مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

التراث والبيئة: تلازم الظواهر الفلكية وسلوكيات الرعاة (البرا-أسترولوجى)، هل يمكننا التوصل إلي معادلة لتنمية الرعاة من خلال فهم علاقتهم بالبيئة؟ بقلم بريمة محمد أدم، واشنطن دى سى، الولايات المتحدة الأمريكية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/19/2005 8:16 ص

التراث والبيئة: تلازم الظواهر الفلكية وسلوكيات الرعاة (البرا-أسترولوجى)، هل يمكننا التوصل إلي معادلة لتنمية الرعاة من خلال فهم علاقتهم بالبيئة؟

بقلم: بريمة محمد أدم
[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

المقال الثالث:

في المقالين السابقين تحدثت عن علاقة الرعاة بالبيئة والظواهر الأيكولوجية، كما تحدثت عن النباتات وعلاقة سيكولوجية الرعاة بها ودورها في تفسير سلوكياتهم وتحركاتهم ونمط حياتهم وأستقلالهم للبيئة وأستهلاكهم وقوانين العرض والطلب لديهم. في هذا المقال سوف أتحدث عن علاقة الرعاة بالأجرام السماوية (ما أسمية بالبرا-أسترولوجى أو البرا-أستروا-إيكولوجى أو سيكو-أسترو-إيكولوجى، وسوف أشرح هذه المشتقات اللاتينية في نهاية المقال) ودورها في تحديد نمط سلوكيات البقارة. والبرا-أسترولوجى، هو ليس كالتنجيم ولكن هو طريقة يعرفها الرعاة يهتدون بها بواسطة دلائل محددة لتحديد فترة نزول المطر أو وقوف المطر أو قرب فصل الصيف وغيرها. ولعل هذا الجانب هو أشبه بعلوم ما وراء الطبيعية. في هذه المقال سوف نواصل دارسة أرتباط الرعاة بالبيئة وظواهرها، والهدف من كل ذلك هو الوصول إلي حتمية إختلاف الأنسان الرعوى عن الأنسان المستقر، وبالتالى حينما ننظر إلي تنمية هذا المخلوق الذى يتأبط الظواهر الغريبة لتفسير أو تذليل صعاب حياته، يجب أن نأخذ في الحسبان سلوكياته وسكولوجيته الرعوية وإرتباطاته البيئية كأساس أو خطوة أولية نحو فهم أعمق لكيفية تنميته. ونشير هنا بقدر ما أرتبط الرعاة بالنباتات أو الحيوانات البرية التى تعيش في بيئاتهم، أيضاً، أرتبط الرعاة بالأجرام السماوية، ليس كقوى روحية، لكنها كأحد الدلائل الطبيعية التى يهتدون بها لمعرفة أحوال وطبيعة الطقس والبيئة وشق الطرق وتقصى الأتجاهات. إذن كيف، وماهى مصداقة ذلك في معرفة الأحوال البيئية؟ وفي المقال سوف نتطرق إلي التفسير العلمى لبعض الظواهر البيئة كنزول المطر، وهل حقيقة لها علاقة مع النجوم كما يدعى البقارة، ثم نخرج قليلاً إلي رهاب هذا الكون الفسيح الواسع وأين موقع كرتنا الأرضية وسطة ونتطرق إلي (النزهة الترفيهية) التى يشقها كوبنا وسط موج متلاطم من الكواكب الأخرى، ونخرج من كل ذلك بحقيقة تطلع الرعاة (البرا-أسترو-أيكولوجى) إلي الفضاء الأعلي ليجعلوا من مكوناته أجهزة أنزار مبكر لتلبية تحركاتهم الرعوية ولأجتياز بعض المفازات الهالكة في مسارهم الرعوى.

