الفتنة باليوت بين شعراء العرب- محاضرة لبروفيسور عبد الله الطيب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 09:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة العلامة عبد الله الطيب
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2002, 04:22 PM

هوارى

تاريخ التسجيل: 05-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفتنة باليوت بين شعراء العرب- محاضرة لبروفيسور عبد الله الطيب

    الفتنة باليوت والأرض المقفرة
    محاضرة لبروفسير عبد الله الطيب- بالدوحة
    الفتنة باليوت بين ادباء العرب المعاصرين كبيرة جدا . وينسب اليه تفوق وابداع وابتكار . ومما ينسب اليه فى باب الابتكار مذهبه فى الاشارات والاقتباس. وهذا المذهب قديم فى اللغة الانجليزية واقدم فى اللغة العربية أفتن فيه من الجاهليين ، على سبيل المثال زهير ونابغة بني ذبيان ، ودع الفرزدق وجريرا وذا الرمة وابا نواس وشيخ المذهب فى المحدثين ابا تمام ونلاميذه من لدن ابي العلاء الى الحريرى . ومن جون ملتون الشاعر الانجليزى الكبير المشهور ، استفاد هو طريقة مذهبه فى الاشارات والاقتباس فتأمل هذه الألتواءة ، وكإنما كان اسلوب امثالها له ديدنا وطبيعة والله تعالى أعلم بشرائر غيابات النفوس.
    ويدعو الداعون الى الاقتداء باسلوب إليوت والتمذهب بمذهبه ويبغون بذلك النهوض بالشعر العربي الحديث وبث روح جديد فيه او هكذا يقولون. وفى هذه القضية نظر. هذا أقل ما يقال. ولو قلنا انها قضية دعوى من الضلال البعيد والانحراف السمح ما غلونا. واليك بعض البيان.
    الاضراب عن ذكر العرب
    أولاً : لفت نظرى أن تعليقات اليوت التى جعلها فى ذيل منظومته المسماة " الارض المقفرة " خالية من الاشارة الى العرب وما يمت الى العرب وما العرب يمتون اليه " القرآن مثلاً والاسلام" مع ان هذه التعليقات ذات حظ وافر من الحرص على اظهار المعرفة العريضة والاطلاع الواسع وبعض الغلو فى ذلك حتى انها لتوشك ان تشمل اكثر امم الارض ولغتها وآدابها الحاضرة والغابرة.
    ثانياً : لفت نظرى ان اليوت قد ضمن منظومته " الارض المقفرة " راجع طبعة لندن فى السنوات 1972 و 1973 و1975م فى الاسطر 100-103 ص 30 اشارة الى شى من شعر وليم وردزورث الرومانتكي الانجليزى الكبير وفى السطر 263-265 من ص 37 اشارة الى شىء من شعر والتردي لامير من شعراء صدر هذا القرن الشديدى التأُر بالرومانتيكة . ولم يذكر فى تعليقاته شيئا يدل على هاتين الاشارتين. وقد يبدو لاول وهلة ان سبب هذا السكوت هو شهرة الشعر المشار اليه. ولكننا نجد ان اليوت يشير الى بيت مشهور تكرر فى منظومته من شعر سبنسر ( راجع 23 و 34 ص 176 و183) وآخر مشهور جدا من شعر أندرومارفل ( راجع ص 34 س196) واشياء معروفة من التوراة والانجيل وغير ذلك. اذن ينبغى ان نبحث عن سبب آخر لسكون اليوت عن البيان غير شهرة ما اشار اليه على نحو ماهو معروف من مذهبه.
    ثالثاً: لفت نظرى ان ذكر العرب الذى قد اضرب عنه اليوت كل الاضراب له ورود واضح فى اصل الاشارتين اللتين تضمنت معانيهما والفاظهما الاسطار التى اشرنا اليها من قبل فى منظومته- الاشارة الوردزوثية ، نسبة الى وليم وردزورث ، فى الاسطر 100-103 ، والاشارة الديلميرية ، نسبة الى والتردى لامير ، فى الاسطر 263-265 (أ) الاشارة التى وردت من اليوت فى س 100-103 من ص 30 الى شيء من شعر وليم وردزورث هى قوله
    …Yet there the nightingale filled all the desert with inviolable voice and still she cried, and still the world pursues jug jug, to dirty ears-
    ترجمة تقريبية :
    ولكن هناك البلبل
    التى لا تنال لتوحدها وبداوتها الى الصوت نفسه فزعم له عذرية سرمدية لا يستطاع نيلها بغصب وطمث ، لا يطمثها احد لا انس ولا جان كحور الجنة . وازعم ان اليوت لا يخلو ان يكون نظر فى قوله الى المعنى القرآني – قال تعالى فى سورة الرحمن فى وصف الحور العين : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} ، وذلك ان ترجمات القرآن فى اللغة الانجليزية وغيرها من لغات أوربا كثيرة والاطلاع عليها واسع.
    هذا واليوت فى السطر 99 من منظومته يذكر تغيير صورة فيلوميل فى نوع من تكلف واقحام :
    The change of Philomel
    وهو يريد بذلك ان يوقع فى وهمنا انه يشير الى خبر فيلوميا الاسطورى وخلاصته ( وقد اشار اليه فى التعليقات ص 46 ) ان ملكا تزوج اخت فيلوميلا ( او فيلوميل) ثم شغف بها هى حباً وغصبها نفسها ثم قطع لسانها لكى لا تكلم احدا بذلك فاحتالت على بث خبرها بتطريز طرزته... وتنتهى الاسطورة بمسخ الغاصب والمرأتين طيراً ، وصيرورة فيلوميلا ( فيلوميل ) بلبلا لتتغنى كالتعويض لها عن لسانها الذى قطع . وما اشبه كلمة بلبل بفيلوميل لسهولة تحول الفا والميم باء ويجوز ان اصل اللفظين واحد قديم موغل فى القدم. وهل لذلك صلة ببابل وهى من امهات الحضارة؟ ومن خطأ اليونان او غيرهم فى هذه الاسطورة نسبة الغناء الى أنثى البلبل لان الصادح فى الحقيقة هو الذكر.
    والدليل القاطع على ان اصل معنى اليوت اخذه من حاصدة وردزورث المتوحدة محاكاته الواضحة لصياغة وردزورث.. استبدل اليوت قول وردزورث " الرمال العربية ، بقوله هو " كل الصحراء " وما قوله كل الصحراء الا كما لو قال رمال العرب او الرمال العربية او الصحراء العربية . واستبدل اليوت قول وردزورث " لجماعات مضناة بقوله هو " للآذان او الى الآذان القذرة وشبه الصياغة ودليل الاخذ فى النص الانجليزى واضح جدا. ولاحظ مع هذا ان اليوت حذف اللفظ الدال على العرب حين استبدل قول وردزورث " بين الرمال العربية " بقوله هو " كل الصحراء"
    وردزوث :Among Arabian Sands
    اليوت :Filled all the desert
    وقوله اليوت :....Jug jug to dirty ears
    اى زقزقة صفير البلبل الى الآذان القذرة
    ملأ كل الصحراء بصوت لا يطمث ولا يغتصب
    واستمر يصيح وتستمر الدنيا تطارد
    زقزقة صفيره الى الآذان القذرة
    هذا والذى اشار اليه اليوت من شعر وليم وردزورث هو قول هذا فى منظومته
    The Solitary Reaper
    اى الحاصدة المتوحدة :
    O listen for the vale profound
    Is overflowing with the sound
    No Nightingal did everchant
    More welcome notes to weary bands
    Of travelers in some shady haunt
    Among Arabian Sands
    وضعنا خطا تحت الكلمة الدالة على العرب من نظم وردزورث لمجدر التنبيه على موضوعها وترجمة هذا النظم التقريبية كما يلى :
    أل فاسمع فان الوادى العميق
    يفيض مفعماً بالصوت
    وما غنى أبداً بلبل
    نغمات أطيب لجماعات مضناة
    من المسافرين فى ظل مكان ما
    بين الرمال العربية
    أخذ اليوت معنى فيض الوادى وافعامة بالصوت من قول وليم وردزورث حيث قال ( راجع السطر الثانى من كلامه الذى مر ) :
    Overflowing with the sound
    اى : يفيض مفعما بالصوت
    فجاء بقوله فى السطر 100 :
    Filled all the desert
    أي ملأ كل الصحراء كما مر بك فى الترجمة ، وتتمة السطر فى نعت البلبل بان صوته الذى ملأ الصحراء لا يستطيع احد له اغتصابا وطمثا inviolable واصل هذا المعنى ماخوذ من حاصدة وردزورث المتوحدة. شبه اليوت صوت بلبله بالعذراء الحاصدة المتوحدة التى افعم صوتها الوادى العميق وفضله وردزورث على صوت كل بلبل، ونقل عذرية الحاصدة انما جاء فيه بحكاية الصوت " زق زق" ليوهم بانه يشير الى شكسبير ومعاصرية لكثرة ورود هذه الحكاية فى اشعارهم ويصرف الاذهان عن محاكاته لوردزورث كما بينا من قبل.
    ولا يخفى ان ثم رابطة قوية بين طي اليوت لذكر العرب وطيه لذكر وردزورث وان هذا الامر قد كان منه عن عمد لا مجدر مصادفة واتفاق
    (ب) : الاشارة الديلميرية نسبة الى والتر دي لامير.
    قال اليوت فى منظومته السطر 263-265 ص 30 :
    Where fishmen lounge at noon, where the walls magnus martr hold
    Inexplicable splendours of lonian and gold.
    الترجمة التقريبية :
    حيث يستريح صائدو الحوت فى نصف النهار حيث جدران (كنيسة ) ماغنس الشهيد تحوى ما يعجز الشرح من روعة الأبيض اليوناني والذهبي.
    الكلمة inexplicable فى هذا النص ومعناها ما يعجز الشرح والتفسير تشبه فى روح الفكرة والصناعة كلمته التى تقدمت فى اخذه من وردزورث وهى inviolable اى لا يتطاع اغتصابه. وفكرة الابيض اليونانى والذهبي فيها مشابه من فكرة اقحامه " فيلوميل" من قبل من حيث الايهام بالرجوع الى الاصول القديمة الكلاسيكية وصرف النظر عن موضع الاخذ القريب. وكذلك ذكر كنيسة ماغنس الشهيد وتعليقه بذكر المعمارى رنWren فى ص 48 وهو السير كرستوفر رن يشبه اقحامه " زق زق" ليصرف النظر عن اخذه عن دي لامير ويوهم باشارة بدل ذلك الى هذا المعمارى وعصره الرفيع فى تاريخ الحضارة والفن والأدب.
    عنى اليوت بالابيض اليونانى والذهب من قوله المتقدم نقوش الفسيفساء التى فى سقف الكنيسة من الداخل واصلها يونانى . وقول اليوت :Magnus martyr اى ماغنس الشهيد عنى به كنيسة القديس ماغنس وذلك اسم كنيسة مما صممه المعمارى المهندس السير كرستوفررن ، ومعنى مارت التى اقحمها اليوت هو الشهيد ، وصف وصف به القديس ماغنس المسماة باسمه الكنيسة ،( راجع A History of Architecture اى تاريخ العمارة ) لمؤلفه السير بانستر فلتشر طبع مدينة لندن سنة 1948 م ص 811-815)
    السير كريستوفررن (1631-1723م) من كبار رجال الفكر والعلم والهندسة والعمارة في بريطانيا في القرن السابع عشر الميلادي، وثيق الصلة بملكهاشارلس الثاني، أعاد تصميم عدد كبير من كنائس مدينة لندن بعد حريقها الكبير في سنة 1666م ومما أعاد تصميمه كاتدرائية القديس بولس المعروف ونقوش سقفها الداخلية البيض المذهبات تعد من الروائع وقد حاكى بها كريستوفر رن فن النهضة في سائر ما صممه ولا يستبعد إن يكون اليوت ضمن قوله ( ماغنس مار تر) على شرحه المتكلف له في ص 48 في التعليقات، معنى كاتدرائية القديس بولس تشبيها لها بكنيسة القديس بطرس في روما إذ لا يخفى إن بطرس الحواري هو شهيد المسيحية العظيم ( ماغنس مار تر) وهذا معنى جانبي تجيء ظلاله من طريق تداعى المعاني والأول مع الشرح هو الظاهر ولكني أحسب إن هذا هو المقصود وهو الأصل.
