نحو اصلاح دينى اسلامى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 08:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-30-2004, 04:33 AM

شمس الدين الأمين ضوالبيت


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نحو اصلاح دينى اسلامى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    نحو اصلاح دينى اسلامى
    منهج الكتاب و الحكمة: قراءة علمية للأصول الإسلامية

    1. مقدمة
    من بين كل أشكال الإجتهاد الإسلامي في تطبيق النصوص يقف إجتهاد عمر بن الخطاب نسيج وحده. فهو ليس اجتهادا فيما هو ظني الثبوت, أو ظني الدلالة, أو ظني الدلالة والثبوت من النصوص, فحسب, بل هو أيضاً اجتهاد فيما هو قطعي الدلالة والثبوت. وهو لا يقف عند حدود الفهم والاستنباط والتفريع والترجيح والتبرير للأحكام المستنبطة من النصوص قطعية الدلالة والثبوت, كما درج علي ذلك السلفيون من بعده حتى يومنا هذا , وإنما يتعدى ذلك الي تغيير أو تجاوز أو استبدال هذه الأحكام.

    وتزخر كتب التراث بأمثلة كثيرة علي هذا النوع من الاجتهاد, منها: أن جماعة من العرب أظهروا الإسلام "وكانوا سادة في قومهم, فجعل الله لهم سهما في الصدقات, وأمر النبي أن يعطيهم هذه السهم تألفاً لقلوبهم في قوله تعالي:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ".(60التوبة). وكان الرسول ومن بعده أبو بكر قد أعطوهم من الفيء ومن الزكاة. فلما استُخلف عمر قال لهم: ( إن الله أعز الإسلام واغني عنكم). ثم منع هذه الطائفة كلها ما كان لها من نصيب في الزكاة وجعلها لغيرها من المسلمين(1) . وتجاوز بذلك حكما لنص قرآني قطعي الدلالة والثبوت.

    كذلك كانت السنة النبوية التي لم يخالفها أو يجتهد معها أحد علي عهد الرسول وخلال عهد الصديق تقضي بتوزيع أربعة أخماس الأرض المفتوحة علي مقاتلة جيش الفتح, عملا بقوله تعالي:" واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل".(41 الأنفال). وكان ذلك قانونا متبعا منذ فتح خيبر وتوزيع غنائمها (سنة 7هجرية). غير أن عمر ابن الخطاب رأي أن (علة الحكم) التي اقتضت التوزيع عند فتح خيبر قد تغيرت أمام وضع هذا الفتح الجديد, وانضمام هذه البلاد الجديدة إلى ديار الإسلام, بكل ما يتطلبه ذلك من حسن إدارة مواردها الاقتصادية لمصلحة أهلها المقيمين عليها, الذين سيصبحون الآن ثغراً من ثغور المسلمين ,ولمصلحة الفاتحين لها علي تعاقب أجيالهم(2).
    لذلك رفض عمر توزيع الفيء علي المقاتلة, وترك الأرض لأهلها, واستبدل الفيء بالخراج والجزية. كما أقر سياسة عمرو بن العاص حين حبس خراج مصر وجزيتها وصرف منها علي إصلاح القنوات والطرق وما شابه ذلك. فهنا أيضا يستبدل عمر حكما لنص قطعي الدلالة والثبوت بحكم آخر لأن (علة الحكم) قد تغيرت مع الزمن.

    أيضا كانت الجزية قانونا قائما وحكما ثابتا علي الكتابيين الذين يطيقون حمل السلاح لقوله تعالي:" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرمّ الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" ( 29التوبة". ولكن عندما أراد عمر أخذ الجزية من نصارى بني تغلب, قيل له: "انهم عرب وقد أعلنوا نفورهم من دفع الجزية وألمحوا إلى أن فرضها عليهم سيغير من ولائهم الذي محضوه للدولة " فقبل عمر حجتهم واسقط عنهم الجزية(3).

    وهناك أمثلة أخري عديدة لمسائل واجتهادات مماثلةٍ مشهورة, من بينها تعطيله لحد السرقة في عام الرمادة, عندما تفشت المجاعة والقحط في الجزيرة العربية. وإحجامه عن تطبيق حد السرقة أيضاً علي غلمان لحاطب بن بلتعة سرقوا ناقة لرجل(4) , ولم يطبق حد الزنا علي إمراة زنت لأنها اضطرت إليه اضطرارا(5) , هذا علي الرغم من ثبوت حدي السرقة والزنا بنصوص قطعية ثابتة.

    2. منهج عمر بن الخطاب
    ويكفي ما أوردناه من الأمثلة لكي يوضح أن مجمل المنهج الذي انتهجه عمر بن الخطاب وبه جاءت اجتهاداته موفقه وصائبة, وموافقة لمصلحة الجماعة وروح الدين, كان نتيجة لأنه " يؤمن بأن الإسلام روح وعقيدة, وأن الإنسان لا يكمل إيمانه حتى يدرك الروح الذي أوحى الله بها دين الحق إلى رسوله"(6). لذلك كان عمر يطبق أحكام القرآن بالروح التي نزلت بها,"فإذا ثبتت عنده سنة من رسول الله من قول أو فعل, عرف مناسبة هذه السنة ليكون دقيقا في الأخذ بها, فقد كان يسترشد بالروح لا بالحرف في ما يعرض. وكان لعظيم إيمانه ولشدة امتثاله تعاليم رسول الله , جريئا في الاجتهاد, وإن خالف ظاهر النص"(7). ولم يكن عمر يفعل ذلك إلا لأنه كان يعلم أن أحوال الجماعة تتغير بتغير الزمان والمكان, بينما تبقي الحروف (أو نصوص الأحكام) ثابتة لا تتغير بعد اكتمال نزول القرآن. لذلك كان "إذا ورد نص لم يبق من أحوال الجماعة ما يقتضي تطبيقه لم يطبقه, وإذا اقتضت أحوال المجتمع تأويل النص أوله"( ,حريصا في هذا وذاك علي ملاءمة الحكم لأحوال المجتمع وظروف القضية, حتى إنه كانت "تعرض عليه القضية يفتي فيها, وبعد حين تعرض عليه قضية مماثلة فيفتي فيها فتوى مغايرة. فإذا سئل عن سر هذا التفاوت قال( ذلك علي ما قضينا, وهذا علي ما نقضي), لان ظروف القضيتين مختلفة وان تماثلت الوقائع"(9). فهو كان يراعي من جانب أحوال المجتمع وظروف القضايا المتغيرة والمتبدلة, مع حرصه من جانب آخر علي ان يتسق الحكم مع روح المبادئ والتعاليم المحمدية السليمة(10).

    فمنهج عمر كان يتضمن عنصرين: أولهما أن للإحكام (روحا) تظل باقية وإن تغير الحكم نفسه, وهذا ما اسماه الشاطبي مقاصد الشريعة(11) ويسميها آخرون حكمة النص, وليس بينهما اختلاف لان الحكمة هي " حقيقة القرآن(12) , أي روحه. وثانيهما إقراره بأن أحوال الجماعة يصيبها التغيير والتبدل مع تغير الظروف والأوضاع والأزمان. وليس هذا العنصر الأخير الا المبدأ العلمي المعروف بالتاريخية, والذي يُعني بدراسة التغييرات التي تصيب البني والمؤسسات والمفاهيم من خلال تطور المجتمعات عبر الأزمان وتعاقب السنوات(13).

    ولقد أفاد الباحثون المعاصرون في العالم الإسلامي من جملة المعارف الإنسانية في التاريخ وعلم الاجتماع والألسنيات والأديان المقارنة, ومن تراكم المادة التاريخية عبر القرون,وأفاضوا في البرهنة علي تاريخية النصوص الدينية الإسلامية(14). وأقاموا الدليل علي أن معظم أحكام الشريعة جاءت كإجابات قرآنية علي أسئلة واقعية طرحها القوم آنذاك, وعلي أن علم أسباب النزول الذي هو ارتباط النصوص والحاجات المثارة في المجتمع بالواقع, وعلم الناسخ والمنسوخ الذي هو تغيير الأحكام لتغير الظروف والملابسات, ما هي إلا تجليات لتاريخية المفاهيم التي تطرحها النصوص من خلال منطوقها (15). كما أبانوا الآليات التي قادت إلى إخفاء مفهوم تاريخية النصوص في التراث, وهي " طبيعة القراءة المحكومة بجدلية الإخفاء والكشف, إخفاء كل ما هو ليس بجوهري للقراءة (وهو ما يشير هنا إلى الزمان والمكان إشارة لا تقبل التأويل), وتكشف ما هو جوهري لها بالتأويل "(16), وأن كل نشاط فكري كتابي أو شفاهي يؤدي لا محالة إذا امتد وطال إلى التخلي عن مجال أو مجالات تصبح مما لا يمكن التفكير فيه( 17).

