5/ التغيير بين الدين والعلمانية بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 08:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-31-2013, 06:39 AM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 158

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
5/ التغيير بين الدين والعلمانية بقلم خالد الحاج عبدالمحمود

    بسم الله الرحمن الرحيم
    "إِنَّ and#1649;للَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىand#1648; يُغَيِّرُواand#1759; مَا بِأَنفُسِهِمْ"
    صدق الله العظيم
    التفكير الديني، تفكير توحيدي سلوكي.. وسلوكي هذه، تعني التوحيد محققاً عند الفرد، ومعبراً عنه.. وفق التوحيد الكون وكل ما فيه، يخضع لقانون واحد، هو الإرادة الإلهية.. وهذا هو القانون الطبيعي.. والسببية، تقع في مستويين: مستوى الشريعة ـ الأسباب الظاهرة ـ ومستوى الحقيقة ـ الإرادة الإلهية.. وهذا ما يسمى: وحدة الفاعل، وهو معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، فهي تعني، لا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلا الله.. ووحدة الفاعل هي أساس العمل السلوكي، وكل عبادات الإسلام، ومعاملاته، هي في سبيل التحقق بها.. وهذا التحقق هو الدين، وهو يختلف اختلافاً كبيراً جداً بين الأفراد.. بل كل الإختلاف في مجاله.. فالسببية في الإسلام تقوم على رؤية الفاعلين: الفاعل الحقيقي ـ الله ـ والفاعل المباشر ـ نحن والأسباب.. فيجب ديناً، رؤية الفاعلين معاً، وفي نفس الوقت.. ودور الفاعل المباشر ما هو إلا خلق استعداد المحل لتلقي الإذن الإلهي.. وإذا تم استعداد المحل بصورة كاملة، ولم يصدر الإذن الإلهي، فإن الفعل لا يحدث.. فالإذن الإلهي هو وحده، الذي يحدث به الفعل.. ولكن استعداد المحل مؤشر على أن الإذن الإلهي يوشك أن يحدث.. أما السببية في العلمانية ـ في الظاهر ـ فتتعلق بإعداد المحل ـ السبب المباشر.. وفيها الحتمية تنتفي.. وهذا ما وصل إليه العلم الحديث مؤخراً، وأبعدت الحتمية السببية تماماً.. وأصبحت السببية في العلم: احتمال إحصائي.. فإذا توفرت كل الأسباب، فإن الحدث، يمكن أن يحدث بنسبة إحصائية، وقد لا يحدث، فحدوثه ليس حتمياً، كما كان يُظَن في الفيزياء الكلاسيكية.
    هذا هو أساس الرؤية الدينية: رؤية الفاعلين، مع الاعتبارات التي ذكرناها.. على ضوء هذا المبدأ الأساسي نأتي إلى موضوع التغيير.
    يرى د.القراي، أن التغيير يتم عن طريق السياسة وليس الدين!! وهذا، حسب الفكرة الجمهورية، خطأ أساسي يجعل صاحبه صاحب رؤية علمانية، قاصرة.. يقول القراي في هذا الصددد "الفكرة الجمهورية أساساً جاية كحركة تغيير.. صحيح وسيلتها للتغير قائمة على قاعدة دينية.. لكن التغيير في حد نفسو ما بتم بصورة دينية.. بتم بصورة سياسية".. هذا يعطينا مفتاح تفكير د.القراي.. ولنرى تطبيق هذا على البيان، بالنسبة للقراي، وبالطبع بالنسبة للآخرين من جماعة البيان.
    في مناقشته موضوع البيان، وتبرير دعوته لفصل الدين عن الدولة، يقول د.القراي: "وأنت تتحدث للناس ما يجب أن يحدث إذا سقط هذا النظام الآن، ليس لديك إلا أن تدعو إلى أحد الخيارات التالية:
    1/ حكومة دينية تقوم على الفهم السلفي.
    2/ حكومة مدنية تقوم على فصل الدين عن الدولة.
    3/ حكومة تقوم على الفكرة الجمهورية.
    الخيار الأول مرفوض بطبيعة الحال.. والخيار الأخير غير ممكن، لأن الجمهوريين ليسوا أغلبية ولا يحق لهم أن يحكموا إلا إذا كانوا أغلبية، فلم يتبق غير الخيار الثاني، وهو ما دعوت إليه وربطته بالمنابر الحرة حتى تتم التوعية بالفكرة وتتحقق الأغلبية التي تمكن الجمهوريين من الحكم".. هذا قول، بصورة مبدئية، وأساسية لا يقوم على تفكير ديني، وإنما على تفكير علماني.. وهذه هي المشكلة عند القراي وصحبه.
