بعد 128 عاماً زيارة مباركة لقبر الشهيد في جــِنِس بقلم مكي أبوقرجة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 08:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-23-2014, 05:36 AM

مكي أبوقرجة
<aمكي أبوقرجة
تاريخ التسجيل: 11-23-2014
مجموع المشاركات: 1

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بعد 128 عاماً زيارة مباركة لقبر الشهيد في جــِنِس بقلم مكي أبوقرجة

    تحول المساء بغتة إلى ليل بهيم. هبط الظلام وأطبق علينا. لم يتدرج كما ألفنا. رفعت رأسي إلى السماء أنظر، فرأيته قريباً بشكل مخيف. بدا كمرآة صقيلة تنعكس عليها ملاءة عتيقة زرقاء متغضنة الأطراف. تبعثرت فيها النجوم كاللؤلؤ الناصع الأخاذ. هذه الأرض قريبة من السماء بشكل لا يصدق. تحس أن يداً لو امتدت للامستها. هل إنتاب هذا الشعور غيري!؟ أم كان مخفياً في دواخلي، تغذيه قراءاتي – بقدر ما أتيح لي – عن قداسة هذا المكان وازدحامه بخطى الأنبياء والرسل!!
    كنا قد وصلنا إلى جنس للتو فانهكمنا في تنظيف مكان قبر جدنا الشهيد وإزالة طبقات التراب التي تراكمت طيلة ثمانية وعشرين ومائة عام. كانت أنفاسي تعلو وتهبط ويبللني عرق كثيف. فهذه اللحظة الخرافية النادرة ظلت كامنة في شعوري ووجداني منذ أن تفتحت عيناي على الوجود. (حمل ريحان جثمانه وركض صوب القرية، يختفي نهاراً ويواصل السير ليلاً حتى وقف أمام منزل العمدة دهب ود غانم).
    هذه قلعة طينية مهيبة شامخة وليست قصراً بمواصفاته المعروفة، كما يطلقون عليها. في أعلاها برج وأبواب الغرف في داخلها ضيقة لا تسمح للإنسان بالدخول واقفاً. ربما اتخذها العمدة سكناً ولكنها تصلح للدفاع أيضاً. قيل إن الذي شيدها هو العمدة محمد خير ود غانم والد دهب في القرن التاسع عشر. حين جلسنا نستمع لأحد أحفاده قال إن قيادة قوات الأنصار اتخذتها مقراً للرئاسة. هذا المكان لم يكن غريباً على الأمير الحسن الشهيد. هذا كان معقله الذي ظل يراقب من خلاله تحركات العدو. ثقب المزاغل في البرج يطل منها ويستخدمها لإطلاق النار. كان العمدة دهب وطنياً متعاطفاً مع الأنصار. رآهم يقاتلون الغزاة الإنجليز فانحاز إليهم. أخلى القلعة وشيد بيوتاً جديدة لعائلته في الجانب الآخر. وجدنا سلالته لا تضمر إلا الخير للأنصار. لا تنطوي قلوبهم إلا على المحبة والإكبار. ولما بدأ الإنجليز بالهجوم محيطين بمعسكر الأنصار إندفع الحسن بفرسه نحو ساحة المعركة. حاول بعضهم أن يصده لما رأى ضراوة الهجوم. ولكنه لوى عنان فرسه واقتحم صفوف العدو فامطروه بالرصاص وسقط شهيداً. قام ريحان بدوره المشهود فحمل الجثمان إلى القلعة على النحو الذي رويناه. هذا المشهد أقرب إلى حقيقة ما حدث من الرواية السابقة، وإن لم يختلف كثيراً. ظل الشهيد في رقدته الأبدية هذه منذ ديسمبر 1885م. وظل العمدة دهب وعائلته وأهله من بعده يبذلون ما بوسعهم من عناية للحفاظ على القبر.
    هؤلاء السكوت أهل نجدة ووفاء وأهل كرم وسخاء. هرع إلينا الشاب عوض ركضاً تتابع أنفاسه حين رأى سيارتنا تقف أمام القلعة التي تواجه داره. ليس أبعد من ثلاثمائة ياردة. وضع نفسه تحت خدمتنا على الفور. حمل المعول يزيح التراب ويراكمه خارج الغرفة المكشوفة التي تحتوي القبر. واتصل بالبنّاء يطلب حضوره على عجل. وصحب أحد أحفاد الشهيد إلى عبري لشراء المواد اللازمة لإقامة الضريح وتثبيت الشاهدين. وعندما فرغنا من المرحلة الأولى على أن نعاود العمل في الصباح صحبنا إلى داره لنجد في انتظارنا مائدة سخية عامرة. ومن ثم إستضافنا لليلتين في داره. حضر مبارك دهب -المهندس الزراعي بالمنطقة - وتبادل معنا كثيراً من الأحاديث. واتصل من فوره بالسيد عمر بن العمدة دهب في منزله بالدروشاب. رحب بنا عمر دهب الذي تجاوز الثمانين ترحيباً حاراً عبر الجوال وتمنى لو كنا اتصلنا به قبيل توجهنا إلى جنس ليصحبنا إلى هناك. وفي الصباح الباكر بعث إلينا بصورة فوتوغرافية واضحة للعمدة دهب. كان الحصول عليها بمثابة العثور على كنز ثمين.
