في مثل هذا اليوم من العام 1989 كانت تجربتة الاعتقال والتعذيب القاسية ولا تزال اثارها النفسية والجسد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 02:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-09-2014, 05:04 PM

على العوض - هولندا


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في مثل هذا اليوم من العام 1989 كانت تجربتة الاعتقال والتعذيب القاسية ولا تزال اثارها النفسية والجسد

    في مثل هذا اليوم من العام 1989 كانت تجربتة الاعتقال والتعذيب القاسية ولا تزال اثارها النفسية والجسدية باقية
    إضاءة
    على العوض - هولندا
    حملت قلمي أمام إصرار بعض الأصدقاء لكتابة تجربتي داخل ما عرف في السودان " باسم بيوت الأشباح " أماكن التعذيب السرية التي أبتكرها نظام الجبهة القومية الإسلامية في السودان... رغم أنها تتواضع في مشقتها وعنائها أمام الكثير من التجارب التي خاضها العشرات من شباب السودان في صبر وشجاعة وصلابة أرعبت حتى جلاديهم وفى مقدمة هؤلاء الشباب الشهيد الدكتور على فضل احمد "سيد الشهداء" ورفاقه الذين واجهوا آلة التعذيب الجهنمية وعيونهم معلقة بسماء الوطن دون أن يرمش لهم جفن أو يخبوا لهم حلم... فأحلامهم باقية كمنارات هدى للسودانيين من أجل هزيمة الفاشية وبناء وطن ديمقراطي ومتسامح وخالٍ من التعصب وضيق الأفق.
    الليلة الظلماء
    في ليلة30 يونيو من العام إلف وتسعمائة وتسعة وثمانون نفذت الجبهة الإسلامية انقلابها العسكري وقطعت الطريق أمام التطور الديمقراطي لبلدنا وأوصدت كل النوافذ أمام الحل السلمي لقضايا الوطن والذي لاحت تباشيره فيما عرف باتفاقية الميرغني – قرتق ونقلت الصراع السياسي في بلادنا لدائرة العنف الشريرة. واجه شعبنا الانقلاب العسكري بالمقاومة الصامتة والمقاطعة الشاملة وأدرك بحسه العالي ومنذ الوهلة الأولى حقيقة الانقلاب والقوى السياسية التي تقف خلفه. رغم محاولة قادة الانقلاب التستر خلف شعارات قومية وابتداع مسرحية اعتقال الدكتور حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية في السودان أسوة بزعماء الأحزاب السياسية السودانية وقادة الحركة النقابية السودانية.
    فرسم عمر البشير قائد الانقلاب المشئوم لوحة داكنة السواد مصبوغا بألوان الكذب والخديعة، سمة لازمت نظامه حتى يومنا هذا.
    بدأت المقاومة للانقلاب تتصاعد تدريجياً والهمس يتحول إلى هتاف وأخذت تلوح في الأفق تباشير العصيان المدني والإضراب السياسي وكالعادة كانت النقابات رأس الرمح في المقاومة فبادرت نقابة أطباء السودان بتنفيذ إضرابها الشجاع والذي أفقد السلطة صوابها فبدت كأنها ثور في مستودع الخزف فشنت حملة هستيرية لاعتقال الآلاف من النقابيين والسياسيين والطلاب وبدأ الهمس يدور في الشارع السوداني عن عمليات تعذيب يتعرض لها المعتقلين وبصفة خاصة الأطباء وسادت حالة من الترقب والقلق والانتظار.
    حفلة التشريفة
    في ليلة الرابع من ديسمبر من نفس العام دوى طرق عنيف على باب منزلنا أزعج كل الأسرة مما حدا بوالدي الذي تجاوز الستين عاما لان يسرع الخطى ليستحلى الأمر. عاد والدهشة والحزن يكسوان وجهه فما توقع أن يعيش ليرى تلك اللحظة... العديد من العسكريين في زيهم المدني مدججين بالسلاح يحاصرون منزله الذي سكب العرق والجهد من اجل تشييده ليكون دار أمان له وأسرته والأهل والأصدقاء.
    فتقدم نحوى ونظر لي في صمت وشفقة فأسرعت نحو باب المنزل فقدم لي احدهم نفسه " عمر الحاج رائد بأمن السودان" وقال لي بلهجة صارمة مطلوب حضورك لمبنى جهاز الأمن، تتطلعن حوله فشاهدت رجاله منتشرين على طول الطريق مزودين بالسلاح والحقد، فتردد داخلي السؤال والذي ربما راود الكثيرين عند اعتقالهم هل يحتاج اعتقال مواطنين سودانيين لا يحملون سوى أفكار لكتيبة مدججة بالعتاد الحربي.؟ وأيقنت ساعتها أن الدولة الفاشية ستقام في السودان على أجساد الشعب السوداني وكرامته.
