الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (3/3) (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 11:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-01-2014, 01:31 PM

BALLAH EL BAKRY
<aBALLAH EL BAKRY
تاريخ التسجيل: 04-04-2013
مجموع المشاركات: 517

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (3/3) (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح)

    الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (3/3)
    (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح)

    بقلم: بلّة البكري
    ([email protected])
    مقدمة
    وعدتك عزيزي القاري بأن تختر معي "خَتْرَة" قصيرة في الجزء الثالث والأخير من هذا المقال بدأ بصحبة شاعر آخر مجهول من دار كَوَل والكَمْبو والتي يبدو أنها مسرح االحدث لكثير مما جاء في قصص الطيّب من شعر حتي نكمل سياحتنا فيما جاء به من شعر في رواياته وقصصه بل في عموم أدبه. وقبل أن استرسل اسمح لي أن أردك مرة أخري الي الجزء الأول من هذا المقال للمدخل حيث بيّنت فيه الزاوية التي من خلالها أكتب عن الأستاذ الطيّب صالح فليراجع من شاء مقالي في هذا الشأن في مكانه.
    عُووك الزين شاعر!
    استشهدت بأقوال البروفسير ابراهيم القرشي في الجزء الثاني من هذا المقال عندما كتب مقدمة أعماله الكاملة (أنظر الجزء الثاني) وأشرت الي قوله أن الطيّب عمل بذكاء في دس وتمرير كثير من المفردات والمفاهيم في كتاباته حين قال: "... ولكنه سعي بذكاء الي تمرير كثير من المفردات والمفاهيم والشخصيات في كتاباته، وما أكثر ما وقف مع الحاردلو وود الفراش وحاج الماحي....ورصفائهم..". مكان النقاط الأخيرة حذفت فيه اسم شاعر آخر هو التجاني يوسف بشير، ذكره د. القرشي في هذا المقام. والتجاني رغم صيته وباعه في الشعر السوداني لا أخاله منهم. وحصري لهم وحدهم في مجموعة مقصود لأن هؤلاء من صانعي الأدب الشعبي بينما التجاني شاعر من نوع آخر ليس هذا مجال الحديث عنه. الطيّب عبّ وشرب من معين هؤلاء ورصفائهم من شعراء الدوبيت في يفاعته بل وأنا أزعم بأن كل موهبته وذائقته الأدبية المرهفة ترتكز علي هذا الأرث.

    يقول بروفسير القرشي، والذي يبدو أنني علي وشك تحويله، دون أذنه، الي شاهد أثبات (اكسبرت وتنس) كما تقول الفرنجة، وما أميّزه من شاهد؛ أنه: "لم ير متذوّقا للدوبيت ملمّا بنفائسه كالطيّب صالح" وقد حكي القرشي كيف أنه أنشد الطيّب مربوعة ود أب شوراب وكيف أن الطيّب، رغم وقاره، هلّل وكبّر حتى ملأ أرجاء الفندق صائحا: الله الله. يقول عجز المربوعة:
    حِليل الكَرْفَهِنْ يحيى العروق الماتَنْ
    بطراهن جميعِنْ والليالي الفاتن
    أما صدر هذه المربوعة ففيه مزالق عدة لا ينبغي لرجل في "وقاري"! أن يتحدث فيها؛ وقد رأيت شاهد أثباتي الخبير نفسه يمتنع عن ايراد المربوعة كاملة في مقام مشابه فكيف لا اهتدي بهديه وهو شاهدي (انظر مقال القرشي عن الفنان الجيلي الشيخ، وجدت أشارة اليه في بوست للمهندس عاطف عمر في سودانيزاونلاين يثني فيه علي القرشي ودوره الرائد في تقديم وشرح ما استعصي من المديح النبوي ) .

    وعلى الرغم من تواضع حظي في الشأن الأدبي مقارنة بالبروفسير القرشي ورصفائه فقد قلت، أنا أيضا، في الجزء السابق من هذا المقال "أنني لم أر أحداً يتلو شعر الدوبيت بهذه الرصانة والأذن البالغة الحساسية لجرس الوزن والقافية مثل الطيّب ونفر قليل". وقد استمعت للرجل في صمت في أكثر من ندوة في الشئون الأدبية في لندن حيث أقمت وعملت هناك لما يقارب العشر سنوات.

    ولذا فالطيّب عندي شاعرٌ شعبي حتي ولو لم يكتب الشعر الشعبي. هذا الأبداع النثري الفذ ذو الطابع الشعري لابد له من مرتكز ثابت محكم التصميم والبناء لا يعتريه خلل نظري أو عملي ولا يشكك المرء في صلابة المادة التي صنع منها فما هو إن لم يكن الشعر الشعبي. فهل الشعر الشعبي بهذا الغني؟ بلى. ومن أراد الدليل فليسأل الغوّاص عن صدفاته.

    الطيّب اعترف بتعلقه بالشعر الجاهلي بل وتأثره به وهذه لا تحتاج الي دليل علي كل حال لكون الاعتراف هو سيد الأدلّة هذا فضلا عما سجل له في الأذاعات والندوات وما كتبه هو نفسه في هذا الصدد؟ وقلت أنّ هناك من تعلّقوا بالأدب الجاهلي من معاصري الطيّب ممن درسوه ومحصوه ونالوا فيه درجات علمية رفيعة فهل منهم – دون ذكر اسماء - من يداني الطيّب ولو من بعيد؟ الله أعلم. حسنا فلنقل جدلا أن الشعر الجاهلي فعلا قد أثرى عطاء الطيّب الأدبي وصقل موهبته خاصة وقد اعترف هو بذلك. ولكن لابد من أساس متين لهذه الموهبة حتي يتم صقلها خاصة والمواهب لا تكتسب بالدراسة والشهادات؛ والطيّب نفسه أصدق دليل علي ذلك. الأساس هو المعين الأدبي الثر الذي عبّ منه الطيّب وهو طفل وصبي؛ أنه شعرنا الشعبي في بوادي السودان. ومرة أخري أصيح مع الزين – سيد الأسم الذي طالما احبه الطيّب وشبه نفسه به: عووك يا ناس الزين شاعر!!