    أضرب اليوت عن ذكر دي لامير وأخفاه
    وقول والتر دي لامير الذي أشار إليه هو أول كلمته Arabia أي الجزيرة العربية، هذا هو العنوان ( انظر ص 155 من مختارات الشعر الانجليزى المسماةSelection from modern Poets لصانعها ج. س. سكوير J.C.Squire طبع لندن – مارتن سكر سنه 1921) قال والتر دي لامير في أول منظومته:
    Far are the shades of Arabia
    Where the princes ride at noon
    هذان أول سطرين وقد نظر إلى هذين السطرين والى ما بعدهما اليوت نظرا شديدا في الإطار التي ذكر فيها فيلوميل والتي قبلها ( راجع من أول الفصل الذي عنوانه لعبة الشطرنج حيث يبدأ بشيء كمحاكاة وصف شكسبير لسفينة كيلوباترة في السطر 99) وليس هنا موضع تفصيل ذلك.
    وترجمة سطري دي لامير على وجه التقريب:
    هيهات ظلال جزيرة العرب
    حيث يركب الأمراء في نصف النهار
    استبدل اليوت عبارة دي لامير the shades of Arabia ( ظلال جزيرة العرب) بعبارته هو the walls /of Magnus martyr ( جدران كنيسة ماغنس الشهيد)
    حذف اليوت اللفظ الدال عل العرب وهو جزيرة العرب واستبدله بكنيسة ماغنس الشهيد وجعل الجدران في مكان الظلال التي في عبارة والتردي لامير... ولا يخفى أن الجدران وثيقة الصلة بالظلال. والفرار عن جزيرة العرب إن يك بعضة صادرا عن تعصب ديني أو عنصري أو عقابيل شعور صليبي مما يدعو إلى التماس ملجأ عن الكنيسة إذ لا يخفى إن ظلال جزيرة العرب لا تخلو من معنى ظلال سيوف محمد وصلاح الدين والإسلام والجهاد.
    وقد كان والتر دي لامير ( 1873-1956م ) معاصرا لاليوت ، أسن منه شيئاً.. وقد وصفه تاريخ كمبريدج الصغير لآداب اللغة الإنجليزية بالأصالة والملكة ذات الطبع الجذاب – (انظر ص 847-848 من كتابThe Concise Cambridge History of English Literature دي لامير : Where the prince ride art noon لمؤلفة جورج سامبسون طبعة 1975 م ، وقد كان ذا روح رومانتيكى . وطوى اليوت ذكره طيا مع إن شاهد محاكاته له واضح في الصياغة والتركيب كما طوى ذكر العرب والجزيرة العربية.
    واستبدل اليوت لفظ الأمراء The Princesالوارد في بيت دي لامير بقولهthe fish men اى صائدو الحوت وقول دي لامير ride (يركب) بقولهLounge واحتفظ بلفظ نصف النهارat noon وهو وحده كاف في النميمة بالمحاكاة.. وكرر اليوت لفظwhere ( حيث) الوارد في بيت ( حيث يركب الأمراء في نصف النهار)
    يترنم به كما ترى
    لا يخفى إن ثم رابطة قوية بين طي اليوت لذكر دي لامير وجزيرته العربية كما بين طيه لذكر وردزورث ورماله العربية.
    بعض هذا مرجعه كما قدمنا منذ حين إلى الشعور الصليبي الموروث والتعصب الديني والتعصب العنصري، وبعضه مرده إلى الزهو والغرور والاعتداد بالانتماء إلى حضارة اليونان والرومان وأوربا والسوريون وهارفارد وأكسفورد والاستنكاف عن إن ينسب إلى الرومانتيكية لا دعائه الانتساب إلى الكلاسيكية مع انه غارق إلى أذنيه في الرومانتيكية مدين لشاعرها وردزورث السابق له في الأوان ولشارعها والتردي لامير المعاصر له في الزمان، وبعضه مرده إلى شخصيته وبيئته كنشأته في أمريكيا وتحوله إلى الجنسية البريطانية وتقلب أهوائه في السياسة والدين، وأكثره مرده إلى طموح جامح طلب بملكه محدودة المدى إن يساوى ملتون وشكسبير ويحل كمثل محلها في عصره، معتمدا في ذلك على الكد والمكر والدهاء كالذي رأيت من كتمانه محاكاته لوردزورث ودي لامير وتغطية ذلك بضباب من الكلاسيكية والتعليقات الأكاديمية. وككتمانه أمر دينه لهما وإضرابه عن ذكرهما في النص والتعليقات. كذلك كتم أمر دينه للعربية وأَرب عن ذكره والإشارة إليه كل الإضراب.
    صورة اليوت
    وجدت في كتاب برنارد برغونزي عن ت. س. اليوت في طبعته البريطانية الثانية سنة 1972 ص 143، راجع الكتاب واسمه بالإنجليزيةT.S.Eliot by Bernard Begonzi أشطارا هجاه بها أحد نقاده ونصها كما يلي:
    How UN pleasant to meet Mr. Eliot!
    With his features of clerical cut,
    And his brow so grim
    And his mouth so prim
    And his conversation, son nicely
    Restricted to what precisely
    And If and Perhaps and but.
    وترجمتها على وجه التقريب:
    ما أسمج لقاء المستر اليوت
    بسمت تقاطيعه الاكيروسى
    وبحاجبيه جد الكالح
    وبفمه جد المتنطس
    وبمحادثته الحريصة على أن
    تتقيد بأمثال ماذا تقول على وجه التحديد
    وأمثال إذا كان ويجوز ولكن.
    ومع مافى هذه الأشطار من سخرية ومرارة فإن الصورة التي تطالع القارىء منها غير بعيدة الصفة والملامح جدا مما يطالع قارىء شعر اليوت من أُناء أسطاره وتعليقاته قبل إن يطلع عليها. وفي الذي قدمنا ما عسى أن يشهد بصحة ما نقوله في هذا الصدد.
    الأرض التي أقفرت
    قال الشاعر الجاهلي أحد أصحاب المعلقات، لبيد بن ربيعة ألعامري:
    عفت الديار محلها ومقامها
    بمنى تأبد غولها ورجامها
    وضعنا خطاً تحت ( عفت الديار) إذ لفتنا قوة الشبه بين هذا التعبير وبين عنوان اليوت لمنظومته The Waste Land أي الأرض التي جعلت عافية فأقوت وأقفرت وعفت وعفتها... وغير ألأيام والليالي..
    كما قال ذو الرمة.
    في قاموس الدكتور صمويل جونسون أن معنى Waste الصفة المشنقة من الفعل أولاً يدل على تعفية المكان وجعله قفراً وثانياً يدل على الخلو مثل خلو الصحراء والبرية التي لا ديار فيها. وكلا المعنيين متضمن في عنوان اليوت اى الأرض التي أقفرت أو الأرض المقفرة أو قل عفت الديار.
    ولاليوت بعد هذا العنوان عنوان ثان لفصله الأول هو :
    The Burial of the Dead
    أي: دفن الموتي.
    هذا أيضا لفت نظري على بُعد في ذلك
    شعراء العرب تبدأ في باب الإطلال بذكر تعفية الديار ثم تذكر إن الرياح دفنتها بما أهالته عليها من غبار ثم جاءت رياح أخرى فأزالت هذا الغبار فبدت معالم الدار ظاهرة فيعرفها الشاعر بعد تأمل، قال امرؤ القيس:
    فتوضح فالمقرة لم يعف رسمها
    لما نسجتها من جنوب وشمال
    وقال ذو الرمة وبائيته مما ترجمه الإفرنج ونشروه وحققوه
    من دمنة كشفت عنها الصبا سفعاً
    كما تنشر بعد الطية الكتب
    وقال لبيد بعد قوله: ( عفت الديار) الذي معناه كمعنى عنوان اليوت
    The Waste Land
    فمدافع الريان عرى رسمها
    خلقاً كما ضمن الوحي سلامها
    أي كانت مدفونة فعرتها الرياح وعرتها السيول فأظهرتها، وذلك قولة:
    وجلا السيول عن الطلول كأنها
    زبر تجد متونها أقلامها
    وبعد تعفية الديار ودفن الرياح لها ثم كشفها لها من بعد وتعريتها لرسومها حتى بدت كالنقش القديم على حجارة آثار الأمم الماضية، بعد هذا يقول لبيد
    رزقت مرابيع النجوم وصابها
    ودق الرواعد جودها فرهامها
    فعلاً فروع الأبهقان وأطفلت
    بالجلهتين ظباؤها ونعامها
    والعين ساكنة على لطلائها
    عوذا تأجل بالفضاء بهامها
    وجلا السيول عن الطلول كأنها
    زبر تجد متونها أقلامها
    وموضع استشهادنا هو البيت الأول الدال على إن مدافع الريان التي دفنتها الرياح، وهذا المعنى متضمن معروف، قد عريت فبدت ملسا عليها الآثار كالنقوش، إما عرتها رياح معاكسة للتي دفنتها وإما عرتها السيول.
    ورب قائل إن المعاني مشتركة والعواطف الإنسانية التي بلابس المعاني متقاربة، وخواطر البشر كثيراً، ما تتفق، ولذلك قديما ما قيل، وقد يقع الخاطر على الخاطر كما يقع الحافر على الحافر، ويرد على مثل هذا القائل بأن الصياغات والأشكال البيانية والرنات المعبرة المؤثرة هي التي يتفوق بها الشعراء والكتاب والخطباء ويتميزون عن غيرهم، وهي التي يقع فيها التقليد والأخذ والتوليد والنظر والإغارة والاختلاس. ولقد فطن إلى ذلك نقاد العرب القدماء وخصصوا له أبواب في تصانيفهم. ومما تعمقوا في الفطنة إليه والتنبيه عليه إن الأخذ يكون في نوع الصياغة كما يكون في المعاني. من ذلك مثلا ما ذكروه عن أبي عبادة البحتري أنه سأل النوبختى عن بيت أي نواس
    ولم أدر من هم غير ما شهدت به
    بشرقى ساباط الديار البسابس
    وهو آخر أيياته السينية الجميلة التى أولها :
    ودار ندامي عطلوها وأدلجوا
    بها أُر منهم جديد ودارس
    اتدرى من اين اخذ ابونواس قوله ؟ قال النوبختى فقلت لا : قال من قول أبي خراش ولم أدر من ألأقى عليه رداءه
    ولكنه قد سل عن ماجد محض
    قلت له : والمعنى مختلف ؟ قال : أما ترى حذو الكلام واحداً؟ وابو خراش من شعراء هذيل والبيت من قطعة يذكر فيها أ[و خراش مقتل أخيه عروة ونجاة ابنه خراش ويمدح رجلاً القى على خراش رداءه ليجيره حتى نجا ، فلم يعرف هذا الرجل فهذا مراده من قوله : " ولم أدر من القى عليه رداءه " وفطن البحترى الى ان ابا نواس حذا كلامه على نهج كلام أبي خراش مع اختلاف المعنى والموضوع . وقد كان البحترى ناقدا ثاقب النظر ( راجع الذخيرة لابن بسام ، دار الكتب مصر 1939م القسم الاول المجلد ص 59-60).
    ومن أمثلة حذو الكلام على الكلام مع شدة مراعاة الصياغة على تقارب المعاني قول المعرى يصف نار القرى :
    حمراء ساطعة الذوائب فى الدجي
    ترمى بكل شرارة كطراف
    والطراف ضرب من بيوت البادية
    حذ المعرى كلامه على الآية : " انها ترمي بشرر كالقصر" وقد نبه الى هذا الزمخشرى فى تفسير هذه الآية فى الكشاف.