    أمرت بركوب العربة دون أن يسمح لي بتغيير ملابسي أو أخذ اى من إحتياجاتى الضرورية وجلست في ركن من أرضية العربة يحيط بى رجال القوة الأمنية شاهرين السلاح في وجهي وعلامات الزهو والانتصار تكسو وجوههم، فسبحت في بحر متلاطم من الأفكار والتصورات والتخيلات وجالت بخاطري صور الأهل والأصدقاء والحبيبة وألقيت نظرة على الحي الذي تجولت في أزقته ولعبت في شوارعه، الحي الذي أرضعني لبن العشق للوطن وأهله فالطريق مجهول والمصير يكتنفه الغموض . أسرعت العربة تنهب الأرض وتسابق خيوط الفجر وتتدثر بالظلام. توقفت العربة أمام العديد من المنازل وبنفس الطريقة الهمجية واللاإنسانية كان ينتزع محمد الحاج ورجاله الشباب من وسط ذويهم وكانت حصيلة الهجمة الشريرة ثلاثة معتقلين من حي السجانة السيد جعفر بكرى على موظف بإدارة المحاكم، السيد عبدالمنعم عبدالرحيم أعمال حرة، وشخصي ومعتقل من حي اللاماب هو السيد الشيخ الخضر الموظف بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي ولا تزال مطبوعة في ذاكرتي صورة والدته وهى تطارد العربة ولمسافة طويلة تودع أبنها وتواسيه بنظرات الأم الرءوم. وعندما أوشكت العربة على دخول المكان الذي قصدته طلب منا تحت تهديد السلاح والركل والضرب الانبطاح على أرضية العربة نفذنا الأمر بصعوبة ووضع الجلادين أرجلهم المثقلة بالأحذية الثقيلة على رقابنا، ثم توقفت العربة وسط ضجيج من الجلادين والذين تزايدت أعدادهم وأسرعوا بعصب أعيننا بعنف وقسوة بقطع من القماش، وبدأت "حفلة التشريفة" بالضرب بالسياط والتي انهالت على أي موضع من الجسم والصفع المتواصل والاهانة والألفاظ النابية التي يزخر بها قاموس نظام الجبهة القومية الإسلامية. وبعد أن خيم الإعياء والإرهاق علينا بدأ الفصل الثاني من الحفل تمرين رياضي عنيف " فوق – تحت " حيث طلب منا الجلوس على أمشاط الأرجل والوقوف بشكل سريع ومنتظم مع الضرب المتواصل بالسياط وإعقاب البنادق تزداد الضربات في حالة التوقف أو العجز عن الأداء فدخلت في حالة من الإغماء مع فقدان القدرة على التميز بين الأشياء.
    لحظات الإعدام
    تسللت أشعة الشمس من خلال العصابة المشدودة علي عيني وهى ترسم دوائر سوداء وحمراء وقرمزية. وقبل أن أفيق من الكابوس واستعيد قدرتي على التمييز بكاملها جذبنى احد الجلادين من ذراعي بقوة حتى ظننتها قد فارقت باقي الجسد وتحت وابل من الصفعات والركلات والاهانات تم وضعي في مكان عالٍ معصوب العينين وقال لي احد الجلادين: لقد صدر عليك الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت ولقد اعددنا هذه المشنقة التي تقف عليها للتنفيذ وطلب منى أداء الشهادة، لحظتها شعرت أن النهاية قد دنت فطافت امامى ألاف الصور ودارت بخاطري الأسئلة مابين الممكن واللامعقول وتمثلت لي قناعة وخاطرة أن السودان وأهله يستحقون كل تضحية فارتسمت على وجهي ابتسامه عريضة فصفعني احد الجلادين طالباً منى أداء الشـهادة فــنطقتها صادقـا.
    "اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"
    لكنه ضحك ضحكة خبيثة وردد الشهادة خلفي بطريقة تهكمية، ولا اعلم حتى الآن إن قصد النيل منى أم من الشهادة أم من كلينا.
