|
إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو
|
من موقعنا علي هامش العالم الغربي يتم إعرابنا في خانة المفعول به...علي مستوي سلطة الغرب علينا ومستوي سلاطين التخلف (بالمعني النسبي والتاريخي للتخلف) الجاثمون علي مصائر شعوب العالم الفقير مادياً نتجول مع فوكو في تفكيكه للسلطة أياً كانت دون أن نسهو عن نقد مشروعه المبني في سياق الثقافة الغربية لتعرية الأسس المعرفية والمادية التي انبنت عليها هذه الثقافة منذ أن أعدمت الله ثم الإنسان فالمعني إنها حوارات الغرب مع الغرب فما نصيبنا فيها ومنها.. وما ردودنا عليها ومفكرونا من أمثال علي حرب يحذونها حذو النعل علي أمل وضع قاطرة العوالم الفقيرة علي قضبان العوالم الغربية هكذا بملكة التمثقف المتماهي أو بالأدق البهلواني كأنه ينسي بهلوانية السلطة الثقافية والإقتصادية الغربية القادرة علي الإلتفاف علي أي مشروع للعالم الفقير أو الثالث أو النموري الجديد والقوي الصاعدة ليبقي الهامش هامشاً والغرب غرباً بعد أن إستيقظ نيتشة ومن بعده هايدغر و سارتر علي فضيحة ضياع الإنسان الذي ما نشأت الحداثة إلا لتمجده وتحله محل الله لينتهي بالعالم الغربي إلي فظاعات أجلها الحربين العالميتين منظرين لإستعادة الإنسان لوجوده من وسط الضياع الذي إنتهي إليه يأتي فوكو ليهذي بهذه الدعوات الوجودية ويدخل في حوارات عنيفة مع سارتر حول قيمة ومعني إنسانية لا حول ولا قوة لها تلك الإنسانية التي قال عنها هايدغر أننا منذ أن نولد نولد في عالم أعد مسبقاً وليس لنا يد في ما رسم مسبقاً لنا من لون ودين ووضع مادي وجغرافيا وثقافة ويتداخل هابرماس ليري الإنسان كائن مقذوف في مجتمع لكنه كائن إجتماعي بقدرته علي التفاعل مع العالم المادي المحيط به الناس او العالم الإجتماعي الموجود ضمنه وكذلك ذاته وهي تعاني ما تعاني لتجد لها موطئ قدم وإعتبار ضمن هذين العالمين بمحدودية إمكانياته وإتساع رغباته..ويدخل فوكو في حوارات مع هابرماس أيضاً لو تمكنا سنعرض لها كلها وهو يفكك مركز الثقل ضمن هذه الدعاوي كلها وهو الإنسان..ولكن أي إنسان إنه الإنسان الغربي يا فوكو والمشروع الحداثي الغربي يا فوكو وقد سبقك ديسوسيور ونيتشة وفرويد وماركس في توضيح مصادر السلطة الكامنة في الرمز وفي المعرفة قبل السياسة.. هل كانت الأفكار المجيدة التي طرحها فوكو تسعي إلي خلاص الغرب أم الإنسانية جمعاء وهو يستند علي إثنولوجيا شتراوس وبنيوية وسيكولوجي لاكان بقدر إستناده علي التاريخ لتوضيح خطل المعايير والأخلاق والسلطة...كان نيتشة قد وضح من قبل بأن الأخلاق والمعايير في كل مكان وزمان يصنعها من هم علي السلطة فتصبح أخلاقهم أخلاق النبالة وأخلاق دونهم أخلاق الرزالة ويوضح فوكو عبر منهجه المسمي بالآركيولوجيا المعرفية ليوضح أن الحداثة التي حلت الإنسان محل الله ودشنت نظامه الأخلاقي حتي داخل علومها وتكنلوجيتها تأسست علي مناهج في البحث تستعيد سلطة ميتافيزيقا المعرفة والتقنية لتحلها محل ميتافيزيقا الأديان ولا بد من توجيه الجهد ليس نحو هذه الخطابات الحداثية بل المناهج التي تأسست عليها والتي غيرت الأسماء فقط لتضع الإنسان محل الله وتستمر الميتافيزيقيا التقليدية هذه المرة تحت اسم الانسانوية
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: عماد البليك)
|
الشكر أجزله أخوتي مصعب والبليك وأتمني دوام تواجدكما بالبوست
تأثر فوكو بماركس وبلويس ألتوسير لا سيما في مسألة كيفية عمل القوي المؤثرة علي حياتنا اليومية والساعية لإشاعة سطوة و سلطة خطابها المعرفي و الآيدلوجي الذي يعمم مقولاته كمسلمات يجب علي جميع الناس التأمين علي شرعيتها وعلي أنها المعرفة الموضوعية والأخلاقية الوحيدة وما دونها الرماد...لكنه يختلف مع ماركس في تعريف السلطة حيث يراها ماركس ظاهرة فوقية منبثقة عن حركة ما يجري الأرض من صراعات ولكن السلطة عند فوكو تنبثق عن نقطة تقاطع كل الأنظمة العاملة علي الأرض أو علي الوعي واللاوعي..تأثير البنيوية علي فوكو لا يمكن تجاهله رغم أنه ينفي أنه بنيوي أو ما بعد بنيوي حتي والمعلوم أن للبنيوية تجليات عدداً سواء كان ذلك في مناهج النقد الأدبي في علوم الإجتماع والسيكولوجي في أنظمة الفكر والفلسفة حيث أن ما يجمع فيها بين دلوها في كل هذه الضروب المعرفية تحت عباءة البنيوية هو نظرتها العامة إلي أن المعاني تتخلق داخل مركب أو إن شئت بنية ونسق يضم العديد من الرموز والمراجع فكل معني يتخلق ضمن نسق يضم عناصر عدة تسهم في إستيلاد هذا المعني عوضاً عن إنعكاسه بصورة مباشرة وحرفية عن النص. نذكر أن البنيوية عند هيدغر تنتهي إلي نسق العالم المحيط بالكينونة والمحدد لماهييتها والمعاني تستولد من تشابك البنية الإجتماعية بكل ما تملكه من رموز ومرجعيات دينية وأخلاقية وإجتماعية يكون التمرد عليها كبيرة من الكباير وتمن التمرد غالي فيذوب الديزاين في هذه البنية المحيطة بنية الهم بضم الهاء (فمثلاً يري الديزاين أن الدقن ضمن هذه البنية ضروري لكسب العيش فيكبر دقنه وربما يقصر سرواله) و يفقد بذلك قيمة وجوده عندما يفعل كل ذلك دون إيمان بما يفعل ثم يأكله القلق من عسف واقعه الشخصي المداهن فيقرر أن يتحرر من الإمعية الإجتماعية ومن قهر أي سلطة..