    واعتذر مرة أخري عن التكرار الذي أملته عليّ تجزئة المقال. ودعني أروح عنك، عزيزي القاري، واصطحبك معي في استراحة قصيرة مع شاعر مجهول من نواحي كردفان يصف بعيره (الوَزْ) وكيف أن الوَزْ بزّ أقرانه يوم السباق خاصة وقد خوفوا صاحب الوز ببعير آخر اسمه "أب صُفّارة" وقالوا له: ما بتسبق أب صفارة علا كان تركّب مكنة وتروس ل "وَزّك"دي! والعهدة علي الراوي. فجاء يوم السباق وكال لهم الوز "مِد أبو سَبْعي" علي حد قول صاحبه. أنظر للمربوعة وتمعن في اللهجة الدالة دلالة قاطعة علي بيئة القائل وليتني عرفت من هو:
    شيخ الدارة لمّ الناس وفَشَرْ بالحيل
    الوَزْ ختّ لأب صُفارة ستين ميل
    عندا تروس بقاويبا الرمال والهِيل
    و مِدْ أبو سبعي أصبح كايلا ليهن كيل

    فلنتقل الآن للجزء الثالث والأخير من مقالي في شرح ما جاء به الطيّب من دوبيت.
    دار كَوَل والكَمبو!
    وأورد الطيّب الأبيات الآتية، أيضاً، في متن رواية "موسم الهجرة الي الشمال" (ص 125 من الأعمال الكاملة) وقد وردت المربوعة في الكتاب هكذا:
    ناوين السفر من دار كَوَل والكمبو
    هُوزز راسه فرحان بالسفر يقنبه
    أبْ دوماتن غرفن عرقو اتنادن به
    ضرَبَ الفجة اصبح نارُو تاكل الجنبه
    وهناك خطأ تصحيفي، طباعي ربما، في البيت الثالث من المربوعة حيث وردت في الكتاب عبارة (اتنادن به) والصحيح بلا شك هي "اتندن به" من الندى وتنطق "اتندّنبو" يقول الشاعر إنه نوى الرجوع إلى بلده من تلك الديار التي وصفها بديار الكَوَل والكمبو. والكول والكمبو هي أنواع من الأطعمة معروفة في نواحي كردفان والتي هي مسرح الحدث لكثير من عربان الأبل من مختلف بطون الكبابيش والهواوير والكواهلة وبني جرار. وكيف أن بعيره (هوزز) رأسه أي هزه وكأنه يوافق علي هذه الرحلة المزعومة و قد نشط هو الآخر بفرحة السفر والعودة لدياره وقد أضحي الرجوع يقيناً عنده وتقرأ "اتقين بو". ثم عرج الشاعر في البيت الثالث يوصف بعيره بكون العرق الذي يتصبب من "دوماته" التي غرفن هذا العرق غرفاً حتي تندن به من البلل الذي أصابها وكيف أن سرعته عند الجري اصبحت تشبه سرعة من يتطاير الشرر (النار) من جنباته ( وهو اللوري) حتي لكأنها تلتهم من يقترب منها. لاحظ أنه لم يرد ذكر اللوري بالأسم في هذا البيت لكنه يفهم من السياق كما سنرى في أمثلة أخري أدناه أشد وضوحا لأن البعير مهما كان سريعا فليس هناك شرر أو نار يمكن أن تخرج من جنباته.
    دركسونك مَخرَطَة
    و قد ورد أيضاً ذكر الأبيات أدناه في متن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" في نفس الصفحة المشار إليها في المصدر المذكور أعلاه.
    دركسونك مَخْرَطَة وقايم علي بولاد
    ؤغير سِت النفور الليلة مافي رُقاد
    يقول الكاتب الراتب، عبد المنعم عجب الفيا في إحدي مقالاته المنشورة في (سودانايل) بعنوان: "ترجمة أبيات الشعر في موسم الهجرة إلى الشمال" في شرح هذه الأبيات:

    "فهو يصف "الدركسون" عجلة قيادة السيارة، بأنه أملس مستقيم كانه قُدَّ بمخرطة بل هو فعلا كذلك، وأنه صلب، كونه مصنوع من الحديد الصلب، البولاد. والبولاد هو الفولاذ، وهي فارسية عُربت فولاذ. وبولاد اسم علم في السودان واشتهر الشيخ ابراهيم ود جابر الركابي بالبولاد (انظر عون الشريف، القاموس). وأورد عون الشريف، لمحمد جقود قوله:
    نحن الصامتين وكلامنا حكمة وعفة ** نحن نحاف جسوم بولاد سواعد وكفة".
    ولا أختلف مع الأستاذ عجب الفيا فيما ذهب إليه من معنى مباشر، بصورة عامة. فقد جاء بالمختصر المفيد المدعوم بأدلة. غير أن لي رأيٌ أن هناك معني آخر أبعد من المعني الظاهري المأخوذ من الكلمات المفردة ومعانيها المباشرة، يرتكز علي ما سأورد أدناه من أدلّة. لفظ "مَخرَطَة" يطلق بصورة شائعة في الريف أيضاً علي السرير المصنوع بالمخرطة وقد يقال "سرير مخرطة" أو "عنقريب مخرطة". ويقارن بالسرير البلدي في جودة الصنع فيُفَضّلُ عليه لكون عمل ماكينة المخرطة أكثر دقة من عمل اليد المجردة . فما وجه الشبه بين الدركسون والسرير المخرطة؟ أنه جودة الصنع والملمس الأملس والأستدارة والقوه. فالشاعر لابد انه قد بحث في بيئته المباشرة عن ما يشابه الدركسون فاستلف "صفات" السرير المخرطة ليعبر بها عما رآه من تطابق في "صفات" الدركسون؛ جمال صنعه واستدارته. وحتي لاتظن عزيزي القارئ أننا أبعدنا النجعة فمثل هذا التشبيه موجود في الشعر الفصيح وفي شعر الدوبيت أيضا كما سنري أدناه. أما في الشعر الفصيح سأكتفي بمثال واحد يمهد لما ذهبت له. أنظر قول أمرئ القيس يصف فرسه:
    له أيطلا ظبي وساقا نعامة
    وإرخاء سرحانٍ وتقريب تتفل
    فالشاعر هنا يستلف صفة الموصوف به ليطلقها علي الموصوف كالسرعة وهي الصفة اللازمة لدى "ساقا النعامة" مثلاً. فيقول عن فرسه أنّ له خاصرتين كخاصرتي الظبي وساقين سريعين كساقي النعامة وسيراً كسير الذئب (سرحان) وعدواً كعدو الثعلب(تتفل). كل ذلك دون أن يذكر هذه الصفات مباشرة. أما في الشعر الشعبي (الدوبيت) فسأورد عدّة أمثلة لمثل هذا التشبيه. في المثال الأول، أنظر قول الشاعر:
    ود الأدرع الماكِل تلاتة خَرايف
    طوّل من شَراب جَبْرَة ؤخريف ود عايف
    خُفّك نَقرة البرق الوقع مِتْسايف
    ففي البيت الثالث يصف الشاعر سرعة خف بعيره في الجري كأنه "نقرة البرق" الوقع متسايف، أي مائلا. هنا أيضا نري كيف أخذ الشاعر صفةً لصيقة بالموصوف به (السرعة في نقرة البرق) ليطلقها علي الموصوف (بعيره، ود الأدرع) – تماما كما فعل أمرئ القيس في وصف فرسه. واذا لم تتضح لك الصورة بعد عزيزي القارئ دعني أورد لك مثالين آخرين. في المثال الثاني أنظر قول الشاعر:
    السِن مَداحي الفقع
    والرِيق مَسّخ السُكّر بعد ما نقّع
    معشوقك قَدّاد قلبو ما بِتْرقّع
    ؤنَخَلي الحارسو للعَلّامة ما بتطّقع
    أنظر كيف يشبه سن محبوبته بالمداحي (جمع دُحية) وهي البيضة. قال تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها). فما من وجه للشبه بين البيضة والسن سوي "البياض" الذي لم يرد ذكره في البيت بل وردت الإشارة إليه بصفاته فقط. تماما كما فعل شاعر "دركسونك مخرطة" والذي لم ينبئنا ما هو وجه الشبه بين الدركسون والمخرطة (سرير المخرطة). أنه الملسان والاستدارة وإجادة الصنع. وهاك عزيزي القارئ المثال الثالث لكي تكتمل الصورة. يقول شاعر مجهول:
    البارِح في المنام جاني جِدِيْ أم شُورَة
    كاشمتو ؤبَكِيْ بي جبهتو المحكورة
    الدَربْ الأبوهو الشَيبة والبذورة
    حبي وحُبُّه الخشب ال (مَعَ) الماسورة
    في البيت الأخير من هذه الأبيات جمالٌ متناهي لوصف الشاعر لحبه اللصيق بمعشوقته. فمن رأى كيف يعانق الخشب المحيط بماسورة البندقيه الماسورة نفسها، في قربٍ لصيق وتلبب، وكيف استعار الشاعر هذا "التلبب" ليصف علاقته بالمحبوبه! ولك أن تقارن بما ذكرت أعلاه كما أرجو أن تكون الصورة قد وضحت لك تماماً الآن. أما إذا شئت أن تبحر بعيدا في كيف يتعمّق بعض شعراء الدوبيت في أوصافهم، في مثل ما ذهبنا إليه، فإليك هذه ألأبيات كخاتمة. أنظر للمقطع الأخير وقارن وربما وجدت صعوبة في المقارنة إذا لم تكن تعرف من هو "ود سيماوي"
    شن تشبهي بلا الجَفَلَنْ علي الهِيماوي
    خرّالهن دِليوْ اتصنتلّو الخاوي
    خدراء ؤمنظّمة ؤمِنْجُر عليكي حكاوي
    البنّوت عساكر ؤانتِ ودسيماوي!
    فكيف تكون المحبوبة "ودسيماوي" وهو اسمٌ علم لرجل له مقام رفيع كما هو واضح. ليس هناك من وجه للمقارنة بينها وبينه سوي الرفعة والمكانة السامية وهي الصفات التي لم تذكر بالاسم وإنما تمت الإشارة إليها بتوفرها ضمنا في المشبه به (ود سيماوي) وانتقالها إلى الموصوفة.