    من حيث المبدأ:
    1/ خياراتنا لا تنبني على ما هو متوقع، بعد سقوط النظام، وإنما هي تنبني على الحق والخير، وما ينفع الناس.. وخيارنا هو قائم الآن، وفي كل آن، ولا يتغير لاعتبار احتمالات سياسية.. فخيارنا هو الإسلام كما تدعو له الفكرة الجمهورية، الآن، وفي كل آن.. فنحن لا ندعو لخيار غيرها، لآنها هي وحدها، عندنا الحق، وما ينفع الناس.. فالخيارات الأخرى مرفوضة إبتداءً، وبصورة مبدئية، لا علاقة لها بما يحدث بعد سقوط الإنقاذ.
    2/ خيارنا بصورة مبدئية، لا علاقة له بتحقيق الأغلبية التي تمكن الجمهوريين من الحكم، كما يقول د.القراي.. نحن أساساً، لا نسعى لتحقيق الأغلبية، ولهذا الغرض.. والكثرة العددية، كما قال الأستاذ مراراً، ليس في اعتبارنا.
    فإذا سقط نظام الإنقاذ اليوم، ليس لي إلا أن أدعو للفكرة الجمهورية، كدين، وليس كسياسة تطلب السلطة.. طلب السلطة، باسم الفكرة، غير وارد تماماً في الفكرة، ولم يحدث على الإطلاق أن كان هذا هو المسعى.. طوال وجود الأستاذ بيننا، لم يحدث أن عمل له.. وحكم السودان على أساس الإسلام، كما تدعو له الفكرة، لن يحدث إلا بعد إذن التطبيق، وحتى بعد ذلك، ليس بالضرورة أن يكون الجمهوريون حكاماً.. فتصور القراي المطروح يجعل الغاية هي أن يكون الجمهوريون أغلبية، تملك الحق أن تحكم.. وهذا هو تفكير الإسلام السياسي، وليس تفكير الفكرة.. فالقراي وصحبه، لا يختلفون عن الاخوان المسلمين في شئ، في هذا الصدد.. فجميعهم إسلام سياسي، يقوم على العلمانية، ويرفع شعارات الدين!! وإذا أصبح جميع السودانيين جمهوريين، فإن الفكرة لن تحكم، ما لم يأت الإذن والمأذون.. هذا هو الشرط الوحيد، لأن تحكم مبادئ الإسلام التي تدعو لها الفكرة.. وقبل هذا، أي حكم باسم الفكرة هو عمل سياسي، لا علاقة له بالدين ـ راجع رؤية الفاعلين.. فهذا الشرط الوحيد، هو ما غيَّبه أصحاب البيان!! فمبدئياً، التفكير من خلال الوصول إلى السلطة، إنحراف عن الفكرة.. كجمهوري، ليس لي أن أدعو لغير الفكرة الجمهورية، ودعوتي هذه ليست لها أي علاقة بسقوط النظام أو عدم سقوطه.
    وقول القراي: "والخيار الأخير غير ممكن لأن الجمهوريين ليسوا أغلبية، ولا يحق لهم أن يحكموا إلا إذا كانوا أغلبية"، هذا القول، من المنظور الديني، منظور الفكرة، شديد الخطأ، فهو يجعل الفكرة متعلقة بالجمهوريين، وهذا بعيد عن الحق، تماماً، فليس لنا من الأمر شئ.. ما يجب أن يحدث إذا سقط نظام الإنقاذ، بالنسبة لي، هو أن أدعو للفكرة، ولا شئ غيرها، فهي وحدها عندي الحق، والدعوة إلى غيرها باطل.. وإنتصار الفكرة، عندي ممكن في أي لحظة، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بسقوط الإنقاذ.. علاقته فقط بالإذن الإلهي.. ثم موضوع الفكرة ليس موضوعاً للسودان فحسب، حتى نربطه بالإنقاذ، هو موضوع يتعلق بالأرض جميعها.. هو موضوع تحوُّل حضاري.. بل هو أكبر تحوُّل حضاري، مذ أن كانت الحضارات.. هو موضوع أمة المسلمين، وبلوغ البشرية مرحلة الإنسانية.. هو ساعة التعمير، وتحقيق جنة الأرض في الأرض، وتحقيق السلام الشامل.. إلى آخر هذه التصورات العظيمة التي جاءت بها الفكرة.. جعل القراي من الجمهوريين مجرد حزب سياسي، كبقية الأحزاب، يطلب أن يسقط نظام الإنقاذ، لتقوم المنابر الحرة ليصل إلى السلطة، عن طريق إقناع الأغلبية ببرنامجه، وهو وصحبه يتصورون أن هذا هو الطريق القصير.. وهو أساساً ليس بطريق، لأنه خطأ إبتداءً، ولن يوصل إلى أي شئ.. هو مجرد وهم، لا يقود إلا للخيبة والخذلان.
