الفكر السلفي لا يمكن ان يبني دولة عصرية .- لماذا سمينا الكيزان بالكيزان. -

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 04:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2004, 12:16 PM

حمد إحمد ود العماس


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفكر السلفي لا يمكن ان يبني دولة عصرية .- لماذا سمينا الكيزان بالكيزان. -

    - الفكر السلفي لا يمكن أن يبني دولة عصرية.
    - لماذا سمينا الكيزان بالكيزان.
    - تفسيرات علمية لعلاقة الشذوذ بالسلفية.

    حُمَّدْ إحْمََد العَمَّاس
    [email protected]


    إذا استثنينا مملكة سنار التي حصّنتها ديمقراطية الككر الأعرق من ديموقراطية وست سمنستر من آثار الاستعراب السالبة تبقى في تاريخ شعبنا ووجدانه آثار تجربتين لدكتاتوريتين سلفيتين حكمتا السودان باسم الإسلام. الأولى هي ديكتاتورية عبد الله ألتعايشي المسماة بدولة المهدية‘ رغم إن المهدي كان قائد ثورة ولم يكن رجل دولة. ودكتاتورية ألتعايشي هذي قد مضت بشرورها الكثر ولم يبقى من ذكراها غير المقولة الشعبية:- (( ليه...هي الدنيا مهدية ؟)). تلك التي نطلقها عندما نستشعر ظلما نرفضه أو فوضى نستنكرها. أما التجربة الثانية والأقسى والأمر فهي دكتاتورية الأخوان المسلمين الجاثمة الآن على صدر شعبنا تحت مسمى الإنقاذ، والتي يبدو أنها قد عقدت العزم على ألا تمضي إلا بعد أن تفكك السودان ولا تبقي منه حجر على حجر. لقد أدرك الأخوان المسلمون أن أعتى أسلحتهم، سلاح الابتزاز والإرهاب الديني سينهار في ظل سودان موحد يستوعب كل هذه التشكيلة الغنية بالتنوع الديني والعرقي. فأصبح هدفهم الأول هو أن يحكموا الشمال بقوانين الشريعة السلفية وان تظل الحروب مشتعلة في الجنوب حتى يعلن إسلامه، أو يعلن انفصاله. وعليه فانه عندما استشعروا بشائر حل لمشكلة الجنوب من خلال اتفاقية ( قرنق-الميرغني) في 89 بدت لهم تلك الاتفاقية كنذر كارثة فسبقوها بكارثة اكبر منها. انقلابهم في 30 يونيو 1989. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الصراعات الإقليمية في السودان تتحول إلى حروب دينية مقدسة يحشد لها الشباب المحروم اليائس تحت إغراءات بنات الحور وبوعود استبدال واقعهم الدنيوي البائس بنعيم الآخرة الدائم. فيساقون إلى الحرب وهم يتغنون ببؤسهم ويأسهم هذا في هذي الكلمات الصادقة التعبير عن ذاك اليأس القاتل:-
    موت لي موت
    أخير في الله
    بدل ما نموت
    في السرير بي علة.
    ولأن البائس اليائس المغيب لا يمكن أن ينتصر في مواجهة صاحب القضية العادلة والنظرة المستقبلية، الحاضر المصمم. توالت عليهم الهزائم العسكرية لتضاف إلى رصيد دولتهم الذاخر بالهزائم في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والأخلاقية.
    أربعة عشر عام من العبث والفساد تحت غطاء الدين، أفقدت الدولة هيبتها، و أضعفت من قوة جذب المركز بل نمَّت لديه قوة طرد لم تكن معهودة من قبل فراحت أقاليم البلاد تتطاير كل يبحث عن حل لقضيته حتى لو كان مخرجا فرديا. فانفصلت حلايب وانضمت طواعية إلى مصر التي ظلت تطالب بها منذ عام 56 دون ان تجرؤ على ضمها إليها إلا في ظل السلطة الطاردة الحالية. وتدولت قضية إقليم جبال النوبة بعد أن قصفته طائرات الدولة الإسلامية في الخرطوم بالغا ذات السامة التي ورثتها عن نظام صدام حسين بعد حرب الخليج الأولى، فادى ذلك إلى فصل الإقليم وإبعاده عن سلطة الدولة ووضعه تحت سلطة وإدارة هيئة عالمية. أما باقي الأقاليم في شرق البلاد وغربها وجنوبها فقد اشتعلت فيها حروب التحرير على أشدها. وحتى الإقليم الشمالي الذي ظل البعض يعتبرونه المستأثر الوحيد بخيرات البلاد وحكمها راح شبابه يتنظمون تحت راية منظمة كوش ويطالبون كغيرهم بحق تقرير المصير، بل أنهم بعثوا برسالة لنيفاشا للفت انتباه الإيقاد إلى قضيتهم.
    في ظل هذا الوضع المأساوي الذي يتفكك فيه السودان إلى دويلات صغيرة، حَرًكت الجبهة الإسلامية خمسين من قياداتها ليوقعوا مذكرة ويرفعوها إلى رئيس جمهوريتهم يطالبونه فيها بإعلان انفصال الشمال عن الجنوب. فكان ذلك أصدق تعبير عن التوجه الحقيقي لمجموعتهم:- إقامة دولة إسلامية في أي مكان... يكون شعبه قابل للاستجابة للابتزاز والإخضاع تحت راية الإسلام... ثم الانطلاق منها إلى الدول المجاورة وفتحها وإخضاعها لدولة الإسلام. صحيح أنهم الآن، تحت الضغط المحلي والعالمي، قد غيروا اتجاههم بمقدار 180 درجة. ولكنه مجرد تغيير وقتي. خداع للعدو. تمسكن من اجل التمكن. إلا أن اتجاههم العام يظل أبداً كما هو: محاولة الهروب من الواقع المستعصي على الفهم باستعادة الماضي الجميل في شكل دولة إسلامية قادرة قوية و قاهرة تماماً كما تصورها كتب الأساطير السلفية.