نبدأ بنجوم الزرافة وهى ما يسمى في علوم الفلك ب(الدب الأكبر أو الجبار)، فالزرافة (وأرجو أن تتزكرها أيها القارئ هكذا لأنهم لا يعرفونها غير ذلك الأسم) ذات أهمية قصوى في معرفة أحوال الخريف وأهم منازل الزرافة منزلتين، أحدها يكون رأس الزرافة (رأس الدب) إلي أعلى والأخر يكون رأس الزرافة إلي أسفل، والزرافة تتبدل بين هذا الموقعين تدريجيا حتى تصل الأخر ثم تعد تدريجياً إلي الموضع الأول. وعندما تكون مرفوعة الرأس، يعنى إنتظام الخريف، فهى تأكل في أوراق وأغصن الأشجار (يقولون الزرافة رتعت) هذا يعنى لهم أنهم يمكنهم الرحول من أقصى جنوب منطقة التجوال إلي شماله دون أن يجدوا منطقة جافة ليس بها ماء، أى إنتظام نزول المطر، ولكن هذا الوضع للزرافة أيضاً يعنى (عيينة) المطر، أى أمطار غزيرة تمنعهم حتى من الرحول، إذن عليهم مراقبة رقبة الزرافة حتى لا تستوى، فهم شبه ملزمون بالخروج من أماكن الطين والأوحال قبل أستواء رقبة الزرافة. أما الوضع الأخر، أنحناء رقبة الزرافة نحو الأرض، يعنى أنعدام المرعى، أى الزرافة جاعت لدرجة أصبحت تأكل العشب الجاف من الأرض (يقولون سفت العويش)، وهذا الوضع يعنى أنتصاف الصيف وأنعدام الأمطار والمراعى، فعلى الرعاة تدبير كيفية تغذية بهائمهم حتى تصل فترة الرشاش، أما منازل الزرافة الأخرى فهى تعرف ببعدها أو قربها من الوضعين المذكورين. وهنا نريد أن نلفت نظر القارئ، هل حقيقة أن تلك النجوم تتبدل لأنها ترصد حركة نزول المطر أو أنقطاعه، أم هى ضمن مجموعاتها الشمسية التى تتحرك في مدار ثابت، أم هى دلائل لشئ أخر، ومهما كانت الأسباب، فالرعاة يعرفون شيئ واحد هو نزول المطر أو أنقطاعة، ذلك ما نسمية بالبرا-أسترولوجى، أو البرا-أسترو-أيكولوجى، كما رأيت فهم يدعون أن النجوم في بعض الأحيان تأكل الشجر مجازاً دلالة علي أستواء الخريف وأحياناً أخرى يأكلونها العشب الجاف (العويش)، ولا يملك المرء إلا أن يقول إن لله في خلقه لشؤون، ويتساءل المرء كيف وصل الأمر لهذا التفكير الأعتباطى وما هى دواعيه، ذلك يؤكد تطلع الرعاة لمعرفة أحوال الأمطار. وفي هذا المثال السابق عرفنا شيئين، أنتظام الخريف (الزرافة تأكل في الأشجار) والثانى إنتصاف الصيف (الظرافة تأكل في العويش)، ولكن كيف يعرفون من النجوم متى تبدأ وتنهى الأمطار؟

تعتبر نجوم الثريا (ما يسمونها بالتريا) من أهم مؤشرات بداية نزول الأمطار أو إنتهاءها، ولهم فيها أشعار وأقوال، فإذا غابت التريا (إختفت تجاه المغيب) عشاءاً، يقولون أبحث لأولادك غطاء ذلك يعنى نزول المطر، وعشاء هنا تعنى المغيب، أما إذا طلعت (من ناحية المشرق) عشاءاً يقولون أبحث لأولادك سقاء، هذا يعنى أنقطاع المطر. وفي ظاهرة نجوم التريا، يركزون علي هذين الموضعين، ظهورها تجاه الشرق أو مغيبها تجاه الغرب وفي الحالتين عند المغرب (أى أذا ظهرت أو غابت عند المغرب). وعندما تغيب التريا، فهى لا تظهر إلا مع بوادر أنقطاع المطر، ففترة غيابها تعنى فترة نزول المطر، ويترقبون فترة ظهورها كظهور شهر رمضان (تمسع الواحد يسأل: يا أخونا التريا ظهرت، فيرد الأخر فيما معناه أرقد قفا ما زال الخريف فيه بواقى)، وفترة ظهور التريا، من المشرق ثم تدرجها تدريجياً نحو المغيب أيضاً تعنى لهم ما هو مقدار بعدهم عن فترة نزول الأمطار، فعندما تصل كبد السماء أنتصف الصيف وهكذا تتدرج حتى تظهر بعد مغيب الشمس كالهلال الجديد، وما يلبس أن تغيب بعد ساعات، ذلك هو الوضع الأهم والذى يعنى نزول المطر. راجع معى مفهوم البرا-أسترولوجى، هل التريا هى دلالة من دلائل المطر، أم أنها ضمن مجموعتها الشمسية أو النجمية ولكن البقارة لا يعرفون غير نزول المطر أو أنقطاعة.