    ومن أمثلة الحذو برماعاة الصياغة مع تباعد المعاني قول المتنبي :
    فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى
    ويا دمع ما اجرى ويا قلب ما أصبى
    وهو فى نسيب قصيدته ( فديناك من ربع وأن زردتنا كربا ) حذاه عل منهج ليلى الأخيلية فى رثائها توبة بن الحمير حيث قالت :
    فيا توب للهيجا ويا توب للندى
    ويا توب للمستنبح المتنور
    أهتم أبو الطيب كما ترى بمحاكاة الايقاع . ( راجع التماسة عزاء بين الشعراء ص 122)
    وانما استطردنا هذا الاستطراد للتنبيه على أن ألخذ لا يقع فى المعاني وحدها وأن التشابه والتوافق وتوارد الخواطر فى المعانى جائز ، أما الصياغات وأشكال الأداء فأمرها مختلف، ومتى وجدنا تشابها فيها وجب علينا أن نرجح أخذ المتأخر فى الزمان عن المتقدم وأن نجزم بذلك متى ما وجدنا ما يدل على الصلات والسائط التى يكون بها الأخذ ورب حدس كترجيح وترجيح كجزم. والله تعالى أعلم.
    ونحن إذا ذكرنا لبيداً والأبيات الأوليات من معلقته نريد التبيه على حذو إليوت على شكل القصيدة العربية بوجه عام وعلى أول معلقة لبيد بوجه خاص وكذلك حذاء على نماذج من معلقة أمريء القيس- على أنه لا ينبغي أن ننسى غموض إلأيوت والتواءات أسلوبه ولا شيئيته ذات السطح المتعمق.
    سياق معاني لبيد هكذا
    (1) تعفية الديارThe Waste Land
    (2) اندفان الرسوم ثم تعريتها حتى وضحت معالمهاThe Burial of the Dead
    (3) هطول أمطار الربيع وما نشأ عنها من زيادة التعفيةApril is the cruelest month
    جعلنا فى مقابلة سياق لبيد بعض عناوين اليوت وابتداءاته. سياق وتألأيف اليوت ينتهي بعد عنوانه ، ( الارض المقفرة ، الارض التى عفت ، عفت الديار) ( اى دفن الموتى وقد تقدم كلامنا عنه ) ، بذكره الربيع وأمطاره كالذى صنعه لبيد فى قوله :
    رزقت مرابيع النجوم وصابها
    ودق الرواعد جودها فرهامها
    قال اليوت بعد العنوانين اللذين يشبهان طريقة بدء قدمائنا بعفاء الديار واندفانها ( انظر منظومته من السطر 1 الى 8 ص 27)
    April is the cruelest month breeding
    Lilacs out of the dead land , mixing
    Memory and desire , stirring
    Dull roots with spring rain.
    Winter kept us warm, covering earth in forgeful snow, feeding A little life with dried tubers. Summer surprised us….
    نلفت النظر أول شيء الى لزوم اليوت فى خمسة من اسطار هذه نظاما ذا شبه بالقافية العربية وهو الصيغة الصرفية ( انق)ing وقد جاء بسجعة تامة فى ( بريدنقbreeding القاف مقاربة للكاف كنطقها فى دارجتنا ودارجة كثير من البلاد العربية ) وfeeding (فيدنق) وكالتامة فى stirring (ستيرنق ) وفى covering (كفرنق) وترجمة كلام اليوت الذى مر كما يلى على وجه التقريب:
    ابريل أقسى الشهور ، منبتا
    زهرة ليلى من الأرض الميتة ، مازجاً
    الذكرى بالشهوة ، مثيرا
    الجذور الفاترة بمطر الربيع
    كان الشتاء قد حفظنا في دفء ، مغطيا
    الارض فى الجليد الناسى ، مطعما
    حياة قليلة بانابيش جافة
    فاجأنا الصيف...
    قول اليوت : ابريل أٌسى الشهور الخ بعد تعفية الارض وبعد دفن الموتى يشبه قول لبيد :
    رزقت مرابيع النجوم وصابها
    ودق الرواعد جودها فرهامها
    الجود بفتح الجيم وسكون الواو المطر الغزير والرهام بكسر الراء وهاء مفتوحة بعدها ألأف ثم ميم جمع رهمة بكسر الراء وسكون الهاء ، وميم مفتوحة بعدها علامة التأنيث التاء المتحركة وهي الأمطار الخفاف اللطيفة.
    ترجمة هذا البيت كما ترجمه المستشرق الانجليزى السير وليم جونز :
    The rainy constellations of spring have made their hills green and luxuriant
    The drops from thunder clouds have drenched them with profuse as well as gentle showers.
    مجمل معنى كلام لبيد ان امطار نجوم الربيع هطلت على هذا المكان المقفز فزادته توحيشا لتعفيتها كل أُر ولخلوه من الأحبة ولحلول النعام والبقر الوحشية وما أِبه فيه بعد عهدهم. هذه قساوة لا تخفى.
    مع هذا علينا ان تذكر ان السير وليم جونز جاء فى ترجمته بكلمة showers ومعناها رش المطر وهموله فى قوله
    Profuse , as well as gentle showers
    ليدل بذلك على معنى المطر الغزير ( الجود ) والامطار الخفاف اللطاف( الرهام ) او كما قال لبيد : " ودق الرواعد جودها فرهامها"
    قول وليم جونز هنا "showers ينبغى ان يوقف عنده لان هذه الكلمة كثيرا ما ترتبط فى الذهن بالقول الانجليزى المعروف الجارى مجرى المثل
    March winds, April showers,Bring fourth May flowers.
    اى رياح مارس وأمطار ابريل
    تخرج بهن أزهار مايو
    ( لا يخفى أن مارس هو آذار وابريل نيسان ومايو آيار فمن شاء أن يضع ذلك مكان ما وضعناه فله أن يفعل)
    وابريل بحبوبة اشهر الربيع فذكره يدل على عليه. واستشهدنا بترجمة وليم جونز لنشير الى انه لو صح ان اليوت اطلع عليها فانه يكون بنى قوله " ابريل اقسى الشهور" على كلمة showers الواردة فيها. وقد سبق التبيه منا على انه قوله : " ابريل أٌقسى الشهور" بعد عنوانيه الدالين على العفاء والاندفان شبيه فى سياق بسياق لبيد :
    (1) عفت الديار محلها فمقامها.......
    (2) ..... جلا السيول عن الطلول....
    (3) رزقت مرابيع النجوم
    ولا يقف الأمر عن هذا كما سيجيء من بعد ان شاء الله.
    هنا نتساءل : هل أطلع اليوت حقاً على ترجمة السير وليم جونز للمعلقات ؟
    أعمال مستشرق قدير
    كان السير وليم جونز ( 1746-1794م) من قدماء الاستشراق وجهابذة تعلم فى هارو واكسفورد ( التى قصدها اليوت وتعلم بها ) واتقن اللغات الكلاسيكية ( اى اليونانية القديمة واللاتينية ) مع الفرنسية ولغات اوربية معاصرة اخرى ودرس العربية والفارسية وكتب ملخثا فى نحوها وبعد درسه القضاء واشتغاله بالقانون عين قاضيا بالمحكمة العليا بفورت وليم ( كلكتا) بالهند وتعمق فى درس السنسكريتية ) لغة الهند القديمة ) وكتب رسالة عن الشعر الشرقى باللغة الفرنسية Traite sur la poesie orientaie طبعت اول مرة بلندن سنة 1771 م واعيد طبعها واعاد كتابتها بلغته الانجليزية ايضا أشاد فيها بمكان الشعر العربي ونبه على موضع معلقة لبيد وامرىء القيس ، واستشهد فى ما استشهد بقول أبي تمام :
    ان القوافي والمساعي لم تزل
    مثل النظام إذا أصاب فريداً
    هي جوهر نثر فان الفنه
    بالنظم صار قلائداً وعقوداً
    مترجما للبيتين من دون ذكر نصهما العربي . وله مختارات من أشعار العرب والفرس وأمم الشرق من ضمنه لأمية المعري :
    أعن وخد القلاص كشفت حالا
    ومن عند الظلام طلبت مالا
    أوردها نموذجا لشعر المدح الذى استشهد على أهميته ببيتي ابى تمام المتقدمين. وكان أبو تمام من أوائل من عرفه المستشرقون وطبعت حماسته فى المانيا سنه 1748 وترجمت باللاتينية وقد تأثر جوتة الشاعر الألماني فى ترجمته للامية المنسوة الى تأبط شرأ
    ان بالسغب الذى دون سلع
    لقتيلاً دمه ما يطل
    بترجمة فريتاغ اللاتينية فى ما زعمه المستشرق الانجليزى السير شارلس ليال. ( انظر ترجمته لها وتعليقه ص 50 من مختاراته المترجمه من الشعر العربي القديمTranslations Ancient Arabian Poetry تألأيف شارلس جيمس ليال الموظف ببنغال طبع لندن 1885م)
    وترجمة السير شارلس ليال هذه ذكر هو نفسه أنه صنعها متأثرا بترجمة المانيا للحماسة.
    ترجمة المعلقات السبع
    وقد ترجم السير وليم جونز المعلقات السبع ترجمة حسنة ناصعة الأسلوب وجعل لكل معلقة مقدمة موجزة وافية تحدث فيها عن الوزن وما يقابله من أوزان الانجليزية وعن طريقة أٍلوب الشاعر ومعانيه وتشبيهاته ومجازه وعناصر الوحدة فى نظمه واردف ذلك بكتابة بالحرف اللاتينى بحسب النطق لكل معلقة مبالغة منه فى التقريب. وقد تأثر به وأقتدى ليال فى كتابه المشار اليه آنفا ونيكلسون فى ترجماته التي ضمنها تاريخه للأدب العربي. ولم يترجم ليال من المعلقات غير آخر لأمية امريء القيس وغير ميمة زهير وكأنه اكتفى فى هذا المجال بعمل السير وليم جونز لجودته. وترجمة السير وليم جونز للمعلقات فى 46 صفحة نشرت وطبعت بلندن سنه 1772م وسنة 1783م ومرات بعد ذلك وتوجد من ذلك نسخ فى مكتبة المتحف البريطاني رأيتها ومن قبل اعتمدت على نسخة صورت لى منها نسخة من رسالته عن الشعر الشرقي المشار اليها آنفاً ولا ريب فى وجود نسخ من مؤلفاته بأكسفورد وسوى ذلك من الخزانات الجياد وترجمة السير وليم جونز المستشرق فى الجزء الثالث عشر من الموسوعة البريطانية ومكان اسمه فى الفهارس عامر بماله من تصانيف ومن أهم تأليفه ترجمته للسكونتالة وهي من مسرحيات اللغة الهندية القديمة وترجع الموسوعة البريطانية ( ج13 ص 244 طبعة 1947 م) ان مؤلفها كالداسة Kalidasa من أدباء الهند القديمة عاش في المائة الميلادية الثالثة . وللسير وليم جونز كتاب في الموازنة بين تشريع الملكية الخاصة عند المسلمين وعند الهندوس وغير ذلك مما هو أدخل فى حدود فلسفة القانون وعلوم الاجتماع.
