شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 05:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.عادل سيجمان(سجيمان)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2003, 03:54 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى

    نشرت هذه المقالات فى مجلة الملتقى فى بداية عقد التسعين
    كتبها دكتور ابراهيم محمد زين المتخصص فى الاديان المقارنة واصول الدين, بناء على رغبة عدد من الاخوة فى الاطلاع عليها ننشرها هنا.. لكم جميعا ولبروفسسور ود البلد خاصة





    الفصل الأول
    الميلاد

    1. :
    إن دراسة تطور شكل التعبير الدينى في أدب الطيب صالح تسعى لفهم أبعاد العلاقة بين الفن والدين. وتقوم الدراسة على منهج فريد، اذ يفترض أن هناك صلة ما بين شكل التعبير الدينى الذي يتخذ وبين معنى تلك التجربة الدينية، وكذلك يفترض بان التعبير الدينى يتولد من معاناة شخصية في الصلة بين المطلق والمتجذر تحبسها أشكال التطور الاجتماعى والسياسى والشعائرى الرمزى. لكن تبقى جذورة تلك المعاناة الروحية هى القيمة العليا في فهم تلك الأبعاد الاجتماعية والسياسية والشعائرية الرمزية، وهذا بالطبع لا يعنى اختزالا لتلك الأشكال وانما يعنى بيان أولويات تلك المعادلة الخطرة بين الشكل ومادة الفعل الدينى.
    ومن المفيد ان نسأل: ما المقصود بالتعبير الدينى؟ و هل هو شئ في مقابل التعبير الفنى أم هو نوع من أنواع التعبير الفنى؟ ذلك بالطبع يقودنا للحديث عن العلاقة بين الدين و الفن في أدب الطيب صالح، وأخيرا ما هو شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح؟
    كل الأسئلة السابقة تؤسس لحل قضايا بالغة الاهمية لفهم العالم الداخلى للطيب صالح من خلال رواياته، وهذه الاسئلة تنبنى على مقولة ان النص الذي يؤلفه الكاتب قابل للفهم و التفسير دون الرجوع إلى الحياة الاجتماعية أو الشخصية للمؤلف. فالنص له حياته الداخلية وله آلياته، لكن في ذات الوقت هذه ليست محاولة لتمجيد النص.
    المقولة الاساسية التي يسعى هذا البحث لاثباتها هى أن هنالك ثنائيات للتعبير الدينى استخدمها الطيب صالح لتأكيد معنى الاطلاق و التصالح في مستوى آخر لحل قضايا الصراع. فالثنائيات ليست مقصودة لذاتها، ولكن لبيان معنى التوحد في اطار الثنائيات وكل ذلك لتأسيس خيال ديني في إطار تشكل الحضارة العربية الإسلامية استطاع الكاتب من خلاله أن يتخذ مقام المعبّر عنه.
    سنحاول اثبات هذا المعنى من خلال دراسة نصوص الطيب صالح، وذلك في محاولة لتقسيم النصوص إلى مستويين: أولهما المستوى الاجتماعى: والذى سنحاول فيه استقصاء: أولا: معانى الميلاد من خلال دراسة ميلاد الزين و ميلاد قرية ود حامد ثم اجراء مقابلات بين ميلاد مصطفى سعيد في موسم الهجرة و ميلاد ضو البيت في ود حامد، وأخيرا ميلاد بلال، والتقابلات و التكاملات التي تنشأ بينه وبين ميلاد الزين. ثانيا: معانى الزواج من خلال استقصاء معنى الزواج في عرس الزين/النعمة، عشا البايتات/بت الناظر، والمقاربات الاجتماعية و الروحية حول الزواجين، و كذلك التحول الغريب في معنى الزواج في زواج مصطفى سعيد من جين موريس، وزواج ود الريس من حسنة بنت محمود، ثم أخيرا اللانهائيات في معنى الزواج في زواج بلال من حواء بنت العريبى، وزواج مريود من مريوم. لتكتمل ثلاثية الفعل الاجتماعى الانسانى، ننتقل لاستقصاء فكرة الموت لنرى في جهة: الموت الطقسى عند جين موريس، وظاهرة اختفاء مصطفى سعيد وضو البيت، وظاهرة القتل والانتحار عند ود الريس وحسنة بنت محمود، وأخيرا موت بندر شاه. ومن جهة أخرى: موت مريوم الاسطورى، وموت بلال الذي تمنى فيه الناس ان تقبض أرواحهم في ذلك اليوم ليذوقوا حلاوة ذلك الموت.
    أما المستوى الثانى فهو المستوى الشعائرى: سنحاول فيه تتبع المعانى الدينية التي تلحق بالمسجد والضريح والنيل، ونلاحظ التطور والتقابل في فهم هذه الثلاثية من خلال دومة ودحامد و عرس الزين وموسم الهجرة إلى الشمال وبندر شاه (ضو البيت) وبندر شاه (مريود).
    ثم أخيرا ننتقل للحديث عن التعبير الدينى في تطور شكله ورموزه ولغته. لنقل على وجه الاجمال ان شكل الصراع في ود حامد بين التحديث (الماكينة/الباخرة) / التقليد (الدومة/الضريح) هو صراع في مستواه الباطنى حول الوجود الانسانى، هو صراع خبرات ذلك المشروع الانسانى، حيث ان التقليد او الحداثة هى حالة ذهنية، وان الانقسام الوجودى هو حالة انقسام في الوعى الانسانى وهو شكل من أشكال نفى الآخر، وان محاولات التوفيق بينهما التي اقترحت هى حل مؤقت لا يعالج الانقسام في مستواه الوجودى، وانما يستدعى ميراث التصالح والتعايش في ظل الانقسام.
    وكذا الحال في عرس الزين، فان الصراع بين الدين الرسمى (امام الجامع) المؤسسة الصوفية (شيخ الحنين) هو امتداد لثنائيات الصراع في ود حامد، لكن بعد تخفيف حدة التضاد وطرح امكانيات التعايش الظاهرى ليتخذ التقارب شكلا أكثر توفيقا و استلهاما لروح التوافق الظاهرى في حفل عرس الزين! ان كان هذا الصراع يحل بالتوفيق في عرس الزين ودومة ودحامد، فان الصراع في موسم الهجرة إلى الشمال بين الحضارة العربية الإسلامية / الغرب، وبين القيم الجديدة وبين القيم التقليدية.في النموذج الاول ادى الصراع المرضى إلى قتل أو انتحار جين موريس، و في النموذج الثانى أفضى الأمر إلى اكتمال الدائرة بالقتل والانتحار بين حسنة بنت محمود وود الريس. ما لم يحقق في لندن قد تحقق بصورة رهيبة في ود حامد. لكن، برغم وحشية الصراع في موسم الهجرة إلى الشمال ودفن الموتى دون بكاء الا انه كانت هناك نماذج للتوافق لكنها بلا شك كانت على هامش الصراع الاساسى، فنموذج مستر ومسز ربنسون في الصلة بالحضارة العربية هو نموذج استثنائى. اما في ضو البيت، فيستمر هذا الصراع بين القيم الجديدة / القيم التقليدية، بين أولاد بكرى و محجوب، وهو تحول اجتماعى يورث الحسرة ويبين كيف ان الحاضر لا مكان له وانه غارق بين لحظتى الماضى والمستقبل، كما وان الأب ضحية للجد و الحفيد. في هذه الرواية تستوى الاضداد و يصير الصراع في ساحة لا وجود لها وهما كبيرا يمكن تجاوزه، لكن يتأخر ذلك التجاوز إلى صدور مريود، وفيها تتحول اللغة التي تكرس الصراع إلى لغة تكثف الوهم لتنفى حقيقة الصراع. تكثف التواصل ليتأكد معنى صيرورة الأنا في الآخر.
    بعد هذه المقدمة، فلنحاول تلخيص المقولات الاساسية وربطها مع بعضها البعض حتى يتمكن الناظر من رؤية أدب الطيب صالح في كلياته. ولا يمكن فهم هذا الامر الا من خلال تتبع أشكال التعبير الدينى في تطورها من مراحل التكثف والجمود إلى مراحل الملاطفة والانعتاق.
    لنقل في شخصية الحنين بأنها شخصية ليس لها تاريخ في القرية فهى تظهرمن ما وراء الأفق لتعود اليه. لكن الزين هو أداة تلك الشخصية. وهو محض استسلام ازاء تلك القوة الروحية الغامرة التي يمتلكها الشيخ الحنين. هى الموجه الذي يحول طاقة الزين المدمرة إلى فعل بناء. ويتدخل في اللحظات الحرجة لوقف الافعال المأساوية والعنف الدموى، مثلما فعل حينما منع الزين من قتل سيف الدين. بالاضافة إلى ذلك ان كل من شهد تلك الحادثة قد حدثت له بركة من نوع ما، فالفعل المأساوى لم يمنع ـ فقط ـ ولكن تحول إلى لحظة ايجابية في التاريخ الشخصى لكل من شهده.
