خراب دارفورفي ظل الدولة العرقية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 08:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-15-2004, 01:41 AM

د.علي دينار–فيلادلفيا


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خراب دارفورفي ظل الدولة العرقية

    خراب دارفورفي ظل الدولة العرقية
    د.علي دينار–فيلادلفيا-أمريكا
    [email protected]


    يهدف هذا المقال الى تسليط بعض الضوء على مستجدات الاحداث في دارفور من إحتراب ‏وهدنة ومساع لمناقشة القضايا السياسية والأنسانية، كما يهدف أيضاً لتحليل دور الحكومة ‏ومليشياتها في خراب دارفور، وتحليل الموقف السياسي والعسكري للمعارضة المسلحة في ‏دارفور، ودلالات هذه الأحداث في السعي نحو غد مشرق لكل الدارفوريين.‏

    (1) الدور الحكومي للخراب:

    منذ الهجوم الأخير على كتم في سبتمبر2003، قامت الحكومة ‏ومليشياتها بتكثيف الهجوم العسكري، وأتباع سياسة الأرض المحروقة، ليس فقط ضد قوات ‏تحرير السودان، بل تحديداً على المواطنين اللآمنين، في شتى أنحاء دارفور من غير القبائل ‏العربية. وقد أتىالهجوم الحكومي على مناطق عديدة في دارفور بفظاعة ووحشية لم يخبرها ‏سكان الأقليم، من ترويع وتقتيل وتدمير، تفننت الحكومة ومليشياتها في إتباعه.‏
    لعل من أهم واجبات الدولة، أياً كانت، هو توفير الأمن لمواطنيها، ليس فقط بأشخاصها ولكن من ‏خلال المؤسسات التابعة لها والتي كان من المفترض أن يكون جل همها المواطن البسيط، وليس ‏ الإتكاء عليه لبلوغ أهداف أخرى لاتمت له بكبير صلة. فقد أهملت جل الحكومات المتعاقبة ‏العمل الجاد نحو تحسين معاش مواطنيها، وعوضاً عن ذلك فقد تمترست، وبإختيارها في حربها ‏في جنوب السودان ناشدة باهر الإنتصار العسكري، وإن أتى ذلك على جثث الأبرياء، وحينما ‏تعذر لها ذلك، دلفت وبكل بساطة نحو فصل الجنوب وفي فى صمت مريب.‏
    إن ماحدث من خراب، وبأيدي الحكومة في دارفور، كان من السهل تجنبه منذ البداية، إن كانت ‏حقيقة تسعى لتجنيب الأقليم هذا الخراب، وقد توفرت لهذه الحكومة العديد من السوانح كان ‏بأمكانها، وهي الأقوى عسكرياً وسياسياً تفادى ويلات هذه الحرب، إلا أنها آثرت خلاف ‏ذلك. فهي لم تستجب وتحترم آلية فض المنازعات التي كانت جارية حينها في الفاشر في فبراير ‏‏2003، حيث أفلحت في الأتصال بكل الأطراف المسئولة في النزاع. وذات الحكومة لم تنصت ‏لآراء وفد أبناء الأقليم يوم ذهبت للطينة، وبدلاً من مباركتها لتجنب الخراب قامت بإلغاء المؤتمر ‏الصحفي للجنة الوساطة. وهى المدركة لحجم هذه الحركة عسكرياً وسياسيا منذ بداية الصراع، ‏ورغما عن ذلك فقدً آثرت مواصلة الخط الجهادي المصادم،على النقيض لما يجري في نيفاشا.