أي موت موت حياة حياة فيستقل محققاً ذاته بعد أن يقتنع بدفع تمن إستقلاله..رجع فوكو في مراجعاته البنيوية حتي تأسيسات سوسيور اللغوية ودراساته عن إستيلاد المعاني والدلالات بين الدال والمدلول في علاقة إعتباطية تحكمية بمعني أن كلمة حجرة تقابلها في الإنجليزية كلمة روم وكلاهما تشيران لشيئ له عدة اسماء بعدد لغات العالم وليس اسم واحد ضروري خلق له ومعه بل إصطلاحات تعارف عليها الناس ضمن اللغة المعينة بأن هذا الدال يشير إلي هذا المدلول وسنتعرف مع فوكو كيف أن الدوال تتغير عبر الزمان وضمن اللغة نفسها للمدلولات نفسها..وأن الدلالات لا تعمل إلا بتمييزها عن بعضها ضمن النظام أو الشبكة أو الرصيد اللغوي (راجع مبدأ الإختلاف عند دريدا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
دكتور سناري مرحباً بك، ومرحباً بالخطاب الصادق الذي يخاطب الإنسان به ذاته، ويواجهها ولا يفرّ منها، خطاب إنساني بالتأكيد يتجاوز كل الحدود، ولكن كما قلت تبقى لكل مجتمع هويّته، ... متابعة مع التشويق!
راجياً الاجتهاد أكثر في تبسيط العرض، ومحاولة ذكر الخلفيّات حتى يعيش القارئ مع النص، كما تعلم هذه المعارف رغم ضرورتها غريبة على الكثيرين!
أنا بالنسبة لي أراه من أهم البوستات، وسأحاول مساعدتك بالأسئلة! كلما وجدت فراغاً من الشواغل!
عندي سؤال الآن ممكن يكون صعب تنفيذه، لكن الأمر إليك: أن تقف وقفة لتبين سياق تطور الفكر الأوربي لحد اللحظة التي ظهر فيها فوكو! بتعميم وتبسيط شديد!
إذا أمكن!
وفائق الشكر والتقدير!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
العزيز دكتور ماجد، لك الشكر على هذا البوست الرائع الذي أعاد للبورد شئ من رونقه بعد أن كاد يتحول لمدرسة ابتدائية، وهو بحق يصلح لأن يكون نواة لكتاب، وآمل أن تصحح الخطأ الغير مقصود في السطر السابع من المداخلة الثانية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: محمد عثمان الحاج)
|
شكراً مرة تانية يا هندسة وذي ما قال كولن ولسن إنه مشكلة الثقافة المعاصرة أننا نتعايش بالربوت الذي يسير أرجلنا وألسنتنا كالمخدر الذي يغتال ملكة التركيز ...ولا يمكن لنا أن نتقدم خارج سياق مقاومة الربوت وإستعادة ملكة التركيز ..ات\كر أنه ضرب مثلاً بأنك عندما ترحل إلي منطقة جديدة ستكون مركزاً جداً للتعرف علي المواقع المهمة لك منها البقالة ومدارس الأبناء حتي لا تضيع في الوصول إليها ولكن بعد فترة من التعود عليها ورسوخها في وعيك الباطن حيث محتوي كل ما هو كامن يبدأ الربوت بتسير عجلة أرجلك بالنيابة عنك وستجد نفسك خرجت من المنزل ووصلت لموقع البقالة دون أن تدري حقيقة أي الشوارع سلكت لأنك كنت منشغلاً طيلة الطريق الونسة مع صديق حتي وصلت إلي البقالة وانت لا تدري كيف وصلت...إنه الربوت الذي يستولي علي الألسنة والأقلام فيضع عند الأعجام دارون محل فرويد وكله عند الربوت فسيخ لكن شتان ما بين أصل الأنواع ونظريات التطور البيولوجي والسيكولوجي حيث نظريات التحليل النفسي...سأحاول لاحقاً مراجعة بقية المداخلات لأنه يبدو عند روبوتي أن فرويد يتحول دائماً لدارون
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
تلبية لوعدي للأخ صلاح فقيري استعرض الأفكار الأساسية التي عرضها فوكو في كتابه الهام الكلمات والأشياء ويعتبر مع كتابه الأشهر آركيولوجيا المعرفة أهم كتبه ورغم الإستقبال الكبير الذي لقاه هذا الكتاب عند صدوره إلا أن فوكو حاول لسبب أو آخر إيقاف نشره وتوزيعه لا سيما بعد حملات النقدية التي واجهها الكتاب لكن كان الوقت متأخراً لتنفيذ رغبته بعدم توزيع الكتاب فمعظم ما طبع كان بالفعل قد تم توزيعه...