نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 05:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-20-2013, 06:55 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل

    نزار قباني: شاهد من الزمن الجميل

    نصف مجدي محفور على منبر "لويس هول" و "الشابل" في الجامعة الأمريكية في بيروت، والنصف الآخر معلق على أشجار النخيل في بغداد، ومنقوش على مياه النيلين الأزرق والأبيض في الخرطوم، طبعا هناك مدن عربية أخرى تحتفي بالشعر وتلوح له بالمناديل، ولكن بيروت وبغداد والخرطوم تتنفس الشعر وتلبسه وتتكحل به، إن قراءتي الشعرية في السودان كانت حفلة ألعاب نارية على أرض من الرماد الساخن.

    في "دار الثقافة" في أرض أم درمان، كان السودانيون يجلسون كالعصافير على غصون الشجر، وسطوح المنازل، ويضيئون الليل بجلابياتهم البيضاء، وعيونهم التي تختزن كل طفولة الدنيا وطيبتها.

    هذا الذي يحدث لي ولشعري في السودان شيء خرافي، شيء لم يحدث في الحلم ولا في الأساطير، شيء يشرفني ويسعدني ويبكيني، أنا أبكي دائما حين يتحول الشعر إلى معبد والناس إلى مصلين، أبكي دائما حين لا يجد الناس مكانا يجلسون فيه فيجلسون على أهداب عيوني، أبكي دائما حين تختلط حدودي بحدود الناس فلا أكاد أعرف من بنا الشاعر ومن بنا المستمع، أبكي دائما حين يصبح الناس جزءًا من أوراقي، جزءًا من صوتي، جزءًا من ثيابي، أبكي لأن مدينة عربية، مدينة واحدة على الأقل لا تزال بخير، والسودان بألف خير، لأنه يفتح للشعر ذراعيه، كما تفتح شجرة التين الكبيرة ذراعيها لأفواج العصافير الربيعية المولد.

    السودان ينتظر الشعر كما تنتظر الحلوة على النافذة فارس أحلامها، يأتي على صهوة جواده حاملا لها قوارير العطر وأطواق الياسمين، ومكاتيب الغرام.

    السودان يجلس أمام الشعر كما تجلس الأم أمام سرير طفلها تغمر خديه بالقبلات وتطمعه حلاوة اللوز والسكر.

    السودان يلبس للشعر أجمل ما عنده من الثياب ويذهب للقاء الشعر كما يذهب العاشقون إلى موعد غرام.

    السودان بألف خير، لأنه ربط قدره بالشعر، بالكلمات الجميلة، الكلمات جنيات رائعات الفتنة، يخرجن مرة من عتمة الظنون، ومرة من عتمة الدفاتر، الكلمات طيور بحرية تخترق زرقة السماء دون تأشيرة، ودون جواز سفر، لم أكن أعرف – قبل أن أزور السودان – أي طاقة على السفر والرحيل تملك الكلمات، ولم أكن أتصور قدرتها الهائلة على الحركة والتوالد والإخصاب، لم أكن أتخيل أن كلمة تكتب بقلم الرصاص على ورقة منسية قادرة على تنوير مدينة بأكملها، على تطريزها بالأخضر والأحمر، وتغطية سمائها بالعصافير.

    أشعر بالزهو والكبرياء حين أرى حروفي التي نثرتها في الريح قبل عشرين عاما تورق وتزهر على ضفاف النيلين الأزرق والأبيض.

    هذا الذي يحدث لي ولشعري في السودان شيء لا يصدق، وهو شهادة حاسمة على نقاء عروبتكم، فالعربي يرث الشعر كما يرث لون عينيه ولون بشرته، وطول قامته، ويحمله منذ مولده ويحمله كما يحمل اسمه وبطاقته الشخصية.

    مفاجأة المفاجآت لي كانت الإنسان السوداني، الإنسان في السودان حادثة شعرية فريدة لا تتكرر، ظاهرة غير طبيعية، خارقة من الخوارق التي تحدث كل عشرة آلاف سنه مرة واحدة، الإنسان السوداني هو الوارث الشرعي الباقي لتراثنا الشعري، هو الولد الشاطر الذي لا يزال يحتفظ دون سائر الإخوة بمصباح الشعر في غرفة نومه، كل سوداني عرفته كان شاعرا أو راوية شعر، ففي السودان إما أن تكون شاعرا أو أن تكون عاطلا عن العمل، فالشعر في السودان هو جواز السفر الذي يسمح لك بدخول المجتمع ويمنحك الجنسية السودانية، الإنسان السوداني هو الولد الأصفى والأنقى والأطهر الذي لم يبع ثياب أبيه ومكتبته ليشتري بثمنها زجاجة خمر، أو سياره أمريكية، هو الإنسان العربي الوحيد الذي لم يتشوه من الداخل ولم يبع تاريخه بفخذ امرأة أبيض تسبح على شاطئ "كان" أو "سان تروبيز".