    وقد أثبت الباحثون أيضاً أن الأزمة العميقة التي يمر بها الفكر السلفي والمجتمعات الإسلامية هي انعكاس للاعلميتها في ما يتعلق بنظرتها للتراث، والتي انعكست بدورها علي مجمل مناحي الحياة. ذلك أن موقف الفكر السلفي وهذه المجتمعات " يدور علي رفض التاريخية كبعد من أبعاد كل ما يطرأ علي الوجود الإنساني ,وكل ما يبنيه الإنسان في هذه الدنيا"(1. فالمبدأ العلمي المحوري الذي يحكم عصرنا هذا هو النظر لكل شيء بما في ذلك الكائنات الحية علي اختلافها, والمجموعات البشرية, والكون بما هو وجود شامل ليس علي أنها جوهر ثاتب دائم, بل علي انه تاريخ , أي سلسلة من اللحظات, لكل لحظة منها حالة متميزة بصفاتها.

    وإذا كان من المعقول أن الباحثين المسلمين المعاصرين قد توصلوا لما توصلوا اليه من نتائج بعد ما توفر لهم ن وسائل ومناهج للبحث, فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ولكن من أين لعمر بن الخطاب بهذا المنهج والمبدأ الحاكم, الذي أصبح اليوم هو أسلوب النظر ومنهج البحث في العلوم الطبيعية والإنسانية معاً ؟

    فبعيد جدا أن يكون إجتهاد عمر من غير فهم للقرآن, وهو ما كان عليه من نصيب عظيم في العلم ورجاحة الرأي, الذي أيد بعضه القرآن , وأقر بعضه الرسول وأعجب به حتى كان يقول(ص): "جعل الله الحق علي لسان عمر وقلبه"(19). كما أن القرآن نزل وفق إحساس العرب الدقيق بلغتهم, ووفق عاداتهم الاجتماعية السائدة. ومن أشهر ما يروي في التدليل علي ذلك ما فسروا به عدم بدء سورة التوبة بالبسملة, كما تبدأ جميع سور القرآن. فقالوا إن العربي كان عندما يريد أن ينهي عهدا بينه وبين آخرين كان يرتفع علي نشر من الأرض ويبدأ حديثه مباشرة بما جاء به, لا يبدأ بتحية ولا بمقدمة ولا بسلام, ولا يأتي بشيء آخر مما كان يأتي به في المناسبات الأخرى, إنما كان يقول " يابني فلان أنني رددت إليكم عهدكم". وهكذا فعل القرآن الكريم. فانه, من غير بسملة, قال: " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين" ((1) التوبة).

    وما كان عمر بن الخطاب ليتجرأ علي الله وهو ما أخبرتنا به كتب التراث من التقوى, ومخافة الله وقوة الإيمان, حتى " أنك إذا أردت أن تبصره يرتجف كعصفور احتواه إعصار.. فليس عليك إلا أن تقول له: ألا تتقي الله يا عمر" (20). وهو الذي لطالما كان يدعو ابا موسى الاشعري ليتلو عليه بصوته العذب المؤثر آيات من القرآن العظيم, وهو يقول له : ذكرنا ربنا, يا أبا موسى " فيقرأ أبو موسى ويبكي عمر (21) . وهو الذي من شدة غيرته علي القرآن الكريم أمتنع عن جمع الحديث النبوي " وحبس ثلاثة" من كبار الصحابة لانهم أكثروا من الحديث عن رسول الله , وذلك حتى لا ينكب الناس علي الحديث ويتركوا كتاب الله (22).
    إذن لم يكن عمر ليتخذ منهجا يتجاوز, ويغير, ويستبدل أحكاما لنصوص قرآنية قطعية الدلالة والثبوت, إلا إذا كان ذلك المنهج هو عين المنهج الذي جاءت به البعثة المحمدية والقرآن نفسه,

    3.منهج الكتاب والحكمة

    والحقيقة إن إمعان النظر في المعاني والمهام التي وردت مقترنة بالبعثة المحمدية, في القرآن الكريم, يكشف عن منهج تشريعي يحمل نفس معالم المنهج الذي سار عليه عمر في اجتهاده.

    ففي سورة البقرة يدعو إبراهيم عليه السلام لذريته قائلا:" ربنا واجعل فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " (129 البقرة).
    ثم يذكر القرآن العرب بتلك النعمة في آيتين من سورة البقرة: " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا " (151 البقرة), "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا. واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا ان الله بكل شيء عليم" (231 البقرة). ويتكرر هذا التذكير في سورة آل عمران: " لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وأن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" (169آل عمران). وفي سورة الجمعة: " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين "
    (2 الجمعة). ويخاطب القرآن الرسول: " ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما" (113 النساء).

    ويلاحظ علي هذه الآيات جميعا أنها تردد لفظ " الكتاب والحكمة " متصلا بالبعثة المحمدية وواصفا لأحد مهامها, قائلة أن محمدا (ص) إنما بُعث ليعلم قومه " الكتاب والحكمة", مستخدمة لفظي الكتاب والحكمة مقترنين في جميع هذه الآيات, مما يعني أن المعني المقصود لا يقتصر علي المعاني المفردة لأي منهما وإنما هو معني اصطلاحي محدد، يماثل، على سبيل المثال، استخدام القرآن لمصطلح "يوم الدين"، فهو لا يقتصر علي المعاني المفردة للألفاظ المكونة له وإنما يحمل معني اصطلاحيا محددا هو "القيامة. " كما أن " الكتاب والحكمة " ليست هي القرآن الكريم, لقوله تعالي مخاطبا عيسي ابن مريم : " يا عيسي ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلي والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" (115المائدة). فالكتاب والحكمة ليست هي الإنجيل الذي نزل أيضا علي عيسي ابن مريم, وهي بالتالي ليست القرآن الكريم في حالة البعثة المحمدية.إذاً ماذا يعني مصطلح الكتاب والحكمة ؟

    يقول تعالى: " يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون " (183 البقرة). ويقول الله تعالي:" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القتال وهو كره لكم" (216 البقرة) ويقول "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر" (178 البقرة). وغيرها كثير من الآيات التي تستخدم لفظ "كتب" بهذه الصورة. إستناداً على هذه الآيات فإن " كتب الله الأمر" تعني قضاه وأوجبه وفرضه, أي حكم به. وبما أن هذه الآيات تتضمن أحكاما بالصوم أو القتال أو القصاص .. الخ, فإن " الكتاب" هو مجموع الأحكام التي وردت في القرآن الكريم واصطلح علي تسميتها بالشريعة الإسلامية, وهي أحكام الفرائض والمعاملات والأحوال الشخصية والمحرمات والعقوبات.

    أما الحكمة فهي كما يقول الراغب الأصفهاني " إصابة الحق بالعلم والعقل "(23). وهي تعني أيضا إداراك الرؤية الموحدة من وراء الكثرة البادية, وكذلك استخلاص الجوهر من بين ضباب التفاصيل. وهي معاني تصب جميعها في معني واحد هو معرفة القصد أو الغاية من وراء الأشياء. وقد كانت العرب تطلق علي الحديدة التي تحيط بحنكي الفرس في اللجام حَكَمة الفرس, " سميت بذلك لأنها تمنعه من كثير من الجهل والطيش" (24) فالحكمة هي معرفة القصد والغاية.

    ومن ثم فإن مصطلح "الكتاب والحكمة" يتعلق بالمنهج التشريعي للبعثة المحمدية, أو بفلسفة التشريع القرآني. وهو يتضمن أن الآيات التي تكرر فيها ذكر هذا المصلح متصلا بالبعثة المحمدية تعني أن محمدا (ص) بُعث في العرب لكي يعلمهم نظاماً تشريعياً مكوناً من أحكام شرعية, ومن مقاصد وغايات تلك الأحكام. "فالكتاب و الحكمة" هما عنصرا النظام القانوني للمنهج التشريعي القرآني.