    وهم يرون انه من الممكن أن يفرضوا تصورهم الواهم الدجلي هذا على أهل شمال السودان. ولكنهم لا يمكن أن يفرضوه على أهل الجنوب غير المسلم. لماذا؟ لان العامة من المسلمين في شمال السودان لا يستطيعون – على الأقل قبل الاكتواء بتجربة الإنقاذ – أن يجهروا برفضهم لدستور إسلامي. أو أن يرفضوا تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية عليهم. فهم رغم الذخيرة الهائلة من التجارب السياسية الفاشلة باسم الإسلام التي تتبدى أمام أعينهم، عالميا ومحليا، لا يستطيعون أن يجهروا بان الإسلام ليس هو الحل لقضايا عصرهم السياسية والاقتصادية. وذلك، نسبة للإيمان الساذج بالغيب، والخوف المقيد من المجهول وكذلك الجهل العميق بأصول الإسلام نفسه.
    سوداننا اليوم عند مفترق طرق خطر وأمام خيار صعب:- أن يكون أو لا يكون. أن يبقى موحداً ويتقوى أم أن يتفكك إلى دويلات تشتعل داخلها وبينها الحروب من جديد ؟! لذلك فان علينا أن نطرح اليوم على أنفسنا كل الأسئلة حتى تلك التي لم نكن نجرؤ على طرحها على أنفسنا من قبل ولو في السر. ذلك النوع من الأسئلة التي ما أن يغافلك احدها ويقفز فوق حواجز الإيمان إلى مرءآت العقل حتى تصفعه بإستغفارة تلقي به من جديد في ظلمات الغيب. أسئلة على شاكلة:-
    - هل الإسلام هو الحل لقضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
    - هل من العدل أو العقل إقامة دولة في هذا العصر على نمط دولة النبي (صلى الله عليه وسلم) في المدينة؟
    - هل قوانين الشريعة المحمدية قوانين عادلة بمقاييس هذا العصر ؟
    - هل من الممكن أساسا إقامة دولة إسلامية في هذا العصر؟
    - وأخيرا هل من الكفر في شيء طرح مثل هذه الأسئلة؟.
    وغيرها من الأسئلة التي يحرمها الفكر السلفي ألنقلي المريض. و هي أسئلة يمكن تلخيصها كلها في سؤال واحد هو:-
    - هل نحل قضايا عصرنا نقلا من الماضي أم عقلا وإبداعا من الحاضر؟ هل من الممكن الاعتماد فقط على النقل أم لابد من إعمال العقل؟ .
    دعاة الدولة الدينية يدعون بان كل ما نحتاجه لإقامة دولة عصرية عادلة وغالبة موجود بين دفتي كتاب، يتضمن شرائع وقوانين صالحة لكل العصور. وفي جملة أحاديث نبوية وسيرة محمدية يكفي أن نقتدي بها ونتمثلها حرفيا بما في ذلك حف الشارب وإطلاق اللحى وتقصير الجلباب لتنفتح إمامنا مغاليق الكون، وتنهار أمامنا جميع الجسر والحصون، وتنبني دولتنا التي لن تزول حتى يرث الله الأرض ومن عليها !. هذه النظرة السطحية الساذجة تنبني على الاعتقاد بان هناك رؤيا صالحة لكل العصور. وهو اعتقاد سطحي وساذج يدل على أن حامله لا يعلم عن مشاكل عصره حتى ما يميزها عن مشاكل العصور السابقة. والاعتقاد بان هناك حلول جاهزة لمشاكل عصرنا وكل العصور وما علينا إلاّ أن نغرف منها ونطبق، هو اعتقاد لا يتناسب إلا مع العقول الخاملة الكسولة المشوشة التي تعاقر أحلام اليقظة وهي تعتقد أنها تعيش الواقع. وخلفية هذا الاعتقاد القابعة وراءه والتي لا تذكر عند استدعائه هي:- الإيمان بان هذا الكون قد خلق منذ الأزل بشكله الحالي، وهو غير قابل للنمو والتطور قط، وانه سيبقى كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ولذلك فان مشاكل البشر في القرون الأولى هي نفسها مشاكل البشر اليوم، وان حلولها من قبل هي ذات الحلول اليوم. وعليه فان الحلول التي أثبتت جدواها في دولة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في القرن السابع الميلادي يمكن نقلها و تطبيقها بحذافيرها اليوم.
    وما أعجب له حقا هو: كيف تتحقق في نظر هؤلاء القدرة والإرادة الإلاهية المطلقة، الدائمة، الفاعلة إذا كانوا يرون أن الكون وما فيه من مجتمعات قد خلق منذ الأزل بالصورة التي نراه عليها اليوم. وانه لم يتطور ولم يتبدل قط !؟. كيف يكون الله فعالٌ لما يريد إذا كان كل شئ بهذا الثبات !!؟.
    هؤلاء النقليون خاملي العقول عبدة النصوص لو احتفظوا بفكرهم السلفي هذا بعيدا عن ارض الواقع لكفوا الناس شرورا كثيرة ولكنهم أصروا على تطبيقه علينا فحلت الكارثة التي ظل شعبنا يعاني منها للأربعة عشر عاما الماضية.
