتكلمون؟" هل يكون الرب يداً يبطش بها كل من استساغ القتل؟ وإلى جانب من يقف هذا الرب؟ كيف يهب جنته للبرابرة مقابل قتلنا، ويكافئنا بذات الجنة مقابل ذات الفعل؟ قررت أن الرب يسخر من الجميع، أو أن ثمة لعبة مصالح في الأمر، ولأنني كنت أكثر احتراماً للرب فإنني لم أضع اللوم عليه.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
لم تعجبني ابتسامات جهاد الساخرة ، وأيقنت أنني سوف لن أتمالك أعصابي إذا مضت دقيقة كاملة وأنا ما أزال أمامه، فانصرفت على الفور. كان ذلك الشيء الذي لا أعرفه بدأ يتحرك داخلي، وعرفت أنه لم يكن من الحكمة الانصراف دون أن أسمع منه. في طريق عودتي رأيت كارسيس الحسناء، وهي تقف مع رفيقاتها اللواتي كنّ لا تعجبهن طريقتي التي أتكلم بها، وكنّ أحياناً يعايرنني بالبداوة والبربرية. هي الفتاة الوحيدة التي تجعلك بطريقة غير منطقية تخرج من حالة شعورية إلى حالة شعورية متناقضة تماماً. تشعر أمامها بأنك لا يجب أن تكذب، ولا يجدر بك إلا أن تبتسم. كان ذلك آخر مرة أراها فيها. فقد عدت إلى أرتكاتا بعد تخرجي دون أن أودع أحداً. حملتها في قلبي وأنا سعيد بأن آخر صورة لها في ذاكرتي كانت وهي مبتسمة. كم كانت تأسرني ابتسامتها الوادعة! تمنيت بطريقةٍ ما أن أخطرها بما تعنيه لي حتى وإن لم نكن سنلتقي بعدها، تمنيت أن يغيّر التاريخ والزمان رأيهما فيعودان إلى الوراء بضعة أشهر فقط، ولكنني الآن هنا، أمام مدفئة حجرية تتعالى فيها طقطقات الخشب المحروق ورائحة الكازولين والفحم الأبيض تملئ خياشيمي، وأنا أقرأ في الإصحاح الثالث مقاطع تتعلّق برؤيا يوحنا التي رأى فيها وحشاً بحرياً بسبعة رؤوس يخرج إلى اليابسة ويتوجه صوب قبر الرب. تذكرت تفسيرات يواقيم التي ذكرها في إحدى منشوراته البابوية حينما فسّر الوحش بأعداء المسيح، وأن إحدى الرؤوس تمثل نبي العرب الدموي بينما فسر بقية الرؤوس على أنها سلاطين مسلمون كان أحدهم صلاح الدين الأيوبي والآخر عبد المؤمن الموحدي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
فقدت أمي سبعة أرطال من وزنها بعد رحيل أبيها، وترك الحزن ظله المشؤوم تجاعيد على وجهها الجميل. والتهم الروماتيزوم قدميها بشراهة، فظلت تعرج في مشيتها عرجة لا تناسب وزنها الجديد. هذا إضافةً إلى ما تركه الشقاء الأسري على ملامحها، وقضاء أكثر من خمسة وثلاثين عاماً برفقة سارجينيو أورفل صعب المراس. كان والدي حينها يحاول استثمار مدخراته من عمله في منجم الألماس بعد تفرّغه للعبادة والمهام الكنائسية في مشروع لتربية الخيول، قلت في نفسي "ربما يفلح في تربية الخيول طالما لم يفلح في تربية أبنائه!" وعلى إثر الصدمات المتكررة بيني وبينه قررت الرحيل والانتقال إلى ماربيا، مدينة الشمس كما يسمونها، وكان لي شغف عجيب بهذه المدينة الساحلية وتمنيت أن أسكن بها منذ زمن. لم أصدق أن الرب حقّق لي هذه الأمنية بهذه السهولة، كما لم يفعل من قبل، فانتقلت إلى ماربيا مع أصدقاء قرروا إقامة معرض تشكيلي هناك. قالوا أن أهل ماربيا يتذوقون الفن التشكيلي، وأن أشهر رسامي إسبانيا يذهبون إليها لشحن خيالهم بين كل عطلة وأخرى. أخذت معي ما اشتريته من كتب وودعت أمي والمستيقظين من أخوتي مساءً وحملت حقيبة سفر رياضية، وتوجهت إلى محطة القطار، حيث انطلق بي صباحاً إلى ماربيا المدينة التي لا تغيب عنها الشمس..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: ابو جهينة)
|
________________
ابن العم : أبو جهينة
Quote: أنتظر توقف لبلابك عند سطح القصة لنقول رأينا |
صدقني أنني سعيد بهذه المتابعة وأنتظر مثلك انتهاء هذه الرواية ولو لاحظت فإنني أتسارع في وضع مقاطعها دون أن أعطي الآخرين فرصة المتابعة مقطعاً مقطعاً فأنا شخص (ما عندي أخلاق للمحاحاة)
كثيراً أسأل نفسي: "ترى ماذا سيقول شخص كأبوجهينة عن عمل كهذا؟"
بصدق أتمنى أن تكون هذه الرواية قد نجحت حتى الآن في نيل الرضا والقبول لا سيما وأنا أول رواية مكتملة بيد أنها ليست أول كتبت
لك التحايا وخوالص المودة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
الأخ العزيز هشام...