    أصحاب البيان، في الواقع، يرون "الوقت" بعيداً، ويستعجلون الأمر، فيتركون أمر الله، ويبنون على أمرهم هم.. هذا على أحسن الأحوال، وإلا فإن د.النعيم، لا ينتظر أي وقت، والأمر كله عنده يقوم على مبدأ أساسي، هو الدولة الدينية، خطأ في المفهوم، ولن تقوم جاء المسيح أم لم يجئ.
    البيان يتحدث عن المنابر الحرة، وأصحابه عموماً، كثيرو الحديث عن هذه المنابر الحرة، وهي عندهم شرط أساسي، من شروط إنتصار الفكرة.. وفي الواقع المنابر الحرة قائمة اليوم.. ومن المستحيل في يومنا هذا حجبها تماماً.. فكتابة أصحاب البيان هذه، في هذا الموقع، وفي المواقع السودانية المختلفة هي من المنابر الحرة، ويستطيع من شاء من أهل السودان أن يطلع عليها.. فغياب المنابر الحرة، ليس إلا غياباً جزئياً، وفي السودان فقط، والفكرة للعالم أجمع.. وقد مضى على الناس وقت طويل، والجمهوريون يخاطبونهم بالفكرة، في مختلف أنحاء السودان، وبالوسائل المختلفة.. وقد كان الأستاذ محمود، يقضي وقتاً في طواف قد يزيد عن الشهر، يحاضر في أنحاء السودان المختلفة، ويقول لنا، أن كل هذا العمل من أجل شخص واحد!! وكان عندما يشعر أن العددَ، قد ازداد، يوقف العمل الخارجي، ويقول أن العدد قد كثر، والخوف أن يزداد العدد، والنواة لم تقو، فيعتبروا الفكرة سياسة، فينحرفوا بها، عن طريق الأغلبية الميكانيكية.. وإذا ذهبت الإنقاذ، وجاءت المنابر الحرة التي تريدونها، ماذا تقدمون فيها!؟ أليس هو فكركم هذا الذي تقدمونه الآن!؟ ما تقدمونه ليس الفكرة.. ويكفي في التدليل على مدى بعده، أنكم تتحالفون مع أكبر من شوَّه الفكرة، وانصرف عنها، ويعمل على صرف الناس عنها، ولا يقدم أي بديل.. بل في الواقع النعيم لم يأت إليكم، وإنما أنتم من ذهب إليه، وتبنى دعوته العلمانية.. ومن تبنى دعوة النعيم، من المستحيل أن تكون علاقته بالفكرة الجمهورية، وبالدين عامة، إلا علاقة سلبية، ضعيفة وضحلة، ولا تصمد لأي نقاش موضوعي.. فالمنابر الحرة، لا تخدم غرضكم في شئ، حتى في مستوى السياسة، والعمل على الوصول إلى السلطة.
    استمرار نظام الإنقاذ أو تغييره، أو تغيير الأحداث عموماً، هو من حضرة الشئون، وهي حضرة تقتضي منا أن نكون معه دائماً، في أدب عبودية، نعمل فيه على أن نسمع منه تعالى، ونعي، ونتأدب بأدب العبودية الذي يليق بكمال ربوبيته، فلا نتقدمه، ولا نعترض عليه، ولا نستبطئ أمره، ولا نستعجله.. نحاول دائماً أن نعرف من حكمته، ما يعيننا على أن نرضى به رباً.. هذا هو أدب العبودية، وهو الدين، وهو الفكرة.. وهو ثابت من حيث المبدأ، سرمداً، لا تحول فيه إلا في التحقيق صعوداً، وهبوطاً.. وكل عمل في العبادات، وفي المعاملات، هو وسيلة إليه.. فالربوبية هي الثابت الوجودي الوحيد.. والعبودية هي الثابت السلوكي.. وتغير الأحداث، وتلونها، لا يغير من أي منهما، أي شئ، ولا يمكن له أن يخرج من إطارهما.. وما في الحياد عن أدب العبودية إلا الضلال والتيه.. وتحقيق كل من حقق، يقع في هذا المجال، وتقصير كل من قصر، يقع في هذا المجال.. فالثبات على المبدأ ـ الفكرة ـ لا ينبغي أن يتأثر بالمتغيرات، لأن الحقيقة ثابتة، والذي يتغير هو تجليها ـ مظهرها.. هو حضرة الشئون.. ومن المستحيل أن تتم قراءة الواقع، القراءة الصحيحة، مع إبعاد الفاعل الحقيقي.. وهذا المستحيل، هو ما يقوم به أصحاب البيان في بيانهم.. فهم في بيانهم هذا، علمانيون أكثر مما يتصورون بكثير جداً.. وعلمانيتهم، ليست هي مجرد فصل الدين عن الدولة، هذا هو المظهر منها فقط.. أما حقيقتها فهي اختيارهم، وتفضيلهم أمر أنفسهم ، على أمر الله.