تعتبر نجوم المجرة والتى هى معروفة لكل أهل السودان أيضاً ذات أهمية عند الرعاة، حيث يعتبرها البقارة إشارة مهمة لبداية حركة الترحال نحو القوز، حيث يعتبرون أنتظام خطها من الشمال ناحية الجنوب أو العكس هو أعتدال للمرحال، ذلك مؤشر إنتظام نمط الخريف، حيث لم يعد هناك خوف من أنقطاع الخريف أو وجود مسافات عديمة المياه، وأيضاً هناك نجوم العقرب (ربما الدب الصغير) ذات أهمية مشابه لنجوم الزرافة في فهم دورة الخريف ومدة نزوله أو أنقطاعه.

كما تعتبر نجوم أخرى، كزهل (يسمونها سهيل أو النجمة أم كحيل) أو نجمة الصباح، مؤشر هام لقرب الصباح، ففي أثناء الرحول باكراً ينتظرون ظهورها، متى ما طلعت يبدأون في جمع الأوانى والعدة وتجهيز الزوامل للرحول، يحلبون الألبان ويطلقون العجول. كما يعرفون نجم القطب الشمالى (يسمونه نجماية الريح) والتى يحددون بها أتجاه الشمال الذى يسمونه (الريح)، فالأتجاهات عندهم هى الريح (الشمال)، الصعيد (الجنوب)، الصباح (الشرق)، والغرب (الغرب)، فنجماية الريح يحددون بها الأتجاهات ليلاً في بيئاتهم الوعرة، فيقولون إذا أردت أن تتجه شمالاً عليك أن تضع نجماية الريح في جبهتك، أما إذا أردت الأتجاه صعيد ضعها في ظهرك، أما أردت الصباح ضعها في كتفك الأيسر (اليسرى) أما إذا أردت الغرب ضعها في كتفك الأيمن. إما بقية الأتجاهات سوف يحددونها تبعاً لذلك، فإذا وضعتها ما بين كتفك اليسرى وصدرك فإنت تتجه ناحية الشمال الشرقى، وما بين كتفك اليسرى وظهرك فإنت تتجه ناحية الجنوب الشرقى، أما أذا أردت الأتجاه ناحية الشمال الغربى فضعها ما بين كتفك اليمنى وصدرك، أما إذا وضعتها ما بين كتفك اليمنى وظهرك فأنت تتجه ناحية الجنوب الغربى.
ويعتبر تحديد الأتجاهات ذو أهمية قصوى في معرفة نزول المطر، فإذا ظهر البرق تجاه الغرب لا يعيرونه إهتمام، يعنى لا يمكن أن ينزل مطر، فهم لا يبنون بيوتهم أو يجمعون أغراضهم، أما إذا ظهر البرق ناحية الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الشمال الشرقى أو الجنوب الشرقى، هنا ينزل المطر. ويعتبر البرق الشمال شرقى، ذو أهمية خاصة، حيث يسمونه (عجيل مربوط، ويسمية أهل الشمال بالقبلى). فإذا ربطت العجيل حتماً تأتى أمه، فعليك بالأنتظار. وقد وردت بعض النكات في هذا النوع من البرق، فقد قالوا ذات مرة جاءت الحملة التركية وأخذوا بعض البقارة معهم لترحيل المؤونة، وفي الليل ظهر برق عجيل مربوط، فقال البقارى للتركى (يابه البرق دا نحن نسمية عجيل مربوط، علي الحملة بالنزول قبل مجئ المطر) فرد التركى (سيبك ولا عجيل مربوط)، فنزل سيل العرم، وفي اليوم التالى ظهر برق في الغرب، فقال التركى (أنزلوا أنزلوا)، سأله البقارة لماذا، فقال التركى (هناك في برق)، فقال البقارى (دا ما عجيل مربوط)، فقال التركى (أنزل، ربنا مخير علي عجوله محل يريد يربط).
ويعتبر القمر في فترات ظهوره الأولى ذو أهمية خاصة في معرفة أحوال الرخاء أو الجدب أو الكوارث، فإذا ظهر الهلال وهو غير مائل ناحية الجنوب أو الشمال، أى مستوى في وضعه يقولون (سرج) أى دليل شؤم، سوف يكون هناك قتال وحروب. أما إذا ظهر مائلاً قليلاً ناحية الجنوب يقولون (ضراى) أى سوف يكون الزرع ناجحاً وسوف يذرون العيش (الحبوب والغلات الزراعية) ويحصدون وإذا ظهر مائلاَ ناحية الشمال (جفاف) أى لا يوجد زرع ناجح. وأكتمال القمر يعنى ليالى السمر والغناء والطرب أما غيابه يعنى الأنزواء منذ المغيب، وقلة الحركة. فحركة البقارة ونشاطهم وألعابهم مربوطه بصورة وأخرى بمنازل القمر.