    أقول مرة أخري رحم الله (الزين) الذي أحبّ بلده علي طريقته واختار العودة اليه حتي بعد الموت ليرقد في قبر صغير في مقابر الشيخ البكري في أم درمان. فقد تحدّث وكتب بلسان أهله في المحافل الدولية، حنيناً لهم في البدء على حد قوله، فأبان وأخرص من ازدروهم في أمر اللغة العربية؛ وقد ظنّوا جهلا أنّ معارف أهل السودان فيها تقل عن معارفهم حتي قيّض الله لهم لقاء (الزين) شخصيا فعرض وكمبل فيهم وطار وحلّق في سموات أدبهم ليلقمهم حجراً؛ وبهذا الفعل فالكل ممنونٌ له.

    لقد نشر الطيّب علي الملأ، ثقافة أهل السودان وشعرهم الشعبي، جنباً الي جنب مع شعر الفحول من شعراء الفصحى. وبذلك الفعل قال الرجل للعالم أجمع إنّ شعرنا الشعبي في بوادي السودان العريض من فيافي دارفور وكُردفان في الغرب الي سهول البُطانة وكِنانة والأنقسنا وبحر أزرق في الشرق وفي لجزيرة وبحر أبيض والعتمور ونهر النيل لايقل في شئ عن شعر أبي نوّاس والفيتوري. ولعلّ في هذا السرد المتواضع ما يفتح شهيّة الباحثين في فنون الشعر الشعبي عامة لكي ينظروا فيما تركه الطيّب من أثرٍ مكتوب أو مسجّل أو مسموع وأن يستوثقوا من أثر هذا الأرث في أدبه ومجمل أبداعه؛ فهو عندي كنزٌ أدبيٌّ فريد جديرٌ بأن يُكتشف ويُوَثّق له.
    توصيّة بحثيّة
    أقف هنا الآن عما كان من أمر أشعار الدوبيت وما ورد منها في أدب الطيّب صالح وخاصة الروايات والقصص. ولأن الرجل صاحب صيت ذائع فقد كتب الكثيرون عنه وعن أدبه وربما كان منهم من تناول هذه المادة بالبحث والتحليل. وأقول لمن أراد مواصلة البحث هي أن مقالي هذا ليس شاملا بأي حال من الأحوال، فأنا أكتب من الذاكرة التي أكل عليها الدهر وشرب ومن مراجع محدودة في مكتبتي في البيت. فعلي الباحث أن ينظر فيما كتبه آخرون ايضا ويقارن ويمحص أكثر فلابد أنه واجدٌ هناك دررا مكنونة. الشعر الشعبي كما ذكرت يشتمل علي أنماط أخري منها المديح النبوي والذي فيما أري قد تأثر به الطيّب ربما بنفس القدر الذي تأثر فيه بالدوبيت. في البدء كان في النيَة التعرض للمديح النبوي ومكنوناته كجزء من هذا المقال والذي أرى أن ماعوني المعرفي قد ضاق عن زاد مادته المترع. ولما تبصّرتُ فيما قاله الآخرون وخاصة ابراهيم القرشي وما قدموه من محاضرات في المديح النبوي "قِنِعْتَ جَتْ"! فهذا بحرٌ لا أخالني من تماسيحه؛ أو كما قال. ولهذا اشرع الباب لكل من أراد أن يواصل وليكن لي أجر المحاولة.
    خاتمة
    عزيزي القاري، ممنون أنا لرفقتك لي وكأني أراك واسمعك تقلّب الصفحات. فأنا أكتب في وحشة غفراء من غرفة تطل من خليج فكتوريا علي المحيط الهادي. ولك أن تقدّر المسافة بين هناك حيث أقيم وبين قومي في الفَضْوَة وخور أم تقرقر دَرِبْ عَرَدِيبة وبِرِيمة النار حيث تركت مزعة من القلب هناك. ولذا فرفقتك تعني عندي الكثير. أرجو أن تتواصل معي إذا وجدت في نفسك حاجة للتعليق علي ما قلت، للمنفعة العامة. فأنا موقن أنّ هناك بين القراء من يعرف في هذه المادة الكثير؛ والدعوة موجّهة للمختصين فيها ولست أنا بمختص فلي صنعةٌ أخري تشغلني وتملأ عليّ كل وقتي. أما ما حملني علي الكتابة في هذا الشأن فهو شغفي بالشعر الشعبي عموماً ويقينٌي أن الآداب والفنون من نثرٍ وشعر ورسم ورقص وغناء هي ترياق الشفاء لأمّة معلولة كأمتنا تبحث عن دواء ناجع لداء اعتراها وأضحى أشدّ فتكا بها من الغول!!