    وجهة النظر الشمولية سالفة الذكر هذي التي ترى أن طريقنا محدد المعالم ومنصوص عليه كله في النصوص وما علينا إلا أن ننقل ونطبق هي بالضرورة وجهة نظر إقصائية ترى انه على المستوى المعرفي الحقيقة واحدة. و أن هناك رؤية واحدة صحيحة والباقي أخطاء. لذلك فهي لا تعترف إطلاقا بالرأي الآخر. وصاحب الرأي الآخر في نظر حملة هذا الوهم السلفي هو إما كافر دمه وماله وعرضه حلال.أو موسوس في قلبه مرض ينبغي وعظه وإرشاده و توجيهه إلى سواء السبيل عله يرعوي ويستبين. ولكن مجرد احتمال ولو بنسبة ضئيلة أن يكون الرأي الأخر هو الصائب معدوم تماما لديهم. ومتناقض تناقضا تاما مع الثوابت الأساسية لهذا الفكر السلفي. لذلك فإن أي دولة تقوم على أساس هذا الفكر السلفي هي بالضرورة دولة دكتاتورية "ملك عضوض" كما وصفها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. ولا مجال فيها للديموقراطية مطلقا. أما تقديم الشورى كبديل للديموقراطية فهو لا يعدو أن يكون تشويها وابتذالا لها. فالشورى القائمة على أساس " شاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله" كانت قمة الديموقراطية في القرن السابع الميلادي. أما ديموقراطية اليوم فتقوم على أساس آخر هو..(شاورهم في الأمر وارضخ لرأي الأغلبية ونفذه حتى وان لم يكن هو ما تراه، أو ما كنت عازم عليه. وإلا فاستقل وأفسح المجال لمن هو أقوى منك عزما على تنفيذ رأي الأغلبية). هذه هي ديموقراطية اليوم القائمة على أساس من الوعي والإدراك مختلف عن ذاك الذي قامت عليه الشورى. بالأمس كان الاعتقاد السائد على المستوى المعرفي هو أن الحقيقة واحدة وان هناك رؤية واحدة صحيحة والباقي أخطاء. أما اليوم فقد أدركنا أن الحقيقة هي مجرد رؤيا للواقع المتعدد الوجوه والزوايا وهي لذلك يمكن أن تكون وصفا لأي وجه من وجوه هذا الواقع منظورٌ إليه من أي زاوية من زواياه العديدة. لذلك يمكن أن تتوفر لدينا عدة رؤى صادقة وصحيحة لواقع واحد وقد تبدو متناقضة أحيانا. ولكي نختار أكثر هذه الرؤى كمالا وتوافقا مع واقعنا نحتاج إلى هذه العملية الإحصائية التي تتم في أروقة المؤسسات الديموقراطية (التصويت).
    لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم معجزا في نبوته عندما قال " الخلافة بعدي ثلاثون عاما يأتي بعدها ملك عضوض". ولقد كان. فكل الذي أتى بعد ذلك تشبها بالماضي ونقلا منه لم يكُن غير ملك عضوض أساء للإسلام ولم يشرفه. ولكن لماذا ثلاثون عاما فقط ؟ لان الثلاثون عام هي وقت كافي ليتغير واقع الناس وتتطور عقولهم وتتغير طبيعة مشاكلهم السياسية والاجتماعية ويصبح من غير الممكن حل تلك المشاكل نقلا من تجربة ماضية، حتى لو لم يكن قد مضى على تلك التجربة غير ثلاثين عام فقط. ناهيك عن أن تكون قد مضت عليها ثلاثة عشر قرنا من الزمان. فالفكرة والتجربة والنصوص مربوطة بالظرف الذي أبدعت فيه والواقع الذي طبقت عليه والمتلقي الذي خوطب بها.
    ولكن لماذا لا تتحقق المعجزة ويخلد النص ويصبح صالحا لكل زمان ومكان؟ لسبب بسيط. لان الزمان والمكان أو (الزمكان) ليس ثابتا. بل هو متغير وبوتيرة متسـارعة. وبما أن مستوى الناس العقلي، ألإدراكي، مربوط بزمانهم، لذلك فالنص الخالد الصالح لكل زمان ومكان، وان كان في نطاق القدرة الالاهية، إلا انه خارج نطاق القدرة الإدراكية للبشر في أي زمان وفي أي مكان. ولذلك فقد أمر الأنبياء أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم كما قال نبينا " امرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم". ومنها أن قال لهم "الأجنة في الأرحام لا يعلمها إلا هو ". ولم يقل لهم سيأتيكم يوما تكتشفون فيه الأشعة فوق الصوتية وتصورون الأجنة في أرحام أمهاتها فترى ألام جنينها وهو في رحمها يتحرك إمام ناظريها. وتعرف أن كان ذكراً أو أنثى. وان كان ناقصاً مشوهاً أو صحيح التكوين وتطمئن عليه قبل أن تلده.... لأنه لو قال لهم ذلك لما اكتفوا بأن قالوا " إن محمداً قد صبا ". أي أصبح من (الصابئة المندائيين) وهم أهل ديانةٍ قديمة بجنوب العراق. بل لقالوا ما هو أسوأ من ذلك بكثير. ولما صدقوه قط. فمخاطبة الناس على قدر عقولهم هي الطريق للوصول إليهم. فالنص مربوط بزمانه. أما الروح فهي الباقية المتخطية لحواجز الزمن. و أن تقدس النص بعني أن تهمل الروح. اما أن يدفع بعضنا الخمول الذهني إلى الاعتقاد بأن الحل هو في الرجوع إلى دنيا الأسلاف والعودة بشرائع القرن السابع الميلادي وتطبيقها على إنسان القرن الحادي والعشرين فلن تكون النتيجة إلا ما نراه أمامنا من مأساة، مأساة المشروع ألدماري التي يرزح تحتها شعبنا اليوم. تصور أن تأتي في القرن الحادي والعشرين وتعاقب السارق بقطع يده. أي ترتكب في حقه جريمة أبشع من جريمة السرقة التي تعاقبه عليها. ومن هو السارق الذي تقطع يده ؟ إنه الذي يسرق من احدهم بضعة جنيهات يكفي بها حاجة، قد لا تكون ماسة، ولكنها حاجة على أي حال. أما الذي يختلس الملايين فلا تقطع يده. لماذا؟ " لأن له فيها حق ! ". أي أن المال العام مباحا بحكم شرعهم. ولكنه بعد أن يدخل جيوبهم يصبح محرماً تقطع يد سارقه. و إذا أردت نصاً بل نصوص تبرر هذه الشرائع الجائرة فان ذلك لن يعجزهم. " فالإسلام حمال أوجه " كما قال سيدنا علي بن أبي طالب " حمل وجه معاوية كما حمل وجه علي " ويحمل وجه الترابي كما حمل وجه جدي محمد أب قرن حديد. بل ويحمل وجه البشير كما حمل وجه جدي علي راجل المناقل أب سلطاناً حاضر. أولئك الذين اخذوا منه روحه يجملون بها أرواحهم و هؤلاء الذين لم يأخذوا منه غير نصوص يجملون بها وجوههم الشائهة و يسكنون بها نفوسهم المضطربة.