ومن يطلع علي الكتاب يشهد علي الحصيلة المعرفية الواسعة وولعه بتكرار الأمثلة والإمعان في التفاصيل حتي أن المطالع للكتاب يواجه بصعوبات جمة كي قبل إستيعاب أفكاره الأساسية التي أسس عليها فوكو أو سخر لها كل هذه الأمثلة. يحفر فوكو في الكلمات والأشياء في تاريخ المعرفة أو جينالوجيتها لشرح نظريته وما نأخذه عليه هنا رغم إشارته في بداية الكتاب إنه هاله النموذج الصيني للمعرفة إلا أنه يركز عمله علي تاريخ المعرفة الغربية تماهياً مع غيره من الكتاب الغربيين الذين يجذرون فكرة أن الغرب هو مركز المعرفة الأنسانية وكل ما عداه هامش (كنا قد لا حظنا من قبل إن كل النظرية الوجودية لكريكجارد مبنية علي الدين المسيحي)...في هذا الكتاب ينحت فوكو مصطلحات جديدة خاصة بنظريته في الحفر المعرفي ونشأة المعرفة فينحت مصطلح الأبستيم المستمد أو المنتسب لكلمة إبستمولوجي (نظرية المعرفة)...وكنت قد تعرضت لهذه النظرية في بوست سابق عن التقاطعات بين أفكار ديكارت ، هيوم ، وكانط فيمكن لمن يريد التعرف علي ملامح وتطورات هذه النظرية أن يرجع للبوست الموجود بمكتبات المنبر ..فقط أذكّر بأن كانط عرض أطر الفهم أي النطاق العقلي الذي نفهم عبره كل ما حولنا حسب رؤية كانط والذي يقصر وسائل المعرفة فقط علي هذه الأطر أو إن شئت العدسات التي عبرها نفهم كل ما نراه (مظاهر الأشياء فقط) لأن لا أحد يستطيع حسب كانط معرفة جواهر الأشياء أو بعبارة أخري حقيقة اي شيئ (الأشياء في ذاتها أو النومينا) فعقلنا يمتلك هذه الأطر أو العدسات المعرفية التي يدخل فيها كل مايقع البصر عليه ليتم التعرف عليه..أما فوكو فيري أطر مختلفة للمعرفة وهي أطر تاريخية بالكامل (ماركس) فهو يري أن في كل فترة تاريخية محددة توجد إمكانات محددة للمعرفة وليس غيرها..الأبستيم عند فوكو هو نظام للمعرفة يوفر ظروف محددة للفهم والتفكير في زمان ومكان محددين وبالتالي الناس العايشين داخل نطاق الإبستيم يكون تفكيرهم محدود بحدود الإبستيم ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
Quote: رغم إشارته في بداية الكتاب إنه هاله النموذج الصيني للمعرفة إلا أنه يركز عمله علي تاريخ المعرفة الغربية تماهياً مع غيره من الكتاب الغربيين الذين يجذرون فكرة أن الغرب هو مركز المعرفة الأنسانية وكل ما عداه هامش
|
شكرا يا دكتور على متابعة السرد...لكن شغلتني هذه العبارة...فماالمقصود هنا بالمعرفة الإنسانية(التي يعتبر الغربيون أنهم مركزها)؟؟ فبالنظر لتاريخ تطور العلوم والفلسفة عموما نجد أن البناء هرمي بمعنى أن الكل يأخذ من معين الآخر ويبني عليه(الصينين القدماء-المصريين
القدماء-الإغريق-الرومان) وقد يحدث التطور بالتوازي أي لحظة إختراع العجلة بشكلها الدائري في حضارة ما يحدث بدون خلفيات مسبقة عن إختراعها في حضارات أخرى...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Musab Osman Alhassan)
|
شكرا مصعب والمقصود بالمعرفة الإنسانية في هذا البوست هو المعرفة الغربية للأسف وموضوع البوست هو ماهية هذه المعرفة الغربية هذه ...أما مشكلتنا نحن ابناء العوالم المستضامة أن القليل جداً من البحوث والكتابات الغربية تنظر لنا كمفعول به وكهامش وكمستبعد لا تشكل المعرفة فيه موضع لإهتمام فوكو ولا غيره من أساطين الفكر الغربي المعاصر وتسخر الآنثربولوجي أو الإثنولوجي لدراسة أحوالنا وأفكارنا ليس لتكتشف تميزها كمصدر من مصادر إثراء الثقافة العالمية بل لتؤكد خلفياتها المسبقة عن تخلفنا لأن التقدم هو الغرب والمركز هو الغرب...أما إنتاجنا الثقافي ومراكز الترجمة للمعارف الأخري فحالها يغني عن سؤالها إذ أن أولوياتنا تتجه إلي مسارات أخري..تخيل أن أكثر من 70% من ميزانية السودان موجهة نجو الأمن والدفاع(دفاع من منو وضد منو؟؟) والخدمات الأساسية لا تجد ما يسد رمقها دعك من دعم المعرفة والبحث والترجمة والنشر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
شكراً صديقي صلاح وسأرجع لك لاحقاً
يركز فوكو كثيراً علي العصر الحديث والخطابات السائدة فيه ويعتبرها كلها خطابات جزئية تدور ضمن نسق معرفي أو خطاب سائد كبير هو خطاب الإبستيم الحديث وأن دورة حياة كل هذه الخطابات بما فيها الماركسية ، والليبرالية مرتبطة بدورة حياة العصر الحديث والتي هي في مراحلها الختامية ..كان العصر الحديث عصر الإنسان وبالأخص مظاهر الحياة في الإنسان ، وجوده ن، نشاطاته وطموحاته .كان يمثل إبستيماً معرفياً مختلفاً عما سبقه من عصور... لذا كلنت نظرته للحياة وللأشياء تختلف عن مفاهيم ما سبقه وما سيعقبه من عصور وبفكرة الإنقطاعات المعرفية هذه يتجاوز فوكو و بضربة واحدة الهيجلية والماركسية وكل السرديات التاريخية الكبري رغم تأثره الواضح في فكرة الخطاب بماركس حيث أن لفكرة الخطاب علاقة قرابة وطيدة بفكرة الآيدلوجيا عند ماركس إلا أنه رغم إتفاقه كثيراً مع تأثير الواقع الإجتماعي علي الوعي إلا أن مكونات الوعي عنده أكثر تعقيداً من المكونات الإجتماعية والإقتصادية لوحدها وأن الخطاب كما أنه منتوج أشياء عدة أهمها الأرشيف المرتبط لحد ما بالوعي الباطن ومتفاعل مع الواقع الإجتماعي لتشكيل الوعي و تأثيرالخطاب ممتد ومسيطر علي الواقع الإجتماعي وليس العكس ويمثل السياق العام الذي يحدد أطر الأدب والفن والسياسة واللغة والطب وغيرها وتكون كل علوم الإنسان واللغة والتشريعات القانونية والفتاوي الدينية والإقتصادية وغيرها معروضة في البلد المعين أو المكان المعين بما يخدم تكريس شرعية الخطاب السائد وتفاهة الخطابات المناوئة (لاحظ في السودان مراكز دراسات التعريب أو إسلامية المعرفة ، الجامعات الدينية، هيئات علماء السودان ألخ... فالعلوم ليست محايدة أبداً والمعرفة سلطة يحتاج الحاكم السياسي لسلطة المعرفة لتكرس شرعيته وشرعية خطابه فيحتاج للفنان والشاعر والمثقف الذين يستعملون سلطان معرفتهم للتأمين علي شرعية الخكاب السائد.. وكل شيء داخل هذا الخطاب مرتبط بزمانه ومكانه وما أن يتلاشي الخطاب مع التلاشي الفجائي للإبستيم الذي أفرزه لصالح إبستيم آخر جديد (عصر معرفة آخر) حتي تتغير إتجاهات كل المفاهيم والأنشطة سواء ثقافية ، علمية ، رياضية ، دينية ألخ..المشكلة أن الأجيال التي تنشأ داخل مكان يسيطر عليه خطاب معين ولنقل الخطاب الناصري في مصر أو الستاليني في روسيا(مئات الذين إعتقلوا وأدخلوا المصحات النفسية بسبب معارضتهم للخطاب الستاليني السائد وتهم الولاء للغرب) أو الإنقاذي في السودان تكون فريسة سهلة لذلك الخطاب الذي إلي حد كبير يشكل وجهة نظرها للأشياء فلا تستوعب بسهولة وجهات نظر أخري مهما كانت موضوعيتها وأذكر هنا انني في تسعينات القرن الفائت سافرت مع زوجتي الأولي للعمل بأحد المستشفيات الإقليمية بمنطقة الرياض وكانت زوجتي محجبة إلا أنه في تلك المنطقة كان النقاب هو الرداء المقبول لكل من تخرج إلي الشارع لا سيما وإن كانت طبيبة وحتي الأطفال يفهمون أن من العيب أن تكشف المرأة عن وجهها وما كان من زوجتي ذات الإتجاه الديني مسبقاً إلا أن تنقبت طيلة فترة وجودها في ذلك البلد حتي لا تخرج عن السائد..بالطبع داخل نطاق أي خطاب هنالك إمكانية لوجود خطابات أخري مناوئة ولكن فرص وجودها ضعيفة ليس فقط لأن كل مقدرات الهيمنة يملكها الخطاب السائد لكن أيضاً لأن إقتناع الناس بالسايد وميولهم أكثر للمحافظة علي التمرد هي ما تمنع إندراج أعداد كبيرة من الناس في الصف المعارض وهذا هو السبب في صعوبة إستقطاب الجماهير السودانية رغم معاناتها اليومية لصفوف المظاهرات وإسقاط النظام لأنها تطمئن لما هو ساكن وسائد لا إلي ما هو ثائر ومهمش لا سيما إذا أخذنا في إعتبارنا بأن سلطة الخطاب السائد تمارس في سبيل بقائها ليس فقط محاولة إستقطاب الآخرين لصفوفها بل تهميش وقطع عيش وجلد وإعتقال كل ما يسلك سلوكاً لا يتماشي مع كلامات وإفادات ونصوص وتشريعات الخطاب السائد.ومن المفيد للجماعات المعارضة داخل أرضية أي نظام أن تخلق لنفسها الفرص التي لا تخرج عن إطار ما هو سائد ومعروف فيصعب علي الخطاب السائد منع قيامها أو فركشتها لتتواصل عبرها مع الجماهير وتبعث برسائلها الضمنية أو العلنية المناوئة للخطاب السائد والداعية للتمرد عليه أضرب أمثلة بإحتفالات المولد ورأس السنة والمهرجانات الرياضية المختلطة وغيرها حيث هنا فقط وليس في الندوات السياسية تتوفر الفرص لأنشطة جماهيرية موجهة كانت فنون ، مدائح ، كورالات، منافسات بكئوسها يتم في إطارها التواصل بين الخطاب المعارض والناس كان ذلك في شكل إبراز نجوم تعبر من خلال أعمال عن الخطاب المعارض (أغاني مصطفي سيد أحمد أو أشعار حميد ) أو تلميع رموز نكل بها وهمشها الخطاب السائد إلخ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
كما ذكرت يرفض فوكو إبستمولوجيا كانط التي تعتمد فيها المعرفة علي خبراتنا السابقة والعالم العياني الماثل أمامنا حيث يكوّن عقلنا أطره للمعرفة مستفيداً من خبراتنا وإمكانياتنا الذهنية ويضع في مكانها فكرة الإبستيم التاريخي وهو إطار تاريخي يتشكل ضمن شروطه الخاصة بالزمان والمكان المحددين إنموذج معرفي محدد...لقد أشرت من قبل لفكرة الإنفصال أو ما يسمسه عابد الجابري القطيعة المعرفية بين نماذج المعرفة التاريخية (يري الجابري منطلقاً من فكرة فوكو نفسها إن عصر التدوين الإسلامي أي العصر الذي بدأ فيه المسلمون تدوين تراثهم شكل قطيعة تاريخية مع ما سبقه من إسلام ويظهر هذا في نمط التأويل الجديد للنصوص الإسلامية وينظّر للحاجة لعصر تدوين جديد يشكل قطيعة مع أساليب فهم النص الإسلامي المتوارثة من عصر التدوين ومستفيدة من منهجيات دراسة النص الحديثة)..يؤكد فوكو وجود قطيعة بين نماذج المعرفة التاريخية في الغرب والنماذج المعرفية في الغرب يجملها في ثلاث ..إبستيم عصر النهضة وإبستيم العصر الكلاسيكي للمعرفة وإبستيم العصور الحديثة أو الحداثة ويسعي فوكو مستخدماً آلته الحفرية للبرهنة بأن كل هذه الأبستيمات أو العصور المعرفية تحكمها الشروط نفسها ولا ينبني عصر علي تراكم المعرفة في العصر المعرفي السابق له...يتتبع فوكو اللغة والتاريخ الطبيعي وتحليل الثروات في المراحل أو الإبستيمات الثلاث التي عرضها لتطور المعرفة في الغرب وكيف كانت كل مرحلة تنظر للغة ولعالم الأحياء من حولها والتعامل مع المال والثروة (إقترح هيجيل فكرة قريبة من ذلك طورها ماركس وهي أن المعرفة في أي زمن في حالة صراع بين نموذج سائد ونموذج مقاوم له في حركة دياليكتيكية تنتج في النهاية نموذج جديد فيه عناصر من النماذج السابقة لكنه متجاوز لها ولو أن هيجل وماركس يريان أن التاريخ متحرك نحو غايته كانت هي الروح الأعلي أو مرجلة الشيوعية بينما فوكو يعارض ذلك كما سأوضح من خلال البوست) يري فوكو أن الطريقة التي ننظر بها إلي اللغة أو البيولوجي أو المال اليوم تختلف عن الطريقة التي كانت سائدة في عصر النهضة أو العصر الكلاسيكي والمهم توضيحه هنا أن أشكال المعرفة داخل كل إبستيم تنطلق من قاعدة معرفية مشتركة بحيث إذا نظرنا للغة في عصور النهضة سنجد أنه الناس في هذا العصر ينظرون للمال بطريقة متناغمة مع نظرتهم للغة وللتاريخ الطبيعي ونفس الحال في العصور اللاحقة فعدسة الرؤية في كل عصر تسم الطريقة التي ينظر بها الناس إلي كل شئونهم في ذلك العصر (نلاحظ هنا النفس البنيوي إذ يطرح فوكو نسقاً متكاملاً للمعرفة في العصر المعين ذلك أن آركيولوجيته وليدة البنيوية والسايكلوجي والتاريخ كما هي جينالوجية نيتشة التي يسفه فيها السايكلوجي والسايكلوجيين) نلاحظ أن فوكو هنا لا يتفق لا مع الهيجلية ولا الماركسية بوجود أكثر من إنموذج داخل نفس البنية الإجتماعية بعضها سائد وبعضها متسيد عليه بل هنالك النموذج السائد والذي يستمر حتي يحدث تحول فجائي وذو طبيعة معرفية (وليس مادية كما عند ماركس) إلي إبستيم أو نموذج معرفي إلي آخر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
يبتدر فوكو كتابه بعصر النهضة مبيناً كيف أن توجهات الناس المعرفية وإهتماماتهم كانت جد متميزة عما حدث في العصور التي أعقبت عصر النهضة وكيف كان الناس في عصر النهضة ينظرون للعالم حولهم وفق إبستيم أو نموذج معرفي محدد يتم تحديد المفاهيم ضمنه بمعني ماذا تعني الحقيقة ، ماذا يعني الدين، ماذا تعني الثروة.. ألخ ( بشكل يختلف عن معاني نفس المفاهيم في العصور الأخري) وهنا نلاحظ إقتراب فوكو من مفهوم الدايرة الهرمونيطيقية عند هايدجر الذي نقل الهرمونيطيقا من مستوي التأويل الأدبي إلي مستوي التحليل الفلسفي موضحاً بأن الإستشكالات المعرفية التي نطرحها ونبحث فيها تنطلق دوماً مما يشغل أذهاننا... في الكتاب عرض فوكو مئات الأمثلة لتركيز فكرته عن مفهوم الخصوصية والقطيعة لإبستيمية بصورة لا يتيسر حتي علي القارئ المطلع إستيعابها بالكامل إلا بعد بذل جهد وصبر بينين وحتي مع ذلك الجهد يبدو أنه من الأقرب للمستحيل تتبع الإستشهادات الوفيرة أو مراجعها ولكن يكفي فقط الألمام بالخطوط العريضة لفكرته الآركيولوجيا عن مفهوم الإبستيمات التاريخي وهذا ما نسعي لبسطه في هذا البوست.. يري فوكو أن الناس في عصر النهضة(الذي أعقب العصور الوسطي) كانوا وبرغبة حقيقية في البحث والمعرفة ينظرون إلي العالم من حولهم ككتاب غني بالحقائق والأسرارالمثيرة لتلك الشهية للتعلم والإكتشاف.. و أن الإبستيم النهضوي كان يتأسس علي مفهوم المشابهة حيث كانت المشابهة هي منهج الناس في تفاعلهم مع عالمهم فكان الولع بإكتشاف التشابه بين الأشياء وإستنتاج العلاقات بين الأشياء المتشابهة مع تجويد القدرة والبراعة في التوصل للعلاقات بين الأشياء وإرهاف الحس البحثي في العالمين المحيط المحدود والواسع الذي يمتد إلي السماوات العلي مع وصل العالمين ببعضهما(كما نربط في بلادنا بين كوارث البيئة وغضب الله من أفعالنا). في عصر النهضة كانت اللغة تستعمل للتسمية المباشرة للأشياء وكانت كل مفردة تلتصق بما تشير إليه كالتوقيع الخاص به وبالتالي لم يكن الناس منتبهون أو مهمومون بالتفريق بين علاقات العلامات وتأويلها أي بين السيميائية والهرمونطيقا حيث السيميائية هي إكتشاف علاقات العلامات بينما الهرمونيطقا هي مهارات إستخلاص المعاني الكامنة في اللغة أو الإشارات