إن لم تكن هذة رواية.. فلا أدرى كيف إذا ينبغى أن تكون.. و إن لم تكم أنت قاص.. فلا أدرى كيف للقاص أن يكون.. . . .
أعجبتنى المقاطع التى قرأت.. شاب يريد بكل جهد أن ينال إعجاب حبيبتة حتى و إن سرق قصائد غيرة.. و يصبر نفسة.. بأنه مثلنا غير كامل.. و بشر خطاء... أم حزينة لوفاة زوجها عنها.. فقدت وزنها.. و تمكنت الأمراض منها.. ألفراق حبيب العمر؟؟ أم لأنة الكبر و دارت الأيام دورتها... . . .
أنتظر ايضا مكانى فى الصف.. لمتابعة خيط الرواية . . .
كل المودة
غادة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: غادة عبدالعزيز خالد)
|
_________________________
العزيزة : غادة عبد العزيز
ياخي الواحد كان مفتقد مداخلاتك والله ممكن نقول تاني "حمد لله على السلامة"؟
Quote: أنتظر ايضا مكانى فى الصف.. لمتابعة خيط الرواية |
الصف يجيكِ لغاية عندك ولا يهمك
سعيد بمتابعتك وأصبحت أكثر شغف لانهاء الرواية بسرعة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
____________________________
لم تكن لي خطط مهنية قبل وصولي ماربيا، غير أنني قررت ألا أعود إلى المنزل إلا في المناسبات العائلية إكراماً لأمي التي حزنت كثيراً لقراري هذا. وفي أيامي الأولى في ماربيا أحسست برغبة جارفة إلى العزلة، فاستأجرت شقة من غرفة وردهة صغيرة وحمام ومطبخ، رغم أنني لم أكن بحاجة إليه. وصنعت مكتبة صغيرة من بقايا أخشاب بلوط مهملة، وضعت فيها كتبي التي لم تشمل الكتاب المقدس هذه المرة. لي قناعة لا أعرف منبعها أن التدين لا يشترط وجود دين. يجب أن يحاسب الناس على أعمالهم لا على اتباعهم لدين ما بعينه من عدمه. ماذا لو أن شخصاً ما في جهةٍ ما من الأرض، لم يسمع بالرب يسوع، ولكن سيرته كانت يسوعية بطريقةٍ ما؟ هل يعذبه الرب بالنار؟ ألا يكفي بأن أكون صادقاً لأدخل الجنة؟ أولئك الوثنيون هل يعرفون الله أم لا يعرفونه؟ ما هو الأهم، المعرفة أم العبادة؟ حيّدت علاقتي بالرب فترة بقائي في ماربيا، وشعرت براحة نفسية عالية، لا تتوفر في الغالب إلا على صدر أمي، عندما كنت أرتمي بين أحضانها أشكو إليها من بالغين كانوا يوسعونني ضرباً عندما كنت في العاشرة من عمري. لا أدري .. ولكنني شعرت بأن الرب يتابعني بعينين معجبتين، وأنه يفهم ما أريد أن أقوله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
أذكر أنني التقيت ساريسيا - التي أكبرها بعامين - في توليدو أثناء رحلتي من أرتكاتا إلى كوينكا ولعبنا سوياً ذات مرة. إضافة إلى قرابة من نوعٍ ما تربط بيننا. ثم أنها اختفت واختفى ذكرها ولم نعد نسمع عنها شيئاً. تبسمت في وجه أمي:
* آنسة كارول مانويل، أنا لا أفكر بالزواج الآن. - ومن قال بأننا مستعدون الآن لتزويجك، فقط فكّر بها الآن .. إنها تناسبك تماماً * ومن قال لك أنها تناسبني، إنها مكتنزة وأنا لا أحب المكتنزات. - أنا أمك وأعرفك أكثر منك. * أمي .. لا يمكن أن .. - أيها الأخرق إنك حتى لم تلاحظ استدارة ثديها بعد. * وهل سيغيّر ذلك من الأمر شيء؟ - أيها القسيس الصغير، لا تكن مثالياً .. هل تراك ستتزوج من فتاةٍ لا تثيرك؟ * كلا ولكن .. - كلما أثارتك كلما تمتعت بعلاقة جنسية جيدة. * ثم ... ؟ - العلاقات الجنسية الجيدة تنتج ذريةً صالحة * أرى أنك وأبي لم تظفرا بعلاقة جنسية جيدة أبداً !!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