    ها أنذا مرة أخرى في السودان، أتعمد بمائه، وأتكحل بليله، وأسترجع حبا قديما لا يزال يشتعل كقوس قزح في دورتي الدموية، عرفت في حياتي وفي رحلاتي كل أنواع اللآلئ البحرية، عرفت اللؤلؤ الأبيض، واللؤلؤ الرمادي، وعرفت اللؤلؤ الأخضر، واللؤلؤ الوردي، وعرفت الأوربي والآسيوي، واللؤلؤ الذي يوزن بالقيراط، واللؤلؤ الذي يوزن بالقصائد والدموع، واللؤلؤ الذي يتدلى على صدور الكواكب و... و... واللؤلؤ الذي يتدلى على صدور الجميلات.

    بعد ثلاثين سنه من الغطس تحت سطح الماء، والغرق في بحار النساء اكتشفت أن اللؤلؤ الأسود هو الأغلى، والأحلى والأكثر إثارة، كما اكتشفت أن الذي يملك مثقالا واحدا من اللؤلؤ السوداني، يمتلك كنوز سليمان، والحور المقصورات في الجنات، ويصبح ملك الإنس والجان.

    الحب السوداني ليس جديدا علي، فهو يشتعل كالشطة الحمراء على ضفاف فمي، ويتساقط كثمار المانغو على بوابة قلبي، ويسافر كرمح أفريقي بين عنقي وخاصرتي، هذا الحب السوداني لا أناقشه، ولا أحتج عليه، لأنه صار أكبر من احتجاجي، وأكبر مني، صار وشما على غلاف القلب لا يغسل ولا يمسح.
                  

05-20-2013, 08:01 PM

محمد المرتضى حامد
<aمحمد المرتضى حامد
تاريخ التسجيل: 08-14-2006
مجموع المشاركات: 10832

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    -

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan339.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    التعليق على الصورة في موقعها يقول أنها (صورة نادرة جدا للشاعر السوري الكبير: "نزار قباني" في مدينة "الخرطو"م)

    -
                  

05-20-2013, 08:47 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: محمد المرتضى حامد)

    ويا حزني علي السودان الجميل .....كم نفتقدك


    الله لا كسبهم الناس الضيعوك لا في الدنيا لا في الآخرة


    كن بخير دائما صديقي الجميل من الزمن الجميل مرتضي حامد
                  

05-20-2013, 08:06 PM

محمد أحمد الريح

تاريخ التسجيل: 01-22-2008
مجموع المشاركات: 3051

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    التحية لك الأخت فريدة

    شهاة جميلة من رجل جميل فى الزمن الجميل.
    رحم الله الإبداع فى السودان فقد توفى منذ ربع قرن مضى

    لك الشكر على حسن الإختيار
                  

05-20-2013, 10:01 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: محمد أحمد الريح)

    ولك اجمل تحية اخي محمد احمد

    الابداع براهو الاتوفي يا محمد

    نحن في حالة قف تأمل ........من كثرة الفقد


    والله يجازي الكان السبب


    ولك الشكر علي المرور الجميل...

    في امان الله
                  

05-21-2013, 06:29 AM

Salah Ahmed Eisa
<aSalah Ahmed Eisa
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    الاستاذة العزيزة / فريدة

    كانت الفعاليات الثقافية حراك للمجتمع المدني ممثلاً في
    الاتحادات الطلابية والجمعيات الثقافية دون قيود او وصاية
    فأنتجت هذا التذوق الادبي لشعب باكمله ،
    ومن الملاحظ ان معظم الشعوب العربية كانت ومازالت تحصر
    فعالياتها الثفافية في نخب (الصوالين ) ،عكس مجتمعنا الذي
    انشاء دور واندية في كل الاحياء السكنية .

    ،،،،،،،،،،،،،لكي كل التحايا،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
                  

05-21-2013, 09:52 AM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)