    لقد كان شعبنا مبدعاً ولماحاً كعادته عندما أطلق على الإخوان المسلمين اسم "الكيزان". فالكوز هو أداة غرف الماء وصبها. . وفي وسط الحركة الطلابية حيث نشأت حركة الأخوان المسلمين يسمي الطالب الحفيظ الذي يغرف من الكتب ويحفظ دون أن يفهم أو يطبق ما قرأ، يسمي بالكباب. فيقال لك:- " ما تقشك الهيصة دي دا كباب ساكت ". أي انه رغم لجاجته كلها ليس إلا حِفِّـيظ يكرر ما يحفظ دون وعيٍ منه.
    و عندما ظهر الإخوان المسلمين من بين هذه الفئة من الطلاب حفظة النصوص حاول زملاءهم أن يصنفوهم. فأدركوا أنهم لو صنفوهم من فئة الكبابين لن يكونوا قد أوفوهم حقهم. فقالوا : هؤلاء ليسوا فقط كبابين بل هم الكيزان ذاتها . و عندما قضت هذه التسمية مضجع الترابي حاول أن يقلل من شأنها بالسخرية منها كعادته. فراح يخطب في جمع من صحبه يقول لهم " يسموننا بالكيزان. نعم نحن الكيزان. لان الدين بحر ونحن كيزان نغرف منه" فرسَّخ التسمية أكثر.
    وهكذا، فالكوز هو الكباب من حفظة النصوص الذي يحفظ ويسترجع ويكرر ولا يكلف نفسه أن يبحث في معنى ما يقول. فحفظ النص واسترجاعه أثناء الليل وآناء النهار هو طريقه لتذليل صعاب الحياة الدنيا و فتح مغاليق الجنة في الآخرة. فالكوز يجد في النص الحل لجميع قضاياه. مشاكل ما قبل الموت وما بعده كلها تحل من خلال الإتكاء على النصوص. ولا سيما أن الموت هو المركز الذي تدور عليه حياة الكوز كلها. فهي ليست حياة حباً في الحياة و إنما هي حياة خوفاً من الموت. وهي لذلك حياة مهووسة بقضايا ألذات. هذا الهوس بقضايا ألذات هو الذي يطبع كل تصرفاته الدنيوية وأحلامه الأخروية بطابع جشع أصيل. فهو في سباق دائم مع الموت على نعيم الدنيا وفي وله غامر بالذات الإلهية طمعاً في الجنة وخوفاً من النار. حياته كلها سواءً كانت في الدنيا أو في الآخرة تدور حول الأطماع الشخصية. خطواته كلها يحكمها هاجس الموت وليس وعي الحياة. و هاجس الموت هذا ليس بالضرورة مربوطا بالزهد في الحياة ومباهجها.بل هو لا يولد الزهد الا عند القلة اليائسة او الأطيب نفسا من ان تنساق وراء ردة الفعل الأخرى. ولكنه في الغالب الاعم يولد حالة من الجشع والرغبة العارمة في تكديس اكبر قدر من الثروة في اقل وقت ممكن. فالمهووس بهاجس الموت في سباق دائم مع الزمن الذي لا يكاد يتأمله الا ويراه نفقا في نهايته كابوس الموت. فيشتعل خوفا وولها بالحياة. لذلك هم على هذا القدر من الطمع والجشع والغدر واللصوصية التي لم بعهدها شعبنا في أبنائه من قبل فاحتار في مصدرها حتى صار مفكريه يتساءلون:- ( من أين أتى هؤلاء ؟!). لقد أتوا من واقعنا الذي أنتج الكثرة من الطيبين وهذه القلة القليلة من الخبثاء. لكن لسوء الحظ وكما علمنا تاريخ البشرية جمعاء ان هذه القلة من الخبثاء هم اقرب إلى السلطة. لان حالة القلق وعدم الأمن الداخلي التي تسيطر عليهم تجعلهم أكثر محاولة من غيرهم. لذلك فقد استطاع الكيزان رغم أنهم قلة قليلة الوصول إلى السلطة. والاحتفاظ بها فوق العشرين عاما.
    أولا: من خلال دكتاتورية النميري، ثم بالالتفاف حول انتفاضة ابريل من خلال مجموعة سوار الدهب. وأخيرا من خلال انقلاب البشير ودكتاتورية الإنقاذ الجاثمة على صدر بلادنا حتى اليوم.
    ولكن، كيف تتوافق هذه الصفات الغريبة التي يتصف بها الكيزان مع الإيمان بالله والدعوة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. كيف يتوافق المكر والخداع والكذب والنفاق والجشع والسرقة والنهب والظلم والقسوة التي تجعلهم يعذبون ويقتلون دون وازع من ضمير، كيف تتوافق هذه الصفات مع طهارة الإيمان؟. إنها لا تتوافق ولكنها وجدت كنتاج طبيعي لحالة الاضطراب النفسي التي يعانيها من كان دافعه إلى الإيمان الشعور بعدم الأمان. وهي صفات ليست خاصة بمجموعة الكيزان في السودان، بل تتصف بها جميع الجماعات السلفية في العالم:- مالي السوق الإيرانية في قيادة الثورة الإسلامية في بإيران، تجار الأفيون في قيادة طالبان وتنظيم القاعدة بأفغانستان، تجار الوهم المالي بالقاهرة من أمثال الريان، ثم تجار السوق السوداء ومختلسي أموال الشعب من طفيلي الجبهة الإسلامية في السودان. كلهم تميزهم عن باقي خلق الله صفتي الجشع وعدم الأمانة. لماذا؟ لان إيمانهم والجشع وجهان لعملة واحدة، صفتين من منبع واحد هو الشعور العارم بالخوف وعدم الأمان والرغبة العارمة في تكديس المغانم. تمسكهم بدينهم هو طمع في الجنة وخوفا من النار. وتمسكهم بسلطتهم هو لهث وراء المطامع الفردية في سباق مع الموت.