    ويتبع ذلك بالضرورة أن الأحكام هي الوسائل لتجسيد هذه المقاصد والغايات, وتنظيم حركة الحياة في المجتمع. غير أن من طبيعة الوسائل انه تجب إعادة تكييفها مع مرور الزمن حتى تلبي تغيرات الظروف وتبدل الأوضاع. من هنا كانت حكمة الأحكام , أو غاياتها هي الحقيقة الإسلامية الثابتة - نسبيا – والباقية من وراء الظروف والأحداث المتجددة. بينما الأحكام هي إجراءات متغيرة لتكييف حياة المجتمع وترقيته نحو مقاصده وغاياته الإسلامية. بكلمات أخري فإن النظام التشريعي الذي جاءت به البعثة المحمدية – وهو منهج الكتاب, والحكمة – يدعو المجتمع المسلم للسعي إلى تحقيق غايات الأحكام الشرعية التي نزلت في كتاب القرآن الكريم, بأفضل الوسائل المتاحة له, دون التقيد بنصوص هذه الأحكام, وهو ما يعني في الواقع أمراً بتجاوزها بأسرع ما يتيسر. وينطبق ذلك علي جميع أحكام الشريعة الإسلامية, التي سبق وذكرنا, أنها أحكام الفرائض والمعاملات والأحوال الشخصية والعقوبات بما أنها أحكام أو وسائل، وبالتالي تتساوى جميعها أمام المنهج. وهي الدعوة التي جاءت مضمنة في قوله تعالي: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات, فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا أولوا الألباب) (7 آل عمران).

    فالآيات المحكمات هي آيات الحكمة التي وضحت المقاصد والغايات, والأخر المتشابهات هي الأحكام الشرعية, تتماثل في أنها تؤدي لذات الغايات, وإن اختلفت باختلاف الظروف والأوضاع. وقد أمر القرآن باتباع آيات الحكمة ونهي عن اتباع آيات الأحكام, إذا لم تعد تؤدي إلى الحكمة منها. وقرر أن إتباعها في هذه الحالة هو للفتنة- أو المزايدة – أو لنسبة مراد لها- التأويل هو بيان المراد الأصلي من الآية القرآنية – غير الذي أراده الله . أما الراسخون في العلم فيعلمون المراد الأصلي , ويؤمنون بكل لأنهم يعلمون أن الآيات المتشابهات أي آيات الأحكام هي أيضا حق منسوب إلى أوضاع أخري.

    ولا يمكن أن يعني المتشابه غير القابل للفهم , لان "الخطاب بما لا يفهم بعيد"(25) إذ لا يعقل أن ينزل الله تعالي علينا كتابا يقول إنه يهدي للتي هي أقوم, يكون في جزء منه غير قابل للفهم.

    والقرآن يقدم لنا نموذجا في تطبيق منهج الكتاب والحكمة حتى في تلك الفترة الزمنية القصيرة نسبيا, وذلك الحيز المحدود مكانيا, وفي ذلك العصر الذي لم يكن تسارع الأحداث فيه مثلما هو في عصرنا الحالي. وهو واحد من أحكام الأحوال الشخصية عالجه القرآن في أحواله المتعددة, بحكم طبيعته التي تسمح بذلك, ولهذا يسهل من خلاله تتبع المنهج وهو يعمل. والمقصود هنا هو النصوص القرآنية التي عالجت عدة المرأة المطلقة والمتوفى زوجها .

    وعدة المرأة هي الأيام التي بانقضائها يحل لها التزوج مرة أخرى. يقول تعالي في سورة البقرة " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن "(228البقرة). وفي سورة الأحزاب: " يا أيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها.." (49 الأحزاب), وفي سورة الطلاق " واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن, وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " (4 الطلاق). فالآية الأولي تأمر المرأة المطلقة التي لا تنطبق عليها شروط خاصة, بالا تخفي حملها إن كانت حاملا, وذلك بعد أن حددت مدة العدة. وبينت الآية الثانية أن المرأة صغيرة السن التي لم تحض بعد ليس عليها عدة إلا في حالة الشك. والمعروف أن انتفاء الحيض ينفي إمكانية الحمل. وبينت الآية كذلك أن المرأة كبيرة السن الآيسة , التي انقطع عنها الحيض ليس عليها عدة إلا في حالة الشك. ومن المعلوم كذلك أن انقطاع الحيض ينفي إمكانية الحمل. كما بينت هذه الآية أن عدة المرأة الحامل أن تضع حملها " ولو كان ذلك بعد الطلاق أو الموت بفواق ناقة (26).هذه النصوص جميعا عالجت موضوع العدة بأحكام مختلفة تبعا لحالات المرأة المختلفة, بقدر إسهام هذه الحالات في توضيح ما إذا كانت المرأة حاملاً أم لا. وأوضحت بذلك أن الغاية من حكم العدة هي التأكد من براءة رحم المرأة من أثار الزوجية السابقة, وما الحكم إلا وسيلة قابلة للتغيير حسب الظروف للوصول إلى هذه الغاية. ويلاحظ هنا أن الحكم – وهو الكتاب أو الوسيلة في منهج الكتاب والحكمة – جاء مناسبا للشرط التاريخي التقني عند نزول القرآن الكريم. فالانتظار لفترة زمنية معينة حتى يتبين الحمل كان هو افضل الوسائل المتاحة وأيسرها لتحقيق الغاية منها . وغني عن القول أن تطور العلوم الطبيعية والاكتشافات العلمية قادت الي اختراعات تقنية عديدة جعلت من الممكن ألان الكشف عن الحمل خلال فترة لا تتجاوز أياما قليلة من وقوعه,وهي فترة لا شك ستتناقص بمرور الأيام –ومعها العدة – من خلال أجهزة أحدث وأكثر تطورا.

    وما ينطبق علي هذا الحكم من قائمة الأحوال الشخصية ينطبق علي غيره من أحكام الشريعة الإسلامية, لان المنهج واحد ولأنها جميعا وسائل لغايات محددة , يعتريها ما يعتري الوسائل من تغيير وتطور.

    ومنهج "الكتاب والحكمة " هو الذي جعل من الإسلام دينا صالحا لكل زمان مكان وليست الشريعة. ذلك انه يحسب لتطورات الحياة حسابها. فجاءت النظم الاجتماعية والاقتصادية التي شرعها القرآن مطابقة للواقع الاجتماعي والأساس المادي القائم في جزيرة العرب آنذاك, و أجابت عن حاجات مادية وروحية واجتماعية للجماعات المتعددة التي كانت تعيش ذلك الواقع
    (27). غير أن المنهج اشتمل أيضا الآلية التي لا تتيح فقط التكيف مع الأوضاع الاجتماعية المستجدة فحسب وإنما تقدم أيضا الحافز لتغيير هذا الواقع باطراد, والتقدم به باستمرار نحو مقاصده وغاياته الكلية, وهي أن " من يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب " (269 البقرة).

    ولم يقتصر منهج " الكتاب والحكمة " علي البعثة المحمدية وحدها, بل كان هو المنهج, الذي جاءت به كل الرسالات السماوية. قال تعالي:" أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة " (54النساء) ويقول تعالي:"وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلي والدتك وإذا أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" (110 المائدة) فقد جاء الرسل جميعا يدعون أقوامهم لذات القيم الإسلامية ولنفس المقاصد والغايات. ولكنهم جاءوا بشرائع مختلفة لان الشرائع هي بدايات نحو الغايات - الشرعة لغة هي ما يبتدأ منه إلى الشيء- وهي لذلك تختلف تبعا لموقع السالك في الطريق المؤدي لهذه الغايات قرباً أو بعداً. لذلك عندما كان المرسلون ينسخون أحكاما لرسالات سابقة فلم يكن ذلك لأنها باطلة، بل حقا منسوبا إلى أوضاع وظروف أخرى. وقد كان واحدا من المهام الأساسية للرسالات – بعد تعريف الناس بربهم-تعليمهم منهج "الكتاب والحكمة "، كما في البعثة المحمدية, أو إحياء وتثبيت هذا المنهج كلما تعرض للطمس والإغفال. وخير مثال علي الأحياء والتثبيت هو بعثة المسيح عيسى ابن مريم إلى بني إسرائيل. فقد ترك بنو إسرائيل هذا المنهج وأنكروه وتمسكوا بحرفية نصوص الأحكام وأهملوا غاياتها. وصارت فرقهم الدينية تزايد علي بعضها البعض في التمسك بحرفية النصوص. فبُعث فيهم عيسى بالحكمة " ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة " (63 الزخرف) لذلك لم يركز الدين المسيحي علي قوانين تفصيلية لتنظيم شؤون الناس بل باحياء المنهج في المقام الأول.
    4. أركان المجتمع الإسلامي

    ويمكن استقراء الحكمة أو الغايات من الأحكام بإعمال الفكر والعقل في النصوص التي وردت فيها هذه الأحكام من قرآن أو حديث , وتحليل السياق الذي وردت فيه هذه النصوص, والظروف والأوضاع الاجتماعية السائدة حين النزول , وموازنتها مع التصورات العامة لنظام الحياة التي يقدمها القرآن. وقد قدمنا في غير هذا المكان نموذجا مبسطا لهذه العملية, ويمكن بتطبيق هذا المنهج إبانة المعالم الأساسية للنظام الذي أقامته البعثة المحمدية.

    فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله (ص) قال: " بنى الإسلام علي خمس: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا". هذا الحديث يحدد أحكام الفرائض الواردة فيه علي أنها الدعائم الأساسية التي يقوم عليها الإسلام, وهي أحكام واجبة علي كل مسلم ذكراً كان أو أنثى فلننظر ما هي الغايات التي يبتغيها الشرع من هذه الأحكام.

    أولاً ، الشهادة: والشهادة هي إفراد لله بالألوهية وتنزيه له عن الشرك أيا كانت صفة الشريك. وقد كانت كثرة العرب في الجاهلية تؤمن بقوي خفية تنبث في الكواكب والنباتات والجمادات والطير والحيوان. فجاء الإسلام بالتوحيد ليرتقي بفكرة الإله من مرتبة الوثن والصنم إلى مرتبة الله الذي ليس كمثله شيء, فحرر بذلك عقولهم من الخرافات والأكاذيب والضلالات. فالتوحيد هو تحرير للعقل البشري وتكريم للإنسان من أن يكون عابدا للوثن والصنم . لذلك فالشهادة التي هي النطق بالتوحيد تجسيد لهذه الكرامة – وتلك هي حكمتها .

    ثانياً، الصلاة: ولقد جاءت حكمة الصلاة مجملة في قوله تعالي إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر ) (45 العنكبوت).والصلاة تتكون من حركات بدنية – من قيام وركوع وسجود – ومن تسبيح وتكبير وقراءة للقرآن. وقد حدد القرآن في العديد من الآيات ان سبب المعاصي والفواحش هو أولا: وسوسة النفس "الأمارة بالسوء" وضعفها أمام شهواتها وثانيا: وسوسة شياطين الأنس والجن (سورة الناس). لذلك جاء الجانب الحركي من الصلاة لكي يتعلم الإنسان التحكم في جوارحه وحواسه, ولترويضها وتقويتها علي مدافعة شهوات النفس الحرام ومجاهدتها. ويتم ذلك بالخشوع لله في تمارين متكررة علي فترات محددة يوميا, حتى تتخلص الجوارح والحواس من ضعفها أمام الشهوات. بل وتكتسب بهذا المران المتكرر المجود, من القدرة علي التحكم في جوارحها وحواسها مما يمكنها حتي من مراقبة خواطر النفس. فلا يجد خاطر يحمل في طياته إثماً أو معصية مكانا في تسلسل الأفكار والخواطر المتصل ( يقول علماء النفس: أن الفرد معرض في المتوسط لـ 25000 خاطرة في ساعات يقظته يوميا). ذلك أن الإنسان ليس بمقدوره أن يستقيم في سلوكه, إذا كانت نفسه متعلقة من الداخل بالآثام والمعاصي. فهذه الخواطر الآثمة لا بد واجدة طريقها إلى سلوك الإنسان بقول أو بفعل.

    أما مقاومة الوساوس الشيطانية فبالذكر "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله"(200 الأعراف). والاستعاذة هي الاحتماء والاستجارة. فالصلاة في جانبها الحركي تقوية للجوارح والحواس علي مدافعة هوي النفس الحرام, وبذكر الله يتقوى الإنسان علي الشياطين. فالصلاة قوة وتلك حكمتها.

    ثالثاً، الزكاة: قد قرر القرآن أن الأنفس البشرية جُبلت علي الشح والبخل وذمّ هذه الخصلة وأمر بالتخلص منها , وقرر أن المال مال الله وحث علي الإنفاق منه. وشرع الزكاة ليؤكد بها هذا المذهب في التعامل مع المال , الرامي إلى إشاعة الإنفاق بدلا من الاكتناز , وتوزيع الثروة بين أفراد المجتمع بدلا من تكديسها لدي قليلين " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
    (7 الحشر). وكل مسعى لتوزيع واقتسام الثروة هو مسعى للعدل. فالعدل هو غاية الزكاة.

    رابعاً، الصوم: وقد أجمل القرآن حكمة صوم شهر رمضان في قوله:"شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان" (185 البقرة). فهذه الآية عظمت هذا الشهر, وبينت السبب في تعظيمه، وفرضت الصوم فيه تجسيداً لهذا التعظيم. والسبب هو أن شهر رمضان هو الشهر الذي انزل فيه القرآن العظيم. فالمقصود بالتعظيم إذاً ليس هو الشهر في ذاته, وانما القرآن الذي انزل فيه. وكان من الطبيعي في هذه الحالة أن يفرض علي العرب, الذين انزل عليهم هذا القرآن, واهتدوا به، أن يقرؤوه – كما فرضت عليهم الصلاة أو الزكاة مثلا – غير انه لم يكن في وسع الأكثرية الغالبة منهم تلاوة القرآن, لان الطباعة لم تكن معروفة في ذلك الزمان, فكانت الآيات تكتب في جريد النخل والجلد المدبوغ وعظام الأكتاف, ومن ثم لم تكن المصاحف متوفرة. من جانب أخر فإن استظهار ما يزيد علي ستة ألف آية هو مشقة لا يقدر عليها كل إنسان ولا تتناسب ويسر الإسلام . لذلك فُرض عليهم ما هو بمقدورهم ومما يشترك مع القرآن في بعض صفاته. ذلك أن العلم الذي جاء به القرآن هو فضيلة في السيطرة علي الذات وتحقيقها, وكذلك الصوم, وأن اختلفت الدرجة. فصوم رمضان هو تعظيم للقرآن, العلم الذي أنزله الله علي العرب, ومن ثم فانه تعظيم للعلم , وتلك هي حكمته.

    خامساً، الحج: وحكمه الحج ظاهرة من صفة البلدة التي يحج إليها (فهي بلد آمن), ومن صفة البيت الذي أعطي هذه البلدة إشعاعها (حرم آمن), ومن صفة شهر الحج وهو شهر ذو الحجة أحد الشهور الأربعة الآمنة التي كان العرب يحرمون فيها القتال, ومن فحوي الشعائر التي تمارس في الحج, وتدعو للكف عن الأذى وضبط النفس عن فحش القول, والفسوق, وشدة الخصومة, والامتناع عن الاعتداء حتى علي الحيوان, وجميعها أمور كانت تقود إلى العداوة والاحتراب في ذلك المجتمع العربي سريع الاشتعال. فالحج دعوة للناس لكي يجتمعوا في مكان آمن وفي زمان آمن ليتعلموا نعمة العيش في أمن وسلام وتلك حكمته.

    فحكمة أحكام الفرائض هي – كما وضح – الكرامة ,و القوة , والعدل , والعلم , والسلام وهي الخصال التي تعمل أحكام الفرائض, بوصفها معالجات موجهة نحو النفس البشرية, على غرسها في النفوس البشرية, تخليصا لها من خصال ذميمة, وإعدادا لها لدورها علي هذه الأرض. ولان المجتمع المسلم يتكون من مجموع الأشخاص الذين يعيشون فيه, فإن هذه الخصال تصبح هي ذاتها القيم التي يجب أن يتحلي بها المجتمع لكي تتحقق إسلاميته, ولهذا سميت أحكام الفرائض الخمسة أركان الإسلام , فهي تحمل أو تجسد قيما لا يكون بدونها مجتمع يمكن أن يسمي نفسه إسلاميا.

    وكما أن جميع الرسالات السماوية قد جاءت بهذه الغايات, لأنها قد فرضت علي معتنقيها الصلاة والزكاة وبقية الفرائض, فأننا إذا أمعنا النظر في هذه القيم نجدها قيما إنسانية دارجة وعامة وصالحة لكل مجتمع بشري. وكما ذكرنا من قبل فان ما ينطبق علي أحكام الفرائض فيما يتعلق بوجود حكمة هي بمثابة البوصلة التي تحدد طريق التقدم في الاتجاه الصحيح , يسري كذلك علي كل حكم من أحكام الشريعة الأخرى.

