مدارس الإبداع في الإذاعة السودانية زين العابدين صالح عبد الرحمن

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 02:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-05-2014, 04:40 AM

زين العابدين صالح عبد الرحمن
<aزين العابدين صالح عبد الرحمن
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 914

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مدارس الإبداع في الإذاعة السودانية زين العابدين صالح عبد الرحمن

    تعتبر الإذاعة السودانية و التي تأسست عام 1940، رائدة العمل الإعلامي و الإبداعي في السودان، و قد قادت العمل الإعلامي قرابة ربع قرن، حتى تأسس تلفزيون السودان في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، و تأثرت الإذاعة السودانية في عملها و طريقة إخراج البرامج و تصنيفها بمدرسة إذاعة BBC " " باعتبار إن السودان كان تحت الاستعمار البريطاني، و كانت ترسل بعثات لتدريب الإذاعيين في إذاعة " BBC" الناطقة بالغة العربية، و عندما عاد هؤلاء نقلوا تجربة الإذاعة البريطانية، و هي المدرسة التقليدية في العمل الإعلامي, " مرسل + رسالة + مرسل إليه + مؤثرات صوتية" و الأخيرة الهدف منها هو إعطاء البرامج شخصيتها الاعتبارية إلي جانب تحديد الفواصل بين المواد، و إعطاء فرصة للمستمع الاستعداد للمادة الأخرى" تنبيه ذهني، مثلا لذلك كل السودانيين يعرفون الموسيقي المستخدمة في مقدمة كل برنامج "التيترات" " الأخبار – الدراما – ما يطلبه المستمعون – حقيبة الفن – لسان العرب و غيرها من البرامج" و المدرسة التقليدية في العمل الإذاعي، هي المدرسة التي كانت منتشرة في الإذاعات القومية، و تأخذ نفس الطابع مع اختلافات بسيطة هنا و هناك، و تعتمد في تميزها علي قدرة المبدعين و المذيعين في استخدام قدراتهم الذاتية، إلي جانب استخدام المؤثرات الصوتية، و الهدف منها هو جذب الانتباه من جانب، و الجانب الأخر القدرة علي تحريك ملكات الخيال عند المستمع.
    في هذا المبحث لا أريد أن أدخل في عملية تعريف بالعمل الإذاعي، باعتبارها ليست موضوعنا، و فقط سوف أتناول المدارس التي بدأت تظهر من خلال المبدعين الإذاعيين في العمل الإذاعي، و هذه المدارس لها أسبابها، كان في السابق يتم التعين للإذاعة من خلال وزارة الثقافة و الإعلام, و قبله مكتب الإرشاد, و أغلبية الذين تعينوا قبل و بعد الاستقلال كانوا من الحاصلين علي الشهادة السودانية، و لكن في أوائل سبعينات القرن الماضي، بدأت تعين الإذاعة خريجي الجامعات السودانية، ثم الذين تخرجوا من كليات الإعلام، و خريجي معهد الموسيقي و المسرح في ذالك الوقت، هؤلاء عندما جاءوا إلي الإذاعة جاءوا مصقولين بالمعرفة النظرية للعمل الإعلامي، و مطلعين علي المدارس الإعلامية المختلفة، و كيفية الاستفادة من علم النفس و علم الاجتماع في محتويات الرسالة, و محاولة أن تكون هناك نقلة نوعية في العمل الإذاعي، هذا التوجه كان يمكن أن لا يتم تطبيقه إذا لم يجد قامات إعلامية تسمح بمروره، و بالفعل قيادات العمل الإذاعي الأوائل قدموا كل عون لهذه الطلائع الجديدة في العمل الإعلامي، و هنا أشير لمرحلة زمنية معينة، أوائل السبعينات حتى الوقت الحاضر.