    اهلا اهلا اخي صلاح
    ارجو ان تكون بخير والاسرة الكريمة

    اتفق مع كل ما قلته واضيف ان كل ذلك كان ضمن منظومة متكاملة من مجتمع متعاف تماما


    وكلو راح للأسف



    شكرا يا جميل علي المرور
                  

05-22-2013, 07:28 AM

Salah Ahmed Eisa
<aSalah Ahmed Eisa
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    العزيزة / فريدة
    هنا لا ننسى دور الرسالة الخالدة لمطربي الزمن الجميل
    الذين اثروا الوجدان السوداني بالشعر العربي الفصيح
    ومنهم علي سبيل المثال وليس الحصر :-
    زنقار بقصيدة في رايعته "عروس الروض" للشاعر اللبناني فرحات
    ********************************
    يا عروس الروض يا ذات الجناح
    يا حمامة سافري مصحوبة عند الصباح بالسلامة
    وأحملي شوق محب ذا جراح وهيامه
    ************************************
    وتغنى الفنان الكبير سيف الجامعة بأغنية
    للشاعر التونسي المعروف الشابي "صلوات في معبد الحب"
    عذبة أنت كالطفولة كالأحلام
    كاللحن كالصباح الجديد
    كالسماء الضحوك كالليلة القمراء
    كالورد كابتسام الوليد
    *********************************
    وايضا للتاج مصطفى "أيها الساقي إليك المشتكى":
    أيها الساقي إليك المشتكى
    قد دعوناك وإن لم تسمع
    ونديم همت في عزته
    وبشرب الراح من راحته
    كلما استيقظ من غفوته
    جذب الزق إليه واتكا
    *********************************
    وتغنى الفنان الكبير أحمد المصطفى بقصيدة "وطن الجدود"
    لشاعر المهجر اللبناني إيليا أبو ماضي:
    *********************************************
    والمرء قد ينسى المسيء المفتري والمحسنا
    ومرارة الفقر المذل بلى ولذات الغنى
    لكنه مهما سلا هيهات يسلو الموطنا
    ********************************
    وبالرجوع الي رسالة الشاعر نزار قباني في حب السودان
    وجدت المدهش اكثر في مقال بجريدة السوداني للكاتب
    (كامل عبد الماجد) الذي افاض في البحث ليفاجئ القراء
    وانا اولهم بصاحب قصيدة (بلد احبابي) ويقول عنه :
    ((وأكثر ما يدهش القراء في مقالي هذا أن سيد خليفة تغنى بقصيدة
    لشاعر مصري اسمه إبراهيم رجب عاش في الخرطوم وأكثر ظني أنه كان
    ضمن البعثة التعليمية المصرية يظن كثيرون أنها لشاعر سوداني لما
    فيها من تمجيد وحب للسودان والخرطوم والقصيدة هي "بلد أحبابي"))
    يا وطني يا بلد أحبابي
    في وجودي أحبك وغيابي
    يا الخرطوم يا العندي جمالك جنة رضوان
    طول عمري ما شفت مثالك في أي مكان
    أنا هنا شبيت يا وطني
    زيك ما لقيت يا وطني
    __________________________________________________________________
    ،،،،،،،،،،،،مع فائق الود للجميع ،،،،،،،،،،،،،
                  

05-22-2013, 08:46 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 24982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)

    ياسلام على نزار
    الف رحمة ونور تتنزل على روحه العاشقة والسمحة

    كتبت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح في صحيفة القبس الكويتية عن إنطباعتها إبان زيارتها للخرطوم العام الفائت فقالت:

    لم أصادف في طريقي من المطار الى الفندق تمساحا صغيرا أشتريه، ليكون هديتي الى ابن أخي الصغير كما أوصاني، ولم أر فيلاً يعبر الشارع وأصوره، كما طلبت مني ابنة أخي الآخر. لا حرب شوارع ولا مظاهر عسكرية يمكن أن أحرص على سلامتي في سياقها كما أوصاني شقيقي، ولاحقا اكتشفت أنني لن أحتاج أبدا لسوائل وأدوات الوقاية والتعقيم الصحية، التي أوصتني أن اخذها معي إحدى صديقاتي، كما أنني سأترك المعلبات الغذائية التي حرصت على جلبها من الكويت للخرطوم تحسبا لأي طوارئ غذائية من دون أن افتح واحدة منها على الأقل.

    فقد وجدت نفسي في عاصمة حديثة جدا لا تقل عن أي عاصمة أخرى لجهة ما فيها وما توفره لأهلها وضيوفها من خدمات وامتيازات.. وبالتأكيد أكثر مما توقعت، ومما توقع الجميع من حولي. كنت إذاً ككل الضيوف الذين وجدتهم معي يزورون تلك العاصمة لأول مرة، ضحية التصورات الجاهزة والأفكار المسبقة.

    العاصمة المنتشية

    أنا الآن في الخرطوم. عاصمة السودان المنتشية بثلاثة أنهر تجري بينها وتقسمها الى ثلاثة مدن في مدينة واحدة مهيبة الشكل وجليلة الجغرافيا المتكئة على تاريخ موغل في القدم.

    يسميها أهلها العاصمة الثلاثية، إشارة الى ما تتكون منه من مدن ثلاثة هي الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان، وأصبحت أسميها المدينة المبتسمة نسبة لابتسامات أهلها الموزعة بالعدل والقسطاس على جميع ضيوفها، ويبقى اسمها الرسمي الخرطوم، الذي ترجعه بعض المصادر الى شكلها الجغرافي الذي يشبه خرطوم الفيل، في حين تعود بعض المصادر الأخرى الى ما كتبه الرحالة الإنكليزي جيمس غرانت، الذي رافق الكابتن جون أسبيك في رحلته الاستكشافية لمنابع النيل، ورجح أن الاسم مشتق من زهرة القرطم، التي اشتهرت فيها تلك المدينة في السابق، وهي زهرة كان يستخرج منها الزيت المستخدم في الإنارة.

