هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام؟ الحلقة الخامسة عشرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 01:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-14-2014, 05:30 PM

عبد الحق العاني
<aعبد الحق العاني
تاريخ التسجيل: 02-28-2014
مجموع المشاركات: 44

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام؟ الحلقة الخامسة عشرة

    كنت قد كتبت في مقالي السابق أن من أهم نتائج ولادة ولاية الفقيه في إيران بالنسبة للوطن العربي كانت ولادة حزب الله، وذلك لما لعبه الحزب المذكور وما زال يلعبه في المعركة القومية مما يفوق حجمه الحقيقي ويتجاوز المسلمات العسكرية والسياسية التي سادت في المنطقة لعقود. ولا بد للمتابع السياسي والتأريخي أن يتوقف ليسأل عن سبب نجاح ولاية الفقيه في استقطاب جمهور لها في لبنان وفشلها بالمقابل في العراق. وهذا بعض ما سأحاول البحث فيه.
    إن التشيع في لبنان ليس حديث عهد. فجبل عامل، والذي يختلف تعريف حدوده الجغرافية في كل عصر، عرف التشيع منذ القرن الرابع الهجري. بل إن هناك من يذهب أبعد من ذلك ليقول بان التشيع في جبل عامل ولد على يد الصحابي أبي ذر الغفاري الذي كان يخرج من الشام ليتجول ويحدث الناس في مناطق مثل جبل عامل وذلك قبل أن يبعثه الوالي معاوية بن أبي سفيان مخفوراً الي الخليفة عثمان بن عفان لينفيه الأخير إلى الربذة حيث مات وحيداً مصداقاً لقول رسولنا الأكرم (ص) "لله درك يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك"!
    وأيا كانت الرواية فإن التشيع في جبل عامل قديم قدم إسلام الناس في تلك الأجزاء من بلاد الشام، أي أنه ليس وليد حكم بني حمدان أو حكم فاطمي أو مد فارسي كما يتصور البعض. ولا يصح أن يستغرب أحد من هذه الحقيقة فقد نقل عن المقدسي، وهو من أهل القرن الرابع الهجري، أنه قال "كان أهل طبرية ونصف أهل قَدَس وكذلك نصف أهل مدينة نابلس وأكثر أهل بلدة عمّان شيعة". أما سكان جبل عامل فإن كتب اللغة والتأريخ وما يرونه هم عن أنفسهم تشير جميعها لحقيقة واحدة. فقد كتب إبن منظور في "لسان العرب" في باب "عمل":
    "قال الأَزهري: عاملة قبيلة إِليها يُنْسَب عَدِيُّ بن الرِّقاع العامِليُّ، وعامِلة حيٌّ من اليمن، وهو عاملة بن سَبإٍ، وتزعم نُسَّاب مُضَر أَنهم من ولد قاسط؛ قال الأَعشى:
    أَعامِلَ حَتَّى مَتى تَذْهَبِين إِلى غَيْرِ والدِكِ الأَكْرم؟
    ووالِدُكُم قاسِطٌ، فارْجِعوا إِلى النسب الأَتْلَد الأَقْدَم"
    كما كتب القلقشندي:"جبل عاملة وجبال عاملة وجبل الخيل وجبل الجليل وبلاد بشارة والبشارتين، تسميات لمسمى واحد وهو جبل عامل، نزله بنو عاملة بن سبأ من عرب اليمن عند تفرقهم بسيل العرم فعرف بهم وهو جزء من لبنان".
    وكتب أبو الفدا: "بنو عاملة بطن من بطون سبأ وهي قبيلة عربية يمنية قديمة هاجرت من بلاد اليمن سنة 300 قبل الميلاد، بعد الطوفان وخراب سد مأرب ونهاية مملكة سبأ، ونزلوا بالقرب من دمشق في جبل هناك يعرف بجبل عاملة."
    وأياً كانت صحة النسب فإن النتيجة الوحيدة هي أن أهل جبل عامل هم من العرب الأصيلين الذين سكنوا المنطقة التي أسميت لاحقاً باسمهم لقدمهم فيها وأنهم تشيعوا منذ صدر الإسلام. وإدراك هذه الحقيقة مهم جداً لفهم سبب أين يقفون اليوم من الصراع العربي الصهيوني أولاً وسبب إختلافهم عن شيعة العراق في ذلك ثانياً. ذلك لأن شيعة لبنان عاشوا كل حياتهم وسط محيط عربي فمن الشمال والشرق والجنوب أحاط بهم عرب من المسلمين السنة والدروز ومن النصارى. أي أنهم حين أضطهدوا في حكم الغزاة الصليبيين الأوربيين وحين أضطهدهم الحكم العثماني الجائر ضد كل الشعوب، لم يكن لديهم سوى الإنتماء العربي ملاذاً يلوذون به. فقد وجدوا هم قبل غيرهم أن المشروع القومي العربي هو التعبير الصحيح عن إسلامهم وتشيعهم.