                  

03-01-2014, 01:38 PM

BALLAH EL BAKRY
<aBALLAH EL BAKRY
تاريخ التسجيل: 04-04-2013
مجموع المشاركات: 517

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (3/3) (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح) (Re: BALLAH EL BAKRY)

    الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (2/3)
    (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح)

    بقلم: بلّة البكري
    ([email protected])
    مدخل
    ذكرت في الجزء الأول من هذا المقال أنه على الرغم من أهمية ما يشغلنا جميعاً من هموم الوطن، أو ما تبقى منه، لابد من وقفة وفاء، ولو قصيرة، في ذكرى الطيّب صالح. هذا وقد علّلت لماذا وجدت ولا زلت أجد عسراً في الكتابة عن الرجل؛ فليراجع من شاء تعليلي ومرتكزاته هناك. وقد كان في النية أن ينشر المقال كله مرة واحدة ألا أن متطلبات النشر الأسفيرية وما تحدده كحد أقصي لعدد الكلمات في المقال قد أملت عليّ التجزئة والتي قبلتها مترددا. قمت بتعديل طفيف في الجزء الثاني من هذا المقال، لأصحح خطأً وقعت فيه سهواً ولأضف اضافة لازمة أملاها تعليق أحد القراء علي الجزء الأول أري أنها ضرورية ومكملة لما أنا بصدده. وعليه فما لم أستحسنه في البدء كأجراء إداري مزعج أضحى ذو فائدة عملية من حيث لم احتسب؛ وقديما قالوا: رب ضارة نافعة. التجزئة أيضا تتطلب أعادة بعض الفقرات حتي ولو باختصار لضمان سريان الفكرة ومنطق المقال دون الحاجة للرجوع للجزء السابق وفي هذا بعض تطويل لابد منه. أشرت في الجزء الأول الي افتنان الطيّب بالشعر الشعبي والمديح وبأدب أهل السودان عموما مستشهداً بمقدمة د. ابراهيم القرشي الضافية لكتاب "الأعمال الكاملة الطيب صالح الروايات والقصص" طبعة مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي. وقد جاء ذكري للاسم "أحمد القرشي" خطأً وما عنيت هو بروفسير ابراهيم القرشي بالطبع؛ وهو غنيٌ عن التعريف. ولهذا اعتذر عن هذا الخطأ وله العتبى، كل العتبى حتى يرضى.

    الزين شاعر!
    لا بأس من إعادة ما قاله د. القرشي مرة أخري كأساس متين يعزّز حجتي فيما يأتي من مادة:
    "الطيب صاحب رسالة حمل هم التعريف بوطنه حتي عُرف وطنه به، يضايقه جهل الناس بأدب السودان ولغة أهله.. فجاءت كتاباته تعريفاً في ذاتها، ولكنه سعي بذكاء الي تمرير كثير من المفردات والمفاهيم والشخصيات في كتاباته، وما أكثر ما وقف مع الحاردلو وود الفراش وحاج الماحي والتجاني يوسف بشير ورصفائهم..".

    وقد عرفت من خلال مصادر متفرقة ربما وثقتها ذات يوم إذا دعا الداعي أن لبعض كتاب وباحثي التراث الشعبي عموما من أمثال الأستاذ الطيّب محمد الطيّب عليه الرحمة وربما آخرين ممن وثقوا للشعر الشعبي منزلة خاصة عند الطيّب صالح لما لهم من علاقة وثيفة ب(الدوبيت) علي وجه الخصوص. وعلي الرغم من أن هذا ليس مجال التوثيق لمكانة الكتاب والأدباء عند الطيّب لكنه استطراد لازم ومقصود. في هذا الصدد. ف(الدوبيت) فيما أرى هو المعين الذي عبّ منه الطيّب صالح جلّ ابداعه. ولولا أني أخاف تزكية النفس الأمّارة لقلت أنني لم أر أحداً يتلو شعر الدوبيت بهذه الرصانة والأذن البالغة الحساسية لجرس الوزن والقافية مثل الطيّب ونفر قليل. وقد استمعت اليه في صمت في أكثر من مناسبة حضرت له فيها ندوات عامة في مختلف الشئون الأدبية في لندن حيث أقمت هناك لما يقارب العقد من الزمان.

    ولذا فالطيّب عندي شاعرٌ شعبي مكتمل الأدوات حتي ولو لم يكتب الشعر الشعبي. وقد عززت هذا القول ما أمكن في الجزء الأول عن كيف يكتب الطيّب النثر وهو يتنفس شعراً. وقد أوردت أقوال ناقد آخر له باع مشهود في هذا المضمار تدعم زعمي. هذا وعلي الرغم من يقيني في هذه الفرضية الا أنها لا تعدو بالطبع أن تكون فرضيّة يجب اثباتها بما لا يدع مجالا للشك قبل الارتكاز علي نتائجها النظرية والعملية. وعشمي أن يتولي النقاد والدارسون تمحيصها كواجب أدبي أولا ووفاء للطيّب الذي أحبوه. فالرجل بين ظهرانينا الآن بروحه وقد ألقى رحله الي الأبد واستقر به طويل النوى بين قومه. هذه الفرضية هي محاولتي للأجابة علي السؤال المحوري: من أين أتي الطيّب بكل هذا الأبداع النثري ذو الطابع الشعري إن لم يكن من معين غني كمعين الشعر الشعبي والذي شرب منه وعبّ في سنوات تكوينه الأولي في ريف السودان. ما هو سر روعة الحكى عند الطيّب صالح ومصادر إبداعه الأصليّة؟ والسؤال الأخير قد شحذ ذهني به "زينٌ" صالحٌ آخر، صديق وأديب وصحافي سوداني معروف، كان من أول المعلقين علي الجزء الأول من المقال. أوقفني تعليقه الذكي مما حدا بي لذكره هنا. فقد قال أنه قد استمع للطيب صالح يتحدث في عدد من البرامج الحوارية عن تعلقه بالشعر الجاهلي في إذاعة صوت العرب وأيضا في الإذاعة السعودية، وقد بيّن الطيّب كيف أثّر الأدب الجاهلي في مساره الإبداعي؛ ثم تطرق لعلاقة الشعر باعتباره الإبداع الأدبي الأول عند العرب، مقارنا بينه وبين القصة كوافد جديد علي المجتمعات العربية. فاذا كان ذلك كذلك فلنقل أن الشعر الجاهلي فعلا قد أثرى عطاءه الأدبي وصقل موهبته خاصة وقد اعترف هو بذلك. ولكن لابد من أساس متين لهذه الموهبة (في الأساس) حتي يتم صقلها فما هو يا تري هذا الأساس ومن أين أتي؟ خاصة والمواهب لا تكتسب بالدراسة؛ فهناك من تعلّقوا بالأدب الجاهلي قبله وقدموا فيه الأطروحات العلمية الرفيعة؛ فمن منهم يضاهيه؟ لا أحد - لا في السودان ولا في خارجه.