    (2) حول آليات الخراب:

    أتخذ جنوح الحكومة وبسياساتها وأفعالها نحو خراب دارفور أشكالاً ‏عديدة، ومردود هذا الخراب للاسف سوف يمتد لمقبل السنين. هذا الخراب يبدو جلياً في ‏العلاقة العضوية والتنسيقية بين الحكومة و"قواتها الصديقة" من ابناء الأقليم لخراب ديارهم . فقد لجأت الحكومة ‏الى تاسيس قوات أفرادها من بعض القبائل "العربية"، تسليحا ًوتدريباً وتنسيقاً تجلى في غاراتها العديدة على مواطنيها من القبائل غير العربية. فالحكومة وبركونها لهذا ‏الاسلوب قد نجحت في تعميق وتجذير الصراع بين مجموعات قاطنة، متعايشة ، ومتصاهرة.وهي محاولة محسوبة النتائج تسعى لان يؤدي هذا ‏الصراع إلى حرب عرقية شاملة، وقودها الأبرياء العزل.
    ومتى كان الصراع في دارفور عرقياً بالصورة التي لجأت ‏الحكومة الى إخراجها وتنفيذها؛ أين أنتصاراتها خلال هذه الفترة من هزائم نكراء للجماعات ‏المحاربة في دارفور، كم من أسرت، وكم من قتلت، وما هو حجم الآليات المدمرة؟ فالحكومة وبتصويرها ‏للحركة بكونها حركة قطاع طرق وعصابات نهب مسلح، تدفع بالمرء لتصديق أن الدولة قادمة ‏لحماية مواطنيها وحفظ أرواحهم وأملاكهم وأعراضهم. فجل ‏الإنتهاكات من قصف بالطائرات وحرق للقرى وتدمير لمقتنيات المواطنين وحرق للزرع ‏والضرع، واغتصاب، وتعذيب، يتم كل هذا بمعرفة الدولة ومشاركتها في حرابة مواطنيها، والسؤال المشروع: أين يقع هذا من تعاليم الأسلام الغراء، التي يتشدق بها قادة الأنقاذ، وهي منهم براء. إن ‏المنحى العرقي المستخدم في الخراب من قبل دولة الإنقاذ، يتجلى من خلال أعراق مليشياتها المستخدمة في جنوب السودان وجبال النوبة ‏وكلها تعني الحاق أقصي ما يمكن من دمار تجاه الأخر، وتعميق الكراهية بين المجموعات ‏القاطنة. ذات السياسة إستخدمتها حكومة الصادق المهدي وقبلها حكومة سوار الدهب وجميعها ‏سياسات غير مسئولة قننت لما هو صائر اليوم. هذا المسلك أضر كثيراً بحياد وقومية المؤسسة ‏العسكرية، بوجود صنو لها مدعوم بجهات سياسية وأيدلوجية لممارسة التدمير.‏
    ‏ أن أستخدام الجنجويد ليس الغرض منه إلحاق الأذى الجسيم بالخصم وكفى، وإنما أيضاً لبذر الشقاق بين سكان دارفور. وتحت عباءة الجنجويد يمكن وبسهولة كبيرة لأفراد من الجيش ‏النظامي إلحاق دمار أكبر دون تحمل المسئولية الاخلاقية والسياسية المترتبة على الممارسة، ولكن ظهرت جريمة التنسيق والتواطؤ من براثن المكالمة الهاتفية المشؤومة بين أحد ‏الطيارين في مسرح العمليات في دار زغاوة والقائد الأرضي، آمراً إياه بحرق ونهب وتدمير كل ‏الابار، واخذ مقتنيات المواطنين "غنيمة". وهى عين السياسة المنتهجة في "الجهاد" ضد الحركة الشعبية وفي جبال النوبة. و لم يشفع الأرث الديني لمواطن دارفور والدولة منهمكة بإذكاء جذوة العرقية بينهم. ولا زال السؤال قائماً، لماذا حرابة مواطن ‏دارفور بضراوة أكبر من رافعي السلاح من أبناء الأقليم؟‏

    (3) الإغتصاب كآلية لحسم الصراع بين الفرقاء:

    أن أستخدام الأغتصاب كسلاح ضد الخصوم ليس هو بالأمر الفريد ‏في تاريخ البشرية، وقد حدثت ويحدث بمبررات كثر. ففي الحروب الأهلية ممثلة في الحرب الصربية-‏البوسنية، وحروب رواندا، ومؤخرا سجن أبوغريب، كلها قد كشفت عن أستخدام العنف الجنسي ‏ضد الخصوم. ومع وصول الجبهة إلى دست الحكم، ورغم نهي الدين الحنيف، والسجية الأنسانية ‏ضد هذه الظاهرة، ألا أن إفادات المعتقلين في بيوت الأشباح وغيرها، حكت كثيراً عن تعرض ‏السجناء للأغتصاب. وفي حرب الجنوب وتحت الأطار الجهادي للحرب، كان الحديث عن الاختطاف والسبي، وهي في مجملها تعني أن الأغتصاب كسلاح، كان واسع الأنتشارايضا. وفي ‏أحداث دارفور مع ذات الدولة الأسلامية، "الحامية لشرع الله"، شهد الأقليم صورا أفظع من ‏ابوغريب، من إغتصاب جماعي طال حتى الفتيات القصر على مرأى ومسمع من الأقارب، ‏من ذات الجيش الحكومي ومليشياته المحاربة. في صور لم يعرفها الأقليم من قبل، وهذا أمر دخيل ‏على سلوكيات الدارفوريين جميعا، رغم حراباتهم. أن جرماً كهذا، لم يتم تسجيله في الذاكرة ‏الجماعية لكل هذه المجموعات القاطنة المتعايشة المتزاوجة، ولنا أن نتساءل عن كنه التراكمات ‏التاريخية الغائرة في اللاوعي التى تحمل كل تلك الرغبات فى الحاق الأذى النفسي والبدني بالآخر وبكل هذه الوحشية على ‏مرأى ومسمع من الدولة "الحامية". ولمواطني دارفور كل الحق في السؤال: من هو المسئول عن ‏إدراج الإغتصاب كسلاح ضدهم؟ أن الوحشية التي تمت بها ويتم بها إقتراف مثل هذه الممارسات تدعو الى الاسى و ‏يعلم مقترفيها بأن المستهدف الأول ليسو هم جماهير النساء المفترسات فحسب، بل كل المجموعة ‏العرقية، لتمريغ كرامتها وعرضها، ولنا أيضاً التساؤل من هو المستفيد من كل هذا؟!
    إن مسلك أي حكومة في إنحيازها لمجموعة ضد أخرى هو دائماً مفتاح الكوارث وصيرورتها ‏حتى في حالة خروجها من مجرى الأحداث نتيجة لما تراكم من أحن، وذلك بشغل المواطنين كل ‏مهاجم للأخر على أساس قبلي، بدلاً من مواجهة جور الدولة. وقد افلحت هذه الحكومة وبنجاح ‏منقطع النظير في إذكاء جذوة العنصرية في حربها في جنوب السودان، وجبال النوبة والآن في ‏دارفور. وفي دارفور قديماً وحاضراً، يجد كل حصيف مدرك بأن ما يجمع القبائل المتحاربة ‏‏(عرباً وزرقة) لهو أكبر مما يفرقها، ورغم وجود هذه المنازعات فأن آليات فضها وتسويتها ‏وحياد الدولة كانت دائماً صمام الأمان ومفتاح النجاح. أن تسارع السياسات الجائرة في الأقليم ‏وأحتضان السلطة المركزية لمروجي سياسات التطهير العرقي، دون وضع في الأعتبار مستقبل ‏الإقليم ورفاهيته، هي النتيجة المنطقية لما آلت إلية الأحداث الآن من خراب في الديار، وخراباً في ‏ذمم من رهنوا ضمائرهم لخدمة أغراضهم الضيقة وفي سبيل ذلك إنصرفوا كشحاً عن تعديات ‏البعض، وإستغاثات الآخرين.‏

    (4) المعارضة المسلحة في الميزان:

    وضح جلياً منذ إندلاع الشرارة الأولى في حرب الدولة بأن ‏هنالك أكثر من حركة مسلحة معارضة، أجمعت على منازلة الإنقاذ. ورغم الإنتصارات السريعة ‏المفاجئة المباغتة ضد الجيش الحكومي والذي يبدو بأنه قد أخذ على حين غرة، فأن الرد الحكومى ‏ضد من أتت القوات المعارضة لأنصافهم كان أقوى، وأوجع، وأخبث. رغم كل هذه الأنتصارات ‏الأولية الساحقة الماحقة على جند الحكومة، إلا أن هذه الفورة لم تكن مصاحبة طوال هذا الوقت ‏بخطاب سياسى على ذات القوة صنواً لهذا الحركة المسلحة، وقد دفعت هذه الفجوة السياسية-‏الإعلامية بتنظيمي "العدل والمساواة" و"الحزب الفدرالي السوداني" بتوفيرهما لشكل من اشكال الغطاء النظرى السياسى، وكل اخذ فى نسب هذه ‏الأحداث إليه. وشهدت هذه الفترة وجود أكثر من فصيل مسلح مقاتل، بدرجات متفاوتة من ‏الأنتصارات، دون وجود كيان مسلح جامع للتنسيق بينها، مما سهل كثيراً مهمة الحكومة في ‏تضخيم وتقليل من أرادت، وفقاً لحساباتها. وسياسياً، عجزت حركة تحرير السودان، وهي الفصيل ‏الأقوي ومشعل الشرارة في دارفور، عجزت في تطوير خطاب سياسي جامع لرؤيتها لدارفور ‏المستقبل، خلافاً لجماعة العدل والمساواة التي نجحت في إفراد نظرتها، قبيل أحداث دارفور عن ‏رؤيتها لسودان المستقبل المنصف لمهمشيه، كما أن للفدرالي معتقده في أن مفتاح حل مشاكل ‏السودان ستفرج بتبني نظاماً فدرالياً للحكم. إلا أن جميع هذه التنظيمات لم تفرد رؤيتها لمسائل ‏دارفور تحديداً، قبل الخراب، وبعده، كما لم تكن متفقة في الألتفاف حول تصور عريض لمسائل ‏الحرب والسلام فيما يخص دارفور، وعموم السودان. ومع تعدد المنابر والرؤى والمواقف ‏السياسية في الداخل والخارج، كان الذبح والحرق ماض وبوتائر متسارعة من جند الحكومة ‏ومليشياتها.‏

    (أ) حول المسار العسكري للمعارضة:

    كان النجاح نصير الحركات المسلحة المعارضة بداية إلا ‏أنه وبعد أحداث كتم ، فإن الخاسر الأول هم الأبرياء، من غير القبائل العربية ‏حسب سياسات الحكومة. لم تفطن المعارضة المسلحة من أن إلحاق الأذى الجسيم بجيش الحكومة ‏وآلياتها، قد تدفعها للإنتقام مستعينة بأبناء دارفور ذاتهم لحرابة أهلهم ومواطنيهم. وتحولت ‏المعارضة المسلحة بعد سير جحافلها الواثقة في السهول لمناطق الفاشر، مليط وكتم، تحولت إلي ‏قوات محاصرة في مناطق جبلية وصحراوية، وصارت في العديد من الأوقات في حالة دفاع ‏متواصل وفي هذه الفترة تم حرق ماتبقى من قرى وتمت مواصلة سياسات الأرض المحروقة ‏بأناسها دفعاً بهم للمدن، أو هواماً، أو نزوحاً لمناطق أخري خارج دارفور. كانت ولا زالت هذه ‏السياسات الحكومية تتم ضد الأبرياء العزل، ولم تفلح قوات المعارضة المسلحة من حماية ‏مواطنيها، ناهيك عن وقف الجيش من سياساته الأجرامية. ويبقى السؤال قائماً عن جدوى الحركة ‏المسلحة في حالة عجزها عن حماية من أتت لإنقاذهم؛ هل يستحق الخيار العسكري كآلية لإجبار الحكومة ‏للجلوس على طاولة المفاوضات كل هذه التضحيات والخراب، ومواطني دارفور لم ‏ينوروا ولم يبصروا عن المحصلة المرجوه بعد كل هذا الخراب؟ وهل هذا هو الخيار الأمثل في ‏دارفور من أجل انتزاع الحقوق المشروعة؟هل الأجدى توفير السلاح لحماية المواطن ضد ‏المعتدى عليه أم الأجدى إتخاذ سياسة مغايرة تماماً لما جرى ويجرى الآن؟ أن ركون الحكومة ‏لإتفاقية أبشي الأولى وحينها كانت الأضعف ميدانياً، هو خلافاً لموقفها عشية محادثات أنجمينا ‏الأخيرة حيث إنصاعت الحكومة للمفاوضات ليس لضعف عسكري، ولكن لضغوط الرأي العام ‏العالمي في إداناته المتكررة للمجازر العرقية في دارفور.‏