وحتى لا نحصر أنفسنا في التفكير البقارى في تفسير حركة الأجرام السماوية وعلاقتها بنزول الأمطار أو زوالها، يجب أن ننظر إلي الكون من منظار محايد بعيداً عن واقعنا الأرضى، ونخرج بآفاقنا إلي رهاب الفضاء الكونى الذى يعلم كنه وأسراره خالقه ومدبره، فالأرض تدور حول الشمس تتردد علي منازلها الأربعة التى تأتينا بفصول العام المعروفه (فصلين في السودان نتيجة لقرب خط الأستواء) أن حركة الرياح في الأرض التى تأتى بالأمطار كناتج عرضى تتبع حركة الشمس، فالرياح الشمالية التى تهب ناحية الجنوب عابرة الصحراء الكبرى والتى تسلبها رطوبتها تجعل الأقطار جنوب الصحراء الكبرى تقع تحت ظل المطر حيث تعتبر مناطق جافة في حالة هبوب تلك الرياح، وحينما تهب الرياح من ناحية الجنوب نيتجة لتحرك حركة الشمس تأتى الرياح محملة ببخار الماء، دون مرورها أوعبورها بأراضى صحراوية قاحلة تسلبها رطوبتها كما في حالة الصحراء الكبرى، حيث تجلب الأمطار لأغلب بقاع السودان. كما أن هطول المطار، أيضاً، يمكن تفسير حدوثه بالدورة المائية، فالمسطحات المائية والأراضى الغابية تساعد علي تبخر الماء الأرضى حيث يتم تكثيف ذلك الماء ومن ثم تهطل الأمطار التصاعدية (المانسون). إن كل تفاسير وأسباب هطول الأمطار لم يكن للنجوم دور فيها بصورة مباشير، ولكن مع ذلك يظل الربط البقارى ما بين حركة النجوم التى تحكمها سننها ونواميسها الكونية التى لا نعرف عنها الكثير وهطول الأمطار وتوقفها ذو مدلولات (عرضية) لا يمكن تجاهلها. فعالم السيكولوجى فرويد، كان يرن الجرس ثم يطعم الكلب تكراراً، حتى وجد في نهاية المطاف إذا رن الجرس فأن لعاب الكلب يسيل للطعام. ذلك التلازم ما بين الحدث والحدس أمر أشتهر به الرعاة في معرفة أحوال بيئاتهم الرعوية. فالنجوم تبعد عنا بلايين السنين الضوئية (المسافة التى يقطعها الضوء في السنة تعادل 10 مليون مليون كيلومتر، كما قال العالم جرالد شرودر) ذلك يعنى إننا نعيش في كون شاسع في غاية التمدد، وأنظر أن النجوم التى يراها الرعاة اليوم ربما تكون قد إندثرت منذ آلاف السنين وما زال لم ينقطع شعاءها الأخير عنا لبعد المسافة الضوئية. أنظر أيضاً إلي رهابة الكون في الأثر الذى ورد