الأستاذ محمود محمد طه: في تذكر 18 يناير - مقالات د. عبدالله علي ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 04:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-22-2015, 06:22 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأستاذ محمود محمد طه: في تذكر 18 يناير - مقالات د. عبدالله علي ابراهيم

    (نستعيد في هذا المقال واقعة مذكرة تقدم بها "رجال الدين أو أئمته"، في وصف الجمهوريين لهم، إلى الرئيس نميري في 3 يناير 1974 يطلبون تنفيذ حكم الردة في الأستاذ محمود محمد طه الذي نفد بجلده من حكم عليه بالجريرة أمام المحكمة العليا الشرعية في 1968. وما أنفده أن القضاء الشرعي لم يكن يملك سلطة الإجبار للمثول أمام المحكمة ولا تنفيذ أحكامه إلا بواسطة القضاء المدني. وفوق ذلك كله لم يكن له أصلاً صلاحية النظر في قضايا الرأي مقتصراً على أحوال المسلمين الشخصية. وجاءت مذكرة رجال الدين بعد أن نفض نميري منه غبار اليسار الباكر وتصالح معهم ضمن آخرين. وفضّلت في مقالي وصف رجال الدين أو ائمته في قول الجمهوريين ب"المشيخية" لإبراز الجانب المؤسسي الحكومي لتكونهم أساساً من قضاة الشرع، أئمة المساجد، الوعاظ، شيوخ الشؤون الدينية، واساتذة المعاهد العلمية. أريد بذلك أن أميز البروقراطية الدينية من سائر المشتغلين بالدين. وسنرى حدة الصراع بين الجمهوريين والمشيخية واستنجادهما بالأطراف مما تأسس على حكم الردة في 1968. والمقال جزء من الفصل الخامس من كتابي "هذيان مانوي: تحرير القضائية الاستعمارية والصحوة الدينية، 1898-1985) الصادر عن دار بريل الهولندية في 2008)