    الأجابة عندي تكمن في المعين الأدبي الثر الذي عبّ منه الطيّب وهو يافع مما يجعل أساس موهبتة هو شعرنا الشعبي في بوادي السودان العريض. خاصة والطيّب لم يلعب "شِلِيل" مع الحطيئة أو المهلهل ولم يجالس الأعشي في مجلس شرب. بل ولم "يفزع" في إبل مسروقة مع عنترة العبسي؛ ولم "يعرض"، مع طرفة، في حلبة رقص تتمايل فيها خَوْلة ال######يّة أو تترنم فيها الخنساء ببديع شعرها. تربي الطيّب وترعرع في ريف السودان حيث رضع شعر المديح علي أنغام حاج الماحي في ليالي كرمكول وتشرب معاني الدوبيت من نفس معين الشعراء المجهولين الذين أشار اليهم في رواياته قبل أن يعرف طريقه الي أضابير الشعر الجاهلي ومكنوناته. هذه الفرضية إن صحّت ستكون هي صندوق (باندورا) الذي نبحث عنه لحل مغالق هذا الأبداع المدهش. فقد حيّر الرجل العرب والعجم بما أتي به من حذقٍ نثري بارع، شعري الروح والجسد. فلمن أنكروا علي الطيّب ارتكاز موهبته الأدبية كلها، ربما، علي الموروث الشعبي السوداني من دوبيت ومديح وجراري أو جابودي وأحاجي حبوبات وغيرها نذكرهم بالمثل الشعبي: "الصندل في بلده ما فَوّاح"! لأنهم لو قدّروا هذا الأرث حق قدره ودرسوه كما ينبغي له الدرس فربما وافقونا الرأي. خاصةً ولنا في السودان إرث غنيٌ مترعٌ بالأدب قمين بانتاج أناس مثل الطيّب بل وأطياب أخر صالحين لا يقلون صلاحاً عنه. الطيّب شاعر شعبي ما عندي في ذلك أدني شك كتب الشعر أم لم يكتبه؛ يتحدث كشاعر ويشرح شرح العارفين ما استعصي علي العلماء من دقائق القصيد الشعبي. وعندما يكتب تتراقص كلماته التي تتمنّع أن تنحبس في قالب النثر الضيق فتنفك منه وتلقيه جانبا، كما الأزار، لتصبح عارية تعبق بأرج الشعر. يا ناس يا هُووي عُوكْ الزين شاعر!

    قلت في الجزء الأول، عزيزي القارئ، أنه قد كثُر الحديث عن معاني بعض قصائد شعر "الدوبيت" والتي أوردها الطيّب، في بعض رواياته وقصصه وخاصةً "موسم الهجرة إلى الشمال" و"ضو البيت"؛ وذهب الناس مذاهب شتى في معانيها. في هذا الجزء سأواصل في شرح هذه القصائد والذي بدأته في الجزء الأول ببعض ما ورد في قصص الطيب. وقلت أيضا أنّ بعض القصائد تتناول معنىً مركباً أوله علي شاكلة النسيب، أحيانا، في الشعر الفصيح، إذا جازت المقارنة. في هذه الحالة يخصّص الشاعر البيتين، الأول والثاني، كمقدمة تذكر فيها المرأة أحياناً، غزلاً أو تشبيباً، أو لمجرد وصف مسرح الحدث قبل الدخول في الموضوع الرئيس، في البيت الثالث والرابع. وأنا أرى أن بعض الرباعيات الشعرية وخاصة رباعية "الدرب انشحط.." هي على هذه الشاكلة، كما سأبيّن أدناه. فلننتقل للجزء الثاني وكفى بنا مقدمات.

    الدرب انشحط..
    أورد الأستاذ الطيّب صالح في مقدمة روايته "ضوالبيت .." الأبيات الآتية وهي موزونة تماماً وهي:
    الدرب انشحط واللوس جبالو اتناطن
    والبندر فوانيسو البيوقدن ماتن
    بنوت هضاليم الخلا البنجاطن
    أسرع قودع أمسيت والمواعيد فاتن
    وقد نسبها لشاعر مجهول، ووضعها جنباً الى جنب مع شعر أبي نواس والفيتوري. وهذه المربوعة تندرج في باب المربوعات ذوات المعني المركّب كما أبنت في الجزء الأول من مقالي هذا. في البيت الأول والثاني يصف الشاعر مسرح الحدث: خبيبٌ في الفلاة في الليل (بقرينة الفوانيس) علي ظهر بعيرٍ أصهب ودربٌ طال، متجها نحو جبال اللوس التي بدأت في الظهور في الظلام كرأس الرجل يظهر من وراء ستار (حوش) وهو يتناطا، أي يرفع عنقه فوق السياج. فيبين عنقه. يقول شاعر آخر (لعله عبدالله ود إدريس) في معني التناطي:
    ما ترابع المِدنقِر ولاّ تمشي تشاورو
    والبتناطا لعِرضك أخِير ما تجاورو
    والبندر الذي تركه الشاعر وراءه قد خبأت أضواؤه بسبب الابتعاد عنه أو اقتراب الصبح، لا فرق. فهو الآن بعيد عن البندر يقصد جبال اللوس. لكن لا بدّ لهذه الرحلة الليلية المحفوفة بالمخاطر، بقرينة السفر ليلاً وحيداً في الفلاة، من هدف. فما هو الهدف؟ نعلم أن الرجل همباتي، ففي هذه الحالة غالباً ما يكون الهدف إما "أم قُجّة" وهو وصف للناقة أو "أم رُشُوم" وهو وصفٌ للمحبوبة. ثم يأتي البيت الثالث، ليفضح لنا ما يدور في خاطر الشاعر: "بنوت هضاليم الخلا البنجاطن". فالرجل همباتي يقصد بُكاراً يشبهن بنات النعام، في نواحي جبال اللوس ويريد أن يصلها ويسوق منها، ليلاً، ما فيه النصيب، قبل أن يفوت الموعد، عند شروق الشمس. وكلمة "مواعيد" هنا فيها تورية لطيفة، لكأنه علي موعد مع المحبوبة، أو لعله، كما سنري أدناه. وهنا يحثُّ بعيره ليسرع في السير حتي لا تضيع الفرصة، بقوله:
    أسرع قودع أمسيت والمواعيد فاتن.
    يجوز، أيضا، تشبيه الحبيبة بالبَكرة أو المُهرة، أو العنز (تعني الظبية). فاذا ذهبنا في هذا المنحى فيمكن أن نقول إن الشاعر على موعد مع محبوبته وصويحباتها، اللائي شبههن ببنات النعام طالما أنّ النعام شبيه البكار، أو يمكن أن يكون. أنظر قول القائل في أمر تشبيه المحبوبة بالبَكْرَة:
    بِكيرة العَروري الفَنْتي
    مِن جَبد الحِقاب بتجوجحي ما بِتقنتي
    هنا يشبه الشاعر المحبوبة بالبكيرة، تصغيرأ محبّباً، ويسخر من صاحبها، غير الجدير بها في نظر الشاعر لأنه "عروري وفَنتي"؛ والمعني واضح! وقول الأخر في أمر تشبيه الحبيبة بالمهرة:
    مُهرة دنقلا الفي العَرضة ماخدة الزينة
    مما قال سلام أنا والمعاي ضلّينا
    وفي أمر التشبيه بالعنز (الظبية) قال شاعر مجهول أيضا:
    عَنز الروقلن نواشي ما لاقاهن
    كيف قدري أنا وألقى مُرادي معاهن"
    وتشبيه المحبوبة بالظبية قد يأتي بأسماء كثيرة مثل "الدِيفة" و"جدي الريل" أو "جِدِي أم شُورة" أو " الجَفَل" أو "ود الأدرع" كما قال أحدهم:
    ود الأدرع المِن داب حَقَب قُرقابو
    أمّو مدرجاه ومن الكبار تابابو
    نزلتبو العتيق في الهجعة تتكابو
    نظرك في الوحوش فَرضَة وقليل تيرابو
    وعلي نفس منوال الأبيات التي أوردها الطيّب صالح سأورد مثالين يسندان ما ذهبت إليه من معنى؛ قال شاعر مجهول:
    الليلة الصعيد طلّق علينا دَلَقّن
    التيراب نتج حتي التروس اتسقّن
    خِشِيماتا ملاح عِيل بالإبار أندقّن
    أسرع عندهن قبل النجوم ما غبّن
    فالموضوع الرئيس هنا هو وصل الحبيبة، صاحبة الخشيم المليح، المدقوق بالأبر، التي وصفها في البيت الثالث. وفي البيت الرابع يحث بعيره أن يسرع في السير لكي يوصله عندهن قبل غياب النجم، أو قبل بزوغ الفجر، حتي يتم الوصل - تماما كما فعل شاعر "الدرب أنشحط...". أما البيتان الأول والثاني ففيهما التوطئة التي أشرت إليها أعلاه ولما لم يكن فيهما ذكرٌ لغزلٍ فلا يمكن أن تسمى نسيباً في هذه الحالة.
    وقال شاعر آخر:
    تَبيت بدري قُبّال الصباح ما يصبي
    صليت ركعتين حاضر هديتهن رَبّي
    المِن رَكَفُوا ممكوناً فؤادي مغبي
    هاجمو الليلي كان المولي سهّل دَربي
    وهاك مربوعة أخري هي أيضا من هذه الشاكلة لعلها من شعر الحردلو وحذارى ففيها جمال متناهي وخصوصية في المعاني تمنعني حتي من شرحها!:
    البارح رقادي كِسيدة فوقها بريش
    راكوبةً تجيب سَقَطة ومعاها رِشيش
    الخَلّاني ما اشهِّل جُمال العِيش
    هِنيهيناً بِسونّوا الُدغش بي بِشيش
    أنظر للبيت الثالث في الأمثلة أعلاه وقارن، ألا يعادل مقطع "بنوت هضاليم الخلا البنجاطن"؟