    مجموعة من البشر هذه هي صفاتها وتلك هي دوافعها وهذه هي مرتكزاتها الفكرية والأخلاقية هل من الممكن ان تبني دولة عصرية؟
    - واحدة من مقومات الدولة العصرية الأساسية هي الديموقراطية واحترام الرأي الأخر وهذه كما أسلفنا تتناقض تناقضاً تاماً مع المرتكز الأساسي للفكر السلفي. القائم على ان الحقيقة واحدة وثابتة وأزلية، وان هناك فكر واحد صحيح ومنصوص عليه وما عداه باطل. لذلك فإن أي دولة قائمة على أساس هذا الفكر السلفي لابد ان تكون فاقدة لهذه المقومة الأساسية للدولة الحديثة، مقومة الديمقراطية. لابد ان تكون دكتاتورية بفظاعة الإنقاذ " ملك عضوض" .
    - و مقومة أساسية أخرى من مقومات الدولة الحديثة هي التعامل مع مواطنيها وتقسيم الحقوق والواجبات بينهم على أساس المواطنة وليس على أساس الدين او العنصر او اللون. وهذا بالطبع يتناقض أيضا تناقضاً تاماً مع وجهة النظر السلفية التي ترى ان الدين فوق المواطنة. و ان المواطن إذا كان يدين بدين آخر غير الإسلام ينبغي ان يهدى إلى الصراط المستقيم. فإن لم يهتد وجب عليه ان يدفع الجزية وهو صاغر؛ و إلا فدمه وماله وعرضه حلال. .. ومن هنا حول الإسلاميون الصراعات الإقليمية في السودان إلى حروب دينية وجهاد مقدس. ولم يتورعوا من ان يستخدموا فيها وسائل الإبادة الجماعية من قصف بالطائرات للقرى الآمنه؛ وإبادة بالأسلحة الكيمائية للزرع والضرع والبشر بدون أي وازعٍ من ضمير. بل بإيمان كامل بأن ما يفعلونه هو ما يرضي الله ويحقق مشيئته على الأرض.
    و الدين ليس هو عنصر المفاضلة الوحيد في نظر الإسلاميين. بل الأصل العنصري أيضا له وزنه. ففي نظرهم قريش قبيلة النبي هي أفضل الناس عنصراً. يليهم العرب عموماً. ثم بعد ذلك تأتي باقي القوميات الأخرى؛ وفي مؤخرتهم جميعاً العبد الأسود. وهم لا يفهموا مهما كان الأمر ان يتقدم العبد الأسود على سيده العربي؛ لان ذلك عندهم ايزاناً بقيام الساعة. او ليست واحدة من علامات الساعة ان تلد الأمة ربتها ؟! وعليه فهم يميزون بين مواطنيهم ليس فقط على أساس الدين بل أيضا على أساس العنصر، الجنس، واللون. . وهو شيء من الممكن فهمه وتقبله في القرن السابع الميلادي في مجتمع كانت العبودية فيه سائدة. إلى حد ان نبي الإسلام كان له عبيده، ولم يكن إمامه الا ان يطلب معاملتهم بالحسنى، وعتق رقابهم متى ما بدت سانحة. ولكنه شيء لا يمكن تقبله ولا فهمه اليوم. وخاصة مـن سـوداني؛ أيا كانت أوهامه العروبية.
    هذه النظرة الإقصائية التي يقوم عليها الفكر السلفي تجعله غير قادر على بناء دولة حديثة عموماً‘ وبشكل خاص في بلد كالسودان. لان السـودان يحتاج إلى ما يوحد عناصره وأعراقه و يصهرها لا ما يفرق بينها.
    - و واحدة من مقومات الدولة الحديثة أيضا: تطوير القدرات الإنتاجية للمجتمع والخروج به من مرحلة الإنتاج الزراعي والرعوي المتخلف إلى مرحلة الإنتاج الصناعي والزراعي المتقدم. وهذا يتطلب قدرات قيادية وتكوين ثقافي ونفسي وأخلاقي يتناقض مع مكونات الشخصية السلفية. فهم فكريا يؤمنون بان اشرف المهن هي التجارة لأنها مهنة المصطفى عليه السلام. أما الصناعة وخاصة الكبيرة منها وكذلك الزراعة الحديثة فيرون أنها تخلق تجمعات عمالية كبيرة تكون بمثابة بؤر تتوالد فيها منظمات الكفر والإلحاد والشيوعية. لذلك عندما استولوا على السلطة عن طريق النميري كان أول ما فعلوه هو تصفية السكة حديد لأنها كانت اكبر تجمع عمالي في السودان. وأخيرا عندما انفردوا بالسلطة.فككوا مشروع الجزيرة لأنه كان اكبر تجمع للمزارعين التقدميين بالسودان. ومن خلال إنتاجه الذي كان يسوق عالميا ويكفي الصناعات المحلية كانت ميزانية الدولة بعيدة عن العجز و في توازن تام ينعكس على سعر الجنيه السوداني الذي وصل في مرحلة من المراحل إلى ان أصبح أقوى عملة في العالم؛ يساوي 3$ وبالإسترليني يساوي 1.6 ₤ . و في بلد كالسودان به على الأقل 200 مليون فدان صالحة للزراعة وغير مستثمرة لم يكن مشروع الجزيرة الا البداية الأولى. وعندما حطمه هؤلاء الأوباش رجعوا بنا إلى الخلف عشرات السنين. أما السكة حديد فهي وسيلة المواصلات الوحيد الاقتصادية والفعالة في بلد بحجم السودان. لذلك فتحطيمها يعني تحطيم إمكانية التبادل والتواصل بين أجزاء هذا القطر القارة والعودة به إلى ما قبل دخول الاستعمار الانجليزى الذي دخلت معه السكة حديد إلى السودان.