    صلة اليوت بالاستشراق
    اذا تذكرت أيها القارىء الكريم أن اليوت كان على جوينب من الاستشراق اذ قد درس لغة الهند القديمة سنتين بهارفارد وفلسفة الهند مدى سنة وهو يعد للدكتوراه ، ثم عدل عن ذلك لما وجد فيه من العسر وقد قال ان دراسته هذه ، معترفا بما أصاب فيها من مشقة ، تركته فى حيرة مستنيرةenlighted my stification ( راجع كتاب برغونزي ص 23) ومع ذلك كان يزعم انه كان يتذوق الشعر السنسكريتي وقد ترك فى نفسه أثراً عظيما. إذا تذكرت هذا وأضفت اليه صحبته لازرا باوند وتأثره به وكان هذا ذا ولع صادق فيه او كاذب بلغة الصين وآدابها. واذا أضفت ايضا ان اليوت اتصل بجامعة التصوريرين –imagists وكانوا يدعون الى محاكاة أشعار الشرق واساليب اغان العهد القديم العبرانية ، وزدت على هذا ان اليوت نفسه قد ذكر انه كان قرا فى صباه رباعيات الخيام المترجمة واعجب بها . ( أحسب ان اليوت ذكر ان ذلك كان منه فى زمان الصبا انفة منه ان ينسب الى الرومانتيكية وهو صاحب كلاسيكية فى زعمه وواقعية جادة ، ونذكر على سبيل الاستطراد فى هذا الصدد مقال برتراند رسل فى كتابه تاريخ الفلسفة الغربية طبعة 1974 ص 654 حيث قال عن الرومانتكيين الالمان انهم كانوا شبابا فى اوج شبابهم كان اجود تعبيرهم عن الروح الرومانتكيكى ، اما الذين لم يسعدهم الحظ منهم بالموت فى الشباب كما قال فقد طاحت فرديتهم اذ طغت عليها فغطتها الكثلكة بما تتطلبه من خضوع وتسليم. فهل كان تراجع اليوت من مذهب اسرته وابائه البيوريتاني- والبيوريتانية طرف من المذهب البروتستانتي- الى محافظة الكثلكة الانجليزية من دافع رومانتكي يا تري؟ ) – هذا واذا تذكرت مع ما تقدم ان اليوت أديب مثقف ناقد قارىء وذو دعوى فى ذلك طويلة عريضة ، ألا ترجح معي حينئذ الا يكون قد خفى عنه مكان السير وليم جونز المستشرق فى معرفته باللغات الشرقية والصينية والسنسكريتية وآدابها وفلسفة الهند القديمة مما زعم انه أُثر فيه وان يك قد وجد فيه عسرا وانصرف عن مواصلة درسه متحيرا مستنيرا كما زعم ،ولعل السكونتالة مع ترجمة وليم جونز كانت من مقرر الدرس، وقد كانت رسالته الفرنسية وأختها الانجليزية عن الشعر الشرقى معروفتين عند المستشرقيين وقد ذكرنا انه نبه على المعلقات وعلى امرىء القيس ولبيد وقد دافع عن شعر العرب وقطع بان الافرنج الاوائل انما اخذوا القوافى عن عرب الأندلس.
    اضف الى هذا ان اليوت كان معجبا بالبريطانيين وامبراططوريتهم معتزا بذلك ، وقد ترك بلاده التى كانت تعد من بالد الرمز الى الحرية لثورتها على الاستعمار فى سنة 1781م ولاعلانها حقوق الانسان ، وتجنس بالجنسية البريطانية وببريطانية أقام والى كنيستها الانجلوكثوليكية انتمى.
    الشيء بالشيء يذكر
    ونذكر من باب الاستطراد ان اليوت كان شديد الاعجاب بالشاعر المعاصر لزمان شكسبير جون دون وكان غامض العبارة كثير الاشارة متلوى عقد الاسلوب واسع الاطلاع عالما بالكوميدية الآلهية لدانتى فى نصها الاصيل من اسرة متطرفة فى الكثلكة نشأ كاثوليكيا ثم تحول الى كنيسة انجلترا الانجلوكثوليكية واخلص فى خدمة الملك واتهمه بعض نقاده بانه كان فى نفسه منطويا على شعور بالخيانة لعقيدته وتراث اسرته فذلك جر عليه كثيرا مما اخذ به من عقد الاسلوب. وحمد النقاد لجون دون انه قارب برنة نغمة الشعرى رنات نبرات الكلام الذى يدور فى حديث الناس. هذا الشيء بالشيء يذكر، فتأمل.
    ونعود الى ما كنا فيه فنقول لابد ان يكون اليوت قد اطلع على مؤلفات السير وليم جونز فى شعراء فارس والصين والهند وضروب تصانيفه فى هذا الباب الشرقى الفضى الذى كان فيه من اعمدة استاذية شارلس لامان وجيمز وورد استاذى السنسكريتية والفلسفة الهندية بهارفارد بلا ريب. وهل تظن ايها القارىء الكريم انه اذا دعا واجب الدرس اليوت الطالب المعد للدكتوارة ان يتخير ويستنير بشعر السنسكريتيه – وهو امر اقر بمعرفته وادعى تذوقه وسكونتالة جزء منه ومعرفة ترجمتها متممة لتذوقه- هل تظن انه اذا اطلع على ذلك وعلى ما ترجم من ادب الفرس وكان اليه مائلا ولوليم جونز فيه من العمل ما قد قدمنا ذكره مع اختياراته من شعراء الشرق ومن بينهم حافظ الشيرازى..... هل تظن انه اذا فعل ذلك سيتجاهل كتاب وليم جونز الخفيف اللطيف الوافى الذى ترجم فيه المعلقات ؟ هذا مع العلم بان السير وليم جونز قد نبه فى رسالتيه الفرنسية والانجليزية عن مكان شعر المعلقات الرفيع ؟
    المستشرقون قبيلة فكرية
    ان مكتبات الاقسام الشرقية فى جامعات اوربا كثيرا ما تكون فى موضع واحد ، وكثيرا ما تقع بين طلبة لغات الشرق الذين يختلفون اليها ضروب من التعارف وتبادل الآراء ويكونون اشبه بقبيلة فكرية واحدة ، فيشتاق من يقرا الهندية مثلا ان يقرا لمستشرق مشهور كتب فى آداب الفارسية او التركية او العربية مثلا او كتب فى باب من ابواب الادب المحض ذى الطابع الشرقى القوى كالسير شارلس دواتي فى كتابه الصحراء العربية ، ورديارد كبلنج فى قصته (كم) وغيرها واشعارها وكان اليوت به معجبا وقد عاصره ولعله لقيه وكان يقال له شاعر الامبراطوريه الكبير ووصفه اليوت بانه كان من كتاب التراتيل الدينية العظام فيما ذكره روبسون (ص 17) agreat human writer
    وكان للمدرسة الهندية البريطانية فى المكتبة الشرقية مكان مرموق وقد قدمنا ذكر السير وليم جونز وكان فيها بمنزلة المؤسس وممن كان ينتمى اليها من كبار المستشرقين السير شارلس ليال صاحب ترجمة المختارات التى من ذكرها ومن بينها شىء من المعلقات ( زهير وامرى القيس ) وصاحب ترجمة المفضليات والشرح والتعليق الوافي ( اكسفورد 1918م) وراجع للمزيد فى هذا الصدد تاريخ كمبردج الصغير للادب الانجليزى الذى مر ذكره فى الفصل الذى جعله للادب الهندى الانجليزى من ص 734 الى ص 744. وقد نشر مكارتني على زمان اليوت ذى الرمة من قبل . وقد ترجمت المعلقات بالفرنسية وبانت سعاد وترجم بالالمانية شعر عربي كثير وكان اليوت بالفرنسية والالمانية وغيرها عالماً وقد درس بالمانيا كما درس بباريس.
    اذا صح ما قدمناه من تعارف اسرة من يعرفون اللغات الشرقية وتقارب اسباب قبيلتهم فكيف يكون الامر اذا كان احد هؤلاء اديبا شاعرا طموحا موسوعيا ذا مقدرة ودهاء مثل اليوت واصاب ضالة ناردة فى موسوعى نارد مثل وليم جونز الذى لما وصل الى الهند كان مستشرقا ناضجا وزاد فيها نضجا وفتح الطريق لمن بعده؟
    على ان الاستشراق فى زمان اليوت فى هذا القرن الميلادي العشرين الى قريب من اواسطه قد صارت تغلب عليه سمة التخصص مكان الموسوعية فاذا اخذ اليوت مثلا من الادب العربي وهو غير معروف بانه درس لغة العرب وآدابها ولكن معروف بان درسه انما كان للغة الهند القديمة، فمن سيفطن الى انه اخذ من الأدب العربي القديم ثم يتهمه بناء على ذلك بالسرقة من أدب العرب؟
    بعيد جداً أن يتنبه احد الى السير وليم جونز صاحب ترجمة السكونتالة او الشاكونتالة Shakuntala ( تاريخ كمبردج 735) والمختارات من اشعار فارس والهند والصين هو ايضا قد كان طريقا سريا خفيا سلكه اليوت الى النظر او الاخذ او الاختلاس او السرقة من اسلوب المعلقات وشكل صياغتها ومعانيها وكتمان ذلك واخفائه كل الاخفاء وحذفه كل الحذف كما قد حذف كلمة ( العربيةArabian ) واشارته الى والتردي لامير . نعود بعد هذه الفذلكة الى ما كنا فيه من تتبع أسطار منظومة اليوت.
    ليلاك أو ليلك
    أول ما ذكره اليوت من شواهد قساوة ابريل لنباته زهرة ليلى وهي التي يقال لها في الانجليزية ( ليلاكlilac) ونقل برغونزي (ص5) ان الليلاك كان كثيرا فى سياجات هارفاد النباتية كانه يشرح بذلك وروده فى شعره. وذكر اليوت هذه الزهرة الشرقية الاسلامية المعدن فى سياقه الذي يقرنها فيه بالذكرى والجنس عجب : راجع قوله
    …, breeding
    lilacs out of the dead land, mixing
    memory and desire,…
    والترجمة : منبتاً
    زهرة ليلى من الأرض الميتة ، مازجاً
    الذكرى بالشهوة )
    إذ قد كان أشبه بأساليب لغته وحضارته لو قد ذكر الورد وكان من ضروب نواوير اوربا وبريطانيا وامريكا- أم ليت شعري هل فر من رومانتيكية الورد وما بمجراه؟
    في معجم اكسفورد في تخريج كلمة ( ليلاكLilac) ان اصلها من ( ليلك ) العربية ولا وجود لهذا اللفظ ( ليلاك او ليلك ) في العربية اسماً لهذه الزهرة ، واصل هذا التخريج من المستشرق ر. دوزى R.Dozy ( راجع المجلد الثاني ص 562 من معجمه طبعة باريس ولندن 1972 واسم المعجم يدل على أنه تكملة وملحق للمعاجم العربية :
    Supplement aux Dictionairs Arabes.
    ظن ذوزي ان النيلج بكسر النون هو الليلاكlilac مع انه كان يعلم ان النيلج هو النيلة الزرقاء. وذكر الفيروز ابادي (النيل) بلا تاء في آخرها في مادة ( وسم ) في تفسير لفظ الوسمة بفتح الواو وكسر السين او سكونها ميم مفتوحة فهاء التأنيث قال الفيروز أبادي : " ورق النيل أو نبات يخضب بورقه " واحسب ان الشك جاء الفيروز ابادي من ان لفظ العظلم الوارد في شعر عنترة يستخرج منه صبغ اسود او النيلة وقيل هو صبغ احمر عهدي به مد النهار كأنما
    صبغ البنان ورأسة بالعظلم
    وذكر الفيروز أبادي ( النيلج ) بكسر النون في مادة ( نلته) وذكر طريقة استخراج ( النيلج ) بمعني ( النيلة ) من العظلم. جاء هنا بالنيلة مقرونة بالتاء المتحركة علامة التانيث وفي شرحه لكلمة ( الوسمة ) ذكر النيل مثل اسم نهر النيل بلا تاء التأنيث. وكلمة ( النيلج) بكسر النون غير عربية الأصل ولكن معربة مثل فالوذج ولزينج وهلم جرا ومعنى النيلج كما تقدم النبات الذي تستخرج منه النيلة الزرقاء.
    واضطرب شراح بيت عنترة واكتفي السير وليم جونز برسم لفظ العظلم نفسه بالحرف اللاتيني من دون ترجمة له ، هكذا (idhlim) والراجح عندي ان عنترة اراد الزرقة لا الحمرة يكني بذلك عن الموت وذهاب حمرة دم الحياة. وقد نقل عن الأزهرى أنه اختضب بالعظلم يسود به شعره فهذا يقوى ما ذكره الفيروز أبادي وعليه تفسير التبريزي في شرحه ان العظلم هو الوسمة ولم يزد على ذلك. عنى عنترة ان عهده به ، وقد قتله، وقد صار لون رأسه كله ، والوجه من الراس، ولن أصابعه أزرق هامد أبعد أن كان كل ذلك مشرقاً ناضراً بالحياة. ولا يخلو عنترة في قوله هذا من بعض التعريض الساخر المر، كأن يقال مثلاً: " صار المسكين أسود مثلي أنا العبد بعد أن كان حراً أبيض " : قال تعالى " {ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً} ز والله تعالى اعلم.
