تباريح جريح .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 09:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-30-2014, 02:19 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تباريح جريح .

    3-21-11-elephant.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الفيل صديقى


    كلما سمعت كلمات الاقتصاد الحر والخصخصة والانفتاح الاقتصادى , تحسست مسدسى , هى كلمات مثل قميص سيدنا (عثمان) تنذر بالخراب .
    وأين يعشق البسطاء ويتنزهون ؟ , وحديقة الحيوان هى الان يا (صفية) برج مُنبعج غريب الشكل للأغنياء فقط , لعنة المبانى الحديثة , مثل لعنة ورمك السرطانى فى الثدى الايسر .
    1

    اتذكر (الفيل) الافريقى والنظرة الاولى .. وأنتِ تقفين لالتقاط صورة تذكارية , طالبة فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم , انزل (الفيل) خرطومه الضخم بكامله على كتفك الايمن دون مقدمات , اجلسك ارضاً من الخوف
    - سجمى .. سجمى .
    خطواتك المرتبكة خجلاً من الموقف السخيف .. ضحكت منك , تابعتك حتى قفص (قرود) تستجدى فى اذلال حبات من (التسالى) و (فول الحاجات) حديثنا الاول كان امام (أسد) كسر الاسر حدة زائيره وخلعت منه القضبان الابدية صولجان الغابة الموروث
    - الزولة بتاعت الفيل .
    - ثقيل خلاص .
    من يتذكر الان يا (صفية) حديقة الحيوان ؟ .
    وصمة عار ان تبيع دولة حديقتها العامة للحيوان من اجل حفنة دولارات خضراء , وهل يستطيع عاقل ان يعرض تماثيل المتحف القومى فى مزاد ؟ .. كيف يتم بيع التاريخ ؟ , ذكريات الناس ! الرئة الواسعة للتنفس .
    رحلات مدرسية من اقاليم واطراف بعيدة .. اطفال بعيون واسعة مستديرة ينظرون (للفيل) - صديق صفية - فى انبهار .
    - ماشيين جنينة الحيوانات .
    كورالات طفولية حمقاء .. اساتذة فلت منهم العيار امام هوجة البهجة .
    - يا يمة وين القى الشجر
    القى المياه الصافية
    القى الصحاب نلعب سوا
    فى صحة طيبة وعافية .
    صخب وضجة حبيبة , بائعى (الترمس) و (الكبكبية) يفرحون بالعطلات الرسمية , ازدحام الناس .. اهلى الفقراء القادمين من البلد , عزومة فى (قاعة الصداقة) وقضاء يوم بطوله فى الحديقة التى انقلبت برجاً بقدرة قادر .
    كيف تبيعون تاريخ الناس للناس يا ناس ؟ .
    2

    لغة المال لديها واقعية مُريعة , البيع والشراء والأرقام البحتة , لا تاريخ ولا جغرافيا او ذكريات , القانون الوحيد هو معيار الربح والخسارة .
    اشتكى بطل رواية (غير المرغوب فيه) للمبدع الفرنسى الكبير (رجيه دوبريه) من انه لا يتمتع بالغبار يغطى كتبه وأحذيته , يشتكى من عدم وجود سرير ثابت ينام عليه ووسادة يجد فيها رائحة عرقه , كان يسارياً مُطارداً يتنقل دون هوادة من مكان لمكان , يحلم بالثبات , ان يمد جذوره فى تربة راسخة .. مثله اموت عندما لا اجد حديقة الحيوان , بدلاً عنها يا (صفية) خرج ذلك الكائن الاسمنتى المشوه من بين صفحات الكتاب الاخضر , آليات كبيرة تنقل كتل من الحديد , تدوس على ارض مُشبعة بذكريات اللقاء الاول , اقتلعوا يا (صفية) اشجاراً حفظت مثل (ببغاء) حوارات الحب الصادقة ولمس الاصابع للاصابع .
    رومانسيتى الغبية فى مواجهة لغتهم الغريبة , ارهقتنى حداثتهم المجنونة , مشاريعهم الربحية للترويح عن النفس , صالات بلياردو مكيفة الهواء , كازينوهات تسد النيل عن العيون , اين يذهب اطفال المدارس البسطاء ؟ , اين تذهب تعليقاتهم الجارحة على (شمبانزي) كبير .
    و(الشماسة) والنوم تحت ظلال الحديقة البائدة , فحتى معهدهم الدائم لتعلم اللغة الهندية - سينما كوليزيوم - فى طريقه للاندثار .
    الحداثة التى لا احبها , ابراج عالية تجعلنى مثل (جيلفر) فى بلاد العمالقة , قزماً يتخبط .
    اين (الخرطوم) التى احبها ؟ .
    اين (خرطومى) ؟
    خرطوم (فيل) يضربك على كتفك يا (صفية) وأنتِ تستعدين فى بلاهة للتصوير امامه , تجلسين على الارض فى هلع
    - سجمى .. سجمى .
    يرفع (الفيل) الافريقى انفه عالياً فى انتصار .. خطواتك المرتبكة تحمل الجسد الرشيق بعيداً عن ضحكات من شاهد الموقف - جسدك الذى سيخسر معركة فاصلة ضد سرطان الثدى - .. لخص صعلوك ضليع ما حدث فى عبارات حكيمة
    - تعرف يا معلم , حتى الفيل مُعجب .
    3