    على أي حال ما زالت الخرطوم منارة، لكن ليس بسبب زيت القرطم، ولكن بإصرار أهلها على أن تكون كذلك.

    ابتسامة أوسع من المكان

    في المطار الذي قدمت إليه من مطار أبوظبي، استقبلتني الابتسامة السودانية ذائعة الصيت متوزعة على وجوه المسافرين القادمين والمغادرين، بالاضافة إليها بشكل مضاعف على وجوه الموظفين.
    عندما علموا أنني ومرافقي من الكويت، تضاعف حجم الابتسامات، مصحوبة باعتذارات لا أدري بالضبط على ماذا. المطار صغير، يقولون، ويضيفون دون أن ينسوا ابتساماتهم: لكن مطارنا المقبل سيتم افتتاحه قريبا. هل كانوا يعتذرون لي إذا على صغر حجم المطار؟

    بصراحة.. لم ألحظ صغر حجم المطار ولا تواضع امكاناته، فقد كانت الابتسامات أوسع من المكان، وكان الاستقبال، الرسمي والشعبي أيضا، أحلى من أي ملاحظة، ثم أن كأس شراب الكركديه المثلج الذي يستقبلك به السودانيون حالما تضع قدمك على أرض المطار، يمكنه أي يزيل أي شائبة قد تكون شابت الرحلة الطويلة نسبيا ووسمتها بتعب.. ولا تعب.

    من يكونون؟

    في الفندق الذي لا يبعد عن المطار الا دقائق معدودة، اكتشفت حقائق أخرى مذهلة بالنسبة لي عن الخرطوم وعن السودان بشكل عام. أولى المفاجآت تواجد عدد كبير من الخليجيين، السعوديون تحديدا، بملابسهم الشعبية في بهو الفندق، ولأنني أعرف جميع ضيوف مهرجان ملتقى النيلين الشعري، اكتشفت ان هؤلاء السعوديين ليسوا من الضيوف. من يكونون إذا؟ ولماذا يتواجدون؟
    سألت سؤالي الأول لمرافقتي السودانية، فقالت: انهم سياح. سياح في الخرطوم؟
    لم يعد لسؤالي المندهش أي معنى بعد مضي عدة أيام لي في الخرطوم، فقد اكتشفت انها عاصمة مثالية للسياحة من وجهة نظري. لا بد ان لهؤلاء وجهة نظر مشابهة لوجهة نظري، أنا التي أحضر للخرطوم للمرة الأولى في حياتي تلبية لدعوة من وزارة الثقافة السودانية، للمشاركة في مهرجان ملتقى النيلين للشعر العربي الثاني، الذي انعقد في الخرطوم خلال الفترة من 13 إلى 17 أبريل الماضي، في دورة حملت اسم شاعر السودان الكبير التجاني يوسف بشير، تحت شعار «أنت يا نيل يا سليل الفراديس».
    مفاجأة شعرية

    ورغم الظروف «الحربية» التي كان يمر بها السودان في تلك الفترة، فإن عددا كبيرا من الشعراء العرب حضروا بحماسة للمشاركة الشعرية والوجدانية أيضا.
    فقد شارك شاعر أو أكثر من كل من مصر وسوريا والكويت والإمارات العربية والعراق والأردن وفلسطين وموريتانيا ولبنان. بالاضافة الى ما يقرب من خمسين شاعرا سودانيا، أغلبهم من الشباب، شكلوا المفاجأة الكبرى لنا نحن الشعراء العرب المشاركون.

    فقد أضفى شعراء السودان الشباب على الملتقى روحا شعرية ساحرة ما بين الفصحى والعامية، وكانت قصائدهم المتماوجة من تموجات أنهار عاصمتهم ذهولا مستمرا بالنسبة لي. ولعلي لا أبالغ أبدا انها كانت أفضل من كل ما قدمه الشعراء العرب الآخرون في الملتقى مجتمعين.
    وبالتأكيد فقد اضفت المفاجأة بظلالها الجمالية على ما كنت أسمعه من هؤلاء الشعراء والشاعرات الشباب ليلة بعد ليلة وأمسية بعد أمسية.