    وهنا وقع الإختلاف مع شيعة العراق ذلك لأن شيعة العراق وجدوا في الهروب من الإضطهاد المذهبي العثماني ملاذاً لهم في التقرب من الدولة الصفوية الشيعية في إيران. وهكذا فإن الإلتصاق الجغرافي وكثرة المراقد الشيعية المقدسة في العراق قادت لاختلاط طويل وتزاوج بين شيعية العراق وشيعة إيران. وهذا قاد بالتدريج لشعور متنام لدى شيعة العراق بالقرب من إيران. وهكذا ضعف الإنتماء العربي لدى شيعة العراق وحل محله الإنتماء المذهبي الذي وجد ايران أقرب له من سورية على سبيل المثال. وليس من شك في أن الحكم العثماني وتمييزه ضد الشيعة ساهم كثيرا في دفعهم لهذا الإنحياز. أما شيعة جبل عامل فلم يمروا بوضع مشابه فقد عاشوا في كل الأوقات في محيط عربي ولم تجبرهم لا الجغرافيا ولا التأريخ على الإبتعاد عن الإنتماء العربي. وهكذا نجد الشعور القومي لدى جمهور شيعة لبنان حاداً ومتميزاً خلاف قوته في العراق. ولست أعني بهذا إنعدام الشعور القومي لدى شيعة العراق فقد سبق وبينت أن قيادات قومية متميزة في العراق كانت من الشيعة لكنها كانت وما زالت نخبة وليست جمهوراً، فالحقيقة هي أن جمهور الشيعة في العراق ليس لديه حماس كبير للإنتماء للمشروع القومي العربي كما هو حال جمهور شيعة لبنان المتمثل في حزب الله وشعبيته.
    وليس من الأمانة التأريخية أن يدعي من يدعي أن سبب هذا الإختلاف هو سياسة البعث التي ألبت جمهور الشيعة في العراق... فربما لم تساعد سياسات البعث خلال ثلاثين سنة من الحكم على تغيير هذا الواقع إلا أن جذوره أعمق وابعد من حكم البعث. وقد تشرح هذه الحقيقة للعربي المراقب للمشهد السياسي العراقي سبب خلوه اليوم من حزب واحد يتبني مشروعاً قومياً عربياً في الوقت الذي تكاد الأحزاب الكردية كلها أن تكون أحزاباً قومية. كما أن البعث في سوريا متحالف مع حزب الله، وهو ما ينفي عن البعث أنه مسؤول عن ابتعاد الشيعة عن المشروع القومي العربي.
    وعاش شيعة لبنان قروناً وهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. فالدولة العثمانية كانت تميز ضد الشيعة فتستخدم السنة في الوظائف دون الشيعة. أما النصارى فقد نالوا حماية الفرنسيين مما أعطاهم نصيباً كبيراً في إدارة لبنان حتى قبل سقوط الدولة العثمانية. وظل الشيعة في لبنان مستضعفين لفترة طويلة. إلا أن هذا الوضع بدأ بالتغير في القرن العشرين فقد لعب كل من التعليم والمرجعية الدينية دوراً مهماً في تنبيه الناس لحقوقهم وللطرق التي اتبعتها شعوب الأرض الأخرى لنيل حقوقها.
    وأول تحرك سياسي شيعي منظم في لبنان ولد في حركة "أمل". فقد أطلق السيد موسى الصدر الذي كان رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان عام 1975 ما أسماها حركة المحرومين (أمل) للدفاع عن الشيعة في لبنان في التصدي بشكل أساس للإعتداءات الإسرائيلية المستمرة على جنوب لبنان دون حماية من الدولة اللبنانية الفاشلة والمنشغلة بالفساد وصفقات السياسة. وكانت علاقة "أمل" بشاه إيران جيدة كما كان متوقعاً حيث كان شاه إيران الحاكم الشيعي الوحيد في العالم كما ان السيد موسى الصدر جاء لبنان من قم بمباركة الشاه ولا بد أن لشاه إيران دوراً في منح الصدر الجنسية اللبنانية في وقت قياسي.