    ومن هنا يتضح ان الرؤى السلفية عندما تجد طريقها إلى التطبيق في مجال الإنتاج توقف عملية التطور الإنتاجي نهائيا. وليست الرؤى السلفية وحدها هي التي تقف في وجه عملية التقدم الصناعي بل أيضا التكوين النفسي والأخلاقي لهذه الجماعات يشكل عائقا خطيرا أمام عملية تطوير القدرات الإنتاجية للمجتمع.
    السلفي كما بينا من قبل يحيى خوفا من الموت وليس رغبة في الحياة. وهو لذلك في سباق فردي مع الزمن. يلهث جاهدا ان يسبق الموت ويستمتع بنعيم الدنيا الزائلة قبل ان تزول. ولان الآخرين حوله ليسوا أكثر من مشاريع موت، عابري سبيل نهايته الموت. فهو قد يأسى لحالهم ولكنه لا يجد ما يربطه بهم غير هذا الدرب المظلم الذي التقى بهم فيه عرضا. وسيفترق عنهم فيه قريبا. هذا الانحصار في حدود مأساة الموت يجعله منغلق على ذاته ولا يرى الآخرين الا كعابري سبيل لا يعنيه أمرهم في شئ الا بمقدار ما يساهم وجودهم في تحقيق مصالحه الخاصة. هذه الذاتية المتأصلة فيه تجعله فردياً مطلق لا يقترب من الناس الا بدافع تحقيق مطمع ذاتي. وتجعله قادر على اقتراف أنواع من الجرائم تبدو متعارضة تماما مع ما يعلن من إيمان. وتجعله يتصف بصفات لا أخلاقية يحتار الكثيرون في مبعثها. وما يهمنا من هذه الصفات تلك الصفة التي جعلت منه رأسماليا طفيليا يمنع وجوده في السلطة عملية تطوير القدرات الإنتاجية للمجتمع. صفة الجشع والفردية المطلقة التي تميز السلفي بحسبانها نتاج طبيعي لرؤيا ه للكون والحياة. هذه الصفة عندما يصل المتصفين بها إلى السلطة تحل الكارثة على شاكلة ما حل باقتصاد بلادنا بسبب المشروع ألدماري. لان الجشع المفرط والبحث عن الربح السريع يجهض عمليات الإنتاج المتأنية الصبورة الأكثر ربحا وفائدة اجتماعية على المدى البعد. ويحل محلها عمليات التبادل التجاري والمالي ذات الربح السريع والعمالة المحدودة، وبتالي المنصرف القليل. وبسيادة هذه النظرة تتحطم الرأسمالية الوطنية الصناعية وتحل محلها الرأسمالية الطفيلية التجارية. فينفتح السوق المحلي أمام الصناعة الأجنبية ويتحطم المنتج الوطني امام المنافس الأجنبي الأكثر قدرة وخبرة. وإذا استطاع المنتج الوطني ان يصمد في وجه هذه المنافسة غير المتكافئة فستفرض عليه الدولة الطفيلية ضرائب قاتلة تحطمه ليفسح المجال لتجار السلطة السلفية ليسوقوا بضائعهم المستوردة دون ان يكون هناك أي إنتاج محلي منافس. وهكذا تتحطم الصناعات المحلية ومعها الرأسمالية الوطنية وتتوقف عملية النمو الاقتصادي والاجتماعي. ويتحول المجتمع كله إلى مستهلك. وهذه في النهاية عملية محطمة لذاتها اذ ان المجتمع غير المنتج تضعف قدرته الشرائية وبالتالي يصبح أيضا ضعيف الاستهلاك فتتجذر ألازمة بالصورة التي نراها الآن أمام أعيننا كنتاج للمشروع ألدماري.
    صحيح ان فتح السوق للمستثمر الأجنبي سيدخل بعض الصناعات ولكنها صناعات أجنبية وليست وطنية وهي صناعات تركيب لا تعتمد على الخامة المحلية. وهي لذلك جزء من عملية التسويق للمنتج الأجنبي أكثر منها عملية إنتاج حقيقية.
    ومن هنا يتضح ان أخلاق الإسلامي السلفي هي اضعف وأحط من أخلاق الرأسمالي الصناعي. لذلك فهي لا تؤهله لان يصبر صبر الرأسمالي الصناعي في انتظار عملية إنتاج طويلة المدى حتى وان كان ربحها مؤكدا. كما ان السلفي عموما يخشى الصناعة لأنه يراها تخلق تجمعات عمالية ستكون بؤر لتوالد النقابات العمالية وغيرها من منظمات الكفر والشيوعية.
    وعلية فان الفكر السلفي والتكوين النفسي للسلفيين معادٍ لعملية تطوير القدرات الإنتاجية للمجتمع. وبدون قدرات إنتاجية متطورة لا توجد علاقات إنتاجية متطورة، وبدون علاقات إنتاجية متطورة لا يوجد مجتمع متطور وعصري، وبدون مجتمع عصري لا توجد دولة عصرية. وهكذا فان الفكر السلفي لا يتعارض فقط مع الدولة العصرية بل يمنع وضع اللبنه الأولى في بنية الدولة العصرية الا وهي تطوير القدرات الإنتاجية للمجتمع.
    مما مضى يتضح لدينا ان الفكر السلفي يتعارض مع كل مقومات الدولة العصرية. وانه من غير الممكن قيام دولة عصرية على أسس سلفية.