    منذ الوهلة الأولى إعتقد سكان المنطقة في صلاح الحسن الشهيد وتحدثوا عن كرامات له. فأخذوا يزورون القبر يتبركون، وأطلقوا عليه اسم سيدي المهدي والشيخ قورجة. واستمر الحال على هذا المنوال حتى وقت قريب حين تغيرت الظروف حول المكان. هاجر الناس من جميع القرى وأضحت خالية يحيط بها السكون. ولكن جمالها ما زال ماثلاً كأنها فراديس منسية. النخلات التي جاورت القلعة سموها نخلات سيدي المهدي. تبدو صغيرة مخضلة كالصبايا اليانعات. كأنما شتلوها قبل عام لا يزيد. تذوقنا ثمراتها الحلوة الناضجة. ومن ورائها مباشرة تنفذ إلى نهر النيل الذي بدا شاباً فتياً في عنفوانه وكأنه جدول كبير مصقول الجانبين صنعته أيدٍ دربة لإستقامة شاطئيه واستوائهما. وقفنا على الشاطيء الشرقي نتطلع إلى الجانب الآخر حيث بدت تلال رملية بيضاء، نشأت بفعل الزحف الصحراوي. إرتفعت على الشاطيء جميلة كأنما تدخلت فيها يد فنان بارع. تنمو عليها أعشاب زاحفة كما تراءت لنا في ذلك المساء. أما جزيرة التماسيح فاستلقت قريباً وسط النيل. قيل إن تلك الكائنات تظهر أحياناً ولا تهاجم البشر. تكتفي بالتهام الأسماك العملاقة التي تتوافر في مياه السد القريبة.
    غادرنا أمدرمان فجر الثلاثاء الثامن والعشرين من أكتوبر 2014م، في تلك الزيارة التي تأخرت أعواماً وأعواماً. جاء أخي شعيب من كوستي والتأم شمل وفدنا مع ابني شقيقنا الأكبر مصطفى – نصر ومحمد – وابن شقيقتنا حسن مصطفى إسماعيل. أعدوا للرحلة جيداً وحمَّلوا سيارة محمد مصطفى بكل الإحتياجات خاصة الطعام والماء البارد. وهم تجار أهل سفر وترحال مثلما كان أسلافهم. وكان أمامنا الف وخمسمائة كيلو متر لنقطعها في الذهاب والإياب.
    بعد صلاة الفجر تحركنا في تلك الأجواء المتفائلة السعيدة. ترفدها أنفاس الصباح الندية بأحاسيس يصعب وصفها. كنا جميعاً مستبشرين والطريق خال من الزحام والسابلة. هذا الطريق سلكه جدنا عثمان – والد الشهيد – قبل قرنين. اصطحب إحدى القوافل قادماً من مسقط رأسه – الحفير – متجهاً إلى أرض جديدة في زمان غير هذا الزمان. لا أحد يستطيع أن يرسم صورة دقيقة لهذا الطريق قبل مائة وتسعين عاماً مهما جمح به الخيال. كما سلكه ابنه الحسن أميراً يقود راياته متعقباً قوات الاحتلال الغازية – حملة الإنقاذ – التي تراجعت إلى دنقلا بعد سقوط الخرطوم في يد الأنصار. كان ذلك قبل قرن وربع القرن. وها نحن نسلكه الآن لنزور قبره في قرية جنس في أقصى شمال السودان. ظل الحسن ماثلاً في وعينا لم يبرح. والآن نسعى إليه في شارع مسفلت يشق تلك الدورب الوعرة التي مشاها مع رجال لم يشهد التاريخ أمثالاً لهم في التصميم ومضاء العزيمة. كم عطشوا وكم جاعوا وكم تعرت أجسادهم وتقرحت أقدامهم وسقط الكثيرون صرعى، وهم صامدون كالجبال الشم. لم يهنوا ولم يتراخوا ولم يتراجعوا ولم يركنوا للفرار هرباً من الأهوال. أكثر من سبعمائة كيلومتر قطعناها بسيارتنا الصلبة المريحة مكيفة الهواء ولم نسلم من الضجر يسيطر علينا من وقت لآخر. رغم الأنس الجميل الذي ما انفك يصحبنا طوال تلك الرحلة المباركة.
    كان عزاء الأنصار وحداؤهم التهليل والتكبير، مفعمين بالشعور بالظفر أو الشهادة. يجوبون الصحاري ويتواثبون كالفهود فوق الصخور البركانية الجارحة، المشرئبة كالنصال. راوغتهم القوات البريطانية.. تراوح كالزئبق من مكان لآخر. وأخيراً جاءها المدد بقيادة الجنرال استيفنسن قائد قوات الاحتلال بمصر. أعدت للمعركة الفاصلة عدتها وانقضت على المعسكر مدججة بأسلحة لا قبل للأنصار بها. فسقط منهم خمسمائة شهيد. خسروا المعركة ولكنهم دخلوا التاريخ فتربعوا على عروش الجدارة والمجد والخلود كأشجع الرجال الذين درجوا على وجه الكوكب على مر العصور.
    ولما عدنا قمنا بزيارة السيد عمر دهب في منزله بالدروشاب فغمرته سعادة لا توصف وعبر عن فرحه كأنه إستعاد أمجاد والده ومآثره الجليلة. جلس إلينا شاباً فتياً رغم تجاوزه سن الثمانين. تحدث عن تجارب وذكريات. وشاركته الحديث ابنته الشابة البرزة رجاء التي بدت عليها سمات الفضل والسماحة، كما بدت علائم النجابة على ابنها الفتى محمد.

    من كتاب: صولة بني عثمان
    تحت الطبع

























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de