    فحكمة الجهاد هي تأمين حرية تبليغ الدعوة, وليس القتال إلا إحدى الأدوات التي كانت تهدف لإزالة العوائق التي كانت تقف أمام إيصال الدعوة . وقد رأينا كيف أن الرسول (ص), وعلي الرغم من مبايعه المسلمين له في بيعة الرضوان علي مناجزة المشركين إلا أنه قبل بصلح الحديبية – برغم شروطه المجحفة – عندما رأي أن الصلح سوف يتيح اتصالا بأهل مكة, سيؤدي إلى تعرفهم علي الإسلام وانتشاره بينهم - يقول الزهري: فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة, لم يُكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه.. (فقد) دخل في تينك السنتين (بعد الصلح) مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو اكثر( 2

    وحكمة الجزية هي ضمان الولاء للدولة , وقد رأينا في ما سبق أن عمر بن الخطاب أسقط الجزية عن نصارى بني تغلب حين قيل له:" انهم عرب وقد أعلنوا نفورهم من دفع الجزية وألمحوا إلى أن فرضها عليهم سيغير من ولائهم الذي محضوه للدولة كما أنه "لم يأب علي من اطمأن إلى ولائهم حين الحرب (من غير المسلمين) واشتراكهم فيها في صفوفه ان يعفوا عن الجزية , وان يتساووا مع المسلمين في الأعباء العامة"( 29). وحكمة الشورى هي مشاركة عامة المسلمين في إدارة شئونهم . وحكمة قوامة الرجل علي المرأة هي تعليم المرأة, ومهر الزواج ونصيب المرأة في الميراث الذي يبلغ نصف نصيب الرجل هو خطوة ذلك الوقت في الطريق إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل, بعد أن كانت المرأة في المجتمع الجاهلي "عرضة غبن وحيف, تؤكل حقوقها وتبتز أموالها وتحرم من ارثها.. وتورث كما تورث المتاع والدابة" (30 ). وبعد أن كان الشعور القبلي في الجاهلية "يجعل للمحاربين في القبيلة كل شيء ولا يترك شيئا ضعاف من الولدان (والنساء). فقد كانت النقلة إذاً هي من إقامة حقوق الإرث والملك علي أساس حق المحارب إلى إقامتها على أساس الحق الإنساني " (31). وحكمة الميراث هي تقوية الروابط الأسرية والإنسانية, وحكمة الحجاب هي العفة والطهارة, وهي جميعها قيم تصب في القيم الأساسية للإسلام: قيم الكرامة, والقوة, والعدل, والعلم, والسلام.

    تلك هي غايات هذه الأحكام , وقد جسدتها الأحكام المذكورة "وأجابت بها عن حاجات مادية وروحية واجتماعية وأخلاقية لجماعات اجتماعية متعددة " في ذلك الوقت . لكن بمرور الزمن تظهر أوضاع اجتماعية وأخلاقية وفكرية مختلفة لم تعد معها تلك الأحكام الأولى صالحة لتجسيد غاياتها التي شرعت من اجلها , بل كانت تقتضي تكيفا جديدا لملاءمة الأوضاع الجديدة . وقد تمثلت أزمة الفكر السلفي ومشكلة المجتمعات الإسلامية بصورة عامة, في السعي لتطبيق نصوص الأحكام الشرعية في غير الظروف التي شرعت فيها وعلي مجتمعات يقف بعضها علي أعتاب التصنيع (مصر مثلا) بينما شرعت هي لمجتمع بدوي متجول.

    لذلك لم تعد كثير من هذه الأحكام غير قابلة للتطبيق , فحسب, بل صارت تؤدي حينما يفرض تطبيقها قهرا إلى العكس مما شرعت من أجله تماما (وسنري أمثلة لذلك لاحقا). وسيذكر التاريخ لمحمود محمد طه انه هو الذي أعلن للملأ أن " الشريعة بصورتها التي جاءت بها في القرن السابع غير صالحة لإنسانية القرن العشرين" , ودفع حياته ثمنا لذلك(32).

    أما الأداة التي بها يتم تجسيد قيم الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام في المجتمع فهي العلم . إذ أنه أحد القيم أو الأركان الخمسة التي يجب توفرها لقيام المجتمع الإسلامي . فالعلم وسيلة وغاية في آن واحد. وبه تتوحد الوسائل والغايات, وبه تكون الوسائل المستخدمة في سمو الغايات المرجوة . ومع العلم يأتي العقل الذي هو أساس العلم, وكذلك التجارب والخبرات الإنسانية الواعية, والتقنية الصديقة للغايات الإنسانية . ومنهج " الكتاب والحكمة" باشتراطه للعلم والعقل وسيلة لبلوغ الغايات يطلق سلسلة متوالية من الأحداث, تبدأ بأن يطرح المجتمع أسئلته علي العلم, مما يؤدي إلى تطور العلم, الذي يؤدي إلى تطور وسائل المجتمع لبلوغ غاياته, وبتطور الوسائل يتطور المجتمع لأنه يكون أقرب إلى غاياته , وهو ما يؤدي إلى طرح أسئلة جديدة علي العلم , هكذا تنتظم المجتمع حركة دائبة إلى الأمام.

    ويترتب علي ما سبق أن العلمانية التي تعني في المقام الأول أسبقية العقل علي النص(33), أو بوصفها موقف للروح من قضية المعرفة, يثق في قدرة العقل علي استكشاف المجاهيل وقيادة التاريخ(34), هي أساس النظام المعرفي الإسلامي.

    وعلي الرغم من أن حظ المجتمعات الإسلامية في معظمها اليوم قليل من العلم والتقدم العلمي الذي انتظم الغرب. إلا أن العلم لا وطن له فهو ملك للإنسانية اجمع ساهمت فيه المجتمعات البشرية كل في مرحلة معينة, وهو لذلك أداة المجتمعات الإسلامية اليوم لبلوغ غاياتها التي تكررت الإشارة إليها في ما سبق. وذلك من خلال الاستفادة من هذه المعارف العلمية لوضع السياسات والقوانين والمبادئ التي تحقق الغايات الإسلامية لهذه المجتمعات، وتؤدي إلى بعث هذه القيم والغايات من جديد، ولكي تلحق بركب الحضارة والتقدم وتشارك في صنعها وفي تحديد مسارها وفق رؤيتها وقيمها هي.

    فوسيلة المجتمع الإسلامي لتجسيد قيمة الكرامة اليوم لم تعد هي مجرد النطق بالشهادة , بل احترام حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والثقافية. ولم تعد شورى القرن السابع الميلادي هي افضل الوسائل لمشاركة المواطنين في إدارة شئونهم وانما هي الديمقراطية وحرية التعبير والتنظيم والانتخابات العامة الحرة.

    ولم تعد الفتوحات هي الوسيلة لإيصال الدعوة اليوم وانما دعم الحريات والدعوة لها في كل مكان في عالم اليوم القرية، مع بناء النموذج الاجتماعي الإسلامي القوي والناجح الجذاب. ولم تعد الجزية هي الوسيلة لضمان الولاء والانتماء للدولة, فقد نظمت قوانين المواطنة هذه الأمور . والوسيلة للتعليم لم تعد هي قوامة الرجل علي المرأة بل المدرسة تربي الرجل والمرأة علي السواء .. كما أن قيمة المرأة ككائن إنساني لم تعد موضع جدال , والوسيلة لتعزيزها هي احترام حقوق المرأة وليس مهر الزواج كما كان الحال عند نزول القرآن الكريم . بل أن مهر الزواج يمثل اليوم إهانة للمرأة لأنه يقيمها بمال قلّ أو كثر. ولم يعد الحجاب هو الوسيلة الأفضل لبلوغ العفة والطهارة . في التعامل بين الجنسين وإنما غرس هذه القيم في النفوس بوسائل التربية الحديثة من مدارس وأسرة ووسائل إعلام ومطبوعات .. الخ. بل أن الحجاب يحمل اليوم معني ينتهك حق المرأة وهو إنها عورة يجب إخفاؤها بينما هي كائن إنساني مساوٍ للرجل وهكذا إلى آخر الأحكام.

    5. أحكام المحرمات والكرامة الإنسانية

    والمحرمات هي أيضاً تشريع خاضع لمنهج الكتاب والحكمة أي أن هناك حكمة وغاية معينة من وراء التحريم . غير أن هذه الغاية تتحقق فقط بالكف عن إتيان الفعل المنهي عنه وليس بأي طريق آخر , كما أنها تشترك جميعا في إن إتيانها هو امتهان لكرامة الإنسان أو انتهاك لحق من حقوقه.