    روضة الحاج

    في أمسية الليلة الافتتاحية تحديدا، التي أقيمت في قاعة الصداقة، برعاية وحضور كل من ممثل نائب رئيس الجمهورية، ووزير الثقافة الاتحادي، ووالي ولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر، ورئيس المجلس الأعلى للثقافة والإعلام والسياحة الوزير د. محمد عوض البارودي، ورئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي، ود. حديد السراج رئيس اللجنة العليا للمهرجان، و د. عبد القادر الكتيابي سكرتير اللجنة العليا للمهرجان، وعدد من الوزراء والتنفيذيين وجمهور غفير، تألقت الشاعرة السودانية الصديقة روضة الحاج، التي تحظى بشعبية سودانية، وايضا عربية جارفة، منذ تعرف الجميع عليها من خلال برنامج أمير الشعراء في دورته الأولى قبل سنوات قليلة. وهي شعبية تستحقها تماما تلك الشاعرة المميزة في كل شيء، وليس على صعيد شعرها الأنيق والرصين والمتجدد بذاته وحسب.
    استضافتنا روضة الحاج لاحقا في احد صباحات الملتقى في مركز المرأة السودانية (ماما)، لنجد في استقبالنا هناك جمعا من سيدات السودان المميزات في كل المجالات. وكان المركز بحد ذاته تحفة راقية على صعيد تصميمه الداخلي الذي قامت به إحدى عضواته.. وأضفت عليه نكهة نسائية من عوالم المرأة والأسرة وفقا لتنوعات المجتمع السوداني بأكمله.
    -
    منقول من موقع القرير
                  

05-22-2013, 03:53 PM

د.محمد حسن
<aد.محمد حسن
تاريخ التسجيل: 09-06-2006
مجموع المشاركات: 15194

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الاخت الشاعرة الفريدة بت الاستاذ
    دخلت للسلام والتحية
                  

05-23-2013, 06:18 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: د.محمد حسن)

    ازيك يا رجل يا جميل

    اين اراضيك


    تحياتي لشخصك وللاسرة الكريمة
                  

05-22-2013, 11:38 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: حيدر حسن ميرغني)

    شكرا علي مرورك اخي حيدر

    لكن بيني وبينك الكويتية دي لو كانت جاتنا في الزمن الجميل كانت حتقول شنو يا ربي!!
                  

05-22-2013, 11:35 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)

    شكرا يا صلاح علي هذه الاضافة الراقية ......وكما قلت انت كانت مساهمة مطربي الزمن الجميل كبيرة في
    ترقية الذوق والحس الفني وتذوق الشعر مما انعكس علي الشعب ومن هنا كان قول ووصف نزار للسودانيين
    وهو موضوع الخيط. اما اكثر ما ادهشني انا ايضا هو ما ذكرته عن الشاعر المصري ......غريب جدا ان
    يصدر مثل هذا القول من مصري......ولله في خلقه شئون

    اسمح لي ان اهدي الابيات الرائعة التي ذكرتها لكل من يمر بهذا البوست مع شكري وتقديري لك


    عطرت البوست بمرورك
                  

05-24-2013, 04:20 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    up up up

    عشان الناس تقرا الكلام الجميل عن الزمن الجميل
                  

05-25-2013, 01:24 PM

Salah Ahmed Eisa
<aSalah Ahmed Eisa
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    من حب الشعراء للسودان
    الشاعر الدكتور / نزار غانم
    يمني الجنسية سوداني الهوى
    صاحب كتاب (جسر الوجدان بين اليمن والسودان)
    عضوء المنبر العام هنا، هو خير دليل حي لهذا الخيط
    (اطال الله في عمره) ،
                  

05-25-2013, 05:13 PM

امجد الجميعابى
<aامجد الجميعابى
تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 2623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)

    بوست رائع يا اخت فريدة بس عايز سواقة هادية و شوية تعب
    تحياتى
    ................................................................................

    Quote: وتغنى الفنان الكبير سيف الجامعة بأغنية
    للشاعر التونسي المعروف الشابي "صلوات في معبد الحب"
    عذبة أنت كالطفولة كالأحلام
    كاللحن كالصباح الجديد
    كالسماء الضحوك كالليلة القمراء
    كالورد كابتسام الوليد


    الاخ صلاح اغنية عذبة انت كالطفولة كالاحلام للراحل
    الفنان عبد الدافع عثمان و قد اجاد اداءها الفنان سيف الجامعة


    تحياتى
                  

05-25-2013, 07:13 PM

Salah Ahmed Eisa
<aSalah Ahmed Eisa
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: امجد الجميعابى)

    العزيز/ أمجد الجميعابي

    شكرا للتصحيح

    ،،،،ولك مني كل الود ،،،،،
                  

05-25-2013, 07:24 PM

وضاحة
<aوضاحة
تاريخ التسجيل: 01-16-2005
مجموع المشاركات: 9116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)




    نزار قمر ً تجلى فى قلوب العشاق يا له من شاعر
                  

05-25-2013, 09:00 PM

امجد الجميعابى
<aامجد الجميعابى
تاريخ التسجيل: 01-08-2013
مجموع المشاركات: 2623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: وضاحة)

05-26-2013, 05:50 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: وضاحة)

    ايه الجمال دا كلو يا وضاحة .....ايه الجمال دا كلو يا وضاحة


    شكرا علي المساهمة الرائعة....وعلي المرور

    اكيد انت رائعة في روعتها.....



    متعنا الله واياكم بالصحة والعافية
                  

05-26-2013, 05:45 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: امجد الجميعابى)

    كل الشكر اخي الجميعابي

    ما زلنا نجتر ذكريات وحكاوي واغنيات الزمن الجميل ..... نهرب اليها كلما اضنانا هذا الزمن
    العجيب .......ما يزيد من الالم والاسي هو ما فقدناه وما زلنا نفقده......ولا ادري ان كنا قد
    وصلنا القاع ......ام؟



    شكرا للمرور يا جميل يا جميعابي
                  

05-26-2013, 05:30 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)

    شكرا صلاح علي الاطلالة الجميلة


    ورفد البوست بالجميل من الكلمات والمداخلات



    دمت اخي ولك معزتي



    كن بخير
                  

05-30-2013, 09:49 AM

Salah Ahmed Eisa
<aSalah Ahmed Eisa
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    الاخت / فريدة
    للمتلقي السوداني في الزمن الجميل بئية خصبة لتقبل اشعار نزار قباني
    الذي يعتبر رائد من رواد الشعر الحر الذي اجمع المنقبين فيه بريادة الاديب
    والمفكر السوداني / عبدالله الطيب ..." الكأس التي تحطمت "
    وهي قصيدة كتبها في لندن في أبريل من عام 1946 اي قبل ميلاد قصيدة
    "الكوريلا" لنازك الملائكة التي كتبت في 1947 ،.
    إن صحة هذه المعلومة او خطاءها لا يدل الا لنضج المتلقي السوداني
    الذي اخرج اجيال تناوبت في اثراء الشعر العربي .واصبح السودان
    محطه مهمه للشعراء العرب
    ......................................................
                  

06-01-2013, 01:49 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Salah Ahmed Eisa)

    بارك الله فيك اخي صلاح

    Quote: للمتلقي السوداني في الزمن الجميل بئية خصبة


    اهديك والقراء الاكارم انموذجا للبيئة ولما كان عليه حالنا من فيه من استعمرنا ردحا ليس بالقصير من الزمن

    مستركلارك

    بقلم: عمر حسن غلام الله

    نوفمبر 1997م
    ___________________

    الخرطوم- (صيف عام 1939):

    خرج من مكتبه بالمديرية بشارع النيل بالخرطوم، بصحبة المترجم السوداني الذي خُصص له، الى الشارع ليتفرج على الخرطوم لأول مرة في حياته؛ إذ كان قد وصل الليلة الفائتة
    من صيف ذلك العام من مستعمرة الهند- درة التاج البريطاني- منقولاً الى مستعمرة السودان، وفي ذاك الصباح – وقبل استلام مهام عمله- رأى أن يستكشف هذه البقعة من العالم،
    وكان أول ما لفت نظره في سكان تلك البقعة من هؤلاء البشر ذوي السحنة السوداء، قوامهم الفارع وأجسادهم القوية وعضلاتهم المفتولة، وقفز الى ذاكرته منظر أجسادٍ ضئيلة وقاماتٍ قصيرة من شعب تلك
    المستعمرة التي جاء منها وكيف أن تلك الأجساد كانت تنوء بجسمه السمين، وقال في نفسه أن هؤلاء السودانيين هم أقدر على حمله والمشي به في مشاويره القصيرة دون أن يترنحوا تحت حمله الثقيل.

    قال لمترجمه وهو يشير الى أحد السودانيين المارين من أمامه- وكان شاباً طويل القامة وقوي البنية- أن ينادي هذا الرجل ليركب على كتفيه فيتجول به ليتفرج على الخرطوم – من علٍ- فتبسم المترجم بابتسامة غامضة،
    إذ كان يتخيل ما سيحدث لهذا الخواجة، ولم يتردد في تنفيذ طلبه أملاً في أن يتعلم الدرس الأول من هذا الشاب، ثم نادى على الشاب:

    - يا زول تعال.

    فجاء الشاب نحوهما:

    - حبابكم..

    فقال المترجم:

    - الخواجه ده قال عايز يركب فوق ضهرك وتمشي بيهو يتفسح في شوارع الخرطوم.

    ويبدو أن الشاب عقدت الدهشة لسانه:

    - قلت شنو؟
    - قلت ليك الخواجه ده عايز يركب فوق ضهرك زي الحمار، أصلو متعود على كده في الهند‍‍.

    رد المترجم وهو يترقب رد الفعل من الزول، وكان رد الفعل سريعاً وحاسماً أكثر مما تصور المترجم، فقال للمترجم :

    - قول للخواجة ده نحن هنا عندنا الكبير بيركب فوق ضهر الصغير

    ولم ينتظر من المترجم ترجمة ما قاله للخواجه، بل أمسك به ودفسه تحته وركب فوق كتفيه وهو يتمتم من الغضب:

    - يا خواجه يا نجس، الليله أوريك الما شفتو لا في الهند ولا في بلدكم.