    ما استعاد قضاة الشريعة أنفسهم من ركام الإساءة السياسة والأخلاقية التي ناشهم بها نميري في طوره اليساري الباكر (1969-1971) حتى استأنفوا حملاتهم بقوة للحجر على الأستاذ محمود محمد طه. فحرموا حوارييه من الخطابة من منابر مساجد الدولة حتى لا يبثوا زندقتهم. ومن ذلك أيضاً شراء مصلحة الشؤون الدينية والأوقاف ألف كتاب من تأليف الأمين داؤد، خصيم طه اللدود في محكمة الردة في 1968، لتوزيعها على المصلين في المساجد ليروا بأنفسهم فسوق الرجل مرأي العين. وكان أئمة المساجد يقرأون على المصلين نصوصاً مختارة من الكتاب.
    ودخل نميري على مسرح الصراع مع طه. فطلب في 1974 تقريراً عن حاضر حركة طه وحوارييه. فرد عليه مدير وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بمذكرة تحسر فيها زماناً تعطل فيه حدود الله لتخرس لسان مرتد من الإسلام مثل طه واقترح المدير في مذكرته قيام حملة في المدن الكبيرة لتكذيب زندقة طه طمعاً في استرداد تلاميذه المضللين إلى الإسلام الحق. ولدعم مطلبه بهذه الحملة استقوت المذكرة بحكم الردة السابق بحقه، وفتاو من الأزهر (1972) ورابطة العالم الإسلامي (1975) قضت بردة طه.
    وكانت حملة المشيخية لا تني. وأعطتها فتاو الأزهر ورابطة العالم الإسلامي مظلة تضامن إسلامي جامع لمواصلة حرب طه. وبلغت شراسة الحملة حداً اقنعت طه أن حلف المشيخية، والصوفية التقليديين، والسلفيين (ويعني بهم جماعة الترابي)، ممن كانوا وراء حكم الردة الأول، تواثقوا على على بعث حكم الردة القديم من سباته. ولم يخب سوء ظنه. ففي 3 يناير 1976 وقع اثنان وأربعون مشيخياً على عريضة مرفوعة إلى نميري معبرين عن حرجهم أن طه المرتد بغير وازع ما زال طليقاً لم يمسه عقاب. ووصف الجمهوريون شيع الحلف من وراء العريضة بأنهم مشيخية وشيوخ صوفية. وبعث المشائخ بالعريضة إلى مختلف الدوائر الحكومية بما فيها أجهزة الأمن ونواب مجلس الشعب.
    وكانت بُغية أصحاب العريضة وجائزتهم هما طه. فبحسب الشريعة، في قول العريضة، فدم طه هدر ولا يشكل قتله جريمة بنظر القانون. وطالبت العريضة بحبس طه مدى الحياة لمنعه من نشر سموم زندقته إنتظاراً لليوم الذي يكون فيه الإسلام شريعة البلد. كما استعادت العريضة الطلب بتنفيذ جملة العقوبات التي طالبوا بها بحق حوارييه مثل مصادرة كتبهم، وإغلاق داخليات سكنهم الجماعي، والحجر عليهم من الوعظ بالدين أو تفسير القرآن للناس. وأرفق أصحاب العريضة مكتوبهم بمذكرة خاصة للائمة والوعاظ لتوظيف معاني العريضة في خطبهم للناس. وزادوا بتوجيههم بمنع الجمهوريين من طلوع منابر المساجد للدعوة إلى إسلامهم الزائف. وختاماً نجحت المشيخية في إقناع تسعة وتسعين من أعضاء مجلس الشعب لتقديم مسألة مستعجلة للمجلس عن الخطوات التي خطتها الحكومة لإستئصال النشاط المتزدنق للجمهوريين.
    أما طه من جهته فقد سعى لحشد موارده الفكرية والبشرية لمواجهة خصومه. فكثف من عمله في الدفاع عن معتقده وبيانه موظفاً حلقات أركان الشارع وبيع منشورات الجمهوريين ، ومعارض الكتب، والقوافل الثقافية لتغطية خارج الخرطوم، وترويج وقائع المحاكم الي خاض فيها مدعياً ومدعياً عليه، وهمة نشرية غير عادية. وسعى بقوة لتأليب دعم القوى الثقافية والحضرية لتضغط السلطات لرفع الحكم بردته من السجل القانوني ، وحل البروقراطية الدينية في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ومحاكم الشريعة، وإلغاء نصوصها السلطانية وقوانينها. وبالطبع سلط طه نيرانه على الوسائط المصرية والأزهر اللذين تأثيرهما غالب على السودانيين ماضياً وحاضراً. ولم يكف عن إغاظة المشيخية بالضرب على حرجها مع اختصاصها المبخوس بتذكيرهم ببطلان حكم الردة عليه عملياً.