    المدرسة التقليدية في العمل الإذاعي
    كانت الإذاعة تعمل علي هدي المدرسة التقليدية، و لكن هي أيضا، كانت تقسم إلي مراحل، أضافت عليها تطوير و تحديث مهم، المرحلة الأولي يمثلها البروفيسور علي محمد شمو، و تبدأ بصماته بعد عودته من الولايات المتحدة، حيث نقل نوع جديد في العمل الإذاعي من التجربة الأمريكية American Voice"" و هي تعتمد علي تقديم كمية كبيرة من المعلومات في الرسالة الإذاعية، مع تسلسل تاريخي لأحداث الرسالة، مع مؤثرات صوتية يراع فيها التطور التاريخي للرسالة، و هذه المدرسة ليس تهدف فقط لتوصيل رسالة إلي مستمع، أنما السيطرة كاملة علي المستمع، و بالتالي تكون الإذاعة مرجعية أساسية للمستمع في الحصول علي المعلومات، و هذا يرجع إلي إن الولايات المتحدة دولة متنوعة الثقافات و متعددة الأديان، و مجموعات سكانية من مختلف اتجاهات الكرة الأرضية، و الرسالة الإعلامية تهدف لخلق نوع من الترابط الوطني، و محاولة التعريف الكامل للقادمين الجدد بالولايات المتحدة، و لكن علي شمو لم يستمر طويلا حتى يرسخ هذه التجربة لكي تكون أحد أعمدة البناء الإذاعي، لكن التجربة نفسها كانت ضرورية لأنها قدمت خطوط عامة حول الاختلافات في المدرسة التقليدية نفسها، و إن كان في الولايات المتحدة هناك مدارس بدأت تظهر تنافس المدرس التقليدية في ذلك الوقت، و تقدم رؤية جديدة في العمل الإذاعي من خلال إذاعات " FM " ذات الإيقاع السريع، و هي أحدثت تطور في الرسالة الإعلامية و خرجت بها من الغرف المغلقة إلي الهواء الطلق.
    المرحلة الثانية يمثلها الأستاذ محمد خوجلي صالحين، و هي مرحلة قد عادت بنا مرة أخري للمدرسة التقليدية البريطانية، و لكن صالحين كان يعتقد إن التركيز في العمل الإذاعي أن يكون في الأخبار و توابعها من تقارير و حوارات صغيرة و تصريحات لمسؤولين تكمل رسالة الخبر، و هو ذات النهج لإذاعة " BBC " باعتبار إن الإذاعة ترتبط عضويا بشؤون الدولة، لذلك الأصل فيها تقديم خدمة إخبارية ، كما كان يعتقد صالحين، و يعتقد إن واجهة الإذاعة صوت المذيع، فكان تركيزه علي المذيعين أكبر، باعتبار إن المذيعين هم القادرين من خلال ملكاتهم جذب المستمع، و ظلت الإذاعة تحافظ في أدائها علي المدرسة التقليدية، و هذا راجع إلي إنها الإذاعة الوحيدة في البلاد، ليس هناك منافسا لها، و نسبة الأمية العالية في المجتمع، إلي جانب ضعف مستوي المعيشة " Standard of living " الذي جعل الإقبال علي الإذاعة، باعتبار ليس هناك خيارات أخري متاحة، مشكلة هذه المدرسة أنها تحافظ علي الارتباط المباشر بالسلطة السياسية في أية تطور يمكن أن يحدث، الأمر الذي يجعل العاملين يشتغلون بنصف طاقتهم الإبداعية, و يلتقي مع صالحين،الأساتذة محمد سليمان و صالح محمد صالح و معتصم فضل، و إن كان محمد سليمان حاول تدعيم العملية الإخبارية من خلال تقديم برامج تصب في ذات المنهج، و هذه المرحلة حدثت لها تقاطعات مع المرحلة الثالثة كان يمثلها الأستاذ محمود أبو العزائم، الذي خرج من دائرة أن تكون الأخبار محور العمل الإذاعي إلي دائرة أوسع و اشمل، في إن العمل الإذاعي يجب أن يحتوي علي تنوعات غير مرتبة و مصنفة تصنيفا ثابتا، بل التصنيف يحدده المستمع، و لكن يقوم العمل الإذاعي علي المبدعين، و لذلك كان مهتم جدا بالأشخاص الذين يقدمون مبادرات برامج غير مسبوقة، و يحاورهم فيها، و كان هذه المدرسة يمثلها الأستاذ محمد عبد الله عجيمي و تم تطبيقها في إذاعة صوت الأمة، و الخاتم عبد الله و البروفيسور صلاح الدين الفاضل و كل هؤلاء أصبحوا مدراء للإذاعة السودانية، و إن كان البروفيسور صلاح الدين الفاضل بعد ذلك بني مدرسته الخاصة، و التي تعتبر أهم مدرسة في العمل الإذاعي.