    وينبغي ان بكون واضحا وجليا لدينا ان ما حدث خلال العقدين السابقين من تحطيم للبنية الاقتصادية للبلاد والبنية الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع وما حدث من إذلال وإرهاب وتجويع وتقتيل للبشر في كل بقاع السودان لم يكن نتاج خطا في التطبيق ولكنه كان نتاجا طبيعيا للتطبيق الدقيق للفكر الديني السلفي على واقع اليوم السياسي. كان نتاجا حتميا لمحاولة إقامة دولة دينية في هذا العصر لن تكون الا "ملكا عضوض". لان أمور الدين غير أمور الدنيا. ولان الناس أدرى بشؤون دنياهم من رجال الدين. بل أدرى بشون دنياهم عن رسول الله ناهيك عن ان تكون المقارنة بينهم وبين الترابي او البشير. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يتناقش مع صحبه في أمر من أمور الدنيا ويبدي رأيا لا يستحسنوه يسألونه:- اهو وحي منزل أم رأيٌ ارتأيته ؟. فيقول لهم:- " بل هو رأي ارتأيته.". فيقولوا له :- كلا . لقد جانبه التوفيق. والصحيح هو كذا..... وكذا. فيُأمِّن على رأيهم بقوله:-"انتم أدرى بشؤون دنياكم". وهكذا فاعلم الناس بشان الدين قد يخطئ في شؤون الدنيا. لان شؤون الدنيا غير شؤون الدين. لذلك فان ما حل بالبلاد من كوارث كان نتاجا طبيعيا للخلط ما بين شان الدين وشؤون الدنيا. لتطبيق نصوص الدين على شؤون الدنيا.
    وما حل بالبلاد من دمار اقتصادي وسياسي وحروب اشتعلت في كل أجزائها وتفكك في أوصالها قد يفهم الناس العلاقة ما بينه وما بين أخطاء الفكر والأخلاق الأصولية السلفية. ولكن الشئ الذي لم يفهمه الكثيرون هو الانهيار الذي حل بالقيم والأخلاق في مجتمع المعلوم عنه انه من أقوى مجتمعات المنطقة قيما وأخلاقا. وان يحدث ذلك في ظل سلطة تدعي أنها إنما جاءت من اجل مكارم الأخلاق. فالمعلوم والمؤكد انه خلال الاربعة عشر عاما الماضية قد وصل مستوى القيم والأخلاق في المجتمع السوداني إلى درك لم يعرفه مجتمعنا من قبل. و ذلك على مستوى قيادات الدولة أولاً ثم على المستوى العام.
    على مستوى قيادات الدولة أصبحت السرقة والرشوة و الاختلاس والابتزاز والكذب والنفاق و القش والخداع هي مواصفات ومهام رجل الدولة الناجح. ومعها العمل الدءوب على تجريد أفراد الشعب من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى وتحويلها كلها إلى استثمارات خاصة يسترزق منها سدنة النظام. ثم النظر من شرفات السلطة إلي الشعب وهو يعاني من تلك الجرائم دون أن يطرف له جفن او يؤنبه ضمير. بل عليه بعد ذلك ان يجيد وعظ الشعب ليتقبل الآثار المدمرة لجرائمهم تلك بحسبانها ابتلاءات إلاهية...... حقاً من أين أتى هؤلاء !!؟
    هذا على مستوى قيادات الدولة. أما على مستوى أفراد الشعب فقد انعكست الحالة الاقتصادية ، بوضوح تام، على المستوى الأخلاقي. فالتمايز الطبقي الحاد والفقر أدى إلى انتشار واسع لظاهرة السرقة والتسول والتجارة في الممنوعات بأنواعها. فانتشرت المخدرات والخمور البلدية والإفرنجية بأنواعها. وانتشرت الدعارة بشكل لم يسبق له مثيل وفي أوساط كنا نراها نحن – أجيال ما قبل الإنقاذ- أوساطا محصنة تماما من مثل هذه الرذائل. ولكنها لم تعد كذلك في عهد الإسلاميين الذين يفخرون بأنهم قد منعوا الخمر وقفلوا بيوت الدعارة والمواخير في الخرطوم. و لكنهم في الحقيقة قد حولوها كلها إلى ماخور كبير.
    والحقيقة ان انتشار الرذيلة في الدول الإسلامية ليس ظاهرة خاصة بدولة الأخوان المسلمين في السودان بل هي ظاهرة ميزت كل( ملك عضوض) قام باسم الإسلام. ففي إيران تقول الإحصائيات الرسمية ان الدعارة قد تضاعفت في ظل دولة الملالى بمقدار 6 اضعاف عما كانت عليه في أيام الشاه. أما في أفغانستان ففي ظل دولة طالبان انتشر الشذوذ الجنسي والأفيون إلى الحد الذي جعل بعض مشايخهم يحللونها بدعوى ’’ ان المؤمنين موعودون بها في الجنة ‘‘.
    ورغم كل ذلك يدعون ان مهمتهم الأساسية في هذه الحياة هي تنقية النفوس وتطهيرها وتخليص المجتمع من الجرم والرذيلة.
    مشكلة السلفيين أنهم لا يفهمون العلاقة بين الأخلاق والواقع الاقتصادي والاجتماعي. فالفكر السلفي لا يرى من مسببات لاقتراف الجريمة او السقوط الأخلاقي غير نسيان تعاليمه والنكوص عنها. وعندما يمعن النظر في مسببات هذا النكوص لا يرى خلفه غير الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس. فهو لا يفهم الجذور الواقعية اجتماعية كانت او ذاتية للسلوك الإنساني بسبب ابتعاده الدائم عن الواقع ووقوعه المؤسي في أحضان الغيب. الشيء الذي يجعله يخطئ الحكم دائما وابدآ. ولانه يخطئ في فهم المسببات يخطئ أيضا في وصفته العلاجية. فهو لا يرى من علاج لهذا الوسواس غير النصح والإرشاد ’’ الموعظة الحسنة‘‘. اى ان كل المشاكل مهما كانت امتدادات جذورها الواقعية علاجها في الكلمة. فالكلمة هي صاحبة السحر الأعظم. فبالكلمة يمكن ان تزيل كل صعاب الواقع وتفتح كل مغاليق الغيب. هكذا يؤمن ويتصرف السلفيون. ويتبدى ذلك في عشقهم المجنون للجاجة إلى الحد الذي يجعل قادتهم لا يتورعون من إلباس كل ضروب الخيال والكذب والنفاق ثوب الحقيقة. فالحقيقة عندهم هي كلمه منمقة وليست واقعة مقنعه. وعندما تواجههم بالكوارث الاجتماعية القاسية التي تمخضت عنها تجربتهم يطلبون منك ان تتعايش مع تلك الكوارث وتتقبلها باسم الابتلاءات الالاهية.