    وعم صمت ثقيل على المكان وانتظرت أن يتدلى حبل المشنقة حول عنقي لينهى هذه المهزلة فالموت في بعض اللحظات يكون الخيار الأفضل، وتعمد الجلادون إن يطول الانتظار وياله من انتظار، وفجأة انهالت العشرات من السياط تلهب جسدي المثخن بالجراح وكانت اللسعات تمزق جميع أطراف الجسد بلاإستثناء وكنت أشعر بان الجلادين يتعمدون ضربي في الأماكن التي يشعرون أنها تؤلمني أكثر من غيرها وسط هذه الضربات المتواصلة والسريعة صاح احد الجلادين لقد حكم عليه بالموت بالرصاص وليس شنقاً وجذبني بعنف رافعاً يداي على حائط وسمعت صوت السلاح لكن ثمة شك قد تسرب لنفسي بشأن جدية مهزلتهم وصدق حدسي فقد تحولت الرصاصات المرتقبة لسياط تنهك الجسد المنهك أصلاً حتى سقطت على الأرض فاقد الوعي.
    اجتماعا داخل الزنزانة
    أطبق الصمت على المكان وأًسدل الستار على فصل من فصول المأساة وسادت بعض من الطمأنينة المكان فحاولت رفع العصابة عن عيني لأعرف ما يدور حولي وأتحسس موقعي ولكن قبل إن تكتمل المحاولة كانت عشرات من الأكف قد طبعت على وجهي في حركات قوية وسريعة ومتتالية مع سيل من الشتائم البذيئة كالعادة وبعد برهة من الوقت سمعت صوت إغلاق الباب ومن خلفه طلب منا الجلادون رفع العصابة فوجدت نفسي وآخرين جلهم من المهتمين بالعمل السياسي والنقابي، الباشمهندس هاشم محمد احمد نقيب المهندسين، د. حمودة فتح الرحمن المدير الطبي لمدينة كوستى دكتور نصر محمود حسين صيدلى، السيد عبدالمنعم محمد صالح ضابط أدارى، السيد عبدالمنعم عبدالرحيم أعمال حرة، المهندس ابراهيم نصرالدين مهندس بالإدارة المركزية، السيد على الماحى السخى نقابي عمالي، السيد قاسم حمدالله مفتش زراعي، السيد الشيخ خضر اقتصادي بوزارة المالية، السيد جعفر بكرى على موظف بإدارة المحاكم المدنية في زنزانة مساحتها (3X3) مفترشين الأرض المتسخة بالزيوت والغبار وأجساد الجميع مضرجة بالدماء والعرق. نظرنا إلى بعضنا البعض محاولين التماسك وتحدث قاسم حمدالله بصوت خافت ولكنه جرئ حول كيفية مواجهة هذا التعذيب واقترح الدخول في معركة ومقاومة الجلادين مهما كان الثمن وكان رأى د. حمودة فتح الرحمن، على الماحى السخى، هاشم محمد احمد التريث والتحمل والخروج بأقل الخسائر الممكنة وساد هذا الرأي وبدأت رحلة التحمل الرهيبة والطويلة وقبل أن يُختم الاجتماع دوى طرق عنيف على باب الزنزانة ودخل الجلادون مقنعي الوجوه وبكامل أسلحتهم وطلبوا منا عدم النوم والانتظار وقوفاً حتى اليوم التالي. كان الأمر شاقاً بعد الإرهاق المتواصل خاصة لكبار السن والمرضى من المعتقلين فأصبحنا نتحايل على الأمر بالجلوس بالتناوب بعد انشغال الجلادين بأمورهم الخاصة وما أكثرها إلى أن انقضى الليل وكم كان ليلاً طويلا وحزيناً وأغلقت الزنزانة فتنفسنا الصعداء وحاولنا سرقة القليل من الراحة للجسد المنهك والعقل المضطرب ولكن الطرق المتواصل على باب الزنزانة من الخارج بواسطة الجلادين بهدف مواصلة التعذيب بدد هذا الحلم المستحيل.
    الاستجواب الجماعي
    أدمن الجلادون مسلسل التعذيب والإساءات أملين الحصول على أقصى ما يستطيعون من إرهاقنا معنوياً ومادياً فبعد حملة من الاهانات والصفع والضرب بالسياط بدءوا في استجوابنا ونحن معصوبي الأعين، اشتمل الاستجواب على الاسم، العمر، المهنة، مكان العمل، طبيعة العمل والانتماء السياسي ولقد لاحظت إن كلمة طبيب التي كانت ترد عن تعريف البعض لأنفسهم تثير غضب الجلادين فيضاعفون من وتيرة التعذيب وحاول احدهم تحقير الأطباء ومهنتهم قائلاً " انتو قايلين الطب شنو ما كتابين كتاب المرض والدواء ونحن قريناهم وما دايرين تانى اطباء فى السودان ...!"