    (ب) حول المسار السياسي للمعارضة:

    لقد أبنا في ديسمبر الماضي عن ضرورة معرفة الرؤية ‏السياسية لحركة تحرير السودان، كبرى الحركات، لتنوير المواطن ببرنامجها السياسي، خلافاً ‏للمانفستو المعلن. وحركة تحرير السودان وهي المبادرة بنهج العمل العسكري ضد الإنقاذ مطالبة ‏أكثر من غيرها في تلافي هذا القصور، خاصة حينما كانت في وقت أفضل لمواجهته، وعن ‏ضرورة توحيد الواجهة الأعلامية ومد جسور التواصل مع كل مواطني دارفور، و تحديد موقفها ‏وعلاقتها بالحركات الأخر. كل هذا بدلاً من التركيز في أصدار بيانات عما يجري في مسرح ‏العمليات الحربية، أو في بلع طعم الحكومة في الحديث وبكثافة عن مليشيات الجنجويد. كما ‏لايمكن السكوت عن أن حركة تحرير السودان، وبظهورها للعلن ومن خلال المانفستو المعلن في ‏كونها حركة تحرير عسكرية-سياسية مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان، كان عليها الحديث ‏مع مواطنيها، بتطوير جناحها السياسي. ففي محادثات الفاشر في فبراير 2003، ومن خلال ‏مفاوضات الطينة، شملت مطالب الحركة: الاعتراف بها كحزب سياسي، العفو العام، أقامة ‏مشاريع تنمية في الإقليم، كبح جماح الجنجويد، الخ. وعين هذه المطالب هي ماتم الأتفاق عليها ‏في أبشي. و في محادثات إنجمينا في أبريل 2004 حيث فاجأ الوفد الحكومي الجميع في الموافقة ‏للإجتماع بعد أسبوعين لمناقشة القضايا السياسية للأحتراب. جاءت هذا الموافقة من ذات الكيان ‏والذي كان حتي بالأمس القريب واصفاً المعارضة المسلحة بكونها عصابة نهب مسلح، وهي ‏تدري حينها بعدم وجود إطار سياسي فاعل لهذه الجماعات تتناسب والخراب الماثل. وقد أتت ‏هشاشة الموقف السياسي لهذه التنظيمات مع رتل من الأنشقاقات المتواترة في صفوفها، وهو ليس ‏بالأمر المستغرب، في زمان والكل فية تواق للم الصف. ‏
    إن الضغوطات الدولية، والتي هي وحدها قد أجبرت الحكومة على الجلوس حول طاولة ‏المفاوضات مع الحركات المسلحة، قد تستخدم هي ذاتها في تنصل الحكومة عما إقترفت من آثام ‏في دارفور. وفي هذا لا يمكن التقليل من الربط بين ما يجري الآن في دارفور، ولهفة المجتمع ‏الدولي لأنجاح مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية في نيفاشا، وأثر هذا في كيفية ‏حسم الصراع الدائر في دارفور، وبين كل هذه الأمال يقع مصير أبرياء دارفور، المهمشون ‏حقيقة. ‏
    ومن كل هذا يمكن لكل حصيف أن يرى بأن الحكومة ومليشياتها رغم كونها في موقف عسكري ‏وعتادي قوى، إلا أنها الأضعف أخلاقياً وضميرياً، فيما تم ويتم إقترافة من جرم ضد الأبرياء ‏والعزل. وإن كان هنالك من "مفخرة" للدولة في كل هذه الأحداث، فيمكن إجماله بأنها قد شاركت ‏مع غيرها في خراب دارفور. فعجز الحركات المعارضة المسلحة في توصيل خطابها السياسي ‏لمواطني دارفور، فقد قامت الحكومة، وبإقتدار في توفيره.‏