    هم حددوا لله، ثلاثة خيارات، زعموا أن الأمر لا يخرج عنها.. ونسوا أن يضعوا "أمره"، ضمن هذه الخيارات.. وحتى في خياراتهم هم غيَّبوا صاحب الأمر، وظلوا مع ظاهر الأمر!! الخيارات في الحقيقة هي: أن ترى الشأن وصاحب الشأن، في وقت واحد.. أو ترى صاحب الشأن وتفنى عن رؤية الشأن.. أو ترى الشأن وتفنى عن صاحب الشأن.. والأول وحده هو الصحيح.. وهم اختاروا الثالث، وهو الأشد خطئا، ومفارقة لمعايير الدين.
    حتى بالنسبة للشريعة، خيارات د.القراي الثلاثة فيها نظر.. فالخيار الأول "حكومة دينية تقوم على الفهم السلفي"، ليس خياراً لما يحدث إذا سقط نظام الإنقاذ.. لأنه الإنقاذ نفسها!! فإذا تغير نظام الإنقاذ بنظام سلفي، لا يكون التغيير قد حدث إلا في الإسم.. ففي هذه الحال "الحكم السلفي" مستمر، باسم آخر.. فما ينبغي وضع هذا الخيار، ضمن الخيارات، لما بعد الإنقاذ.. نظرياً، يمكن أن يتم استبدال نظام الإنقاذ بنظام يقوم على الفهم السلفي، وهذا لن يكون تغييراً للنظام.. ولكن القراءة السياسية، التي تقوم على الظاهر، تستبعد هذا الخيار.. بل أن القراءة السياسية، للواقع السياسي والتاريخي، يمكن أن ترى بوضوح أن المرحلة القادمة، هي مرحلة انتهاء عهد الاخوان المسلمين، والإسلام السياسي، فهو قد استنفذ فرصته التاريخية، وأصبح التحول منه يجري في كل مكان.. ففي تقديري أن التحول الأساسي، عن الإسلام السياسي، جرى في مصر.. فقد استطاع الشعب المصري، أن يختصر تجربة حكم الاخوان إلى عام واحد، رغم الضغوط الأمريكية.. وقد اتجه راشد الغنوشي وجماعته في تونس، إلى طمأنة الغرب، بالسير في ركابه، ولم يستقر نظامه، ومن الواضح أنه في طريقه إلى أن يلقى المصير الذي لقيه اخوانهم في مصر.. وفي تقديري أن تجربة الاخوان في السودان هي الأهم، وذلك لأنهم وجدوا الفرصة الكاملة، لممارسة الحكم، فحكموا ربع قرن، ثم فشلوا، بصورة أقنعت حتى الكثير من كوادرهم القيادية، بضرورة عدم استغلال الدين لأغراض السياسة.. وتمكن الاخوان في السودان، من الخروج من عقول وقلوب الشعب السوداني، بكفاءة عالية، وبذلك كتبوا كتابهم بأنفسهم، كما وُعِدنا.. وفي تقديري، أن تجربة السودان هي ستكون آخر تجربة لهم في العالم، وسيكون الشعب السوداني قد فدى شعوب العالم الإسلامي.. على كلٍ، أي قراءة دقيقة، وموضوعية للواقع، لا بد أن تؤكد أن تجربة الإسلام السياسي تحتضر، وأن الشعوب قد تحصنت ضدها، بالوعي الناتج عن التجربة، بصورة تجعل من شبه المستحيل تكرارها، في أي مكان من العالم الإسلامي.