    اما في موسم الهجرة إلى الشمال، فتغيب شخصية الحنين تماما. ويختفى هذا النموذج الانسانى الفريد ويوكل الناس لصراعهم الارضى في البحث عن القوة و اللذة، فتحدث مأساة القتل والانتحار. و يشتعل الكون بعنف اسطورى وتتفاقم دورات الصراع الذي يبدأ بين الحضارات لينتهى على يد افراد بعينهم، أفراد بلحم ودم. هذا الصراع الغريب يزداد ضراوة وكأنه مقصود لذاته. كل التغيرات الخطيرة تحدث، بعنف وصخب دموى! النهايات التي فيها التصالح السحرى والتوفيق بين الاضداد تختفى تماما ليذهب الصراع إلى مداه الدموى. مثلما جمع زواج الزين بين الاضداد، يحسم الزواج الصراع بين الماضى والحاضر في حالة قتل وانتحار، حينما يحاول ود الريس أن يتزوج حسنة بنت محمود.
    أما بندر شاه (ضوالبيت)، فهنالك محاولة للرجوع إلى ود حامد وذلك بتكثيف لحظة الحلم. فالنداء لكل الناس، لكنه في ذات الوقت يأتى لكل فرد على حدة كأنه يختص هذا الشخص دون سواه، كأنه هو وحده الذي أوتى ‘‘البصيرة‘‘ التي تسمع، فـ‘‘النداء‘‘ يقود الناس من بيوتهم في آذان الفجر في أمشير ويأتون فرادى لأداء الصلاة ـ الذين اتوا من قبل والذين دخلوا المسجد لأول مرة في حياتهم. وتشهد ساحة المسجد في ذلك الصباح هذا الجمع الغريب وهذا التوحد. هنا الأمر يتجاوز الضريح والمسجد ليعقد توحد ساحته كل الكون برغم انه قد اختار قرية ود حامد.
    ثم يأتى "الاسم الرهيب"، هو نداء آخر كذلك، لكنه في شكل اسم سحرى يستدعى عوالم اخرى يحرك الاشياء الساكنة، وتفقد الالفة للأشياء رتابتها، ليعاد ترتيب العالم على أساس "الاسم الرهيب" والموقف من ذلك الاسم. وبندر شاه برغم انه اسم اطلق على عيسى ولد ضو البيت الا ان له دلالات و معان أخر. كما وأنه يأتى من الفراغ فجأة، كذلك يذهب من حيث أتى، تاركا فراغا عريضا بين "النداء" و"الاسم الرهيب". صلة واضحة فكلاهما يستدعى تكثيف الحلم لتعود الاشياء كما لو انها لم تكن.
    ثم أخيرا، تأتى رواية بندر شاه (مريود)، التي حاول فيها الطيب صالح اعادة بناء النص الدينى الذي يعتمد على امكانات الصلة بين المتجذر والمطلق. قصة المعرفة المحكومة بالزمان والمكان، ومعرفة المطلق الذي لا يحده الزمان والمكان، تأتى قصة الصلة بين بلال والشيخ نصر الله ودحبيب. وكما نعلم أنه في عرس الزين لم يكن هنالك أدنى شك في أن الزين هو التابع او الحوار وان الحنين هو الشيخ او ان الزين هو رمز المتجذر والحنين هو رمز المطلق، لكن في العلاقة بين الشيخ نصر الله ود حبيب وبلال، فان هذه الثنائية لها ظاهر وباطن. وباطنها يحكى قصة اخرى تدل على علو مقام بلال وسمو مكانته في ميزان الحق، برغم ان ميزان الناس يضعه في مرتبة الحوار التابع لشيخه، او في أسوأ الاحوال المملوك الذي لا سيد له. وكأن المعنى ان لهذه الثنائيات أكثرمن وجه، وأكثر من معنى. ويعتمد ذلك على المستوى الذي نطل منه لفهم هذه الثنائيات. فبالنسبة لأهل ود حامد الشيخ نصر الله ود حبيب هو قطب زمانه، لكن الشيخ نصر الله ود حبيب نفسه يعى انه باستخدام ميزان اخر و حيازة معرفة لحقائق الاشياء في مستوى غير المستوى الظاهرى يرى امرا غير ذلك.
    لتكتمل هذه الملاحظات لا بد من الاشارة إلى ان قراءة نصوص أدب الطيب صالح، بالصورة التي ذكرناها، تستدعى استخدام خبرات ومدارسات متعددة الجوانب، قد لا نشير لبعضها بسبب طريقة الترسل والخطابة التي سنتبعها في هذه الدراسة.
    2ـ المستوى الاجتماعى: الميلاد
    ان قضية الميلاد، او قل التعبير عنها في المستوى الاطلاقى في شكل قصة الخلق تشكل وضعا محوريا عند اصحاب الديانات، فما من ديانة الا وقصة الخلق فيها تكون مفتاحا رئيسيا للتعبير عن الصلة بين الحق والخلق، ويبدو ان هذه الصلة هى التي تخلق التمايز بين الديانات التي تسعى إلى تأليه الانسان، او اضفاء القداسة على الوسائط عموما، والديانات التي تسعى للفصل بين الحق والخلق.
    نقول ذلك ونحن نعلم ان مسألة الميلاد نفسها موضع زلل وتخليط حيث ان الازل فيها يتجدد في التاريخ كما يبدو لاول وهلة، وحيث ان الصلة بين المتجذر والمطلق تبدو في اطار دخول المطلق في اطار التاريخ عن طريق المتجذر او قل ان المطلق يعبر عن نفسه في داخل التاريخ! ولحظة الميلاد يكتنفها كثير من الغموض على مستوى الوعى وعلى مستوى التعبير الميتافيزيقى، ولذلك تحاط بكثير من الطقوس الاجتماعية والدينية في المجتمعات الانسانية، وتنحرف الفطرة الانسانية بالركون إلى تقديسها واخراجها من اطارها الدنيوى إلى اطار مقدس.
    2ـ1 ميلاد ود حامد:
    بعد هذه المقدمات نقول بأن الأمر في قصة دومة ود حامد يواجهنا بميلاد بالغ التعقيد حيث ان الرجل الصالح (ود حامد) والدومة (دومة ود حامد) يتصلان بصورة تجعلك لا تملك القدرة العملية والشعورية في التفريق بينهما، حيث ان الدومة تقف رمزا مقدسا في وعى اهل القرية، في احلامهم وفى يقظتهم، فهى متصلة بالضريح ولكنها منفصلة عنه بذاتية خاصة بها يعبر عنها أهل القرية في أحلامهم ـ كما سيتضح فيما بعد ـ فهى ذات خاصة، لا متصلة بالضريح كلية ولا منفصلة عنه. لكنها ليست شيئا زائدا على الضريح ولا مضادا له. فأهل القرية في توجههم نحو الضريح لا يفرقون بينه وبين الدومة وهى دائما في وعيهم دومة ودحامد. ويزداد الامر تعقيدا حينما تدخل إلى هذه الثنائية رمزا ثالثا هو (القرية) نفسها وتضفى عليها ذات الصفات المطلقة في شأن بدايتها للتفريق بينها وبين القرى الاخرى بسبب انها قرية ود حامد.
    إذاً هذه الطقوسية بالغة التعقيد في شأن الميلاد تحتوى على ثلاثة رموز اساسية هى: الرجل الصالح ـ الدومة ـ القرية، وان بدا الامر لاول وهلة متعلقا بالرجل الصالح وحده الذي منح العنصرين الآخرين صفاته. ولكن بالتدقيق نلاحظ ان لكل منهم نصيبا يعبر عنه في وعى أهل القرية، سواء اكان في احلامهم او في حراكهم اليومى في مواجهة العالم من حولهم، وتسجيل صوتهم في ذاكرة التاريخ.
    القراءة الفاحصة تقول بأن البدايات في المكان بدايات أزلية وان سبقها زمان، ولكن لا أحد يعرف ذلك الزمان على وجه من الوجوه. بالطبع، فهذا النوع من المحاجة يبدو فجا ان حاولنا ان نحيله إلى قانون التناقض ولكن ان حاولنا الاحساس به سنجد ان هنالك مقابلا له في انفسنا، ولعل ذلك يكفى لاضفاء نوع من الصدق النفسى عليه. وعليه، هذا الامر يخرج من ذات الوعى الذي عبرت عنه الحضارة السامية في لغاتها المختلفة: عن أن هنالك زمانا سابقا على الزمان، وهذا المعنى للزمان لم تسعه اللغة اليونانية ولا منطقها المباشر والعقيم، ولا حتى الخيال اليونانى الذي لم يستطع فهم أو الاحساس بامكانية وجود زمان قبل الزمان. ولعل جوهر الخلاف بين الغزالى و الفلاسفة هو حول هذا المعنى.