في أحد التفاسير (وأظنه تفسير أبن كثير) والذى يقول أن كل الأجرام السماوية بما فيها كرتنا الأرضية تسير في خط مستقيم وبسرعة مذهلة منذ أن بدأت الخليقة وإلي يومنا هذا. وبسعة ملكوت هذا الكون وأنضباط نظامه لم ترتضم مركبتنا الأرضية بمركبة أخرين لم نعرفهم أو مركبة فارغة أخرى، وأنظر إننا نشق طريقنا منذ ملايين السنين (ربما بلايين السنين، من يعرف) بسلام وأمان وحتى الأن لم نرتضم بالجدار الأخر، إن كان هناك جدار أصلاً، كل ذلك يؤكد سعة ملكوت الكون ويؤكد عظمة خالقه وفي الوقت نفسه يؤكد قلة حيلتنا ومحدودية آفاقنا وضعف إستيعابنا المعرفى للكون عامة، فهل البقارة بتوصلهم لذلك الربط ما بين النجوم وأسباب نزول المطر ينبنى علي حقائق موضوعية لفهم الكون؟ حتماً الأجابة بالنفى، فالبقارة لا يهمهم فهم الظواهر الطبيعية إلا بالقدر الذى يسهل سبل حياتهم. وأهم شاهد علي نفى معرفتهم بأسرار الكون هو أن الأمطار التى يربطونها بالنجوم لا توجد علي حسب علمنا المتواضع إلا في الغلاف الجوى للكرة الأرضية والحقائق العلمية المتوفرة لا تدعى صلة للنجوم بنزول الأمطار (ربما بحث ممتاز يجب أخطار محطات الفضاء العالمية به). فإن تطلع البقارة إلي الأجرام السماوية والذى أسميه (البرا-أسترو-إيكولوجى) وربطها بواقعهم الإيكولوجى المعاش، أنظر الزرافه رتعت في الأغصان، الزرافة (سفت) العشب اليابس، إعتدال المرحال (المجرة)، ما هى إلا كتفسير لعاب كلب العالم فرويد عندما يسمع رنين الجرس (فرنين الجرس لا علاقه له بالطعام وكذلك أستواء رقبة الزرافه لا علاقه له بنزول المطر، ولكن حينما يرن الجرس يسيل لعاب الكلب وكذلك حينما تستوى رقبة الظرافه تخضر الأغصان ، علاقة في غاية الأعتباطية) فإن حركة تلك الأجرام ربما لا تأبه بنزول المطر ولكن تلازم نزول المطر مع مواقعها وأوضاعها المحددة هو الذى يبحث عنه الرعاة. فهم يهمهم مثلاً متى يبكى طائر معيطيب يعرفون قرب الصباح، ومتى ما صرخت سمكة أم كورو يعرفون طول الصيف، ومتى ما أخضر شجر الهبيل يعرفون قرب نزول المطر، وعلي هذا النسق متى ما ظهرت نجمة في وضع محدد وتواتر معها حدوث حدث محدد فهى مؤشر له، فالعملية تواتر حتى صارت من ضمن البديهيات.