    فى هوجة بيع القطاع العام , اعرف الارقام والضرر الاقتصادى , افهم بشكل نظرى للغاية معنى بيع السكة الحديد , وأستطيع ان اتحدث لساعات عن شرور الخصخصة .
    ولكن عند الحديث عن حديقة الحيوان , فانا اتحدث بكل بساطة عن نفسى , عن تاريخى الخاص جداً .. هو نفس الفرق بين ان تحزن لمشاهدتك جثمان داخل كفن وبين ان تكون انت نفسك داخل هذا الكفن .
    برجوازيتى التى احبها فى العمل العام , الكتابة عن حديقة حيوان ضاعت فى وطن يتجه هو نفسه نحو الضياع النهائى .
    افكر ان اكتب كتاب عن تاريخ هذه الحديقة , وأتمنى من كل من يحتفظ بمرجع او صور ان يمدنى بها عبر بريدى الالكترونى حتى لا تصبح الذاكرة مثل غربال
    يجب ان نكتب , ونكتب , ونكتب .
    حتى لا ياتى جيل ينسى ويحب هذا البرج المنبعج .
    4

    كان عندها عشق خاص (للنعام) , تريد مشاهدته وهو يطير , تجمع حصى صغيرة تقذفها نحوه
    - طيروا .. طيروا .
    - يا صفية النعام ما بيطير .
    - ليه ؟ .
    - عشان جسمو كبير .
    يجرى (النعام) سريعاً فى رشاقة مُذهلة , ولكنه يكتشف الفاصل الحديدى , يتوقف بحسرة , يرفع الراس الصغير المثبت على الرقبة النحيلة , ينظر لـ (صفية) طالباً المساعدة , ترفع يديها للسماء فى تهليل صبيانى
    - طيرى .. عليك الله طيرى .
    سماء صافية زرقاء , وشمس حارقة فى رحلة سرمدية .. بلد بدون حديقة حيوان وجسد شابة بديعة انهزمت فى معركة خاسرة بالسرطان ترقد الان فى مقابر (حمد النيل) منذ سنوات .. و (نعام) لن يطير ابداً , وانا ما زلت على قيد الحياة ! .. يا فرحتى .

    شاهين
                  

07-30-2014, 03:33 PM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: shaheen shaheen)

    Quote: سماء صافية زرقاء , وشمس حارقة فى رحلة سرمدية .. بلد بدون حديقة حيوان
    وجسد شابة بديعة انهزمت فى معركة خاسرة بالسرطان ترقد الان فى مقابر (حمد النيل) منذ سنوات ..
    و (نعام) لن يطير ابداً , وانا ما زلت على قيد الحياة ! .. يا فرحتى .

    نص بديع وغريب!

    شاهين، سلام،
    أرجو أن تتقبّل تحيّاتي وتهنئتي،
    فكل عام وأنتم بخير!
                  

08-01-2014, 09:47 AM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: صلاح عباس فقير)

    تحياتى واحترامى وتقديرى أستاذ/ صلاح عباس فقير .
                  

08-01-2014, 10:04 AM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: shaheen shaheen)

    13589.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    سلامات

    فى المرة الاولى لى فى شارع هذه المنطقة الراقية وانا اتجه لعملى الجديد , مررت بجواره دون سلام , يجلس تحت ظل شجرة (النيم) رغم اننا فى الصباح الباكر والشمس الشريرة مازالت رحيمة بخلق الله
    فى المرة الثانية القيت عليه تحية سريعة
    - السلام عليكم .
    نظر لى فى برود لم يرد ! , او ربما لم يسمع التحية
    بعدها صرت امر بجواره دون اهتمام , يجلس نفس الجلسة فى نفس الموقع , سيجارة بين أصابع يده اليمنى , و(منشة) بلاستيكية حمراء لقتل ذباب وهمى فى يده اليسرى
    قلت هو من أرباب المعاشات , قذف به قطار الخدمة المدنية فى المحطة الاخيرة ولم يدرى ما يفعل بعدها
    هو من اعاد المياه الى مجاريها ذات يوم , رفع راسه بطريقة درامية ونظر لى عندما اصبحت فى مُحاذاته
    - كيفك يا شاب ؟ .. ربنا يساعد .
    ابتسمت لهذه البادرة الطيبة
    - ربنا يخليك .. كيف الصحة يا حاج ؟ .
    - تمام .
    قالها فى يأس
    اصبحت التحية من الطقوس الروتينية فى طريقى للعمل
    - السلام عليكم .
    - صباح النور .
    كان يُحب ان يرد على التحية بطريقة مختلفة
    - صباح الخير يا حاج .
    - وعليكم السلام يا ابنى .. ربنا يقويك .
    المرة الوحيدة التى صافحته فيها باليد وبمودة حقيقية وشوق , كانت بعد أجازة عيد الفطر السابق
    - كل سنة وانتا طيب يا حاج , ربنا يحقق الامانى .
    أكتشفت عندها ان هناك رعشة خفيفة فى يده , وصعوبة بالغة للنهوض من الكرسى الخشبى الصغير , ربما أثار (جلطة) خفيفة تعافى منها
    ابحث عنه بنظرى لو غاب يوم عن مجلسه المعتاد فى طريقى
    - السلام عليكم وين أمبارح ؟ .
    - صباح النور .. مشاغل الدنيا والزهج من الروتين .
    وجدت ذات مرة شابة بديعة تقف امامه وتتحدث معه بعنف بالغ
    - قلتا ليك الكلام ده مليون مرة , انتا الظاهر عليك بقيت عجوز مُخرف , يلا قوم خش جوه .
    عرفت دون صعوبة انها ابنته , الشبه كان كبير , نفس اللون والفم والأنف , القيت عليه التحية المعتادة , لم يرد نظر لى فى خجل ثم نظر للارض فى انكسار , ونظرت لى الشابة بغضب غير مفهوم
    فى اليوم التالى وجدت فى شارعى المُعتاد خيمة عزاء كبيرة , سيارات , وزحام من الناس .. غيرت طريقى للشارع الموازى , فى الايام التالية بعد انتهاء العزاء كنت ابحث عنه بعيونى .. أسبوع كامل دون ان يظهر
    وذات مرة وجدت الشابة الغاضبة تقف امام الباب ترتدى ملابس حداد سوداء وهى تنادى على طفل صغير شبه عارى , اتجهت نحوها
    - السلام عليكم .
    اُريد السؤال عنه
    نظرت لى بحقد لئيم وأغلقت الباب فى وجهى بعنف وهى تبرطم بكلمات بذيئة , نظرت لشجرة (النيم) فى حزن ومضيت فى حال سبيلى .