    فلا عجب أن الخميني حين حكم إيران عام 1979 لم يكن متحمساً كثيراً للسيد الصدر، وزاد في النفرة أن الأخير لم يكن من المؤمنين بنظرية ولاية الفقيه التي جاء بها الخميني كحل وحيد للدولة الإسلامية. ودليل تلك النفرة بين الجانبين أن الخميني لم يستجب لمطالب أمل في أن يعمل على أن تعيد ليبيا السيد موسى الصدر الذي احتجزته وأغلب الظن أنها قتلته لاحقاً، رغم أنه، أي الخميني، كانت له علاقة جيدة مع، وتاثير كبير على، معمر القذافي.
    ثم غزت إسرائيل لبنان واجتاحت الجنوب ووصلت بيروت في أول غزو وتطويق لعاصمة عربية منذ سايكس بيكو. وكان الجنوب يغلي ولم تتمكن حركة أمل من مواجهة الغزو لأنها لم تكن قد أسست فعلاً على قواعد ثورية، وما زالت حتى اليوم غير ثورية. وكان لا بد من أن يلد مشروع يقوم يملئ هذا الفراغ الذي خلقته أمل في أنها أدعت التصدي للهجمة الصهونية لكنها لم تقدر حقاً على التعامل معها. والضرورة التأريخية تخلق الحدث. وهكذا كان فولد حزب الله، ظاهرة فريدة في التأريخ السياسي الديني العربي.
    ذلك لأن الشباب الشيعي اللبناني لم يكن في الحقيقة معنياً كثيرا بنظرية ولاية الفقيه وجدواها، فالمشكلة لديه كانت التصدي للغزو البربري الصهيوني الذي يبتلع الأرض والـتأريخ والثقافة.... ولم يجد هؤلاء الشباب الثائرون في جنوب لبنان وبيروت نظاماً سياسياً عربياً أو حركة قومية تقدر على منحهم الدعم الذي يريدون من أجل قيامهم بمهمة مواجهة الصهيونية. لكنهم وجدوا ضالتهم خارج الأرض العربية في إيران حيث كان الخميني يصرح في كل مناسبة أن ولاية الفقيه تعد الصهيونية العالمية سيدة الإستكبار العالمي وعدو المستضعفين... وشيعة لبننان كانوا من المستضعفين ضحية ذلك الإستكبار العالمي الذي احتل أرضهم وسحق قراهم وأحرق التين والزيتون! وهذا يعني أن حزب الله لم يلد لأنه كان يؤمن بولاية الفقيه حقاً كحل لمشاكل الأمة لكنه ولد لأنه أراد حل مشكلة الأمة المهددة في وجودها فوجد ولاية الفقيه تلائم هذا فتبناها.
    فليس الإيمان بولاية الفقيه هو ما ألجأ حزب الله للخميني... بل كون ولاية الفقيه هي الحركة السياسية الوحيدة أنذاك التي جعلت التصدي للمشروع الصهيوني هدفاً.... أي إن حزب الله لم يأت من الإيمان بولاية الفقيه لمواجهة إسرائيل بل الحاجة لمواجهة إسرائيل هي التي ألجأت حزب الله لولاية الفقيه.. وفهم هذه الحقيقة مهم جدا لفهم العلاقة بين الحزب وإيران كدولة.. والفرق بين تلك العلاقة والعلاقة بالفقيه... فحزب الله حزب عربي عروبي وليس فارسياً.. وهذه الحقيقة ينتج عنها تباين في المواقف يضطر الحزب لتجاوزها من أجل القضية الأكبر.
    ومن ذلك العلاقة مع الأحزاب الشيعية في العراق. ففي الوقت الذي تنشط فيه المخابرات الإيرانية في دعم وتحريك هذه الأحزاب، يجد حزب الله حرجاً في إقامة علاقات متينة مع أحزاب شيعية في العراق يقتضي الإنتماء المذهبي التقارب معها لكن العقيدة السياسية التي يؤمن بها الحزب في مناهضة الصهيونية تقضي الإبتعاد عنها لإرتباط تلك الأحزاب الشيعية العراقية بالصهيونية طوعاً وبشكل مباشر وليس عن جهل ولا بالواسطة. ولا يخفى على من تابع ويتابع العلاقة بين حزب الله والأحزاب الشيعية العراقية أن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لم يثمن دور شخصية سياسية واحدة من شيعة العراق في أي خطاب له خلال السنوات العشر الماضية، بل إنه ذهب أبعد من ذلك فتحاشى مقابلة أي من رجالاتهم الذين يزورون لبنان بشكل منتظم بحثاً عن مؤتمر هنا يبيض وجوههم السوداء أو مقابلة تلفاز يظهر فيها ثرثارهم الذي يحسن إستعمال كلمات في جمل غير مفيدة!