    ليس ( النيلج ) بكسر النون هو الليلاكlilac هو زهرة ليلى الفارسية وقد يقال له في عربية اليوم زهر البنفسج وليس كله بنفسجياً ولكن منه ذو اللون البنفسجي وذو اللون الأبيض. وفي معجم اكسفورد ومعجم وبستر أن الشبه المتوهم بين اللون الأرزق واللون البنفسجي هو مما جعل اسم " ليلاك lilac" يطلق على الزهرة المسماة باسمه اشتقاقا من كلمة ( النيلج الدالة على اللون الأزرق وهذا أصله من ذوزي وهو بعيد وليس بشيء. وفي معجم لاروس الفرنسي أن أصل " الليلاك " من بلاد الشرق الأوسط وأنه يزرع من أجل نواويره البيض والبنفسجيات وذكر لاروس أنه من أسرة olecees ( اولياسيه) التي منها الياسمين والزيتون.
    ويظهر أن هذه الكلمة الفرنسيةolecees ( أولياسيه ) نفسها قد حرفت من الفارسية ( جل ياس) تنطقها كالجيم المصرية بين الكاف والقاف وتكتب بالكاف المعقودة ( كل ياس).
    و( جل ياس) أصلها من ( جل ليلى) او ( كل ليلى) أي وردة ليلى أو زهرة ليلى ثم شبهوها بالياسمين فقالوا ( جل ياس) أو ( كل ياس). ونبئت أن ( جل) بالجيم التى كالكاف معناها بالفارسية الورد وهي أصل الجل بفتح الجيم وضمها الواردة في شعر الأعشى:
    وشاهدنا الجل والياسمون
    والمسمعات بقصايها
    قال الفيروزبادى :- ( وبالضم وبفتح الياسمين والورد أبيضه وأحمره وأصفره) ومن ( جل ياس) أخذت كلمة oleacees الفرنسية ومنها أخذت الكلمة الدالة على هذا الزهر في الفرنسية الآن وهي : ليلا بكسر اللازم بعدها ياء فلام ألأف (lilas ) – راجع لاروس الكبير طبعه 1975م المجلد 4 ص 3053 والمجلدة ص 3760. وراجع أيضا المعجم الفارسي المتوسط لمحمد معين طبعة طهران 1975 ص 5243 في المجلد الرابع وقد أطلعت عليه واستعنت بمن يعرف الفارسية ومنه أفدت ما تقدم وذكر كلمة ( ليلك) وهي ذات مدلول مختلف في المجلد 3 في ص 3670. وقد ذكر لين Lane فى معجمه العربي الانجليزى أن الجل من أصل فارسي وأصاب ( طبعة بيروت المصورة 1980م 2ص 437 ) والعجب لبادجرBadger في معجمه العربي الانجليزى تصوير بيروت 1980م ص 576) إذ ترجم : ( ليلاكlilac) بـ ( لعلى ) وهى لفظ لا وجود له.
    اتكاءة على صور لبيد
    هذا وبعد أن انتهى إلأيوت من نعت قساوة ابريل منبتاً زهرة ليلى ، مازجاً الذكرى بالشهوة ، انتقل الى ذكر الصيف وذلك قوله :
    Summer surprised us…
    ومعناها : فاجأنا الصيف
    تأمل شدة الشبه بين قول لبيد :
    رزقت مرابيع النجوم ( البيت )
    فعلا فروع الأيهقان ( البيت)
    وبين قول إليوت جاء الربيع منبتاً زهرة ليلى إلخ... تأمل الشبه في السياق والصياغة بين قول لبيد ( فعلا فروع الأيهقان بعد ذكره مطر الربيع وبين قول إليوت منبتاً زهرة ليلى ( الليلاك ) بعد نعته مطر الربيع الذي ابريل رمز له.. منبتاً زهرة ليلى.. أي فعلت أغصان ( الليلاك) كما علت فروع أيهقان لبيد. الأيهقان عربي و " الليلك " فارسي. محاكاة نهج لبيد الذي أطلع عليه في ترجمة وليم جونز لا تخفي.
    فعلا فروع الأيهقان وأطفلت
    بالجلهتين ظباؤها ونعامها
    جاءت الظباء والنعام فى مكان الحبيبة
    والظبية تشبه بها الحبيبة. ههنا مجال للذكريات واتصال معنى ولادة الظباء اطفالها وافراخ النعام بالشهوة غير خاف، ومن هنا أخذ إلأيوت مزحه الذكرى بالشهوة. ثم انتقل من بعد الى ذكر الصيف وذلك قوله :Summer surprised us…….
    أي فاجأنا الصيف
    ثم انتقل بعد مفاجأة الصيف له الى ذكر ( محبوبة ) التجأ معها من مفاجأة مطر الصيف إلى بناء ذي صف من أعمدة ثم خرجا الى ضوء الشمس ثم الى الحديقة.
    ولبيد بن ربيعة العامرى صاحب المعلقة يخرج من نعت القفر الى مرابيع النجوم او كما قال السير وليم جونز في ترجمته …profuse, as well as gentle showers
    ثم يخرج من ذلك الى انبات الأيهقان، وهو من نبات البادية قيل هو الجرجير البري، الذى علت فروعه ، ثم الى الوحش الذي خلف الأحباب على الديار وجعل بحيوية الربيع يطفل ويفرخ. ثم يتذكر لبيد الحبيبة ويقسو عليها وعلى نفسه حين يعتلج في صدره أمر انصرام عهودها وتبدد زمان وصلها :
    بل ما تذكر من نوار وقد نأت
    وتقطعت أسبابها ورمامها
    يقول السير وليم جونز فى مقدمته لقصيدة لبيد إن أبياتها الخمسة عشر الأولى من روائع التصوير، يعذل الشاعر في آخرها نفسه على هواه الضائع سدى عند امرأة لا تستجيب ، فيدعوه ذلك الى أن يفر من الهوى الى الراحلة ، ثم يعود الى ذكر محبوبته نوار بعد نعت الرحلة برجوع فيه نوع من قلة الاهتمام بدلاً لها. هذا ملخص كلام السير وليم جونز فى مقدمته. ا. هـ
    ليت شعرى هل مجرد توافق خواطر شبه :
    1- قول اليوت في عنوانه The Waste Land يقول لبيد ( عفت الديار إلخ).
    2- وقول اليوت في عنوانه The Burial of the Dead بطريقة الشعراء العرب ومنهم لبيد بان الديار تندفن وتكشف آثارها الرياح والسيول ( عرى رسمها ) و( جلا السيول عن الطلول).
    3- وذكر اليوت امطار ابريل وقساوته وشبه ذلك بقول لبيد ( رزقت مرابيع النجوم الخ).
    4- وقول اليوت بإنبات زهور ليلى Lilacs وخلط الذكريات بالشهوات وشبه ذلك كما قدمنا بقول لبيد : " فعلا فروع الأيهقان إلخ".
    5- وانصراف اليوت عن مطر الربيع الى مطر الصيف حيث قال : "فاجأنا الصيف"- هل هذا أيضاً مجرد توافق خواطر؟
    6- وتذكر إليوت للحبيبة بعد أن ساقاها القهوة وتقطعت أسبابها ورمامها.. راجع الأسطر 8-9-10-11+12).. هل هذا أيضاً مجرد توافق خواطر؟
    وقد ركب لبيد ناقته بعد تصرم أسباب نوار وشبهها بحمار وحشى وذكر الصيف وحره... .... وتهيجت ريح المصايف سمومها وسهامها اى اعاصيرها وسمائمها.
    7- ام هل مجرد توافق خواطر قول اليوت في س 23 ص 27ز
    And the dead tree gives no shelter أي : والشجرة الميتة لا تعطي مأوى.
    مع شدة شبهه بقول لبيد في وصفه للبقر الوحشية التي أصابت السباع ولدها. وأحاطت بها المخاوف بعد ترددها تبحث عنه وتناديه بنوح وبغام ، ولفتها بين الرمال ليلة ذات برق ومطر وأهوال :
    تجتاف أصلاً قالصاً متنبذاً
    بعجوب أنقاء يميل هيامها
    أي تلتمس بقرنيها جوف أًل شجرة قديم في قعر كثبان من الرمل منهالة ، وترجمة وليم جونز :She shelters herself under the root of a tree
    8- أم ليت شعري- بعد الذي لم نشك فيه من كتمان اليوت مصادر أخذه من العربية – هل مجرد توافق خواطر ذكر إلأيوت لمفاجأة الصيف :Summer surprised us… وإن الشتاء أدافنا...Winter Kept us warm يمدح بذلك الشتاء ؟
    ربيع أبي تمام
    هل أطلع إليوت على ترجمة ما لبعض شعر أبي تمام ، فقد عاش في زمان كان فيه الاستشراق العربي بين أكسفورد وكمبردج ولندن وباريس وألمانيا ضارباً بجران وكان لأبي تمام صاحب الحماسة في ذلك مكان مرموق- قال عنه ليال في مقدمة اختياراته :
    ….and was himself a distinguished poet
    أي وكان هو نفسه شاعراً ممتازاً.
    هل أطلع إليوت على ترجمة لقصيدة أبي تمام في وصف الربيع التي أولها :
    رقت وجوه الدهر فهي تمرمر
    وغدا الثرى في حليه يتكسر؟
    وفيها قوله :
    جاءت مقدمة المصيف حميدة
    ( أو فاجأنا الصيفsummer surprise us)
    ويد الشتاء جديدة لا تنكر
    Winter kept us warm
    شكرا للشتاء...
    لولا الذي صاغ الشتاء بكفه
    قاسي المصيف هشائما لا تثمر
    شكراً للشتاء- ولأبي تمام الذي مدح الشتاء خلافاً للشعراء الذين كانوا يذمونه كقول الآخر :
    إذا غبر آفاق السماء... الخ
    تأثر إليوت بالمعلقات
    لقد أفاد إليوت من الشعر العربي إما من قراءة تراجم له وإما من مشافهة معاصرين له عارفين به.
    وقد أفاد من إطلاعه على ترجمة السير وليم جونز لمعلقة لبيد وحدها ولكن لسائر المعلقات ، خذ مثلاً الأسطر 19-24 من ص 27 وهي أولي صفحات المنظومة في الطبعة التي رجعنا إليها :
    What are the roots that clutch.
    What branches grow
    Out of this stony rabbish?
    Son of man,
    You cannot say, or guess.
    For you know only
    A heap of broken images,
    Where the sun beats,
    And the dead tree gives no
    Shelter, the cricket no relief,
    And the dry stone no sound of water…
    الترجمة على وجه التقريب :
    ما الجذور التي تمسك ؟ ما الأغضان التي تنمو
    من هذه القمامة الحجرية ؟ يا بن آدم
    إنك لا تستطيع أن تقول بيقين أو ظن لأنك انما تعلم
    كومة منظلال متكسرة ، حيث الشمس تصك
    وحيث الشجرة الميتة لا تعطي مأوى ، ولا الصرصور احة
    ولا الحجر اليابس صوت ماء....

    اشارة قرآنية
    أحالنا إلأيوت على سفر حزقيل أول الاصحاح الثاني بالنسبة الى سطره ( الثاني أعلاه ) 20 ليؤكد أن مراده من قوله : Son of man ( أى يا ابن آدم أو يأيها الإنسان ) هو معناها الذي في العهد القديم لا معني " ابن الانسان " الذي عند النصاري . ولا شيء يمنع ملابسة هذا المعني المسيحي لكلامه هو لأنه هو مسيحي الديانة لن يخلو منه بحال من القصد اليه وليس تأكيده الذي زعم بملزم استبعاده أحدا.
    وهذه الاحالة لما هو ظاهر من عدم الحاجة إليها لا تخلو من تعمية ما وتضليل. وكاد السارق يقول خذوني مرات . ذلك بأنه في سفر حزقيل في الاصحاح نفسه بعد رقم (1) الذي فيهson of man ورد فى رقم 2، 3، 4 ذكر تمرد بني اسرائيل وقسوة قلوبهم ، وهذا وارد في قول اليوت متضامنا لمعناه في : And the dry stone no sound of water أ] : " ولا الحجر اليابس صوت ماء " أ] القلوب قاسية كهذا الحجر اليابس.