    وبعد التحقيق الجماعي غادر الجلادون الزنزانة وأغلقوا بابها فتنفسنا الصعداء ورفعنا العصابة عن أعيننا وبدأنا التداول حول كيفية مواجهة التحقيق وقدم الذين عركتهم المعتقلات والاستجوابات أمثال القائد النقابي على الماحى السخى خبراتهم وتجاربهم وقدموا النصيحة بمواجهة الاستجواب ببرود شديد وعدم الاستجابة للاستفزاز والتمسك بالأقوال وتفادى عنصر المفاجأة التي يعتمد عليها المحقق. هذه المعينات الاسعافية أفادتنا كثيرا واستنهضت فينا روح الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة الصعاب.
    كسر جدار الصمت
    بعد اليوم الرابع للاعتقال بدأنا في ترتيب الأوضاع الداخلية للزنزانة للخروج من حالة الترقب والقلق والتكيف مع البيئة الجديدة واضعين في الاعتبار أن إقامتنا فيها ستطول فحددنا في اولويانتا ضرورة معرفة الموقع وأسماء الجلادين وإشكالهم وقيادتهم الحقيقية ورتبهم العسكرية.
    كانت أصوات حركة القطارات وأصوات الحراسات العسكرية الليلية أول دليل ومؤشر على إن الموقع قرب القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة. وكنا في سبيل انجاز هذا الواجب نستفيد قدر المستطاع من مواعيد الخروج لدورة المياه والتي كانت تتم مرة واحدة فقط في اليوم خلال الفترة الصباحية وتحت الحراسة المشددة والضرب المتواصل بالسياط من والى دورة المياه مع الطرق المتواصل على أبواب دورة المياه بغرض الاستعجال وتشتيت الذهن. كل هذه المعاملة الوحشية واللا إنسانية كانت توحي لنا بأن تأمين الموقع كان مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للجلادين وقياداتهم مما زاد من إصرارنا على معرفة الموقع. وهكذا الإنسان الذي يملك فكرة دائماً تسكنه روح العناد والمثابرة خاصة في أوضاع التحدي و الأوضاع الغير طبيعية. وبعد طول اجتهاد وربط بين الأشياء واستغلال الثقوب بباب الزنزانة ودورة المياه تم تحديد الموقع ومعرفة المكان وهو مقر لجنة الانتخابات للعام 1986 بالخرطوم واكتشفنا وجود معتقلين آخرين بنفس المقر وذلك من خلال تحركهم من والى دورات المياه المصحوب بالضرب والاهانات. وكان هذا أول انتصار على آلة التعذيب الجهنمية ومن الملاحظات التي كانت مسار تعليق ونقاش المعتقلين أن الجبهة القومية الإسلامية لم تكتف بالاعتداء على الديمقراطية ممثلة في الأحزاب والنقابات والحريات العامة والأفراد بل شمل أيضا مواقع الديمقراطية وتحويلها إلى مراكز للاعتقال والتعذيب مثل مقر لجنة الانتخابات ودار نقابة المحامين السودانيين. ومواصلة لكسر حالة الانتظار وجو الكآبة ابتدع بعض المعتقلين لعبة السيجة بعد أن تم جمع الحصى من أركان الزنزانة وتنظيفها من آثار الزيوت والغبار. وبدأت تسود في الزنزانة روح التحدي والبطولة وتخيم علينا روح المنافسة، فتمسكنا بالحصى وأصبحت عزيزة علينا، حافظنا عليها بكل الطرق حتى لا يصادرها أعداء اللهو البرى ولقد علق احدنا "وهكذا الشيوعيون ينتزعون الابتسامة من فم التماسيح وينسجون الأمل وسط الأشباح" وتلطيفاً للحياة داخل الزنزانة وجعلها اقل الآم وعذاباً شرعنا في حملة إبادة للباعوض من داخل الزنزانة، هذا الباعوض الذي تحالف مع الجلادين وإنابة عنهم في بعض الأوقات في تعذيبنا وحرماننا ولو من قليلا من استعادة الأنفاس لمواجهة القادم المجهول أجهضها الجلادون محذرين قائلين أن الباعوض جزء من العهدة بالزنزانة يجب المحافظة عليها وتسليمها كاملة العدد عند تمام الصباح وفى حالة فقدان باعوضة سيتم تنفيذ حد السرقة على الجميع!!!