اللغوية فمفهوم المشابهة كان هو المفهوم المعرفي السائد عندهم ولم يكن يستشكل علي الناس آنذاك تفسير ما يقرأونه في وصف أشيائهم وعالمهم حيث أن في كل نص معني مباشر وسهل فاللغة كانت تمثل بشفافية علامات الأشياء المشابهة لها وكانت العناية موجهة نحو الكلمة المكتوبة كذلك العالم كان بالنسبة لهم كتاباً مفتوحاً لمن يريد أن يقرأه بما يحتويه من إشارات وعلامات تنتظر قراءاتها وإكتشافها كمعرفة جديدة تضاف لحقل المعارف التي تكتشف يوماً بعد يوم فاللغة مسكن للمعاني المحمولة فيها وتتميز بعلاقة لصيقة وغير إستشكالية بينها والأشياء التي تمثلها في ذلك العالم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: munswor almophtah)
|
كان البحث عن المدهش والمفاجئ من سمات إنسان النهضة الخارج من كبت القرون الوسطي بإحساس عال بالحرية والإستقلال وإندفاع مشبع بقابلية عالية لإكتشاف التشابهات التي تذخر بها الحياة من حولهم والنظر للأشياء في كلياتها دون رغبة للبحث في التفاصيل والدقائق وكذلك كان هنالك ميل للربط بين الأشياء التي توجد في عالمهم الصغير وربطها أحياناً بظواهر الكون الكبير أو ما يُتصوّر أنها إشارات لأشياء تقبع هنالك في أعالي السماء لأن كل شئ في العالم يمكن ربطه بشكل ما بشئ آخر.. فما بين العالم الشخصي والمدي والواسع علي الأرض والسماء من الممكن رصد آلاف الحالات التي يمكن قرنها ببعضها ثم عرض إنعكاسهاعلي بعضها عبر سلسلة من الصور و الشفرات التي تخلق التي تخلق بدورها من مفردات اللغة التي تعبر عن هذه التشابهات سلسلة مقابلة كما الصور علي المرآة في تمثيلها لما هو خارج المرآة .. لم تكن تواجه الناس في هذا عصر النهضة أي صعوبات في التعامل مع الكلمات أو ما يتطلب جهداً للغوص عميقاً في المعاني أو البحث فيما وراءها فمثلاً إذا كانت الخطوط علي أيدينا قصيرة يعني ذلك أن حياتنا قد تبدو قصيرة وإذا كانت طويلة ففيها فأل حسن بطول حياتنا. نأتي الآن لنلحظ مع أركيولوجيا فوكو أو حفره التاريخي كيف يعمل المنظور المعرفي وكيف أن الإبستيم المعين يمهد في فترة تاريخية معينة لحدوث أشياء جديدة مختلفة عن الفترات التاريخية الأخري بمعني أوضح كيف أن اللغة والتاريخ الطبيعي والإقتصاد في كل من إبستيم ترتبط هذه العلوم ببعضها البعض أكثر من إرتباط كل منها بذاتها عبرتاريخها الممتد علي طول كل الإبستيمات... وسنري كيف يحدث تحول في نموذج المعرفة بتحركنا من عصور النهضة إلي العصور الكلاسيكية .. في العصر الكلاسيكي وعلي عكس عصر النهضة حيث كان الناس مستهلكون في تراتب التشابهات تبدأ هنا توجهات نحو التحليل والحساب والتمييز بين الأشياء والنزوع نحو عمل تصنيفات للأشياء كتصنيف الممالك الحيوانية والنباتية وتبني روح نقدية ...لا يكتفي إنسان العصر الكلاسيكي بالنظر والملاحظة وتعيين المتغيرات ثم قياسها ووضعها في جداول واللغة تتحول إلي دور أكثر شفافية وحياد في تمثيلها للأشياء وتجري محاولات لإستنطاق الرموز والشفرات ...المعرفة في هذا العصر تبحث عن اليقينيات وبالتالي كانت مهووسة الرياضيات حتي سيطرت مصطلحات الرياضيات علي كل الميادين فظهرت مفردات مثل المساواة واللامساواة والحدود والإختلاف.. فإذا أخذنا مثلاً الزراعة نري الناس في العصر الكلاسيكي وعبر عدسات منظورهم المعرفي يتجهون للمقارنة بين المواسم الزراعية في أطوالها مقابل إنتاجيتها وعوامل إختلاف النمو في المحاصيل المختلفة مع ما تحتاجه كلاً منها من مياه و تربة وحرارة ثم البحث عن الوسائل التي تحسن الإنتاج من دورة زراعية إلي أخري هذا في الوقت الذي كان فيه الإبستيم النهضوي يسافر إلي السماء ويربط المواسم الزراعية بحركة النجوم بينما يبدأ الناس في الإبستيم الكلاسيكي في إنشاء الجداول لرصد إختلافات وتشابهات الأشياء والأحياء فترصد الأنواع المختلفة من الفراشات ومميزات كل علي حدة علي سبيل المثال ثم مقارنتها بما يشابهها من الحشرات وتحليل النتائج التي تم التوصل إليها لتبيين أدق الإختلافات وأعم التشابهات وهذا في هذا الإبستيم يعرض العالم في جداول. لقد فهمت عملية التفكير في الفترة الكلاسيكية كعملية تمثيل متزامن واللغة هي الأداة التي تمكن الأفكار من تمثيل الأشياء بتنظيمها وعرضها بما ينقل الأفكار بين الناس وهذا الكلام يشبه لحد كبير فهم اللغة عند هوسرل الذي يري أن الأفكار تعبيرية وتزامنية بالكامل وليست دلالية بأي حال من الأحوال فأفكاري تتم صناعتها في ذهني ثم لأعبر بها عن الأشياء من حولي لكنها عندها تبدو بشكل أقل تمثيلاً لها في هذه الأشياء وتعرض هوسرل بوصفه أن الأفكار هي دوماً تمثيلات (صور) تعبيرية وتزامنية لنقد مستمر خاصة من دريدا الذي رأي أن الأفكار هي اللغة نفسها لأننا نفكر باللغة وبالتالي فإن الأفكار تعمل علي نقل المعاني الموجودة في اللغة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Abureesh)