    وعلاقة حزب الله مع إيران علاقة معقدة لهذا السبب. وليس من المعقول تبسيطها بعبارت شاملة ولا بتحليل سطحي يستند لحدث ما أو واقعة معينة فهي أعقد من ذلك. فحين يجد حزب الله أن لا حرج في الاقتداء بالفقيه الإيراني القائد وفتاواه وآرائه فهو يستند في ذلك إلى أن الفقيه هو أساس المشروع الذي قام عليه الحزب في أن وجوده كله مرتبط بمحاربة الإستكبار العالمي المتمثل آنياً في دولة إسرائيل. والحزب في هذا مرتبط بالكامل بالفقيه ومن حوله من أجهزة كالحرس الثوري. لكن الحزب غير مرتبطً بالدولة الإيرانية ذلك الإرتباط ويجد نفسه حراً حتى في الإختلاف معها. وقد يجد نفسه يوماً مختلفاً مع الدولة الإيرانية إذا ما سار مشروع المعتدلين كما تسميهم الصهيونية والمتمثل اليوم في رفسنجاني/ روحاني في التصالح مع الولايات المتحدة على سبيل المثال، وإن كان هذا الإحتمال لايبدو ممكناً من الناحية العملية اليوم ما دام الفقيه ممسكاً بزمام الأمور. إلا أن الإحتمال قائم من الناحية النظرية في أن إيران الدولة قد تهادن الصهيونية العالمية يوماً ما إذا ما انتصر تيار المعتدلين فيها.
    و لابد من التوقف قليلاً هنا للرد على التهم التي تكال لحزب الله وإتهامه أنه أجير وتابع لإيران. وهي في الغالب تأتي ممن يقف في التيار المعادي للشيعة، ووجود هذا التيار ليس موضع شك، تماماً كما أن هناك تياراً شيعياً معادياً للسنة. لكن أولاء الذين يوجهون التهمة لحزب الله بالعمالة لإيران لا يجدون حرجاً في تمجيد الدولة العثمانية والولاء لها. وهم في ذلك محقون إذا ما اقتنعوا بأن الإسلام دين أممي وليس فيه لقومية ولاية على قومية أخرى مما يجعل الحكم التركي العثماني مقبولاً ومشروعاً. وبعضهم ذهب أبعد من ذلك فدعى إلى الإقتداء بحزب العدالة الحاكم في تركيا اليوم بسبب جذوره الدينية وإن كان الحزب المذكور متحالفاً مع الصهيونية ومعترفاً بها. فإذا كان الحال كذلك فما هو الضير في أن يكون الخليفة فارسياً أو شيشانياً أو باشتونياً؟ أي أين الخلل في أن يقتدي حزب الله بقائد إسلامي إيراني إذا كان جائزاً الإقتداء بقائد إسلامي تركي؟
    إن ولادة حزب الله كانت حدثاً كبيراً في لبنان. لكن الحدث سرعان ما تجاوز حدود لبنان ليصبح قوة فاعلة في الصراع العربي الصهيوني. فقد انتفع الحزب من تجربة الحرس الثوري الإيراني الذي ساهم في تدريبه وتجهيزه وطور عقيدة عسكرية لم تعرفها لا جيوش العرب ولا حركات التحرر التي عملت في القرن العشرين. وقد كان لهذه المقدرة في تطوير خطط سوق وتعبئة غير معروفة أثراً كبيراً في تغيير قواعد اللعبة من قبل العدو الصهيوني. فقد تعود هذا الأخير أن يعتمد على قوته الجوية الضاربة التي تمكنه من قصف ساحة القتال دون إعتراض من أية قوة مقاومة كي يتمكن بعد ذلك من إرسال قواته البرية وكأنها في نزهة لتأخذ أرضنا بعد أن تكون قوته الجوية قد حيدت دفاعاتنا وشلت قدرات قواتنا المكشوفة دون غطاء جوي. لكن حزب الله خلق قواعد جديدة للقتال لم يستطع العدو الصهيونى التكيف معها حتى اليوم وقد أثبتت حرب التحرير عام 2000 وحرب 2006 هذه الحقيقة. ذلك لأن حرب التحرير الشعبية اصبحت ذات مفهوم جديد لدى حزب الله مما ليس بيد جيش العدو مقدرة على التعامل معها. فسلاح الجو الذي ينفع في ضرب المطارات وقواعد الجيوش الثابتة والكبيرة ليس له أثر كبير ضد مجموعات صغيرة من المقاتلين تتحرك في أنفاق... وسلاح الدبابات الإسرائيلية المتطورة اصبح عاجزاً عن مواجهة صواريخ يحملها صبية بعقول رجال..... لكن الأهم من كل ذلك هو نجاح حزب الله في استخدام الصواريخ التي لا تقل، بل ربما، تزيد خطورة على سلاح الطيران في إيقاع الأذي بالعدو بأقل كلفة مالية وعدم حاجة لتدريب طيارين ومن يسندهم!