    كان من أهداف الجمهوريين دائماً تفكيك إدارة محاكم الشرع والمؤسسة الحكومية الدينية. ولكنهم لم يبدأوا في الإجراءات القانونية لهذا التفكيك إلا في سياق حملات المشيخية لإضطهادهم التي توجت بالعريضة المرفوعة للرئيس نميري في يناير 1976 للحجر على الجمهوريين من الخوض في أمر الإسلام كما مر. وكان الجمهوريون حتى وقت متأخر قبيل العريضة رحبوا في 1972 بدمج القضاء الشرعي والمدني. وقبلوا بهذا الترتيب الجديد للقضائية تسمية قضاة الشرع ب"قضاة الأحوال الشخصية" لأنه يجردهم من مزاعم القوامة على الدين التي تغريهم بها صفة قضاة الشريعة. ولم يحل ذلك دون الجمهوريين ومواصلة الدعوة لإلغاء هذه المحاكم حتى باسمها الجديد. فصوروا نزاعاً لهم مع قاض في أغسطس 1975 كحرب بين المحافظة والتقدم مما لا حل له في المحاكم أو بالإجراءات الإدارية ولكن بقوة ومنطق رسالتهم الصادقة.
    وأضطر الجمهوريون بإزاء إضطهاد المشيخية لهم في 1975 للبحث عن خياراتهم بهدف حل محاكم الأحوال الشخصية مما عرف سابقاً بالمحاكم الشرعية. وقاموا بأجرأ خطواتهم لتلك الغاية في سبتمبر 1975. فرفعوا في ذلك التاريخ عريضة للمحكمة العليا لتزيل التناقض الصارخ بين دستور 1973 ومحاكم الشرع المختصة بأحوال المسلمين الشخصية. فمحاكم الشرع القائمة، في قول العريضة، تخرق السوية في المواطنة التي يظلها الدستور بظله. فهي تميز الرجل بحق الطلاق والزواج بأربعة كما أنها تجعل الرجل الذي يقف أمامها ضعفيّ المرأة في تقييم شهادته وفي تقسيم الميراث. وواصلوا قائلين إن مما يستوجب حل نظام محاكم الأحوال الشخصية هو مخالفتها للدستور بجعل نفسها جهة تشريعية تصدر بنفسها القوانين التي تحكم سيرها ومنطوقها مما عرف بالمنشورات الشرعية. وقالوا إنه، بجعل هذه المحاكم من نفسها جهة تشريعية، فقد خرقت مبدأ الدستور القاضي بفصل السلطات. ورفضت المحكمة العليا عريضة الجمهوريين على أساس أنهم، وهم المدعون، لا سبب لهم للشكوى لأن أياً منهم لم يتضرر شخصياً.
    ورتب الجمهوريون في سعيهم لكف أذى المشيخية العثور على حلفاء ضمن الصفوة العلمانية في الصحافة، والحركة النسائية، والمحامين. فقد نمى الجمهوريون خلال نضالهم الطويل ضد المشيخية هماً صادقاً بمسألة المرأة وحساسية فائقة لتحررها. وبلغوا غاية من ذلك لم تقع حتى للعلمانيين في أقاصي خيالهم السياسي آنذاك. فردوا الوصاية النازلة بالمرأة والأذى، كما جاء في عقيدتهم الأم، إلى إسلام العرب في القرن السابع الميلادي (الرسالة الأولى لا من حيث التنزيل لأن رسالة مكة سابقة، بله من حيث التطبيق في المدينة) الذي تأخر عن معاني الحرية الغراء في تنزيل مكة ورسالتها. وهي المعاني، التي متى استعيدت، رفعت الوصاية عن المرأة. وهذه الرسالة الثانية من الإسلام التي نذروا أنفسهم لها هشت لسائر حقوق المرأة مثل حق الطلاق الذي ظل عتاة العلمانيين يديرون له الوجه الآخر متى أزفت الدعوة الصارمة له. فبوسع النساء ليومهم، وحتى قبل استعادة تنزيل مكة كما رغبوا، أن يطلبن، وفي ظل الرسالة الأولى للاسلام ما يزال، تضمين عقد زواجهن حق العصمة، وهو حق الطلاق، بغير أن يفارقن الإسلام شبرا. ووقف الجمهوريون مع التعليم المختلط لأنه سانحة لتوسيع مدارك النساء والرجال معاً. ولذا وقفوا مع طلاب جامعة أم درمان الإسلامية، مصنع المشيخية، عندما أضربوا مطالبين بالتعليم المختلط. غير أن ما راع الجمهوريون أن الحركة النسائية ظلت مشغولة بالمساواة مع الرجل في حقل العمل لا في البيت. فمتى طرأ لهذه الحركة طارئ شريعة البيت عقدت الأمر لقاضي الشريعة ورهنت إصلاح قانون الأحوال الشخصية به. فمما كدر الجمهوريون ركون تلك الحركة للقضاة بدلاً من مساءلة سلطانهم في تنفيذ شريعتهم البالية.
    ونكّد على الجمهوريين انصراف العلمانيين عنهم وهم في محنتهم تنوشهم المشيخية بالسهام. ونعوا في تقييمهم للأذى الذي حاق بهم في مدينة كوستي عام 1974 على صفوة مدينة كوستي وسائر الصفوة خذلانهم لأنهم لم يرفعوا عقيرتهم احتجاجاً على جور عداتهم. وسبق للجمهوريين صك عبارة سائرة عن سيرة الصفوة في خذلان شعب عظيم يتقافز أماه قادة أقزام. وحمل الجمهوريون على الصحافيين لاعتزال معركتهم، التي خاضوها وحدهم بصورة كبيرة بغير ظهير، ضد المشيخية وأنصارها في مصر والسعودية. فلم يُخبِروا حتى عن القضية الدستورية التي رفعوها للمحكمة العليا لحل المؤسسة الدينية. وعابوا على المحامين كساد خيالهم جراء اعتزالهم معارك الجمهوريين القانونية في سبيل الحرية. وذكّر الجمهوريون الحركة النسائية بأن المسائل التي يناضل الجمهوريون لأجلها مما ينبغي أن يكون شاغلاً كل إمراة متعلمة، بله كل إمرأة في واقع الأمر,وبلغت خيبة أملهم في الصفوة التي تغاضت عن مطلوب الحرية من سهر وفداء أنهم لعنوها بعبارة ذائعة" إن الاعلام والأقلام عند غير أهلها اليوم." وفي عودتهم بتلك الخيبة والسقم من خير في الصفوة أشانوها لاعتزالها شعبها بقولة سائرة أيضاً : إن الشعب "لا تنقصه الاصالة وانما تنقصه المعلومات الوافية وقد تضافرت شتي الظروف لتحجبه عنها".
    وشف غضب الجمهوريين من الصفوة أحياناً ليسفروا عن استبطان فوق العادة لسياسات الصفوة وثقافتها. فالصفوة الحداثية عندهم تغربت عن الإسلام غربة أفقدتها العزيمة لتحدي المشيخية. وانقطاع هذه الصفوة عن الإسلام هو ما خول للمشيخية احتكار تفسير الدين حصرياً. فبينما يعترف الصفوي الحداثي منهم بجهله بالإسلام بغير وازع تجده شديد الحرج إذا تكشف جهله بمفردة من ثقافة الغرب أو رموزه الفكرية. وخلصوا إلى أن احتكار المشيخية تفسير الدين بغير شريك أو منافس هو اثر من ثنائية التعليم الاستعماري.
    ومتى اتفقنا مع الجمهوريين في نظراتهم الناقدة الثاقبة للصفوة وجب عليهم تعميقها ليسألوا أنفسهم إن لم يكن تحالفهم الطويل مع نميري، من كان ظلمه والإطاحة به الشاغل الأول للصفوة العلمانية، من محق بركة دعوتهم الحرى للحرية وتحرر المرأة. فقد فقدت هذه الصفوة الوسع للإصلاح المتدرج، والمزاج له، في سبيلهم ما يزال للديمقراطية من فرط ما تعودوا عليه من إسقاط نظم الديكاتوريين بنجاح. فبدت هذه الصفوة شديدة الاعتناق أن الخير كله في قدوم الواردين: الديمقراطية المستعادة. والمرء قبل هذه الاستعادة إما مع الطغمة العسكرية أو ضدها. وللاسف فإن جماعة غالبة من الصفوة العلمانية نظرت إلى طه ، لحلفه المؤكد مع نميري حتى قبيل شنقه في 1985،كواقف على الجانب الخطأ من التاريخ غير مكترثن لمشروعه الإصلاحي النادر.

    mailto:[email protected]@missouri.edu
                  

02-01-2015, 06:57 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: في تذكر 18 يناير - مقالات د. عبدالله علي ابراهيم (Re: عبدالله عثمان)

    Quote:
    في تذكر 18 يناير: الجمهوريون: حقول الاستتابة 1985 .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
    (نستعيد في هذا المقال واقعة استتابة نفر من الجمهوريين على جانب من محاكمة أستاذهم محمود محمد طه في 1985. وفضّلت في مقالي وصف رجال الدين أو ائمته في قول الجمهوريين ب"المشيخية" لإبراز الجانب المؤسسي الحكومي لتكونهم أساساً من قضاة الشرع، أئمة المساجد، الوعاظ، شيوخ الشؤون الدينية، واساتذة المعاهد العلمية. وأريد بذلك أن أميز البروقراطية الدينية من سائر المشاغلين بالدين. والمقال جزء من الفصل الخامس من كتابي "هذيان مانوي: تحرير القضائية الاستعمارية والصحوة الدينية، 1898-1985) الصادر عن دار بريل الهولندية في 2008. والمقال الذي بيدك ترجمة عن النص الإنجليزي له لم استشر فيه بعد المراجع العربية الأصلية التي نظر فيها).

    عرض التلفزيون في 19 يناير 1985 للأمة فيدو لجلسات استتابة حواريّ طه. وكان مشهداً متوحشاً. ووصفه مشاهد مروع بأنه كمن خرج لتوه من فيلم للمخرج الإيطالي فلليني. ولا جدال أن الاستتابة كانت إساءة كبرى لكائنة الشخص البشري ولجدوى الفكر. فالدين الذي باسمه جرت فصول الاستتابة يتبخر بعدها. والله نفسه موجود قبلها لأن ما بعدها يتسيد الشيطان الرجيم. وظل شبح إهانات الاستتابة تلاحق من شاهدها لأنهم رأووا مرأى العين الدرك السحيق الذي نتسفل إليه بفضل مستصغر العقول.

    كان حمل حواريّ طه للاستابة بعد الظفر بأستاذهم طقساً للغسل العقائدي تشهته المشيخية لعقود. فقد طلب شيخ المعهد العلمي من باكورة حوارييّ طه في 1960 أن ينكروا طه ويتحللوا من أفكاره. وفصلهم حين تأبوا. وفي مرة ثانية طلب مدع على الجمهوريين في محكمة ما أن تلجم حواريّ طه من الدعوة لإسلامهم، أو تفسير القرآن أو وقعوا تحت طائلة القانون بتطليق زوجاتهم وفقدان وظائفهم. ورأينا في ما سبق ضِيقَ المشيخية بحواري طه في مذكراتهم لدوائر حكومية في 1969، 1974، 1976.

    وأكثر ما ساء المشيخية من هؤلاء الحواريين الشباب الفصيحين تداخلهم في الحلقات الدينية المنعقدة في المساجد لبث أفكار طه الخلافية ومفاهيمه المضللة. ووفرت سانحة محكمة الردة في 1985 والاستتابة لرد هؤلاء الحواريين عن باطلهم رداً. فجعلوهم يشهرون جهلهم بالدين والاعتراف على عيون الأشهاد بذنبهم للتورط بإتباع طه. وكان فوكو قال إن الاعتراف يجعل المتهم شريكاً في إنتاج الحقيقة الجنائية . . . فالإعتراف يبين المسألة ويشينها.".


    وأكثر جوانب الاستتابة استفزازاً هو تصوير المشيخية لاستجوابهم للجمهوريين كجلسة مناصحة. وتَكَون مجلس نصحهم من المكاشفي طه الكباشي، ومحمد حاج نور، من قضاة محكمة الإستئناف، وخمسة من علماء الشؤون الدينية، ومحمد آدم عيسى وزير الدولة للعدالة الجنائية الصامت. وتقصد المشائخ، في صلاحيتهم كعلماء، أن يظهروا للجمهوريين كأخوة في الإسلام يمحصونهم النصح خالصاً لوجه الله. فأرادوا من المستتابين أن يعتبرونهم كنصحاء لا هيئة إدعاء ولا قضاة. غير أن هذا التحايل بالنصح لم يغط ولو لماماً سيف الجبر المصلت على المستتابين لينكروا أستاذهم ثلاثاً ويلفظوا عقائدهم لفظا. فلم يظهر لمشاهد الفيدو كيف سيق المستتابون وأرجلهم وأيديهم في القيد إلى مشهد شنق طه. وكانوا في نفس ذلك القيد وهم مساقين إلى جلسة النصح المزعومة. ولصب الملح على الجرح ضيقت المشيخية على الحواريين ليتوبوا كما أرادوا لهم للمزيد من إيذاء أستاذهم. ورفضت المشيخية للحواريين قبول بيان أعدوه توبة عن أفكارهم الجمهورية بغير ذكر مخصص لأستاذهم. وعرضوا عليهم بدلاً عن ذلك نصاً رسمياً لاستتابتهم أغلظوا فيه على طه إغلاظاً لن يرفع عنهم الحكم بالقتل بدونها.


    كان للاستتابة طريقتها كما قال شكسبير عن بدائع الشر. فلم تقبل المشيخية من الحواريين نصاً لهم قصر دون لعن طه والتنصل البين عن أفكاره. فرفضت باستماتة أي نص منهم للتوبة اختلج بدماثة إنسانية لترك ماضيهم الجمهوري ماضياً حيث ينبغي، وفتح صفحة جديدة تنطوي بها الصفحة القديمة طيا بغير أذى. واستمسكت المشيخية بنصها بنهج خلا من المساومة حتى على حساب مرأى المشائخ وهم يتكففون الحواريين أن يعجلوا بالموافقة على النص الرسمي لتنتهي جلسة المناصحة على الخير والبركة.


    كان التضييق على المستتابين لفضح ردة طه هو هم المشيخية الأول. فطلب منهم عبد اللطيف حسب الله، ممن صحب طه لثلاثين عاماً وهو في مفازع الدرك بين الحياة والموت، وبدماثة اشتهرت عن الجمهوريين في الخطاب، أن يتوب عن الجمهورية بنص خاص به. فكان بين الأَمَرين يريد أن يستتاب بغير أن يخدش اسم طه ويَسِفل به. وجاء بآي القران عن أنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وزاد بأنه حتى النبي لم يطلب من كفار مكة توزير عداته الراسخين حين تحولوا إلى الإسلام. ولم يطرق قولهم أفئدة المشيخية. فلم تعجب إستراتيجية حسب الله في التستر على طه القاضي الكباشي، قاضي الإستئناف الذي أمضى حكم الردة على أستاذه وظهر بين المشائخ في دور الناصح. فسأل حسب الله بغلظة:


    -أريدك ان تكون صريحاً معي. ماذا ترى الآن في فكر طه؟


    - ذهب الأستاذ في حال سبيله (لم تمنع رهبة الموقف حسب الله من ذكر طه إلا ك"أستاذ" كما عُرِف تشريفاً بين أحبابه).


    ولعب الفار في عب المكاشفي لأنه استعاد بمجاز حسب الله في وصف موت الأستاذ عقيدة مزعومة للجمهوريين مفادها أن طه هو المسيح المحمدي سيعود إلى الدنيا ليملأها عدلا ونعمة. فعاجله قائلاً:


    -ما الذي تقصده ب"ذهب في حال سبيله؟"


    -مضى.


    -إلى اين؟


    -العالم الآخر


    -ما العالم الآخر؟


    وعاد الكباشي ليصر أن يتطهر حسب الله ويدين طه الذي كانت أفكاره في جذر ما يجري بينهما لوقته:


    -لقد رفض كل العلماء أفكار طه الزنديقة ثم تأتي أنت لتقول لي أن طه مضى. هل مات طه أم لم يمت؟


    كانت حرفية العبارة ما ناسب المكاشفي حتى يتفادي أن يفلت منهم طريد عدالة مشيخية ممسلاً من خلال مجاز عن الموت. لم يكن المكاشفي يريد لهذا التفلت مجازاً أن يحرمه من مجد قتل مرتد في صباح يومه ذاك. وعلم حسب الله أنه بلغ نهاية دماثته المجازية فقال: "بالطبع مات". فاسعد ذلك الكباشي لنجاحه في تجريع حسب الله حرف لغته ليحرمه من التخفي وراء غامضات المعاني المجازية. ثم التفت بعدها ليقييم كسبه من اعتراف حسب الله بموت طه ومغازيه، فسأله:


    -بأمانة، كم سنة صحبت طه؟


    -كثير. ربما ثلاثين سنة.