نواصل........ ______________________________
أثناء عودتي إلى ماربيا، كنت أحاول تحميض نجاتيف ذكرياتي القديمة مع ساريسيا في توليدو، فبالكاد كنت أتذكرها بين مجموعة ممن مروا على شريط ذاكرتي. لا أذكر عنها غير أنها كانت أول من امتلكت دراجة بعجلتين في حيّنا. بينما كنا جميعاً نزهو بدرجات ذوات أربع عجلات، عجلتان رئيسيتان، وعجلتان صغيرتان تساندان العجلة الخلفية. ولا يأتي ذكر الدراجات إلا وتقفز إلى مخيلتي سابيلا آندروس العمياء - زوجة فرانكو ماتيوس "عديم الذوق" - التي كانت تسكن الطابق العلوي لمنزلنا في أرتكاتا. كنت استغرب الطريقة التي يتم بها حفظ الذكريات واستعادتها مرة أخرى، هل هي أرشفة من نوعٍ ما؟ فلماذا إذاً لا نتذكر كل شيء؟ على أي أساس تتم هذه الأرشفة يا ترى؟ هل هنالك أولويات للأرشفة أم أنها عشوائية؟ لماذا لا أكف أبداً عن طرح هذه الأسئلة المعتوهة؟ قلت لنفسي "ربما أحب ساريسيا بالإيحاء!"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________________
عندما مرّ الصبي بائع الجرائد، وكنت لا أهوى قراءتها، اشتريت جريدة "لانوفا إسبانيا" حتى أتخلص من زحام تلك الأسئلة وأقطع الطريق الطويلة إلى ماربيا. في الحالات النادرة التي أقرأ فيها الجرائد لا أهتم إلا بالصفحتين الأولى والأخيرة، إضافة إلى الكاركتير الذي ينشر في الصفحات الداخلية كنت أمرر عيني على المانشيتات العريضة دون قراءة التفاصيل. وسرعان ما شعرت بالملل، فغطيت وجهي بالجريدة، وغفوت.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
كنت أتساءل "ما هو دور الرب في مثل هذه المواقف؟" ودون أن أعتمد عليه كثيراً، كنت أحاول جاهداً للخروج من مأزقي مستفزاً عاطفة ساريسيا نحوي، ولكن كل منا كان بحاجة لمن يتكئ عليه. مرت سنة وأنا وساريسيا ننعم بعلاقة من ذلك النوع الذي تبذل فيه كل ما تستطيع من تجمّل، ورغم المناكفات أو المشاحنات التي تنقطع بيننا في كل مرة، إلا أنني حاولت بقدر ما أستطيع أن أخلص لها كما تفعل، ونجحت حتى ذلك اليوم الذي تلقيت فيه اتصالاً من بيلي غارسيا أحد رفقاء الجامعة القلائل الذين تواصلت معهم بعد تخرّجي أخبرني فيها ضمن مجموعة من الأخبار السارة عن وجود كارسيس وزوجها في أرتكاتا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
في أول اتصال هاتفي لي مع كارسيس، شممت عبق السنوات الخمس التي قضيتها في مدريد، وتذكرت ملامح أشخاص لم أتوقع أن أتذكرهم يوماً. وما زالت كارسيس محتفظة بصوتها الملائكي الناعم : * من على الخط؟ - صديق قديم * من مدريد؟ - ربما .. هل تتوقعين شخصاً بعينه؟ * في الحقيقة أتمنى أن تكون كاسبر سارجينيو - ولم ؟ * فقط هو الوحيد الذي انقطعت أخباره منذ 98
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