    (5) نحو مستقبل مشرق:

    دلت العديد من التجارب البشرية بأن السلاح وحدة رغم وميضة وفتكة، ‏ليس هو بالضرورة آت بنتائج إيجابية تتماشي والمقصد، فتجارب هتلر وملوسوفيتش، وأمريكا ‏في فيتنام والآن في العراق لخير دليل. وعلى ذات القدر ورغم عظم الكارثة في دارفور من دمار ‏للنفس والممتلكات، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة بأن ما تم وماسيتم إحرازه من مفاوضات ‏وغيرها ستكون متطابقة وحجم الخراب. وكل المبتغى أن يدرك أهل دارفور بأن هزيمة اليوم لا ‏تعني بتاتاً الخنوع، أو كونه نهاية المطاف. ولا أري من شعار مناسب في هذا الظرف خير من ‏عنوان مقال للأخ نصرالدين حسين دفع الله: "لن تكسرنا مليشيات الجنجويد". فجنجويد دارفور اليوم ليسو هم قصراً ‏على مليشيات الحكومة من أبناء دارفورة وماجاورها، بل هم كثر من أبنائها حلفاء النظام من ‏داخل السودان وخارجه، ممن باعوا أنفسهم وضمائرهم، بثمن بخس من أجل دريهمات مباركين ‏فتك الحكومة بمواطنيهم، أياً كانوا، هم أيضاََ حلفاء النظام بشقيه الحاكم و"المعارض"، المدافعين ‏عن سياسات الحكومة الجائرة، والجاعلين من دارفور ضيعة رخيصة لحسم صراعهم مع ‏منافسيهم للنفاذ لمكان صنع القرار بخراب دارفور، ونجدهم في مسلك وذهنية من هم في خارج ‏إطار السودان الجغرافي وقد كست غشاوة العرقية أفئدتهم، ناظرين لأحداث دارفور "كمهدد ‏للوجود العربي في دارفور"، وهم أيضاً الحالمين برفيع المناصب والمغانم لما يتم الآن من خراب، ‏قدحاً وذماً.‏
    فدارفور وبتاريخها التليد وتفردها الأثني، هي مفخرة للجميع، إلا أن مشكلها قد أتى في زمان ‏شهد إندحار المشروع الحضاري للأنقاذ والتي رأت بألا خير في تنوع السودان العرقي والثقافي. ‏وحينما أطلت أحداث دارفور والحكومة سكرى بهذا الإطار الفكري، لم ترى خيراً في تعددية ‏دارفور، بل رأته نقمة وقد تحالفت أيدلوجياً مع دعاة النقاء العرقي من أبناءها والذين صارت ‏الغلبة لرأيهم، وتم لهم ما ارادوا. ودارفور، وأن تصافت القلوب وتحابت، وتم تحييد كل طامع ‏للسلطة في تجنبه للعرقية، لوسعت الجميع، فإن كانت الدولة هي حقيقة عادلة ومنصفة لكان لها أن ‏هبت لنجدة جميع مواطني دارفور دون إعتبار لعرق، أو لأصل وفصل. ولكن ظهر جلياً في ‏تاريخ السودان المعاصر ومن خلال التداول السلطوي للمركز تعاظم دور العرقية في التركيبة ‏الحاكمة، وهيمنتها السياسية والثقافية محدده علاقاتها مع الأطراف والتخوم. فإن كان هذا هو ‏أساس تركيبة الدولة الحاكمة، فعلينا بالتواضع فيما نرجو أن تصير إليه الأوضاع.‏
