|
"الشراكة الذكية " بين الطائفية والاسلام السياسى
|
هؤلاء البيروقراطيين الذين شكلوا قيادات الإحزاب التقليدية، ومهندسي سياساتها وعلى الرغم من كونهم "أولاد بلد ومجاملين"، إلا أنهم حملوا معهم عدم مرونة تدريبهم البيروقراطي. فعكس تنظيميهم للأحزاب التشكك الأكيد في الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وفي المشاركة الجماهيرية والإجماع الشعبي العريض. ففي حدود تدريبهم فإلإجماع الشعبي هو إجماع الصفوة. وبدلاً من الدفاع عن قضايا الظلامات والتطلعات الوطنية، عملت هذه القيادات على حماية مصالح البيوتات الطائفية. ذلك لأن الإرستقراطية الدينية لم توفر الدعم المادي فقط، وإنما والأهم من ذلك، وبسبب مكانتها وسطوتها الروحية، وفرت هذه القيادات التبعية العمياء المتعصبة والغير عرضة للتساؤل من قطاعات عريضة في المجتمعات الريفية في الغرب والشرق وأقصى شمال السودان.
ويبدو أن ستين عاماً لم تغيير كثيراً في واقع الأشياء، فقد حملت صحف الخرطوم إنباء في ديسمبر 2007، عن إحتفال بعيد ميلاد الكم وسبعين عاماً لأحد الزعامات الطائفية، والذي يرأس أحد الأحزاب الكبرى بحضور العديد من صناع الرأى السوداني، والمؤسسات الصحفية، من بينهم صحفي لامع وقيادي بارز محسوب على الطليعة الشابة من رموز قبائل اليسار، والذي لم يجد حرجاً في التأكيد على أن " إن لاغرو أن يصادف الإحتفال بميلاد الزعيم الطائفي أعياد ميلاد المسيح"!.عند الإستقلال كانت الأحزاب الكبرى من أمة وإتحادي مثلها مثل المجموعات السياسية التي ظهرت من بعد عدة عقود في شرق السودان ودارفور، لا تمتلك أي برامج (سياسية/ثقافية/إجتماعية) محددة، أو من أي نوع. ولا كانوا جميعهم في الماضي أو الآن، يفرضون رسوم عضوية لمؤيديهم. وكما هو معلوم فإن العمل السياسي يتطلب ميزانيات لتغطية الإحتياجات المالية. إلا أن الأحزاب الكبرى إعتمدت على إريحية الإرستقراطية الطائفية، وشركائها في الإستثمارات التجارية والزراعية، ومن قبل كل ذلك مصادر التمويل الخارجي.
عليه؛ فإن سنوات التكوين الأولي للأحزاب السياسية في الأربيعينات لم تختلف كثيراً عن حالتها الآن بعد ما يقارب الخمسة عقود أو عن حال العديد من الحركات المسلحة، في كون أنهم أقرب إلى شركات تجارية منها إلى آليات للتحرر الوطني(!) ومن بعد الإستقلال وإلى يومنا هذا، بقيت الأحزاب مهتمة أكثر بالمناورات والخداع السياسي بدلاً عن مواجهة القضايا السياسية والإجتماعية والإقتصادية المصيرية. إن رؤى الصفوة العسكرية/المدنية المتعاقبة على الحكم في الخرطوم توجهها في أغلبة الأحيان ردود الأفعال والعصبية والمصلحة الذاتية، وبالتالي بقيت منشطرة ومحدودة الأثر. وهذه هي ذات الخاصيات السلبية التي طبعت التجمع الوطني الديمقراطي، والذي في أوج المعارك في الشرق والغرب، لم يفتح الله عليه حتى ولو ببيان إدانة لمجازر بورتسودان أو دارفور.
أن سلبية الصفوة السياسية، ونقضهم للوعود، ونهج تعاملهم مع الظلامات التاريخية للمهمشين في كافة أنحاء السودان، تظل من أهم العوامل التي أججت نيران الحروب الأهلية في بلادنا. فقد إستباحت هذه الصفوة بشقيها المعارض والحاكم كل المقدسات، فهي تارة تلعب بالعواطف الوطنية(التحرير قبل التعمير) ومرات عديدة بإسم الدين، ولكن دائماً من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية. وهذا الإستغلال للمقدسات كما هو معلوم للجميع وصل أعلى درجاته في ظل نظام الجبهة الإسلامية، ومجاهدي الدفاع الشعبي، والذين لم تتورع ققيادات الاسلام السياسي في توزيع مفاتيح الجنة عليهم، مع وعود الإقتران بالحور العين(!). غير أن الواقع العلمي يوضح أن هذا الإستغلال للمقدسات لم يكن حصرياً على أحزاب الإسلام السياسي، وإنما واكبت ذات هذه الممارسات بدايات تكوين الأحزاب فمنذ سنوات رصد الباحث سيدأحمد نقدالله في إحدى دراساته ذلك الزعيم الطائفي الذي أراد نظافة أراضيه لزراعة القطن بأقل تكلفة، فوعد أتباعه بأن من ينظف ويزرع شبر من أراضي السيد، سيجد جزاءه مماثلاً في الجنة (!). ============================================= السودان .. الاستقلال ومأزق المشروع الوطني
52 عاماً من ألازمات السـياسية والحروب الاهلية تيسـير محمد احمد علي http://www.sudaneseonline.com/
|
|
|
|
|
|