______________________________
كان مذاق هذه المكالمة مختلفاً. حاولت فيها المستطاع أن أبقى على الحياد. كنت أعلم أنها تكن لي احتراماً من نوعٍ ما، ولم أشأ أن أخون ذلك الإحساس بتصرفٍ أرعن. في ذات الوقت، كانت خلافاتي مع ساريسيا قد بلغت حد انعدام الثقة بيننا. لا سيما وأنها توقعت أن أكون يسوعياً مخلصاً. ضعفت أمام جبروت الرأسمالية التي كانت تسحقنا بأيدٍ غليظة. وهنتُ، عندما هانت كل القيم التي حلمت بتحققها في بلدٍ ارتمت في أحضان الرأسمالية بكل قوة. ثم كان سقوطي الأخير، عندما حنيت رأسي للمرة الأولى أمام حوجتي للمال. بصقت على نفسي كثيراً في المرآة، حتى أنني في ليلةِ نحس كسرتها بمطفئة تبغ خزفية. لم أستطع أن أحكم ما إذا كان ظهور كارسيس مجدداً سبباً في عدم احتمالي لمناكفات ساريسيا المتكررة. أم أنه اليأس والقهر الذي كنت أعانيه. وفي أول فرصة قررت إنهاء علاقتي بها دون ندم. ما آلمني أكثر هو مصارحة كارسيس لي بالمحبة بعد تسع سنوات من لقاءنا آخر مرّة. عندها شعرت بمرارة لم يزل طعمها ككائنات حيّة تفرز عصارتها على فمي. أخبرتني أنها تزوجت زواجاً تقليدياً بعد أن انقطع رجائها بعودتي، وأحسست بالجرم الفادح حيال ذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
_________________________
حاولت أن أحذر ولكنها، أخذتني من يدي كطفلٍ صغير، وخطت بي أولى خطواتي نحو عشقٍ من نوع آخر. عشق من النوع الذي لا يحتمل نهايات منطقية أبداً. كنت أشعر معها وكأنني لم أعشق أنثى من قبل، وكانت تنسى أسرتها الصغيرة عندما كنت أكلمها خلسة دون أن يعرف زوجها بذلك. لم أشأ أن أضيع مرة أخرى رغم أنني عرفت منذ البداية أنني قد ضعت فعلاً. وفكرت ذات يوم فيمن أكون، وذهلت للنتيجة التي توصلت إليها، فلم أجد نفسي سوى خاسر متبجح، فقد خسرت ساريسيا وكارسيس ووالدي ونفسي قبل كل ذلك. ولم أزل أبحث بين الكتب المقدسة عن إجابات لأسئلتي المهرطقة. عرفت عندها أنه يجب عليّ أن أبحث عنها في مكانٍ آخر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
___________________
الأخوة والأخوات أعضاء ومرتادي سودانيزأولاين ومتابعي هذه الرواية ..
أتمنى أن تكون الرواية قد نالت إعجابك واستحسانكم وأشكر لكم صبركم عليّ حتى انتهت الرواية فلكم العتبى حتى ترضوا .. ولكم جميعاً المحبة والمودة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعادة قراءة: أيــامي (رواية) (Re: هشام آدم)
|
عزيزي الأديب هشام
أقرأ الرواية ثم أصل لجزء معين .. لأعود من الأول .. ثم لأتوقف في نقطة بعد نقطة توقفي الأولى .. ذات مرة قالها لي المرحوم طيب الذكر ( الطيب محمد الطيب ) عندما كان جاري ببري اللاماب : قال : الرواية الجيدة هي التي تقرؤها ثم تصل لنقطة معينة لتعود لتربطها بجزئية معينة في البداية .. تماماً مثل أن يحكي لك أحدهم قصة .. و يواصل فتنجذب للتفاصيل .. فتستحثه لسرد جزء معين رغم أنك تعرف تفاصيل تلك الجزئية .. حتما سأصل للنهاية .. و سآتيك بحول الله برأيي كاملاً
و لكن إلى ذلك الحين دعني أشد على يدك .. و أقول : الجواب باين من عنوانو
سلمت و دمت
أخوك جلال
| |
|
|
|
|
|
|
|