لقاء هام للدكتور" منصور خالد" في قناة العربية سيذاع قريباً ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 03:12 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-03-2014, 09:12 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لقاء هام للدكتور" منصور خالد" في قناة العربية سيذاع قريباً ...




    لقاء هام للدكتور منصور خالد في قناة العربية سيذاع قريباً

    قامت قناة العربية بتسجيل حلقات متعددة مع الدكتور منصور خالد ، فيها أسرار تذاع لأول مرة ، وهي تكشف الكثير عن اتفاق مشاكوس – نيفاشا ، وسوف تذيعه القناة في الأيام القادمة ، وفق برمجة القناة .
    بالنسبة للذين يعنيهم التاريخ والتوثيق ، فلينتظروا ..
    *
    الدكتور منصور خالد ، مؤسسة توثيقية كاملة ، لمرحلة توثق لأيام الاستقلال الأولى ، عبر ما يطلق عليها بنظم الحكم الوطنية . ونحن عشنا حياة كل توثيقها شفهي ، اصحاب التعليم والثقافة وعلماء الاجتماع والاقتصاد بَخلوا علينا بالنصوص المكتوبة ، والإصدارات . فكان تاريخنا المعاصر منذ الاستقلال ، عرضة للضياع أو للنحل وفق الأهواء .
    قليل منا من كتب أو وثق ، ولما نزل نعتمد على إصدارات الإنكليز وأسفارهم ، ومخطوطاتهم عن حياة آبائنا ، رغم الضباب الثقافي حول تفاصيل حيوات أهلنا . وبقيت لنا تخمة من الحياة التي طُمرت في الصدور ، وذهب كثير منها إلى القبور .
    ما يميز الدكتور منصور خالد أن تجربته أكثر رسوخاً من تجارب كثير من عمالقة الصحافة والتحرير ، فالدكتور منصور ، يعتمد على التوثيق الدقيق ، ويراجع أكثر من مرجع ليستوثق من المعلومة ، وبهذا التصنيف فهو مؤسسة توثيقية مشهودة ، ليس في السودان فحسب ، بل في العالم الإفريقي . يتميز الدكتور منصور خالد على " محمد حسنين هيكل " ، أن الأخير تراخى في مسالة التدقيق على التوثيق ، وترك الأمر على شباب المؤسسة ، بل وهنالك خفايا لها علاقة بمصالح مصر العليا ، أو ما يسمى ( أمن مصر ) ، وهو ما يخول لأولي الأمر أن يصادروا حقائق تاريخية ، ويمسحونها من الوجود ، واختفاء " إسماعيل باشا " ابن محمد علي من الوثائق التاريخية في مصر ، لأكبر دليل على تطويع التاريخ لخدمة الأطماع السياسية والطموحات الدولية ، دون أن يرمش للمؤسسة التوثيقية المصرية جفن من تزوير التاريخ ، بل وصناعة تاريخ موازٍ ، يخدم المصالح ......

    *
                  

08-03-2014, 09:56 AM

سيف اليزل الماحي

تاريخ التسجيل: 12-26-2006
مجموع المشاركات: 2909

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    .


    أستاذنا عبد الله الشقليني
    كل عام وانت بخير

    الدكتور منصور شاهد عصر إستثنائي،
    نحن في إنتظار الإعلان عن موعد هذه الحلقات


    .
                  

08-03-2014, 10:36 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: سيف اليزل الماحي)

    Quote: أستاذنا عبد الله الشقليني
    كل عام وانت بخير

    الدكتور منصور شاهد عصر إستثنائي،
    نحن في إنتظار الإعلان عن موعد هذه الحلقات

    أخي الأكرم : الأستاذ / سيف اليزل الماحي

    لك شكري على مشاركتك القصيرة ولكنها ضافية ، عرفت من مصادر موثوقة أن هنالك أسرار يُدلي بها الدكتور منصور خالد
    لأول مرة ، لم ترد في لقاء أو كتاب من كتبه ...، وعرفت أن الدكتور منصور أن أصر على أن يكون النص في المقابلة كاملاً .

    والتحية للجميع

    *
                  

08-04-2014, 04:17 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    ولم نزل نترقب الحلقة
                  

08-04-2014, 01:41 PM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote: عرفت من مصادر موثوقة أن هنالك أسرار يُدلي بها الدكتور منصور خالد
    لأول مرة ، لم ترد في لقاء أو كتاب من كتبه ...، وعرفت أن الدكتور منصور أن أصر على أن يكون النص في المقابلة كاملاً .

    مرحباً الأستاذ الشقليني!
    وكل عام وأنتم بخير!

    منصور خالد لا يكاد يوجد مثله
    شخصية أخرى سودانية معاصرة،
    من حيث مكانتها الثقافية والسياسية!
    وسوف يكون الوطن كلّه سعيداً،
    لو أن منصور خالد قام بنقدٍ صريح
    لتجربته الذاتيّة!
    وعزم على أن يقول الحقّ كلّه،
    ولا شيء غير الحق!

    مترقبون!
                  

08-04-2014, 02:36 PM

شهاب الفاتح عثمان
<aشهاب الفاتح عثمان
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 11937

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: صلاح عباس فقير)


    في انتظار عطر الذاكرة والفكر
    تحياتي

    ______________________________________________________
    ليتهم يعلمون ان عمر اللحظـه في بعـدك يا خـرطـوم سنين طـوال
    د شهـاب الفاتح ـ كوالالمبـور
                  

08-26-2014, 12:18 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: شهاب الفاتح عثمان)

    أستاذ الشقليني .. تحياتي لك ولضيوفك الكرام،

    كما أشرت و الأخوة الكرام فإن الدكتور منصور خالد – متعه الله بالصحة والعافية - يعتبر من المفكرين السودانيين القلائل – إن لم يكن أكثرهم على الإطلاق - الذين أثروا المكتبة السياسية السودانية بالعديد من المؤلفات والكتابات القيمة.. والتي اختلف الناس أو اتفقوا حولها إلا أنها تتمتع بقيمة توثيقية كبيرة من واقع الفكر الثاقب والذكاء الحاد الذي يتمتع به الرجل فضلاً عن دوره كلاعب أساسي في كثير من أحداثنا السياسية طوال فترة زمنية تقارب نصف القرن.. امتداداً من دوره في صناعة مايو واختلافه معها وخروجه الباكر منها وإسهاماته اللاحقة في الحركة الشعبية.... لذا فإن تلك الإفادة تظل إفادات هامة وجديرة بالإحاطة والإطلاع...

    (عدل بواسطة نصر الدين عثمان on 08-26-2014, 12:19 PM)

                  

08-26-2014, 04:35 PM

عوض محمد احمد

تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 5566

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: نصر الدين عثمان)

    الإسراف في توزيع الصفات الخارقة على منصور خالد أمر غير واقعي
    و لا يفيد
    اسباغ صفة المفكر عليه تزيد
    الرجل له مهارات لغوية يعز شبيهها مثله مثل عبد الله على ابراهيم و جمال محمد أحمد
    هو يمتاز بالبراعة في الكتابة لعرض العلاقات العامة
    طيلة سنواته مع مايو كان يبرر لطغيان و جرائم حكمها
    قتل آلاف الناس في أبا و حوكم و أعدم ابرياء على الهوية بعدما سمي غزوة المرتزقة و لم يقل المنصور كلمة
    ثم انتقل بدور كاتب العلاقات العامة إلى الحركة الشعبية
    حتى عند بدايات تطبيق نيفاشا كاد ان يتحول كاتب علاقات عامة للإنقاذ و مد لسانه للناس قائلا من يريد اقتلاع الإنقاذ فليخرج
                  

08-26-2014, 06:46 PM

صلاح الدين موسى

تاريخ التسجيل: 10-26-2011
مجموع المشاركات: 306

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عوض محمد احمد)

    سيد عبد الله شكرًا علي إيراد هذا الحدث التوثيقي للدكتور منصور خالد،

    نحن أحوج ما يكون لهذا التوثيق حتي نعتبر فى المستقبل لما حدث فى الماضي

    حتي نتمكن من الخروج من الدورة الشريرة

    تخريمه
    أتمنى ان يوثق لفترة الجزولي دفع الله و مخرجات المائدة المستديرة ، عشان الصورة تكون واضحة
    فى كيفية وضع حلول لمشكلات السودان المزمنة ،،،،،،،
                  

08-30-2014, 10:55 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: صلاح الدين موسى)
                  

08-31-2014, 02:51 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبد الحميد البرنس)

    الدكتور/ منصور خالد - الذاكرة السياسية - (2) - قناة العربية:

                  

09-04-2014, 10:54 AM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: نصر الدين عثمان)

    الدكتور/ منصور خالد - الذاكرة السياسية - (3) - قناة العربية:
                  

09-04-2014, 11:00 AM

Asim Fageary
<aAsim Fageary
تاريخ التسجيل: 04-25-2010
مجموع المشاركات: 7810

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: نصر الدين عثمان)

    Quote:

    الإسراف في توزيع الصفات الخارقة على منصور خالد أمر غير واقعي
    و لا يفيد
    اسباغ صفة المفكر عليه تزيد
    الرجل له مهارات لغوية يعز شبيهها مثله مثل عبد الله على ابراهيم و جمال محمد أحمد
    هو يمتاز بالبراعة في الكتابة لعرض العلاقات العامة
    طيلة سنواته مع مايو كان يبرر لطغيان و جرائم حكمها
    قتل آلاف الناس في أبا و حوكم و أعدم ابرياء على الهوية بعدما سمي غزوة المرتزقة و لم يقل المنصور كلمة
    ثم انتقل بدور كاتب العلاقات العامة إلى الحركة الشعبية
    حتى عند بدايات تطبيق نيفاشا كاد ان يتحول كاتب علاقات عامة للإنقاذ و مد لسانه للناس قائلا من يريد اقتلاع الإنقاذ فليخرج





    كلام أخونا عوض محمد أحمد .. المقتبس أعلاه أقروهو بحياد تام وكفاية تصنيم للناس

    وما هي الأدوار الوطنية لمنصور خالد ؟
                  

09-04-2014, 11:08 AM

فتح العليم محمد أبوالقاسم
<aفتح العليم محمد أبوالقاسم
تاريخ التسجيل: 07-24-2010
مجموع المشاركات: 1059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: Asim Fageary)

    Quote:

    Asim Fageary

    Quote:

    الإسراف في توزيع الصفات الخارقة على منصور خالد أمر غير واقعي
    و لا يفيد
    اسباغ صفة المفكر عليه تزيد
    الرجل له مهارات لغوية يعز شبيهها مثله مثل عبد الله على ابراهيم و جمال محمد أحمد
    هو يمتاز بالبراعة في الكتابة لعرض العلاقات العامة
    طيلة سنواته مع مايو كان يبرر لطغيان و جرائم حكمها
    قتل آلاف الناس في أبا و حوكم و أعدم ابرياء على الهوية بعدما سمي غزوة المرتزقة و لم يقل المنصور كلمة
    ثم انتقل بدور كاتب العلاقات العامة إلى الحركة الشعبية
    حتى عند بدايات تطبيق نيفاشا كاد ان يتحول كاتب علاقات عامة للإنقاذ و مد لسانه للناس قائلا من يريد اقتلاع الإنقاذ فليخرج





    كلام أخونا عوض محمد أحمد .. المقتبس أعلاه أقروهو بحياد تام وكفاية تصنيم للناس

    وما هي الأدوار الوطنية لمنصور خالد ؟


    اتفق معك
                  

09-05-2014, 08:56 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: فتح العليم محمد أبوالقاسم)



    كي لا نظلم الدكتور منصور خالد

    الشكر للجميع ، ونخص من نتفق أو نختلف معهم ، وهو حق مشروع لنا جميعاً ، وهو مادة الحوار ، وأرجو أن تتسع صدورنا للخلاف ، وفق طرقه المتقدمة ، ولا نقع فريسة الآراء المسبقة أو الأحكام الصمدية .
    كثير من المثقفين السودانيين شاركوا في صناعة شق من الثقافة التي ينعم بها المستنيرون ، والدكتور منصور خالد من هؤلاء . ولعل القضية العميقة الجذور هو خياره ضمن مجموعة من الانتليجنسيا في المساهمة فيما نطلق عليه ( أزمة المثقف والسلطة ) . وهي قضية كبرى ، وليس من السهل تبسيط الأمر على أنه ( تصنيم ) . ولكنا لو أزلنا تصوراً من أذهاننا ، لأعدنا دكتور منصور وبعض رفاقه من المثقفين الذي شاركوا في سلطة 25 مايو ، باعتبار أنهم قد اختاروا خيار زمانهم وعصرهم بأن في إمكانياتهم أن يعطوا وطنهم ويردوا دينه في تعليمهم . وبمكننا أن نختلف على خياراتهم التي اختاروها ، ولكنا لن نجعل منهم أنبياء ، ونسلخ عنهم إنسانيتهم وقابليتهم للتجربة والخطأ . ومن هؤلاء الكثير من الكفاءات المهنية أيام حكم الفريق عبود وعلى رأسهم ( أحمد خير ) صاحب فكرة مؤتمر الخريجين ، وفي أيام مسيرة 25 مايو كان هنالك مجموعة من الكفاءات المهنية منهم : دكتور بشير عبادي ، الأستاذ / جمال محمد أحمد ، دكتور جعفر محمد علي بخيت ، مرتضى أحمد إبراهيم ، وسلسلة من الكفاءات التي مارست المهام السياسية ، وقدموا الكثير تحت مظلة الحكم العسكري .
    نعود للدكتور منصور وأعود بالتذكير بمقالين كتبتهما : واحد جاء من بعد وعكة أصابته ، وأخرى عن مرور (50) عاماً عن بدأ مقالته في الصحف ( حوار مع الصفوة ) وسوف أقوم بنشرهما ، ربما تضيء الكثير من رؤانا أو لإلقاء الضوء الكاشف على دور وشخصية الدكتور منصور خالد
    ونواصل

    *

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 09-05-2014, 09:06 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 09-05-2014, 09:20 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 09-05-2014, 11:04 AM)

                  

09-05-2014, 09:04 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote:



    الشفاء للدكتور : منصور خالد

    قال أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي :

    وكيف تُعلُك الدنيا بشيء .. وأنتَ لِعِلة الدنيا طبيب
    وكيف تنوبك الشكوى بداءٍ ..وأنت المستغاث لما ينوب

    (1)

    اتصلت بسعادة السفير (م) والكاتب" جمال محمد إبراهيم "، وعلمت أن الدكتور" منصور" طريح فراش الاستشفاء .ندعو له بالسلامة للجسد وللروح .وأن ينهض سالماً مُعافى ليكمل ما تبقى من رسالة . لا أن ينزل السيف إلى الغمدِ . صباحكَ نور من الإصباح ، ونغمك الدافئ في بطون ما تكتب.ألف سلامة لك أيها النجم الصاحي ، بك الأيام تعتلي هامة الزمن ، بك الأرض رحيبة وأنت فارس كتابها الموثق ، في وطن اعتادت الصدور أن تطمر تاريخها.
    بالوجد ذاته الذي تسير به قلوبنا متوكئة على المشاعر التي نقتسم حياتها في دنيا عصية على القبض . سخية بالتقدم عند الذين هم من حولنا في الدنيا . في حين أبطأنا نحن السير بوطننا ليلحق برفاقنا في الإنسانية وهم يسرعون الخطى. يتخذون من العقل دُرة لترشيد المنهج وطرائق التفكير ثم العمل ، وهو الكنز الذي يتعين أن يكون ثروتنا جميعاً . تلك مرابط أحصنة الفوارس ، ومنها الانطلاق . لا أحد ينتظر من يفقأ عينيه ويمُدّ صحن التسول .

    (2)

    لنتوقف قليلاً في سيرة الذين نتشارك معهم خبز الثقافة والشأن العام الحامض . كان الدكتور " منصور خالد " رفيق درب في دنيانا .يكبرنا سناً وخبرة ومعرفة . عرفناه من التاريخ ومن حياته العامة ومن خلال كتاباته قبل أن نلتقي في برهة يوم ساطع ، أكاد أذكره في العام 1983 كأنه الأمس. بمثل ما كان يحفه إرث صوفي يخضّب بطن الذاكرة ، فلسيدنا دنيا يراها غير التي يرى عامة الناس .
    قال لي الصديق الأستاذ " فخر الدين كرار " ، كان الدكتور في كل كلمة يريد تدوينها ، يدعونا ونحن في بواكير أيام التخرج من الجامعة أن نذهب إلى دار الوثائق ، ونبحث وندقق عنها ، حتى نجدها . يصورها ويرقمها ، ثم يدونها مادة يبني عليها رؤاه وتحليله في أسفاره . ذكر الصديق الأستاذ " هاشم حبيب الله " أنه كان في يوم من أيام التاريخ مبعوثاً من قبل الدكتور " منصور "لتوثيق حياة الشاعر" عبد الله محمد عمر البنا " بقريته " عمارة البنا " بأرض البطانة قبل رحيله في ثمانينات القرن الماضي وكان برفقته صنّاجة شِعر البطانة الشاعر" الفرجوني". قَضَيا أكثر من أسبوعين توثيقاً . وتلك خامة معرفية تنتظر فسيلتها ليشتلها صاحبنا بيده الساحرة في الكتابة عن الجيل الذي عمِل في التعليم بكلية غردون التذكارية في ثلاثينات القرن الماضي لنقرأ ثمارها آخر المطاف. ونزعم أيضاً ومنذ زمان أن الدكتور " منصور " بصدد أن يوثق لأم درمان ، وربما يكتب في السيرة الذاتية.
    الدكتور" منصور" موجز العبارة ودقيق التوصيف ، بلغة جزلة وبلاغة ساحرة لا تُصعِّر خدها للقارئين والقارئات .تصل بيسر لمجموعات متنوعة من الذين يهمهم الشأن العام وخبايا حيواته. يعتمد قدرة توثيق لا تُضل أن توصلك للرؤى ناصعة بهية مكنوزة بالمعرفة . يستعين بالرصد ، ومن ثم ينسج رؤاه ناضجة صدّاحة في أسفار يضع فيها حكايات مسيرة وطن بموارده وشعوبه وصفوته مُتقلبي الأهواء والطبائع، لتأخذ مكانها اللائق في المكتبة العالمية قبل السودانية . قد يختلف كثيرون مع رؤاه أو في سيرة تجاربه وخياراته، ولكنه امتلك الجسارة في خوض الشأن العام وتحمُل تبعات ذلك . وضع نهجاً جديداً لكل موقع تقلد وظيفة مرموقة فيه. يُجبرك أن تنتبه أنك أمام قامة عالية بما تخيره من منهاج وما كسبه من خبرات معرفية وأكاديمية ، ليس من السهل أن تختلف معه دون أن تستعين بذخيرة من الحُجج الموثقة التي لا تقبل الشك .

    (3)

    عمِل الدكتور " منصور خالد " في بواكير شبابه مديراً لمكتب رئيس وزراء السودان السابق السيد " عبد الله خليل " في الخمسينات ، ثم من بعد التأهيل محاضراً للقانون الدولي بجامعة "كلورادو" بالولايات المتحدة الأمريكية وخبيراً في اليونسكو ، ووزيراً للإعلام ثم الخارجية في السودان ، وحامل مشاعل أُخرى أكبر من الحصر. في حوزته ملفات عن التاريخ السوداني من الصعب على المرء معرفتها لولا حدسه السابق بأن التوثيق الدقيق يقطع شك المعلومة ويؤسس البنية التحتية المعرفية قبل التحليل وإبداء الرأي .فكان يسابق ريح عصره مثل كل المبدعين الذين هم أكبر من التقييم .
    لم يستسهل " الدكتور منصور" الحياة وحِفظ معرفته في صدره مثل كثيرين من مجايليه ولكنه انتفض في زمان كان له أن يسترخي مثل غالبية أجيال السودنة. كتب درراً في الصحافة والاجتماع والتاريخ و الاقتصاد والإدارة والسياسة والقانون. اهتم بالكتابة مثل غيره من المبدعين كالشاعر " محمد المهدي المجذوب "والكاتب الأستاذ" جمال محمد أحمد " وبروفيسور " عبد الله الطيب المجذوب" والكاتب الروائي " الطيب صالح " و " الدكتور "جعفر محمد علي بخيت "، وقبلهم جميعاً " الشيخ بابكر بدري " وقليل من أصحاب السطوة الثقافية التي رأت تحرير إبداعها من سلطة الشفهية الغالبة على شأننا الثقافي والفكري . احتجب معظم تاريخنا الموثوق وتفاصيله الدقيقة وغطس في صدور الكثيرين ، ورحلت الأذهان بهذا الكم الهائل من المعرفة وعضَّينا أصابع الندم . تقلب المبدعون الذين ذكرنا في مجالات الشِعر و التاريخ والرواية والإدارة والقانون وفي الخبز الثقافي المتنوع ، وجاء الدكتور" منصور " في مرحلة صعبة ، تصطخب بالصراع قرب خروج المستعمر وإلى تاريخ اليوم. وأصبح ليس من شهود العيان فحسب ، بل من ضمن اللاعبين في تشكيل ملامح واضحة لعلاقة المثقف بالسلطة في منعطفات الوطن التاريخية الحادة.

    (4)

    الدكتور منصور خالد ، مثله مثل الدكتور " جعفر محمد علي بخيت " و" الدكتور محمد عبد الحي " و الأستاذ " جمال محمد أحمد " استجارت بهم السلطة في وقت انقسمت عواطفهم ما بين أن يقدموا ما في وسعهم من معارف في شق طريق أفضل للوطن وفق رؤاهم ،و يتخذوا بما يستطيعون من سطوة مستحقة للعمل العام لرد دَيّن الوطن ولكن من تحت عباءة نظام حاكم ،جاء من إعسار نظام ديمقراطي لم يزل على بداوته ليس بقادر على استحداث رؤيا التجديد لإدارة وطن متنوع الشعوب والأعراق والثقافات مكنوز بثروات مطمورة لا يعرف أحد أفقاً لها ، وبين أن يسوِّقوا لنظامٍ : "جاء بليل العسكر لا خبرة لديه ولا أحد يعرف لأصحابه رؤى ، حين بدءوا حياتهم السلطانية " .
    إن اختلفنا في أن السياسة المباشرة ليست من خبز همّنا اليومي الثقافي رغم أنها حياتنا التي نحيا .ورغم خطرها على الشمائل والملامح. متراوحة بين التراث وقدرتنا على النهوض في تمام قمر المعاصرة والحداثة أو نستكين لتراث سلفي موغل في القدم.إن لأسفار الدكتور" منصور " في الشأن الثقافي وحياة الصفوة في السودان القديم وفي قضايا جنوب السودان أو السودان الجنوبي ، بحسبه صاحب رصيد الشراكة في صناعة اتفاقية " أديس أبابا " 1972 ، الأولى التي امتدت سلاماً أحد عشر عاماً ، ثم لاحقاً مستشاراً لقيادة الحركة الشعبية منذ الثمانينات و إلى اتفاق " نيفاشا " 2005 وما بعدها . له خبرة نسجت أسلوبه البلاغي المميز في الكتابة وفي تناول الوقائع و تحليلها وقراءة المستقبل ، ثم الخروج بنبوءات الحياة اللاحقة. ورسم لوحة لكيف ابتلعنا السمّ ونتذوق الآن مرارة فشل دولتين ،لما تزل الديمقراطية والسلام والتنمية فيهما أحلام لا تأتي ولو في النوم العميق .

    (5)

    كتب عنه الراحل والدبلوماسي الكاتب "جمال محمد أحمد "في ثمانينات القرن الماضي :

    (...وأنا الذي صحبته سنين أعرف أنه قومي سوداني في البدء، وأكبر من كل بطاقة يسير بها الناس، يتصيدون المكان الأرفع لذاته، لا لما يتيح لواحد أن يعمل، وعذاب المكان الأرفع لا يعرفه غير من افتقده. أثلجت غضباته صدور أكثر الشباب، لأنه واحد منهم، يتميز عنهم ببيان يقنع، يعبر عن ذاتهم كما يعبر عن ذاته، فهي تحس ما يحس، ولا تملك ما يملك هو، من معرفة بتجارب عالمنا العربي والأفريقي، يتصدى لدقائق الحكم والإدارة والتعليم والثقافة. يستلهم تجاربه الثرة. يخيف الواحد بنشاطه الجسدي والذهني، تأتيك رسائله من أطراف الأرض يبث فيها مشاعره وأفكاره، ويحدثك عن الذي قرأ من سياسة وأدب لا تدري، متى وجد الفراغ، وعن الذين لقي من أئمة الفكر والسياسة، لا يمس واحد منهم استقلاله الفكري.... ما أدري إن وقف عند كلمة معلمنا "لطفي السيد" أم لم يقف، لكنها تصفه وتصف كل الذين يعيشون الطلاقة الجامحة: "إن أراد قارئ أن يفهم حديثي هذا دفاعا عن فكر بعينه، فليعد قراءة الحديث مثنى وثلاث ورباع... وإن أراد أن يفهمه دفاعا عن دولة، فليعد قراءته مثنى وثلاث ورباع فالذي أدافع عنه هو أمر أخطر من هذا بكثير...الذي أدافع عنه هو حقنا في أن نفكر بحرية طليقة... وهو واجبنا في أن نتصرف بإرادة.)

    (6)

    من أسفاره المبذولة : حوار مع الصفوة - لا خير فينا إن لم نقلها - السودان والنفق المظلم – الفجر الكاذب - جنوب السودان في المخيلة العربية - النخبة السودانية وإدمان الفشل(من جزأين) - السودان، أهوال الحرب.. وطموحات السلام (قصة بلدين) - (الثلاثية الماجدية ) صور من أدب التصوف في السودان . وله الكثير الذي ينتظر النور.
    *
    ألف سلام عليك سيدي أينما حللت ،و للعافية أن تلثم مُحياك المضيء بإذن واحد أحد .
    عبد الله الشقليني
    25/6/ 2012

    *
                  

09-05-2014, 09:17 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote:



    (حوار مع الصفوة) في عامه الذهبي

    (1964 - 2014) : خمسون عاماً مضت على بدء الدكتور " منصور خالد " سلسلة مقالاته في الصحافة السودانية ، والتي تم تجميعها في سفر باسم ( حوار الصفوة ) . وثائق تحتوي على رؤية حقيقية للواقع بقضاياه الملحة . تجاوزت المقالات الصحافية إلى الحفر في البنية التحتية للواقع والتحديات ، وهو ما يتطلب إعادة النظر في تاريخ هذا الحوار ، لما له من أثرٍ على الحاضر والمستقبل ، وضرورة أن يجلس الحوار السابق على طاولة التطبيب ومعالجة الجراحة النقدية .

    (1)

    {كنت من قبل قد تحاورت مع البروفيسور عبد الله علي إبراهيم ، وقد تبنى قبل عام قضية قيام ورشة أو مؤتمر في الحفاوة بمرور (50) عاماً على انطلاق " حوار مع الصفوة " الذي بدأه الدكتور " منصور خالد " في مقالات صحافية منذ عام 1964 ، وأن يتقدم مجموعة من المهتمين بتناول ما خطه الدكتور منصور بالبحث والدراسة المقارنة والنقد ، في معضلات الثقافة وأصلها في التشريق ، والتغريب ، وقضايا الدستور والقضايا الوطنية وقضية الاقتصاد والقانون في ظل المستجدات التي طالت المجتمع السوداني آنذاك . ولا أعرف ماذا يكون المصير ؟!. بعض القضايا لما تزل عالقة تنتظر ، وتعوزنا الرؤية الواضحة وطرائق الخروج من النفق ، فقد تكالب على سدة الحكم قبيل من ( الجهل النشط ) .في تاريخنا اشتهرنا باغتيال أصحاب الرؤى والمبادرات الكُبرى . مياه كثيرة عبرت من تحت الجسر . ولما نزل نخطو خطوة ونرتد خطوتين !. }

    (2)

    الصفوة في اللغة :

    أَصْفى الحافرُ : بلغ الصَّفا ، فلم يستطع الحفر . أَصفي فلان : صَدَقَه الود والإخاء . صَفَّاهُ : نقّاه مما يشوب . اصطفاه : فضله . الصَّفاة : الحجر العريض الأملس . تصافيا : تخالصا في الود . الصَّفو : الصفاء . الصَّفو : الصفاة . الصَّفوة من كل شيء : صَفوه ( يستوي فيه المفرد والمذكر وغيرهما . الصَّفي من كل شيء : صَفوه ، والصديق المختار .
    مصطلح الصفوة عام مفتوح على مصراعيه لكم هائل من المعاني ، وقد ينطبق على المتعلمين وعلى المثقفين ، وغيرهم من أصحاب الميِّزة التعليمية ، يختلفون في الحصيلة و في التوجهات ، وهي تخرج عن التصنيف الدقيق ، وهي تجتذب الكثير ممن ليست لهم أدوار في الحياة الاجتماعية ، أو يكون لهم آثار سالبة أو مدمرة ، كأن الأمية لم تفارقهم!! .

    (3)

    قدم للكتاب أول تجميع مقالاته وطباعتها الكاتب المميّز الراحل الدبلوماسي والأديب والباحث الأستاذ " جمال محمد أحمد " .أوحى لي لقاء هاتفي مع صديق عزيز ، وعقدنا مقارنة بين لغة " جمال محمد أحمد " المكتوبة ، وبين لغة " منصور خالد " في أسفاره . ولنسترِح قليلاً وننزع عن ملوك الكتابة قلائد الألقاب ، فما لهم حاجة اليها ، وهي التي تبتغي محبتهم . ليست المسألة بالتبسيط المُخل ، لأنهم نفرٌ من أولئك الذين دخلوا مصطلح " المثقف والسلطة " من أبوابٍ عسيرة على الفهم . لم يكونوا من الذين ران على مناظيرهم الفكرية ضباب الغشاوة ، فكل الحيِّل التي عمِل على صنعها الذكاء الفطري ، كانت جزءاً من تراثهم الثقافي . وُلد جمال محمد أحمد عام 1915 ، وولد منصور خالد عام 1937 . بينهما بون شاسع ، ولكنهم اشتركوا في تلقي وهج المصباح ذاته ، الذي أنار الطريق الذي يمشي فيه الواحد منهم على خطى يترسم طريقه بحفر الأظافر . نالوا العلم من أساطينه ودرسوا في جامعات تأسست منذ قرون . كان عليهم أن يتلقوا العلوم من ينابيع اللغة الإنكليزية وأساطين المعرفة والعلم . معركة تنشب بين عنصر الاستغراب حيناً ، وبين ينابيع الثقافة العربية والأفريقية . أفرد الدكتور منصور خالد مقالات ضافية عن منهج السودانيين الذين تشبهوا بالإنكليز ، وعاب عليهم عدم النهل الخلاق من التراث ، وأشار إلى العبور نحو الثقافة العربية والأفريقية ، وتوقف كثيراً عند محطة العقيدة المتلازمة مع اللغة في التراث ، فأي فكاك من مصيدة العودة والردة الثقافية إلى عصور غابرة .

    كان "جمال محمد أحمد" سكرتيراً لمؤتمر الخريجين أول نهضة الصفوة ، ومنصور خالد مديراً لمكتب رئيس الوزراء عبد الله خليل في أواخر الخمسينات ، ذاك الجنرال المتقاعد الذي أجبره الإنكليز أن يشهد إعدام قادة 1924 م . التقيا سوياً في وزارة الخارجية ، واستوزرهما مجموعة من المغامرين ذوي الاتجاهات القومية العربية ، الذين استولوا على السلطة دون زاد فكري . قال عن المغامرين رئيس مصر السابق " جمال عبد الناصر " في خطاب مشهود : كانوا شباباً عندما يأتون لمصر يسألون عن تجربتنا لينقلوها أسرع لبيئتهم في السودان !!. ليس لأعظمهم رتبة رؤية " نايريري" ولا يشبهون حزمة الذين وقفوا معه ، فتنزانيا الستينات ، رغم أن تجربتها الاقتصادية كانت متواضعة مقارنة بالسودان ، حين أسس خبراء السكك الحديدية السودانية سكك حديد تنزانيا ، فأين نحن الآن في سلسلة الهبوط والانهيار!؟.

    نسمع كثيراً من أصحاب هيمنة الهوية على سطح الخطاب الفكري ، أن مايحدث في السودان الآن ، هو فشل " النُخب السودانية " . وهذا المصطلح يحاول تبديد الجريمة بتفريقها دمها بين " قبائل " المتعلمين ، بكل انتماءاتهم . وهو في نظري خروج عن المنهاج .
    فمن الذين دمروا الطبقة المتوسطة وهربوا منها صعوداً ، ودمروا طبقتهم ، التي صعدوا إليها حين كانوا مُبتلين بالفقر المدقع وكانوا من أصحاب الحظوة بالتعليم الذي تدفع الدولة إنابة عن الشعوب السودانية كلفته ، وانكشفت عيوب انتهازية الإسلاميين بكل تراتبهم ، وعلائقهم الرأسية والأفقية ، تحت الأرض وفوقها ، وهي تهدم بناء الدولة التي تتطلع إلى النهوض ، فقبروها وأهالوا عليها التراب !! .

    (4)

    كتب جمال محمد أحمد مقدماً لسفر الدكتور منصور خالد " حوار مع الصفوة ":

    {...وأنا الذي صحبته سنين أعرف أنه قومي سوداني في البدء،وأكبر من كل بطاقة يسير بها الناس، يتصيدون المكان الأرفع لذاته، لا لما يتيح لواحدأن يعمل، وعذاب المكان الأرفع لا يعرفه غير من افتقده. أثلجت غضباته صدور أكثر الشباب، لأنه واحد منهم، يتميز عنهم ببيان يقنع، يعبر عن ذاتهم كما يعبر عن ذاته،فهي تحس ما يحس، ولا تملك ما يملك هو، من معرفة بتجارب عالمنا العربي والأفريقي،يتصدى لدقائق الحكم والإدارة والتعليم والثقافة. يستلهم تجاربه الثرة. يخيف الواحدبنشاطه الجسدي والذهني، تأتيك رسائله من أطراف الأرض يبث فيها مشاعره وأفكاره،ويحدثك عن الذي قرأ من سياسة وأدب لا تدري، متى وجد الفراغ، وعن الذين لقي من أئمةالفكر والسياسة، لا يمس واحد منهم استقلاله الفكري.... ما أدري إن وقف عند كلمةمعلمنا "لطفي السيد" أم لم يقف، لكنها تصفه وتصف كل الذين يعيشون الطلاقة الجامحة: "إن أراد قارئ أن يفهم حديثي هذا دفاعا عن فكر بعينه، فليعد قراءة الحديث مثنىوثلاث ورباع... وإن أراد أن يفهمه دفاعا عن دولة، فليعد قراءته مثنى وثلاث ورباع فالذي أدافع عنه هو أمر أخطر من هذا بكثير...الذي أدافع عنه هو حقنا في أن نفكربحرية طليقة... وهو واجبنا في أن نتصرف بإرادة.}

    (5)

    كتب " الطيب صالح " عن جمال محمد أحمد بعد رحيله :
    { كان جمال محمد أحمد رحمه الله نسيج وحده بأدق معاني الكلمة ، في حياته وفي فكره . وكان أسلوبه في الكتابة من الأساليب المميزة في الأدب العربي المعاصر ، يمكن أن يوضع ، دون أدنى مبالغة ، جنبا إلى جنب مع الأساليب العظيمة كأسلوب طه حسين وأحمد زكى ومصطفى صادق الرافعي والمازني والمسعدي . كان إذا رثى الشاعر الإنجليزي لوى ماكنيس ، أو إذا وصف لقاءه للبابا ، أو إذا حدثك عن أيامه في جامعة هارفارد ، خلق لك عالما طريفا مدهشا ، تتماوج فيه الأضواء والظلال ، والابتسام والسخرية ، والفكرة والأحاسيس ، شأن كل أدب عظيم ، فإذا أنت تسمع وترى وكأنما لأول مرة ،وإذا روحك تنتعش كأنك سبحت في بركة صافية ذات صباح جميل، هكذا كان : ضوء كأنه مجموعة أضواء . كان أخا وأبا ومعلما لرهط كثيرين. وسوف يكتسي حزننا لفقده ألوانا شتى فيما بقى لنا من أيام }

    (6)

    في سيرة وطن يتآكل من أطرافه ، على أيدي ليس لها من حس وطني أو ذخيرة علمية أو ثقافية ، أو اقتصادية أو اجتماعية أو نهضوية : بل تفجير الوطن بأهله وارتداد إلى القبلية والعرقية .سقوط أخلاقي مدوٍ ، وشتات وحروب وتقتيل وتهجير آمنين ، هذه هي سيرة الإسلاميين الذين طلبوا السلطة وعملوا على انتزاعها دون مؤهلات ، فسادت القدم الهمجية في أرض الطيبين .
    نأمل أن نعيد فتح الطريق الآمن إلى الرؤية برسم طريق نقدي جديد لحوار الصفوة ، عسى أن تكون تجربة جديدة ، بدون أن يلاحق أهلها رصاص الاغتيال .

    عبد الله الشقليني
    2 أغسطس 2014

    *

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 09-05-2014, 02:52 PM)

                  

09-05-2014, 08:02 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    عالياً
                  

09-08-2014, 05:12 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    ولما زل ننتظر الحلقات القادمة
                  

09-12-2014, 06:05 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote:



    مــــحمـــود الـــذي عـــرفــت .. بقلم: د. منصور خالد
    الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013



    عندما جوبهت بسؤال عن الموضوع الذي أتمنى اختياره للحديث عن شهيد الفكر محمود في مئويته، بل في الذكرى الرابعةِ والعشرين لاستشهاده، توقفت مرة بعد مرةً، فمحمودٌ رجلٌ لكل الفصول : (A man for All Seasons)، ذلك وصف أطلقه الفيلسوف الهولندي إيراسموس الملقب بأمير الإنسانويين على شهيد فكر آخر، هو السير توماس مور، رئيس مجلس اللوردات البريطاني في عام 1529م على عهد الملك هنري الثامن. ليس بين الرجلين عُلقةٌ في الفكر، بل تشابهٌ في الصدق مع النفس حتى الموت. وعندما تمنى علىَّ منظمو الحفل أن أتحدثَ عن الفكر السياسي عند محمود ازددتُ احترازاً لأن إقبالَ الأستاذ الشهيد على الفكر السياسي كان مختلفاً جداً عما يُطلِق عليه البعضُ أسم الفكر السياسي في السودان، وهو ليس منه في شئ.

    العنوان الذي اخترت للحديث: "محمود محمد طه الذي عرفت" فيه مجالٌ للتوسعة بدلاً عن الحصار والتضييق. و الهدف من الحديث ليس هو شرح أو تشريح أفكار الأستاذ، وإنما هو إلقاء اضاءة كاشفة عن تنوع معارفه، وجديته في الإقبال علي القضايا العامة، ثم صدقه مع نفسه في القول و العمل. ولئن سأل سائل: كيف عَرفَتُ الأستاذ، ولماذا حَرَصتُ على معرفته، أجيبُ أنني عرفت ذلك المفكر الفهامه أولاً كما ينبغي أن يُعرف المفكرون. المفكر يعرفه الناس من قراءة ما كتب والتملي فيما كتب. والمفكر تشدُ الناسَ إليه نجاعةُ الفكر، وفصاحةُ الأسلوب، وبدائعُ التفسير، ثم البلاغة في تصريف المعاني. كثيرٌ من الذين تصدوا لأفكار الراحل ابتنوا معرفتهم لأفكاره على السماع لم يروموا من ذلك غير غرض واحد هو التشهير. ومن بين أولئك طائفةٌ من المتربصين سارعت إلى قراءةِ ما بين السطور، قبل قراءة السطور، ناهيك عن التمعن فيها، ومن ثَم ذهبت تلك الطائفة إلى إختراص المعاني التي يريدون عبر تلك القراءة الزائفة حتى يُقَدروا عليها الأحكام بالظن، وبعضُ الظن إثم.

    سعيتُ من بعد القراءة والتملي فيما قرأتُ إلى لقاء الرجل، ليس فقط رغبة في الحوار معه حول بعضِ أفكاره، وإنما أيضاً لأكتنِه أمرَه: ما الذي كان الأستاذ يبتغي مما يدعو له؟ وعلي أي أساس كان يخاصم ويصطلح؟ وما هو معيارُه في الحكم على البشر، وبخاصة الحواريين من حوله؟ الغاية من ذلك الحوار كانت هي الإدراكُ السليمُ لكيف يستبطنُ المفكرُ الداعيةُ القيمَ التي يدعو لها، أي التعرفَ إلى مخبره قبل مظهره. تعرفت على محمود أيضاً من خلال تجارب اخوة لي لم يكونوا أبداً من بين صحبه وناصريه ولكن شاءت الظروف ان يرافقوا الأستاذ في مرحلة من مراحل حياته فأحبوه، ورأوا فيه من الخصائص والخلال ما لم يروه في غيره من الرجال. هذه هي المداخل التي قادتني للتعرف على رجل هو بكل المعايير رجلُ وَحْدَه.

    فمحمودٌ مفكرٌ دينيٌ مجدد ساءه أن يتظنى الأغيار، بل بعضُ المسلمين، ان الإسلام في ازمة، وانه عقبةٌ في سبيل التطور والتحديث. محمود رأي غيرَ ذلك. العقبة في رأيه هي الفهمُ القاصرُ للدين، وليس الدينُ نفسَه. والمأزوم هو المسلمُ المتقاصرُ عن فهم الدين فهما صحيحاً، وليس الإسلام.

    محمود أيضاً مثقف موسوعي لم ينبذْ الأفكارَ المعاصرة او يناهضها دون علم و دراية بها، بل ذهب لتقصي أصولها ودارسة تجاربها شأن الباحث المدقق والأمين في آن واحد. ذهب لدراسة الماركسية لينفذ الي حسناتها ويبين سيئاتها. من حسناتها في رأيه تحليلها للاقتصاد وإبرازها لدور الاقتصاد في مراحل التطور التاريخي للإنسانية، ومن سيآتها، حسب رأيه، إتخاذ العنف وسيلة للتغيير. كما درس الحضارة الغربية ورأي وجهيها، فحسب قولهَ لتلك الحضارة "وجه حسن مشرق الحسن ووجه دميم". حسنُها في الكشوف العلمية التي اخصبت الحياة البشرية، ودمامتها في القصور عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة. وهكذا دواليك كان اقترابه من تحليل الليبرالية والفكر القومي، ومناهج الحكم.

    هو أيضاً متصوف زاهد إخشوشنت حياتُه بإختياره حتى خَمُص بطنه ورب مخمصةٍ خيرٌ من التُخَم. ورغم مهنيته التي اثرى منها رفاقُه في المهنة إلا انه لم يوظف مهنَته تلك ليوثِنَ (يكثر) في المال، بل ظل يُبقى منه ما يقيم الأود ثم يعفو ما فاض عن حاجته.

    هو سياسي حمله جَدْب البيئة السياسية إلى أن يُرَوي بفكره عَزازَ ارضها. وكان له في ذلك قول يعود الي عهد مؤتمر الخريجين عندما قال في السفر الأول : "أول ما يؤخذ علي الحركة الوطنية انصرافها التام عن المذهبية التي تحدد الغاية وترسم الطريقة التي تحقيقها". ذلك رأي عاد إليه بعد انتفاضة أكتوبر 1964م فوصفها بأنها فترة اكتملت فيها مرحلة العاطفة السامية التي جمعت الشعب على إرادة التغيير لكن لم تملك بعد فكرة التغيير. من ذلك نستجلي أن الأستاذ كان لا يرى مستقبلاً لأي تطور سياسي إلا أن اهتدى العمل السياسي بفكرة ورؤية. وفي هذا المجال أقبل الاستاذُ على الكتابة في كل ضروب السياسةُ: السياسةُ الحكمية، والسياسة الاجتماعية، والسياسة الثقافية، اي ذهب الي معالجة كل قضايا الناس الحيوية والحياتية وذلك هو لب السياسة. كان ذلك في وقت لم يتجاوز فيه أهل السياسة التفاصح والتداهي بما ليس فيهم، بحيث أصبحت الفصاحة – والتي هي ليست مرادفاً للبلاغة – هدفاً في حد ذاتها.

    لمحمودٍ المجدد، إن ابتغينا التفصيل، رأي في الإسلام، هو ان "الإسلام محاصر في سياج دوغماطي مغلق"، وذلك تعبير نقتبسه من المفكر الاسلامي الجزائري محمد اركون. ولا سبيل في رأي محمود لفك مغاليق ذلك السياج الا بقراءة جديدة للإسلام وفق فكرة ابتدعها تقوم على التمييز بين فقه الأصول وفقه الفروع، بين آيات الأصول التي تعبر عن القيم الرفيعة والمبادئ الأساسية التي ما جاء الإسلام إلا لتحقيقها، وبين تلك التي لا تكون فيها التكاليف إلا بوسع الناس على تحملها. وعبر كل ما قرأت للأستاذ المجدد لم أقرأ ما يشي بإنكاره لصلاحية الفقه الموروث في زمانه ومكانه، وإنما ارتأى أن ذلك الفقه والقيم المعيارية الملحقة به لا يصلحان لزمان الناس هذا، لما بين الزمنين من فجوة معرفية وقيمية ومعيارية. فهذا زمان تحكمه عهود دولية حول حقوق الإنسان، وتضبط الحكم فيه والعلاقات بين الأمم على امتداد العالم مواثيق ارتضتها الدول ولم تنكرها واحدة منها وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة. تلك المواثيق والعهود فرضت واجبات لا تملك دولة التخلي عنها بدعوى خصوصياتها الثقافية.

    أزاء ذلك التناقض الظاهري بين الدين والقيم المعيارية الجديدة انقسم المسلمون إلى فرق. فريق يقول أن لا مكان للدين في الحياة، ولهذا فالدين غيرُ ذي موضوع بالنسبة للحياة، أو لمنظومة السلوك الدولي الجديدة. وفريق ثانٍ يرى في كل ما ابتدعته الإنسانية بِدعاً ضِليله، وكل ضلالة للنار. بعض من هؤلاء تصاعد في زماننا هذا بتلك الفكرة المدمرة الى تفريق العالم إلى فسطاطين: فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان. وفريق ثالث لا يريد أن يستقيل عن دينه، كما لا يقدر على الانعزال عن العالم فيلجأ إلى تخريجات مستنبطة من المفاهيم والأحكام الدينية الموروثة، وهي تخريجات تؤكد ولا تنفي دعاوي الذين يقولون بعدم صلاحية الدين للعصر لما في مطاوي تلك التخريجات من تناقض داخلي. و في هذا، هم إما مفكرون قاصرون، أو أدعياء منافقون.

    محمود كان من أسبق المفكرين للدعوة لحلول مستمدة من أصول الإسلام، ليس فحسب، ليناهض بها الفكر الموروث الذي لم يعد صالحاً لهذا الزمان، بل أيضا ليدحض بها الفكر الملتبس أو المتيبس للإسلام حماية للإسلام نفسه، خاصة وهو كله آراء رجال وبالتالي لا قدسية له. بدون قراءة جديدة للمفاهيم والأحكام الدينية السائدة ، يستعصي التكامل بين الدين والحياة. في دعوته تلك، انطلق الأستاذ من قاعدة أصولية هي ان الإسلام غير معاش على الأرض الآن، لا على مستوى تشريعات الدولة الإسلامية ولا في مستوى أخلاقيات المسلمين.

    جاء في الحديث "أن للدين صوى(benchmarks) ومنارات كمنار الطريق"، وعن تلك الصوى كان محمود يبحث. بسبب من ذلك انكر تقديس الاحكام التي لم تعد صالحة لزماننا، وأن صلحت كشريعة لمن قبلنا. انكر أيضاً على المعاصرين من حماة ذلك الفكر المتيبس الدور الوسائطي الذي افترضوه لأنفسهم بين الإنسان وربه. ذلك كهنوت لا يعرفه الإسلام، بل نعيذ الإسلام منه بذاته وبأسمائه. فكل مسلم في رأي الأستاذ رجل دين. كما ليس في الإسلام وظيفة يطلق عليها وظيفة رجل الدين. ودوننا العراقي أبو حنيفة، وهو من أبرع الأئمة في استخراج الأحكام الفقهية، كان تاجر خز لم يلهه الاجتهاد عن مهنته.

    في عودته للأصول لم ينحُ طه للتجريد وإنما تقفى كل القضايا الحياتية التي شغلت، أو ينبغي أن تشغل، الناس، وعلى رأسهم قياداتهم السياسية. ففي السياسة الحكمية كتب محمود في عام 1955م عن الفيدرالية كأصلح المناهج لنظام الحكم في السودان، في الوقت الذي كان غيرُه يصفُ الفيدراليةَ بأنها ذريعةٌ استعمارية لتفتيت وحدة السودان وكأنا بهؤلاء لم يكونوا يعرفون كيف وحدتْ الفيدراليةُ دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، وكندا، والبرازيل، وألمانيا. وفي السياسةِ الاجتماعية تناول قضيةَ المرأة في وقت لم يكن فيه للمرأةِ مكانٌ إلا أن تكون مستردفةً وراء الرجل حتى بالمعنى الحسي للكلمة، إذ كان بعضُ الرجال يومذاك يستنكف أن تجلس زوجته إلى جواره في السيارة. ما فتئ بعض من هؤلاء ينادي بقوامةِ الرجل على المرأة مهما كان مستوى علمِها ودينِها وخلقها، ولا ضير عندهم إن كانت المرأة هي العالمة مدام كوري الحائزة على جائزة نوبل مرتين، أو الكاتبة البريعة إيملي برونتي، أو شهيدة الحرية بنازير بوتو. كما لا ضير عندهم ان كان الرجل هو أي فحل جلف ليس له من علم أو خلق يتحفل به أمام المرأة التي يطمع في الولاية عليها. هذه النظرة التي تجعل من المرأة ضديداً للرجل نسبها الأستاذ، بحق، إلى الجهل ولهذا كتب: "المرأة ليست عدوة الرجل، الجهل عدوهما، معاً". لذلك فإن موقف الأستاذ الشهيد من قضية المرأة كان من أعظم فتوحاته الفكرية في الحقل الاجتماعي. وكان الأستاذ ينظر للمرأة كإنسان ينبغي الانتصاف لحقه، أين كان. ويروي لي الراحل الحبيب الدكتور خليل عثمان، وكان قد صَحبَ الأستاذَ في محبسه، كيف أن الأستاذ ظل يُتابعُ انتخابات الرئاسة الأمريكية: رونالد ريقان وجورج بوش ضد والتر مونديل وجيرالدين فيرارو، ويجاهر بتمنياته لفيرارو بالانتصار. سأله خليل: ما الذي تَعرفُ عن هذه السيدة حتى تؤيدَها؟ قال الأستاذ: "أنا لا اعرفُها البتة لكني اتمنى لها الانتصار لأن انتصار المرأةِ في أمريكا لاحتلال موقعٍ كهذا هو انتصار للمرأة في كل مكان". ولعل محموداً قد فطن إلى أن في تحرير المراة تحريراً للمجتمع، وأن في صلاحها صلاحاً للأسرة، فالمرأةُ هي الإنسان كما قال الـروائي الألمــاني المعـروف تومـاس مــــان: "الرجـال هـم الرجـال ولكــــن المـرأةَ هي الإنسـان" (Men are men but woman is man).

    كان للأستاذ أيضاً رأي في الحرب والسلام ذهب به إلى جَذر المشكل بعقود من الزمان قبل ان نعترف بذلك في اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م . في تلك الاتفاقية أعترف طرفاها بجذور المشكلة التي ظلت كل القوى السياسية الشمالية تعوص على نفسها الأمور برفضها. بدلاً عن الاعتراف بجذر مشكلة الجنوب استمرأت تلك القوى البحث عن مشاجب خارجية تُعلق عليها أسباب الخيبة. قال الطرفان في ديباجة بروتوكول ماشكوس: ", وإذ يدركان أن النزاع في السودان هو أطول نزاع في إفريقيا، وأنه قد سبب خسائر مريعة في الأرواح، ودمر البنى التحتية للبلاد، وأهدر الموارد الاقتصادية، وتسبب في معاناة لم يسبق لها مثيل، ولا سيما فيما يتعلق بشعب جنوب السودان، وشعوراً منهما بأوجه الظلم والتباين التاريخية في التنمية بين مختلف المناطق في السودان". في ذلك اعتراف منا بأن لمشكل الجنوب أسبابا متجذرة في الداخل. وحقاً، حين كان السودانُ كلهُ يتلظى بنيرانِ الحرب، كان بعضٌ من أهله لا يُخفي فرحتَه بما حقق من انتصار وهمي. في ذات الوقت ما انفك الأستاذُ ينظر إلى الصورة المتكاملة ولا يتوه في تفاصيلها، أو يهرب إلى الإمام من واقعها الكالح. كان كلما تباهى المنتصرون بقولهم: "لقد قضينا على مائة من الخوارج وأستشهد منا خمسة"، يعقب بالقول: "أما نحن فنقول أن السودان فقد مائة وخمسة من رجاله".

    بصورة عامة كان محمودٌ في سَرَعَان الناس (أي أسبقهم) إلى إدراك البعد الوطني لما ظللنا نسميه مشكلة الجنوب. كتب في واحدة من رسالاته ازاء الإسراف في الحديث عن مشكلة الجنوب، وكأن هذا الجنوب هو جنوب المريخ: "وللشمال مشكلة أيضاً". بذلك سبق قول الراحل جون قرنق:"مشكلة الجنوب هي فرع (Subset) من مشكلة السودان". هذا طرف من قضايا السياسة التي أهَمَت الأستاذ في حين صمت عنها السياسيون إما عجزأً أولا مبالاة. أدهي من ذلك أن اللهاثَ وراءَ السلطة يومذاك كان هو الشغلُ الشاغل لسادة الحكم، دون أي اجتراء من جانبهم على مواجهة النفس ونقد الذات، بل دون أن يقولوا مرة واحدة لمن ولوهم السلطة أو حملوهم إلى سدتها، ما الذي يريدون أن يفعلوا بتلك السلطة من أجل قضايا الناس.

    وإن كانت نظرةُ الاستاذ الشهيد للمدينة الفاضلة التي قَدرَها وأحب أن يصير إليها السودانُ نظرةً شمولية تكاملية، إلا أنه قَدَر أيضاً ان السودانَ جزءٌ من عالم لا يستطيع السودانُ الانفكاك عنه، كما هو جزء من حضارة إنسانية لا سبيل له للانخلاع عنها. في ذلك لم يذهبْ مذهبَ الذين يدعون للانخلاع عن الحضارة المعاصرة بدعوى تناقضها أو تباينها مع خصوصية ثقافية مدعاة، أو نقاء عرقي مزعوم. فهؤلاء مع كل مزاعمهم بفساد تلك الحضارة وجَحدهم لكسبها ومنجزاتها الإنسانية ظلوا يلتهمون نتاجها في المسكن والملبس والمشرب والتواصل والترحال، أي يعيشون كمستهلكي حضارة لا منتجين لها.

    شهيد الفكر كان يرمي ببصره بعيدأ ويقول أن الحضارة المعاصرة، حضارة القرن العشرين بلغت نهايات النضج. وان البشرية المعاصرة مجتمع كوكبي إن أصيب جزء منه تداعت لمرضه بقية الأجزاء. هذه النظرة التي جاء بها الأستاذ الشهيد في السبعينات سبقت ما تواصينا عليه بعد عَقد من الزمان في لجنة دولية كان لي شرف المشاركة في رئاستها: اللجنة الدولية للبيئة والتنمية. خرجت تلك اللجنة على الناس بتقرير اصبح هو الميثاق الدولي للبيئة في قمة الأرض بريو دي جانيرو. جوهر ذلك الميثاق هو وحدة كوكبِ الأرض بحيثُ ينبغي على كلِ فردٍ في المعمورة إن يفكر عولميا ويعمل محلياً. ثم جاء من بعد فيضان العولمة بخيره وشره، وانداحت معه الحدود بين البلاد. ولعلني لا أريد أن أتقفى أثر المفكرين المسطحين الذين يحاولون إيجاد نسب لكل فكرة حضارية جديدة، أو ظاهرة علمية مستحدثة بتجارب الدولة الإسلامية وبالقرآن الكريم، ناهيك عن ربطها بأفكار مجتهد معاصر، لا سيما وقد جاء زمان أطل علينا فيه نفر من المتفيقهين الذين لم يستح واحدٌ منهم من أن يفتعل لتخليق النعجة دوللي بالاستنساخ ذِكراً في الكتاب الكريم. كل ما أريد قولَه هو ان الشهيدَ المفكر كان يعالجُ إمور بلاده في محيط كوكبي أرحب لا نملك إلا ان نعيش فيه، ونتفاعل معه، ونؤثر عليه، ونتأثر به، في حين كان غيره لا يبصرون حتى ما تحت أقدامهم بدليل عجزهم عن معالجة أدنى مشاكل الحكم والحياة.

    هذه النظرة الكلية لقضايا الإنسان في السودان كانت بارزة أيضاً في ما كتب الأستاذ عن الاقتصاد. من ذلك رسالته حول الضائقة الاقتصادية (1981م). وأمثال تلك الضائقة يتخذها دوماً معارضو الحكم تكأة لتخذيله، أو ذريعة لحمله على الفشل. يفعلون ذلك دون أدنى اهتمام لما لتلك الضائقة من أثر على الوطن والمواطن. في تناوله لتلك الضائقة (والتي نستعرضها كنموذج) تناول الأستاذ البعد الأخلاقي للأزمة: مسئولية الدولة ومسئولية الأفراد؛ الريف والمدينة وأثر إنهيار الاقتصاد الريفي على انهيار المجتمع الحضري؛ البعد الخارجي: التجارة الدولية، الديون؛ البيئة الطبيعية، الكوارث مثل الجفاف والتصحر. هذه النظرة الموضوعية العلمية لقضايا الناس هي التي يترجاها المواطن من قادته ومفكريه إن كانوا حقاً جادين في تدارس أي أمر ذي بال حتى يصلح حاله وأمره. وإلا حق قول أبي العلاء بأن الحكم ومذاهبه عند أولئك ليس هو إلا وسيلة لجلب الدنيا لسادة الحكم.

    إنما هذه المذاهب أسباب لجلب الدنيا إلى الرؤساء

    تساءلت ذات مرة عن ما الذي يحول دون هذا المفكر، طالما أهّمَته السياسة، أن ينشئ حزباً سياسياً يتصارع عبره مع الآخرين على الحكم حتى يترجم أفكاره تلك إلى واقع. قال: "غايتنا ليست الحكم هي وإنما خلق المسلم الصالح المتكامل، وبصلاح الناس يصلح المجتمع". وحقاً لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، وحقاً أيضا أن لا سراة إذا تسيد الجهل على الناس.

    قلت أن الاستاذ المجدد كان يسعى لبناء مدينة فاضلة بخلق النساء والرجال الفاضلين. والرجل الفاضل عنده، فيما تبينت من قوله، هو الإنسان مجدول الخلق الذي يحسن عمله، ويقوم برعاية أهله وذويه، ويؤدي فروض ربه ووطنه. سألته ذات مرة كيف تنتقي أبناءك وبناتك من الجمهوريين، وما الذي تتوخاهُ فيهِم؟ قال: في البدء ان كان ذا مهنةٍ فلابد له من إن يُجود مهنتَه، فالرجلُ الذي لا يستجيدُ مهنتَه يفتقدُ القوام الرئيس لقيادة الناس، وقوامُ كلِ شئ هو عِماده. الأمر الثاني هو القدرة على التبليغ، أي نشر الفكرة بين الناس بالتي هي أحسن بحيث لا يستفزه، عند الحوار، مستفز أو يزعجه مزعج. ثالثاً – وذلك هو بيت القصيد - أن لا يفعل في سره ما يستحي من فعله في علانيته. وكأني بالأستاذ الشهيد أراد ان يجعل من صحبه بشراً يقاربون الأنبياء في سلوكهم. هذا أمر لا أدعي أنني قادر عليه، ولمن قَدِر عليه من صحاب المفكر الشهيد تحية إعجاب.
    بُغية الأستاذ المعلم، إذن، كانت هي إعداد بنيه وبناته ليكونوا قدوة صالحة تُكلف نفسها في سبيل الدعوة غاية ما تقدر عليه. هذا امر ليس منه بُد إن كانت الدعوة لدين أساسَه الاستقامة والاستواء "وذلك هو دين القيَّمة". ولعله في هذا ذهب مذهب ابن رشد القرطبي في نظرته للكمال الإنساني. فعند ابن رشد يتميز الإنسان العاقل بما يحصل عليه من عتاد روحي وثقافي ومعارفي وتتكامل عنده الحكمة والشريعة لما بينهما من اتصال.

    لمحمود أيضاً رأي في الإنسان أبدع فيه. قال في واحدة من رسائله "الرجالُ عَندنا ثلاثة: الرجلُ الذي يقولُ ولايعمل لأنه يخافُ من مسئوليةِ قوله، وهذا هو العبد. والرجلُ الذي يَحِبُ ان يقولَ وان يعملَ ولكنه يحاولُ أن يهربَ تحت الظلام فلا يواجهُ مسئوليةَ قوله ولا عمله، وهذا هو الفوضوي. والرجل الذي يحب أن يفكرَ وأن يقولَ وأن يعملَ وهو مستعد دائماً لتحمل مسئولية قوله وعمله، وهذا هو الرجلُ الحرّ (الثورة الثقافية)". هذا حديث حكيم شفيف الباطن. استذكرت الشاعر الراحل محمود درويش (الجدارية) وأنا أعاود قراءة كلمات محمود هذه:
    أنا لستُ مني لو أتيتُ ولم أصل
    أنا لستُ مني لو نطقتُ ولم أقل
    أنا من تقول له الحروفُ الغامضات
    أكتُب تكن
    اقرأ تَجِد
    وإذا أردتَ القولَ فأفعل ، يتحد
    ضداك في المعنى
    وباطنُك الشفيف هو القصيد

    فللأستاذ، إذن، رؤية سوية للإنسان المثال لا إفراط فيها ولا تفريط، وإن كان هو في خاصة نفسه قد غالى، بمعاييرنا، في قمع نفسه حتى عن اللَمَم وتوافه الملذات . روى لي الدكتور الراحل خليل عثمان إبان محاياته للأستاذ وهما في الحبس إلحَافه على الشهيد أن يتناولَ معه كوباً من الشاي فتأبى الأستاذ، ثم رضخ لإلحاف خليل. وفي اليوم التالي كرر خليلٌ الدعوةَ له وهو يذكره بأنه تناول الشايَ البارحة دون أن يلحقَ به ضُر. قال الأستاذ: "لقد فعلتُها بالأمس إكراماً لك ولكني أعرف أن الشاي منبه وإن تناولتَه المرة بعد الاخرى صار شربُه لي عادة وأنا لا أريد أن أكون عبداً لأي عادة".

    قلت ان في مسلك الأستاذ نسكاً وتصوفاً، يستعيد للذاكرة قول الإمام الغزالي في الأحياء حول الزهد: "هو أن تأتي الدنيا للإنسان راغمة صفوا عفوا وهو قادر على التنعيم بها من غير نقصان جاه، وقبح اسم، فيتركها خوفاً من أن يأنس بها فيكون آنسا بغير الله، محبا لما سواء، ويكون شركاً لما سواه، فيحب الله غيره" لهذا سألته عن رأيه في متصوفة السودان، ولماذا يصب جام غضبه على الإسلاميين المحدثين لا على المتصوفة؟ ذلك سؤال قصدت به الإستفزاز الفكري، لا سيما ورأيي في علماء السودان ومتصوفته رأي إيجابي إذ عشت في رحابهم، وتعلمت أصول ديني من أشياخهم، قال الأستاذ: "المتصوفة والعلماء هم الذين قربوا الإسلام إلى نفوس أهل السودان بالحسنى، وحببوه إليها بتقوى الله ولهفة المظلوم، ولم يتخذ غالبهم الدين طريقاً للدنيا". أما الطائفيون الذين اتخذوا الدين معبراً للسياسية والمحدثون ممن ينصب أنفسهم دعاة للإسلام فقد أساءوا إلى الإسلام من جانبين: أولاً احتكار الحقيقة حول الدين بالرغم من سوء فهمهم له؛ وثانياً تبغيض الناس فيه بسبب من الغلواء في الأحكام، لهذا فان مسعاه، كما قال، هو استنقاذ الإسلام من هؤلاء. هذا الموقف هو ما ظل الأستاذ ثابتاً عليه في كل ما كتب عن الطائفية السياسية، وكان متسامحاً فيما كتب، بمعنى أن الإصرار على الحوار الفكري، لا إغتيال الشخصية وإلغاء الآخر، هو قمة التسامح. ورغم اختلافه مع الطائفيين والإخوان المسلمين والشيوعيين دعا عند المصالحة الوطنية في عهد نميري (أغسطس 1977م) إلى خلق منابر فكربة تتصارع فيها كل هذه القوى السياسية واسماها بأسمائها: لم يستثن منها واحداً. وكان يومها يتمنى أن يُملأ الفراغ السياسي بالفكر. أما الآخرون الذين تداعوا إلى تلك المصالحة فلم يروا لها إلا وجهاً واحداً هو المشاركة في الحكم عبر ائتلاف حزبي أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة قومية.

    وعوداً على بدء في موضوع مَنسِك الأستاذِ نقول أن نسكه كان ذا طبيعة خاصة به، كان رجلاً من غمار الناس يمارس كل عوائدهم: يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويعود المريض، ويواسي الجريح ، ويعزي في الميت، كما لم يك يحسب نفسه منذوراً للبتولة كالمسيح أو أحبار الكنيسة إذ تزوج وأنجب كبقية الخلق. لم يذهب أيضاً مذهب المتصوفة في إقصاء المعارف الدنيوية من حياتهم لأنها تلهيهم عن القربى، أي اقتراب السالك من ربه. فجُل المتصوفة لم يبتغوا من قراءة القرآن وتفسيره استنباط أحكام فقهية أو عقائد كلامية، بل كانوا يريدون بها خلاصاً شخصياً بتعميق تجربتهم الروحية. بخلاف ذلك، انغمس الأستاذ حتى أخمص قدميه في المعارف الدنيوية يحاور وينتقد، ويقبل ويرفض. ولم يكن اقترابه من التوحيد من وجهة حلولية شأن كل المتصوفة، بل محاولة فلسفية منه للحصول على معارف واقعية تهدي الإنسان في الحياة الدنيا؛ أي أنه "رأي سبيل الرشد فأتخذه سبيلاً". كما كان سبيله للآخرة هو الإقدام على الفروض والواجبات إقبال رجل يغشى قلبه الوجل من مخافة الله :"إذا ذكر الله وجِلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً" (الأنفال،2). كما كان يدرك أن وراء أداء الشعائر مغزى روحي عميق غير المعنى الظاهري، فتماماً كما أن ليس للصائم من صيامه غير الجوع والعطش، ليس، في حال البعض، للمصلي من صلاته غير القيام والقعود. الدين عند هؤلاء هو حوار أبدي بين الإنسان وخالقه في الليل والنهار حتى يتحقق لهم المقام المحمود: "ومن الليل تتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" (الإسراء 79).

    ثم جاءت نهاية شهيد الفكر كنهايات أضراب له وأشباه من المفكرين الذين قدموا ارواحهم قرابين في محاريب الفكر، كانت نهايتهم على يد طغاة كحال الأستاذ الشهيد وتوماس مور، أو غوغاء كحال سقراط وغاندي. هؤلاء جميعاً لا ذنب لهم غير المجاهدة حتى يصبح الإنسان إنساناً. فمن قبل محمود ذهب سقراط ضحية اتهامه بتلويث عقول الإثينيين ولكنه، رغم إلحاح إفلاطون وزينوفون عليه كي يهرب - وكانوا يعدون للأمر عدته - رفض ذل الهرب من الموت. ذلك مشهد وصفه شوقي فأبدع في الوصف:

    سقراط أعطى الكأس وهي مليئة شفتي محب يشتهي التقبيلا
    عرضوا الحـياة علـيه وهي ذليلة فابى وآثر أن يمـوت نبيلا

    أما غاندي الذي لم يعرف للعنف سبيلا فقد مات مغدوراً على يد متطرف هندوكي. بُغضُ غاندي للعنف وحبُه للناس حملاه على أن يقول:"هناك أهداف كثر أنا على استعداد للموت في سبيل تحقيقها، غير أني لا ارى هدفاً واحداً يمكن أن يدفعني إلى قتل إنسان". نقل نبأ رحيل غاندي لأهل الهند جواهر لال نهرو وهو يقول:"لقد انطفأ النور من حولنا، فالظلام يعم كل مكان." ثم استدرك قائلاً:"ما كان لي أن أقول هذا. أنتم لن ترونه بعد اليوم، إلا أنه سيبقى بين ظهرانيكم".

    توماس مور، رجل كل الفصـــول، آثر الصـمت عندما قضــي هنري الثامن بإعدامه لرفضه التوقيع على القانون الذي يجعل من هنري رئيساً للكنيسة (Act of supremacy). وعندما أقتيد إلى المشــــنقة رفض أن ينبس ببنت شـــــــفه لقاضيه وجــلاده عــدا كلماته الاخـيرة التي صـمت بعــدها: "لا يحق لبشــــر زائل أن يكون رئيســــاً للروحــانية: "No temporal man may be head of spirituality". ذلك كان موقف الأستاذ الشهيد، إذ ما أبلغ صمته وأجمل سمته أمام المشنقة، فالجلاد وقضاة النار لم يبتغوا من الدعوة لاستتابته إلا كسر نخوته. ومن الحمق ان يظن ظان أن رجلاً تمرس بالشدائد، وصهرته المحن، وعرف الحق، سيفعل آخر الليالي ما لم يفعله في صباه. الشهيد ذو مِرة، وذو الِمرة لا ينكسر أمام الخطوب.

    في تلك الأيام الحوالك عشت في لندن مع إخوة لي اغلبهم ممن عرف الاستاذ الشهيد من خلال ما كتب: الراحل حسن محمد علي بليل الاقتصادي المعروف، والراحل أبوبكر البشير الوقيع الإداري النابه، والأستاذ التجاني الكارب، ثم الراحل رفيق محمود، الدكتور خليل عثمان. بليل والكارب لم يكونا يبكيان على رجل ، بل كان بكاؤهما على موت ضمير. قالا سوياً:"هذا هو اليوم الوحيد الذي تمنينا فيه ان لا نكون سودانيين". ما تركنا يومذاك باباً في عواصم العالم إلا وطرقناه حتى يُرَد الطاغية عن غيه. ثم ادلهم الظلام وذهب محمود كما يتوقع المرء أن يذهب، مرفوع الرأس كالرواسي الشامخات.

    أمثال محمود لا ينتهون بنهاية الوظائف البيولوجية لأجسامهم، وإنما هم باقون بما خلفوا في الرأس وفي الكراس. باقون بما سطروا على الورق، وما تركوا في أدمغة الرجال والنساء. وبهذا يصبح، أو ينبغي أن يصبح، السكون الأبدي لأجسادهم حركة دائبة. لا تهنوا، إذن، أيها الصحاب فأنتم اقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاض ظلوم، ومن أي عالم من أولئك الذين تراكم الصدأ على خلايا عقولهم.



    *
                  

09-14-2014, 12:04 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    Quote: ويروي لي الراحل الحبيب الدكتور خليل عثمان، وكان قد صَحبَ الأستاذَ في محبسه، كيف أن الأستاذ ظل يُتابعُ انتخابات الرئاسة الأمريكية: رونالد ريقان وجورج بوش ضد والتر مونديل وجيرالدين فيرارو، ويجاهر بتمنياته لفيرارو بالانتصار. سأله خليل: ما الذي تَعرفُ عن هذه السيدة حتى تؤيدَها؟ قال الأستاذ: "أنا لا اعرفُها البتة لكني اتمنى لها الانتصار لأن انتصار المرأةِ في أمريكا لاحتلال موقعٍ كهذا هو انتصار للمرأة في كل مكان". ولعل محموداً قد فطن إلى أن في تحرير المراة تحريراً للمجتمع، وأن في صلاحها صلاحاً للأسرة، فالمرأةُ هي الإنسان كما قال الـروائي الألمــاني المعـروف تومـاس مــــان: "الرجـال هـم الرجـال ولكــــن المـرأةَ هي الإنسـان" (Men are men but woman is man).



    Quote: لمحمود أيضاً رأي في الإنسان أبدع فيه. قال في واحدة من رسائله "الرجالُ عَندنا ثلاثة: الرجلُ الذي يقولُ ولا يعمل لأنه يخافُ من مسئوليةِ قوله، وهذا هو العبد. والرجلُ الذي يَحِبُ ان يقولَ وان يعملَ ولكنه يحاولُ أن يهربَ تحت الظلام فلا يواجهُ مسئوليةَ قوله ولا عمله، وهذا هو الفوضوي. والرجل الذي يحب أن يفكرَ وأن يقولَ وأن يعملَ وهو مستعد دائماً لتحمل مسئولية قوله وعمله، وهذا هو الرجلُ الحرّ (الثورة الثقافية)". هذا حديث حكيم شفيف الباطن. استذكرت الشاعر الراحل محمود درويش (الجدارية) وأنا أعاود قراءة كلمات محمود هذه:
    أنا لستُ مني لو أتيتُ ولم أصل
    أنا لستُ مني لو نطقتُ ولم أقل
    أنا من تقول له الحروفُ الغامضات
    أكتُب تكن
    اقرأ تَجِد
    وإذا أردتَ القولَ فأفعل ، يتحد
    ضداك في المعنى
    وباطنُك الشفيف هو القصيد


    Quote: فللأستاذ، إذن، رؤية سوية للإنسان المثال لا إفراط فيها ولا تفريط، وإن كان هو في خاصة نفسه قد غالى، بمعاييرنا، في قمع نفسه حتى عن اللَمَم وتوافه الملذات . روى لي الدكتور الراحل خليل عثمان إبان محاياته للأستاذ وهما في الحبس إلحَافه على الشهيد أن يتناولَ معه كوباً من الشاي فتأبى الأستاذ، ثم رضخ لإلحاف خليل. وفي اليوم التالي كرر خليلٌ الدعوةَ له وهو يذكره بأنه تناول الشايَ البارحة دون أن يلحقَ به ضُر. قال الأستاذ: "لقد فعلتُها بالأمس إكراماً لك ولكني أعرف أن الشاي منبه وإن تناولتَه المرة بعد الأخرى صار شربُه لي عادة وأنا لا أريد أن أكون عبداً لأي عادة".

    Quote: قلت أن الأستاذ المجدد كان يسعى لبناء مدينة فاضلة بخلق النساء والرجال الفاضلين. والرجل الفاضل عنده، فيما تبينت من قوله، هو الإنسان مجدول الخلق الذي يحسن عمله، ويقوم برعاية أهله وذويه، ويؤدي فروض ربه ووطنه. سألته ذات مرة كيف تنتقي أبناءك وبناتك من الجمهوريين، وما الذي تتوخاهُ فيهِم؟ قال: في البدء ان كان ذا مهنةٍ فلابد له من إن يُجود مهنتَه، فالرجلُ الذي لا يستجيدُ مهنتَه يفتقدُ القوام الرئيس لقيادة الناس، وقوامُ كلِ شيء هو عِماده. الأمر الثاني هو القدرة على التبليغ، أي نشر الفكرة بين الناس بالتي هي أحسن بحيث لا يستفزه، عند الحوار، مستفز أو يزعجه مزعج. ثالثاً – وذلك هو بيت القصيد - أن لا يفعل في سره ما يستحي من فعله في علانيته. وكأني بالأستاذ الشهيد أراد ان يجعل من صحبه بشراً يقاربون الأنبياء في سلوكهم. هذا أمر لا أدعي أنني قادر عليه، ولمن قَدِر عليه من صحاب المفكر الشهيد تحية إعجاب.
                  

09-14-2014, 12:06 PM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: نصر الدين عثمان)

    المفكر الدكتور/ منصور خالد- الذاكرة السياسية (4)- العربية
                  

09-20-2014, 04:57 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: نصر الدين عثمان)

    لك الشكر أستاذ نصر الدين
                  

09-20-2014, 10:35 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22959

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    تحياتى لك شقلينى ولضيوفك ولحين عودة
                  

09-21-2014, 10:06 AM

نصر الدين عثمان
<aنصر الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 03-24-2008
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: بدر الدين الأمير)

                  

10-08-2014, 07:43 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)

    up
                  

10-09-2014, 01:55 AM

elhilayla
<aelhilayla
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 5551

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: عبدالله الشقليني)


    شكرا الأخ عبدالله علي هذه الكوة في سيرة أستاذنا دكتور منصور
    تابعت بكل جوارحي اللقاء الذي أجراه طاهر بركة مع أستاذنا دكتور منصور
    وقد أستمعت لكل حلقاته مثني وثلاث ورباع ولم أمل
    كما أقرأكل كتبه عربيها وأعجميها بلا ملل
    لك التحيات وللأخ نصر الذي نقل لنا الحلقات صوتا وصورة
    علقت علي بعض الأشياء في الفيديوهات ولا أريد أن أزحم بها البوست: فهي موجودة مع الفيديوهات

    تحياتي لك
    ولضيوفك الأماجد
    ـــــــــــــــــ
    الحليلة
                  

10-10-2014, 04:15 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لقاء هام للدكتورandquot; منصور خالدandquot; في قناة العربية سيذاع قريباً ... (Re: elhilayla)

    elhilayla
    نصر الدين عثمان

    الأكرمين أعلاه تحياتي
    وكثير امتناني للمساهمات الجليلة التي جعلت الملف زاخراً
    وألف شكر لقناة العربية ...، أجبر المؤرخ على إضافة
    لم يقدمها في كتاب أو في مقابلة سابقة

    لكما الشكر

    *
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de