    وتعاون المترجم مع عدد من المارة لتخليص الخواجه من تحت الرجل الثائر، وأصر مستر كلارك على فتح بلاغ ضد هذا الرجل، وفعلاً تم فتح البلاغ،
    وفي مكتب المتحري بنقطة الشرطة أدلى كل منهما بأقواله بشهادة المترجم وبعض المارة الذين خلصوه من هذا الرجل، ووضع الرجل في الحبس وحدد موعد لاحق للمحاكمة.

    ووصل الخبر الى حاكم عام السودان الذي أمر بإطلاق سراح الرجل حالاً، وصدر قرار مستعجل بنقل مستر كلارك فوراً من مستعمرة السودان، وأفهمه الحاكم العام بأنه رغم
    أن السودان مستعمرة بريطانية إلا أنها ليست كبقية المستعمرات البريطانية الأخرى، وأن التعامل مع شعبه يتطلب صنفاً آخر من الموظفين غيره.

    ولم يلملم مستر كلارك أوراقه ولا أن يجمع حاجياته ولا أن يجهز شنطته استعداداً للسفر، لأنه أصلاً لم يفتحها ولم يخرج حاجياته منها، ولم يفتح أوراقه بعد،
    ولم يطلب منه تسليم لأنه أصلاً لم يتسلم شئ.. وغادر مستعمرة السودان مندهشاً أكثر منه حانقاً.

    لندن (خريف عام 1980م):

    دخلتُ الى السفارة السودانية في لندن، فوجدت في بهو الانتظار بريطاني شارف السبعينات من عمره ينتظر الأذن له بالدخول على القنصل،
    وبما أنني كنت على موعد مع الملحق الثقافي بخصوص موضوع يتعلق ببعثتي وكان عليّ أن أنتظر الأذن بالدخول إليه؛ وددت قتل الوقت وفي نفس الوقت
    اشباع حب الإستطلاع الذي تملكني وأنا أسائل نفسي عن غرض هذا البريطاني الذي أفقدته السنون أسنانه فاستعاض عنها بطقم اسنان صناعي.. فجلست
    بجانبه أتجاذب معه أطراف الحديث، ولم أجد صعوبة في إدارة دفة الحديث في اتجاه الغرض من حضوره للسفارة السودانية، فقال لي أنه يريد أن يعتذر لرجل سوداني بعينه وللشعب السوداني كافة.. مم يعتذر؟ أجاب مستر كلارك، (وكان هذا اسمه):

    - لقد ارتكبت حماقة في شبابي عندما نقلت الى السودان موظفاً ادارياً، وحسب ما تعودت في المستعمرة السابقة التي جئت منها منقولاً- درة التاج البريطاني- فقد أردت أن يحملني أحدهم ليطوف بي في شوارع الخرطوم،
    وبدلاً من أركب على كتفي الرجل ركب هو على كتفي- وأنا صاحب السلطة والسطوة، وهو الخاضع لسلطتنا- ولكن للأسف فقد وقف حاكم عام السودان في صفه وتم نقلي فوراً من السودان.

    تنقلت بعد ذلك كثيراً في مستعمرات امبراطورية بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، وفعلت ما فعلت بأبناء تلك الشعوب، ولكن لم يقابلني في أي من تلك المستعمرات مثل ذلك الرجل الأسود
    العملاق في السودان، وكنت انتظر السنوات الطوال لأعود الى مستعمرة السودان حاكماً عاماً للإنتقام من ذلك الرجل – وكنت قد حفظت رقم المحضر وتاريخه لذلك الغرض- ولكن لم يسمح لي أبداً بالعودة الى السودان، وفقدت الأمل نهائياً بعد إعلان استقلال السودان في العام 1956م.

    طوال السنوات التي أعقبت ذلك كنت اطّلع على وثائق مستعمرة السودان بوزارة المستعمرات البريطانية، فوجدت عجائب الأحداث؛ من ضمن ما قرأت تقرير مدير المديرية الشمالية الذي كتب عن الأيام الأخيرة للحكم البريطاني في السودان فقال:

    (كنت ماراً بجوادي مع ناظر دنقلا في جولة تفقدية، فلقينا في طريقنا رجلاً طاعناً في السن يزرع أرضه، فقلت للناظر قل لهذا الرجل أننا (أي البريطانيون) سوف نترك بلادكم، فما رأيه، فرطن الناظر باللهجة المحلية الدنقلاوية للشيخ بما قلت،
    فترجم لي الناظر رده الذي يقول: "قل لهذا الرجل ذو الوجه الأحمر هل أنتم استشرتمونا عندما جئتم الى بلدنا حتى تستشيرونا وأنتم تغادرون؟" فسقط في يدي، وقلت للناظر، إذا كان هذا الشيخ الفاني والفلاح البسيط الأمي الذي لم يتعلم حتى
    القراءة والكتابة يقول هذا الكلام؛ فإنه فعلاً لا بقاء لنا هنا حتى وإن أردنا ذلك.)

    بعد سنوات من مراجعة ما حدث لي هناك وما قرأت عن هذا الشعب؛ بدأت أغيّر رأيّ، فمثل هذا الشعب الذي منه ذلك الرجل لا يجوز عقابه، بل يجب ثوابه.. لذا قررت أن أهب تركتي له، فجئت الى السفارة السودانية قبل ثلاثة أشهر
    ليبحثوا لي عن ذاك الرجل وأعطيتهم رقم وتاريخ المحضر ليبحثوا لي عن عنوانه أو ما يوصل إليه، فوعدوني بعمل اللازم وأن أرجع إليهم بعد ثلاثة أشهر، وهأنذا أعود.

    أكمل مستر كلارك كلامه وكنت متشوقاً لرد السفارة أكثر منه، فلما سمح له بالدخول انتظرت خروجه بفارغ الصبر، وسمحت لمن بعدي في صف انتظار الملحق الثقافي بالدخول إليه قبلي،
    وبقيت منتظراً خروج مستر كلارك، ومرت الدقائق، ثم مرت نصف ساعة بعدها خرج مبتسماً يحمل عنوان (الزول) واسمه عبد الرحيم محمد طه ومعلومات عنه، قال مستر كلارك:

    - لحسن الحظ أن الرجل ما زال على قيد الحياة

    وواصل قراءة رد السفارة:

    - (ويسكن الديوم الشرقية، لكنه مريض بالمستشفى منذ مدة إثر إصابته بجلطة أدت الى شلل نصفي بعد سقوط منزله- المتهالك أصلاً- بسبب أمطار غزيرة، فأضطر وعائلته الى بناء (راكوبه) في ما تبقى من الحوش..
    (راكوبة) لا تقيهم برد الشتاء ولا مطر الخريف ولا شمس الصيف، حزّ ذلك في نفسه ولم يتمالك، فسقط صريع المرض.)

    - لم يتمالك نفسه وهو ذو الشكيمة القوية التي أشهد له بها.. والذي يعيش في هذا الفقر في بلاده التي استلبنا خيراتها ونعمنا بها دون أهلها.. لذا طلبت عبر السفارة نقل عبد الرحيم وأحد أبنائه- كمرافق له-
    الى هنا للعلاج، وطلبت بناء منزله الذي تهدم، وصرف مخصص شهري لعائلته في السودان، وقبول منح تركتي بعد موتي له، ولو كان لي أولاد لما ترددت أيضاً في منحه تركتي فهو أولى بها.. وأحس الآن براحة
    بال وسعادة غامرة، أولاً لأنني اعتذرت للزول وللسودان بطريقة عملية وثانياً لأنني فعلت خيراً في إنسان يستحقه لرجولته وعزة نفسه، ولفقره وظروفه الصحية والمادية.

    قال هذا وخرج يمشي بخفة ورشاقة كأنه ليس هو ذاك الرجل السبعيني الذي رأيته منذ ساعة واحدة ينتظر في ردهة الإنتظار في السفارة السودانية، فقلت في نفسي، سبحان مغير الأحوال، وسبحان الرزاق وسبحان من بيده ملكوت كل شئ.

    الا يؤلمكم ما آل اليه حالنا يا ناس سودانيزاونلاين؟

    (عدل بواسطة Farida Mahgoub on 06-01-2013, 02:38 PM)

                  

06-01-2013, 12:49 PM

Farida Mahgoub
<aFarida Mahgoub
تاريخ التسجيل: 01-13-2013
مجموع المشاركات: 2252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نزار قباني والشعر والسودان ....كلام عن الزمن الجميل (Re: Farida Mahgoub)

    السلام عليكم اخي

    وانا ايضا لا ادري مصدر الصورة .....لقد رفد بها البوست مشكورا اخونا محمد المرتضي حامد

    Quote: الصورة المرفقة في البوست من الارشيف الخاص بوالدي رحمة الله عليه علي عمر قاسم ويظهر في الصورة الثاني اقصى يسار الصورة بين الشاعرين الراحلين محمد المهدي المجذوب
    (اقصى اليسار يحمل جهاز تسجيل ) والشاعر مصطفى سند - الصورة في مطار الخرطوم لحظة استقبال نزار قباني 1968 - لا ادري من اين تحصل عليها دكتور امجد ويضعها في مدونته دون ذكر مصدره ؟؟!!!


    علي اية حال انت ايضا مشكور لأنك اوضحت مصدر الصورة ...

    ولك العتبي حتي ترضي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de