    من ذلك نقول بأن الشخص الذي رويت على لسانه قصة دومة ود حامد ـ بواسطة راوى القصة ـ يقول: "هذا الشئ الذي احب ان أريكه، قل انه متحف، شئ واحد نصر ان يراه زوارنا" (الدومة: 34). لاحظ في هذا النص محاولة التعبير عن مقدسات القرية بلغة العصر تقريبا للفهم بايجاد المقابلات، الشئ الذي يعطى صاحب النص القدرة على المشاركة في أكثر من عالم وذلك يؤهله لنقل تجاربه ببساطة ويسر برغم صعوبة تلك التجارب حينما نحاول التعبير عنها بلغة الآخر. ينتقل النص بعد ذلك إلى وضوح ومباشرة "ها هى ذى الدومة... ود حامد..انظر اليها شامخة برأسها إلى السماء (....) أتراها عقابا خرافيا باسطا جناحيه على البلد بكل ما فيها؟" (الدومة: 37).
    ليتصاعد وصفه لها بمباشرة في كثير من الوثنية الصريحة التي قصد منها تخليص الوثنية من الحصار الثقافى وادراجها في تيار العادية: "انظر اليها يابنى ـ إلى الدومة ـ شامخة آنفة متكبرة كأنها.. كأنها صنم قديم، أينما كنت في هذه البلدة تراها.. بل انك لتراها وانت في رابع بلدة من هنا" (الدومة: 3. بلا شك انه في استراتيجية الحوار مع الآخر الانتقال من التعمية إلى النص الصريح يفقد الآخر القدرة على التخليط والاتهام، حينما يعترف أهل الريف او البادية بوثنيتهم وتعدديتهم في العبادة والتوجه في مقابل توحيد أهل الحضر يفقد اهل الحضر ميزة احراج الآخر.
    بعد ذلك يتحول الحوار الداخلى إلى سؤال محورى يحاول فيه الوافد (الحضرى) ان يجرد الدومة من قدسيتها عن طريق طرح سؤال بريء ـ كما يبدو ـ حول من الذي زرع الدومة؟ وبالطبع فان الذي زرعها احق بالتمجيد منها، واحق كذلك بالأولوية في الوله والقصد، لكن تأتى الاجابة بذات القطع والوضوح: "ما من أحد زرعها يابنى. وهل الأرض التي نبتت فيها زراعية؟ الم تر أنها حجرية مسطحة مرتفعة ارتفاعا بينا عن ضفة النهر كأنها قاعدة تمثال، والنهر يتلوى تحتها كأنه ثعبان مقدس من آلهة المصريين القديمة؟". وتكرر التأكيد مرة أخرى لتختم به هذه الفقرة القاطعة والموحية في ذات الوقت ليقف حوار الريف الوثنى والحضر التوحيدى عندها: "لا يا بنى ما من أحد زرعها".(الدومة: 3.
    بعد ان يتركز في الذهن بصورة جلية أن الأرض التي نمت عليها الدومة ليست أرضا زراعية لتنفى امكانية تعلق الدومة بزارع، وكذلك فان هيئة الأرض التي نبتت فيها هى كأنما قاعدة تمثال، ثم تستدعى الصلة بين الدومة والنهر كل الميراث الوثنى المصرى القديم، فان كان ذلك كذلك نقول بان هاتين الصورتين تعملان على توكيد هذا الجو الاسطورى والدينى المقدس للدومة وللنهر الذي يجاورها، لتعبر عن سفر التكوين او قصة الخلق بالنسبة للدومة، ورمز يحمل كل هذه المعانى لابد وان يكون الاحتمال الوحيد في سفر تكوينه هو "أغلب الظن أنها نمت وحدها"، ولتأكيد سيادتها وأوليتها يستدرك قائلا: "لكن ما من أحد يذكر أنه رآها على غير حالتها التي رأيتها عليها الآن" (الدومة: 39). هنا يضفى على الدومة معنى الابد بالاضافة إلى اوليتها التي تدانى الازلية هى كذلك، وستستمر كذلك ما دامت هنالك عين ترنو لها بالوله والقصد، بالطبع هذه مقتضيات النص، وليست معناه المباشر.
    يختتم هذا الأمر بالتعبير عن الحالة ـ الفريدة من نوعها ـ حين يكون الحديث عن بدايات الدومة. وهو بلا شك حديث عن البدايات التي ما بعدها بدايات واضحة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، انها بداية كل شئ دون ان تعرف لها بداية "أبناؤنا فتحوا أعينهم فوجدوها تشرف على البلد، ونحن حين ترتد بنا ذكريات الطفولة إلى الوراء، إلى ذلك الحد الفاصل بين الذي لا تذكر بعده شيئا، نجد دومة عملاقة تقف على شط عقولنا كل ما بعده طلاسم فكأنها الحد بين الليل والنهار، كأنها ذلك الضوء الباهت الذي ليس بالفجر ولكنه يسبق طلوع الفجر" (الدومة: 39).
    بعد هذا التكثيف الشاعرى في الحديث عن البدايات ووهم الذاكرة الذي لا يفهمه أهل الحضر يستدرك قائلا: "اتراك يا بنى تتابع ما أقول؟ هل تلمس هذا الشعور الذي احسه في ذهنى ولا أقوى على التعبير عنه؟ كل جيل يجئ يجد الدومة كأنما ولدت مع مولده ونمت معه" (الدومة: 39).
    هنا لا يمكن الاستعاضة عن هذه المعانى بايجاد مقابلات في لغة أهل الحضر او في تشبيهاتهم، "فالمتحف" الذي استخدمه لبيان مكانة الدومة في بداية حديثه صار ضربا من تشويه الصورة، هو طريقة في ادخال الآخر إلى عالمه، لكن سرعان ما ينبه الآخر بأن لهذا العالم رموزه الخاصة به ولغته السحرية و الشاعرية والتى يجب على الآخر ان يُصعِّد وعيه ويكثفه حتى يبلغ الدرجة المطلوبة من الفهم والا لن يكون هنالك تواصل، ولكن طالما ان الآخر قد دخل في هذا الحوار، فلا شك انه في نهاية المطاف سيتولد لديه الاحساس بغرابة الأمر على أسوأ تقدير، وسوف يرى الأشياء من داخلها وان رفض المنطق الذي تؤسس عليه. اذا نحن أمام ميلاد ميتافيزيقى سوف تتضح معالمه عندما تكتمل الصورة كلها.
    تلعب الاحلام دورا مهما في ايصال الرسائل الدينية في التقاليد السامية، او قل هى واحدة من وسائل الاتصال بين المطلق والمتجذر، ولقد استخدم الطيب صالح الحلم للتعبير عن هذ الصلة، وغنى عن القول بأن الميلاد يبدأ بالحلم، والرؤيا تسبق البشرى. وكذا قام الطيب صالح في دومة ود حامد باستخدام هذا التراث الغنى للتعبير عن تلك الصلة من حلم يرويه رجل وآخر ترويه امرأة، وكيف ان الرواية والحلم قد تداخلا مع بعضهما وصار التاريخ جزءا من الحلم والحلم باعثا على تدوين التاريخ ـ كما سنبين فيما بعد.
    وقد أبعد الطيب صالح النجعة حينما ذكر" وهكذا يا بنى، ما من رجل أو امرأة، طفل أو شيخ يحلم في ليلة الا ويرى دومة ود حامد في موضع ما من حلمه" (الدومة: 40). بهذه الصورة اختتم فهمه لموضع الدومة في أحلام اهل القرية. ولأهمية الحلمين في فهم مسألة الميلاد نرى ايرادهما دون أدنى تدخل في نصيهما.
    ونقول: ان الحلم الأول هو لرجل ـ وكان على سبيل المثال ـ (يصحو الرجل من نومه فيقص على جاره أنه رأى نفسه في أرض رملية واسعة رملها أبيض كلجين الفضة مشى فيها فكانت رجلاه تغوصان فيقتلعهما بصعوبة ومشى ومشى حتى لحقه الظمأ وبلغ منه الجوع والرمل لا ينتهى عند حد ثم صعد تلا فلما بلغ قمته رأى غابة كثة من الدوم في وسطها دومة ـ دومة طويلة، بقية الدوم بالنسبة لها كقطيع الماعز بينهن بعير. وانحدر الرجل من التل وبعدها وجد كأن الأرض تطوى له، فما هى الا خطوى وخطوى وخطوى، حتى وجد نفسه تحت دومة ود حامد، ووجد اناء فيه لبن رغوته معقودة عليه كأنه حلب لساعته، فشرب منه حتى ارتوى ولم ينقص منه شئ. فيقول له جاره: (ابشر بالفرج بعد الشدة). (الدومة: 39).
    بالرغم من بساطة هذا الحلم الظاهرية الا أنه استخدم لتثبيت الحضور الدائم للدومة في مستوى الواقع العملى والبشارة التي تجلى المستقبل، اى ان الدومة جسر بين التاريخ والحلم. ونقول بأن عناصر هذا الحلم هى الأرض الفلاة المقفرة والتى تفضى إلى الهلاك، في مقابلها غابة الدوم التي تمتاز فيها دومة ودحامد عن غيرها من الدوم بطولها وجمالها، عندها يكون الخلاص. ويكون اللبن الذي لا ينقص منه شئ بسبب الشرب منه ـ وهذه واحدة من طرائق اضفاء البركة والديمومة على هذا النوع من الحليب أو الشراب في التقاليد السامية ـ في هذا الحلم سميت فيه الدومة بدومة ود حامد واختفى شخص ود حامد ونابت عنه كرمز للخلاص او الفرج بعد الضيق.