    شاهين
                  

08-07-2014, 05:12 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: shaheen shaheen)

    image_t6.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    انسان عادى

    رائحة عرقه العطنة , جعلتنى التصق أكثر بالجسم المعدنى الذى ترتكز عليه نافذة المركبة العامة حتى ابتعد عنه قدر المستطاع فى هذا الحيز الضيق , لمحته بطرف عينى اليمنى , يقترب مثلى نحو عتبات الخمسين من العمر بخطوات سريعة
    - الراكب بـ كم يا أستاذ ؟ .
    قالها فى يأس
    رددت عليه بحسم وانا انظر من النافذة بعيداً عن رائحته
    - 600 جنيه يا ود العم .
    شعرت انه ما زال ينظر لى فى رجاء
    فى المقعد الذى امامنا كان هناك شاب صغير وامرأة بدينة , كانت هناك حركة مُريبة بينهما .
    - عندى 1000 جنيه بس .
    - الحالة بقت صعبة يا ود العم .
    المرأة البدينة التى امامنا نظرت للشاب صغير السن ثم ابتسمت , قال لها كلمة لم أسمعها
    وجارى صاحب الرائحة العطنة يطلب باصرار من (كمسارى) المركبة العامة
    - عليك الله رجع لى 500 جنيه .
    - يا حاج التعريفة بـ 600 , ما تعمل لينا صاموتا فى راسنا من اول الصباح .
    قال لى بعد ان خسر معركته
    - محطة الشجرة لسه ؟ .
    - لسه يا ود العم .
    نامت , رفعت يدها اليسرى بكاملها على الحافة العلوية للمقعد الذى امامها ووضعت راسها عليها , بينما انحنى الشاب الصغير الجالس بجوارها نصف انحناءة ويده كانت تتحرك بشكل حذر
    - بالجد الحالة بقت صعبة فى البلد دى , انا هسع ما عندى غير 400 جنيه .
    لم اهتم بالرد عليه هذه المرة
    المرأة قالت بعض كلمات وهى نائمة على يدها , والشاب رد عليها
    نبهت جارى
    - دى محطة الشجرة .
    نهض بعد ان توقفت المركبة العامة , لاحظت ان بنطاله مثقوب من الخلف بشكل جارح للغاية وانه لا يرتدى سروال داخلى
    اعتدلت المرأة التى امامى فى جلستها وأسندت ظهرها على المقعد , وقالت فى صوت سمعته بكل وضوح
    - انشاء الله تكون مُقرش عشان تعزمنى حاجة باردة وسندوتش .
    هز الشاب الصغير السن رأسه بالايجاب فى تضرع
    تمنيت ان تجلس بجوارى فى المقعد الشاغر امرأة بدينة .

    شاهين
                  

08-08-2014, 00:20 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2931

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: shaheen shaheen)

    شاهين
    يا مبدع و مجهول. حصل رواياتك
    احلام حسب الرسول
    دخلت الواتسب و عامله زوبعة
    و الناس لبلاغة إبداعك القصصي
    و آراءك المحكمة فيها مقتنعون
    انها شخصية حقيقية

    حاول تنشرها و تطبعها باسمك
    و غيرها من قصصك القصيرة
    الرائعة ما تتكاسل

    تحياتي يا صديق
    يا فنان
                  

08-10-2014, 08:40 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: Amjad ibrahim)

    تحياتى واحترامى وتقديرى الذى تعرف دكتور امجد ابراهيم .
                  

11-01-2014, 01:01 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: shaheen shaheen)

    2013-635089141075667596-566_main1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    اسطورة الدستور

    اقول دائماً ان مادة (قانون دستورى) هى منطقة نزاع دائم بين علم القانون وعلم العلوم السياسية وان كان الارجح ان علم العلوم السياسية قد استحوذ عليها بوضع اليد .
    وطالما نحن نتحدث عن علوم اجتماعية , فليس هناك صحيح او خطأ هكذا على اطلاقه , بالتالى فليس هناك قانونى او قانون او نظرية سياسية بعيدين فى برجهم العالى عن الصراع اليومى المرهق على الارض .
    وكأن الدستور هو غاية فى حد ذاته وليس مجرد وسيلة فقط , فمعظم الحراك الحالى على الساحة السودانية هذه الايام يصور عملية صياغة الدستور القادم على انه سيأتى فقط نتيجة للرغبات الذاتية والأمنيات العاطفية الصادقة , وليس نتيجة للتوازنات الحقيقية للقوى المختلفة والطبقات فى اللحظة المعينة عند تفعيل المسودة او المسودات المعينة على ارض الواقع وتقديمها للأجازة النهائية ! .
    1

    بقدر ما استطيع حرصت على متابعة بعض ورش العمل وبعض ما يُكتب فى الصحف الورقية والمواقع الالكترونية المختلفة حول عملية صياغة الدستور السودانى المرتقب , كل الكلام كان يدور حول ان حسم الصراع الاجتماعى والسياسى والطبقى ان شئت سيعم على ربوعنا الشاسعة فقط عبر اوراق الدستور المكتوبة وبالضربة القاضية , فسنجد ان تمكين المرأة وفى ظل هذا المجتمع المحافظ والمتزمت سيهبط علينا هكذا بالبرشوت , وسيتلاشى الفقر ويسود العدل واحترام المؤسسية والفرد وتختفى الانقلابات العسكرية فى المتاحف وتبتهج الشعوب السودانية المتعددة بنسب تمثيلها المئوية فى البرلمان وبقوائمها النسبية فى الانتخابات , فى نهاية المطاف فان كل الاحلام الوردية للدولة القومية العفية والحديثة سيتم تحقيقها وتحققها عبر اوراق مطبوعة تحمل عنوان فخم (الدستور الدائم) .
    هذه الرؤية فى اعتقادى هى عبارة عن تحميل الدستور بأكثر مما يحتمل , فسنجد ان (الهند)
    وهى عجل الليبراليين المقدس ما استطاع دستورها الراسخ , ولا ابتعادها عن عاهة الانقلابات العسكرية , ولا ديمقراطيتها مضرب الامثال , فى التقليل او الحد من مشاكلها التاريخية , مثل نسبة الفقر والأمية , او الاحتقان الدينى والطائفى , بل وفى ظلال هذا الرسوخ الدستورى الهندى الدائم , انتقلت الى ارضها كل الصناعات الملوثة التى يعرفها العالم , وتعانى فيها المرأة تحديداً داخل العشوائيات المحرومة من كل الخدمات الانسانية الضرورية , وذلك رغم ان امرأة (انديرا غاندى) قد وصلت فيها الى اعلى المراتب السياسية , واستوطنت فيها عمليات بيع الاسر لأطفالها نتيجة الحرمان .
    اذن علينا الانتباه بأننا عندما نتحدث عن الدستور فأننا لا نتحدث عن دواء شافى لكل الامراض المزمنة , بل نقصد ايجاد منصة اطلاق سلمية لمختلف الوان قوس قزح المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية , هذه المنصة هى الدستور , وهذا هو دور الدستور الفعلى دون زيادة او نقصان , اما التحليق نحو سماوات الحداثة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة بين افراد المجتمع السودانى – وليس اقتسام الثروة الشهير – الخ , فهو الواجب المنزلى الثقيل لمختلف الفئات الاجتماعية عبر احزابها السياسية الموجودة فعلاً او التى ستاتى فى رحم المستقبل .
    2

    كما اننى وجدت ان هناك ما يُشبه الفوبيا لصياغة دستور دائم ونهائى على ما يبدو , والدوام فى مثل حالات دول العالم الثالث لا يكون إلا لوجهه تعالى , وبما اننى من المؤمنين بان الدساتير هى نتاج لتسويات وأحيانا ترضيات على الطاولة تراعى موازين القوة المختلفة عند مختلف الفئات , فلا حاجة لنا الان او فى المستقبل المنظور للحديث عن دستور دائم , لدينا تجارب قديمة نسبياً فى تسيير دفة المركب عن طريق المراسيم الدستورية دون دستور ولم يحدث انهيار للدولة بل كانت الاوضاع بفقه المقارنة افضل مما هى عليه الان , ترتيب الاولويات يكون كما يطرح البعض فى دخول ماراثون التسويات السياسية والذى يجب ان ينتهى بفترة انتقالية طويلة لا يُشترط فيها وجود رفيق دربها الازلى الدستور الانتقالى ويتم ادارة هذه الفترة بواسطة المراسيم او الاعلانات الدستورية .
    3

    ما استرعى انتباهى واندهشت له بشدة كان التأكيد على ان الدستور الذى يُشارك فيه كل الشعب – هكذا على الاطلاق كل الشعب - فان هذه المشاركة الواسعة هى الضمان لعدم سقوط الدستور ورسوخه مثل جبل التاكا , لكن الواقع يُكذب صدق هذا الطرح , فهل هناك مشاركة جماهيرية اوسع من الهبات الشعبية ؟ ورغم ذلك سقطت انظمة الليبرالية السياسية بعد 21 اكتوبر و 6 ابريل , وروح الشهيد الشيلى (الليندي) هى الشاهد الحى على مدى ما تحمله عبارتى الالتفاف الشعبى وخيار الجماهير من رومانسية شاعرية حمقاء فى واقع سياسى شديد القسوة والتعقيد .
    وضع الحصان فوق العربة , فليس الدستور هو من يرسم الطريق نحو الاستقرار , بل ان الدستور هو المحصلة التى تاتى بعد رسم الطريق
    4

    ليس صحيحاً على الاطلاق الحديث الذى يدور حول النخبوية والصفوية فى اعداد الدستور, هم يقولون ان واحدة من أسباب عدم رسوخ الدساتير فى السودان هى صياغتها فى الغرف المغلقة بعيداً عن عيون الناس , فالنخبة السودانية ليست كتلة صماء واحدة , فمن نفس افراد هذه النخبة توطنت على التراب السودانى افكار الاشتراكية والعدل الاجتماعى والنضال من اجل قيام النقابات العمالية والمهنية تخوين النخبوية – هكذا على اطلاقه - كان رد الفعل عليه هو ذلك الطرح الذى استمعت له فى بعض ورش العمل , تلك الشعبية الزائدة عن اللزوم حتى وصل الامر الى المطالبة بمشاركة أطفال السودان فى صياغة دستورنا القادم رغم عدم مشاركتهم من الاساس فى التصويت على أجازته او فى اى محفل إنتخابى ترشيحاً او تصويتاً – قلت منذ البداية ان ليس هناك صحيح مطلق او خطأ مطلق فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية - , وبالمناسبة كان للعقيد الراحل (معمر القذافى) نفس هذا التصور فى مفهوم الجماهيرية الفضفاضة وان الجماهير هى التى تقرر فى كل القضايا , لكن المشكلة تتمثل هنا فى كيفية التمثيل, بمعنى ان ربات البيوت لكل واحدة منهن رأى مختلف فمن منهن التى ستطرح رأى هذه الشريحة وكيف سيتم اختيارها او اختيارهن ؟ , وما هو المعيار الذى نتبعه لنقول بكل اطمئنان ان هذا هو التصور النهائى لشريحة ربات البيوت السودانيات فى مسودة الدستور القادم فيما يتعلق بهمومهن ؟ , وماذا لو طعنت بعضهن من المتعطفات مع تيارات الاسلام السياسى فى ان هذا التصور النهائى ليس هو ما يرغبن فيه , هل نقوم باجراء استفتاء جزئى فى المواد التى تتعلق بهن وبحقوقهن مباشرةً ثم بعد النتيجة نقوم باضافة المواد الى المسودة النهائية ؟ .
    سياسة طرق الابواب وطرح الاسئلة ورصد الاجابات من كل من يعرف او لا يعرف هى سياسة مرهقة فى بلد شاسع المساحة , اعلم النية الطيبة لأصحاب هذا الطرح واعلم حديثهم حول ان الشعب السودانى شعب ذكى ومعلم للشعوب الآخرى , لكنى للأسف الشديد على اقتناع بان النخبوية والصفوية ليست عيباً , العيب ليس فى المثقف او السياسى فهؤلاء هم لسان حال شعوبهم بما يمتلكون من ثقافة ومعرفة حقيقية , هم من يستطيعون طرح الاراء الناضجة , هم من يقومون بتوجيه الرأى العام وصناعته وصياغته عبر شاشات التلفاز وأجهزة المذياع والمطبوعات الورقية والمواقع الاسفيرية المختلفة , وهم من افنوا حياتهم فى التثقيف الاكاديمى والذاتى , ومعرفتهم باللغات الاجنبية اضافت لهم وأتاحت نافذة اوسع منا للرؤية والتقدير .
    وكل المصطلحات التى تدور بين العامة مثل الفيدرالية والكونفدرالية والحكم الامركزي والفصل بين السلطات الثلاث الخ هى فى نهاية مطافها من تنزيل اعضاء نادى النخبة السودانية على جماهير العامة عبر سنوات مُمتدة ولم تأتى من عبقرية العامة فى ونساتهم الخاصة .
    المشكلة فى نهاية المطاف هى مشكلة انحياز , فسنجد عبر التاريخ البشرى العالمى انحياز بعض اعضاء النخبة الانسانية للأغلبية المسحوقة فى السياسة والاقتصاد والفكر والفلسفة الخ ,وكذلك سنجد العكس , وما حدث للسودان منذ استقلاله السياسى كان هو ذلك العكس لمن جلسوا على سدة السلطة .
    5

    لن يحدث توافق شامل حول مسودة الدستور القادم , ربما كان هذا تشاؤم وربما كانت الحقيقة على ارض الواقع , الاحتمال الثانى هو الاصح فى وجهة نظرى والدليل ما انتبهت له فى جملة المقترحات التى تطالب على سبيل المثال فى المستقبل بعدم السماح دستورياً للأحزاب التى تنهض على اساس دينى بالتواجد على الساحة باعتبارها مُهدد حقيقي , هذه وجهة نظر تستند على ما هو حادث فى دولة عظمى (المانيا) حيث لا يحق لك هناك تأسيس حزب نازى او اى شكل من الأشكال المُبشرة بالنازية – هم رغم ذلك موجودين بالفعل دون اعتراف قانونى , ومعرفون بأسم النازيون الجُدد - .
    لا يمكن ان تقوم بصياغة دستور تمنع فيه قيام أحزاب ذات شعبية معلومة فى الشارع غض النظر عن توجهاتها الفكرية , هذا ضد المنطق العقلى فى فنون التداول السلمى ويصبح عندها من حق المحجور عليهم ان يبحثوا عن وسائل جديدة بعيداً عن الصناديق الانتخابية للوصول للسلطة , بل هو ضد منطق مفهوم الدستور نفسه – المفهوم الاكاديمى – ان ينظر الجميع للمرآة الدستورية ويبصروا وجههم هم بالذات حتى نتجنب الاحتقان .
    نعلم ان هناك العديد من محاولات التذاكى الدستورى لقفل الطريق امام تيارات الاسلام السياسى المتعددة دون تصريح واضح بذلك , و اقرب هذه المحاولات واشهرها ما حدث من المجلس العسكرى السابق فى مصر بمساندة بعض فقهاء توصيل الخدمة القانونية للسلاطين فى منازلهم باختراع ما يُعرف بـ المبادئ الفوق دستورية ثم عادوا ليقولوا المبادئ الحاكمة للدستور بعد تنبيههم ان لا شيء يعلو فوق الدستور .
    ما هو الحل اذن للخروج من معضلة دستور مدنى , ام دستور علمانى , ام دستور يستند على مبادئ الشريعة الاسلامية كمصدر رئيسى فى التشريع , ام دستور يُزاوج بين كل هذا , ما هو الحل ؟ .
    6

    اطرح سؤال فلاديمير لينين الشهير , ما العمل ؟ , ما العمل عندما نعجز عن التوافق حول مسودة دستورية واحدة ووحيدة ؟ , وصيغة الجمع هنا للكل دون اى استثناء .
    قلت منذ البداية ان الدساتير هى وسيلة فقط وليست غاية فى حد ذاتها , الغاية عندى هى تحقيق الاستقرار المجتمعى , وهذا الاستقرار يتحقق فقط بضمان أمكانية وصول مُمثلى كافة الاطياف الى مقاليد السلطة عقب كل انتخابات دورية حرة نزيهة , ان فشل احدهم فى الاولى فلديه الامل فى الثانية او الثالثة وهكذا , وعندما يصل فمن حقه فى وجهة نظرى المتواضعة ان يقوم بتعديل الدستور او الغائه , حتى اقوم بتقريب وجهة نظرى لنتخيل ان النظام السياسى وفقاً للدستور هو نظام برلمانى وفى واحدة من الانتخابات كان هناك تحالف x المكون من عدد من الاحزاب وهدف هذا التحالف هو الانتقال بالبلاد الى ظلال النظام الرئاسى , وفاز هذا التحالف بالأغلبية المُريحة فى البرلمان , اليس من حقه تعديل الدستور وفقاً لقواعد اللعبة ؟ او لنقول ان نفس هذا الـ x كان يطرح بان تكون الشريعة الاسلامية هى مصدر التشريع الرئيس وفاز انتخابياً فى ظل دستور يعتبر الشريعة الاسلامية واحدة من مصادر التشريع فهل من الحكمة ان يجد مطبات صناعية فى طريقه لتقليل سرعته ؟ .
    7

    ليس علينا الانشغال على الاطلاق بحلم دستور دائم , الان او فى المستقبل المنظور على الاقل , وسنجد الحل بكل بساطة فى مادة (قانون دستورى) وهى تتحدث عن انواع الدساتير (أ) الدستور الجامد , (ب) الدستور المرن .
    الحل يكمن فى النوع الثانى , يا للروعة فتعديل مواده يتم بنفس سهولة ويُسر تعديل التشريعات العادية دون تعقيدات ودون الدخول فى دوامات استفاءات لا تنتهى , وهل هناك ابداع فى حالة السيولة التى نعيشها اكثر من دستور مرن ؟ , يكفى فقط انه يُتيح للجميع تحقيق تطلعاتهم الدستورية وفى اى وقت .
    8

    الحل يتمثل فى افضلية تركيز الجهود على التسويات السياسية من خلال فترة أنتقالية طويلة فى مداها الزمنى , وتكون ادارة هذه الفترة من خلال المراسيم الدستورية او الاعلانات الدستورية ان شئت , ثم من بعد ذلك نتجه الى الدستور .
    ولكن كيف يحدث التوافق فى المرحلة الانتقالية بين اطياف قوس قزح فى المرحلة الانتقالية ولا يحدث توافق بينها حول دستور دائم ؟ , الاجابة ببساطة لان الاولى يعرف الجميع انها انتقالية ستنتهى حتماً ويمكن الاتفاق بسهولة حول شخصيات من التكنوقراط المدنيين والعسكريين لادارتها وهى لن تطرح تصورات نهائية كما هو معلوم , بل هى مُجرد حرث ارض استعداداً لموسم زراعة قادم , اما فى الثانية فان الوضع يتخذ طابع التصور النهائى لشكل الدولة مثل نوعها وهل هى مدنية هكذا لله فى الله ام مدنية مُسترشدة بالمبادئ الاسلامية ؟ , ام دينية ؟ مع معالجة اخطاء تجربة سبتمبر 1983 وأخطاء المرحلة الانقاذية الجارية , وهل النظام السياسى رئاسى ام برلمانى ؟ , وكيفية التعاطى مع الفيدرالية الاقاليم القديمة كما يقترح البعض ام نفس نظام الولايات الحالى مع بعض التعديل ؟ وشكل العلاقة بينها وبين المركز تشريعياً وسياسياً ومالياً ؟ , الخ , وهى وجهات نظر محل خلاف وليس اتفاق كما يعتقد البعض , واعتقد ان دروس الهبة الشعبية عندنا فى 21 أكتوبر 1964 و الهبة الشعبية فى مارس / أبريل 1985 , وكذلك درس ميدان التحرير المصرى اثناء عرضه المستمر فى فترة حكم المخلوع وبعده , وكذلك درس ميدانى رابعة العدوية والنهضة , كلها ادلة على ان التوافق والاتفاق بين الجميع سهل فى حال الرفض الجماعى لنظام شمولى ما , والمشكلة تكون فى مرحلة ما بعد هذا النظام عندما يذوب التوافق والاتفاق والالتفاف حول هدف واحد مثل لوح ثلج فى ظهيرة صيفية ساخنة .
    9

    عندما يحين وقت الدستور , قلت اننا من الافضل ان نتجه صوب الدستور المرن , وهذا النوع من الدساتير – دون الدخول فى محاضرة قانونية اكاديمية – هو الاكثر قدرة على استيعاب حالة السيولة التى يمر بها المجتمع السودانى , وسوف أقتبس التعريف هنا من موقع الكترونى (( الدستور المرن هو الذي يمكن تعديله بنفس الإجراءات التي يُعدل بها القانون العادي , ومن امثلته دستور نيوزيلندا حيث يتم تعديل القواعد الدستورية كما تعدل القوانين العادية )) , وفى موقع اخر نجد تعريفاً اشمل ((هو الدستور الذي يمكن وضعه وتعديله وإلغاءه بنفس الإجراءات والأشكال وبنفس السلطة التي تضع وتعدل وتلغي القوانين العادية ومن أمثلتها دول الدساتير
    العرفية )) .
    فى بحثنا الدائم عن جسر تواصل مع الاخرين , وطالما ان لا احد فينا يملك الحقيقة المطلقة فان المخرج الوحيد هو الاتفاق حول هذا النوع الدستورى فهو وحده القادر على تحقيق التطلعات الدستورية للجميع عقب كل انتخابات دورية , وهو وحده ايضاً الذى لا يضع عقبات امام التصورات السياسية والفكرية للكافة متى ما امتلكت الصوت الانتخابى الراجح .
    10

    يقولون عن عيوب هذا النوع من الدساتير انها ((يؤخذ على الدساتير المرنة أنها لا تُحصن القواعد الدستورية من التلاعب وتؤدي إلى سهولة العبث بها ، وبالحقوق والحريات الفردية )) .
    عيب خطير , اليس كذلك ؟ , لا , انا تحدثت عن الفترة الانتقالية الطويلة لهذا السبب بالذات , فهى الفترة الحاضنة لنمو عود النقابات والأحزاب المختلفة , وهى الفترة الداعمة لانتعاش كافة قوى المجتمع المدنى الحية , ولن يستطيع احد عندها ان يقوم بتجريم حقوق الاضراب والتظاهر لا فى الدستور ولا فى التشريعات العادية , ولن يستطيع احد فى ظل سلطة قضائية حرة ومستقلة ان يتغول عليها او يقوم بتحجيمها الخ , تدريجياً سيخلق المجتمع ادوات ضغطه المختلفة الناعمة والقوية , تدريجياً سوف يتعلم الجميع قواعد اللعبة الليبرالية السياسية على أصولها .

    شاهين
                  

11-02-2014, 07:52 PM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تباريح جريح . (Re: shaheen shaheen)

    Catherine2minWColourSketchcopy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    مُلاحظات سريعة

    شهد السودان فى العقود الاخيرة تغيرات سالبة على الصعيد الاجتماعى يمكن للمراقب ملاحظتها بكل سهولة ويسر .
    لقد ساهمت السياسات الاقتصادية الرسمية والتى انحازت للشرائح المُنحازة للتوجه الفكرى الرسمى للدولة فى هذا التغيير السالب .
    1

    من اكثر الملاحظات التى يمكن ايرادها , ظاهرة خفوت الطبقة الوسطى او اضمحلالها تماماً بحسب تقدير بعض علماء الاجتماع , وهو ما انعكس على الجفاف الذى نشهده فى جميع مجالات الابداع والفكر المختلفة .
    الطبقة الوسطى هى الطبقة التى تقدم التنوع فى كافة مجالاته وهى العمود الفقرى لاتجاهات الحداثة والعقلانية والعلمانية والتبشير بمدارس العدل الاجتماعى والمواطنة , وبخفوت صوتها او تلاشيها التام من مسرح الفعل سادت تيارات السلفية لسد الفراغ وتعلق الناس بقشور الدين وليس جوهره الرائع والحقيقي .
    وفى بلد انتخب اول نائبة برلمانية فى منتصف عقد ستينيات القرن الماضى عاد النقاب بقوة لشوارعه ونحن فى بدايات قرن جديد وألفية جديدة .
    2

    سياسات التحرير الاقتصادى والخصخصة وان نالت رضاء السادة فى البنك الدولى وأساطين هيكلة اقتصاديات الدول النامية فى النقد الدولى , إلا انها وكما العادة قادت لهز اساس اجتماعى هش فى دولة رخوة اساساً .
    التشريد من الوظائف بدافع تطهير العناصر الغير مؤمنة بالمشروع الحضارى فى الجيش والشرطة والقضاء والتعليم الخ , او بسبب التخلص من القطاع العام , وما رافق ذلك من عدم وجود بديل فى مجال التوظيف فى اسواق العمل والتصاعد الجهنمى فى اسعار السلع الاساسية وانسحاب الدولة تماماً من مجالات التعليم والصحة والمواصلات العامة , كل ذلك اسقط المزيد من الشرائح الاجتماعية المختلفة فى منطقة تحت خط الفقر وقاد للتفكك الاسرى وانتشار الدعارة السرية .
    3

    كان الحلم المشروع , والذى تمثل فى بتوسيع قاعدة التعليم وقمته , حلم تحول للأسف الشديد الى كابوس , فرغم التباهى بعدد مدارس الاساس والثانوى وبعدد الجامعات الا ان المحصلة النهائية كانت صفر كبير .
    فهم قد اتبعوا تحريرهم الاقتصادى والذى يعنى عندهم ان الدولة غير مُلزمة بالتوظيف , كما اننا لسنا فى دولة تنتهج سياسات رأسمالية حقيقية حتى نقول ان هناك سوق يخلق توظيف تلقائى او يُتيح للمشروعات الصغيرة طريقاً للنمو , كانت النتيجة عشرات الالاف من الشباب يحملون شهاداتهم الجامعية وعضوية نادى البطالة .
    البيئة الدراسية والمنهج المتبع فى السلم التعليمى من اول درجة فيه اخرجت لنا شخصيات قادرة فقط على ترديد التلقين وليس الابتكار والخلق , والكارثة انهم ينسون ما تم تلقينه لهم بعد سنة فقط من انتهاء سنوات تعليمهم العجاف فتأمل ! , وهم ربما الاسعد حظاً من اولئك الذين تسربوا من التعليم فى مراحله المختلفة نتيجة لوضعهم الاقتصادى الاكثر تردياً .
    الانقسام الطبقى الحاد للمجتمع عندنا يظهر بكل وضوح فى مجالى التعليم والصحة , الفئات الاكثر ضعفاً تم حشرها فى مدارس وجامعات حكومية اقل ما يمكن القول عنها انها عبارة عن مزبلة كبيرة , بينما الفئات الاكثر حظاً فى تورتة الثروة لها مدارسها وجامعاتها الخاصة وكادرها عالى التأهيل والذى تم تجريفه من الطرف الآخر .
    كما ان المسيرة التى سار عليها التعليم منذ الاستقلال السياسى باحتقار التعليم الفنى وإعلاء كعب التعليم الاكاديمى قد تركت بصماتها القوية على الصعيد الاجتماعى باحتقار العمل اليدوى وتقدير الافندى صاحب الياقة البيضاء الذى يجلس خلف مكتب خشبى وهو منغمس فى حل الكلمات المتقاطعة .
    4

    الهجرة من المدن الى الريف ظاهرة طبيعية ترافقت مع انتقال البشرية من المجتمع الزراعى الى المجتمع الصناعى لذلك نجد الاكتظاظ والازدحام غير الانسانى فى كل المدن .
    لكن عندنا كانت الهجرة ليست للبحث عن الفرص الافضل فقط والحياة الاكثر صخباً , بل كانت نتيجة للتنمية غير المتوازنة باهمال الريف تماماً فى الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط , فكانت الحروب التى نعرفها , وكان ظهور احزمة الفقر التى تطوق خاصرة المدن الكبرى وهى تعانى الحرمان والتهميش العرقى والاقتصادى والانسانى , احزمة قد تنفجر فى اى لحظة فى وجه الجميع وبصورة عشوائية دون ان تحمل اى تصور او فلسفة سياسية واضحة فى ذهنها , وما الاحداث التى اعقبت أغتيال (جون قرنق) إلا دليل ساطع على ذلك .
    لقد تم ترييف كامل للمدينة السودانية وبالتحديد مع انهيار الطبقة الوسطى وأحلامها العريضة فى التحديث , والترييف هنا ليس بالمعنى العنصرى الاقصائى وإنما بمعناه الاجتماعى بنقل عقلية الريف فى التزمت الدينى والاخلاقى وفى الركود والمحافظة وفى السلوك الذى ينظر بعداء واستهجان لعادات التمدن وسلوكها فى الملبس وطريقة الاكل والتهذيب فى الحديث وارتياد الانشطة الثقافية وضروب الترفيه المختلفة .. وتكفى زيارة خاطفة لاى من دورات المياه العمومية فى كل انحاء العاصمة المثلثة لنعرف مدى التردى الذى وصل له ساكن المدنية فى سلوكه الشخصى .
    هذا الترييف هو العدو الاول فى اى انتخابات حرة نزيهة قادمة لتيارات اليسار السودانى بمختلف الوان طيفه وهو الذى سيقوم بإسقاط مرشحيها فى الدوائر الجغرافية المختلفة , الترييف هو البيئة الصالحة لشجيرات شوك التيارات الاسلامية والسلفية , والتمدن والتحديث هما بيئة زهور العلمانية والعقلانية والتجديد الدينى .
    5

    لابد ان تكون نتيجة هذا الاحتقان الاجتماعى نكوص الى الوراء فكانت عودة عقارب الساعة , فالمجتمعات البشرية انتقلت من العشيرة الى القبيلة ثم الى الشعب بمعناه القانونى وليس العاطفى وربما بعدها الى الامة مثل شعوب الاتحاد
    الاوروبى .
    وعندنا كانت الطائفية فى وقتها نقلة من القبلية الى ماعون عريض , وكذلك كانت الطرق الصوفية نقلة من القبلية الضيقة الى فضاء اكثر اتساعاً , لكننا انتكسنا الى مربع الانطلاق البدائى فى التعامل الاقتصادى والسياسى والاجتماعى .
    ومهما كانت مجهودات شرطة أمن المجتمع فى اللهث لمحاربة الرذيلة , فسيظل هذا الاحتقان الاجتماعى وهذا الانهيار الاقتصادى هما الفقاسة الكبرى للجريمة وارتفاع حالات الطلاق والدعارة السرية وانتشار المخدرات والزواج السرى بمختلف اشكاله , والارتماء فى احضان شبكات التجسس الاقليمية والعالمية , وازدياد نسبة العثور على الاطفال اللقطاء فى مكبات الزبالة .
    لقد فقدنا الحلم القومى القديم , حلم من اجهشوا بالبكاء يوم رفع علم الاستقلال على سارية القصر الجمهورى , ومن حلم مجتمع متنوع وقوى وقادر تحولنا الى ما نحن عليه الان مجتمع مهترىء ومرقع مثل جلباب درويش , مجتمع قاسى ومتوحش مثل مجرم .

    شاهين
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de