    تواصل مسلسل التعذيب
    حالة من الحزن تخيم على الزنزانة والمعتقلين يتوسدون أذرعهم سابحين في ذكرياتهم وأفكارهم وانأ أراجع مسيرة حياتي وأتأمل، أتأمل هولا الرجال المفترشين الأرض من خيرة أبناء السودان قدموا عصارة حياتهم للشعب والوطن ولم ينالوا سوى الاعتقال والتشـريد والتعذيب وفجأة انفتح باب الزنزانة بقوة واقتحمها احد الجلادون ويدعى بـدران "اسم حركي" وهو في حالة غير طبيعية كاشفاً عن وجهه وانهال علينا بالشتائم المقذعة والإساءة الجارحة والركل والضرب بالسياط ولم يستثنى حتى كبار السن والمرضى. وقام بإختيارى والزميل ابراهيم نصرالدين لممارسه هوايته في الاستمتاع بتعذيب الآخرين وطلب منى خلع القميص الذي ارتده والانبطاح على الأرض وبدأ في تمزيق ظهري بالسياط حتى سالت الدماء، ثم قام بصفعي بتواصل حتى تقهقرت إلى الحائط وواصل ضرب رأسي على الحائط، ثم تحول إلى الزميل ابراهيم نصرالدين وأذاقه من نفس ألوان التعذيب، وأرغم الزميل قاسم حمدالله على صب جردل من الماء البارد على الزملاءعبدالمنعم عبدالرحيم وعبدالمنعم محمد صالح بعد أن اجبرهما على خلع ملابسهما وقام بجلدهما بالسياط وخرج مهدداً ومتوعداً بالمزيد من التعذيب، وسادت حالة من الغضب على المعتقلين، وإنتابتنى حالة من القرف ودار برأسي الكثير من الأسئلة، لماذا كل هذا الصبر والتحمل؟ أليس الدخول في معركة حاسمة هو الخيار ألأفضل؟ ماذا يريد هؤلاء الناس؟ وفى منتصف الليل أصيب الزميل جعفر بكرى بمغص حاد يصعب معه الانتظار حتى مواعيد الخروج لدورة المياه في الصباح فهب المعتقلون لمساعدته وعُثر على كيس نايلون أستخدمه الزميل جعفر لقضاء حاجته.
    الجلاد بدران
    ظل الجلادون طوال فترة التعذيب يستخدمون أسماء حركية " بدران، نوح، نبيل، جكس، عمر الحاج، عوض ...الخ وقد ساهموا جميعاً وبنشاط في تنفيذ عمليات التعذيب ولكن حالة هذا البدران كانت مختلفة، أوصافه قمحي اللون، أجعد الشعر ألثغ اللسان يدعى انه من أبناء كسلا بشرق السودان سلوكه ينم عن نفس مريضة ومعقدة كان يعامل المعتقلين بقسوة ويتلذذ بتعذيبهم والإساءة لهم قاموسه لا يحتوى إلا على الألفاظ البذيئة والساقطة وظل يفخر بأنه يعمل بجهاز الأمن منذ أن كان طالباً بالمرحلة الثانوية العامة، ولقد كنت طوال فترة التعذيب هدفاً له ضاعف لي جرعات التعذيب والإساءة، حاولت قدر المستطاع أن أجد تفسير لهذا الاستهداف ولكن دون جدوى.
    المحاضرة
    في اليوم السابع للاعتقال وفى حوالي الساعة السادسة مساءاً تم إخراجنا جميعاً من الزنزانة للاستحمام في درجة عالية من البرودة وسط استهزاء الجلادين وإساءاتهم واستعدادهم غير الطبيعي الأمر الذي أشعرنا بان شخصية هامة قادمة للزنزانة. ولم يدم انتظارنا طويلاً إذا دخل علينا نقيب بزيه العسكري بصحبة مجموعة من الجلادين المزودين بالأسلحة والرشاشات والقي علينا محاضرة عن السودان والوطنية واختراقات الاستخبارات الأجنبية للأحزاب وشتم الديمقراطية ثم هددنا وتوعدنا بالتصفية الجسدية وخرج وخلفه خرجت مجموعات الجلادين.
    وفى منتصف الليل دوى طرق متواصل على باب الزنزانة وأمرنا بعصب أعيننا والوقوف على الحائط وقام أحد الجلادين بقراءة مجموعة من أسماء المعتقلين وهم هاشم محمد احمد، د. حموده فتح الرحمن، قاسم حمدالله، عبدالمنعم محمد صالح، عبدالمنعم عبدالرحيم، جعفر بكرى على، ابراهيم نصرالدين، الشيخ خضر، وأمرهم وهو يتقدمهم بالخروج من الزنزانة متماسكىِ الأيدي معصوبي الأعين وهكذا رحلوا إلى المجهول، ثم أغلق باب الزنزانة علينا. أصابني ومن تبقى معي من المعتقلين الإحباط والحزن والقلق على مصير من قاسمونا أحلك لحظات العمر وأتعس أيام الحياة. وفى صباح اليوم التالي دخل علينا الجلادون "يبشروننا" بان رفاقنا قد تم إعدامهم بمعسكر الشجرة وعلينا أن نستعد لدورنا القادم لامحالة، ثم خرجوا بعد أن قدموا وجبتهم اليومية والمكونة من الضرب والاهانات. دخلنا في نقاش هامس حول رواية وادعاءات الجلادون وتم الاتفاق بيننا على تجاوز جو الإحباط والتمسك بالأمل.
    الزائرون الجدد
    الزنزانة تتسربل بالظلام ومن تبقى من المعتقلين يتجاذبون أطراف الحديث عن الممكن والمستحيل والأمل واللا أمل وفجأة انفتح باب الزنزانة وتخيلتُ أن الجلادين قادمون لسحبنا لساحات الإعدام ولكنهم دخلوا علينا ملثمين يقودون معتقلين جدد معصوبي الأعين يبدو عليهم التعب والإرهاق وأثار التعذيب ثم خرج الجلادون بعد أن قاموا بتحذيرنا من الدخول في حديث مع الزوار الجدد. تعرفنا على الزائرين،محمد النور السيد رجل أعمال،صلاح طه مفتش بالتعاون،محمود كمير عامل بالمسبك المركزي، عوص الكريم محمد احمد مهندس واحد قيادات انتفاضه مارس أبريل، وشرعنا في التخفيف على ضيوفنا وتضميد الجراح ورفع الروح المعنوية وتحدثنا إليهم عن أساليب وطرق الجلادين وعكسنا لهم تجربتنا التي تجاوزت الثمانية أيام بلياليها الطوال وحدثنا المعتقلون الجدد عن طرق اعتقالهم وأساليب تعذيبهم وتداولنا الإخبار بالخارج والتطورات والاحتمالات وكان زميلنا المهندس عوض الكريم ملئ بالتفاؤل ومُصر على أن خلاصنا بات قاب قوسين أوادنى، أضفى الزائرون الجدد جو من المرح والتفاؤل على الزنزانة خاصة زميلنا محمد نور السيد الذي أستمال بعض الجلادين بالوعود المالية والخدمات السخية مما أضعف نفوس الجلادين وما أضعفها، الأمر الذي أدى إلى انفراجة سمحت بدخول علب السجائر مما مكن الزملاء على الماحى السخى وعوض الكريم محمد احمد من صنع أدوات للعبه الشطرنج من قصاصات علب السجائر ودارت بينهما رحى منافسات كان يعلو فيها الصوت أحياناً مما يستدعى تدخلنا. وهكذا أنتصر المعتقلون رغم أنف البندقية والحراسات ألمشدده وأدوات التعذيب وانتزعوا الأغنية الباسمة واللعب الشيق الجميل.
