رحل د. كامل إبراهيم حسن (كلية الزراعة)

Quote: نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولأسرته وطلابه وزملاؤه الصبر وحسن العزاء إنا لله وإنا إليه راجعون

Quote: د.كامل ابراهيم حسن ... المعلّم قندول العيش في اتكائته الاخيرة ...! عادةً ... يزيد المرء من بر والديه وهو في الثلث الثاني من عمره ..لا لشئ ..الاّ انه يدرك حينها .. حين تنازله النوائب الحياتية صغيرها والكبير ..انهما ..يستحقان ..واكثر ... ! واعتقد ..اننا نفعل مثل ذلك مع ..استاذتنا ..ومعلمينا .. فلا يجد بيت الشعر الاشهر ..قُم للمعلم .. مكانا بين ثنايا الروح الفاعلة ..عادة ....الاّ بعد الابتعاد عن المدرسة او الجامعة .. لكن هنالك اساتذة .. ينفجر حضورهم انفجارا نوويا بنفسك ..حين تشتد نائبة او تخفت .. حين تنهض معضلة ..او تستوي ... فتتحول صورهم مجسدة تنفخ فيك من الروح جديدها عليك ... كالفعل الجراحي المسمي ..دعامة ... تنتفخ ..فتسند قلبك ..فتعود الي الحياة ... ! كانت مواد كلية الزراعية الدراسية في مهدها الاول .. قاسية ... كوجبة كد .. لطفلٍ بلا اسنان .. وحتي عندما تنبت تلك الاسنان .. فتعود مستأسدا الي تلك المواد ..فتجد ان الزمان ..قد ركب لها ..سنانا .. ! ومن تلك المواد .. الاحصاء ..خاصة بالنسبة لي ... والعادة .. ان تكره المادة واستاذها و ناقتها وبعيرها الاّ ..حين يكون الُمعلّم ..كامل ابراهيم حسن ..استاذ الاحصاء بكلية الزراعة جامعة الخرطوم ..هنا ..تحبها ويحب ناقتها بعيرك ..! كامل ضخم الجسم ..تتوقع هولا ان رايته .. سرعان ما يلحق تلك الاهوال المتخيلة ..سند حين تري لمعة عينيه .. وسرعان ما يذوب كل شئ ..حين يقترب ..كإطمئنان السجود ..وتقترب ..! ويوم السبت مكروه لدي الطلبة .. تُحبه لانه يوم ..د.كامل .. ولكشر اربعة عصر يوم السبت ..ثقيل ... يتلطّف حين يكسر دقيقته بانضباط شديد ..د.كامل .. ينشرح صدر قاعتنا ود.كامل يتوسطها .. ويحيل البلح صعب المضغ علي اسنان اللبن ..الي ..عجوة .. و ويشرح ونضحك ..ويضحك .. امشي ليهو في مكتبو .. انا يا دكتور ما قادر افهم دي .. يرد ..قلت كيف يالمطفق يا المعفص .. بنضاراتك دي وما قادر تفهم ..اومال بدون نضارة كنت حتعمل شنو ? والنهرة نهرة والد .. والكلام كلام عالم .. مع بث انساني لايف وحي ضاحك ...! د. كامل من الشوال .. ولكنه مسجّل .. في .. كشف ..شمبات ... والكشف ..وسيلة السودانيين الاعظم في اشتراكية الفرح والحزن .. ود.كامل متزوج تشيكية .. قال عنه احد رفاق دراسته ..انهم توقعوا ان تُمدّن تلك التشيكية ..ريفية د. كامل .. فصارت هي نفسها ريفية .. لا تغلق باب الدار المكتظة بضيوف بحر ابيض ليل نهار .. ضيوف بعدد مجاميع 📈📈📈 ..ويزيد ..!!! ود. كامل استاذ احصاء ..لكنه يكتب عن اسماعيل عبد المعين .. د. كامل استاذ ارقام ..لكنه يكتب عن حاج الصافي وجهوده في تعليم البنات .. د.كامل ..دكتور في كلية الزراعة والاحفاد .. لكنه يجادل في ان خليل فرح استلهم لحن ..عازة في هواك من مارش عسكري .. صنعه ود الشريفي ..وكمال الحزولي يؤكد ذلك لكن يقول ان ود الشريفي استلهم اللحن من غنوة بنيات من الفور .. د.كامل .. معلم .. بكسر الميم ..قال حين تمريم بروف عبد العزيز الطيب .. البروف دا علّمنا .. لكن انا رديت الصاع صاعين ..درّست ولدو عمر وبتو ..ابنة اخيه ..سحر .. !!! د.كامل ضخم الجسم لكنه كامل نوتردام .. هينا علي الناس لينا معهم .. ضحّاكا بسّاما للعشيات ..ووفي ..! علمنا الاحصاء ..بالحسنة والرجالة .. وزرع فينا .. اوان ذاك التعليم ... انسانية طالما صرفنا من مخزونها علي الناس ... كان اشبه بقندول العيش .. يحارب الظروف المناخية ..وآفات الارض والسماء ..والمياه الشحيحة والتربة شديدة الضم .. لينتج قندوله ذاك ..امتلاءا بالحبوب ..والبطون .. يصارع ليحيا .. ثم يهب حياته ..كلها ..لللآخرين ..لا يسألهم ثمنا ولو ابتسامة .. ولا ينتظر مكافأة ولو صفقة .. كأنه ..من دون العالمين ..جُعلت له الحياة ..معبرا .. الي الخلود ..عبر الفناء .. وكامل ..وقندول العيش ذاك ..يتشابهان ويتطابقان حد التسبيح ... سبحان الله وبحمده ..سبحان الله .. إتكأ قندول العيش .. ومات د.كامل ... اذ نعاه الناعي قبل قليل ... لو وقفت امامه الآن لقلت له .. انت عابر سكة فايت ..ولا جيت قاصد تزورنا ..! ولكن الموت لم يمهلني .. وكان سيرد علي .. يا مطفق .. صُبُّـوني بحرف النّون حيث تعبُّ روحي سورة الرحمن في القرآن وامشوا صامتين معي على خطوات أجدادي ووقع الناي في ازلي..! ولا تضعوا على قبري البنفسج فهو زهر المحبطين يذكر الموتى بموت الحب قبل اوانه وضعوا على التابوت سبعَ سنابلٍ خضراءَ إن وجدت وسنابل د. كامل ...الحرية ..التي عاشها واعاشها للناس ..وسعي لها .. عروسا يخطبها لبلاده .. الحياة عندك يا استاذنا الحبيب .. هدنة العابرين ... ! والموت عليك .. خط رقيق افقي ..تحزم به الخطوط الرأسية ..وبس ..! قلبي مدامع حزني .. وعزائي لكل اساتذتي و وزملائي في الكلية ..والصحاب .. شمبات ..كلية ..وحلّة .. ستبكي هذه الليلة حتي الصباح ... ! وسيسمع نحيبها ... د.كامل .. ويبتسم ... ان لم يضحك ..!