    بلا شك ان حلم المرأة أكثر تعقيدا وفيه شاعرية أقوى من حلم الرجل وفيه
    كذلك صلة واضحة بين الرجل الصالح والدومة فالخلاص يتم بسبب النداء ويكون ذلك عند الدومة، "وتسمع المرأة منهن تحكى لصاحباتها: (كأننى في مركب سائر مضيق البحر، فاذا مددت يدى مسست الشاطئ من كلا الجانبين، وكنت أرى نفسى على قمة موجة هوجاء تحملنى حتى أكاد أمس السحاب، ثم تهوى بى في قاع سحيق مظلم, فخفت وأخذت أصرخ وكأن صوتى قد انحبس في حلقى، وفجأة وجدت مجرى الماء يتسع قليلا ونظرت فاذا على الشاطئين شجر أسود خال من الورق له شوك ذو رؤوس كأنها رؤوس الصقور ورأيت الشاطئين ينسدان على وهذا الشجر كأنه يمشى نحوى فتملكنى الذعر وصحت بأعلى صوتى: (يا ود حامد!) ونظرت فاذا رجل صبوح الوجه له لحية بيضاء غزيرة غطت صدره، رداؤه ابيض ناصع وفى يده سبحة من الكهرمان فوضع يده على جبهتى وقال: (لا تخافى!) فهدأ روعى، ونظرت فاذا الشاطئ يتسع والماء يسيل هادئا ونظرت إلى يمينى فاذا حقول قمح ناضجة وسواقى دائرة وبقر يرعى ورأيت على الشاطئ دومة ود حامد، ووقف القارب تحت الدومة وخرج منه الرجل قبلى فربط القارب ومد لى يده فأخرجنى ثم ضربنى برفق بسبحته على كتفى والتقط من الأرض دومة وضعها في يدى والتفت فلم أجده). وتقول لها صاحبتها: (هذا ود حامد، تمرضين مرضا تشرفين منه على الموت لكنك تشفين منه، تلزمك الكرامة لود حامد تحت الدومة)". نقول بأن هذا الحلم عبارة عن أمر شائع وظاهرة متكررة لدى الشعوب ذات التراث الشفاهى الغنى وهو يعبر عن طرائق التدين لدى تلك الشعوب، ويبين العلاقة بين التاريخ والحلم وبين الميلاد والاطلاق. وبالرغم من التشابه الظاهرى بين عناصر هذا الحلم وحلم الرجل في مستوى العناصر الاساسية الا ان هنالك بعض الفروق. وعناصر حلم المرأة هى البحر الذي يكون سبب الهلاك في مقابلة القارب الذي لا يعرف طريقه وسط ذلك البحر الا بوجود الرجل الصالح إلى جانب المرأة، ثم أخيرا دومة ود حامد
    التي يكون عندها الخلاص....
    الحلم الأول ـ حلم الرجل ـ كان تفسيره بأنه سيكون هناك ضيق يأتى بعده الفرج، فكأن الأرض الفلاة الصحراء التي تلد الأنبياء هى رمز للضيق بكل معانيه والذى يفضى إلى اليسر والفرج عند الدومة الثابتة. اما الحلم الثانى ـ حلم المرأة ـ فركوب البحر بالنسبة للمرأة بمفردها هو صنو المرض العضال لكن دعوة ود حامد تجلب العافية والسلامة، ويكون ذلك أيضا عند الدومة، فود حامد يتحرك في زمان الحلم لكن الدومة ثابتة عند موضعها....
    نقول بأن الصحراء والبحر هما من مفردات الجغرافية الاساسية لدى أهل ود حامد فكأن قهر الطبيعة والسيطرة عليها لا يتم الا بمدد من الرجل عند الدومة بالنسبة للمرأة او عند الدومة فقط كما هو الحال في حلم الرجل. ونلاحظ كذلك بأن الرؤيا الدينية عند المرأة تأخذ ابعادا طقوسية حيال ود حامد، وتربط بصورة واضحة بينه وبين الدومة، بل ان ود حامد برغم انه يسكن الضريح الا ان له حضورا فاعلا في حياة الناس ولعل الطيب صالح قد فهم بصورة واضحة هذا البعد من الطقوسية الدينية عند النساء وكيف انه يذهب لأكثرمن كونه فرج بعد الشدة كما هو الحال عند الرجل إلى نسق دينى كامل له رموزه الدينية وطقوسه ولعل كثيرا من مثل هذه المرويات تجدها على لسان نساء في كتاب طبقات ود ضيف الله. وقد يسأل المرء هل هذا الأمر مصادفة ان تتطور مثل هذه الطقوسية عند النساء ولا نجد لها مقابلا عند الرجال؟؟ وهل للجنس دخل في هذا النوع من الطقوسية ام لا؟؟؟ هذه اسئلة لن نستطيع الاجابة عنها الآن ولكن بتجميع أطراف الدليل من بقية الروايات نستطيع ان نفهم موضع الخيال الدينى عند النساء في روايات الطيب صالح، ونستطيع كذلك ان نضئ بعض الفقرات الغامضة عند الطيب صالح في هذا الصدد...
    بعد تحليل الحلمين السابقين نقول بأنه في القصة الثالثة التي تروى في نفس
    الاتجاه يتكثف فيها الحلم ليتصل بالواقع مباشرة في قصة تلك المرأة التي تورم حلقها فأقعدها طريحة الفراش شهرين (الدومة: 44) وحينما اشتد عليها المرض في ذات ليلة تحاملت على نفسها حتى اتت إلى الدومة مستجيرة بود حامد وهى لن تبرح مكانها الا محمولة إلى القبراو تذهب معافاة إلى بيتها، فتأخذها سنة من النوم لتحكى لنا قصة فيها تلك الطقوسية التي وجدناها في حلم تلك المرأة السابقة: "وبينما انا بين النائمة واليقظة، اذا أصوات ترتل القرآن واذا نور حاد كأنه شفرة السكين قد سطع حتى عقد بين الشاطئين فرأيت الدومة وقد خرت ساجدة وهلع قلبى ووجب وجيبا حتى ظننته سيخرج من فمى" (الدومة: 45). في هذا الجزء من الحلم نلاحظ ان الدومة تخر ساجدة لشيخ يتكرر وصفه بذات الصورة التي ورد عليها في حلم المرأة السابقة" وضربنى بسبحته على راسى وانتهرنى قائلا: (قومى!)، وقسما اننى قمت وما أدرى اننى قمت وجئت إلى بيتى ولا أعلم كيف جئت ووصلت عند الفجر" (الدومة: 45)، إلى أن تقول: "وقسما ما خفت بعدها ولا مرضت بعدها" (الدومة: 45). هذه القصة تمتاز على بقية قصص الاحلام بأنها تحتوى على حلم وواقع متصل بالحلم بالاضافة إلى أنها قد حدثت بالفعل لشخص في القرية. وفى هذه القصة يمثل الواقع امتدادا لذلك الحلم المقدس، وكذلك يتجلى ذلك الحلم في التاريخ بالاضافة إلى الوضع الدينى الذىتأخذه الدومة ازاء الرجل الصالح حيث انها تصير من أدواته وتسلب منها القداسة في حضرته....
    وللمرة الثانية، فبالرغم من ان النداء لود حامد لكن الرجل الصالح الذي يأتى لنجدة المرأة واصلاح شأنها ليس بالضرورة هو ود حامد، فالرجل الصالح في حلم المرأة الأولى: "ونظرت فاذا رجل صبوح الوجه له لحية بيضاء غزيرة قد غطت صدره، رداؤه ابيض ناصع وفى يده سبحة من الكهرمان" (الدومة: 40)، وعند المرأة الثانية: "ورأيت شيخا مهيبا ابيض اللحية ناصع الرداء...وضربنى بسبحته على رأسى.." (الدومة: 45). نقول برغم التشابه الواضح وظهور ذات الرجل عند الاستعانة بود حامد إلا أن هنالك فضاء للشك في ان هذا الشيخ هو ود حامد، حيث ان التعريف بود حامد فيه كثير من العمومية وكذا الحال الجو الاسطورى المصاحب لتلك العمومية يجعل من الصعب الجزم بأن الرجل الصالح هو ود حامد.. كما وان الرواية بشأن ود حامد تدل على امكانية الا يكون هنالك أحد من أهل القرية على مر تاريخها قد سعد برؤيته او على الأقل ان جيل رواية القصة لم يره ولا يعرف وصفه او سمته فالرواية تقول حدثنى أبى نقلا عن جدى قال: "كان ود حامد في الزمن السالف مملوكا لرجل فاسق وكان من أولياء الله الصالحين يتكتم ايمانه... فهتف به هاتف ان افرش مصلاتك على الماء فاذا وقفت بك على الشاطئ فانزل. وقفت به المصلاة عند موضع الدومة الآن وكان مكانا خربا" (الدومة: 46). نقول مثلما سجود الدومة قد بين موضعها ازاء الرجل الصالح فكذلك تاريخ ود حامد في هذه الرواية يبين موضعه في مساحة الصلة بين المطلق والمتجذر...
                  