    الترحيل إلى المجهول
    انطوت صفحات العام 1989 وأشرقت شمس العام 1990 فقام المعتقلون بتنظيف الزنزانة وتبادلوا التهاني والأمنيات بعام سعيد للجميع والوطن وأضاء الزميل عوض الكريم عوداً من الثقاب في عتمة الظلام... وهكذا كان احتفالنا بالعام الجديد رغم الواقفين خلف الأبواب مدججة بالسلاح والحقد والشرور. وفى منتصف الليل والجميع يفترشون الأرض ويتوسدون أذرعهم انطلقت الصيحات خلف باب الزنزانة مع الطرق المتواصل على بابها كالعادة تطالبنا بالنهوض وعصب أعيننا والاستعداد لساحة الإعدام، وقفنا متشابكين الايادى معصوبين الأعين وخرجنا بقيادة احد الجلادين وبمساعدتهم صعدنا إلى عربة وأمرنا بالانبطاح على أرضية العربة وتمت تغطيتنا بمشمعات سميكة وقال احدهم في تهكم أنها شحنة يمكن السفر بها إلى مناطق العمليات العسكرية، وانطلقت العربة إلى المجهول، وبعد حوالي نصف الساعة من السير المتواصل توقفت العربة وتم إنزالنا بنفس الطريقة المهينة متشابكين الايدى، معصوبين الأعين، تهال السياط علينا من كل جانب مصحوبةً بالشتائم ، وتم حشرنا في زنزانة أخرى اقل حجماً من السابقة واكتشفنا لاحقاً أن الموقع الجديد يقع بالقرب من سيتى بنك وإن بالموقع عدة زنازين مزدحمة بالمعتقلين ودارت نفس ماكينة التعذيب والاهانات والإساءات والإرهاق النفسي والبدني مما أدى إلى إصابة الزميل محمد النور السيد بمضاعفات منعته من القدرة على الوقوف والحركة وتنفيذ الأوامر وظل يطالب بعرضه على الطبيب بصورة دائمة فأضطر الجلادين إلى أخذه معصوب العينين إلى شخص يدعى انه طبيب أخذ يستفسر عن الإعراض التي تصيبه دون أن ينزع عنه العصابة أو يكشف عليه وذلك حسب رواية الزميل محمد النور السيد وأعيد للزنزانة دون أن يتلقى اى علاج وباشر زميلنا محمود كمير وكان اصغر المعتقلين سناً رعايته ومساعدته والاهتمام به، وهكذا تحول حتى الأطباء الموالين لنظام الجبهة الإسلامية القومية إلى جلادين يمارسون التعذيب أسوة بزملائهم في أجهزة الأمن ويمتنعون عن تقديم العلاج للمرضى متجاهلين قسم المهنة وأخلاقها.
    الصمت الرهيب
    توقفت عجلة الحياة تماماً، انقطعت أصوات العربات أحاديث المارة، ضحكات الأطفال، أنقطع الحبل السري الذي يربطنا بالناس فيمنحنا القوة والقدرة والأمل، ماذا حدث بالخارج؟ وماذا يحدث للناس؟. أنهكنا التفكير وطالت تكهناتنا، هل حقاً تحققت نبوة الزميل عوض الكريم وإنجلى هذا الكابوس وسنخرج مرفوعين الرؤوس نعانق الأهل والأصدقاء والحبيبة؟
    حتى الجلادون تأمروا علينا هذا اليوم فلم يقدموا لنا وجبتهم اليومية المكونة من الضرب والاهآنات، ليتهم يأتون فدوماً نلتقط الإخبار والمعلومات من أفواه الجلادين، وبعد طول انتظار وقلق دخل علينا الجلادون وبشرونا بالقبض على كل الكادر المختفي للحزب الشيوعي بعد فرض حظر التجوال في مسرحية ما أسموه التعداد السكاني. سيطر علينا الإحباط فتدثرنا بالصمت والغضب رغم علمنا بان حديث الجلادين دائماً يسعى للنيل من روحنا المعنوية.
    الطلقة الطائشة
    الزنزانة تنعم بالهدوء والظلام والمعتقلون ينظفون بأياديهم الأرض التي يتوسدونها سابحين مع أفكارهم والأمل يتسرب عبر كوة صغيرة دوى صوت طلق ناري زلزل أركان المعتقل ومزق سكون الليل فهب المعتقلون لإستجلاء الأمر عبر ثقوب باب الزنزانة ولكن دون جدوى ودارت الحوارات الهامسة بينهم واحتمالات التصفية والتي ظل شبحها يخيم على الجميع، وفى اليوم التالي أدعى الجلادون بأنهم قاموا بتصفية احد المعتقلين أثناء محاولته للفرار وأطلقوا علينا سيل من التحذيرات والشتائم البذيئة، عرفنا فيما بعد ومن احد الجلادين بان الرصاصة انطلقت عن طريق الخطأ من احد الحراس وهو يقوم بتنظيف سلاحه باستهتار ودون مبالاة إلا إن الرصاصة الطائشة لم تصب احد.