نخلص من هذا السرد أن البقارة حقيقة يتطلعون لمعرفة الأجرام السماوية وإنشاء علاقة سيكولوجية معها بطريقة غريبة تشبه الخرافة في بعض الوجوه، الغرض منها جعل النجوم أجهزة إرصاد جوى أو بيئى. وما نرمى إليه من خلال هذا البحث هو توضيح الفروق بين الأنسان الرعوى، الذى تعشعش الطبيعة في رأسه وتحدد إتجاهاته الفكرية والأستهلاكية وطرق إستغلال موارده، والأنسان المستقر، الذى ينجو من ذلك الوهم القاهر.

وهذا المقال يعتبر خاتمة لطرح الأشكال البرا-سيكو-إيكولوجى: الظاهرة الأيكولوجية التى يفسرها الرعاة لما يتماشى ورغباتهم في معرفة نزول المطر، أنقطاعة أو إنتظامة أو غيرها من الأسباب الأخرى كما تدارسناها في المقالات السابقة. وحجتى القاطعة هنا أن هذا الأنسان الرعوى متميز عن الأنسان المستقر فيجب أن نعامله بمعزل حسب بيئته وفهمه حتى يمكن أخراجة من أفكاره وسلوكياته التى تعارض طرح ونهج الأسس التنموية المعروفة. أرجو أن لا يفهم القارئ أن لدى أطر أو نظم جاهزة لفك ألغاز السلوك الرعوى وترجمتها إلي أسس تنموية، بل يجدنى القارئ أحاول أستشفاف طريقى معتمداً علي المعطيات التى تدارسناها في المقالات السابقة كأسس لتفكير علمى يحاول فهم الأشكال ويحدد أليات مواجهته، ويتراءى للمرء من الوحلة الأولى أن فك الأرتباط بين الرعاة والظواهر البيئية (إلغاء الظواهر البيئية من حياتهم، ولا أقصد محاولة أستقرار الرعاة أو إلغاء حرفة الرعى) وأستبدالها بأسس تطبيقية تجريبية (مثلاً أستبدال معرفتهم بأماكن المياه الجوفية عن طريق الأشجار، بنتائج الأبحاث الجيولوجية) أو الأستفادة من الظواهر البيئية في تنميتهم (مثلاً الأستفادة من معرفتهم بأماكن وجود المياه للمساعدة في حفر الأبار) ربما يمثل مدخل جيد لتنميتهم. في المقال القادم نحاول فهم ماذا يريدون من كل ذلك، وما هى النظرة التى يجب أن نخرج بها والتى يجب أن تساعد في نقلهم من حالة نراها الأسوء تجاه حالة أفضل (والأفضل هنا معيار نسبى لا تعنى الأمثل)، فتنمية الرعاة يجب أن تكون ممرحلة عكس تنمية المجموعات المستقرة التى يجب أن تنقلها التنمية من حال إلي حال أخر يختلف عنه نوعياً وكمياً، ذلك لا يجدى عند الرعاة وسوف يتهربون منه بالترحال.

نواصل سلسلة التراث والبيئة (ومن أراد الأطلاع علي مقالاتى في سلسلة التراث والبيئة عليه أن يرسل لى علي بريدى الألكترونى في أعلي المقال).

تعريفات بالمشتقات التى أستعملتها في هذا المقال (وأرجو أن يفهم القارئ أن هذه المشتقات توجد فقط في حيز مقالاتى وأرجو أن يتعامل معها كذلك):
- البرا-أسترولوجى: الأسترولوجى هو علم معروف علم دارسة النجوم والأجرام السماوية، وأشتقت كلمة برا-أسترولوجى بطريقة تشبه كلمة الجيوش غير النظامية (فهى جيوش لكنها غير نظامية، إذن هو علم بالنجوم ولكن ليس كعلوم النجوم المعروفة).

- البرا-أسترو-أيكولوجى: يجمع ما بين علم النجوم وعلم الأيكولوجى، فهو يعنى بظواهر الأجرام السماوية ذات التفسيرات الأيكولوجية.

- البرا-سيكو-أسترولوجى: أشبه بعلم ما وراء الطبيعة، يحاول أستشفاف العلاقة النفسية بين النجوم وبعض الظواهر السلوكية.


بريمة محمد أدم، واشنطن دى سى، الولايات المتحدة الأمريكية.

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved