إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 01:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-30-2015, 08:21 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟

    الإخوة والأخوات..

    أود أن أشرككم في هذا المقال "إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟" لما لهذا المقال من خصوصية وتاريخ متمدد عندي.. بدأت فكرة كتابته في 1986 حيث كنت مبعوثا من جامعة الخرطوم بجامعة كلارك الأمريكية (1983-1988) وكانت لي مراسلات مع معهد إسلامية المعرفة بواشنطن دي سي، واطلعت على عدد من منشوراهم وكتابهم الأم.. وفي الحقيقة لا أعرف إن كان هذا المعهد -- أو لعله مركز-- ما زال قائما أم لا، ولكن ظلت فكرة كتابة ورقة موسعة عن هذا الموضوع في ذهني.. حين رجعت إلى جامعة الخرطوم، أكملت كتابة الورقة منذ بداية التسعينات (1991-1992) حيث كنت أدرس بكلية التربية جامعة الخرطوم (1988-1998) .. ولكن نسبة لعدم وجود النت وندرة المجلات الأكاديمية داخل السودان وقتها فقد قمت بتدويرها بالرونيو وأخرجت نسخ كثيرة منها ووزعت منها على الأساتذة والطلاب، ووجدت قبولا واسعا وأحدثت حوارا طيبا..

    في 1996 نشرتها مجلة القاهرة للفكر والفن مزوقة برسومات للفلاسفة والمفكرين الذين جاء ذكرهم في الورقة.. ثم سررت حينما وجدت لاحقا على الإنترنت ردودا عليها.. ثم أعدت نشرها بعدد من المنابر لما لي معها من علاقة دون بقية الأعمال التي نشرتها.. كنت أرغب في إنزالها هنا من نسخة الـPDF بنفس الشاكلة التي نزلت بها في مجلة القاهرة، كاملة بالرسومات، ولكن لصعوبة تنزيلها من الصور سأقوم بنشرها من الـMicrosoftword.. وإن استطعت أن أنزلها من الـPDF فسأفعل..

    أشرككم فيها هنا وأدعوكم للتأمل فيما تطرقه، لأهميته بالنسبة لما يمر به العالم الإسلامي اليوم، وأكون سعيدا إن تم تفاعل معها..

    مصطفى الجيلي..

    (عدل بواسطة مصطفى الجيلي on 01-30-2015, 08:40 PM)

                  

01-31-2015, 00:34 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    ***
                  

01-31-2015, 05:54 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    ***
                  

01-31-2015, 08:16 PM

محمد عبد القيوم سعد

تاريخ التسجيل: 01-16-2013
مجموع المشاركات: 566

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    متابعين.
    واصل أخ مصطفي.
                  

02-01-2015, 00:00 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: محمد عبد القيوم سعد)

    الأخ العزيز محمد عبدالقيوم..
    تحيتي وشكري...

    Islam3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    (عدل بواسطة مصطفى الجيلي on 02-01-2015, 00:10 AM)

                  

02-01-2015, 00:06 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    Islam2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

02-01-2015, 00:15 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    islam3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

02-01-2015, 00:21 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    islam4.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

02-01-2015, 00:27 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    islam5.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

02-01-2015, 00:34 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    الإخوة والأخوات...

    أعرف أنه تصعب قراءتها من صورة مصغرة ومأخوذة Jjpg من pdf ولكن قصدت بذلك أن اعطيكم فكرة عن شكلها في المجلة والجهد الفني للمجلة للمقال..
    المجلة من القطع الكبير مثل ملء الورقة A4... والورقة في المجلة أخذت 12 صفحة بمصادرها..

    كما قلت هذا فقط للفكرة العامة ولكن الآن سأنزل الورقة بالـMicrosoft word..

    شكرا للمتابعة..
                  

02-01-2015, 05:43 AM

الشفيع وراق عبد الرحمن
<aالشفيع وراق عبد الرحمن
تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 11406

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    Quote: تصعب قراءتها

    بالنسبة لينا (مستحيل) عديل يا الجيلي


    في الانتظار
                  

02-01-2015, 11:05 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: الشفيع وراق عبد الرحمن)

    وبالنسبة لي برضو يا الشفيع...
    تشكر...
                  

02-01-2015, 11:06 AM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)


    إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟!

    مصطفى عمر الجيلي:
    كلية التربية جامعة الخرطوم

    "التاريخ يعيد نفسه"، يقولون.. الأمة العربية اليوم عادت إلى ما كانت عليه من الفرقة والتناحر لأسباب واهية متعلقة بالكبرياء والزهو والعصبية.. كانت قبائل الجزيرة العربية متنافرة تتقاتل على مر السنين لأسباب شخصية وساذجة.. الإسلام فجر طاقات تلك الجماعات البدائية، وأخرج نماذج فريدة حققت كمالات بشرية لا تضاهى.. ونصب قامة سامقة في القيم والمثل والأخلاق لم يكن لها شبيه في التاريخ.. وامتد هذا السلطان ليس على الأعراب فحسب، بل عبر آسيا لبلاد المغول والهنود والأتراك وزحف خلال أفريقيا حتى أقاصي غربها وشمالها، وأخيرا داخل أوربا.. ثم تبلورت تلك المدنية إلى حضارة مادية عملاقة طورت التراث البشري وقدمت الجديد في ضروب المعارف والعلوم.. وظلت الدولة الإسلامية رائدة هذا الكوكب لقرون طوال.. ثم بدأت في الانحدار التدريجي حتى ورثها الأتراك العثمانيون، وأخيرا سقطت أشلاء تحت نفوذ الاستعمار الغربي.. ولم ينجل الاستعمار إلا في منتصف هذا القرن، بعد عمر مديد، مخلفا وراءه حدودا لدويلات متنافرة، أيضا تتقاتل لأسباب شخصية وساذجة.. وهكذا دارت دورة زمانية، ولا بد أننا نستقبل دورة جديدة..

    الإسلام والعروبة :

    سعيا لجمع الشمل الممزق اتجه المسلمون، أول ما اتجهوا، إلى فكرة "العروبة" آملين أن تغدو المحور الذي تتجمع حوله الأمة.. ومن هنا نشأ التعبير المتداول الآن: "الأمة العربية الإسلامية" مقدمين بلا توان وببديهية معتادة وثقة، "العروبة" على "الإسلام".. فكانت جامعة الدول العربية، وشعارات الوحدة والقومية العربية، والتراث العربي، والبعث العربي، والإتحادات العربية، التي يصعب حصرها، المشحونة بروح الانتماء العربي..

    ظل العرب يبذلون الغالي والنفيس للكشف عن ذلك السر المكنون الذي يمثل القاسم المشترك في المفاهيم والأيديولوجيات والثقافات العربية، دون أن يظفروا بطائل.. و لن يكون لهم ما يريدون لسبب بسيط، ذلك أن سر الوحدة ليس في "العروبة".. دعوة العروبة، في المقام الأول، دعوة عنصرية ليس لديها فكر ولا منهج، ولا حتى قاعدة مادية صلبة.. و هي لا تختلف عن غيرها من العصبيات التي عانت منها شعوب العالم خلال تاريخها المعروف وغير المعروف.. ولدي النظر الدقيق، فإن "العروبة"، من غير قصد، تستبعد المسلمين غير العرب، وتلحق نظرة دونية بالشعوب التي، بجانب كونها عربية، هي خليط من الأجناس، ثم هي فوق ذلك تستعدي الأقليات غير العربية، داخل الدول العربية..

    كما أن المسلمين لم يبلغوا منازل عزهم وفخرهم في السابق، إلا حينما نبذوا تلك النعرة العصبية بالشعار: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم).. والمقولة: (ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى) والأقوال على هذا النسق في دحض العنصرية وحاربتها في النصوص الإسلامية، وافرة..

    الإسلام إذن، وحده، هو الذي جمع العرب وصقلهم أمة رائدة، ذات تأثير واسع، وامتداد بعيد، وصيت مدو.. وإن كان هذا يحتاج إلى دليل، فوق ما نعرفه عن تاريخ الإسلام، فلتكن عبارة محمد عمر بشير وهو يؤرخ "للتعليم في السودان": (على الرغم من اتصال العرب المهاجرين بالسكان المحليين في كوش والنوبة قد بدأ قبل الإسلام بكثير، إلا أن ثقافتهم لم تكن لها الغلبة والسيادة في هذه البقاع إلا بعد انتشار الإسلام فيها).. (ص:23)..

    لماذا إذن لجأ المسلمون إلى فكرة "العروبة" على أنها المفتاح الذي سيعيد للأمة عزها وكرامتها وسؤددها؟؟ لعله يمكن إرجاع هذا إلى ثلاثة عوامل أساسية:

    أولها: أن المسلمين قد انقسموا في معتقداتهم لأشياع وطرق عديدة، تعدت الاختلافات في الهوامش والجزئيات إلى المقاطعة والتكفير والمقاتلة في الأسس والجذور العقائدية.. فلقد يصعب على الشيعي أن يؤمه السني في صلاته، أو العكس، وعلى المتصوف أن يؤمه الوهابي.. وهكذا ترى مساجد قريبة من بعضها في المواقع وبعيدة في المعتقدات، وكل حزب بما لديهم فرحون.. وقد وصف النبي الكريم، عليه الصلاة والسلام، هذا الوضع بقوله: (انقسمت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وانقسمت النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة، وستنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها هالكة إلا واحدة، التي على كتاب الله وسنة رسوله).. غني عن القول أن ليس بين فرق المسلمين اليوم من لا تعلن أنها على كتاب الله وسنة رسوله..

    ثانيها: إن الإسلام ما عاد يملأ حياة الناس، كما كان الحال في أول عهده.. قمة الدين كانت على عهد النبي، عليه الصلاة والسلام، فانحسرت القمة قليلا على عهد الخلفاء الراشدين، ثم آلت إلى ملك عضوض بعد مقتل أمير المؤمنين على بن أبي طالب ومقتل الحسن ثم الحسين وأبنائه في كربلاء.. صارت الخلافة وراثية، وتوسعت الدولة، وكثر المال والجاه، وتبارى الناس في امتلاك الضياع والقصور والجواري.. وظلت الحياة المادية تتنوع، والدين يقل تأثيره حتى صار قشرة في الظاهر.. صار الدين جانبا من جوانب الحياة، بعد أن كان كل الحياة، وغدا مادة للتخصص ونيل الدرجات والمناصب.. وليس أدل على ذلك، من أن إمامة المسجد وقراءة القرآن، اليوم، مهن لها أجورها المادية المتعارف عليها، كغيرها من أساليب كسب العيش..

    على الرغم من الكثرة الهائلة لأعداد المسلمين اليوم، إذا تقدر المساجد في العالم العربي بأكثر من نصف مليون، فإنهم ما فتئوا يجارون إلى الله بالدعاء والشكوى من الهزائم المتلاحقة، من إسرائيل في وسطهم ومن الغرب ومن الشمال ومن الشرق.. وأصدق وصف هو الحديث النبوي: (توشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على القصعة).. قالوا (أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟) قال (لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، لا يبالي الله بكم)..

    أما العامل الثالث، فهو أن العلم التجريبي الحاضر قد أثبت كفاءة كبيرة في خدمة البشرية.. بفنون الآلة استطاع العلم تسخير البيئة وخاماتها، فوق الأرض وتحتها، ليلبي حاجات الإنسان، ويتفنن في طرق تلبيتها و تنويعها.. كما أنه سهل انتقال المنتجات والوسائل والمعارف، فأصبحت الشعوب، على طول وعرض هذا الكوكب، لا تجد بديلا عن، ولا مناصا من إتباع الأنموذج الغربي.. وعليها، وفقا لذلك، أن تتعايش معه، وتتصالح مع قيمه.. والمسلمون ليسوا استثناء من هذه القاعدة، رضوا أم لو يرضوا، فهم اليوم يستهدون بما يستجد من الدراسات والعلوم، في السلم كما في الحرب، في اقتصادهم وسياستهم ومناهج تعليمهم، وضروب ثقافاتهم وشتى مناحي الحياة.. وأصدق من وصفهم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب، تبعتموهم).. قلنا: (يا رسول الله اليهود والنصارى؟؟ قال: (فمن؟)..

    المسلمون ينادون ببعث الإسلام، على صورة تخالف التعاليم والثقافة الغربية، على حين أنهم يتبعون الغرب في أساليب الحياة وممارسات الواقع كلها..

    التبعية للغرب :

    ليست الشعوب الإسلامية أو الدول العربية هي وحدها التابعة للغرب، بل دول العالم كلها الراغبة في التقدم والتنمية والحضارة.. الحضارة الغربية متمثلة في المنجزات العلمية والوسائل التكنولوجية هي رائدة البشرية اليوم.. لا بد من الاعتراف بذلك، وإلا فحديثنا لن يعدو أن يكون عاطفة سمجة..

    التبعية الاقتصادية تحدث عنها الدارسون كثيرا، لا سيما الاشتراكيون منهم (راجع Brewer, 1986). ما يسمى في علوم الاقتصاد والتنمية بمدرسة التبعية هي في حق دول العالم الثالث.. الفكرة تقول إن العالم ينقسم إلى مركز، وهو الدول المتطورة في الغرب، وهوامش، وهي دول العالم الثالث.. و أن الاستعمار قد كان استغلالا علنيا وقهريا لدول الهامش، مستعملا القوة العسكرية ذات التسليح الحديث الفتاك في مقابل السلاح البدائي الأبيض.. وأن شبكة الاقتصاد العالمي الحاضرة قد بناها مجمع دول المركز وفق استراتيجية تعمل على تجميع مصادر ومنتجات دول الهامش وتسخيرها، بواسطة قوانين التجارة الدولية المتفق عليها، لتصب في دول المركز.. و عليه فالبنوك العالمية، ومؤسسات النقد الدولية، ومراكز سك العملات، والبورصات ومؤسسات النقل والترحيل، وحتى المعونات والقروض وكل أنماط التبادل الاقتصادي إن هي إلا وسائل لتقنين استغلال العالم الغني للعالم الفقير..

    أما تبعية التعليم فتكاد لا تحتاج إلى دليل.. فكل نظم ومناهج وأهداف التعليم مأخوذة عن فلسفة المعرفة الغربية.. صحيح أن كثيرا من الشعوب قد غيرت اللغات والأمثلة المستخدمة لتناسب ثقافاتها وبيئاتها المختلفة، ولكن ظلت فلسفة المعرفة والأهداف ثابتة.. يحدثنا الكاتب ولتر رودني (Rodney,1972) أن الاستعمار لم يدخل التعليم في أفريقيا لأول مرة، كما تزعم معظم الكتابات الأوروبية، وإنما استبدل بالمناهج والأهداف والوسائل المحلية مناهج أخرى مستوردة تتناسب والأهداف الاستعمارية.. وكان من الطبيعي أن يدس في العلوم نفسها تمجيد ذاته وإبراز التفوق بما يجعل المتعلمين سهلي الانقياد ثقافيا، كما للأغراض الاقتصادية..

    التبعية في التعليم الجامعي أظهر منها في غيره.. فالتعليم الجامعي، بلا استثناء، هو تعليم غربي، في دقائق علومه، وفي فلسفة معرفته، وفي كثير من الأحيان لغته.. الأستاذ الجامعي، حتى في الجامعات الإسلامية، وأحيانا في التخصصات الإسلامية عينها، يحصل على درجاته العلمية في الغرب.. وكما هو معلوم، فكلما كبرت أو كثرت فترات عمله وتدريبه في المؤسسات الغربية، شهد له بالكفاءة وجودة التأهيل.. وكذلك المؤسسات العلمية ومراكز البحث، كلما قويت صلاتها بالغرب في الأساليب والتقويم والأهداف والمحتوى ارتفع قدرها العلمي والإنتاجي..

    إن النداءات بالذاتية في التعليم والمعرفة أصبحت عالية الصوت في الصوت في كثير من الدول.. كذلك العودة للجذور والأصولية في الأيدلوجيات والأديان قد سرت خلال شعوب العالم وثقافاته.. وشهدت العقود الأخيرة من القرن الحالي تغييرات جذرية في الأيدلوجيات والفلسفات ومناهج التعليم.. التغييرات من تغيير جذري ومتطرف كحرق الكتب في الشوارع فيما أطلق عليه الثورة الثقافية في الصين في بداية الستينات، إلى تغييرات هامشية في المقررات أو تعديل في المناهج السائدة..

    إسلامية المعرفة :

    النداء بالذاتية في العالم الإسلامي أعلى صوتا، إذ أن الأمة الإسلامية تستشعر تأخرها عن اللحاق بركب الحضارة، في حين أنها تتطلع لقيادة البشرية.. أليست هي الأمة التي وصفت بأنها "خير أمة أخرجت للناس؟" ثم أليست هي أمة الرسالة خاتمة الرسالات الهادية للحياة العليا؟؟..

    "إسلامية المعرفة" و "أسلمة العلوم" أو "أسلمة المناهج" ظلت حلما ورديا يراود المثقفين المسلمين.. هناك كثير من المؤسسات العالية التكلفة والفاخرة التأثيث أنشئت خصيصا لهذا الغرض، من أبرزها "المعهد العالمي للفكر الإسلامي".. ولم تكن النتيجة سوى بضعة كتيبات تغرق في تنظير يؤكد عدم وضوح الرؤية لديها..

    إسلامية المعرفة هذه لا تقدم بديلا لفلسفة المعرفة الغربية، كما يفهم من الطرح والتسميات.. ولا هي تتبنى منهجا مدروسا به تفهم المعارف والعلوم فهما جديدا أو برؤية مغايرة لصياغتها الغربية، كما قد يتبادر إلى الأذهان.. وإنما هو حديث عاطفي مبني على عقيدة، يشرح بعض مبادئ التوحيد، ويمتدح التوجه الديني في عمومه، وينادي بتغييرات تتعلق، في الغالب، بتطبيق العلوم والمعارف.. المطلع على كتاب إسلامية المعرفة: المبادئ العامة، خطة العمل، الإنجازات (المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1981) يواجه بنظم إنشائي في عبارات طويلة ومكررة، صعبة الفهم، ولا تؤدي إلى معنى واضح.. و حتى يتسنى للقارئ الحكم على هذه العبارات، نقتبس منه عبارة عن جزء من جملة واحدة في ذلك الكتاب:
    (ومن هنا تتضح لنا حقيقة الإرادة الإنسانية وحقيقة العمل والسعي الإنساني وحقيقة سنن الوجود وترابط الأسباب والمسببات، وحرية الوجود الإنساني على هذه الأرض وغايته ومسئولياته وعلاقة ذلك بإرادة الخالق سبحانه وتعالى وقدرته وتسييره لهذا الكون وفق مشيئته وحكمته في علاقات كلية عادلة حقة هي كما ندرك من أمر الله، تتعلق بحكمته وعلمه وعدله الكامل المطلق، ولا نكابر في أمر إدراكها ما ليس في طاقتنا ولا متناول إدراكنا وقدرتنا، إيمانا بعدل الله سبحانه وتعالى واستجابة لما نلمسه في أنفسنا وفي الكون من حولنا من فطرة وسنن تؤهلنا للأداء والإبداع والإشباع.. الخ) (ص:82)..

    تجدر الإشارة إلى أن المركز الرئيسي لإسلامية المعرفة هذا موجود في واشنطن، وأن الطبعة الأولى من ذلك الكتاب "الوثيقة" قد كان باللغة الإنجليزية.. ورد في مقدمة الكتاب: (وفي أعقاب المؤتمر العالمي الأول لإسلامية المعرفة الذي عقد في إسلام أباد رأى المعهد أن يقوم بنشر خطة تفصيلية تمثل دليل العمل في ميدان إسلامية المعرفة وخدمة الفكر والمفكر وطالب العلم المسلم، وقد أوكل المعهد إلى إسماعيل الفاروقي مهمة إعداد وتجهيز هذه الخطة باللغة الإنجليزية.. ثم قامت بعض دور النشر بترجمة تلك الطبعة إلى اللغة العربية..) (ص:19)..

    إسلامية المعرفة بهذا المعنى لا تعدو أن تكون جدلا نظريا، لا تقدم فلسفة محددة ولا منهاج عمل يخدم فهم فروع المعرفة الموغلة في التشعب الدقيقة التخصصات... بل لا يتوقع أن تقدم المذهبية النظرية للتعامل المتوائم مع حاجات العصر وحل مشاكله المعقدة.. إسلامية المعرفة، بهذا الصياغ، تطرح حديثا عقائديا عاطفيا أقرب إلى الوعظ منه إلى التحليل العلمي.. وهي لو قبلت النقد والمشاركة من دارسين متعددين لكان النتاج ثريا، والرؤية أكثر وضوحا..

    إسلامية المعرفة لن تبرز إلا بإعادة هيكلة فلسفة المعرفة، وإعادة تقييم وسائل وأهداف العلم والتعلم وفق ما يقرره الفهم الروحي للوجود.. في هذا المقال استعراض مقتضب للفلسفات التي انبنت عليها العلوم التجريبية الحاضرة، ثم بعد ذلك تجري المحاولة لشرح نظرية المعرفة النابعة من القرآن..

    فلسفات المعرفة في العلوم التجريبية:
    منذ بدايات المعرفة، تساءل الحكماء والفلاسفة عن أصول المعرفة ووسائل استقائها، وصار مفروغا منه أن معرفتنا هي حصيلة ما تعطيه لنا حواسنا الخمس.. ولكن ما سميت فيما بعد "بالمدرسة المثالية في الفلسفة" ذهبت لتشكك في صحة ما تقرره بداهة الحواس، وتقول أنها، أي الحواس كثيرا ما تكذب.. فليس من الغريب مثلا أن نسمع نداء واضحا بالأذن، وليس من مناد.. السراب بمياهه الوفيرة هو أحد كذبات العين، والشخص يرى النجوم في حجم العنب والأجسام أكبر حجما داخل الماء.. إلى آخر هذه الأمثلة التي يصوغها هؤلاء المفكرون ليثبتوا أن الحواس، إذا ما أخذت دون اعتبارات أخرى، تكذب.. وقد تكذب مجتمعة فيما يرى ويحس ويتألم ويفرح الحالم.. هؤلاء قالوا إنه وباستعمال المنطق البحت، فليس من المستبعد أننا نعيش في حلم كبير، وأن لا وجود فعلي لهذه الأحداث والأشياء حولنا.. ثم إن بعضهم أثبت وجود العقل المفكر، إذ قال أحدهم: (أنا أفكر، إذن أنا موجود) ولكنه لم يتعد إثبات وجود تفكيره إلى عداه.. وأغلبهم تنازل أكثر وقرر أن هذا الوجود كائن في عالم العقول، فقط..

    في موازاة "المدرسة المثالية" نشأت "المدرسة الواقعية" والتي ترى أن وجودنا و ما يحيط بنا من أحداث وأشياء هو الواقع بالبداهة، لانسجامه وتجانسه ووجوب تعاملنا معه.. إن أهم ما تميزت به الواقعية هو التسليم بمعطيات الحواس الخمس والتعامل مع الكون وأحداثه على أنه موجود وخارج عنا.. العلوم الطبيعية ومن ورائها العلوم الإنسانية كلها تعتبر تراكما من المعرفة أنبنى على هذه النظرة..

    في الفيزياء التقليدية، التي بنيت على قوانين نيوتن، عرف الفضاء بأنه ذو أبعاد ثلاثة، ومتجانس، وسابق لما عداه في أصل وجوده، وهو فيزيائيا متواصل، غير محدود وساكن.. وعلى لسان نيوتن: (الفراغ المطلق، بطبيعته الصرف، ودون نسبته إلى شيء آخر، يبقى غير متحرك ومتجانس).. الزمان هو الآخر شغل المهتمين بأصل معرفة الوجود، وعرف بأنه: (حقيقي، ويمكن حسابه بدقة، وهو بطبيعة حاله يمر بانتظام دون الانتساب إلى شيء آخر خارج عنه، ويسمى أيضا المدى).. ثم تأتي الحركة، ومفهومها: (الأحداث في الطبيعة – أو المسرح الموجود مسبقا – تبرز تسلسلا منطقيا، غير منتم إلى إطار خارجي).. (Peacoke,1980 ص:77).. مفاهيم نيوتن هذه شكلت أسس المعرفة للعلوم التجريبية على مدى طويل من الزمن..

    من المفاهيم المهمة التي أثرت كثيرا على اتجاهات المعرفة لدى علماء القرن التاسع عشر، والتي جمدت العلوم زمانا ليس بالقصير، هو ما أتى به كلارك ماكسويل (1965): (لدينا، إذن، ما يبرر الاعتقاد انطلاقا من ظاهرتي الضوء والحرارة، أن هناك ناقلا أثيريا يملأ الفضاء ويخترق الأجسام، قابلا لأن يوضع موضع الحركة، ولأن ينقل هذه الحركة من مكان إلى آخر، ويميز بهذه الحركة المادة بحيث يمنحها الحرارة ويؤثر فيها على وجوه مختلفة).. (أنظر ميشيل ولسون، 1971، ص:137)..

    نظريات "النسبية الخاصة"، و "النسبية العامة"، وما ترتب عليها من أفكار، وما تلاها من قوانين في الطبيعة، كان بمثابة انقلاب جوهري في أسس المعرفة للفيزياء، في المقام الأول، ثم لبقية العلوم، في المقام الثاني.. أول مقال لآينشتاين كان بعنوان "الكهرباء الديناميكية للأجسام في حركتها".. المقال يحوي جوهر الأفكار في "النسبية الخاصة"؛ أول النتائج تنبذ "نظرية الأثير"، وثانيتها تؤكد أن الكون في حركة لا تنقطع، وأن ليس هنالك فضاء ثابت، وأخيرا أن الضوء ينتقل دائما بالسرعة نفسها، وهو الوحيد الذي يعتبر من الثوابت الكلية..

    في أعمال لاحقة، خلص آينشتاين إلى أن المادة، على اختلاف أشكالها ووجوهها، والطاقة، ما هما، في اصل التكوين، إلا شيء واحد، لأن الذرات هي تجميع لوحدات الطاقة.. في نظرية "النسبية العامة" استحدث آينشتاين معادلات تربط بين المادة والفضاء والزمان والجاذبية.. وأخيرا، في نظرية "المجال الموحد" يختبر الحالة والمسار والسرعة لتجمع الموجات، ليثبت أن المجالات الكهرومغناطيسية ومجالات الجاذبية، هي في الحقيقة لا تختلف إلا في طول الموجة (Goldsmith, 1980).

    أعمال آينشتاين تعتبر أكبر ثورة في العلوم المعاصرة، تبعتها تغييرات جذرية في أسس العلوم التجريبية.. ورد في رصيد الإستشهادات العلمية" في سنة 1977 وحدها، ما لا يقل عن 105 مقالات، أو فصول من كتب، تحوي كلمة آينشتاين في عنوانها.. في تلك السنة، بلغت جملة الاقتباسات والإستشهادات بأعمال آينشتاين، فقط في مجال الفيزياء وما يتصل بها من تطبيقات، 452 حالة.. هذا وحده يكفي لإعلان الدور العظيم لأعمال آينشتاين في مفاهيم العلوم وتفجير التكنولوجيا الغربية (Cawkell,1980: ص:38).. أما تأثر المعرفة في العلوم الإنسانية بتلك الأعمال فينتج من عدة وجوه، أبرزها التأثير الواسع والعميق لاستخدام الذرة ومنتجاتها في شتى مناحي الحياة..

    من جهة ثانية، فإن الانقلاب الكبير، المعلن بأصوات عالية، في مفاهيم العلوم الإنسانية، مصدره النظرية الماركسية.. باختصار شديد، النظرية تخلص إلى أن المادة قديمة، وأن الحركة هي حالة المادة، وأن المادة بجميع صورها في تطور مستمر نحو الحالة الأقل تناقضا مع محيطها (الديالكتيكية).. هذا من الناحية الفيزيائية، أما من الناحية البشرية، فالإنسان، باستمرار، يقوي مقدراته بإضافة مزيد من الموارد والوسائل تحت دائرة استخدامه وملكاته، وهو ما يعبر عنه بالاقتصاد.. تدوين التنافس الاقتصادي – أو صراع الطبقات – أنتج التاريخ.. إنهاء ذلك الصراع، بآلامه ومآسيه، لا يتم إلا بالتوزيع العادل للموارد (الاشتراكية).. وعلى الإنسان أن يسعى لإحداث التغيير بالوسائل كلها، بما فيها العنف، لزيادة فاعلية التطور وتحقيق قدر أكبر من المساواة..

    فالنظرية الماركسية نسق بنيوي يسعى لتفسير ظواهر الوجود كلها، ويحدد قيما ومبادئ ومناهج للتعامل مع تلك الظواهر.. ولذلك انبرى فريق من الأكاديميين الماركسيين لصياغة النظرة الراديكالية في الجغرافيا والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس وفروع العلوم الإنسانية كافة..

    والنظرية الماركسية هي أكبر نظرية عرفتها البشرية، بعد الأديان.. كل النظريات تطرح تفسيرات لمواضيع فرعية أو علاقات بعينها، على حين أن الماركسية تعالج ظواهر وأحداث الكون كلها.. كنظرية أيدلوجية، الماركسية حظيت بفرصة التطبيق العملي، وحكم على هديها، حكما مباشرا، ما يقارب نصف سكان الكرة الأرضية.. ثم إنها سادت، بمثل ذاك التأثير العميق على أحداث ومصائر سكان الكوكب على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان.. فهي إذن، أقرب إلى منهاج معرفة وحياة بأسرها منها إلى نظرية، بالمعنى الذي ألفناه للنظريات..

    فإذا فاجأتنا السنوات الأخيرة بكبريات الأحداث مثل تفكك الإتحاد السوفييتي وتمزق دول شرق أوربا، وتفاجأنا، بناء على ذلك، بإعلان فشل تطبيق النظرية الماركسية، فهذا لا يعني إسدال الستار على النظرية وإنزال كتبها من المكتبات وإيقاف التعامل مع معارفها ومناهجها.. بل أن هذه الأحداث تمثل أكبر أسئلة طرحت عن أسس وفلسفات المعرفة في الحياة ومصير الإنسان، أليس الإنسان غاية تلك المعرفة؟؟ الحيرة والاضطراب والحروب المشتعلة في أركان المعمورة إنما تعبر عن الإفلاس الفكري، وخيبة الأمل، بما حققته البشرية حتى اليوم.. لا بد للبشرية من مواصلة البحث عن الحقيقة بأعين مفتوحة وتسلح بالتجارب والعبر السابقة..

    البشرية اليوم، أكثر من أي زمان مضى، في حاجة صارخة لإعادة توجيه فلسفات المعرفة والعلوم لمواجهة الأخطار الكوكبية التي تحدق بها، ولتحقيق مجتمع الأمن والعدل والرخاء.. فهل، يا ترى، للأديان، وللإسلام كمتوج لتلك الأديان، فرصة في منازلة المعارف بما يوجه تكنولوجيا اليوم والغد، وبما يفي بحاجات وتطلعات الإنسان؟؟

    العلاقة بين العلم والدين :

    إن المعارف تعبر عن نفسها بصور عديدة، يمكن اختصارها في نوعين: العلم المادي (العلوم التجريبية)، والعلم الروحي (الأديان).. الشكلان من المعرفة لم ينشآ ويتطورا إلا لخدمة الإنسان بجعله أكثر تواؤما وانسجاما مع بيئته.. الإنسان الأول واجهته بيئته بقوى متنوعة، بعضها استطاع تحديه ومناجزته بحيلة وتطوير آلاته وباكتشافاته، وبعضها أخافته واسترهبته فتزلف إليها بإظهار الخشوع وتقديم القرابين.. فأما آلاته واكتشافاته فكانت نواة العلم المادي، وأما خشوعه وقرابينه فقادت لنشوء الأديان.. وبالعلم المادي تعامل مع ظواهر بيئته، وبالعلم الروحي حاول استكشاف حقيقتها وأهدافها..

    على مدى تاريخ البشرية الطويل، ظل فرعا المعرفة (المادي والروحي) يتطوران ويتعمقان معا، على اختلاف في الدرجة.. وقد مرت على التاريخ فترات تزدهر فيها الاكتشافات وضروب الاختراعات المادية، وتتخلف الأخلاق والقيم.. ثم تنبعث ثورة دينية، أو رسالة سماوية، فيسمو ميزان القيم، ويظل تقدم العلوم المادي وئيدا.. ومرة أخرى تبرز حضارة مادية، ثم قفزة روحية، وهكذا سير الله البشرية.. آخر الطفرات الروحية الكبيرة تمثلت في ظهور الإسلام، إذ رفع قامة روحية شامخة في القرن السابع ظلت هي الرائدة على هذا الكوكب.. ثم وبتدريج بطيء انحسرت القمة لتتيح الفرصة لنهضة مادية.. غني عن القول أن آخر قمة مادية هي تكنولوجيا القرن العشرين العملاقة التي ما سبق العالم بمثلها.. هذه النهضة المادية تسلمت القيادة من الكنيسة في أوربا المظلمة في القرن السادس عشر، حين تصدت الكنيسة للمخترعين والمكتشفين وحاربتهم.. العلم المادي التجريبي نما بسرعة مذهلة في القرنين الأخيرين، مستقلا عن الدين، بل وفي عداء سافر معه، حتى بلغ عصر الذرة والفضاء والكمبيوتر.. وباستقراء بسيط، يمكن القول إن البشرية توشك أن تستقبل قفزة روحية كبرى توازي هذا التطور التكنولوجي الراهن..

    يكاد يستحيل على إنسان القرن العشرين أن يعيش بمعزل عن التكنولوجيا المعاصرة، فهي في الغذاء والكساء والدواء.. وإن كان هذا يحتاج إلى إثبات، فليكن الواقع المعاش، فالمظهر الخارجي لكل فرد يحكي بلسان بليغ تقارب أصقاع هذا العالم وتوحده.. الفرد تجده يرتدي قميصا صنع في الصين، وبنطالا أمريكيا، وحذا من صنع إيطاليا، وجوربا من البرازيل، وساعة يابانية، إلى آخر الملبوسات، هذا إذا لم نتابع حقيبته ومحتوياتها ثم مقتنيات بيته ووسائل انتقاله وطبيعة عمله.. ومن جهة أخرى، فإن وحدة وسائل المعيشة وسرعة الاتصال قاربت بين أساليب الحياة منعكسة على المناهج، والشهادات التعليمية والبرامج الثقافية وقوانين المال والأمن وأساليب الخدمات والصناعات، وأصبح العالم يتابع أحداث أجزائه بانتظام ودقة، وبإحساس عميق وتعاطف صادق..

    هذا، في الوقت الذي اضطربت فيه القيم لدى المتدينين، كما أشارت بهذا الأحاديث النبوية التي سقناها آنفا.. النبوءة التي تقرر انقسام المسلمين إلى ثلاث وسبعين فرقة، كما انقسمت اليهود والنصارى قبلهم، وأن واحدة فقط هي الناجية، تنطبق على صراع الفرق والأشياع اليوم.. الحروب العديدة النشطة هذه إلا إن هي إلا تعبير عن الاضطراب والصراع الذي تعيشه الشعوب.. ومن جهة أخرى، فهذه الشعوب، لا تتحمل الحروب لأنها إن تحدت بعضها، ستستعمل السلاح الذري والنووي الذي لن يبقي على بشر أو شجر..

    فالأسرة البشرية (كما استحسنت كثير من الدوائر الإعلامية على تسميتها) اليوم، لذلك السبب، ولتوحد بيئتها كما قررنا سابقا، في أشد الحاجة للسلام والتعاون والقيم والفضيلة، ولعل خير استشهاد على هذا، ما ورد في تقرير المؤتمر العالمي للتنمية والبيئة (World Commission on Environment and Development, 1987):
    ( في منتصف القرن العشرين شاهدنا كوكبنا كاملا من الفضاء لأول مرة في التاريخ.. ومن الفضاء، يبدو صغيرا، هشا، مهدد البقاء، ليس بالأحياء داخله فحسب، بل بشبكة عملاقة من السحب والمحيطات والبقع السوداء والخضراء والصفراء.. ويبدو أنه من البديهي أن فشل البشرية في مواءمة أفعالها مع ذلك النظام يهدد بانقراضه.. وإرهاصات عدم المواءمة قد ظهرت في المجاعات والزلازل والفيضانات، هذا الواقع الجديد الذي لا مفر منه، يجب مواجهته.. من الفضاء يبدو واضحا أن صحة الكوكب لا تكون إلا بصحة أجزائه كلها، ويبدو أن علينا أن نغير كثيرا من سلوكنا البشري لينسجم مع قوانين الطبيعة.. وفي هذا قد يسعفنا ميراثنا الحضاري والروحي فيقارب بين احتياجاتنا، ويوجه أنماط معيشتنا) (ص:10)..

    الإنسانية اليوم تصرخ بكل ألسنتها تستنجد بالوجود الروحي ليكسب الحياة المادية المعنى والمذاق المفقودين.. وميراثنا الحضاري والروحي، على حد تعبير تقرير المؤتمر السابق، غني وواعد.. المسلمون ينتظرون "المهدي المنتظر" الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، أو "الإمام الغائب" كما يسميه الشيعة، أو "القوس الأعظم" أو "الختم" كما جرى على ألسنة المتصوفة، وقد قال أحدهم:
    لــنا دولة في آخر الدهـر تظهـر *** تظهـــر مثل الشمــس لا تـتـســتـر
    فــمـن كان منا أو يقـول بقــولنا *** فبشره في الدنيا وفي الأخرى يبشر
    وإنــا لنكـاد من فرط قـربــهــــا *** نســمـــع وقــع أقــــدام رمــيــهــا

    وأما المسيحيون فهم منتظرون، وتطالعنا الأخبار كثيرا هذه الأيام بمجموعات منهم قد باعت ممتلكاتها لوثوقها من حضوره، هو في فهمهم "المسيح" عائد.. اليهود أيضا ينتظرون قدوم "المسيح" حيث ورد مجيئه في كتبهم، ولم يتقبلوا عيسى، عليه السلام.. ثم أن فكرة "المخلص" الذي يفك أسر المعاناة عن الشعوب وينشر المحبة والسلام موجودة في الهندوكية والبوذية والكنفوشية، ويكاد لا يخلو منها دين من الأديان، سماوية كانت أم أرضية.. بل إن اللادينين يحلمون بالسلام والحرية والحب، والمجتمع الفاضل، عديم الطبقات.

    أليس الهدف واضحا بعد، الدين والعلم أيضا يتقاربان، بعد العداء المستحكم.. قلنا أن نظريان آينشتاين انبنى عليها علم الذرة والفضاء وتكنولوجيا اليوم.. ما لم نقله هناك، هو أنها أشعرتنا بالخلل الكبير في ميزان القيم والأخلاق ومعنى الحياة والوجود.. أهم من هذا، أفكار آينشتاين وضعت فلسفة معرفتنا على أعتاب العلم الروحي، الذي ظل عدوا للعلوم التجريبية لزمن طويل.. فإلى جانب نصيب آينشتاين العظيم في تطور العلم التجريبي، سيكون أيضا من نصيبه أنه الأول الذي استشعر الصلة الوثيقة بين العلم المادي والروحي واستطاع بوسائل العلم المادي تلمس السمات الأولية للعلم الروحي.

    أول هذه السمات، هي وحدة التكوين، آينشتاين رد كل أشكال الوجود إلى مصدر واحد في أصل تكوينها، وهو ما ورد بالتحديد في نظرية الحقل الواحد.. يقول آينشتاين: (إن روح العالم النظري لا تحتمل أن يكون في الوجود شكلان للقوة لا يلتقيان) (طه،1977: ص:7).

    السمة الثانية هي وحدة الفعل، إذ أن ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء والعكس صحيح.. وقد عبر بقوله إنه لو تمكنا من معرفة كل الحقيقة المودعة في جرام واحد من الفحم، لأمكن معرفة أسرار الكون كلها (Feuer, 1982).

    ثالثا: إن وحدة التكوين ووحدة الفعل إنما هي إشارة لمكون وفاعل فوق الوجود المادي.. وقد عبر عن هذا بقوله: (قوانين الطبيعة من الدقة والانسجام بحيث إننا يمكن أن نقول بأن هنالك ذكاء مقدسا هو الذي صاغها، ليس فقط لأن القوانين متناسقة ومنسجمة عبر المكان والزمان، ولكن لأنها تؤلف بساطة وجمالا ينطق عن الفكر الإلهي).. (ترجمة عن Feuer, 1982 ص:21).

    رابعا: لتوسيع معرفتنا بالكون، لا بد من الاستعانة بوسائل استقراء بعيد، خارج نطاق ما تعطيه بداهة الحواس الخمس.. على لسانه، ورد: (إن الاعتقاد بوجود عالم خارجي مستقل عن الأفراد الذين يفكرون فيه، قد صار الأساس الذي بنيت عليه العلوم الطبيعية كلها.. ولكن وبما أن الإحساس الخارجي يدلي بمعلومات تخص فقط هذا العالم الخارجي، "الفيزيائي المحسوس"، فلن نستطيع تمديد معرفتنا إلا بوسائل استقراء بعيد.. يتبع لهذا، أن أفكارنا عن الحقائق الفيزيائية نفسها لن تكون نهائية وقاطعة، ولذا فلا بد أن نكون دائما على استعداد لتغيير أفكارنا تلك: أو البنية المبدئية للفيزياء، وذلك كي نكون أكثر دقة وعدلا تجاه ما نتصوره فهما صحيحا ومنضبطا منطقيا) (مترجمة عن Peacocke, 1980 ص:83).

    تخطيه للحواس الخمس هذا، أو المنهج الإيجابي للعلوم، تعدى به محيطه الفردي وصار وسيلة مطروحة للعلم كافة.. شهد بهذا راسل فينزل بقوله: (النظرية النسبية قد حررت تفكيرنا وجعلته غنيا بأن أبرزت، بشكل ملموس، أن قدرتنا الذهنية لاستقاء المعلومات تحصل مستويات أكبر من المعرفة من مقدرتنا الحسية في الإدراك) (ترجمة: Peacocke, 1980 ص:82).

    أيضا آينشتاين استشعر أن حافز الباحث، في تلك المستويات من المعرفة، ليس ماديا، وإنما هو حافز روحي.. وهو مخالف لنهج العلوم التجريبية من أن الباحث لا بد أن يبعد حسه وذاته عما يقول أو يثبت.. الحافز الروحي يفترع طريقا جديدا للمعرفة ويقرر أنه ليتمكن الباحث من سبر غور المعارف، لا بد أن يكون صاحب تجربة وتذوق روحي.. يقول: (إن الشعور الديني الذي يستشعره الباحث في الكون، هو أقوى حافز على البحث العلمي وأنبل حافز).

    وأخيرا، فإن المعرفة ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لغاية وراءها، أكبر منها، قال آينشتاين: (إن أعظم جائشة من جائشات النفس وأجملها تلك التي تستشعرها النفس عند الوقوف في روعة أمام هذا الخفاء الكوني، والإظلام، إن الذي لا تجيش نفسه لهذا ولا تتحرك عاطفته حي كميت، إنه خفاء لا نستطيع أن نشق حجبه، وإظلام لا نستطيع أن نطلع فجره، ومع هذا نحن ندرك ان وراءه شيئا هو الحكمة، أحكم ما تكون، ونحس أن وراءه شيئا هو الجمال، أجمل ما يكون، وهي حكمة، وهو جمال لا تستطيع أن تدركهما عقولنا القاصرة إلا في صور لهما بدائية أولية، وهذا الإدراك للحكمة، وهذا الإحساس بالجمال، في روعة ، هو جوهر التعبد عند الخلائق).. وهو أيضا القائل: (إن ديني هو إعجابي، في تواضع، بتلك الروح السامية التي لا حدود لها، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة العاجزة، وهو إيماني العاطفي العميق بوجود قدرة عاقلة مهيمنة، تتراءى حيثما نظرنا في الكون المعجز للأفهام، إن هذا الإيمان يؤلف عندي معنى الله).. (أنظر طه،1977- ص:7)..

    نحن هنا نستشهد بأقوال آينشتاين لأنه أكبر رموز عصر الفضاء والذرة الذي نعيش تحت ظل إنجازاته، ولأنه سعى بوسيلة العلم المادي حتى وصل إلى تلك النتائج.. وعلى الرغم من الأهمية القصوى لما ذهب إليه، فأقواله في العلم الروحي لم تتعد الشعور، مثل قوله: (وهو إيماني العاطفي العميق).. فهو لم يخرج مثلا نظرية أو يقدم رأيا عن كنه الطاقة وكنه الوجود، على حين أنه واضع النظريات الأساسية ومؤلف أهم المعادلات والقوانين التي تحكم حركة وسريان أشكال الطاقة.. آينشتاين وقف على أعتاب العلم الروحي بعد أن وصل إلى نهايات العلم المادي، إن كان يمكن أن نقول بنهاية.. وقد أثبتت تجارب انفلاق الذرة والاستخدامات الإلكترونية صحة كل ما ذهب إليه من نظريات، ولكنها وفي الحين ذاته زادت الحيرة في معرفة كنه الطاقة وأسرارها، فقد أحدثت الذرة، لدى انفلاقها، طاقة عملاقة تشد وتجذب في الفضاء..

    فلسفة المعرفة في القرآن :

    القرآن إذا أحسن فهمه يفك الحيرة ويبين الأشياء، وبالعلم الصراح يقود للسعادة والهناء.. (ونزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) "النحل: 89".. (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) "الأنعام: 114"..

    إن تلك الطاقة، التي هي صورة مفككة للمادة ما هي في حقيقة تركيبها إلا روح.. والروح إن هي إلا وجود ذكائي.. فكان البيئة في كلياتها وجود دائب الحركة محشود القوة واضح الهدف.. (وترى الجبال تحسبها جامدة، وهي تمر مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء، إنه خبير بما تفعلون) "النحل: 88" الروح هي أمر الله تجسد في الأشكال لدينا، (ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) "الإسراء: 85".. وأمر الله هي قدرته، (وكان أمر الله قدرا مقدورا) "الأحزاب: 38".. والعبارة (قدرا مقدورا) تعبر عن أن الروح التي هي نفسها قدرة الله، قد تنزلت لعالم الأجساد لتعرف.. تقيدت بالزمان والمكان وتلبست بالأسباب والمظاهر المحسوسة التي نسميها قوانين الطبيعة والكيمياء والأحياء..

    الفرق بين الوجود الذكائي وغيره أن الوجود الذكائي عالم بغاياته، ملم باتجاهات مسيره (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) "الدخان: 38" وهو إلى ذلك موزون الحركة ومقدر الكميات ومحدد الأوقات بدقة متناهية: (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما، إلا بالحق، وأجل مسمى، وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون) "الروم: 8".

    والخلق كله بأشكاله المتنوعة وحدة واحدة، ذات شكل هرمي، قاعدته مادة، وقمته روح.. والاختلاف بين القاعدة والقمة هو اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع.. فاختلاف النوع لا وجود له في الكون، إنما هي الوحدة التي تنتظم الأحياء والأشياء، هو اختلاف بين كثيف في القاعدة ولطيف في القمة.. والقاعدة باستمرار تنشد الأكمل تجاه القمة، القمة متحركة نحو الأكمل، مطلق الكمال وهكذا. (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.. إنه كان حليما غفورا) "الإسراء: 44".. والتسبيح هو التحرك والتصرف تجاه الكمال، وهو الله.

    الفرق بين تسبيح الجماد والنبات والحيوان والإنسان، هو فرق بين تسبيح في القاعدة، وتسبيح في القمة، (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض، والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون) "النور: 41".. وفي حين أن تسبيح المخلوقات ما دون الإنسان هو تسبيح قهري فتسبيح الإنسان قد دخل فيه العقل ومطلوب منه استخدامه ليصاقب الإرادة الإلهية.. وعن دين المخلوقات يقول القرآن: (أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) "آل عمران: 83"..

    أما عن دين العقول فتحكي الآية: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب) "الزمر:9".. والفروقات بين القاعدة والقمة تستمر باتساق في اتجاه رأس الهرم، (وفوق كل ذي علم عليم) "يوسف: 76". إلى أن نصل إلى قمة الهرم، إلى الحقيقة الإلهية التي هي حقيقة كل البناء الهرمي (فسبحان الذي بيده ملكوت كل سيء، وإليه ترجعون) "يس: 83"..

    وعلاقة الإنسان بالكون هي علاقة قديمة، الفرد نفسه هو صورة مصغرة من الحقيقة الكونية.. وقصة خلق الكون، كما يحكيها القرآن، إن هي إلا قصة خلق الإنسان.. وهي في مجملها صدور من الله ثم رجوع إليه تحكيها الآيات: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.. ثم رددناه أسفل سافلين.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون) "التين: 4-6"..

    لقد كان الإنسان في البداية في عالم الروح، على قدر كبير من الكمال (في أحسن تقويم)، ثم بعد ارتكابه للخطيئة رد لأبسط صورة في الخلق (أسفل سافلين)، ثم أتيحت له الفرصة ليعود إلى حيث صدر وذلك بالتسبيح والسعي نحو الكمال والعمل الصالح (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)..

    أبسط صورة للخلق هي المادة، فهي كثيفة في مقابل لطافة الروح.. أما أبسط صورة للمادة فهي، كما تحدثنا العلوم، الذرة ذات الإلكترون الواحد والبروتون الواحد، ذرة غاز الهيدروجين.. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الشأن، أن أكثر المفكرين في مسائل ما قبل التطور يتفقون أن الحياة ظهرت لأول مرة على الأرض منذ حوالي بليونين من السنين، عندما كان الجو تغلب عليه مركبات الهيدروجين (Caver,1958)، ومن الهيدروجين إطرد التطور بظهور تركيبات تغلب عليها الغازات، (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين) "فصلت: 11"..

    وهذا قد يعضد نظريات بدء الكون التي حاول أن يستقصيها علماء الفلك والفضاء بقولهم أن كتلة الغازات الملتهبة، ذات الثقل النوعي العالي جدا، ما لبثت أن انشطرت لملايين المجاميع النجمية (المجرات)، وذلك بفعل الدوران والجاذبية.. القرآن يقول: (أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون) "الأنبياء: 30".. (وجعلنا من الماء كل شيء حي) تؤرخ بداية الطفرة التي أبرزت المادة العضوية من غير العضوية.. الحياة كلها إذن، من شجر وحيوان وإنسان، كانت كامنة في داخل ذلك الوجود اللاعضوي وكلها نواة الإنسان في مراحل الرجوع من أسفل سافلين إلى كمالاته، وهذا مجمل العبارة (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) "المؤمنون: 12".. وبداية النشأة العضوية أيضا مجال لنظريات عديدة في البيولوجيا، بل لقد ذهب بعضهم لإثبات إمكانية بروز حياة أميبية في جو من الماء والطين بالتجارب المعملية..

    وظل تطور هذه النشأة يطرد نحو الأفضل، نحو الكمال، نحو الله.. والتطور بهذا المعنى الكبير مر بأطوار يخطئها الحصر كيفا ونوعا، (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) "الإنسان: 1".. واضح أن عبارة (حين من الدهر) تعني زمانا سحيقا، وعبارة (لم يكن شيئا مذكورا) تعني أنه كان شيئا، إلا أنه كان تافها، وغير مكلف وليس بشرا سويا.. ثم وبقانون التسبيح والسعي الجبري نحو الكمال (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) "الرعد: 15"، تعقدت الحياة الحيوانية والنباتية وتطورت.. الخوف من الألم ورجاء اللذة هو قانون الحياة.. وقد كان الخوف الرهيب المتراكم من تغيرات البيئة والمهالك ورجاء السلامة والأمن والبقاء هو الذي حفز تكميل النقص وتعقد الوظائف الجسمية وهو المسئول عن بروز الحواس الواحدة تلو الأخرى.. فبعد أن قال: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)، واصل في الآية التالية ليقول: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا) "الإنسان: 2".. النطفة الأمشاج هي الماء المختلط بالطين، وهذا ما طوي في الآية سالفة الذكر (لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين).. الخوف الذي حفز الحياة في المراقي طوي في العبارة (نبتليه) والمراقي نفسها، أو توالي بروز الحواس، اختصرت في العبارة (فجعلناه سميعا بصيرا).. (لتعميق هذا الفهم واستقصاء أطرافه راجع: رسالة الصلاة—طه،1979)..

    الفرد البشري، في الرحم يحكي هذه الأطوار كلها، التي استغرقت آمادا سحيقة، في تسعة أشهر وبضعة أيام، (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين.. ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر.. فتبارك الله أحسن الخالقين) "المؤمنون: 12-14".. فهذه ست حركات يطوي فيها الكائن البشري، في رحم الأم جميع مراحل الحياة، منذ فجر الحياة من لدن الماء والطين، وفي الحركة السابعة (ثم أنشأناه خلقا آخر) يدخل الكائن البشري وهو في رحم الأم مرتبة البشرية فيخرج طفلا سويا.

    ليس الغرض من هذا الاستطراد هو القول بصحة الدارونية أو خطئها، ولا أن نقرر أن الإنسان قد انحدر عن قرد أو غيره، ولكن الغرض هو التأكيد على أن التطور إنما هو قانون الوجود (والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجليه، ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.. لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) "النور: 63-64".. والإشارة اللطيفة: (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) واضحة الدلالة على استخلاص الإنسان من عامة الدواب المصنفة في الآية.. ثم أن رأي القرآن في التطور شديد الصراحة: (ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا.. ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا، والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا، والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا) "نوح: 13-20".. في هذه الآيات يرد أصل تكوين الإنسان لأبعد من حيوان الخلية، وعلى الأقل فهو يرد حياة الإنسان إلى الخلايا التي تشترك فيها مملكتا النبات والحيوان، (والله أنبتكم من الأرض نباتا).. والتطور في القرآن أمعن وآصل بكثير من الدارونية في التطور، (ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا).. وما الحياة في سياق القرآن، إلا مرحلة واحدة من مراحل هذا السير الأبدي السرمدي.. وهي مرحلة لا تختلف عما قبلها وما بعدها اختلاف نوع وإنما اختلاف مقدار.

    أهمية فكرة التطور تأتي من أنها تضع الإنسان في مكانه في أعلى الهرم وهو موضع التكليف ومركز التشريف، (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) "الكهف: 54" والقرآن كله يكاد لا يتعدى تبيين دور الإنسان في الكون.. المخلوقات كلها مسخرة لخدمته، (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) "لقمان: 20".. والقرآن يخاطب الأفراد كغاية في أنفسهم لا كوسيلة لما عداهم ، ويرسم صور العبادات والمعاملات كافة كي يحقق الأفراد كمالاتهم وذلك بالتخلص من الخوف المكتسب عبر الحياة منذ نعومة الطفولة، ثم بعدها بالتخلص من الخوف الموروث عبر الصراع الطويل منذ بدء الخليقة ليكون للأفراد شرف اللقاء بحقيقتهم، بالحقيقة الإلهية التي هي غاية الغايات، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) "الانشقاق: 6".

    إذا فهم هذا الدور وهو غرض الأديان والرسالات السماوية قاطبة، وهو مهمة الخلق ومآله، فيمكن التعرف على فلسفة المعرفة التي تضع كل الأعمال والإنجازات والخطط والسياسات في سبيل تحقيق فرديات الأفراد.. وهذا ما تعبر عنه الآية: (وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى) "الضحى: 3-4".

    تطبيقات عملية :

    إذا عرفت البيئة بأنها روح وأن أشكال المادة هي فقط القشرة، فسينتهي القلق في علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع على مصير الإنسان في مواجهة موارده التي يعتقد أنها ستنفد.. لا مجال لنفاد المادة ما دامت روحا، لأن مكوناتها موجودة على الدوام ولكن في صور غير معروفة.. ولن نعرفها كموارد ولن نستطيع استخدامها إلا حينما تبرز لنا.. وهي لا تبرز لنا إلا وفق معايير دقيقة ومحددة الهدف.. يقول القرآن: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم) "الحجر: 21".. السبب في ندرة الغذاء أو نفاد بعض الموارد، إذن، إنما هو لتربيتنا (وما ننزله إلا بقدر معلوم).. ولعل هذا أكثر وضوحا في الآية: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء، إنه بعباده خبير بصير) "الشورى: 27"، والآية: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) "الأعراف: 96".. إذن لو حسنت تربيتنا ستكون النتيجة، (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما) "النساء: 147".. والقاعدة التربوية حددت: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم وإن كفرتم إن عذابي لشديد) "إبراهيم: 7" (أنظر الدين والتنمية الاجتماعية – طه، 1974).

    إذن فالمعرفة بأصل البيئة ستؤدي إلى ثورة في العلوم كلها.. العلوم التجريبية الحاضرة، على اختلاف مجالاتها وتعدد تخصصاتها، هي علوم ظاهر.. بمعنى أنها متقيدة بمعطيات الحواس الخمس ولا تأخذ إلا بالدليل العلمي التجريبي.. حتى العلوم الإنسانية والنظرية الأخرى هي علوم ظاهر، لأنها تطالب بالدليل العملي الكمي، وباختصار، فباستثناء ما تتضمنه بعض الأفكار والفلسفات، غير المثبتة تجريبيا، والتي تسمى فروضا أو نظريات، والتي ربما تكون صحيحة أو خاطئة، فإن كل معرفتنا هي في مجملها علوم ظاهر.. ولقد تعرض القرآن لعلم الظاهر هذه قائلا: (وعد الله، لا يخلف الله وعدا ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) "الروم: 6-7".. وصفهم بأنهم (لا يعلمون) ثم أعقب بقوله (يعلمون ظاهرا)، هذا الظاهر إنما هو المادة التي تدركها حواسنا.. إذا كان علم الظاهر يهتم بالأجسام وحركتها فعلم الباطن هو العلم الروحي الذي يتوج الأجسام بالقيمة، بالحياة العليا.. المعرفة بظواهر الكون لا تعادي العلم ببواطنها، بل ترشد إليه، إذا أخذت المعرفة بالمنهاج الصحيح، بالتقوى (سنريهم آياتنا، في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) "فصلت: 53".

    في العلم الروحي، التنمية لن تعني بناء المصانع والكباري والمدارس...الخ، وإنما سيكون هذا فقط الهيكل الخارجي الذي سيمتلئ بالتنمية الحقيقية وهي بناء الإنسان وإبراز ملكاته ومقدراته التي لا حد لها على الإطلاق، لأن دعوة الله للناس أن ينفتحوا على الكمالات الإلهية، (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) "آل عمران: 79".. التنمية على هذا النسق، سيعاد بناؤها لتواكب الغايات العليا على هدي الحديث النبوي: (الدنيا مطية الآخرة).. لا شك أن صناعات عديدة، كالصناعات المرتبطة بالاتجاهات السلوكية الخاطئة، والمرتبطة القتل والجريمة والدمار، ستكون عديمة النفع وتنقرض.. وفي المقابل ستبرز صناعات جديدة مواكبة لترقية السلوك البشري ومعبرة عن ملكات الفن والإبداع المرهف الذي هو سمة المجتمع اللطيف في دولة العدل والسلام والنماء التي بشر بها الحديث النبوي (لو لم يبق من عمر الدنيا إلا ساعة لمد الله في عمرها حتى يبعث فيهم رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا)..

    التعليم في العلم الروحي سيكون ذاتيا وغاية كل فرد، فالكون موروث لدى كل فرد بمعارفه كلها، والتعلم إنما يتم بالكشف المتأني لذلك الموروث الداخلي، (واتقوا الله، ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم) "البقرة: 282" ثم الحديث النبوي يقول: (من علم بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم).. التعليم إذن ليس مهمة بعض العلماء فقط كما في العلم المادي وإنما كل في مجاله، يعلم نفسه بنفسه، فيما يحتاجه لمواجهة ما حوله، بإتباع نموذج تعبدي مفصل على طاقة الجسم الروحية، وهو المنهاج النبوي (أنظر: طريق محمد—طه،1974): (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني، يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم) "آل عمران: 31".

    خلاصة :

    لقد عرضنا فقط لمحات عن فلسفة المعرفة في القرآن، وهي ما تسمح به هذه الصفحات القليلة.. وإن كان هنالك سبيل للإسهاب فالقرآن كله يحكي هذه الفلسفة ويدلل عليها.. ثم أعقبناها بإشارات مقتضبة لميادين تطبيق فلسفة المعرفة تلك، وهي الأخرى لا تحصى لأن ميادين الحياة غير محدودة.. وهذه الشذرات مجتمعة مأخوذة عن الفهم العام لمؤلفات الأستاذ محمود محمد طه الذي كتب أكثر من ثلاثين كتابا في المعرفة الروحية وتطبيقاتها في الاقتصاد، وفي السياسة، والتنمية، والفنون، وضروب الحياة كلها.

    القرآن يحوي علوم الأولين والآخرين ولا تنقضي عجائبه وأخباره، ولكننا لا نفهم ذلك للوهلة الأولى، إذ يحتاج لمنهج عملي لإحيائه في الصدور.. القرآن ليس علم ظاهر، ولذلك فليس هو في ظاهر الألفاظ مما تعطي بداهة اللغة، وإنما هو كما تعبر عنه الآية: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتو العلم) "التوبة: 49".. قال: (في صدور الذين أوتو العلم) أي أنه يتطلب الفهم والتطبيق بالعمل: (واتقوا الله ويعلمكم الله)..

    المسلمون في حاجة لمعرفة حقيقة رسالتهم، لئلا ينطبق عليهم القول: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل أسفارا، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، والله لا يهدي القوم الظالمين) "الجمعة: 5".. أكثر ما يهزم المسلمين ظنهم بأنهم يعرفون الإسلام حق المعرفة، وأنه قد تم تفصيله وشرحه ولذلك فقد أودعوه المجلدات الضخمة من التفسير والفقه والحديث والسيرة.

    وحقيقة أخرى، هي أننا قد ورثنا الدين أبا عن جد، فالمسلمون عبر العالم الإسلامي إنما هم كذلك بحكم مولدهم، كما هو حال بقية الأديان، وحتى عند الملل والطوائف، إن هي إلا الوراثة.. وهكذا صار الدين ملك الماضي، في الميراث وفي التراث، ولا سبيل أن يفهم المسلم العادي فهما غير ما ورد عند المفسرين الأوائل، وإلا فسيتهم بأشنع التهم.. هذا، في حين أن المفسرين الأوائل هؤلاء، إنما كانوا مجتهدين أمثالنا فأنتجوا تفاسير من القرآن تفي بحاجات عصرهم.

    إسلامية المعرفة لن تتأتى بالعاطفة الموروثة والتعنت الأعمى، وإنما هي مطلب عزيز لا يتحقق إلا بالفكر الحصيف، الحاذق، المؤدب بالأدب النبوي.. الفكر قد شرف في الإسلام وجعل مدار التكليف، وقد أرسل الرسل وأنزلت الكتب لهذه الغاية: (بالبينات والزبر، وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون) "النحل: 44".. (الذكر) هو القرآن، نزل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليبين لنا ما تطيقه قدراتنا، والغرض كله التفكر (ولعلهم يتفكرون).. المطلوب من كل مسلم أن يتفكر، لا أن تكون فقط مهمة المفسرين القدامى، (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) "الحشر: 21".. والآيات التي تدعو للتفكر كثيرة جدا، نورد شيئا منها للتمثيل.. (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) "الزمر: 39".. (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن الثمرات إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) "النحل: 11".. (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) "الأعراف: 176".. (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) "يونس: 24".

    الفكر في العمل وفي العبادة هي سنة النبي الكريم التي اندثرت اليوم، وهي ستعود بالبشارة النبوية: (بدا الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء)، قالوا: (من الغرباء يا رسول الله؟) قال: (الذين يحيون سنتي بعد اندثارها).. ولتشريف الفكر، فلدينا من التبرير ما يكفي لأن نقول أن قراءة هذا المقال وحده، وتفكر آياته ومعانيه بروية وأناة يمكن أن تكون أفضل من حياة كاملة لشيخ ذي سبعين قضاها كلها في الصلاة والصيام وإقامة العبادات، أليست هي قولة النبي الكريم: (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة).

    المراجع العربية :

    • القرآن الكريم: كل الآيات المستشهد بها موردة بأرقامها في السور التي وردت بها.
    • المعهد العالمي للفكر الإسلامي (1981): إسلامية المعرفة: المبادئ العامة، خطة العمل، الإنجازات. واشنطن.
    • محمد عمر بشير (1960): التعليم في السودان، دار النشر، الخرطوم.
    • محمود محمد طه (1974): الدين والتنمية الاجتماعية، الطبعة الأولى، دار الطابع العربي، الخرطوم.
    • محمود محمد طه (1974): طريق محمد، الطبعة السادسة، الأخوان الجمهوريين، أمدرمان.
    • محمود محمد طه (1977): الإسلام، الطبعة الثالثة، الأخوان الجمهوريين، أمدرمان.
    • محمود محمد طه (1979): رسالة الصلاة، الطبعة السابعة، الأخوان الجمهوريين، أمدرمان.
    • محمود محمد طه (1986): الرسالة الثانية من الإسلام، الطبعة السادسة، الأخوان الجمهوريين، أمدرمان.
    • ميشيل ويلسون وآخرون (1971): الطاقة (الايف) المكتبة العلمية، ترجمة مكرم عطية، دار الترجمة والنشر لشئون البترول، بيروت.

    المراجع الإنجليزية:

    • Brewer, A. (1986). Marxist theories of imperialism: A critical survey. London and New York: Routledge Kegau Paul.
    • Calven, M. (1958). “Evolution before life”, in Time: 17, November 1958.
    • Cawkell, T., Garfield, E., Dirac, P., Hiley, B. and Blanpied, W. (1980) “The impact of Science” In M. Goldsmith and J. Woudhuyseu (Eds.) Einstein the first hundred years (P. 31-63). Oxford: Pergamon press.
    • Feyer, L.S. (1982). Einstien and the generation of science. New Brunswick: Transaction.
    • Goldsmith, M. Mackay, A. and Woudhuysen, J. (Eds.) (1980). Einstein the first hundred years (P. 31-63). Oxford: Pergamon press.
    • Peacocke, A.R. and Barthers, R. (1980). “The impact of society”. In M. Goldsmith and J. Woudhuyseu (Eds.) Einstein the first hundred years (P. 73-98). Oxford: Pergamon press.
    • Rodney, W. (1972). How Europe underdeveloped Africa. Washington D.C. Howard University Press.
                  

02-01-2015, 11:27 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    شكرا يا دكتور مصطفى
    متابعون
                  

02-01-2015, 07:13 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: عبدالله عثمان)

    شكرا عبدالله...
                  

02-02-2015, 10:47 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    @@@
                  

02-02-2015, 10:48 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    @@@
                  

02-02-2015, 11:54 PM

Khalid Elmahdi
<aKhalid Elmahdi
تاريخ التسجيل: 08-20-2012
مجموع المشاركات: 609

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    سلمت، وأكرمت على هذا الاثراء..
                  

02-03-2015, 04:50 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: Khalid Elmahdi)
                  

02-04-2015, 06:19 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    11:19 م Feb 4,2015
    سودانيز أون لاين
    مصطفى الجيلي
    مونتري كاليفورنيا
    مكتبتي في سودانيزاونلاين


    محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية اليوم كما نعايشها في تجربة حكومة الأخوان المسلمين في السودان وكما نراها في فظائع حكومة طالبان أو حكومة الصومال الإسلامية كما سميت أو حتى صور الملك في السعودية أو حكومة إيران الإسلامية كما نتابع في أقوال وأفعال أئمة إيران..... هل مثل هذه الحكومات هي الكلمة الأخيرة للدين الاسلامي؟؟ هل هذه قصارى ما يريده لنا الإسلام؟؟ أم أن الاسلام بريء من هذه الأنظمة؟؟

    وإن كان بريء من كل هذه الأنطمة فلماذا لم نر صورة حية ومقنعة للإنسان المعاصر عن تطبيق الشريعة.. أم أن الإسلام والقرآن عنده لنا أكبر من ذلك وإنما عقولنا هي المتحجرة والقاصرة عن أن ترى الحقائق..

    في السعي لإعمال الفكر ولمحاولة الإجابة على السؤال لن يضير أن نسمع هذا المقطع ...

                  

02-05-2015, 05:59 PM

مصطفى الجيلي
<aمصطفى الجيلي
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إسلامية المعرفة: فكر أم عاطفة؟؟ (Re: مصطفى الجيلي)

    10:59 م Feb 5,2015
    سودانيز أون لاين
    مصطفى الجيلي - مونتري كاليفورنيا
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    الظاهرة الفريدة في كتابات وأقوال الأستاذ محمود هي هذا الانسجام والتماسك والنظر الثاقب للمستقبل، والذي يستوجب منا مراجعة كل مفاهيمنا وافكارنا.. كتب في أحد كتبه: (وهذه ظاهرة ملازمة "للدعوة الإسلامية الجديدة".. فإنها، لما كانت تستمد من نور التوحيد، لم يحدث فيها تعارض، ولا تناقض، وإنما هو الإتساق، والإنسجام، في ظل التوحيد الضابط، وتحت راية الوحدة المهيمنة.. وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس.. ("رسائل ومقالات الأول" 1973 : صفحة 5)..

    كنت أدرس بكلية التربية جامعة الخرطوم للعشر سنوات (1988-1998)، وطوال تلك السنوات كنت أدرس سنويا وبانتظام للطلاب المتخرجين مادة باسم (التنمية الإقتصادية في السودان).. وكان من ضمن محتوياتها فصل عن "دور المرأة في التنمية" وكنت أحرص على أن يكون الطلاب هم من يجمعون البيانات ويحللونها ثم يقدمونها لزملائهم في الصف.. وكان كل ذلك يفتح حوارات غنية وذكية وممتعة ومفيدة لهم، ولي ايضا.. كنت أستمتع وأستفيد من نقاشات الطلاب... وكان مما يدهشني أن كتير من بناتنا الطالبات، يؤمن ويؤكدن على أن المرأة "إن بقت فاس، ما بتشق الراس".. يغلقن عقولهن أمام النصوص القرآنية التي تجعل الذكر يوازي اثنين من الإناث في الشهادة وفي الميراث، مثلا (للذكر مثل حظ الأنثيين).. ويرهبن أنفسهم بالأحاديث المأثورة، مثلا (النساء ناقصات عقل ودين)، هذا بينما هن ينافسن بكل جدارة زملائهن الطلاب في اي مجال من المجالات الفكرية والنظرية والعملية.. وما علموا أن القرآن يحتاج إلى فهمنا وليس فقط لاغلاق عقولنا تحت سطوة النصوص بحرفية متبلدة.. فنفس القرآن الذي يقول (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ..) يقول (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) ويقول مخاطبا الكافرين (لكم دينكم ولي دين) كأنما لكل حريته ولا دخل له بالآخر.. القرآن يحتاج للذهن المتفتح وللفكر وليس للتبلد والتعنت.. ولذلك قيل (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة..

    وقد كنت أقارن فهم أبنائنا وبناتنا الطلاب وهم الجيل الجديد وجيل المستقبل، بجيل الأستاذ محمود حيث هو جيل آبائنا، وهو يدعو لمساواة المرأة بالرجل أمام القانون، كما هي مساوية له أمام الله.. وهو لا يدعو لذلك كما يدعو المفكرون الحداثيون بمنطق الفلسفة واحتياجات العصر، وإنما بمنطق السنة واستنادا على نصوص القرآن وحياة وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.. حيث أن بالقرآن منهجين متميزين واضحين، وما فهم المستشرقون حينما قراوا المنهجين فقالوا أن القرآن متناقض!!

    عند الأستاذ محمود محمد طه الآية (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5) تصدق في حق النساء، حيث عبر التاريخ، كن ولا زلن، مستضعفات، لم يجدن التقدير الكافي الوافي الذي يستحققنه كأفراد مسئولات مسئولية مباشرة أمام الله وامام الناس، وذلك لملابسات التخلف والقصور في العهود التاريخية السابقة.. وقد انى لهذا الوضع أن يتغير بفضل الله وبفضل التقدم التكنولوجي، حيث برزت المرأة المتعلمة الطبيبة والمهندسة والقاضية والسياسية لا ينقصها ناقص عن مؤهلات رصيفها الرجل، وبرز الأفراد من رجل وامرأة لفردياتهم..

    قمت بصياغة مقطع الفيديو القصير أدناه لأستعرض – بمقتطفات مقتضبه جدا-- هذا الفهم الذي كتب في الخمسينات ويخاطب المستقبل..

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de