    وحيث إن الهدف هنا هو ليس البحث في إمكانية حزب الله على القتال قدر ما هو إثبات إنفراده عن بقية الحركات الدينية في نقل نظرية الجهاد من الشعارات إلى التنفيذ الحقيقي ضد العدو الأوحد للأمة العربية، فإني أكتفي بالقول إن ظاهرة حزب الله كانت وما زالت فريدة فقد غيرت قواعد الصراع.
    وهناك أمر آخر أدخله حزب الله للمشروع القومي العربي. فقد خلق حزب الله حقيقة جديدة في الوقت الذي فشل فيه مشروع البعث في دولتي العراق وسورية تحقيقها، وذلك حين أكد قومية المعركة وتجاوزها للحدود الجغرافية فدخل مع الجيش السوري لمقاومة الإرهاب الصهيوني المتمثل في عصابات القاعدة والنصرة والجربا واللبواني المجاهر بصهيونيته. إن مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية في سورية إلى جانب الجيش السوري لم تؤكد فقط إيمان الحزب بوحدة المعركة والمصير القومي بل إنها ألغت حدود سايكس بيكو، مما أثار حفيظة وإعتراض الصهاينة خارج لبنان وداخله، ذلك لأن الصهيونية تعد حدود سايكس بيكو مقدسة لا يمكن تجاوزها حتى إذا كان من نتاجها جمهورية "البطيخ" اللبنانية.
    إلا أني ما زال لدي، رغم كل تقديري العميق لما قدمه حزب الله ويقدمه من تضحيات ونماذج في التفاني في الدفاع عن الأمة العربية، أكثر من سؤال عن إحتمالات التناقض بين الولاء للمشروع القومي العربي والإصطفاف الإسلامي عامة وليس بالضرورة الشيعي خاصة. وسبب هذا السؤال هو موقف الحزب من "حركة حماس" والتي وجد الحزب نفسه، تماماً كما وجدت إيران نفسها، غير قادر على إتخاذ موقف حاسم منها حين خانت سورية وإنتصرت لحركة الإخوان المسلمين عندما رفعت الأخيرة السلاح ضد الدولة القومية في سورية وساهمت في الحرب الأهلية وخراب سورية. فرغم ان حركة حماس إختارت أن تقف مع عدو لحليف حزب الله المتمثل في الدولة السورية إلا أن الحزب لم يقطع علاقته بحماس بل حتى لم ينتقد سلوكها المشين. وظل يدعم الحركة محتجاً بأن الحركة الإسلامية في جوهرها معادية للصهيونية.
    إلا أن هذا الإزدواج لا يمكن أن يثبت كثيرا أمام الزمن. فالحركات الدينية، ومنها حماس وحزب الله، تقوم على أساس أن الإنتماء الديني هو الأول وهكذا فعلت حماس لأن إلتصاقها بحركة الإخوان المسلمين كان أساساً لها بل هو أسبق حتى على تحرير فلسطين. ذلك لأن هدف المشروع الديني، أياً كان، هو إقامة دولة دينية وليس تحقيق التحرر الإنساني كما نفهمه نحن العلمانيون. لذا فإن قيام دولة دينية في غزة سيكفي حركة حماس لزمن طويل وقد تسكت عن مشروع التحرير إذا كان تحرير فلسطين سيؤدي لدولة فلسطينية علمانية..... وهكذا كان حال الإخوان المسلمين حين حكموا مصر للفترة القصيرة.... فقد زعموا أن مواجهة الصهيونية يمكن أن تؤجل لحين بناء الدولة وأن احترام معاهدات الذل مع العدو ضروري من أجل بناء تلك الدولة...فلا عجب أنهم فشلوا... ذلك لأن عامة الجمهور ليسوا معنيين ببناء دولة الإسلام قدر تطلعهم للتحرر والحرية وحق العمل وضمان التعليم والصحة وحد أدنى من عيش كريم.....
    فأين سيقف حزب الله إذا أمتحن في الخيار في الوقوف مع المشروع القومي العربي أو مع المشروع الفارسي حين تزول سلطة ولايه الفقيه في إيران وتصبح إيران، كما يحق لها، دولة قومية قوية في المنطقة؟

    وللحديث صلة...
    عبد الحق العاني
    12 أيار 2014
    12 رجب 1435
    www.haqalani.com























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de