    ومن خلال ماتم تدميره في دارفور، وقد صارت الغلبة العسكرية للإنقاذ، فأن ماتم خرابه يمكن ‏إعمار بعضه وهذا ليس الخراب الأول لدارفور، ونرجو أن يكون الأخير إن فطن الجميع لمغبة ‏هذا العمل. فدارفور قد خربها الزبير باشا رحمة عام 1874، متقصياً الزعيم موسى مادبو زعيم ‏الرزيقات، إلي أن وجد سانحة ضم دارفور كلها لزريبته؛ وخربت دارفور أيضاً في فترة المهدية ‏علي يد أعوان الخليفة من دارفور ذاتها ومن خارجها من أمثال عثمان أدم جانو، ومحمد خالد ‏زقل، وثارت دارفور كلها ضد القوات المهدية قبيل سحقها. ورغم هذا فأن سنين عمارية دارفور ‏هي أكثر من سني خرابها، فهي وإن خربت الآن، فليست هي نهاية دارفور، ككيان، وكمشروع، ‏وكأرث حضاري له أسهاماته الجليلة للأنسانية، سابقاً ولاحقاً. ‏
    يأتي هذا الخراب أيضاً وأبناء دارفور في الحزب الحاكم لهم تمثيل كبير، وموقع أكبر في التنظيم ‏المعارض، إلا أن هذا الوجود الكثيف لم يترجم إلى كوابح لوقف الزحف التدميري لدارفور ‏بحواضرها وبواديها، بل وأن أبناء دارفور ممن إرتبطوا بالنظام هم الآن المدافعين عن سياسات ‏الدولة تجاه إقليمهم متدثرين بلحاف ذم المعارضة المسلحة. كما لم يوقف حزب الأمة وهو الذي ‏بنى إرثه السياسي من صناديق المقترعين في دارفور، ومن دماء من تم ذبحهم "كمرتزقة" في ‏محاولات الأطاحة بنظام النميري، وزعيم حزبه الأمة "المعارض" لم يقف ذات الوقفة في ‏معارضة خراب دارفور يوم تصدي لقرار لجنة الأنتخابات التي كونها سوار الدهب بتقليص ‏الدوائر الجغرافية في دارفور. ومع كل هذا، ألا أجدر بمواطني دارفور أجمعين التفكير جدياً ‏وعملياً في إنشاء كيان سياسي جامع لخير الإقليم خاصة، والسودان عامة؟ فقد دنا الوقت الآن ‏للعمل مع مواطني دارفور، أجمعين وهم قد أرتضوا العيش في ذات الأرض، وفي ظل دولة ‏سودانية ديمقراطية، هي للجميع، وبالجميع. فدارفور المستقبل هو وعاء للجميع، وليس حكراً ‏لأحد، فهي دار للـ : مساليت، التعايشة، الفور، الرزيقات، الزغاوة، المعاليا، التنجر، البني حسين، ‏الداجو، الزيادية، المسبعات، الفلاتة، الميما، التاما، البيقو، البرتي، الميدوب، أولاد الريف، ‏الواهية، الجلابة، البرقد، ألاسنغور، الشرفة، القمر، السلامات، العريقات، أم جلول، المراريت، ‏بني منصور، وغيرهم وغيرهم.. وهي فوق كل، هي لكل السودانيين.‏

    فأي دعوة لأستثناء أحد، هي دعوة عنصرية ولا مكان لها في دارفور المستقبل. فدارفور في ‏تاريخها الطويل لم تكن طاردة، بل حاضنة ومستقبلة للجميع من داخل الأقليم وخارجه في إطار ‏السودان الجغرافي. وعلى دعاة التطيهر العرقي وحلفائهم بإدامة النظر إلى أنفسهم وغيرهم بتجرد ‏حيال نقائهم العرقي، أياً كان ومقارنة أنفسهم بالغير، وهل يرقي ذلك لكل الحرابة والدمار؟ وبعد كل هذا ‏الخراب، من هو الخاسر و من هو الرابح، أفراداً، وجماعات، ودول؛ كنتيجة منطقية لما آلت ‏وستؤول إليه الأوضاع في مقبل السنين في درفور؟‏


    د.علي بحرالدين علي دينار
    جامعة بنسلفانيا – فيلادلفيا

    http://www.darfurinfo.org

    14 مايو 2004























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de