    نختم هذا الجزء من المقال بأن الطيّب عارفٌ متبحرٌ في شعر الدوبيت لا يلحن فيه ولا تفوت عليه شاردة أو واردة؛ بل ذهبت أنا الي القول هنا أن الرجل شاعرٌ شعبيٌ مكتمل الأدوات له أذنٌ موسيقية مرهفة، تبين جليَة في نثره مما يرجّح أنّ روايته لمربوعة "الدرب انشحط.." كلها صحيحة، خاصة وأنّها تستقيم، وزناً ومعنى. وما ظهر من أخطاء تصحيفيّة هنا وهناك في كتاباباته هو من مزالق المهنة – مهنة الكتابة والنشر - تقع مسئوليته في الغالب علي الناشر. ومن سوء حظ المكتبة السودانيّة أنّ الطيّب لم يوثق لمعارفه الثرّة في الشعر الشعبي، علي حدّ علمي وليته فعل. أما لمن رأوا تغيير البيت الثالث حتي يستقيم لهم المعني فدعني أقول إن المعني مستقيم كنصل الرمح؛ وأن الرواية التي تغيّر البيت الثالث إلى "يا ود أمات هضاليم الخلا البنجاطن" أو ما شابه لا غبار عليها إذا حُذفت عنها الـ"يا" في البداية، لتفادي اللحن، وأن يكن لحناً خفيفا ربما صعب علي البعض سماعه لكنها في هذه الحالة تغير المعني الأصلي للقصيدة وتخرجها من باب المركّب الي السهل والشائع في تراكيب الدوبيت وعندئذ تنحصر المربوعة في مدح البعير فقط كما أبنت أعلاه. وتلك، لعمري، خسارة فادحة لا أظن أن الشاعر سيرضاها. هذا ما كان من أمر "الدرب أنشحط..".

    أما في الجزء الثالث والأخير من مقالي فسأدعوك عزيزي القارئ ل "تَختِرْ" معي بصحبة شاعر آخر مجهول من دار كَوّل والكَمْبو! وسيكون خُتورا قصيرا لا نحتاج فيه لكجر حوايا فإلي لقاء قريب.

    - نواصل -
                  

03-01-2014, 01:40 PM

BALLAH EL BAKRY
<aBALLAH EL BAKRY
تاريخ التسجيل: 04-04-2013
مجموع المشاركات: 517

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (3/3) (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح) (Re: BALLAH EL BAKRY)

    الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (1/3)
    (في الذكرى الخامسة لرحيل الطيّب صالح)

    بقلم: بلّة البكري
    ([email protected])
    مدخل
    على الرغم من أهمية ما يشغل الساحة السياسية وما يشغلنا جميعاً من هموم الوطن، أو ما تبقى منه، لابد من وقفة وفاء، ولو قصيرة، في ذكرى رحيل الأستاذ الطيّب صالح، عليه رحمة الله، والتي هلّت علينا قبل أيام. هذا والكتابة عن الرجل أمرٌ عسير. فكما اتفق الكثيرون علي حبه لأسهامه الأدبي المميز، اختلف آخرون في تقييم موقفه السياسي من قضية الوطن الواحد؛ وكيف أنه علًي من شأن ثقافة بعينها علي حساب ثقافات الوطن الجامع. بل منهم من ذهب الي وصفه بأوصاف امتنع هنا عن الخوض فيها تضعه جنبا الي جنب مع من اسهموا في تفتيت الوطن مستخدمين سلاح القلم والنظرة الأحادية الضيقة. هذا التمهيد لابد منه حتي ألفت النظر، في المبتدأ، الي الزاوية التي أتناول من خلالها موضوع الشعر الشعبي في أعماله – وهي زاوية أدبية بحتة لا تعني في هذا الصدد بمواقفه السياسية التي أشرت الي أوجه الأختلاف حولها، هكذا دون تعليق.
    مقدمة
    وقد جمعتني بالطيّب آصرة الوطن بالطبع وعرفت مثله حياة الهجرة وهموم العيش بين ثقافات مغايرة لعقودٍ متصلة. أما تسميته لروايته بـ "ضو البيت" فقد خلق فضولاً عندي مبعثه اختياره لهذا الإسم تحديداً كعنوان لأحدى أشهر رواياته؛ خاصة والاسم – اسم جدي لأبي - ليس شائعا، على حدّ علمي، في مروي والدبّة وبيئة أقصى الشمال النيلي حيث وُلد الطيّب ونشأ وترعرع. وقد قادني هذا الفضول إلى سؤاله مباشرة عندما التقيت به في حفل عرس كريمة صديق مشترك لنا، في لندن، في خريف أحد الأعوام التي سبقت رحيله بقليل. ورغم انشغال القوم بالحفل وبهرجه وجدنا من الوقت متسعاً لنعرج أيضاً علي نفحات شعر الدوبيت؛ فالرجل متبحرٌ في هذا الضرب من ضروب الشعر الشعبي أيضاً. وقد عرفت لاحقاً بعد الاطلاع علي أعماله وخاصة مجموعة "مختارات الطيّب صالح" التي تشتمل علي قرابة العشرة كتب في مختلف ضروب المعارف أنّه تناول انماطاً أخري من الشعر الشعبي ودسها، في كتاباته، دسّاً كما يُدس التمر في صُرّة في طرف ثوب جداتنا في الريف. ومن هذه الأنماط شعر المديح النبوي وانماطٌ أخري أرجو أن أجد الوقت لتناولها في أجزاء لاحقة من هذا المقال. أما الآن فسأكتب عن أشعار الدوبيت التي ورد ذكرها في رواياته وقصصه. هذا ويرجع الفضل للطيّب في نشر الدوبيت والشعر الشعبي عموماً، ولو بمقدار قليل نسبياً، في الفضاء الأدبي خارج حدود الوطن وما لذلك الفعل من دلالاتٍ عدّة في المحافل الأدبية العربيّة والعالمية.