12-24-2003, 03:58 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)






    ونقول: إن النص السابق فيه اغفال تام لذكر ان أهل ود حامد قاموا بدفن ود حامد ومن ثم اتخذوا ذلك الضريح له، كما وان القصة تؤكد على معنى ان الدومة لم يقم بزرعها احد وهى سابقة في وجودها لذاكرة أهل ود حامد. فبلا شك ان ود حامد سابق في وجوده لتلك الدومة وبالتالى له الأولوية في الوجود وله الاولوية في الموت وفى اتخاذ الضريح. فالنص لا يعالج قضية هامة مثل موت ود حامد واتخاذ الضريح...
    لنذهب لأكثر من ذلك حيث ان الاجابة على سؤال محورى مثل: (تسألنى لم سميت بدومة ود حامد؟؟) (الدومة: 42) تجئ الاجابة عليه ـ بعد مراوغة وتمهيد ـ لتكثيف ذلك البعد الطقوسى في خلق العلاقة بين ود حامد وبين الدومة من جهة، وبين ذاكرة اهل ود حامد، تلك الذاكرة التي تحاول ان تمجد القرية وتنزهها عن التدرج في التاريخ وعن ان لها بداية مثل بقية القرى الأخرى (وكأنما هذه البلدة بأهلها و سواقيها وعمارها قد انشقت عنها الأرض، كذاب من يقول لك انه يعرف تاريخ نشأتها. البلاد تبدأ صغيرة ثم تكبر (الدومة: 46)، ويستمر في شأن تنزيه القرية عن التدرج في أطوار النمو ليقول: (ولكن بلدنا هذا قام دفعة واحدة، اهله لا يزيد عددهم ولا ينقص وهيأته لا تتغير) (الدومة: 46). لذلك تجئ الاجابة ان اطلاق الاسماء كان بسبب فعل خارجى حينما تحولت القرية ـ بالفعل ـ إلى رمز لمقدسات القطر كله إلى شئ قومى يتكرر بأسماء متعددة لكنه كذلك أخذ اسما ومؤسسة طالتها يد الحداثة أخرجتها من تلك الديمومة التي لا تتغير إلى شئ آخر حيث يقول: (حين أخذتك لزيارتها هل تدر يا بنى السور الحديدى حولها؟ وهل تذكر اللوح الرخامى القائم على نصب من الحجر وقد كتبت عليه "دومة ود حامد"؟؟ وهل تذكر القبة ذات الأهلة المذهبة فوق الضريح؟؟؟ هذا هو الشئ الوحيد الذي وجد على بلدنا منذ ان انبتها الله) (الدومة: 47). هنا الحاق واضح لصفة الخلق والميلاد للقرية و اثبات التغير في حقها عكس الاتجاهه السابق في التعبير عنها.
    نلاحظ ان صراع أهل ود حامد مع الحداثة وممثليها في العهد الاستعمارى او الوطنى كان حول مفهوم الثبات والتطور، كان أهل الحداثة يسعون إلى ازاحة الدومة ـ وليس الضريح ـ واقامة محطة الباخرة أو ماكينة الماء لاقامة المشروع الزراعى بالقرية واتسمت تلك الأزمة بعنف شديد لكن الحداثة نفسها حينما استخدمت في اقامة نصب رخامى وسور حديدى حول الدومة وقبة ذات أهلة مذهبة فوق الضريح لم يحتج أهل ود حامد وانما قبلوا ذلك بطيب خاطر، والأهم من ذلك أنهم قبلوا أن يتحول ذلكالشعور الغريب والغامض حيال الدومة لديهم إلى اسم للدومة يكتب على نصب رخامى وكان اسم الدومة قد اقترحه الآخرون (أهل الحداثة) فقبله أهل ود حامد وكذا الحال بالنسبة إلى احاطة الدومة بالسور الحديدى وخلع النصب الرخامىعليها قد اقترحه اولئك الآخرون فقبله أهل ود حامد كتعبير مناسب عن ذلك الشعور الغامض والمقدس حيال الدومة، والذى تفجر من قبل في صراعهم من اجل بقائها دون ان يعرفوا على وجه الدقة الدوافع التي قادت لذلك السلوك في مواجهة الحداثة واهلها الذين ارادوا ان تذهب الدومة ويقام مكانها محطة للباخرة او ماكينة لضخ الماء.
    ولهذا الامر قصة تربط ود حامد ببقية القطر او بنمط لتشكل الحضارة العربية الإسلامية في المنطقة حيث تصير ود حامد رمزا لكل ذلك الغموض المقدس، قام الساسة في موضع المعارضة باستغلاله بذكاء شديد لاسقاط الحكومة، "اسألوا رئيس وزارتنا الموقر عن دومة ود حامد اسألوه كيف أباح لنفسه ان يرسل جنده واعوانه فيدنسوا ذلك المكان الطاهر المقدس؟؟" (الدومة: 50). و كان لتلك الخطبة السياسية اثر بالغ في النفوس واستجابت افئدة الناس في سائر القطر كما لم تستجب لحادث من قبل. لعل السبب ان في كل بلد من بلدان هذا القطر علما كدومة ود حامد يراه الناس في أحلامهم (الدومة: 50)، وبالفعل نجحت المعارضة في تحريك الناس وسقطت الحكومة بسبب عدم فهمها لنمط التدين السائد!!!.
    لكن جاء العنوان الرئيسى في صحيفة القطر الاولى ان دومة ود حامد اصبحت رمزا ليقظة الشعب (الدومة: 50)، وبالطبع فان هذا التفسير فيه محاولة يائسة لتحوير شكل الصراع واعطائه عنوانا جديدا يخرجه عن حقيقته، لكن من الواضح ان اهل ود حامد ومن شابههم لن يفهموا هذه اللغة الغريبة عليهم، كل ما هنالك انهم عبروا عن احلامهم في مواقفهم بصورة تستعصى على لغة الصحيفة الاولى والتى من الممكن ان تقع في ذات المأزق الذي وقعت فيه الحكومة حينما دخلت في مواجهة مع أهل ود حامد حول أمر الدومة...
    من الطبيعى ان تدرج ود حامد في التاريخ بسبب تلك المواجهة السياسية، وصار لمقدساتها اسم واشارة ونصب تحولت تلك المقدسات من مرحلة الشفاهة إلى مرحلة الكتابة، صار لود حامد تاريح يذكر في التاريخ العام للقطر لذلك لم يعد يفيد كثيرا الحديث عن البدايات الأزلية، اذ ان هنالك لغة جديدة تولد وان نمطا جديدا للحياة لا بد وان تشهده ود حامد وعليه كانت الاجابة على سؤال: (ومتى تقيمون طلمبة الماء والمشروع الزراعى ومحطة الباخرة؟؟ (هي) حين ينام الناس ولا يرون الدومة في أحلامهم) (الدومة: 52)، اى حينما يولد جيل جديد وسيكون ذلك قريبا بسبب ذهاب جيل الابناء إلى المدارس ـ برغم عدم رضا جيل الآباء ـ وحينما يكثر بيننا الفتيان الغرباء الروح (الدومة: 52)، اولئك الذين تخرجوا في المدارس والذين سوف تنقطع الدومة عن أحلامهم ويصير للتاريخ والحلم معنى آخر عندهم سيكون ذلك ايمانا بميلاد جديد يرجو فيه جيل الآباء ان تقوم مكنة الماء والمشروع الزراعى ومرسى الباخرة تحت الدومة بالقرب من الضريح لان المكان يسع الجميع..
    صفوة القول هو ان فكرة ميلاد ود حامد / الدومة / القرية تسعى للتعبير عن ميلاد في الازل ميلاد يتجاوز الزمان بمعناه الانسانى ليضفى القداسة على ذلك الميلاد ولكن الحداثة التي تسعى لمناجزة تلك القداسة وادراجها في التاريخ واعطاء ذلك الازل اسما تاريخيا ومضمونا انسانيا ليحول ذلك الأزل إلى جزء من متحف في التاريخ الانسانى حيث ان الامر برمته هو استبدال مطلق يتسم بالثبات والتقليد بمطلق آخر يتسم بالتغير والتبدل بجملة واحدة، استبدال التقليد بالحداثة، وبالطبع فان لكل منهما لغته ورموزه الخاصة. ربما سعت حكمة الطيب صالح في امكانية عقد تصالح ووجود مواز للتوفيق بين هذه الاضداد بسبب ان المكان يسع كل هذه الرموز واللغات وان الامر المشترك بين التقليد والحداثة هو ان كليهما عمل ومحاولة انسانية للتعبير عن الميلاد: حيث ان اصحاب التقليد يرون ان الميلاد تم خارج الزمان، لذلك يتعاملون مع اشيائه بنوع من الثبات والاطلاق، بينما يرى اصحاب الحداثة ان الميلاد هو فعل متجدد ولا شئ يعلو على هذا التجدد فتلاشى القديم وخروج الجديد منه هو امر حتمى يجب ان يفرض بالقوة احيانا....
    وأخيرا، نلاحظ ان هذا الفهم لمسألة الميلاد لن يتكرر مرة اخرى في روايات الطيب صالح ولكن تصير فكرة الميلاد دائما مرتبطة بالزمان ويعبر عنها في التاريخ ولا تعلو عليه ـ على السياق التاريخي ـ لكنها كذلك تحاط دائما بكثير من الطقوسية والغموض كما سنرى في ميلاد الزين ومصطفى سعيد وبندر شاه وأخيرا بلال.
    2ـ2 ميلاد الزين:
    بالرغم من أن رواية عرس الزين ـ بكثير من التبسيط ـ هى عن زواج الزين من نعمة بنت حاج إبراهيم، إلاّ أن ميلاد الزين هو مقدمة ضرورية لفهم معنى الزواج. وكذلك بالرغم من ان الزين شخصية اساسية في الرواية الا ان سيف الدين البدوى يضئ جوانب مهمة في شخصية الزين، ولا تفهم كل ابعاد شخصية الزين الا مقارنة بسيف الدين. نقول ذلك وفى اذهاننا تقلبات سيف الدين قبل استقراره في معسكر الامام، وكذلك المواجهة الحاسمة بينه وبين الزين وتدخل الحنين لينهى ذلك الصراع الدموى الذي يعقبه عام تعم فيه البركة على الجميع ويصطلح الناس على تسميته بعام الحنين.
    نقول: يمكن ان يكون الضحك سمة لشخص ما، لكنه لن يبلغ تلك الدرجة التي حاول الطيب صالح ان يلحقها بالزين. فالزين قد اعطى الضحك بعدا وجوديا لا بل فان كل مشروع حياة الزين هو عن الضحك ـ كما تبدو سوسيولوجيا الضحك مهمة جدا في فهم شخصية الزين".... والاطفال يضحكون والنساء يتصارخن ويضحكن وتعلو فوق ضحكهم جميعا الضحكة التي اصبحت جزءا من البلد منذ ان ولد الزين" (عرس الزين: 11). فكان الزين هو الذي يحيل رتابة الحياة وصرامتها ـ عند البئر في منتصف النهار ـ إلى مهرجان للضحك. مَنْ غيره له تلك المقدرة الفائقة على الاحتفاء بالحياة والاستهزاء بها وله ضحكة مميزة صارت من معالم البلدة؟ وليس مصادفة ان تجئ الفقرة التالية لذلك الأمر ـ في نص الرواية ـ لتنقلنا إلى أمر عجيب في ميلاد الزين" يولد الأطفال فيستقبولون الحياة بالصراخ، هذا هو المعروف، ولكن يروى ان الزين والعهدة على امه والنساء اللائى حضرن ولادتها أول ما مس الأرض انفجر ضاحكا وظل هكذا طول حياته. (عرس الزين: 15).
    ذلك هو ميلاد الزين، ضحك خال من المرح هى طريقته في الاعلان عن نفسه، عن حضوره القلق، ضحك العارفين باسرار الحياة وبأقدار ومراتب الناس فيها. "لم تكن ام الزين تبالى اين يقضى ليله فقد كان كروح قلق ليس له مستقر" (عرس الزين: 59). لكن فوق ذلك كان للضحك معنى خاصا في حياة الزين، كان يعرف مع من يضحك ومتى يعبث ومع من؟!
    كانت تلك هى حالة الزين ـ في منتصف النهار في الحقل ـ "تجده يصيح بأعلى صوته: أنا مكتول في حوش محجوب، وفى الحقول المجاورة يكف عشرات الناس عن حفر الارض برهة حين يسمعون نداء الزين، الشباب يضحكون" (عرس الزين: 21)، وكذا الحال حين ينتهى العمل في الحقل عند المغيب ويتراوح القوم إلى بيوتهم، "يمشى الزين من الحقل إلى البيت وسط زفة كبيرة من الشباب والصبيان والفتيات الصغيرات؟؟ يتضاحكون" (عرس الزين: 21). نلاحظ من هذين النصين موضع الزين من سوسيولوجيا الضحك في القرية، فهو مركز لذلك الضحك يشيع المرح فيهم دون ان يتسرب اليه ذلك الامر، لكنه قد يتحكم في ميلاده ـ أتى ضاحكاً ـ وكذلك في رسم الصورة التي ظهر بها في القرية فهو قد أراد ذلك الدور لنفسه وحمل الناس على الا يأخذونه مأخذ الجد حتى أخطر عاطفة ـ في قرية محافظة مثل ود حامد ـ مثل الحب تتحول إلى شئ يمكن العبث به وادراجه في اللغة العامة والحديث عنه في دائرة المزاح!!!
    لكن الزين كان يعرف حدود ذلك المزاح وذلك العبث، "كل هذا وفى الحى فتاة واحدة لا يتحدث الزين عنها ولا يعبث معها... كلما رآها مقبلة يصمت ويترك عبثه ومزاحه"... (عرس الزين: 32)، تلك هى نعمة بنت حاج ابراهيم التي سيتزوجها الزين ـ وينطبق هذا الامر كذلك على الحنين "وكان الزين ايضا اذا رأى الحنين مقبلا ترك عبثه وهذره وأسرع اليه وعانقه (عرس الزين: 36). بلا شك فقد كان لنعمة سلطة عليه بحيث يطيعها دون تردد بل يتحول إلى جزء من نظام الاشياء في ود حامد، وليس إلى طاقة تبعث الضحك والعبث بين أهل ود حامد، وذلك حين وجدته نعمة.. يوما في مجموعة من النساء يضاحكهن كعادته فانتهرته قائلة: "ما تخلى الطرطشة والكلام الفارغ تمشى تشوف أشغالك؟" وحدجت النساء بعينيها الجميلتين (عرس الزين: 3. يمكننا القول بأن الميلاد الذي ارتضاه الزين لنفسه والدور الاجتماعى الهازل الذي سعى ليلعبه في القرية لم يكن يمنعه من تحقيقه سوى نعمة بنت حاج ابراهيم وشيخ الحنين كل منهما بالكيفيةالتى يراها، نعمة تذكره بدوره الحقيقيى الذي يخفيه بالضحك والعبث، والحنين يبعث فيه طاقة روحية متوازنة، فكما وان النعمة تذكره بأهم حدث في حياته يأتى الحنين ليعمق البشرى في نفسه بذلك الحدث. كان الزين يعرف في دخيلته من تكون المرأة التي وعده بها الحنين "(باكر تعرس احسن بنت في البلد دى)" (عرس الزين: 67)، كل ذلك ليحقق الزين ذلك التصالح الفريد الذي حدث في القرية، كيف تجمع ذلك الشتات من المعسكرات والناس على صعيد واحد يذكرنا ما كان يرجوه الراوى في (دومة ود حامد) من أن تجتمع الدومة والضريح والماكينة ومرسى الباخرة في المكان لان المكان يسع كل ذلك.
                  