    لكن هذا التشبية وهذه العبارة نفسها لم ترد بهذا اللفظ وهذا البيان التصويرى فى سفر حزقيل الذي أحالنا عليه تعمية وتضليلاً فيما نرجح ، إذ لا ريب أنه أخذها من القرآن –وتراجمه كثيرات – لأنها بعينها واردة في خبر تمرد بني اسرائيل : { ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء}- سورة البقرة 75 . ولكن هل يعقل فى اليوت الكتوم لذكر وردزورث ودي لامير وظلال جزيرة العرب The Shades of Arabia وما أشبه أن يخطىء فيحيلنا على القرآن؟ أليس ذكره سفر حزقيل فى إحالاته ههنا شبيهاً في طريقة الاستبدال بما صنعه من جعل جدران كنيسة ماغنس مارتر في مكان ظلال جزيرة العرب ؟
    وبالنسبة الى الأسطر 19-24 ( انظر ما تقدم ) أحالنا اليوت في تعلقيقاته على السطر 23وهو الخامس في ما ذكرنا لننظر فى سفر ( الجامعة ) من العهد القديم وهو الذي يقال له ( الواعظ ) او The Preacher بالانجليزية وايضا يقال له Ecckesiastes رقم 5 من الاصحاح 12 من أجل توضيح مراده من الكلمة Cricket أي الصرصور الواردة في النص المتقدم . وكلمة cricket اى الصرصور غير واردة في نص سفر الجامعة ابن داود والذى احالنا عليه ولكن وردت كلمة grass-hopper اى الجندب وانما احالنا اليوت على سفر الجامعة تعمية وتضليلاً.
    غموض اشارات اليوت
    وقد وجدت من نقاد اليوت البروفسور روبسون يقول بمثل ما نقول به من عمده الى التعمية فى تعليقاته اذ ذكر بمعرض حديثه عن الأرض المقفرة فى كتابه عن الأدب الانجليزى الحدث، وسبقت الاشارة اليه في ص 112 ، ان اليوت أضاف تعليقات أحيانا هي غامضة الأسطار التي راد بها شرحها :
    .. Later Eliot added notes sometimes as cryptic as they purport to elucidate…
    ومن تعليقات اليوت المضللة ، والشيء بالشيء يذكر، نورد ذلك على سبيل المثال ، أحالته بالنسبة الى سطره رقم 63 على جحيم دانتي وانما خطف خطفا من مسرحية ماكبيث لشكسبير من قول مشهور وهو مقال امراة ماكبيث في الفصل الخامس في حديث هذيانها : " من كان يظن أن هذا الرجل العجوز دمه كثير هكذا ؟" ويجوز أن يكون شكسبير رمق دانتي واخذ من هناك وأن اليوت نظر الى دانتي كما نظر الى شكسبير الا أنه حذا على صياغة هذا ونحو ما يجرى هذا المجرى هو ما سماه أبو تمام السرق ( بفتح السين والراء) المورى بضم الميم وفتح الواو وراء مشددة مفتوحة بعدها ألف لينة – قال يمدح شعره :
    إلأيك بعثت أبكار القوافي
    يليها سائق عجل وحادي
    شداد الأسر سالمة النواحي
    من الأقواء فيها والسناد
    منزهة عن السرق المورى
    مكرمة عن المعني المعاد
    الأقواء والسناد من عيوب القافية كما لا يخفى
    وقد أحكم نقاد العرب باب السرقات إحكاماً وأبواباً غيره من النقد كثيرات.
    هذا والصرصورcricket شيء غير الجندبgrass-hopper وظاهر مراد اليوت فى احالته على سفر " الجامعة " ان يشعر القارىء مثلاً بأنه استبدل كلمة grass-hopper أي الجندب بكلمة cricket أي صرصور لداع دقيق من دواعي البيان والصناعة الشعرية . هنا مكان التعمية والتضليل والغموضو. وليس بين النص الوارد في سفر الجامعة والذي وردت فيه كلمة الجندب grass-hopper أدني صلة بكلام اليوت في الأسطر 22-23 :
    …where the sun beats
    And the dead tree gives no shelter, the cricket no relief
    أي... حيث تصك الشمس
    وحيث الشجرة الميتة لا تعطي مأوى ، ولا الصرصور راحة ،
    ونص كلام الجامعة الذى ورد فيه ذكر الجندب كما يلى ( دار الكتاب المقدس ، العهد القديم ) :
    وأيضاً يخافون من العالي ، وفي الطريق أهوال ، واللوز يزهر ، والجندب يستثقل ، والشهوة تبطل ، لأن الإنسان ذاهب الى بيته الأبدي والنادبون يطوفون في السوق . ا. هـ.
    Also when they shall be afraid of that which is high, and fears shall be in the way, and the almond tree shall flourish, and the grass-hopper shall be in the burden, and desire shall fail: beacuase man goeth of his long home, and the mourners go about the streets. ( Ecclesiastes Chapter, 2-5)
    مجمل المعني أنه في زمن اكتساء شجرة اللوز بأزهاره البيض الحسان وهو زمن الربيع حين تزدادا الحيوية والنشاط وتدب في النفوس ، في هذا الزمن حين يقترب الموت من الإنسان تذهب لاقترابه كل حيوية وكل روح ونشاط حتى أن الجندب الصغير الجسم الخفيف الوزن ليستثقل المرء وزنه ثم يحمل المرء الى القبر ويطوف نادبوه ينوحون.
    اليوت لا يشير الى الحيز الذي يستثقل فيه الانسان وزن حشرة صغيرة لأن الموت الذي اقترب منه يجعل كل شيء ثقيلا ، فلماذا يحيلنا على سفر الجامعة ابن داود ؟ نعم ، الصناعة الشعرية – صناعة " السرق المورى " ، ورحم الله أبا تمام – هي التي دفعت اليوت الى استعمال cricket اى الصرصور مكان grass-hopper اى الجندب فى نص الكتاب المقدس فى العهد القديم فذلك أدعي له لأن يذكرها لا أن يتفاداها ، ولكن لأن الجندب في شعر العرب ومن هناك أخذها . الجندب حشرة نهارية والصرصور حشرة ليلية تاوى الى مواقد البيوت ذوات المواقد ( في أوربا مثلاً ) نهارا لظلامها ودفئها ولا تنفك تصرصر ولا تكف gives no relief…
    وكلا الجندب والصرصور حشرة مصوتة وثابة Jumping, Chirping كما يقول المعجم الانجليزى ، ومراد اليوت واضح وهو استمرار الصرصور يصيح بلا انقطاع . والضرورة الشعرية التي دعته الى ذكر الصرصور مكان الجندب ( cricket مكان grass- hopper ) هو أنه ذكر الشمس وحراراتها وذلك قوله where the sun beat أي حيث الشمس تصك
    وليس الصرصور باخى الشمس ولا موقده الذى يأوى اليه نهارا وهو مظلم دافي ، بوهج الشمس الملتهب الذى تتكسر منه أكوام الظلال.
    أخذ اليوت فكرة الصرصور لا من سفر الجامعة ابن داود ولكن من جندب اشعار العرب. حشرة سفر الجامعة ابن داود خفيفة الوزن وثابتة بين ازهار اللوز، لا مزعجة صاخبة فى حر الهجير حيث تصك الشمس وتتكسر الظلال. قال كعب بن زهير في بانت سعاد وهي مما ترجم :
    وقال للقوم حاديهم وقد جعلت
    ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا
    جعلت الجنادب تركض الحصى بحثاً عن الظل ، عندئذ قال الحادى للركب الآن وجب المقيل.
    دين إليوت لذى الرمة
    وقال ذو الرمة ، ونشر ديوانه بكمبردج سنة 1919م وترجمت بائيته من قبل ، ولعل اليوت أن يكون قد لقى مكارتني الذي حقق الديوان ، وقد نبه شارلس ليال على منزلة ذي الرمة في ذيل ص xxxlll من مقدمة مختاراته قائلا:
    Dhu- r-rummah was the last really great representative of desert song…
    أي كان ذو الرمة حقاً آخر شعراء الصحراء العظام – أو آخر ممثل لعظام المتغنيين بالصحراء قلت وفي هذا نظر وابو عمرو بن العلاء عندنا أصح بصرا بالشعر من شارلس ليال على حسن اجتهاده ورايه في ذى الرمة معروف إذ جعله شاعراً من المحدثين وهو فى الحقيقة لهم رائد ، وما نشك ان اليوت أطلع على ترجمة ليال فى اختياراته ومقدمتها وافاد من ذلك فى معرفة طريقة نظم الشعر العربي ، في زمان كان فيه شعراء أوربا والانجليز خاصة يريدون التجديد ويطلبونه من طريق الأخذ عن أمم الشرق أشد طلب . وقد ذكرنا من قبل أن شارلس ليال نشر اختياراته سنه 1885م وكان موظفاً بالهند ومن قبل سبق له نشر بعضها فى مجلة بنغال ثم انه فس سنة 1918م نشر ترجمته للمفضليات مع تعليقاته الناضجة النفيسة وقد حقق شرح ابن الأنباري للمفضليات كما هو معروف . وسنعرض ان شاء الله من بعد لما نرى ان اليوت اخذ من ليال فى المقدمة التى ذكرناها.
    قال ذو الرمة يصف الجندي :
    معرورياً رمض الرضراض يركضة
    والشمش حيرى لها بالجو تدويم
    البيت مشهور وقيل فيه أنه اكثر رمضاً من رمال يبرين لتكراره الراء والضاد وهذا يسمى الآن الجناس الداخلى وهو فن في العربية قديم . وبيت ذي الرمة هذا يحتوي على معني ظلال اليوت المتكسرة وشمسه التي تصك : Where the Sun beats
    والشمس حيرى لها بالجو تدويم
    وتأمل ( رمض الرضراض ) مع قوله ( يركضه) لأن الجندب يطلب المأوى في بقية الظل المتكسر في رمض الرضراض
    وأخذ ذو الرمة من كعب بن زهير قوله : " يركضه " لأنها من قول كعب :
    ......... وقد جعلت
    ورق الجنادب يركض الحصى
    ومن كليهما أفاد من أفاد
    هذا وفي قول اليوت :
    …….for you know only
    A heap of broken images
    أي إنما تعلم / كومة من ظلال متكسرة ....
    فيه نوع من السخرية بأساليب الشعراء إذ كلمة image كما تدل على الظل تدل أيضاً على الصورة البيانية من تشبيه واستعارة وما أشبه وفيه صدىً من وردزورث ودي لامير كليهما وتأثر بمقدمة وليم جونز لمعلقة لبيد حيث ذكر أوصافه وتشبيهاته وزعم أنها مثل التشبيهات الطويلة التي ترد في الشعر الكلاسيكي ( أي اليوناني واللاتيني).
    الدليل القاطع
    هذا وزيادة على ما تقدم ، واعتماد على ما هو نازل عندنا منزلة الدليل القاطع من قوة الملابسات التي تشهد باطلاع اليوت على عمل السير وليم جونز ، وطريقته قي الاخفاء والكتمان نرجح أن اليوت أطلع على كثير مما ترجم من أدب العرب وعلى ما كتبه كبارالمستشرقين بالانجليزية ، على اقل تقدير وعلى ما كتبه السير شارلس ليال مما يدل على فهم عميق لطريقة الوحدة والانسجام عند شعراء العرب القدماء مثلا تعليقه على بائية سلامة بن جندل ولامية بشامة بن الغدير وعينية سويد بن أبي كاهل وطويلتي علقمة بن عبدة ، ومما يحسن ذكره ههنا أن بعض من كتبوا عن شعراء المفضليات من فضلائنا أخذوا عنه ولم يشيروا اليه ومنهم من تابعه أخذاً غير معترف في الخطأ وفي الصواب وهذا باب ربما اتيح لنا بعض تفصيله في موضع غير هذا مما يناسبه. وإنما دعا إليه أن الشيء بالشيء يذكر ، وكما يقول سيبويه ، رب شيء كهذا.