    وقد كثُر الحديث عن معاني بعض قصائد شعر "الدوبيت" والتي أوردها الطيّب، في بعض رواياته وخاصةً "موسم الهجرة إلى الشمال" و"ضو البيت"؛ وذهب الناس مذاهب شتى في معانيها بل منهم من أشار بتعديل أو تغيير بعض كلماتها بحثاً عن معنىً ندّ عنهم. في هذا المقال سأتعرض لشرح هذه القصائد من باب الوفاء لذكرى أديبنا الأريب والذي عُرف عنه حُبُّه للشعر عموماً، حتى ظنّه البعض شاعراً ضلّ طريقه للنثر. أما نثره ففيه، كما هو معلوم، من نَفَسِ الشعر وأرَجِه ما يُطرب. ومن أروع ما قيل عن شاعرية الطيًب ما قال به د. أحمد البدوي والذي أورده هنا، ليس حرفياً، مع الاحتفاظ بروحه وكلماته المعبّرة. أشار البدوي الي انّ الطيب قاصٌّ ناثرٌ يستصحب الشعر معه في رحلته كأنّه زاده؛ وأنه شاعرٌ اتخذ القصة مطيَة، تمشي راقصةً علي إيقاع، مما يجعل مظهرها علي السطح قصة بينما جوهرها تحت الموج، تيار شعرٍ متدفق موّارٍ بالكنوز؛ وإنّه يفعل كل ذلك في مكرٍ فني يشمل كل أعماله، مما يبرز الشعر في مسوح قصصه ورواياته؛ (الطيب صالح دراسة نقدية"، ص105). أما افتنان الطيَب بالشعر الشعبي والمديح وبأدب أهل السودان عموما فقد أشار إلى ذلك كثيرون منهم د. أحمد القرشي في مقدمته الضافية لكتاب "الأعمال الكاملة الطيب صالح الروايات والقصص" طبعة مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي (ص 10) حيث قال:
    "الطيب صاحب رسالة حمل هم التعريف بوطنه حتي عُرف وطنه به، يضايقه جهل الناس بأدب السودان ولغة أهله.. فجاءت كتاباته تعريفاً في ذاتها، ولكنه سعي بذكاء الي تمرير كثير من المفردات والمفاهيم والشخصيات في كتاباته، وما أكثر ما وقف مع الحاردلو وود الفراش وحاج الماحي والتجاني يوسف بشير ورصفائهم..".
    بعض هذه المادة قد نُشر في معرض ردي علي الأستاذ عبيد الطيّب، ود المقدّم، والذي كتب مقالاً شيّقاً عن الدوبيت في موقع "سودانيزأونلاين" الشهير في الأنترنت في الذكرى الرابعة لرحيل الأستاذ الطيّب صالح في شهر فبراير العام الماضي تعرض فيه لشرح أحد أشهر المربوعات الشعرية التي أوردها الطيّب في كتبه والتي يبدأ مطلعها ب "الدرب انشحط..". وقد أجريتُ بعض تنقيحٍ أراه ضرورياً لنشر المادة منفصلة، ثم أني وسّعت االمقال ليشمل مربوعاتٍ شعرية أخرى مما ذكر الراحل من شعر الدوبيت في أعماله أنوي أيضا سبر غور معانيها.وعلي الرغم من اشتهار الكثيرين في شعر الدوبيت إلا أن أجوده، فيما أرى، هو لشعراء مجهولين. وكم استمعت إلى معانٍ مدهشة، يكاد يطرب لها الحجر، لأناسٍ بسطاء، في كل شئ، لا شأن لهم ولا اسم. وقد نشأنا، منذ الصغر، علي أصوات الدوبيت في أفراح القرية المختلفة، من بُوش ونفير، وفي أسواق القرى المجاورة في ريفنا الحبيب في سهول كردفان وحفظنا منه قدراً معتبراً ونحن بعدُ يافعين. وهكذا تلقّت آذاننا، في وقت مبكّر، تدريباً مكثّفا في الحس العروضي أو ما كنا نسميه "الجرس" والذي بدونه ربما صعب ضبط أوزان الدوبيت لكونها لا تنصبُّ في القوالب والبحور الشعرية المعروفة.

    الوزن والقافية
    الدوبيت، كما هو معلوم، شعرٌ، مثله مثل الشعر الفصيح، له وزن وقافية ومعنى. والقصيدة فيه رباعيّة، في الغالب. وأحياناً قد تكون ثلاثية، مثل قول القائل:
    البرروبة يا البرروبة المن وسط منزرّة
    لا شالت طبق لا جابت خبر بالمرّة
    قدر ما طراك (نا) قلبي ياخد فرّة
    لاحظ أننا إذا استخدمنا الكلمات "أطراك" و "أنا" يختل الوزن وقد يقول قائل: ما هي المعايير التي نرتكز عليها في حكمنا علي الموزون والمختل؟ أقول: هي "الجرس" أو الموسيقى الشعرية. وقد تكون القصيدة ثنائية أيضا، وذلك من النادر، مثل قول القائل:
    شبلولك الحريرة مع الوزيرة تناتلي
    الله يتلتل التلتن شلوخّا تلاتي
    وفي حالة القصيدة الثنائية والثلاثية، يردد الشاعر الأبيات، في وقت المطارحة، مع بعض الهمهمات أحياناً، حتي تبدو القصيدة وكأنها رباعية. لاحظ أيضا، عزيزي القارئ، كلمة "شلوخّا"، فبنطقنا لها نحس بأنها لا تقبل ختمها بالـ"ها"، لأن ذلك سيجلب لحناً في الوزن، وربما كسر كامل. فاللغة المستخدمة في أشعار الدوبيت فيها إشارات لطيفة إلى مصدر القصيدة؛ أي في أيّ بادية تم تأليفها، وذلك بتتبع اللهجة المستخدمة فيها. وهذا مبحثٌ شيّق أرجو أن أن ينتبه إليه المشتغلون بأمر البحوث الأدبية في الشعر الشعبي بصفة خاصة. أنظر الي كلمة "علبوها" في المربوعة الرائعة أدناه وهي تعني "أوقدوها" للنار وهي شائعة الاستخدام في نواحي كردفان وربما في مناطق أخري من السودان.
    يقول الشاعر:
    الحِنْ نار عَويش كان عَلّبوها تعيش
    بَسْ ما انتَ جاهل وإن جفيت مَعَلِيش
    قام يتْمارى يتمايل بِشِيش ؤ بِشيش
    قَصْدو يكاوي حَشَّ قلوبنا حَش العِيش