    مدرسة صناعة الشخصية الإذاعية
    تعتبر مدرسة صناعة الشخصية الإذاعية، أهم مدرسة تقوم بصناعة الإذاعي الملم بكل فنون العمل الإذاعي، و هذه المدرسة رائدها البروفيسور صلاح الدين الفاضل، من خلال قسم الدراما في الإذاعة السودانية، و من خلال هذا القسم الذي كان رئيسه، كان يقوم بدراسة الشخصية الإذاعية دراسة دقيقة، و يختار العناصر التي يريد أن يجري تجربته فيها، و من الملاحظ كانوا جميعا من خريجي معهد الموسيقي و المسرح، و أيضا الملفت للنظر كان الحاملين لدرجة البكلوريوس من كليات الإعلام يفضلون الذهاب إلي إدارة الأخبار و السياسية و القسم الثقافي، في الإذاعة، يعتقد صلاح الدين الفاضل إن أية شخص يختزن في عقله الباطني صور جمالية و تعبيرية و تشكيلية، و إن هذه الصور لا يمكن أن تخرج للواقع إلا إذا حدث استفزاز كبير للمبدع من خلال دائرة لإبداع التي يعمل فيها، لذلك درج صلاح الدين الفاضل أن يستفز الشخص الذي أمامه و يواصل العملية الاستفزازية في الحقل العملي بهدف أن يفجر كل الطاقات الإبداعية المكبوت لديه، و لكن هذا النوع من التعليم يعتمد لفهم المبدع لصلاح الدين الفاضل، و دائما تجد الفاضل عند ما يقوم بعملية الاستفزاز تجده رسم تكشيرته المعهودة علي وجهه و بدأ ينظر للشخص في أم عينيه لكي يتحسس إلي أية درج كان الاستفزاز، ثم بعد ذلك يبدأ الحديث حول الرسالة التي يريدها و معرفة قدرة المتلقي علي التجاوب، فإذا كان الاستفزاز قد أحدث أثرا إيجابيا هو المقصود، يساعد علي خروج الصور التعبيرية، و فتح الشهية للعمل، و إذا كان الاستفزاز أحدث أثرا سلبيا، يعتقد الشخص إن الفاضل قلل من شأنه و لا يرغب في تعليمه، و هذا الشخص ربما تكون عنده الطاقات الإبداعية عادية، و ليس طاقات خلاقة تساعده علي الإبداع.
    لا يهتم صلاح الدين الفاضل ماذا تريد أن تقدم، في مقبل حياتك في العمل الإذاعي، و لكن المهم عنده، كيفية صناعة المبدع الإذاعي المتكامل البنيان، و لا يقدم الفاضل محاضرات نظرية أنما رسالته التعليمية خليط بين النظري و العملي، و يعتقد إن الذين تخرجوا من الجامعات ملمين بالدراسة النظرية، و هم في أمس الحاجة للتطبيق العملي، لذلك توقع سؤال نظري منه قبل بداية أي عمل تطبيقي، و عادة لا يوجه السؤال لصاحبه، أنما لأي شخص يعتقد أنه لا يعرف الإجابة، و في هذا الأثناء يكون المقصود بالسؤال قد جمع ذاكرته و أصبح مستعدا للجواب، و فجأة يلتفت للشخص المقصود و يقول في سؤال استفزازي، أنت تعرف الإجابة...!