    ولا شك أن اليوت قد اطلع على شيء من مقدمة ليال لمختاراته ( طبعة 1885م ) إذ كان ذا استشراق ومن عصبة نجباء الحكومة البريطانية بالهند احدى مراكز البحر الشرقى الكبرى وقد وصف ليال القصيدة العربية القديمة بأن شكلها لا يمكن أن يوصف بما عليه أوصاف الأشكال في شعر أوروبا وأنه عسى أن يكون أٌرب الأمور به شبهاً ما كان اليونان يسمونه بالقطعة الوصفية أو الاخبارية iayll وانها تعرض علينا صوراً متتابعة ماخوذة اخذا مباشرة من التجارب والواقع مصوعة بمهارة واحكام يربط بينها عنصر من الوحدة التي لا تبدو وثيقة واضحة ولكن تخضع لروح من الشاعر يهيمن عليها بكشف ما يشتمل عليه ضمير شيئاً بعد شيء ( راجع ص xvlll )
    محاكاة طريقة نظم المعلقات
    مما أخذه اليوت من المعلقات سوى الذي ألمعنا اليه من محاكاة لبيد انه حاكى طريقة النظم فيها ونظر فى ذلك نظرا شديدا الى المعلقة الاولى ، التي ينبغي أن يكون حين بدأ بالقراءة قد بدأ بها.
    عول اليوت فى نظم أ{ضه القفر على اتباع طريقة صياغة امرىء القيس حيث بنى تألأيف لاميته املعلقة على وحدة مستمدة من الربط العاطفى الايقاعى وتداعى المعاني المنبعثة من حل عقد خيط الذكريات ( أو كشف ما اشتمل عليه ضميره شيئاً بعد شيء أو كما قال شارلس ليال The Poet's unfolding of himself ص xvlll ) من حل عقد خيط الذكريات عقدة بعد عقدة ، من الوقوف والاستيقاف الى ذكر ام الرباب وام الحويرث- دارة جلجل- نحر الناقة – خدرةعنيزة- حديث الحب- حديث الجمال – الليل- الصعلكة – الفروسية والصيد وزمان الشباب- ذكريات الطفولة – المطر والسيل وانمحى كل شيء الا منظر ثبير وصوت الطير – والسباع الغرقى – كل ذلك في تجاوب مذهل من الايقاع والصور وضروب الموسيقى الظاهرة والباطنة.
    أخذه من امرىء القيس
    من حيث لا يحتسب يدلنا اليوت على اخذه من معلقة امرىء القيس فى السطرين 7 و 8 من أرضه اليلاقع أي المقفرة وقد مرا أول كلامنا ، واخترنا لفظ الأنابيش في ترجمتنا لقوله tubers لأنه الأصل الذي ترجح أنه أخذ منه قوله :
    ….feeding
    A little life with dried tubers
    أي .. مطعماً
    حياة قليلة بأنابيش جافة.
    ونشير ههنا الى قول امرىء القيس في المعلقة :
    كان السباع فيه غرقى عشية
    بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
    العنصل بضم العين وسكون النون وضم الصاد هو البصل البري والأنابيش ما ينبشه الصبيان من عروق ونحو ذلك . التبريزى : " الانابيش جماعات من العنصل يجمعها الصبيان ويقال الأنابيش العنصل والعنصل بصل بري " ا.هـ ( راجع شرح التبريزى للمعلقات العشر وطبعاته كثيرة ). وترجمة السير وليم جونز :
    The beasts of the wood drowned in the floods of the night, float like the roots of wild onions.
    وراجع ترجمة ليال لهذا البيت في ص 104 حيث قال :
    Like earth ostained roots of squills.
    الاصطلاح الانجليزى لما ينمو من البنات كالبصل ينتفخ أصله الملامس بجذوره للتراب ولما ينمو كالبطاطس بانتفاخ جزء الساق الملامس للتراب هو tuber واستعمل اليوت اللفظ الدال على النوع الثاني فيبدو أولاً أن هذا بعيد من أن يكون مأخوذاً من عبارة السير وليم جونز.
    The roots of the wild onions ( اى عروق البصل البري ) التى ترجم بها ( أنابيش عنصل ) . وترجمة ليال غير بعيدة من هذا . واخذ اليوت قوله المتقدم من ( انابيش عنصل ) هذه. وقد أبت فكرة صورة الجثث التي غرقت وبدت أطرافها من مثوارب وآذان وأذناب كأطراف أنابيش العنصل أن تفارق اليوت فنمت بنفسها في اسطاره 70-72 من ص 29 وذلك قوله:
    You who were with me in the ships at Mylae
    That crops you planted last year in your garden,
    Has begun to sprout?
    أي :
    يا انت الذي كنت معي في سفينات ما يلبس
    تلك الجنازة التي غرستها العام الماضي في حديقتك
    هل بدأت تخرج شطئها؟
    عنى اليوت بما يلبس هنا المكتشف الدنمراكي ما يليس لدوجMylius Ludwig الذي غامر باكتشافه سواحل جرنلدة في اوائل هذا القرن الميلادي ، ومات سنة 1907 بعد مغامرة أخيرة سنة 1906 وكانت هي من اسباب هلاكه . استعمل اليوت صيغة المضاف اليه اللاتينية ( مايلاي) من ( مايليس) . وهل خفي عنك ايها القارىء الكريم عنصر تداعي المعاني الشديدة بالنظرة الى بيت امرىء القيس ههنا؟
    امرىء القيس : غرقى جنائز سباع غرقى في العشية تشبه مناظرها في الارجاء القصوى اطراف البصل البرى التى ينبشها الصبيان او خرجوا لينبشوها.
    اليوت : سفائن مايليس معها البحر ومخاطره . جنازة مغروسة في حديقة فى العام الماضي. هل نبتت واخرجت شطئها مثل النبات؟
    هذه المشابهة في نهج الصياغة هل هي مجرد توافق خواطر مع بيت امرىء القيس، كما مطر ابريل وعلو أغضان ( الليلك) مجرد توافق خواطر مع مرابيع النجوم وعلت فروع الأيهقان؟
    وهل فكرة dried tubers ( اى الاصول النباتية الجافة أو العروق الجافة ) مجرد توافق خواطر مع أنابيش العنصل ؟العنصل هو ( bulb) بحسب الاصطلاح الآخر المقابل (tuber) – أليس تحويل ( bulb) الى فيه لون من أسلوب تحويل grass-hopper الى (cricket) وما مر بك من قبل من أمثلة" السرق المورى"؟
    وقوله عن امرىء القيس آنفاً انه تذكر الصبا وتذكر الطفولة نشير به الى قوله :
    يزل الغلام الخف عن صهواته
    ويلوى بأثواب العنيف المثقل
    والى قوله:
    كميت يزل اللبد عن حال متنه
    كما زلت الصفواء بالمتنزل
    وليس ههنا موضع التفصيل وقد كان امرؤ القيس صاحب ذكريات وتذكر له أبيات لطيفة يصف بها زحلوقة الأطفال أولها :
    لمن زحلوقة زل
    لها العينان تنهل
    لاحظ أن تذكر الزحلوقة هنا أبكاه كما بكى من ذكرى الأحباب والمنازل.
    والى قوله :
    درير كحذروف الوليد أمره
    تتابع كفيه بخيط موصل
    ابريل أقسى الشهور
    هذا :
    ومثل أي تمام إذ فاجأته " مقدمة المصيف حميدة " نجد اليوت فاجأته مقدمة المصيف- ولكن غير حميدة ( ابريل أقسى الشهور). ومثل امرىء القيس خلص اليوت الذي هو امرؤ الارض القفر من البدء بذكر الأطلال( عفت الديار كما تقدم ) الى حل العقد من خيط الذكريات-المقهى فى اول المنظومة ( السطر 11) الى النعت المنظور فيه الى سفينه كليوباتره بعين ، ( س 77 ص 29) :
    The chair she sat in, like a burnished throne,
    Glowed on marble….
    أي: الكرسي الذي جلست عليه كان يتوهج من فوق بلاط الرخام كأنه عرش مجلو... ( راجع نعت أنوباربس لسفينة كيلوباترة عند شكسبير )ومنظور أيضاً فيه بنفس ( العين) او بعين اخرى تحت الحاجب الكالح الى قول امرىء القيس :
    إذا قامتا تضوع المسك منهما
    نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
    (راجع من قوله س 84
    The glitter of her jewels rose…
    أي قام بريق جواهرها..
    Her strange synthetic perfumes
    أي عطورها المصنوعة الغريبة (س 87 ص 30).
    وقال وليم جونز في ترجمة هذا البيت :
    When those two damsels departed, musk was diffuse from their robes, as the eastern gab sheds the scent of clove- gilly flowers…
    لاحظ استعمال اليوت profusion فى س 75 وكذلك proured في مقابلة diffused التى عند وليم جونز و sheds…. وتأمل ذلك أيها القاري الكريم.
    الفصل الذي فيه هذا النعت جعل اليوت عنوانا له " لعبة الشطرنج A Game of Chess ) وهو الفصل الثاني من الأرض المقفرة والعنوان مأخوذ من اختيارات وليم جونز إذ عنوان إحدى القصائد الهندية التي اختارها هناك هو هذا ، فتأمل !!... راجع الحديث ، راجع قولنا قبل الى النعت المنظور فيه.. الخ والآن.. الى لقاء الكويتبة في الفصل الثالث الذي عنوانه ترتيلة النار . أو كما قال A Fire Sermon
    ونلفت نظرك ههنا الى ما ذكر عن اليوت أنه وصف رديارد كبلن شاعر الامبراطورية الذي نشأ في الهند بأنه كان من عظام أصحاب التراتيل.. لقى إليوت في منظومته الكويتية في الفصل المذكور على مائدة فاترة ووصال من نوع ما يقع في سأم المدن المعاصرة.. شيء ممسوخ من وليمة عذارى دارة جلجل ودخول الخدر عنيزة : ( وقد ترجم ذلك السير وليم جونز ترجمة حسنة حية ) :Woe to thee than wilt compel me to travel on foot ...تقول لك الويلات إنك مرجلي
    من هنا أخذ إليوت عبارته (ص 32)
    ….caresses
    which still unreproved , if undesired
    وتأمل بعد أسطاره من 235 الى 248 في حديث عنيزته هو :
    The time is now propitious as he guesses
    The meal ended, she is bored and tired,
    Endeavours to engage her in caresses
    Which still unreproved, if undesired
    الترجمة التقريبية :
    الوقت الآن موات كما يظن
    انتهت الوجبة وهي متعبة وسئمت
    يحاول أن يشركها معه في ملامسات
    استمرت بلا مؤاخذة أن لا بلاء اشتهاء
    كذلك من قبل ظن امرؤ القيس الوقت مواتياً بعد عقر الناقة وانتهاء الوليمة وارتماء العذارى- يطبخن- بلحم مطيته ( يخطىء من يحسب أنهن كن يترامين بقطع اللحم كالغولات وكأن اللحم كرات لعب ) وبشحم كهداب الدمسق المفتل الذي هو حريرهن وبياض أ[شارهن فدخل الخدر خدر عنيزة ليشركها معه في ملامسات ومداعبات فزجرته بقولها " لك الويلات انك مرجلي ، ومع زجرها له مال بهما الغبيط معاً :
    تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
    عقرت بعيري يا امراً القيس فانزل
    ولكنه لا ينزل :
    فقلت لها سيرى وأرخى زمامه
    ولا تبعديني من جناك المعلل
    فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
    فألأهيتها عن ذي تمائم محول
    كلام امرىء القيس فيه شيطنة وأريحية وحرارة عاطفة وصدق فني مباشر مع الإيقاع الرنان والبيان الناصع. كلام إيوت مصقول كخشب النجار الماهر ولكنه ناشف لا عاطفة فيه ولا حرارة ولكن مرارة برود تعال فكري وشيء من سخرية. غطاء كثيف يخفي حقيقة السرية ولو كانت فيه أريحية من عواطف البيان او الصدق الشعري لهتكته. في كلام اليوت روح سآمة كسآمة الليل والبعير الذي شبه به امرؤ القيس الليل لما تمطي بصلبه وأردف أعجازاً وناء بكلكل، وكسآمة الحبلى الذي ذكرها امرؤ القيس فزعم أنه الهاها عن طفلها ذي التمائم المحول.