    وقد حرّم الإسلام قتل النفس بغير حق والزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف والربا والحرابة من بين ما حرم. فالقتل بغير حق ليس إهدار لكرامة الإنسان, فحسب, بل هو إزهاق كامل للنفس التي أودعت فيها هذه الكرامة الإنسانية. والسرقة إستلاب لحقوق الغير, والزنا انحدار بممارسة إنسانية إلى فوضي الحيوانية التي كرم الله تعالي الإنسان بتفضيله عليها في قوله:" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير مما خلقنا تفضيلا. " (70 الإسراء). وشرب الخمر هو تغييب للعقل الذي هو اصل الكرامة الإنسانية وإتلاف له وهو أيضا تهديد لكرامة وسلامة الآخرين والشارب نفسه . والميسر استسلام لسيطرة الشيطان الذي آلي علي نفسه إذلال الإنسان وامتهان كرامته التي خصه الله بها مفضلا اياه علي إبليس فقال هذا :"أرأيت هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتني الي يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليلا " (63 الإسراء). "ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله" (119 النساء). وجاء تحريم أكل لحم الخنزير تذكيرا للإنسان بالشيطان عدوه المبين, وأمراً له بالحذر منه, والتيقظ من فتنته. والخنزير هو رمز للشيطان في زمان لم يكن فيه العقل الإنساني قد تعود التجريد بعد, فكان لا بد من أن يُجسد له هذا الشيطان الذي " يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم" (27 الأعراف) في شيء يراه, فلا يغفل عنه. واختيار الخنزير لكي يرمز للشيطان يعود إلى سابقة في كتاب سماوي آخر هو الإنجيل.

    جاء في الإنجيل "ولما جاء يسوع إلى العبر إلى كورة الجرجسين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جدا حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق , وإذا هما صرخا قائلين ما لنا ولك يا يسوع ابن مريم . أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا . وكان بعيدا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعي . فالشياطين طلبوا إليه قائلين أن كنت تخرجنا فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير . فقال لهم امضوا . فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير. وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع إلى من علي الجرف إلى البحر ومات في المياه " (إنجيل متي8, مرقس 5, لوقا .

    فالمحرمات بالإضافة إلى أنها تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه في نفسه وعرضه وماله من أن تنتهك , فهي تحفظها كذلك بالترفع به عن التشبه بالحيوان في سلوكه , وبحفظه مما يقوده إلى الوقوع في حبائل الشيطان الذي يسعي لإذلاله وإهانته.

    وتظل حكمة التحريم مثلها في ذلك مثل حكمة الأحكام الأخرى, هي المعيار الذي به يتم التعامل مع أحداث الحياة المتجددة, ووسائلها المتطورة, واختراعاتها التقنية المتواترة, تحريما أو تحليلا .فكل ما يمتهن كرامة الإنسان أو ينتهك حقوقه فهو حرام. ويدخل في دائرة التحريم بهذا المفهوم كل مظهر من مظاهر التمييز بسبب الدين أو الأصل أو اللون أو النوع .. الخ. ويدخل فيها أيضا أن كل ما يؤدي إلى استعباد الإنسان بسلطانه ويسلب حريته التي هي من كرامته , مثل المخدرات والمكيفات بأنواعها . وهكذا.

    في المقابل فإن بعض ما كان حراما عند نزول القرآن لم يعد كذلك اليوم بعد أن تغيرت الظروف والأوضاع. ومنه زواج المسلمة من غير المسلم, والمسلم من غير المسلمة وغير الكتابية, لانه عندما حُرمّ كان من الممكن أن يؤدي في ذلك الوقت إلى تهديد أمن وسلامة المجتمع الإسلامي الوليد- وبالتالي كرامته- بإفشاء أسراره الحربية إلى أعدائه في ذلك الزمان المضطرب. واليوم لم يعد تحريم الزواج بغير المسلمين هو الوسيلة لحفظ الأمن القومي , وانما الإجراءات والقوانين والأجهزة الأمنية والعدلية .وهناك ما اعتبر حراما نتيجة لقصور في فهم حكمة التحريم وإغفالها, فالفوائد المصرفية مثلا لا تمتهن كرامة أحد ولا تنتهك حقوقه بل قد تكون عونا لكثيرين لبناء عمل أو إيجاد أوضاع معيشية افضل ( مثل شراء منزل أو سيارة) . ولا يدخل في دائرة التحريم أيضا الأختلاط بين الجنسين لانه لا يمتهن كرامة, اذ ان الحرام في هذه العلاقة هو الزنا . ولا تدخل فيها أيضا الموسيقي والتصوير والفنون عموما لنفس السبب.


    6.أحكام العقوبات

    وينطبق علي أحكام العقوبات ما انطبق علي غيرها من الأحكام في ان لها غاية , هي بسط الأمن وإشاعة السلام بمكافحة الجريمة التي تنتهك حقوق الأفراد والمجتمع . ولأسباب تتعلق بالارتباط القوي لهذه الأحكام بالمجتمع الذي أنزلت عليه (مما سنتناوله لاحقا) لم تؤد محاولات تطبيقها في عدد من البلدان الإسلامية إلا لكشف عمق أزمة الفكر السلفي الذي يدعو لهذا التطبيق.فبسبب من هذا الارتباط القوي اتسمت هذه الأحكام بالشدة, والمفارقة لقيم العدالة الجنائية السائدة اليوم, ومصادمة المشاعر الإنسانية لمجتمعات القرن العشرين / الحادي والعشرين. ولكن بحكم الطبيعة الناقلة للفكر السلفي فانه أعطى تطبيق هذه الأحكام – وبالتالي محاربة الجريمة – أولوية علي غيرها من الأحكام والقضايا, وذلك للموقع الهام الذي احتلته في صدر الإسلام. وقد بلغ الأمر باتباع هذا الفكر أن ظنوا أن " اتباع هذه العقوبات هو وحده جوهر الشريعة وحقيقة تطبيقها "(35) . وذلك في تناقض صريح في معظم الأحوال , مع أوضاع مجتمعات لم تكن الجريمة تشكل همها الأول , وانما قضايا التنمية وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والاقليات والبيئة والأمية... الخ. بل أن أحكام العقوبات بدت مفارقة لمبادئ العدالة الكلية التي خطها القرآن نفسه , حتى في أوان تطبيقها .

    ذلك ان القاعدة التي تتردد كثيرا في الآيات القرآنية تدعو إلى التكافؤ والتناسب بين العقوبة والجرم . قال تعالي:"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" (126 النحل), وقال تعالي:" ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغي عليه لينصرنه الله" (160 الحج) وتدعو إلى تقديم المذنب واصلاحه حتى يعود نافعا لنفسه ولمجتمعه , يقول الله تعالي:"ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا بعد ذلك واصلحوا أن ربك من بعدها لغفور رحي" (119 النحل) "ومن تاب من بعد ظلمه واصلح فان الله يتوب عليه وان الله غفور رحيم " (39 المائدة) وهي نفس المبادئ التي تقوم عليها قيم العدالة الجنائية السائدة اليوم والتي تشترط في العقوبة.

    أ) التناسب أو التكافؤ مع الجرم من حيث الخطورة أو البساطة.
    ب) حماية الآخرين بردع من أجرموا وغيرهم عن الإجرام
    ت) تقويم المذنب واصلاحه حتى يعود نافعا لنفسه ولمجتمعه.

    لذلك فانه مما يستوقف أن تجئ أحكام العقوبات بهذه الشدة حتى في ذلك الوقت الذي نزلت فيه. فعلي سبيل المثال كانت عقوبة السرقة في العهد القديم هي التعويض " إذا سرق إنسان ثورا أو شاة فذبحه أو باعه يعوض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاة بأربعة من الغنم"( 36 ) ولكن مرة أخري كانت الظروف التاريخية والحالة الاجتماعية التي كانت سائدة لدي العرب وقت نزول القرآن هي التي استدعت سن عقوبات بهذه الشدة. فقد " تأسست الصلات القبلية لديهم علي العداء والحروب المتوالية , أو علي المحالفة والمناصرة , وبيئتهم الاجتماعية موروثة لهذه الحروب , فهم يتنازعون علي المرعي .. وعلي المنهل .. في بلاد شحيحة بالكلأ ضنينة بالماء وكثيراً ما كانت الحروب تبدأ بنزاع بين الرعاة علي الماء والمرعي .. علي أن بعض الحروب كانت رغبة في السلب والغارة لان أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم في أيدي غيرهم " (37) ويقول د. شوقي ضيف إن " أهم ما يميز حياة العرب في الجاهلية إنها كانت حياة حربية تقوم علي سفك الدماء حتى لكأنة أصبح سنة من سننهم , فهم دائما قاتلون مقتولون , لا يفرغون من دم إلا إلى دم , ولذلك كان أكبر قانون يخضع له كبيرهم وصغيرهم هو قانون الآخذ بالثأر, فهو شريعتهم المقدسة ,وهي شريعة تصطبغ عندهم بما يشبه الصبغة الدينية, إذ كانوا يحرمون علي أنفسهم الخمر والنساء والطيب حتى يثأروا من غرمائهم " (3. كما انتشرت في مجتمعهم الآفات واهمها الخمر واستباحة النساء والقمار, وكانت الخمر تجري علي لسان كل إنسان(39).لذلك كان من الطبيعي أن تكون قضية الأمن ومحاربة الجريمة أولوية هامة من أولويات النظام الإسلامي الذي كان القرآن ينشئ معالمه في ذلك الظرف التاريخي الباكر . وبالنظر لهذا العنف وهذه الدموية فمن السهل أن نفهم سبب هذه الشدة المفرطة التي تجدها مجتمعات القرن العشرين / الحادي والعشرين في هذه العقوبات، هى أن (الأعراب) الذين انزلت عليهم هذه الأحكام كانوا (أشد كفرا ونفاقا وأجدر آلا يعلموا حدود ما انزل الله علي رسوله) (97 التوبة).