12-24-2003, 04:08 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)


    كان ميلاد الزين امر غريبا لكنه كان كذلك يؤهله لدور المهرج في القرية، و شاءت الاقدار ان يتحول شكله الجسمانى ليؤهله لذلك الدور وهو بعد في السادسة من عمره "ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعا قد سقطت الا واحدة في فكه الاعلى، واخرى في فكه الأسفل" (عرس الزين: 51)، بل انه حينما بلغ مبلغ الرجال صار شكله مفصلا على دور المهرج، اذ كان وجه الزين "مستطيلا ناتئ عظام الوجنتين والفكين وتحت العينين جبهته بارزة مستديرة عيناه صغيرتان محمرتان دائما محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه ولم يكن على وجهه شعر اطلاقا، لم تكن له حواجب ولا أجفان وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية او شارب (عرس الزين: 16). ذلك وجه لا يمكن ان يوصف بالدمامة او القبح ـ فقط ـ وكذلك لا يمكن ان يثير الشفقة لكنه يثير الضحك، ليمضى الطيب صالح في رسم بقية اعضائه "(تحت هذا الوجه رقبة طويلة.. والرقبة تقف على كتفين تنهدلان على بقية الجسم في شكل مثلث..)" (عرس الزين: 16). هذه الصورة الفذة في قبحها المادى لا تثير الفزع بل الضحك ولها ايضا ضحك يثير الضحك "(فيستلقى على قفاه ضاحكا ثم يضرب الارض بيديه ويرفع رجليه في الهواء، ويظل يضحك بطريقته الفذة ذلك الضحك الغريب)" (عرس الزين: 16ـ17). والشئ الذي يجعل هذا القبح الذي لدى الزين باهظ الحمل هو ان صاحبه كلف بالجمال عارف له "ومهما قال الناس عن الزين فانهم يعترفون بسلامة ذوقه فهو لا يحب الا أروع فتيات البلد جمالا وأحسنهن ادبا وأحلاهن كلاما" (عرس الزين: 25).
    بالطبع فقد ولد الزين في القرية ليؤدى دورا اجتماعيا معينا في تلك القرية، لكن الزين ليس شخصية بسيطة ـ كما يبدو لأول وهلة ـ كما روجت والدته فيه تلك المسحة الغريبة "وروجت ام الزين ان ابنها ولى من أولياء الله وقوى هذا الاعتقاد صداقة الزين مع الحنين" (عرس الزين: 35)، بالاضافة إلى تلك الانسانية الفائقة والصداقة الغريبة التي تربطه بعشمانة الطرشاء وموسى الأعرج وبخيت الذي ولد مشوها ـ واحسانه اليهم وسعيه في بذل أقصى جهده لخدمتهم وذلك الامر يجعل أهل القرية يقولون: " لعله [أى الزين] نبى الله الخضر، لعله ملاك أنزله الله في هيكل آدمى زرئ ليذكر عباده ان القلب الكبير قد يخفق حتى في الصدر المجوف والسمت المضحك كصدر الزين وسمته" (عرس الزين: 37). لكن الزين لا يجعل تلك الصورة ـ الدينية ـ المهيبة عنه تستقر في أذهان أهل القرية كثيرا اذ ان صوت الزين لا يلبث ان يرتفع مناديا: "يا أهل الفريق يا ناس الحلة انا مكتول" فتحطم هذه الصورة وتعود صورة الزين التي يألفها الناس ويؤثرونها (عرس الزين: 37).
    إذًا ميلاد الزين كان يحمل ـ في طياته ـ مشروعين: مشروع المهرج الأثير لدى شباب وفتيات وأطفال القرية والذى يضحك ولا يضحك بمرح! والذى يكتشف الجمال للآخرين ولا يستطيع ان يناله. والمشروع الثانى هو مشروع صاحب الهم الاجتماعى تجاه المستضعفين او قل نبى الله الخضر او احد اولياء الله الصالحين. استمر الزين يؤدى مهام المشروعين دون كلل، لا يرسخ في أذهان أهل القريةمشروعا دون الآخر. فهو الزين المهرج والولى الصالح في ذات الوقت، هو الزين الذي تتوحد عنده المتناقضات: لذلك أفلح في جمع كل المعسكرات المتعارضة والمتشابكة في عرسه.
    وعكس جملة اهل القرية كان الحنين ونعمة يأخذونه مأخذ الجد، وكذلك كان سيف الدين وامام الجامع يأخذونه مأخذ الجد ولكن من منطلق آخر. كان الحنين ونعمة وسيف الدين وامام الجامع ينظرون اليه بعين غير تلك العين التي يراه بها أهل القرية، وكان لتلك النظرة أهمية بالغة في تطور شخصية الزين. فسيف الدين لم يفهم عبث الزين وتعامل معه بجدية أخرجت العبث عن معناه الاجتماعى، ولذلك فقد رد سيف الدين على عبث الزين تجاه اخته في يوم عرسها ـ حيث قام بضرب الزين بالفأس على رأسه. وكذلك امام الجامع كان يقول عن الزين ان " الناس افسدوه بمعاملتهم له كأنه شخص شاذ، وان كون الزين ولى صالح حديث خرافة، وانه لو ربى تربية حسنة لنشأ عاديا كبقية الناس" (عرس الزين: 101)، وكان الزين يبادله بغضا ببغض " لكن الزين في موضوع الامام كان معسكرا قائما بذاته، يعامله بفظاظة، واذا قابله قادما من بعيد ترك له الطريق" (عرس الزين: 100)، من الواضح ان الزين شخص لم يعرف الكره في حياته، ولكنه في مواجهة الامام " لعل الامام الشخص الوحيد الذي يكرهه الزين، كان مجرد وجوده في مجلس يكفى لاثارته فيسب ويصرخ ويتعكر مزاجه ويتحمل الامام في وقار هيجان الزين" (عرس الزين: 100). من الواضح كذلك ان شخصية الزين تتغير تماما حينما تكون في حضرة الامام، صحيح ان هذا التغير يحدث كذلك حينما يظهر الحنين او نعمة، لكن الفارق شاسع بين التغيّر في الحالتين.
    اذن ميلاد الزين الاول كان محوره الضحك وهدفه تكريس دور المهرج في شخصية الزين، برغم ان ذات الميلاد بالكيفية التي تم بها وكذلك التطور الجسمانى للزين كان يمكن ان يقود إلى خلق شخصية الولى الصالح او نبى الله الخضر في سلم علاقات القوى الاجتماعية والدينية في القرية، لكن كان لا بد من مخاض جديد يؤدى إلى ميلاد جديد يؤهل الزين ليلعب الدور الجديد المناط به. يأتى هذا الميلاد الجديد مصاحبا لتغيرات كونية واجتماعية ودينية في ود حامد يستعصى على الذهن فهمها دون اللجؤ إلى الحديث عن الكرامات. فسقوط الجليد في منطقة صحراوية وموافقة الحكومة على اقامة مشروع زراعى في ود حامد، وبناء المدارس والمستشفيات فيها وكذلك ما حدث من تغيير في سيف الدين. كل هذه التغيرات بالاضافة إلى احساس الناس بالبركة، تلك الكلمة ذات الشفافية الفائقة في نفوس اهل القرية والتى عمت كل مناحى الحياة في ودحامد.
    يمكننا القول بأن الميلاد الثانى للزين قد جاء بعد اقصى لحظات العنف الذي مارسه الزين ضد سيف الدين ـ " وفى ضوضائهم سمعوا شخيرا يصدر من حلق سيف الدين، رأوه يضرب برجليه الطويلتين في الهواء. وصاح محجوب مات. كتلته" (عرس الزين: 65). بالرغم من ان الرجال الستة ـ الذين حضروا الحادث ـ قد فشلوا تماما في انقاذ سيف الدين من بين يدى الزين، الا ان ظهور الحنين وقوله للزين: "الزين المبروك، الله يرضى عليك" (عرس الزين: 65)، قد فعل فعلته في الزين "وانفكت قبضة الزين ووقع سيف الدين على الارض هامدا ساكنا، ووقع الرجال الستة دفعة واحدة، فقد فاجأهم صوت الحنين وباغتهم الزين بسكوته المفاجئ، فكأن حائطا أماهم كانوا يدفعونه، انهد بغتة ومضت برهة قصيرة جدا.." (عرس الزين: 65)، تلك هى لحظة الميلاد الجديد"بعد ذلك جاشت الحياة فيهم مرة أخرى وتذكروا سيف الدين. انكبت رؤوسهم عليه. ثم صاح محجوب بصوت فرح مرتعش (الحمد لله).." (عرس الزين: 65)، ثم قاموا باعادة الحياة إلى سيف الدين "وفى أصوات متوترة خافتة اخذوا يعيدونه إلى الحياة، حينئذ فقط تذكروا الزين" (عرس الزين: 65). وبالطبع كان هنالك شخص آخر يتولى أمر الزين، ليخرجه إلى ميلاده الجديد "فرأوه جالسا على مؤخرته ويداه بين ركبتيه مطأطئا رأسه. وكان الحنين قد وضع يده على كتف الزين في حنان بالغ" (عرس الزين: 65).