    إذا ما بكى من تحتها انصرفت له
    بشق....... ( الى آخر البيت )
    وقد استفحش النقاد هذا من مقال امرىء القيس وعذلوه عليه وعابوه وأبى الشعراء من بعد إلا أن يحاكوه فيه ويسرفوا كالذى صنعه سحيم عبد بني الحسحاس في يائيته " عميرة ودع أن تجهزت غادياً " :
    وفيها وجدان وغرام وفتك وكالذى صنعه بشار في الرائيتين ، المقيدة التي يقول فيها :
    أمتي بدد هذا لعبي
    ووشاحي حله حتى انتثر
    والمطلقة التي يقول فيها :
    قولي لها بقة لها ظفر
    إن كان في البق ماله ظفر
    وفي كلتيهما تهتك وزندقة ومجون
    وهل نظر بعض شعرائنا المعاصرين الى عنيزة امرىء القيس والى دعوى التحضر والتقدم بالنظر الى عنيزة وجبة طعام أ{ض اليوت المقفرة اليباب الخراب؟ هذا باب يكتفي فيه بمجرد الاشارة واللمح.
    أثُر البديع في أوزانه
    ويبقى وزن اليوت. ومداره كما يذكر نقاده على محاكاة نبرات الكلام المألوف وعلى الجناس الداخلى وعلى سجعات القوافي وهذا أمر خالف فيه أصحاب الشعر الحر الفرنسسيين ومن مال الى مذاهبهم وقد تأثر فيما ذكروا بازرا باوند وقد سبقه فى مذاهب من التظلم جرارد مانلي هوبكنز ( 1844-1889م)Garard Manley Hopkins ورجع اليوت فى ما يذكر الى نماذج من الشعر الانجليزى القديم الذي يقال له المتوسط مثل منظومة وليم لانجلاند ( ولا يكادون يستشهدون الا بها ) التى أسماها بطرس الحراث.
    William Lang Land ولد 1302م وتوفي 1400م ) – بطرس الحراثPiers Plouhaman وعندي ان الجناس الحرفي أو الداخلي ليس بأصيل في اللغة الانجليزية على اتصاله بأوائلها ولكنه أخذت أصوله من البديع العربي إذ هو قد كان النموذج الأدبي البراق المحتذى فى القرن الحادى عشر والثاني عشر الميلادي فما بعدهما وقد كانت أمة العربية آنئذ هي أمة المدنية الكبري المرموقة فى ذلك الزمان- تحاكى أساليب حياتها وآدابها كما نفعل الآن بتقليد الأفرنج.ذكر صاحب الذخيرة نقلاً عن المؤرخ أبي مروان ابن حيان في صفة ريموند صاحب برشلونة ( ص 155 القسم 1جـ1) : " فإذا هو جالس على مرتبته عليه ثياب من ثياب المسلمين " ا.هـ
    أمر آخر ينبه اليه مما عسى أن يكون اليوت قد أخذه أيضاً من أساليب العربية ، هو مذهبه في غرابة التشبيه. ويوقف كثيرا عن قوله فى احدى منظوماته :
    Let us go then, you and I when the evening is spread out against sky like a patient etherized upon atable.
    أ ي :
    دعنا إذن نذهب أنت وأنا
    عندما يكون الليل قد مدد بإزاء السماء
    مثل مريض بنج على منضدة ( العمليات)
    ووصفه برغونزي بالجمال والغرابة ( ص15)
    التشبيه المقلوب
    والحق أن تشبيه اليوت ههنا جار على ما يسميه البديعون بالتشبيه المقلوب، المريض ساعة الغيبوبة والامتداد على المنضدة هو المشبه بغروب الشمس إذ كمفاجأة غشيان الظلام الأفق تكون مفاجأة غيبوبة المريض بالبنج
    من أمثلة التشبيه المقلوب المعروفة
    وبدا الصباح كان غرته
    وجه الخليفة حين يمتدح
    وما الأمر الا أن وجه الخليفة المشرق بغرة الانشراح للمدح قد صار جسم مريض ممداً على منضدة عملية . وغرة الصباح الباهرة صارت غروباً ... هل أخذ اليوت من ههنا أم هو توارد خواطر؟ لعله توارد خواطر ولكنه بلا ريب تشبيه مقلوب. صناعة وبديع مصقول متكلف ولا اكثر ولا اقل.
    أشهد أن اول ما دعا الى الشك فى اصالة اليوت فى منظومته The Waste Land ( الارض المقفرة ) ما قدمته من ارتياب النفس من تعليقات ومن حذف اسم العرب وأسماء من أشاروا اليهم ومن غلبة البرود والتنطس على أسلوبه ومذهبه ومن الفتنة المفرطة به ولا سيما من ليست لغتهم بلغته وفي لغته على أهل لغته هو الانجليزية عسر شديد. حتى المعجبون به ذكروا ذلك. مثلاً قال انتوني بيرغسAnthony Burgess في كتابه من الأدب الانجليزى طبعة 1980م وهو من المعجبين بإليوت أن منظومته The Waste Land ( الارض المقفرة ) فيها عسر ومشقة على القارىء وذكر من بين أسباب ذلك كثر الاشارات والاقتباسات والأخذ من أدب أوربا والهند وتداخل الصور الى آخر ما قال.
    الأخذ بلا اعتراف
    ومع أن تاريخ كمبردج للأدي الانجليزى يعد اليوت من ثلاثة العصر فى الشعر الانجليزى الكبار، مع هذا عاب عليه كثرة أخذه من دون إشارة الى موضوع الأخذ أو علامات تدل عليه وقال إنه كان يلزمه بيان ما أخذ وما استعار. وألمع تاريخ كمبردج الى أنه ان يك المراد من هذا الحنين الى الماضى هو التعبير عن الضجر عن العصر بأسلوب أدبي ، فأن ذلك غير خارج عن نطاق الأساليب التقليدية ، ونص عبارة تاريخ كمبردج هو كما يلي وما قدمناه فحواها ومخلصها ( ص853) :
    But we may doubt whether the disgust with the realities of the modern world, and the nostalgia for the past, not in its own kind of disgusing reality but as abstracted in literature and art, is anthing more than a traditional literary device.
    كلمة صدق تقال للمفتونين بإلأيوت : ان كتمانه وسرقته ودينه للمعلقات وشعر العرب من طريق مستشرقي الهند وفرنسا والمانيا وهارفارد وجامعتي أكسفورد وكمبردج ومن يكون لاقاة فيهما وفي غيرهما وشافهه، ينبغي أن يكون ذلك موضع زراية به ونفور عنه لا فرط إعجاب به وإقبال عليه.
    أسأل الله أن تكون الموضوعية النقدية لنا رائداً ودليلاً فى ما نقدمه من حدس مرتب على مشابه قوية وملابسات دليلها قاطع. وقد اكتفيت فى اكثر ما قدمت بالصدر الأول الأكبر من منظومة الارض القفرة خشية الاطالة اذ ليس هذا مجالها وانما مرادي التنبيه. ولقد أقبلت على كتابة هذه الكلمة الموجزة فى بابها، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق ، بعد مناقشة مادتها الأولى وجملة معناها مع زملاء فضلاء وطلبة أذكياء وأساتذة علماء وغيرهم من المعارف والأصدقاء. فمنهم من نبه على مالم أكن له متنبهاً ومنهم من أعان على تيسير المراجع أو دل عليها ومنهم من ساهم بالرأي وبالكلمة المفيدة – ومن ذلك مثلاً أن عنوان إليوت ( لعبة الشطرنج ) لا يخلو من نفس امريء القيس اذا كان يلعب النرد لما جاءه خبر مقتل أبيه ومن ذلك مثلاً قول إلأيوت
    Let us go then, you and I
    فيه شبه بصياغة الأمر في نحو :
    قفا نبك من ذكرى...
    عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار...
    خليلى عوجا من صدور الرواحل...
    قفى قبل التفرق يا ظغينا
    ونحو هذا كثير. ونحو هذا القول محتمل. الا اننى ارجح ان يكون اليوت اقتدى بطريقة شكسبير ومعاصرية ، نحو قول شكسبير فى مسرحية ريتشارد الثاني الملك على لسانه
    Of comfort let no man speak
    أي لا يتحدثن عن الراحة . وفيها
    Let us set upon the ground
    أي لنجلس على الأرض. ويعجبني منها قوله ( راجع التماسة عزاء ص 44) :
    Let's talk of graves and worms and epitaphs
    Make dust our paper and with rainy eyes
    Write sorrow on the bosom of the earth
    وترجمته التقريبية ( التماسة عزاء 44)
    هلموا عن الأجداث والدود والرثا
    حديكمو ثم اجعلوا الترب قرطاساً
    ومن أعين تهمي بكالغيث سطروا
    على ثدي هذى ألرض للحزن أنفاساً
    وشبه كلام شكسبير بقفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ، فى نمط الصيياغة غير بعيد.
    وقال درايتونDrayton من معاصري شكسبير
    Since there is no help, let us kiss and part
    وأقرب ما يترجم به هذا شطر بيت المثقب العبدي
    ( أفاطم قبل بينك متعيني )
    وليس بجد بعيد من : فسلى ثيابي من ثيابك تنسل
    توارد الخواطر كثير فى المعاني الانسانية ، ولكن روح التعبير هنا عربي المعدن وكان الأخذ فى زمان النهضة الأوربية عن معارف العرب و آدابهم أمراً شائعاً
    وأخذ اليوت عن شعراء الانجليزية خاصة قد كفانا مئونته نقاده، حتى بيرغس الموالي له لم يغمض فيه وتاريخ كمبردج للأدب الانجليزى الذي سبق أن أحلنا عليه من قبل قد بكت اليوت كما مر على الأخذ بلا اعتراف وتعليق ونعى عليه استعمال التضمين والاقتباس بطريقة آلية صارت من بعد مجرد حيلة أسلوبية عند مقلدين الكثيرين أو كما قال ( ص 853) :
    …A mere trick of fashion in his numerous imitators
    هذا ، ومنهم- أي ممن ناقشت- من حث حثاً على تدوين ما بدا خشية أن يؤخذ من المشافهة فأسبق الى نشره ولا يشار الى المصدر. وهذا قبيح. ولكن ليس السبق الى النشر هو الغرض. ولكن الغرض هو التبيه على كتمان اليوت تقليده لطريقة العرب فى صياغة القصيد- وقد عرف العرب التضمين والاشارة وغرائب من البديع مع الذى سبق توضيحه من مذهبهم فى الوصف وتداعي المعاني على النحو الذي بين جانبا منه ليال فى مقدمته القيمة. ليعى بعضنا صياغة القصيد الذي لو أقبلنا على درسه لاغنتنا روائعه أسلوباً تقليديا.. ويسمون ابداعا تقليد اليوت الذى يقلده ، فتأمل.
    باب للقول فيه متسع
    الآراء التى بثثت بطرف منها ههنا قديمة عند كاتب هذه الأسطر ألمع الى بعضها في حديثه عن أبي الطيب الذي ألقاه في المهرجان الذي أقيم له ببغداد في تشرين الثاني سنة 1977م وطبعت في سفر بعنوان الطبيعة عند المتنبي. وقد جاء فيها ذكر أخذ الشاعر إندرو مارفيل في منظومته البستان The Garden من :
    ( معاني الشعب طيباً في المغاني )
    وأخذ وليم بليك في منظومته عن النمر من أسد أبي الطيب الذي ما قوبلت عيناه..
    ما قوبلت عيناه إلا ظنتا
    تحت الدجى نار الفريق حلوا
    وهذا باب يتسع فيه القول ومجال البحث . ولله الحمد فى المبدأ أو الختام
    وعلى رسول الله الصلاى والسلام ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de