    ومما لا يحتاج للتدليل هنا أن البشرية خطت خطوات كبيرة بعيدا عن هذه الممارسات التي صبغت المجتمع العربي في القرن السابع الميلادي . فقد اتجهت المجتمعات الحديثة الي معالجة الجريمة في مصادرها الاجتماعية والاقتصادية (40), وتقويم النفس البشرية بالتعليم والتربية, وبحصر العقوبة في من لا يستجيب لهذه الوسائل. ولم تعد إنسانية مجتمعات القرن العشرين / الحادي والعشرين تحتمل الردع بالعقوبات الجسدية, لأنها تؤدي إلى إذلال الإنسان وحرمان المجتمع من طاقاته بالإعاقة التي قد تترتب علي تطبيق هذه الأحكام. كما انه لم يعد هناك ما يستدعيها بعد أن استقرت أشكال جديدة من العقوبات تؤدي بصورة افضل الي الغاية التي من اجلها شرعت أحكام العقوبات في شكلها الأول. وبذلك فإن من يصرون علي تطبيقها اليوم إنما ينسبون إلى الله, الذي كتب علي نفسه الرحمة انه يريد أن يري أيدي الناس تبتر ويقطّعون من خلاف في كل الأحوال والظروف.

    7. الردة لحماية أسرار المسلمين

    وليس أدل علي خطأ النظام المعرفي للفكر السلفي الإسلامي , والذي ترتب علي إغفال منهج "الكتاب والحكمة" من صياغة "جريمة" باسم الردة وتعريفها بأنها الخروج عن الدين او الترويج لذلك أو ما يشابهه, برغم وضوح القرآن في هذه المسالة وقوله صراحة " قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "(29 الكهف).

    أما الموضوع القانوني الذي استوجب الحماية بالعقوبة في الحديث ( ومن بدل دينة فاقتلوه) فهي شيء أخر تماما سيتبين لنا من خلال قصة حاطب بن بلتعة وأمثلة أخرى.

    وقد كان حاطب بن بلتعة رجلا من المهاجرين . وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال. ولم يكن قرشيا بل كان حليفا لعثمان , فلما عزم رسول الله (ص) علي فتح مكة لما نقض أهلها عهد الحديبية , أمر المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال اللهم عمَّ عليهم خبرنا) واخبر الرسول (ص) جماعة من أصحابه بوجهته, كان منهم حاطب . فعمد حاطب فكتب كتابا وبعثه مع امرأة مشركة إلى أهل مكة يعلمهم بعزم الرسول (ص) علي غزوهم . ليتخذ بذلك عندهم يدا . وفي البخاري قال علي بن أبى طالب: " بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة (امرأة في هودج) معها كتاب فخذوه منها . فذهبنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة , فقلنا اخرجي الكتاب, فقالت ما معي من كتاب ,فقلنا لتخرجي الكتاب او لنلقين الثياب , فأخرجته من عقيصها (العقيصة: الضفيرة) فآتينا به النبي (ص) فقال: ما هذا يا حاطب ؟ قال لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت إمرءا من قريش ولم أكن من أنفسهم, وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة , فأحببت إذا فاتني النسب فيهم , أن اصطنع إليهم يداً يحمون قرابتي, وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني. فقال النبي (ص) انه قد صدقكم , فقال عمر :دعني يا رسول الله فاضرب عنقه . فقال انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عزّ وجل اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وفي رواية مسلم لهذا الحديث فقال عمر : إنه خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني لأضرب عنقه ).

    فها هو رجل من المسلمين قام بإفشاء سر حربي من أسرار المسلمين لأعدائهم, وهدد بذلك أمنهم وسلامتهم, فكاد ذلك أن يودي بحياته, لأنه بكلمات عمر بن الخطاب ( قد خان الله ورسوله والمؤمنين), قد ارتكب جريمة الخيانة العظمي وأفشي أسرار دولة المدينة لأعدائها في مكة. ولم يشفع له لدي عمر انه قال( وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ), لان الموضوع ليس بقاءه في الدين أو خروجه عنه , وانما هو إفشاء أسرار المسلمين.ولم ينقذه من سيف عمر إلا تدخل الرسول (ص) لصالحة لانه شهد بدرا . فإذا كان رجل من المسلمين شهد بدرا يمكن أن يرتكب جريمة الخيانة العظمي , واستحق بذلك أن يقتل , فان ارتكاب الخارج عن الإسلام لهذه الجريمة يكاد يكون مؤكدا في ذلك العصر. خاصة أن الارتداد عن الدين كان يعني الإنتقال الجسدي إلى دار المشركين, مع أسرار المسلمين الحربية. و كان ذلك حال (عبد الله) بن سعد أخو بني عامر بن لؤى وكان ذلك أيضا حال عبد الله بن أخطل, ارتدا مشركين فرجعا إلى مكة (41)

    ومن ذلك يتضح أن "معاقبة الإسلام من ارتد عنه بالقتل إنما اقتضته سياسة الدولة أكثر من الحرص علي إسلام هؤلاء , إذ كان أخوف ما تخافه الدولة الإسلامية من الإبقاء علي هؤلاء المرتدين أن ينقلبوا عيونا عليها وبذلك يصبحون شرا مستطيرا يهدد كيانها" (42).

    وهذا هو السبب الذي به حرّم القرآن التزاوج مع مشركي مكة في قوله تعالي:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " (221 البقرة) وفي قصة حاطب بن بلتعة التي سبقت ما يدل علي ذلك . فالمرأة التي أخذت الرسالة تريد بها معسكر المشركين كانت امرأة مشركة. وكان الشافعي يقول في جهاد الشركين أن " من قرب أولى أن يجاهد لقربه من عورات المسلمين" (43). لذلك فإن زواج المسلمين من مشركي مكة رجالا أو نساءاً – كان سيشكل خطرا كبيرا علي أسرار المسلمين يهدد أمنهم وسلامتهم.

    8. خاتمة
    وبهذا يتضح أن المنهج التشريعي الإسلامي في أصوله القرآنية هو منهج علمي لا يهدر البعد التاريخي أو يتجاهله. وأن تجاهل هذا البعد التاريخي, وهو الأمر الذي ظل يسم الفكر السلفي لعدة قرون الآن, وقاد إلى التخلف الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية اليوم, لأنه يصادمُ قانوناً أساسياً من قوانين الكون, أن هذا التجاهل أمر طرأ في وقت لاحق علي نزول القرآن, وبعد انقضاء جزء من الخلافة الراشدة. ولقد كان من نتائج لاعلمية هذا التوجه في بعده التطبيقي – والدليل عليه في الوقت ذاته – صعوبة, بل وأحياناً استحالة تطبيق هذه الأحكام علي بني اجتماعية واقتصادية وآليات سياسية مختلفة تماماً عن مثيلاتها في جزيرة العرب عند بدء العمل بهذه الأحكام ( انظر كمثال الطريقة الانتقائية التي تسم هذا الفكر أيضاً, والتي أسقط بها الجزية كمكون من مكوناته) .

    في المقابل تعامل المنهج التشريعي القرآني, وهو منهج " الكتاب والحكمة", مع هذه الأحكام بوصفها وسائل لتحقيق مبادئ أو غايات عامة, وهي لذلك متأثرة بالتطور الاجتماعي للإنسان. لذلك حث علي تجاوزها إلى غاياتها, لان كل تجاوز لها إلى غاياتها هو اقتراب من غايات الخلق. وبرغم أن الأحكام تتساوى جميعا في إنها وسائل لغايات إلا أن غاياتها تتفاضل في أهميتها فغايات الأحكام الموجهة نحو النفس البشرية, وهي قيم الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام, بوصفها القيم التي تقوم بصياغة الإنسان, وإعداده لدوره علي الأرض, هي قيم وغايات المجتمع الكبرى. وتجيء غايات الأحكام الأخرى داعمة ومساندة وموصلة لهذه الغايات الكبرى.