|
شكري وتقديري كابيلا علي تشريف البوست ونحن في الطريق إلي سلطة الخطاب بعد مداخلة أو اثنتين الصديق أبوالريش لك التحايا ومن الشكر أصدقه علي تشجيعك للحوار في البوست في الحقيقة أفكر في أن يكون البوست مشروع كتاب عن فوكو لأنه مادته غزيرة ومثيرة وعملية ولا زلنا في مقدمته...علي كل حال سأقتضب في الرد عليك حتي أواصل مسيرة ما إنقطع من تسلسل وأرجع بعد المداخلة التالية لك برد أكثر تفصيلاً تلاحظ إيرادي عبارة إعدام السلطة في عنوان البوست وهي عبارة مهمة جداً في الخطاب الفوكوي لأننا كما سنتعرف عليه لاحقاً سيسعي إلي تفكيك كل السلطات بما فيها سلطة الأيدلوجيات والأحزاب والتاريخ والمعرفة ويبين نسبيتها وخطلها لا سيما وهو يطرح أننا كبشر يتعذر علينا معرفة أنفسنا حيث لتعرف ذاتك لا بد أن تحولها إلي موضوع للمعرفة بواسطة الذات التي تقوم بالفعل المعرفي عن الوجود الذاتي وهنا يستمد الفكر غالبه الشروط الكانطية التي يتعرف وفقها عقلنا علي كل شيئ وهذا غير مهم لأن المهم أن في كل إنسان مناطق عصية علي المعرفة رغم أهميتها في تفكيرنا وقراراتنا وهي طبقة الآيدي أو اللاوعي في أدني جهازنا النفسي ويتعذر إستدعائها إلي ذهننا للإطلاع علي ما تكنه أنفسنا من عوامل ثقافية ودينية وتربوية وغيرها لذا كل منا يظن نفسه شخص جيد ومعافي حتي يفاجأ بفعل يصدر منه يحيره ويحير معه القريب والبعيد وكثير ما نقول كيف لهذا الشخص الطيب العاقل أن يفعل هذا لأننا نحكم علي الناس بما نراه فيهم ويحكمون علي أنفسهم بما يعون أما المكون الغريقة في أعماق النفوس والتي يعود بعضها إلي سنوات ما قبل الكلام فلم تتوفر العلوم إلي كشفها لذا فوكو يأخذ علي الآنثروبولوجيين توريطهم المعرفة الأنسانية بما يقدمونه من معلومات عن ثقافات وشعوب لا يحتكون إلا بالظاهر منها. تناول فوكو أيضاً مفهوم القطيعة المعرفية عبر مفهوم الإبستيم الذي يميز كل معرفة بشكل جديد في تناول كل شيئ مما يورط شرعية أي معرفة بمعني إذا كنت اسمي العملة التي في يدي جنيه وفي الغد أجد أنها تسمي الدينار وتختلف في وزنها عن الجنيه وبعد يومين أجد أن اسمها ألف جنيه وبوزن ومعالم جديدة فهل يمكنني أن أثق في هذه العملة وأدسها في خزانتي حتي يكبر أبنائي ثروة تضمن مستقبلهم..العلوم لو رجعت لوراء تجدها تتغير في مبانيها وتوجهاتها وربما حتي في أسسها فمثلاً العلوم الإنسانية بصورتها الحالية هي بنت العصر الحديث وهي محاولة كما ذكرت أعلاه محاولة من الإنسان لدراسة الإنسان ليس في طبيعته (أرجع لسؤال كانط الرابع في المنطق عما هو الإنسان؟) بل في موجباته من سلوك وإنتاج وكلام ووجود في سعي إلي خلاصات يقينية ولأجل ذلك تطعم مناهجها بكل ما هو عملي لا سيما ما يتصل بالرياضيات حتي تستطيع تحويل الإنسان إلي موضوع مفهوم مستخدمةً العلوم الإنسانية بعد سد ثغراتها بمتبلات من الرياضيات والعلوم التجريبية ولكن برغم من كل ذلك تأتي محاولات التطبيق غير السليم لمناهج الرياضة والعلوم التجريبية عند إقحامها في دراسة الإنسان بنتائج عكسية لأن وظائفها ومناهجها المفيدة في الفيزياء أو البيولوجي لا تعمل دوماً بنفس الكفاءة عند تطبيقها علي الإنسان والتعبير عن الإنسان رياضياً وكما في المثال السابق كيف سنعبر عن اللاوعي رياضياً أو تجريبياً .. لذا تتبعنا فرضية أن كل العلوم الإنسانية تتجذر في اللغة، العمل، البيولوجيا داخل الأطر فلا نستطيع عزل أجزاء محددة من العلوم الإنسانية لنفترض أنها حقائق يقينية وثابتة علي مر العصور لأن السياقات التاريخية في حالة تغير مستمر...سأفصل أكثر في المداخلة بعد القادمة بشكل ييسر إستيعاب فكرة فوكو الأركيوجينالوجية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