    إذا كانت المسألة مجرد رص احتمالات، فهنالك احتمال رابع، هو أن يعلن نظام الإنقاذ نفسه، أنه تحول إلى الدولة المدنية، وهو احتمال من حيث التنظير، غير بعيد، وإذا حدث لا يكون هنالك أي تغيير في نظام الإنقاذ!! فالعبرة ليست بالمسميات، ولا الشعارات.
    والهوس الديني، أو الإسلام السياسي، بالمعايير الحضارية، لا يساوي شيئاً، لا في إيجابياته، ولا في سلبياته.. أساساً هو عبارة عن ورم صغير جداً، في جزء صغير من العالم.. وليس له، ولا للمكان الذي يهدده، أي دور، مؤثر في الحضارة، لا سلبياً ولا إيجابياً.. خطر الجريمة المنظمة، أكبر من خطر الاخوان المسلمين، على العالم، بكثير جداً.. فهي تطال مناطق، لا يمكن أن يطالوها، إلا لماماً، وهي تملك إمكانية الإستمرارية، بأكثر مما يملكون بكثير جداً.. تصوير الاخوان المسلمين، وكأنهم مشكلة الحضارة الأساسية، هذه مبالغة لا معنى لها ولا قيمة لها، وتدل دلالة قوية، على خلل أساسي في قراءة الواقع، خصوصاً أنها تأتي في وقت إنحسار دور الإخوان المسلمين.
    كانت الماركسية، بالنسبة لنا، هي الخطر المباشر، وقد انتهى هذا الخطر.. وتليها الطائفية، وهي خطر محلي، وقد انتهى.. ثم الهوس الديني، وهو خطر إقليمي، وهو في عداد المنتهي.. فمن العبث أن نشغل أنفسنا، في الوقت الحاضر، بمواجهة الماركسية، مع أن الماركسية، بما لها من الفكر، تملك امكانية العودة، أكثر من الطائفية والهوس الديني.
    والبيان يتحدث عما بعد نظام الإنقاذ، وهو مسكون بالخوف من نظام الإنقاذ، إلى الحد الذي فيه يتخلى عن دعوته، ويتبنى العلمانية، خوفاً من خطر النظام الزائل بحجة أن الباطل العريان أفضل من الباطل الذي يلبس لبوس الإسلام!! هل يمكن أن يكون هذا تفكير!؟ داعية الحق، لا يدعو للباطل، سواء أكان عرياناً، أو غير عريان، وهذه بداهة!! ثم إن الاخوان، والهوس الديني أصبحا باطلاً عرياناً.. وهذه هي حكمة التجربة.. فقد انكشف عنهما لباس الدين الذي كانوا يستترون به، وانفضح عريهما، لكل الشعب السوداني.. فحتى الاخوان المسلمين اليوم، بل وحتى القياديين منهم، أصبح واضحاً لهم أن كرت إستغلال الدين، أصبح كرتاً محروقاً، ولا يجدي بعد اليوم.. وهذه من حكمة التجربة.. أصبح من يدعي الدين، في مجال العمل السياسي، متهم سلفاً، بالخداع والتضليل.. بحكم المرارة التي مر بها الشعب السوداني، علينا أن نتوقع أنه حتى الدين الحق، سيكون مرفوضاً عند الشعب السوداني، إبتداءً.. فكل دعاة الدين، في مجال السياسة، أو حتى بصورة عامة، سيكونون كلهم عند الشعب كذابين، ولصوصاً، يتاجرون بالدين!! وهذا أمر إيجابي، وهام، لتمحيص الشعب، وتمحيص الدعاة.
    بعد الإنقاذ، من الصعب جداً، بل ربما من المستحيل، أن يضلل الشعب باسم الإسلام.. نظرياً، يمكن أن تكرر التجربة نفسها، هذا في حالة أنها لم تورث الحكمة المطلوبة، ولكن الواضح جداً أنها أورثت هذه الحكمة.
    بفشل تجربة مرسي في مصر، فشلت الولايات المتحدة في تحقيق مشروعها، الذي كانت تخطط له عن طريق إستغلال جماعة الأخوان.. وهذا فشل هام جداً.. وفقدت إسرائيل فرصة، لا مجال لأن تتوفر لها بعد ذلك.. على الرغم أن التحالف بين الولايات المتحدة، وما سمي بالتنظيم العالمي للأخوان المسلمين، كان تحت غطاء العدو المشترك ـ الشيوعية ـ إلا أنه بعد أفغانستان، وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي، وسقوط العدو المشترك، استمر الحال إلى اليوم.. ولكن بعد فشل تجربة مصر، من المستبعد أن يستمر التحالف، وسيصبح كرت الأخوان المسلمين، كرتاً محروقاً بالنسبة للأمريكان.. ولكن قد تتحول العديد من كوادر الأخوان، إلى لعب دور حصان طروادة وهو الدور الذي يلعبه النعيم الآن.. وستجدون الكثير منهم، دعاة للدولة المدنية.. بل هؤلاء الآن موجودون!!