    لقد برهنت جميع تجارب الدول الدينية التي تدعي عندما تبدأ أنها أتت من اجل مكارم الأخلاق ثم تعمر وتشيخ اعتمادا على مفاسدها، برهنت هذه التجارب، ان المعتقدات الدينية رغم آثارها الهامة لا تشكل الأساس الأخلاقي للناس. وإنما الواقع والتجارب الحياتية هي المشكل الأساسي للبنية الأخلاقية سواء ان كان ذلك على المستوى الفردي او على المستوى الجماعي.
    على المستوى الفردي لو استقصى كل منا حالات التدين في جيله سيجد ان معظم، ان لم يكن، كل المتشددين دينياً كانوا من أصحاب العاهات الخلقية. او على اقل تقدير كانوا يتميزون بشذوذ الطباع. مما جعلنا نرى ان التجاءهم إلى الدين إما كان بدافع الشعور بالذنب او حبا في التخفي. ولكن يبدوا ان هذا التفسير لا يحوي الحقيقة كلها. لأنهم لو كانوا يتجمعون في تلك المنظمات السلفية بقصد التخفي فقط لتركوها بعد ان ساءت سمعتها واشتهرت بأنها مركز لتجمعات الشواذ، إلى حد ان اسم( الكوز) أصبح مرادف لصفة الشاذ جنسيا. وفي محاولة أخرى لفهم هذه الظاهرة نشاء تفسير آخر يقول ان الشذوذ الجنسي قد انتشر بين الأخوان المسلمين لأنهم مجموعة شباب قد حرَّموا على أنفسهم العلاقات الطبيعية مع الجنس الآخر، حتى الأخلاقي منها والمقبول اجتماعيا عندهم محرم. ولأنهم شباب ولهم احتياجات طبيعية لابد من اكفائها إلتجأوا إلى الشذوذ الجنسي بديلا للعلاقات الطبيعية المحرمة عليهم. وهذا التفسير أيضا يبدو ان به بعض الثغرات. فلو كان هذا هو السبب الوحيد لهذه الظاهرة لاختلف مظهرها عنما هو عليه الآن ولأصبح تجمعهم تجمع شواذ من النوعين ( السالب ) و(الموجب) . وليس كما هو عليه الآن تجمع لنوع واحد هو النوع السالب اللواطي. لذلك فعلينا من اجل فهم هذه الظاهرة ان نفهم التكوين النفسي والعضوي لهذه النوعية من البشر ثم نستنتج بعد ذلك الظروف التي كونتها ومدى توفر هذه الظروف في محيط المنظمات السلفية.
    من الناحية النفسية اللواطي رجل ضعيف ومنهزم وممارس لجلد ألذات. يجد المتعة في الانكسار والألم. وتكوينه النفسي هذا في حالته المرضية تلك يكون عادة متبوع باختلالات فسيولوجية يمكن رصدها مختبريا بالأجهزة المتوفرة في المختبرات الطبية حاليا. وأهم هذه الاختلالات الفسيولوجية هي اختلال نسبة الاندروجين إلى نسبية الاستروجين بنقصان الأول وزيادة الثاني عن حده. هذا الاختلال الهرموني في حالة استدامته كما هو الحال في جسم اللواطي يكون مسببه اختلال في عمل الغدة النخامية. وهي غدة صماء في قاع الدماغ شديدة التأثر بالحالة النفسية للفرد خاصةً في طور البلوغ. فحالات القلق والخوف المستديم خلال سنوات المراهقة تؤدي إلى اختلال نسب إفرازات هذه الغدة من الهرمونات المطلوبة. الشئ الذي يؤدي في الغالب الاعم إلى زيادة إفراز هرمون الأنوثة و نقصان إفراز هرمون الذكورة عند الرجال. فحالة قلق مرضي أو خوف مرضي كالفزع الدائم من شبح الموت الذي يسيطر على كل تصرفات السلفي ويشكل حياته، إذا ما الم به في سنوات المراهقة الأولى، فهو حتما سيؤدي به إلى أن يصبح (كوز) له كل صفاتهم المعلن منها والمخفي.
    إذاً فجميع الحالات المرضية التي يتصفون بها حتى حالة الشذوذ هذه نابعة من ذاك الخوف المرضي الذي يسيطر على حياتهم ويطبعها بطابعه ليجعل منها حياة خوفا من الموت لا حياة رغبة في الحياة.
    وقد يقول قائل: ولماذا لا نخشى الموت. أليس هو مصيرنا المفزع أجمعين. أو ليست كل نفس ذائقة الموت. أو ليس الموت حقيقة أزلية باقية ومهلكة ولا مفر منها.
    كلا... ليس الموت. بل الحياة هي الحقيقة الأزلية.. فأنت لا تموت قط. لأنك تبقى في الآخرين...ولأنك تبقى فيهم بمقدار ما تعطيهم فاجزل العطاء الحسن لتبقى بقاءً موجبا ومطوِّرًا لا بقاء سالبا ومؤخِراً.
    لكي نبقي الإسلام حيا وقويا ينبغي أن نعمل عقولنا لا أن نغرف من نصوصه وندلق. أما أن نصر على مخاطبة الناس في القرن الحادي والعشرين بالنص الذي خوطب به الناس في القرن السابع الميلادي "وعلى قدر عقولهم" فهذا ما يضر بقضية الإسلام والمسلمين وكفانا تجربة الإنقاذ دليلا.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de