    -ثلاثين سنة، لا حولا. هذا وقت لفرح حقيقي لنا جميعاً بعودتك من الضلال إلى طريق الحق إلى الله.


    ظل المشيخية في جلسة المناصحة على الفديو يعقدون بين الاستتابة والتطهر ليعرضوا أنفسهم كأطباء يقومون بتطهير عقلي لمرضاهم الزنادقة. فسألوا المستتابين أن يغتسلوا بما يمليه الدين على من أمنى أو على حائض قبل إداء واجباته الدينية. وطلبوا منه أن يتوضأوا لصلاة شكر لله بعد ذلك الغسل. وقال أحد المشائخ أن المستتاب يخرج خلواً من الذنوب كطفل رضيع لأن الله غفر ما تقدم من ذنبه. وهو في ذلك مثل من اعتنق الإسلام لتوه وهي حالة أكثر بركة في وصفه من حالة المسلم التائب. وطلب شيخ ناصح شديد الحماسة من مستتاب أن يدعو له انتهازاً لسانحة أن من في مثل حاله لوقته في فيض من البركة مقبول الدعاء. ومع ذلك كله لم يوثق في المستتابين أن يغتسلوا ويتوضأوا بحرية. فوجه مشيخي أحد السجانة ليتبعهم إلى دورة المياه ليقف بنفسه على أن إجراءات التطهر قد وافت الغاية.


    لما لم تأذن المشيخية لطه بالاستتابة تكالب القتلة على جسده المشنوق لحمله ليلفظ أفكاره الخاطئة التي جلبت له هذا المصير. فقال قاضي إن طه كان صميم التماسك خلال الإعدام بفضل شيطانه الحاضر معه حتى لحيظات قبل أخراج الروح. فلما ترك الشيطان طه إرتعب. وقيل إن جسد طه الذبيح استدار غرباً مجافياً القبلة. وكان استدبار جسد طه للقبلة عندهم بمثابة اعتراف منه بضلاله وردته. وهنا مصداق لقول فوكو إن الاعدام وعلاماته تروج لحقيقة الجريمة في جسد الشخص المشنوق نفسه. ويرون عن الهستيريا التي أطبقت بأحد أنصار طه ممن حضر مشهد إعدامه. فأخذ يدور حول نفسه بعنف ويتلو :" وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" التي كذب الله فيها الزعم بأن المسيح قد صلب بينما توفاه الله ورفعه إليه وطهره من الذين كفروا. وربما كان نصير طه ممن يعتقدون أن طه هو المسيح المحمدي. وحسب قول قضاة طه إن هذا الحواري تاب ورجع إلى سواء سبيل الإسلام.


    رأت المشيخية أن استتابة الجمهوريين قد جلبت السعادة لأهل الأرض والسماء. وكأن سعادة أهل الأرض والسماء لن تحل إلا بإذلال أربعة من شباب السودان بحملهم على استصغار أنفسهم لجنابتهم الفكرية لأنهم لم يقووا على حمل عقيدة لم يلفظوها قسراً فحسب بل للتنكر لاستاذهم قبل صياح الديك. لقد أراد حسب الله بقوة وبما وسعه من إنسانية أن يوقر أستاذهم للصحبة الطويلة. ولكن خصومه في ثياب الناصحين لم يقبلوا منه غير إشانته. فما سرهم مثل أن يرمي به وبعقيدته من عرفه لمثل المدة الطويلة كحسب الله إلى قارعة الطريق. فكل ما تقادمت مدة الصحبة المنكورة مع طه كلما انفرجت أسارير المشيخة.

    mailto:[email protected]@missouri.edu

    ///////

    نقلا عن سودانايل

    http://www.sudanile.com/index.php?option=com_contentandview=articleandid=76634:--18-----1985-------andcatid=56:8-0-6-0-1-4-6andItemid=55http://www.sudanile.com/index.php?option=com_contentandview=ar...-6-0-1-4-6andItemid=55
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de