    رعب وانكسار
    الأيام تتعاقب في رتابة وحزن والتعذيب اصح غير ذي جدوى فتكراره علمنا كيفية تجاوزه وكيف تصبح مشاعرنا ومقاومتنا له أكثر ثقلاً من وطأته فنرجح كفة الحياة علي كفة الطغيان والقهر وبدون مقدمات أقتحم الجلادون الزنزانة وهم في حالة من الرعب والارتباك. حاولوا تبرير تصرفاتهم معنا وما قاموا به من تعذيب وسوء معاملة بأنه كان تنفيذا لأوامر عليا لا دخل لهم فيها وإنهم يتمنون خروجنا اليوم قبل الغد، وإنهم ليسوا كما جاء بجريدة الميدان السرية لسان حال الحزب الشيوعي قتلة ومحترفي تعذيب. دوى أسم الميدان كبلسم شافي لكل الجراح والآلام وتفتحت ملايين الأزاهير وتأكد لنا إن الحركة الثورية السودانية لم تنس أبناءها داخل بيوت الأشباح وإن المعلومات والإخبار تتسرب رغم البندقية والقضبان والسجان، فتفجرت فينا طاقات جبارة كافية لتحمل الصعاب والسير في دروب الآلام والمشقة، وقرأنا في عيون جلادينا الخوف والرعب والانكسار.
    نهاية المطاف
    بعد انقضاء أربعين يوماً من الاعتقال والتعذيب تم إستدعائى وإقتيادى معصوب العينين إلى ضابط التحقيق ودون أن يزيل العصابة من عينيي بدأ التحقيق معي الاسم،العمر، مكان السكن، الانتماء السياسي. تساءلت داخل نفسي كيف يسمح ضابط سوداني لنفسه التحقيق مع معتقل بهذه الطريقة؟ وأي مؤسسة عسكرية يشرفها انتماء مثل هولاء الضباط لها؟ وزاد إيماني بان الرعب وعدم الثقة بالنفس هما السمة المشتركة لجلادي النظام أجبت على الأسئلة بنفس الإجابات السابقة والتي لم ترضى المحقق فإتهمنى بإننى عضو قيادي بالحزب الشيوعي بالنيل الأبيض فأدركت بان هذا الجهاز ورغم الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة له مصاب بمرض الأنيميا المعلوماتية، ثم هددني وتوعدني بمزيد من التعذيب وتم إرجاعي إلى الزنزانة واستدعاء آخرين وُجهت لهم تهم مختلفة. قضيت الليلة في حالة من الترقب والانتظار المميت للانتقام ومعاودة عجلة التعذيب ولم تجدِ محاولة الزميل على الماحى السخى وقفشاته وشعاره الدائم " دا كلو يبقى حكاوي " من إنتزاعى من هذه الحالة، وفى منتصف الليل تم ترحيلنا معصوبين الأعين ودون تحديد للوجهة ولكن كل الدلائل كانت تشير إلى سجن كوبر وهو الحلم الذي ظل يراودنا طوال فترة الاعتقال والتعذيب وعند مدخل السجن أطلق سراح أعيننا فكانت الفرحة طاغية والمشاعر مضطربة وعانق ضحايا التعذيب بعضهم البعض فلقد انتصروا على آلة التعذيب الجهنمية.























                  

12-09-2014, 08:43 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مثل هذا اليوم من العام 1989 كانت تجربتة الاعتقال والتعذيب القاسية ولا تزا (Re: على العوض - هولندا)

    Quote: لزميل على الماحى السخى وقفشاته وشعاره الدائم " دا كلو يبقى حكاوي " من إنتزاعى من هذه الحالة، وفى منتصف الليل تم ترحيلنا معصوبين الأعين ودون تحديد للوجهة ولكن كل الدلائل كانت تشير إلى سجن كوبر وهو الحلم الذي ظل يراودنا طوال فترة الاعتقال والتعذيب وعند مدخل السجن أطلق سراح أعيننا فكانت الفرحة طاغية والمشاعر مضطربة وعانق ضحايا التعذيب بعضهم البعض فلقد انتصروا على آلة التعذيب الجهنمية.
    .....
    ............

    What a powerful and sad testimony... when the Prison becomes the dream that you want to reach....

    Ali Almahi, what a beautiful person and healing soul in spite the pain he was in...I always wanted to finish this optimistic sentence by something like "and torture will never be again, no matter what"...
    Not even to these scumbags of Nafi3 and Badran
    Speaking about that rotten الجـــيفة العـفن
    I believe he was the one he used to drag Almarhoum Moawia Omran and hit his head on the awl as I heard from him personally but he did not mention the name... from the way he acted with you, he seemed the same
    Kalib, with due respects to the real dogs...
    I hope you don't mind ya azizi Ali that I share this testimony with others on FB and also on the weblog of Group Against Torture in Sudan

    mohamed elgadi
    http://http://www.GhostHouses.blogspot.comwww.GhostHouses.blogspot.com
    http://http://www.GhostHouses.blogspot.com[/Bwww.GhostHouses.blogspot.com[/B]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de