Quote: [ " كُلنا يُسافر لوحده فى نهاية الأمر"..! نعى الناعي رجلاً طيباً،هو الاستاذ الجامعي الدكتور كامل ابراهيم حسن، ذلك العالِم الجليل، الذي أثرى المكتبة السودانية بعديد المؤلفات، واشتهر بين كُتّاب الصحف السودانية بمقالاته السّلسة الرصينة، وقد كان لى شرف مصاحبته والأُنس به ومعه فى "أجراس الحرية"..ومنذ لقاءنا الأخير هناك، فى العام 2011 ، كنا على وعد أن نلتقي لقراءة تجربته فى العمل العام باعتبارها تمثل اضاءة ساطعة على الجهد المُقدّر الذي جاد به جيل ما بعد الاستقلال..وقد كان فى خاطري نوثِّق لتجربة الغُربة و السِجن، ونتفاكر حول رؤيته للعالم، إثر تأجيل فورة الحُلم، " أو انقشاعه حتى حين" ، وما تبِع ذلك من استشراء ، لمتلازمة الخراب و الدّعشنة!..انتابتني رعشة حزن عميق على فقد هذا الانسان النادر النبيل، فاستذكرت بعضاً مما قال العابرون.. كلنا مشاريع رحيل ..كلنا محكومٌ علينا..كلنا يسافر لوحده فى نهاية الأمر..سعيد الحظ فى هذه الحياة الدنيا ، وفى الآخرة أيضاً، هو ذلك العابِر ،خفيفاً كالظِّل ، ليس إلا، ليس إلا!.. اتصفّح بريدي فى اليوم والسّاعة، وأنغمس فى قراءة كلمات د.كامل ، وكثيراً ما كنت أُهاتفه قبل أو بعد النشر، فاسمع منه الحواشي على دفتر المكتوب.. إنه رجل لا يُملْ فهو موسوعة فى التراث وفى التاريخ و الأدب،، والكلام عنده " يُفَتِّح بعضُه بعضاً".. يُحدثك في السياسة من كُوّة الأدب، ويناقش القضايا اجتماعية أو فكرية أو رياضية، من زوايا مُتعدِّدة ، فتُحس به كأنه يقود هودجاً، أو يلكِز بكعبيه حصاناً فوق رمال البوادي، قبل أن يتجرّد من العرّاقي والسّروال، ويمرح بدرّاجة أيام الصّبا على نهر الفولجا، فيحدثك عن ربيع براغ، وازاهيراً تنبت بالصقيع، وعن بوشكين..كان أنسه المتقطّع معي عبارة عن رحلة فى الأيام، وكنت كلما حزمت أوراقى لاستنطاقه، يشغلني عنه شاغل، حتى قيل لى أنه عبرَ الى هُناك ، فكم هي قصيرة هذه الحياة، ما أضيق فسحاتها، وما أغرى غرورها الذي يقتنص حظّك منها!.. لم تزل عمامة الدكتور كامل ابراهيم حسن، ماثلة أمامي، ولم تزل نبرة صوته العذب، وفكاهياته المِمراحة تتردد فى خاطري..كان أكثر ما يُميّزه ، أنه انسان معطون فى الفرح، لا يتسلل اليأس إليه ، فلكأنه لم يزر بيوت الاشباح، ولا أحس يوماً بذلك الطعم ولا بتلك المرارة الذي كانوا يريدونها لمفصولي الصالح العام!... للدكتور كامل صراحته التى مثل حد السيف، وتعابيره الذكية عن "دردرة" الحياة، يشِعّ من عقله وقلبه ذلك الايمان العميق بالشباب وبالمستقبل.. و مما كان مؤجلاً للحديث بيينا، تجربته الخاصة فى تلك البيوت الشبحية بعد دقّة المِزيكة ... فليته يكون قد سطر تلك التجربة.. ومما كان مؤجلاً كذلك ،التقليب فى دفتر عشقه لهذا السودان، وولعه بالشِعر العامّي والفصيح.. حقاً لقد خسرت بلادنا ابناً باراً، كان حرياً باذاعاتنا وتلفزيوناتنا العديدة ان توثّق لتجربته وتجربة أمثاله، بدلاً من اضاعة المال والوقت فى هذا الغثاء ، وفي هذه "اللِّكّة" الضّاربة باطنابها.. رحمة الله على الدكتور كامل ابراهيم حسن، الذي عاش صامداً ، زاخراً بالمجد فى ليالي الافول ، و رحل مرفوع الهامة فى زمانٍ اغرى الغرماء لاصطياد السُلطة كي تكون مغرماً لهم !..طيّب الله ثراه و أحسن مثواه.. ولا أقل من أن تنتبه روابط طلاب الجامعات المعاهد العليا ــ لا أقول روابط طلاب النيل الأبيض وحدهم ـــ فقد جاء دورهم فى تخليد ذكرى هذا الراحل العظيم، عرفاناً بتضحياته وبذله ،و تقديراً لحبه الصّادق لتراب هذا الوطن ...