    هذا الاستفزاز يستمر حتى بعد ما يشعر إن الشخص قد تم بنيانه علي الأساس السليم، و هناك أمثلة كثيرة، عندما يتم تعين أية شخص في الإذاعة يرسل إليه " الباشكاتب" خطاب يوضح فيه القطاع الذي يجب أن يذهب إليه، ثم يمر الشخص علي كل قطاعات الإذاعة، و بعدها يختار الشخص القطاع الذي يرغب العمل فيه، بعد توزيع الخطاب بخمسة دقائق يكون صلاح الدين الفاضل أمامك بأسئلته الاستفزازية، فعندما تم تعيني في الإذاعة، و تسلمت خطاب التعين، طلب مني أن أذهب لقسم الأخبار أولا، و هناك جدول زمني لكي أمر علي كل القطاعات في الإذاعة، و بعد خمسة دقائق، جاء شخص و جلس في المقعد جواري، و مد يده و قال " أنت زين العابدين، قلت: نعم قال: أنا صلاح الدين الفاضل أنت منو، قلت زين العابدين، ما أنا عارف هسع أنا ما قلت أنت زين العابدين، سؤال أخر جاي هنا تسوي شنو، عندك شنو، أنت درست شنو، و كان سؤاله الأخير " متين سوف تمر علي قسم الدراما " قلت بعد شهر، و لكن للأسف إن إدارة السياسية و الأخبار رفضت تماما أن أذهب إلي أية قسم و أظل فيها، و رغم تحريضي من صلاح الدين الفاضل بأن هذا من حقي، استطعت بعد سنتين إقناع نائب مدير الإذاعة صالح محمد صالح، أن أذهب لقسم الثقافة، الذي كان يرأسه محمد سعيد دفع الله و نائبه عبد المطلب الفحل، و بعد ثلاثة أيام فقط استلمت جواب من الإدارة، بأن أرجع فورا مرة أخري لإدارة الأخبار و السياسية، و ذهبت للفاضل شاكيا، أرسل إلي المخرج سيد أحمد إبراهيم، و قال له زين العابدين من اليوم سوف يعمل معاك في مجلة المساء، و رغم ذلك طاردني البروفيسور و تعلمت منه أهم شيئين " كيف تصنع ميزانية للعمل تحتوي علي الثلاثة أقسام الفصل الأول و الثاني و الثالث" و كيف تصنع "خارطة للعمل الإذاعي" و هي التي الأشياء التي ساعدتني بعد تركي للإذاعة في عمل المركز السوداني للثقافة و الإعلام في القاهرة.
    إن استخدام صلاح الدين الفاضل الاستفزاز كوسيلة لإخراج الذات الإبداعية عند الشخص، هناك من يعتقد أن الأنا عند صلاح الدين الفاضل متضخمة و هي كذلك و لكنها "أنا" غير نرجسية لا تقف في حدود حب الذات، و لكنها "أنا" إيجابية إذا نظرت لها من الباب المعرفي، إن الإنسان يجب أن يكتشف القدرات الإبداعية التي يمتلكها، و يحاول توظيفها قدر المستطاع في أعماله، لكي يضع بصماته في العمل الإذاعي، و هذا الإبداع هو الذي يقدمك للمجتمع، و عليه يجب أن تضع نفسك في المكان الذي يليق بهذا الطفح الإبداعي، و يفرق بين شيئين التواضع الاجتماعي خارج دائرة العمل، لا يمنع طموح الذات و إيجاد موقعها بين المبدعين، و الأنا هي نفسها التي كانت تفجر في صلاح الدين الفاضل الطاقات الإبداعية، و جعلته يميز نفسه كمدرسة جديدة في العمل الإذاعي، تقوم علي الإبداع و في نفس الوقت علي صناعة الإذاعي.