    ثم كانت نبوءة الحنين "كل البنات دايرتنك يا المبروك، باكر تعرس أحسن بنت في البلد دى" (عرس الزين: 65)، وحينما يؤكد هذا الامر الحنين في رده على محجوب ـ وهو الوحيد الذي استنكر حدوثه ـ يبدأ ميلاد الزين بضحكة أخرى " وفجأة ضحك الزين ضحكة بريئة، ضحكة طفل، وقال: "كت داير أموته. الحمار الدكر، يفلقنى بالفأس عشان أخته دايرانى انا؟"، ويتدخل الحنين بحزم ليبدأ الميلاد الجديد بمنطق جديد "دحين دايرنك تصالحوا"، "خلاص الفات مات، هو ضربك وانت ضربتو.." (عرس الزين: 67). ذلك الضحك ـ الذي يثير الضحك ولا يصدر عن مرح ـ والذى كان سمة للزين تحول إلى ضحك فيه رنة مرح وسرور بعد ميلاد الزين الثانى، حينما سأله الحنين: "متين سيف الدين ضربك بالفأس في رأسك؟" فأجاب الزين ضاحكا ووجهه مشبع بالمرح: "وقت عرس أخته" (عرس الزين: 67)، ويتكثف الامر بصورة أكثر وضوحا في النص التالى والذى تكمن أهميته في أنها المرة الأولى التي ينال فيها الزين ما يريد ممن قتلنه حبا، الان هو قتيل حوش حاج ابراهيم، ولن ينال احد غيره الزواج منها "وشرب الزين الشاى... وفجأة وضع الكوب من يده ثم ضحك وقال في سرور: "الحنين قال لى قدامكم كلكم باكر تعرس احسن بت في البلد دى" (عرس الزين: 112). ثم وقع شئ آخر هو ان الزين لم يعد موضع سخرية وضحك بل تحول إلى معان أخرى أجل من ان تكون مثار عبث وسخرية الآخرين "خلاصة القول ان حاج ابراهيم أعلن النبأ فجأة. وكأن الناس كانوا يتوقعونه بعد حادث الحنين. الغريب ان احدا لم يضحك او يسخر ولكنهم هزوا رؤوسهم وزادت حيرتهم وهم ينظرون إلى الزين ـ ينظرون اليه فيتضخم في نظرهم" (عرس الزين: 177).
    فيحدث الصلح والسلم الحقيقى بين الأشياء والأحياء والذى يفضى إلى
    تغيرات كونية واجتماعية وسياسية في ود حامد، هو ليس صلحا مرحليا تتوجس فيه الاطراف خيفة من مستقبل أيامها، ولكنه صلحا نهائيا تستأصل فيه شأفة الشر وتحسم مادته، ذلك هو الصلح الذي يبدأ بالاصلاح، وتدخل فيه النفس في سلام داخلى مع نفسها، تذهب تلك الروح القلقة التي كانت لدى الزين إلى غير رجعة، وكذلك يحدث ميلاد جديد لدى سيف الدين، الذي اعتقد انه في لحظة ما حينما ضيق عليه الخناق "في هذا الوقت، يقول سيف الدين انه رأى الموت وجها لوجه. ويجزم عبد الحفيظ وقد كان أقرب الناس إلى سيف الدين حين عاد إلى وعيه، ان أول كلمات فاه بها حين جاش النفس في رئتيه من جديد، اول شئ تفوه به حين فتح عينيه، انه قال: "أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله" (عرس الزين: 72). ذلك بلا شك ميلاد جديد لسيف الدين تكثفت فيه اللحظة الدينية لتخرج الحى من الميت، لتخرج أفقا جديد من طيات حياة خربة "ومهما يكن فمما لا شك فيه ان حياة سيف الدين، منذ تلك اللحظة، تغيرت تغيرا لم يكن يحلم به أحد.." (عرس الزين: 72).
    هناك نقطة جوهرية: وهى أن الرجال الذين حضروا تلك الليلة التي حدث فيها الصلح بين الزين وسيف الدين قد أمسك كل واحد منهم بيد الحنين في صمت مهيب وقبلها " وقال الحنين بصوته الرقيق الوديع: "ربنا يجعل البركة فيكم" (عرس الزين: 6. ثم اختار الحنين أن يذهب مع الزين وان يرفض بلطف دعوة محجوب للعشاء "العشا في بيت المبروك. وغابا معا في الظلام، رف على رأسيهما برهة قبس من ضوء المصباح المعلق في دكان سعيد، ثم انزلق الضوء كما ينزلق الرداء الحريرى الأبيض عن منكب الرجل.." (عرس الزين: 6. بهذه الصورة الشاعرية وفى لحظة يتسارع فيها الزمان دون ان يدرك محتواها الوجودى، ذهب الحنين إلى حاله بعد ان اكتملت مهمته، فالحنين لم يؤذن له بحضور العرس، فهو قد حمل النبوءة بهذا العرس وقد مهد له بالميلاد الثانى للزين، وانحاز إلى معسكر الزين حينما رفض دعوة معسكر محجوب للعشاء، ومعلوم محورية معسكر محجوب في قيادة القرية وتدبير أمرها.
    كان عام الحنين يمن على الجميع في مختلف المجالات، كانت بدايته معجزة سيف الدين وانصلاح شأنه، وختامه عرس الزين ـ الذي سنفصل القول فيه حينما ننتقل إلى ذلك المستوى من التحليل الاجتماعى ـ "كانت معجزة سيف الدين بداية لاشياء غريبة تواردت على البلد في ذلك العام" (عرس الزين: 80). بعد ميلاده الجديد تغير سيف الدين تماما ـ فيما يشبه المعجزة ـ لكن ليلة الحادث نفسها كانت ليلة غير عادية في كل القرية. ونريد ان نركز في الأذهان هذا الامر البالغ الخطورة في تحليلنا للنص التالي "ويذكر الناس الذين لم يسعدهم الحظ بحضور الحادث لأنهم كانوا يتهيأون لصلاة العشاء في المسجد ان الامام تلا في تلك الليلة، حين صلى بهم، جزء من سورة مريم. وحاج ابراهيم والد نعمة وهو رجل مشهود له بالصدق يذكر تماما ان الامام قرأ الآية: {وهزى اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} من سورة مريم، وهى آية فيها الخير والبركة" (عرس الزين: 81). من المعلوم ان هذا الجزء من سورة مريم فيه وصف دقيق لقصة الميلاد الوحيدة التي فصلها القرآن الكريم، حيث ان مريم ابنة عمران قد بين القرآن الكريم قصة ميلاد ابنها المسيح عيسى بن مريم، كذلك قد تولى القرأن تفصيل شأن ميلاده لأهميته الدينية عند المسلمين في محاجتهم لأهل الكتاب حول طبيعة المسيح. ولعل هذه التوافق بين الميلاد الثانى للزين وسيف الدين وتلاوة هذه الآيات بالمسجد له دلالة عميقة على فكرة الميلاد هذه.
    إن ميلاد الزين الأول "ميلاده الطبيعى" كان تمهيدا لميلاده الثانى "ميلاده
    الاجتماعى"، ولا يفهم ميلاد الزين الثانى الا في اطار صلته بسيف الدين ومعسكر الامام فيما بعد، فان كانت رواية عرس الزين قد بدأت من نقطة النهاية: حدث عرس الزين، فان كلا الميلادين كان مقدمة منطقية لحدث العرس. فالميلاد الأول قد بدأ بضحكة بدل الصراخ، لكنها كانت ضحكة دون مرح، مهدت لمشروع المهرج في شخصية الزين الذي يضحك الناس دون ان يتسرب إلى نفسه المرح، ثم بدأ ميلاده الثانى بعد بشارة الحنين بأنه سيتزوج "أحسن بنت في البلد دى"، فيضحك الزين ضحكة طفل برئ، كلها مرح وثقة في المشروع القادم من حياته هو مشروع لم الشمل والتوحيد بين المعسكرات والأضداد التي لا تجتمع الا على يده "والزين واقف في مكانه في قلب الدائرة بقامته الطويلة وجسمه النحيل، فكأنه صارى المركب.." (عرس الزين: 12.
    خلاصة الأمر، أننا في رواية (عرس الزين) قد انتقلنا من مرحلة الميلاد الميتافيزيقى كما هو الحال في قصة (دومة ود حامد) إلى مستويين آخرين من الميلاد في مشروع الطيب صالح، هما الميلاد الطبيعى والميلاد الاجتماعى لشخص بلحم ودم، لشخص يسميه شيخ الحنين "المبروك" ويسمى هو شيخ الحنين في حياته "الراجل المبروك". ولا أحد يعرف عن أبى الزين شيئا سوى أنه أخ لحاج ابراهيم والد نعمة. كما واننا لا نعرف من هو أبو الزين، كذلك يسكت النص تماما عمن يكون أبو الحنين؟. لكن الزين في ليلة عرسه ـ حينما تجده مجموعة محجوب عند قبر الحنين ـ يقول، في صوت يقطعه النحيب: "أبونا الحنين ان كان ما مات كان حضر العرس" (عرس الزين: 127). وكون الزين قد وصف الحنين بأنه أب للجميع فهذا الوصف له دلالته العميقة في أن الحنين اب للزين في ميلاده الثانى! وهذه الابوة لها أهميتها في الدور الذي لعبه الزين، فهذا الابن "المبروك" قد نقل البركة عن "الراجل
    المبرواك" في عام يفيض يمنا وبركة على أهل ودحامد.
    والأهم من ذلك كله هو ان الزين نجح في جمع كل المعسكرات في عرسه في تصالح فريد من نوعه. نجح في كسر ثنائية الدين الرسمى/المؤسسة الصوفية، وقد نجح كذلك في توحيد القسمة الدينية في ود حامد: (المؤسسة الصوفية/الدين الرسمى)، حيث ان الامام كان واضحا في موقفه تجاه الحنين "لم يحفل الامام بأن الحنين وهو يمثل الجانب الخفى في عالم الروحانيات (وهو جانب لا يعترف به الامام) كان هو السبب المباشر في توبة سيف الدين (عرس الزين: 102). وبالرغم من رأى الامام الواضح في زواج الزين من نعمة بنت حاج ابراهيم الا أنه أخيرا خرج عن اهابه "أجرى الامام مراسيم الزواج في المسجد" (عرس الزين: 119)، وقال امام الاشهاد: "ان الجميع يعلمون انه عارض هذا الزواج، اما وان شاء الله له ان يتم فهو يسأله سبحانه أن يجعله زواجا مباركا.." (عرس الزين: 119)، وتعجب الناس غاية العجب حين "رأوا الامام يمشى نحو الزين ويضع يده على كتفه فالتفت اليه الزين بشئ من الدهشة. أمسك الامام يده وشد عليها بقوة وقال بصوت متأثر: (مبروك، ربنا يجعله بيت مال وعيال) " (عرس الزين: 119). اذا ميلاد الزين الثانى جعله مؤهلا لذلك الدور الخطير في كسر ثنائية (المؤسسة الصوفية/الدين الرسمى)، والذى لم يقم به الحنين نفسه في حياته.

