عودة ملوال بقلم عمر بشير أبوعاقلة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-08-2013, 05:47 AM

عمر بشير أبوعاقلة


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عودة ملوال بقلم عمر بشير أبوعاقلة

    عودة ملوال
    جلس ملوال في كرسيه حائرا وهو يتمعن ما حوله جيدا وينظر إلى السماء تارة والى الأرض تارة أخرى وهو يتذكر قرار الحكومة القاضي بانتهاء جنسيته والمغادرة إلى الجنوب حيث الدولة الجديدة التي كان يحلم بها شعبه. يبدو أن السماء قد استجابت لأماني الجنوبيين فها هو المنادي ينادي وها هي الأصوات تتعالى بلهجة عربي جوبا المألوفة لدي الجنوبيين: تحيا دولة الجنوب.... تحيا دولة الجنوب. ثم تتبعها صيحات معبرة عن فرح ودفوف وزغاريد على طريقة الجنوبيين في مواكب تملأ شوارع الخرطوم, تلك المدينة التي شهدت أحداثا وصراعات حول قضية الانفصال حتى انتهى الأمر إلى انفصال جنوب السودان عن السودان.
    وصاحبنا ملوال جالس على كرسيه يتهيأ للرحيل النهائي ومغادرة الخرطوم التي عاش فيها طول حياته بالأخص منطقة شرق النيل في مدينة الحاج يوسف في حي الوحدة وعمره الآن يناهز السبعين لا يذكر تاريخ ميلاده بالضبط ولا تاريخ حضور أسرته إلى الشمال ولكنه يعرف أن أجداده عاشوا هنا منذ أكثر من مائة وخمسين عاما كما سمع من أبيه وجده, بل يذكر أن جده أخبره أنهم حضروا قبل ظهور دولة المهدية في السودان ويعرف أيضا أنه ترعرع هنا في الشمال وأنه لم يحس يوما أنه أجنبيا أو دخيلا بين من رافقهم أو عاشرهم طوال فترة حياته وطوال مراحل دراسته. وكان ملوال أحيانا ينادى بالجنوبي ممن لا يعرف اسمه ولم يكن غريبا في المجتمع السوداني أن ينادي شخص ما في الشمال ب(الشمالي) ومن في الشرق (شراقي) ومن في الغرب (غرابي). وكان قد عرف عن الجنوبيين أنهم يطالبون بإقامة دولة منفصلة عن الشمال وأصروا على ذلك وحملوا السلاح من أجل تحقيق مطلبهم. وفي تلك اللحظات تذكر ملوال شقيقه الدكتور جون الذي يعمل وزيرا في دولة السودان ويعد من كبار الشخصيات المعروفة على مستوى السودان والذي رافقه طوال حياته بل منذ الدراسة في مدارس الكمبوني ببحري وحتى الثانوي حيث أوقف ملوال تعليمه وواصل أخوه تعليمه حيث درس في جامعة الخرطوم ثم أكمل تعليمه في بريطانيا واختير وعين وزيرا لمرات متتالية في حكومة الوحدة لما عرف عنه من نشاط وذكاء وانضباط وتعاون وحسن خلق. وظل ملوال يفكر في أخيه الذي حتما سيستقيل من منصبه ويترك الشمال, ولكن يا ترى كيف سيترك قصوره في المنشية وأملاكه في بري بالخرطوم وكيف ستباع؟ولمن ستباع؟ وكيف سيكون وضعه ومستقبله في دولة الجنوب الجديدة؟ هل سيرشح نفسه للرئاسة؟ أم سيبقى على وضعه الحالي؟ أم قد لا يجد شيئا؟ وبدا ملوال منزعجا من التساؤل الأخير! أته احتمال بعيد الا يكون له نصيبا في الدولة الجديدة, لأن أخاه إنسان ذو سمعة طيبة وأخلاق عالية قد تشفع له عمّا اتهم به أخيرا عن انحيازه للشماليين وتواطئه في التحقيقات حول مقتل أحد القياديين الجنوبيين.