    يتعامل صلاح الدين الفاضل مع المبدع، كمخزن للطاقة الإبداعية، و الصور الجمالية، و إن المتلقي للرسالة الإذاعية نفسه يحمل ذات الصور الجمالية و إن كانت تتفاوت في الدرجة، و لكن علي المبدع، أن يتعلم كيف يتعامل مع الذين يراد توصيل الرسالة لهم باعتبارهم مبدعين لا يقلون شيئا عن إبداعه و الرفق هو الوظيفة، هذا الإحساس بالندية الإبداعية، يعتبر هو التحدي الذي يجعل المبدع يقدم أقصي ما لديه من أبداع في الرسالة الإذاعية، و يطرح المبدع سؤالا كيف سوف يتعامل المستمع مع المادة الإذاعية، و هذا التخيل يعد عصب الإبداع الذي يحدد نفسية و سلوك و ردة فعل المستمع مع الرسالة الإذاعية، و هذا الإبداع المبذول من الجانبين المرسل و المتلقي هو الذي يجعل للرسالة واقع جديد، و تتحول من نصوص مجردة و معلومات إلي نصوص إبداعية في غاية البهرجة، بتفاعلها بين الجانبي المرسل و المرسل إليه، و هو ما أطلق عليه صلاح الدين الفاضل، الرؤية عن طريق الأذن، إذن ما هو الهدف من ذلك؟
    الرسالة الإذاعية عند صلاح الدين الفاضل، يجب أن تحتوي علي عدد من المضامين، و كل مضمون يجب أن يؤدي مفعوله في التنمية الثقافية عند المتلقي، و لكن التأثير لا يتم إلا إذا كانت الرسالة نفسها تحتوي علي العديد من الأسئلة، تجعل المستمع يجتهد من أجل الإجابة عليها، هذا الاجتهاد هو قوام الوعي الذي تولده الرسالة الإذاعية، و الإجابة لابد أن تكون عن طريق التخيل، و مصحوبا بالتعبير الجمالي، الذي يعزز تنمية الوجدان المشترك، و في نفس الوقت الانتقال إلي بناء مقومات الشخصية الوطنية، و هي رسالة تتداخل معها مؤسسات كثيرة، و لكن في المؤسسة الإذاعية، كانت رؤية الفاضل أن تهيئ الشخص لتقبل الرسائل الأخرى، من خلال التأثير الوجداني " Emotional effect " و هذه تعتمد علي كيفية استخدام المؤثرات الصوتية، و اختيارها الذي يتناسب مع الرسالة، لذلك تجد الفاضل يميل لاستخدام عدد من المؤثرات في الرسالة الواحدة، بسبب إن الرسالة تحتوي علي عدد من المضامين، و يفضل المؤثرات الطبيعية الناتجة من البيئة، عن المؤثرات الموسيقية و الاصطناعية، باعتبار إن الخيال نفسه يتولد من البيئة، و هنا يختلف صلاح الدين الفاضل عن المدرسة التقليدية التي تعتمد علي قدرة المذيع في الوصف للحدث و المكان، دون حاجة لتدخل مؤثرات أخري، باعتبار إن الوصف الدقيق يساعد علي التخيل عند المتلقي.
    كما ذكرت أن البروفيسور صلاح الدين الفاضل رجل قلق جدا، لا يقتنع بما وصل إليه، رغم أنه كان في فترة من الفترات نائبا لمدير الإذاعة، إلا أنه كان يعتقد أن التعليم أصبح أكثر ضرورة، لذلك رجع لقاعات الدراسة و التحصيل في الدراسات العليا، لكي يكمل رسالته في كيفية صناعة الشخصية الإذاعية المبدعة، و ليس غريب أن ينتقل من استوديوهات الإذاعة، إلي قاعات الدراسات في الجامعات السودانية لكي يكمل رسالته, و تخرج من هذه المدرسة كل من، عماد الدين إبراهيم و إبراهيم البزعي و خطاب حسن احمد و السر السيد و احمد طه أمفريب و صلاح التوم و كمال عبادي و الشاذلي عبد القادر وعبود سيف الدين، و محمد خفاجة و سلمي الشيخ سلامة و سيد احمد إبراهيم و غيرهم، و عندما أنشئت الإذاعات الإقليمية في الثمانينات من القرن الماضي، استطاع صلاح أن يعين في رأس إداراتها عدد من تلاميذه، و كان متأكدا إن هؤلاء قادرين علي مواجهة التحدي، و بالفعل استطاعوا أن يقدموا عصارة ما عندهم من الإبداع، و نجحوا في رسالتهم، و إن كان كل واحد فيهم حاول أن ينطلق من ذات القاعدة التي شيدها صلاح الدين الفاضل، و لكن كل منهم استطاع أن يقدم بصماته الشخصية، و استطاعت الإذاعات الإقليمية تخلق شخصياتها الاعتبارية، و ترسخ قيم جديدة في العمل الإبداعي لا يمكن تجاوزها، و إن كانت هناك بعض الانتقادات لا تقلل من الأداء، و لكن تقدم رؤية جديدة في المدرسة الإذاعية، سوف يتم تناولها في مقال أخر، و هي قضية تفتح أفاق أخري للحوار في المجال الإبداعي للعمل ألإذاعي.