    بتيع ميلاد مصطفى سعيد
                  

12-24-2003, 05:41 AM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    عودا حميدا مستطاب يا دكتورة
    ولنا عودة
                  

12-24-2003, 06:38 AM

خالد الحاج

تاريخ التسجيل: 12-21-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: Agab Alfaya)

    ألف حمدا لله علي السلامة يا دكتورة
    وكل سنة وإنت طيبة..
    دخول للسلام..وعلي قول الصديق عجب بجي راجع للموضوع ..
                  

12-24-2003, 11:17 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: خالد الحاج)

    الاخ العزيز خالد
    شكرا ليك يا اصيل وانت واسرتك بالف خير
    اسم ابا حيوحشنا موت
                  

12-24-2003, 11:15 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: Agab Alfaya)

    الاستاذ الفيا
    شكرا ليك على الطلة نتوقع منك الكثير والكثير
                  

12-24-2003, 06:57 AM

فتحي الصديق
<aفتحي الصديق
تاريخ التسجيل: 06-17-2003
مجموع المشاركات: 6072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    اهلا بك يا دكتورة..اهي دي العودة ولا بلاش.
                  

12-24-2003, 07:01 AM

دورنقاس
<aدورنقاس
تاريخ التسجيل: 06-08-2003
مجموع المشاركات: 1153

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: فتحي الصديق)

    جيدن جيتى
                  

12-24-2003, 11:19 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: دورنقاس)

    الصديق دورنقاس
    انت واحد من الناس كنت سبب مباشر فى رجوعى
    شكرا ليك على الدعم المعنوى
                  

12-24-2003, 11:18 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: فتحي الصديق)

    الكريم فتحى شكرا لك
    على كل شئ
                  

12-24-2003, 07:11 AM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    وتفاعلاً مع تحيات دور نقاس نقول أيضاً:

    جيدن جيتى...
    وجيتاً جيتى...
    وجداً جيتى...

    ومرحبابك عشرة بلا كشرة...

    ومشكورة يا دكتورة... فهذه أعظم هدية أقضى معها عطلة الكريسماس وشتاء فيلادلفيا الباردة, الحمدلله الآن ناشفة من الجليد لكن الزيفة ياها...

    تحياتى للبروف... والقبة إستارى تحتها فكى وبالجد زى الفكى الحنين...

    عيد سعيد... وكل عام وأنتم بخير...
                  

12-24-2003, 09:40 AM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: WadalBalad)

    دعينا دكتورة نحتفي بالعودة .. اولاً
    ثم نعود
                  

12-24-2003, 11:22 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: mutwakil toum)

    الاخ متوكل جميل الدواخل شكرا ليك
    قبل قليل مررت بقصتك شكرا للامتاع
                  

12-24-2003, 11:21 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: WadalBalad)

    البروف العزيز
    شكرا ليك
    اتمنى ان تجده ممتعا ومفيدا مع تحياتى وتحيات كاتبه
                  

12-24-2003, 11:04 AM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    بيان
    كل سنة وانت وعيالك وابوهم وكل حبانك بالف خير وعافية

    طبعاً البحث دا وعديني به وانا خرمت اضيني قدر الغربال على قول اخونا نايل ( الزاكي )
    سعيده بنشره هنا
    وبانتظار البقية
                  

12-24-2003, 11:24 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: الجندرية)

    الحبيبة الجندرية
    والله قد حاولتا ارساله بكل الطرق ولسبب ما
    لم يرسل لاننى فى آخر مرة ارسلته ظننته وصل
    خلاص اقريه هنا
    واكتبى تعليقاتك
    ولك الشكر يا حبيبة
                  

12-24-2003, 01:47 PM

Muhib
<aMuhib
تاريخ التسجيل: 11-12-2003
مجموع المشاركات: 4083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    اهلا...كنت علي يقين ...لقد عدتي..متي سوف اري بنت الاحفاد...لكي تعود كما عادت بيان..نقول وداعا ولن نعود..والله لن نعود وان قامت الدنيا..ننكسر بعدها
    ونعود..اسف ولكنها ايه المنافق...هداني الله..
                  

12-24-2003, 08:17 PM

سجيمان
<aسجيمان
تاريخ التسجيل: 10-03-2002
مجموع المشاركات: 14875

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: Muhib)



    بيان............وحات الشيخ الجعلي منورة
                  

12-24-2003, 08:26 PM

ASAAD IBRAHIM
<aASAAD IBRAHIM
تاريخ التسجيل: 11-26-2003
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: سجيمان)

    الدكتورة بيان
    مرحب ومنورة ، ومواضيعك دائما مفيدة، لي قدام
    الموضوع طويل والقراءة من الكمبيوتر متعبة شوية حاحاول الطباعة وربنا يسهل
    مع الشكر
                  

12-24-2003, 09:26 PM

Outcast
<aOutcast
تاريخ التسجيل: 04-07-2003
مجموع المشاركات: 1029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: ASAAD IBRAHIM)

    دخلت عشان أقول حمدلله على السلامه .. وبعدين ارجع للموضوع ..
                  

12-24-2003, 09:30 PM

Nada Amin

تاريخ التسجيل: 05-17-2003
مجموع المشاركات: 1626

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    العزيزة نجاة
    عدتي و العود أحمد
    الموضوع جميل و هادف و عاوز قراية برواقة.
                  

12-24-2003, 11:56 PM

abuguta
<aabuguta
تاريخ التسجيل: 04-20-2003
مجموع المشاركات: 8276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: Nada Amin)

    ايوة

    دا الشغل ...دا الشغل ...دا الشغل
                  

12-25-2003, 00:14 AM

kamalabas
<akamalabas
تاريخ التسجيل: 02-07-2003
مجموع المشاركات: 10673

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    عودا حميدا د. بيان
    كمال
                  

01-07-2004, 11:43 AM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    *
                  

03-06-2004, 09:41 AM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)

    فوق
                  

03-08-2004, 01:48 AM

Rawia
<aRawia
تاريخ التسجيل: 11-23-2002
مجموع المشاركات: 8396

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى فى روايات الطيب صالح.... مقالات الملتقى (Re: bayan)


    كل مارس
    ومبدعاتنا بألف خير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de