    وقد وردت هذه القصيدة في الكتاب السادس من مجموعة مختارات الطيب صالح (ص 100) ونسبت للشاعر عبدالله محمد خير. والملاحظ أن كلمة "علبوها" قد كتبت "علقوها" وهذا خطأ فيما أري اللهم الا أن تكون الكلمة مستخدمة هكذا لوصف اشعال النار في منطقة ما في السودان. وقد سمعت الطيّب نفسه، في أحدى الندوات، قبل أكثر من عقد من الزمان يردد أبياتاً رائعة استهل يها حديثة كعادته يبدو أنها لأحد شعراء الهمباته المجهولين في بوادي البطانة في شرق السودان، بقرينة القُرَان وذكره لمدينة القضارف المعروفة. يقول الشاعر:
    يوماً مَسُوحنا الفِتنة
    يوماً بالقٌران سَدر القضارف بِتنا
    البينة بتِرد بنخاصم الباهتنا
    نتحزّم علي عروضنا ونَقَضّي وَكِتنا
    والقُران هو حبل يربط في عنق مجموعة صغيرة من النوق لتسير بعضها حزاء بعض وليسهل سوقها كمجموعة بواسطة القارن وهو البعير المقرونة عليه هذه النوق. والملاحظ في هذه المربوعة الشعرية هو جرسها الذي يمكن أن تُوزن عليه آلة موسيقية.
    المعاني في شعر الدوبيت
    بعض القصائد تتناول معنى واحداً بسيطاً في المدح أو الغزل أو الهجاء أو الفخر أو وصف البعير وتعديد مناقبه من سرعة وكريم أصل. وهذه غالباً تأتي علي وتيرة واحدة في الأبيات الأربعة، وأمثلتها كثيرة ومطروقة كثيراً في الدوبيت. أنظر الأبيات التالية حيث تركز كل القصيدة الرباعية على وصف البعير؛ وقد أوردها ود المقدم في أحد مقالاته الثرّة المنشورة في الأنترنت عن شعر بوادي الكبابيش أشرت إليها في صدر هذا المقال:
    مما توخِّر أُم سُرَّة وتدور الشَّرْدي
    وأُم إضنين بتظهر ليك هناك مِنْعَرْضي
    دوماتَك بِكُبّن كيف زِيوق الفَرْدِي
    تخلّي الجالسي مزيقة محمد وردي!
    وانظر الأبيات التالية من شعر يوسف البنا وهي مقطع واحد رباعي من قصيدة له في رثاء آدم أب قدم، زعيم الهواوير، حيث التركيز علي وصف خصال الممدوح في الرباعية كلها:
    كان الموت بِشاور أصلو ما بندّيك
    لكن العُمُر عند الولا لُو شريك
    خيرا سِيتو في الدنيا العبوس راجيك
    يا أب قدم المجالات كلها بتبكيك
    علي أنّ بعض القصائد تتناول معنىً مركباً أوله علي شاكلة النسيب، أحيانا، في الشعر الفصيح، إذا جازت المقارنة. في هذه الحالة يخصّص الشاعر البيتين، الأول والثاني، كمقدمة تذكر فيها المرأة أحياناً، غزلاً أو تشبيباً، أو لمجرد وصف مسرح الحدث قبل الدخول في الموضوع الرئيس، في البيت الثالث والرابع. وأنا أرى أن بعض الرباعيات الشعرية مما أورد الطيَب هي على هذه الشاكلة، كما سأبيّن أدناه. لزم أيضاً القول إن هناك تراكيب أخرى معقدة في المعني، في بعض شعر الدوبيت، لا تعنينا في أمر ما نحن بصدده هنا؛ فلنترك أمرها الآن وربما تناولتها في سانحة أخرى في مقبل الأيام.
    صيدة القنيص
    ومن القصائد التي تتناول معنىً واحداً في وصف الممدوح أو وصف المحبوبة ما أورده الطيّب نفسه في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" (ص 125 من الأعمال الكاملة) قول أحدهم:
    وا وَحِيحي ووا وجَع قلبي
    مِن صِيدة القنيص الفَتّرت كَلبي
    القاري العِلِم من دينو بِتسُلبي
    والماشي الحجاز من مَكّة بِتقِلبي
    فالشاعر هنا "يتوحوح" ويشكو من وجع القلب (الهيام) ويشبه المحبوبة بالصيدة الطريدة والتي أعيت ###### صائدها كناية عن رهق قلبه في حبها وتمنعها عليه، وكيف أنّ جمالها أخاذٌ حتي لتسلب قلب من ورع بعلم ديني أو ترد (تقلب راجعاً) من هو في طريقه إلى الحج حتي وإن وصل إلى مكّة المكرمة.



    الدنيا بتهينك والزمان يُورِيك
    أما الأبيات التالية فقد وردت علي لسان محجوب في متن قصة "نخلة علي الجدول" (صفحة 416 من الأعمال الكاملة) وهي من أحد أشهر قصص الطيَب القصيرة والتي شكّلت بواكير إنتاجه الأدبي. لم ينسب الطيّب الأبيات لشاعر بعينه وغالباً هي لشاعر مجهول أيضا:
    الدنيا بتهينك والزمان يُورِيك
    وقِلّ المال بفرقك من بنات واديك
    وهنا كما هو واضح ترسل القصيدة معنيً واحداً في الحكمة والتي تذكّر من بطر وتكبر بأن الدنيا لا تدوم علي حال واحد وكيف أن الفقر وقلة المال قد يسبب الفراق من أقرب الناس للمرء في قوله "بنات واديك" كناية عن المحبوبة. ومثلها أيضا قوله في صفحة 417 من نفس المصدر:
    الزول إن أباك خليه وأقنع منُّه
    وكم لله من دفن الجنى وفات منه
    وهذه أيضا تتوخى إصدار الحكمة في التعامل مع من أعرض عنك أن تتركه لحال سبيله وأن تتذكر كيف أن ألأنسان يمكن أن يفارق حتى فلذة كبده (الجنى) ويفوت منه ليس مختاراً.


    - نواصل -
                  

03-03-2014, 09:24 PM

BALLAH EL BAKRY
<aBALLAH EL BAKRY
تاريخ التسجيل: 04-04-2013
مجموع المشاركات: 517

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الشِعر الشعبي في أدبِ (الزين)! – (3/3) (في الذكرى الخامسة لرحيل لطيّب صالح) (Re: BALLAH EL BAKRY)

    عزيزي القارئ بالرغم من العنوان الا ان الأجزاء
    الثلاثة من المقال موجودة في هذا الخيط
    تحت ادناه
    وهناك كلمة مشطوية هي كلمة (ك ل ب)! والتي اوجب كتابتها
    هكذا حتي لا تشطب مرة أخري.
    رجاء خاص ان ترسلوا لي تعليقاتكم علي الأيميل
    فالمادة تستهويني وانوي سبر أغوارها اكثر واكثر ولذا
    فمعارفكم فيها تهمني
    ودمتم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de