    والعلم بوصفه أصلا أصيلا من هذه القيم الكبرى هو وسيلة المجتمع لابتداع الوسائل وهو وسيلته للتعرف على غاياته, ليس بالاستقراء وحده وانما بكل الطرق المعمول بها علمياً في جميع العلوم وبالدراسات العلمية في العلوم الطبيعية والإنسانية, وبالتجربة والخبرة الإنسانية الواعية.

    كذلك فان ثبات الحكمة أو الغايات إنما هو ثبات نسبي, فقيم الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام تكتسب علي الدوام مضامين جديدة, فتنضاف حقوق إنسانية جديدة لكي تعزز قيمة الكرامة مثلا, وتبتعد القوة باضطراد عن أن تكون ما يسمى سياسياً وعسكرياً هكذا.. الخ.

    ونحن إذا دققنا النظر في مجموعات الأحكام, أي أحكام المحرمات والفرائض والمعاملات والأحوال الشخصية والعقوبات, ألفينا غايات وقيم المجتمع الكبرى مرة أخرى. فكل مجموعة من هذه الأحكام تركز علي واحدة من هذه الغايات أكثر من غيرها . فالمحرمات بحفظها لحقوق الإنسان وتكريمها له عن الحيوان تركز علي قيمة الكرامة, والفرائض بتخليصها للنفس البشرية من نوازع الضعف من ذل, وجهل, وشح, وعدوانية, تركز علي القوة. والمعاملات بسعيها لإشاعة المساواة والنظام تركز علي العدل. وأحكام الأحوال الشخصية بتأكيدها علي إنسانية الإنسان التي لا تكون إلا بالعقل والعلم الذين كرمهما به الله تركز علي العلم, والعقوبات التي تهدف لمكافحة الجريمة وإشاعة الأمن والطمأنينة تركز على السلام. وغاية غاياتها معا هو تعمير الأرض بالقسط , لقوله تعالي: " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" ( 25الحديد), وهو أدق مقاييس العدل, فبه تتحقق خلافة الإنسان لله الذي شهد انه " لا اله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله إلا هو العزيز الحكيم"(18آل عمران). وبذلك يتسق المنهج ويكتمل ويتأكد ويؤكد مصدره الإلهي.














    المراجع والهوامش:

    1- محمد حسين هيكل " الفاروق عمر " دار المعارف, الطبعة العاشرة: الجزء الثاني, ص 255- 25.
    2- نفس المصدر, الجزء الثاني, ص 268- 269.
    3- محمد عمارة, النص الإسلامي بين الإجتهاد والجمود والتاريخية" دار الفكر, دمشق, 2000, ص68.
    4- محمد حسين هيكل, مصدر سابق, ص265.
    5- نفس المصدر, ص265.
    6- نفس المصدر، ص 255 .
    7- نفس المصدر, ص255.
    8- نفس المصدر, ص255.
    9- خالد محمد خالد " خلفاء الرسول " دار ثابت. القاهرة ,1994, ص .205.
    10- محمد حسين هيكل, مصدر سابق, ص.255.
    11- انظر : أبو إسحاق إبراهيم (الشاطبي ), الموافقات في أصول الأحكام, دار الفكر, القاهرة,
    12- الراغب الاصفهاني , معجم مفردات ألفاظ القرآن ,دار الفكر, القاهرة ,ص 127.
    13-محمد أركون : تاريخية الفكر العربي الاسلامي, مركز الإنماء القومي, الطبعة الثانية,
    بيروت , 1996, ص 23.
    14- انظر أعمال محمد أركون : المصدر السابق, ومحمد أركون, الفكر الاسلامي قراءة علمية,
    مركز الإنماء القومي , الطبعة الثانية , بيروت, 1996, وأعمال محمد عابد الجابري : "
    تكوين العقل العربي " مركز دراسات الوحدة العربية , الطبعة السادسة, بيروت 1994 ,
    و" بنية العقل العربي , مركز دراسات الوحدة العربية ,الطبعة السادسة , بيروت 1994.
    وأعمال نصر حامد أبو زيد , خاصة : الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية ,
    مكتبة مدبولي , الطبعة الثانية , 1996. ومحمد سعيد العشماوي, الخلافة الإسلامية , دار
    سينا للنشر, القاهرة 1992.
    15- نصر حامد ابو زيد, دار سينا للنشر, الطبعة الثانية, القاهرة, 1994, ص118.
    16- نفس المصدر, ص 118- 119.
    17- محمد عابد الجابري , التراث وتحديات العصر, مركز دراسات الوحدة العربية, ص 209.
    18- نفس المصدر , ص 209.
    19-محمد حسين هيكل, مصدر سابق, ص 254 .
    20- خالد محمد خالد, مصدر سابق, ص145.
    21- نفس المصدر, ص145 .
    22-محمد حسين هيكل, مصدر سابق, ص261.
    23-الراغب الاصفهاني , مصدر سابق , ص.126.
    24-لسان العرب , مادة ح.ك.م.
    25-ابن كثير , تفسير القرآن العظيم , مكتبة الصفا , الطبعة الأولى 2002 , ج2 ص7 .
    26-نفس المصدر , ج8 ص95.
    27-حيدر إبراهيم علي , الاسس الاجتماعية للظاهرة الدينية : ملاحظات في علم إجتماع الدين ,
    في " كتابات سودانية " العدد الأول , ديسمبر 1991 ص72.
    28- سيرة ابن هشام ج3, ص372.
    29-محمد حسين هيكل , الحكومة الإسلامية , ص 47.
    30-سيد قطب ," في ظلال القرآن" ج1 , ص 509.
    31-نفس المصدر ج2 ص 767.
    32-راجع أعمال محمود محمد طه خاصة: الرسالة الثانية من الاسلام , الطبعة الخامسة , بدون
    تاريخ " وتطوير شريعة الأحوال الشخصية " الطبعة الأولى , 1971 . ومعظم الأعمال تدور
    حول عدم صلاحية الشريعة كما جاءت في القرن السابع لأحوال القرن العشرين. وهو صحيح يتفق تماما مع منهج الكتاب والحكمة. ولكنه يعزو عدم الصلاحية إلى أن القرآن ينقسم الي مكي ومدني حسب مكان نزوله, والي أن " أصول الاسلام نزلت بمكة واستمر نزولها ثلاث عشرة سنة .. فلم يستجب لها الجأهليون فظهر عمليا انها فوق طاقتهم " ( تطوير شريعة الأحوال الشخصية, ص 38 ) وهو قول فيه نظر لانه يفصل النصوص عن الواقع الإجتماعي والفكري لمن انزلت عليهم , لكأنما المصدر الذي جاءت منه هذه النصوص لم يكن يدري هذا الواقع, فكلف القوم فوق طاقتهم, وهو الذي لا يكلف نفسا الا وسعها . كما ان تقسيم التاريخ الي مرحلتين كل مرحلة تسود فيها شريعة فيه نظر , لان التاريخ سلسلة من المراحل المتعاقبة .
    33- عادل ضاهر," الأسس الفلسفية للعلمانية, دار الساقي , بيروت, 1993 , ص5.
    34- مجلة الكرمل , عدد 35 , 1995, ص27.
    35- الصادق المهدي, العقوبات الشرعية وموقعها في النظام الاجتماعي الاسلامي, منشورات الامة . بدون تاريخ, مقدمه فتحي عثمان , ص9.
    36- العهد القديم , خروج, الاصحاح 22.
    37- احمد محمد الحوفي , " الحياة العربية من الشعر الجاهلي" , دار القلم ,القاهرة, 1963
    38- شوقي ضيف, " العصر الجاهلي" , دار المعارف , القاهرة, الطبعة الحادية عشر , ص62.
    39- نفس المصدر , ص70.
    40- يري الصادق المهدي (مصدر سابق) أن تطبيق العقوبات يجب ان يكون مصحوبا بتوفر ظروف اجتماعية واقتصادية معينة تحارب الجريمة في مصادرها, وتوظف العقوبات لحماية المجتمع بعد ذلك, فهو يعدل اولويات التطبيق فحسب.
    41- سيرة ابن هشام , ج2 , ص28.
    42-حسن إبراهيم حسن , " تاريخ الإسلام ", دار الجيل , بيروت ,1991, ج1, ص288.
    43-الشافعي," أحكام القرآن " , دار الكتب العلمية , بيروت 1991 , ج2 , ص.30



    شمس الدين الأمين ضوالبيت –29 مارس2004
    الخرطوم – ص.ب 10744
    تلفون: 012587381























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de