    تذكر ملوال أخته أمينة التي أسلمت مع زوجها في كردفان وأنجبت منه سبعة أبناء بعضهم يدرس جامعتي بحر الغزال وجامعة جوبا وبعضهم قد درس في شندي والقضارف. يا ترى كيف سيكون الحال؟. هل ستعيش أخته المسلمة للأبد مع زوجها في السودان؟ هل ستنقسم الأسرة؟ أسئلة حائرة ظلت تعصف برأس ملوال الذي بدأ يشعل سيجارة تلو سيجارة حين يفكر في موضوع أسرته المنتشرة في كل أطراف السودان. ثم تذكر أخته الصغرى شولا الأستاذة في جامعة دنقلا في أقصى الشمال والتي ظلت على مسيحيتها ولم تغير ديانتها ولم تتزوج بعد وفكر كيف ستكون عودتها إلى الخرطوم وكم سيستغرق من الوقت حتى تصل الخرطوم ثم تسافر إلى الجنوب مسكينة أنها أصغرهم سنا وستكون الرحلة عليها شاقة. ثم مال جانبا آخر يفكر في مصير إبنيه كوال ودينج. فكوال ضابط في الجيش يعمل في كسلا شرق السودان وهو في مهمة عسكرية تستغرق عدة شهور ولا يدري كيف يرجع؟ هل ستتولى القيادة العامة أمر الجنوبيين الذين يعملون لديها؟ وهل ستدبر أمرهم؟ ثم فكر في مصير دينج الذي يعمل سائقا في إحدى شركات البترول في مدينة ودمدني بولاية الجزيرة, ولكن بالنسبة لدينج فهو لا يخشى عليه كثيرا فالأمر هين, فهو سيقدم استقالته في أي وقت متى ما أراد ويصفي حقوقه ثم يغادر فهو الأقل عرضة لعقبات السفر بين أفراد الأسرة. كل هذه الأفكار تدور في رأس ملوال وقد بدأ القلق يسيطر عليه بعد أن أفرغ كل علب السجاير الذي كانت بجيبه. ولم ينسى ملوال أصدقاءه الشماليين وغير السودانيين الذي يعملون في نفس المنطقة من تجار وأصحاب ورش ومهندسين وجيران ومضى يفكر هل مصير هذه العلاقات هل ستؤول للزوال أم للإستمرار؟ بالطبع إنها أقرب للزوال وستكون بالنسبة له خسارة كبيرة جدا. فقد أسس الرجل علاقات مميزة مع السودانيين غير الجنوبيين وشاركهم في كل أمور الحياة فهو يذكر عيسى صديقه من دارفور الذي يمتلك ورشة حدادة قرب متجره وكيف انهما كانا وما زالا على تواصل دائم في شتى أمور الحياة ثم تذكر صديقه حسن الشايقى الذي دائما يمازحه بالنكات الجميلة وأخبار الرياضة والسياسة وأسرارها, ثم تذكر جاره ود الفكي "شيخ العرب" كما يحلو لملوال تسميته فهو الرجل الذي يتفقده ويسأل عنه دائما ويزوره في بيته خاصة وقت المناسبات بأفراحها وأتراحها ثم كثير من الأصدقاء مروا على مخيلته وهو يتخيل كيف سيفتقدهم واحدا تلو الواحد في مستقبله المجهول. وبينما هو غارق في أفكاره, مرت عليه حليمة ست الشاى وهي تحييه وتقوم بتحضير الشاي أمامه كالعادة قائلة:
    - ملوال انت صحي مسافر؟
    نظر إليها وهوه يردد:
    - نعم يا حليمة خلاص حنرجع بلدنا الجنوب
    - انت عندك بلد غير سوق ستة دا؟ !! والله ما ماسمعت ليك ببلد تاني! إمكن يكون دا شي جديد!
    قالتها وهي تضحك في استغراب بعد أن وضعت صينية الشاي أمامه وذهبت تلبي طلبات زبائنها الآخرين.
    وجاءه عيسى الذي يبدو أنه أكثر علما بما يجري:
    - يا ملوال خلاص بقيت على السفر؟
    - ايوه يا عيسى لازم تسجلو لينا زيارات في الجنوب..
    - ابشر يا ملوال ورينا انت وين ونحن نكون طوالي معاك عاويزين نفتح ورشة جنبك هناك في الجنوب انت زول والله ما بتتنسي ولا بنلقى زيك.
    فرح ملوال بهذه الكلمات وهو يردد: يا ريت والله؟ وانت يا عيسى والله زول تمام وعشرتنا عشرة طويلة أتمنى انو ما تنقطع.
    ثم استأذن عيسى للذهاب للبيت وقضاء بعض الأغراض.
    وأثناء عودته إلى بيته ظل يراقب بقية الجنوبيين في السوق الذين يتحركون مجيئة وذهابا استعدادا للسفر مما شجعه على المضي قدما في السفر و فجأة ظهر له حسن الشايقي صديقه الظريف:
    - يا ملوال سويتوها خلاص وما خايفين العواقب؟
    رد ملوال وهو يضحك:
    - ها ها ها خلاص البلد دي خليناها ليكم نقول ليكم مع السلامة !!
    رد حسن ساخرا كعادته:
    - يا خوي نحن وراكم وراكم!! إنتو حبايبنا وبنلحقكم هناك لو كان هناك شي فيهو فايدة . الناس يا ملوال شركاء في الكلأ وعلى الأرض السلام صح ولا لا ؟
    ثم استطرد في شيء من الجدية:
    يا ملوال انت جادي مسافر؟ !
    - والله ياحسن خلاص نحن بقينا امام أمر واقع لا بد من السفر ونقول ليكم مع السلامة وشكرا على الضيافة .