    سوف ينتهي نظام الإنقاذ في السودان، بانتهاء حكمة قيامه.. والآن تم إستنفاذ هذه الحكمة ولم يعد أمامهم إلا أن يذهبوا.. وإذا أراد الله شيئاً، هيأ له الأسباب.. وقد تهيأت هذه الأسباب، لذهابهم، بصورة جلية.. وأوضح ما يكون ذلك في الصراع الداخلي، في الجماعة، وظهور مراكز القوى، والأزمة الإقتصادية الطاحنة التي يمر بها النظام، وهذا هو السبب الأهم.. وفقد كل سند خارجي للنظام، بالإضافة للرفض الجماهيري والمقاومة المسلحة.. وكل هذه العوامل تتكامل.. والسبب الأساسي عندنا هو أن النظام استنفد حكمة دخوله.
    ولما أصبح أصحاب البيان، ككثيرين غيرهم، يشعرون بقرب ذهاب النظام، أخرجوا بيانهم، كاستباق لسقوط النظام، ليقولوا عند سقوطه، إننا ساهمنا في هذا السقوط.. وهي مشاركة قامت على إصدار بيان، وبعد ربع قرن، ومن على البعد ـ خارج السودان.. وأصحابها يتحصنون بالجوازات الأجنبية، خصوصاً الأمريكية ـ ما عدا القراي.. فما أعظمها من مشاركة!! وما أعظمه من ثمن!! إذ يقوم على التضحية بالمبدأ، وتجميل صورة النعيم، وتقديم النعيم كأحد المنقذين!! وتقديم النعيم بهذه الصورة، يعني، فيما يعني، تبني القيم الأمريكية، وإعطاء السودان، أولوية، وأسبقية، في أن يكون تابعاً للولايات المتحدة.
    موضوع آخر، يؤكد محورية السياسة يقول د.القراي: "هناك سؤال يقوم في بال القارئ لما سلف من القول، هو: هل أدعو حركات الإصلاح المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني ليصبحوا جمهوريين!؟ الجواب: نعم!! ولكن ليس الآن، وإنما أدعوهم الآن أن يواصلوا إصلاحهم، بالنظر إلى الفكر الإسلامي، وينفتحوا بعقولهم وقلوبهم، على مختلف الأفكار والإجتهادات، ويسعوا للحوار الموضوعي، مع كافة خصومهم الفكريين، فأن فعلوا ذلك ستكون عاقبة أمرهم خير.. فلقد جاء في إهداء كتاب (طريق محمد) للأستاذ محمود محمد طه: (إلى الراغبين في الله وهم يعلمون والراغبين عن الله وهم لا يعلمون.. فما من الله بد"!!.
    القراي عنده أمر الدعوة للفكرة أمر يمكن أن يؤجل، فقد قال في الإجابة على السؤال: هل يدعوهم للفكرة؟ "نعم!! ولكن ليس الآن".. فهو صاحب دعوة أخرى، غير الفكرة، ومقدمة عليها، هي ما قال عنه: "وإنما أدعوهم الآن أن يواصلوا إصلاحهم ...إلخ".. أمر الله دائماً مؤجل وغيره مقدم!! من أدراك أنك تعيش حتى يقوموا بما تدعوهم له، لتدعوهم بعد ذلك للفكرة!؟ ومن أدراك أنهم هم سيعيشون!؟ وهل هذا الذي تقدمه على الفكرة، فيه خير، غير متوفر في الفكرة!؟ القول بأنهم لا يستجيبون هذا قول باطل.. لا أحد منا يعلم من يستجيب ومن لا يستجيب، وإنما واجبنا المباشر هو أن ندعو، والله تعالى هو الهادي.. وقد يكون من نظن أنه لا يستجيب، هو عند الله أقرب للاستجابة، وقد ينصلح بصورة يتقدم فيها علينا، فليس لنا من الأمر شئ.. فقط علينا أن نعمل شريعتنا، والأمر لله يهدي من يشاء.
    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 30/12/2013م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de