    مدرسة الحوار الإذاعي
    رواد هذه المدرسة في الإبداع الإذاعي، اتخذوا ذات الطريق الذي اتخذه واصل بن عطاء عندما هجر أستاذه حسن البصري، و كون مجموعته الفكرية " المعتزلة" و أيضا هؤلاء " السر السيد و خطاب حسن احمد و محمد طه امفريب" بعد نهلوا المعرفة من أستاذهم صلاح الدين الفاضل في التطبيق و التجريب، و اتفقوا معه في الأسس التي تقوم عليها مدرسته في الإبداع إلا أنهم أخذوا خطوة أخري هي التي ميزت مدرستهم، حيث يعتقد هؤلاء الثلاثة، ما دام الإبداع الإذاعي يقوم علي قطبين من الإبداع المرسل و المرسل إليه، و أن يكون التفاعل عبر الرسالة التي يتلقها المرسل إليه، من الأفضل إن يتم حوار مباشر بين الرسالة و المرسل إليه، و من خلال هذا الحوار يتحول المرسل إليه هو نفسه المرسل للرسالة، و يصبح الإذاعي هو المشرف علي الحوار، حتى لا يخرج من إطاره الجمالي، بمعني إذا أردنا الحديث عن ثقافة الشكرية أو العرب الرحل أو النوبة، فبدلا من أن يقوم شخص بالبحث عن المصادر و استخراج المعلومات منها حول هذه الثقافة، يجب أن يكون الاتصال مباشر مع أهل هذه الثقافة و هؤلاء يتحدثون عن ثقافتهم دون أية رتوش و من خلال صورهم الجمالية البيئية، و يبقي دور الإذاعي هو مشرف علي هذا الحوار، حتى لا يجعله يخرج عن الدائرة المرسومة إليه، هذه النقلة في أن يكون المرسل إليه هو مرسل الرسالة، سوف تخلق صور جمالية قريبة للبيئة من جانب، و الجانب الأخر يستفز الآخرين في أن يكونوا علي هبة الاستعداد للحديث عن ثقافاتهم، إذن ما هو الهدف من أجل ذلك؟
    قبل الإجابة علي السؤال لابد من الإشارة النقاط مهمة، إن هؤلاء الثلاثة تخرجوا من معهد الموسيقي و المسرح، درسوا العديد من النظريات في الفنون المسرحية و الجمالية، و درسوا إشكالية الثقافة في المجتمعات، إذا كان قد تناولها علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا، و من خلال الحوار معه و كتاباتهم تجدهم قريبين للنظرية " Theory of Socio Cultural Viability" التي تربط التفاعل بين الأنماط الثقافية و العلاقات الاجتماعية، و لكن كانت تنقصهم الدراية الكاملة بنظريات الاتصال و التي ليست بعيدة عن تخصصاتهم و لكنها ليست " As directly touch " و هذا الذي جعلهم يتواصلون مع البروفيسور صلاح الدين الفاضل، هذه المرجعية العملية و خاصة في نظريات المسرح، هي التي هدتهم إلي مسألة الحوار، فالمسرح هو اتصال مباشر بين الجمهور و الممثل، و يدور الحوار في فضاء يسمح بعد المرات بالخروج عن النص، و هذا المفهوم جعلوه في العملية الإذاعية إن تكون الإذاعة هي خشبة المسرح، و يكون المجتمع هو المسرح، و هذا التمازج في النظريات، أخرج ما يسمي بمدرسة الحوار الإذاعي، و لا يميل إلي " Sermonic Dialogue " حتى يكون منفرا، أنما يعتمد علي الحوار الخلاق " Creative Dialogue" و الاختيار السليم و القدرة علي إدارته لكي يبرز الصور التشكيلية فيه.
    هناك عدة أهداف متداخلة في هذا المنهج:-
    أولا – عندما يكون الاتصال مباشرة بالعينة المقصودة في الحوار، و هي التي تقدم ثقافتها بنفسها من خلال الإذاعة، تصبح هناك علاقة حميمية بين الجهاز و المجتمع، و يعتقد هؤلاء إنهم يمتلكون جزءا في هذا الجهاز، و تزول أية حواجز بين المجتمع و الجهاز، و هذه تعمق الصلة و الثقة بين الاثنين معا.