    - ضيافة شنو؟ انت كنت ضيف ولا سيد بلد؟ الأرض أرضكم (يشير الى الأرض) والدكاكين حقتكم والحكومة دي نصيبكم فيها كان نصيب الاسد دي ضيافة شنو يا ملوال.
    سكت ملوال قليلا ولم يجد ردا يقنع به صاحبه سوى أن يضحك ويداعبه:
    - دا كلو ما عاجبنا عاوزين زيادة ياخي, البحر دا مابيابا الزيادة.
    ومضى تاركا الشايقى حائرا متبسما ومستغربا !!.
    ولحظة دخول ملوال بيته طرق الباب جاره ودالفكي كعادته الذي سارع بملاقاته كأنه يسأله عن أمر جلل, وابتسم ملوال كأنه عرف ما يدور في ذهن صاحبه ورد على تساؤلات ود الفكي بعبارة حملت إجابة ما يبحث عنه:
    - ود الفكي سأفتقدك كثيرا اتمنى أن أجد جارا مثلك في الجنوب.
    ردّ ود الفكي في فزع:
    - والكلام دا يا ملوال هو جد؟ يعني انتو حتسافروا الجنوب نهائي بلا عودة؟
    - أيوه يا ود الفكي نحن لم نعد سودانيين في أرضكم !!
    - وحتكون جنسيتكم الجديدة شنو يا ملوال؟
    فكر ملوال مطرقا:
    - حنكون سودانيين..!!
    رد ود الفكي والحيرة تملأ وجهه:
    - والله ما فاهم يا ملوال حيرتني معاك؟!!!
    قال ملوال مرتبكا:
    - سنكون سودانيين لكن جنوبيين يعني الجنسية الجديدة سوداني جنوبي!!!
    نظر ودالفكي حزينا الى صديقه وجاره العزيز ملوال نظرات كأنها نظرات الوداع الاخير وهو يردد:
    - انها مشيئة الاقدار يا ملوال. لكنكم كنتم تحلمون بهذا اليوم اليس هذا صحيحا؟ صدقني يا ملوال اننا لسنا سعداء بهذا الانفصال لكن كان الود ان نكون معا للأبد لكن ها هو القدر حكم علينا وان شاء الله بعدها تهدأ النفوس ويعم السلام والله يعينكم يا ملوال ويعينا.
    أمّـن ملوال قائلا:
    - نرجو ذلك يا ود الفكي خلاص الجماعة قالوا انفصال ماذا سينفع التساؤل وماذا سيفيد الحزن علينا أن ننفذ ونرى بعد ذلك ما سيحدث. خلينا يا ود الفكي نقسم السودان لدولتين فقط , السودان وجنوب السودان , ونتقاسم موية النيل ونأكل كلنا ونشرب بأمان خلينا يا ود الفكي نوقف نزيف الدم المستمر.
    وسارع ملوال بالانشغال بلملمة أشياءه وحزم حقائبه دون أن يلتفت الى ود الفكي الذي بدأ هو الآخر يساعده ويرتب معه اشياءه دون أن يسأله الا فيما يخص ترتيب الاشياء وحمل الحقائب وأمور السفر إلى أن انتهى وبات كل شئ جاهزا, ولم يتبقى لملوال إلا يقول للناس وداعا. وما أن طلّ من النافذة على الناس حتى وجد أن بيته محاطا بحشد من الجيران والأصدقاء بل وحتى الذين كانوا يسببون له مضايقات ها هم بين الحضور وهم ينظرون اليه في شفقة وحزن وينتظرون لحظة خروجه ليودعونه, لان ملوال سواء احبه الناس أو لم يحبوه, هو اليوم مغادر للأبد, ملوال كان محبوه أكثر ممن يبغضونه, ملوال كان انسانا يعيش بين الناس كان جزئا منهم يحس بهم, ويشاركهم هموهم وقضاياهم, يفرح معهم ويفرحون معه, ويترح معهم ويترحون معه وله أيضا خصوصياته في معتقداته وثقافته, ولكنها لم تفصله عن الإندماج مع هؤلاء, ملوال عاش وسط الناس ولد بينهم, لم يأت وافدا ولا غريبا ولا دخيلا , بل كان واحدا منهم , وها هو اليوم قرر أن ينفصل منهم, نعم قرر أن يرتحل.ها هم ملوال السوداني يغادر السودان نهائيا الى جنوب السودان حيث الدولة الجديدة. ركب ملوال السيارة التي تقله إلى مطار الخرطوم ونظر نظرة أخيرة للناس وغادر, ولم يعد له أثر, ولم يسمع عنه أحد شيئا حتى اليوم. ولكن الجميع يأملون عودته وينتظرون. فهل يا ترى سيعود؟؟!!.
    د. عمر بشير أبوعاقلة























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de