    ثانيا – أي مجموعة تأتي لكي تشارك في الحوار و لكي تكون هي جزءا من الرسالة الإذاعية، سوف تخلق دافعا و حافزا تنافسيا إيجابيا في المجتمع، إن أي مجموعة ترغب في تقديم ما لديها، و هنا يحصل حوار الثقافات بعيدا عن دائرة الرسميات، و هذا يعمق الروابط المشتركة.
    ثالثا – إن الحوار نفسه يوسع دائرة المشاركة، و هنا الحوار ليس قاصرا علي ثقافة المجموعات أنما حوار يطال كل مناحي الحياة، ثقافية و اجتماعية و اقتصادية و حتى سياسية، في أن يتحول المستمع لصانع رسالة و لكنها رسالة حوارية تعتمد علي العديد من الآراء في الفكرة الواحدة.
    رابعا – يصبح المجتمع نفسه هو الذي يقدم المبادرات الإذاعية، فبدلا من أن تكون هناك مجموعة تطالب الناس علي تقديم مبادرات لبرامج إذاعية، إن الحوار سوف يكون دافعا في أن تقدم المجموعات مبادراتها في البرامج الإذاعية و هذا ما يسميه البعض " الدائرة الحوارية الخلاقة" بقدر ما تعطي الإذاعة تأخذ من المجتمع الأفكار و التصورات، الأمر الذي يوسع الخيال الاجتماعي.
    خامسا – إن الحوار لا يتم علي منهج الوعظ و الإرشاد، أنما تتخلله صور جمالية متعدد باعتبار أنه يحتوي علي العديد من الموضوعات و يتم الانتقال من صورة إلي أخري حتى تمنع الملل عند المستمع و تجعله في حالة من التخيل المستمرـ متابعا تلك الصور الجمالية.
    سادسا – إن الحوار لا يكون إلا من خلال رؤيتين، تؤسس لبناء قاعدة اعتراف الأخر، و هذه في حد ذاتها تقلل فرص بروز العنف في المجتمع، و توسع من دائرة الحوار حتى يصبح جزء من الثقافة الوطنية.
    إن القاعدة التي تقوم عليها مدرسة الحوار إلي جانب الحوار بين المجموعات و المثقفين، أيضا هي تقوم علي قاعدة الإبداع، إن كان الإبداع الذي يمارس المبدع الإذاعي في فتح حوارات مختلفة، و عكسها عبر صور جمالية و تعبيرية تشكيلية متنوعة، تحمل عدة مضامين، في وقت واحد مع استصحاب مؤثرات صوتية طبيعية من ذات البيئة التي يجري حولها الحوار، و حوار أيضا بين الإبداع داخل الأستوديو و الإبداع القادم من الخارج إلي جانب أبداع متصور في مساحات المستمعين، إذن مدرسة الحوار تنتقل من حوار بين رؤيتين جماليتين إلي ثلاثة رؤى جمالية، تزيد و تنقص حسب الرسالة الإذاعية المرسلة.
    و يبقي جزء من الإجابة ناقص. لسؤال ما هو الهدف؟
    يعتقد أصحاب المدرسة، إن العمل الإذاعي أو الإعلامي بصورة عامة، يجب أن يتحرر من قيود النخب الجالسة في الأستوديو تحرر رسالتها من صفحات الكتب و أضابير المكتبات إلي الهواء الطلق، و أخري تنتظر هذه الرسالة، أنما العمل الإعلامي صورة متفاعلة و حوارية بين الإذاعة و جمهورها، بين وسيلة الإعلام و جمهورها، و هذا التفاعل يتم في صيغة حوارية إبداعية، ينتفي فيها المعلم و الأستاذ فالكل يأخذ و يتعلم من الأخر، و الأفكار تخرج من هذا التفاعل الإبداعي، لذلك جاءت فكرت اللقاءات خارج الاستوديوهات.
    نواصل حول:
    المدرسة الإخبارية و تطورها، و التراجع الذي حدث في العملية الإعلامية، و الرجوع مرة أخري للمدرسة التقليدية، و تأثر التلفزيون بهذه المدارس الإبداعية.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de