يؤكد فوكو طرحه بأن المعرفة تختلف في شكلها ومضامينها بين العصور بتناول الإختلاف في النموذج المعرفي بين هذه الإبستيمات (طريقة رؤية الناس للأشياء في كل إبستيم) فإذا أخذنا البيولوجي كمثال نجد أنه في عصر النهضة لم يكن يوجد علم بيولوجيا إذ لم يكن البحث في أمر الحياة كما نعرفها الآن (في معارفها البيولوجية الثرية) من مشاغلهم. ما كان من الممكن أن تجد باحثاً في أمر الحياة الطبيعية والبيولوجيا في عصر النهضة لأن سمة ذلك الإبستيم كانت التعامل مع المظهر، مع الخارجي، والكلّي وليس مع الجوهر، الداخلي ، والجزئي في الأشياء. والبيولوجيا تستدعي التعامل مع المتغير في الزمن ومع غير المرئي وليس فقط المرئي والقابل للفهم والهضم ز المعرفة في عصر النهضة كانت تقتصر علي فهم الخارجي وليس ما بداخله، لهذا كله لم يكن البيولوجي موجوداً في ذلك الإبستيم وما كان يمكن أن يوجد. حتي اللغة كانت تقوم علي مبدأ المشابهة وتفترض تشابه الإنطباعات عند الجميع وبين اللغة والأشياء ومن جهة أخري كانت رؤية الأشياء لا تنفصل عن الخلفية الدينية التي تصور العالم ككل يتجه نحو غاية محددة بينما العصر أو الأبستيم التالي للنهضة وهو إبستيم العصر الكلاسيكي القائم علي الترتيب والتصنيف والتمثيل يفترض مبدأ تعيين أدق الإختلافات بين الأشياء. لعلنا نذكر أننا قد ذكرنا سابقاً أنه في كل إبستيم يكون هنالك تناغم بين مختلف ضروب المعرفة السائدة فيه لذا سنلاحظ أنه في إبستيم العصر الكلاسيكي أن التغير الذي طرأ علي مفهوم التاريخ الطبيعي(البيولوجيا) قد مثل الأساس للتغير الذي طرأ علي مفهوم اللغة، وإذا رجعنا لعصر النهضة نجد أن اللغة كانت مقتصرة علي مظاهرالأشياء وليس الأشياء في ذاتها فقد كانت قراءة حرفية قراءة لنص موجود ومنظور بالفعل ولكن في العصر الكلاسيكي ومع تغير معني ووظائف البيولوجي إلي البحث ليس في مظهر الجياة بل أصلها وبواطنها تحتاج المكتشفات الجديدة في علم البيولوجي(التاريخ الطبيعي) إلي مفردات جديدة إلي تسميات، وتصنيفات جديدة وبالتالي ترتبط آفاق اللغة في عصر الكلاسيكي بآفاق التاريخ الطبيعي وبالأشياء في ذاتها لأن التاريخ الطبيعي أخرج هذه الأشياء أو أشكال الحياة وسلاسل تطورها عالم جديد ومثير يخرج من الظلام إلي النور واللغة جاهزة لتسميته، تصنيفه وعرضه لنا كما يظهره التاريخ الطبيعي بمعني أن العلاقة بين اللغة والحياة في العصر الكلاسيكي وفرها التاريخ الطبيعي(سنلاحظ عندما نأتي إلي العصور الحديثة وكانط أن الأشياء في ذاتها سترجع مرة أخري مستعصية علي الإدراك) لكن في هذا العصر كان إختزال الإنسان والحيوانات والنباتات من صورتها المرئية لنا إلي أدني خلية تدخل في تركيبها كان يعني معرفة الأشياء في ذاتها وكل ما تكتشف حقيقة جديدة تقوم اللغة بخلق فراغ لها في جداول التصنيفات ثم تسميتها وإدخالها في هذه الجداول وهكذا تتطور اللغة مع تطور التاريخ الطبيعي(هوسرل الذي أتي فيما بعد في العصور الحديثة يوضح كيف أن مفهوم اللغة في العصر الكلاسيكي مفهوم إشكالي لأن المصطلحات المخترعة تتحول إلي جزء من أطر الوعي وبالتالي تأسس فيما بعد لعالم مسبق هو ليس عالم الواقعة الراهنة). إذن كما ذكرنا سابقاً أن مهمة اللغة في العصر الكلاسيكي كانت هي ترتيب وعرض المفاهيم والأفكار والعلاقات التكاملية بين مختلف الأشياء.يري فوكو بأن قيمة التداولية للنقود في عصر النهضة ترتبط بالقيمة الفعلية للنقود أي بقيمة المعدن المصنوعة منه ولكن في العصر الكلاسيكي ظهرت الحاجة للتبادل وأصبح التبادل هو ما يخلق قيمة العملة وبالتالي برزت الحاجة لطلب العملات المختلفة لأن القيمة التبادلية وليس المادة المصنوعة منها العملة هو ما يعطيها قيمتها وذلك لأنك عندما تبيع شيئاً فتبيع شيئاً لا تستعمله أو توقفت عن إستعماله لأن له قيمة إستبدالية وهي هنا ليس فقط القيمة الإستعمالية ولكن التقديرية وبالتالي أصبح التبادل هو ما يعطي النقود قيمتها بسبب نمو العلاقات التي تشترك في تبادل المصالح عبر النقود وهكذا فأن القيمة تتكاثر في العصر الكلاسيكي مع نمو تراتيب إقتصادية خاصة تقنن التبادلات وهكذا تتكاثر القيمة النقدية مثلما تكاثرت اللغة والتاريخ الطبيعي. لأن يري فوكو(علي الأقل في الكلمات والأشياء) أن عصر النهضة يمتد من بداية القرن الرابع عشر ويمتد إلي نهاية القرن السادس عشر ثم مرحلة إنتقالية لنصف قرن من الزمان يعقبها العصر الكلاسيكي والذي يمتد من منتصف القرن السابع عشر إلي نهاية القرن الثامن عشر حيث تبدأ العصور الحديثة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
نأتي الآن إلي العصور الحديثة لنري ما هي التحولات التي حدثت فدعت إلي التأريخ لها كعصور معرفية منفصلة عما سبقها وقائمة علي رؤي جديدة للحياة والأشياء ..ولنري كيف أنه بعد أن كان التركيز المعرفي في العصر الكلاسيكي علي الترتيب والتصنيف والتمثيل ومن بعد كل ذلك علي الخطاب الذي كان يمثل التعبير عن التمثيل وعصره(التمثيل كان يتجلي في إستخدام اللغة في صنع تسميات وتعابير نعرض بها أفكارنا، أي أن اللغة تمثل الأفكار والخطاب هو الحامل المعرفي للغة) بعد فترة إنتقالية لا تذكر تحولنا من العصر الكلاسيكيي إلي العصر الحديث وكان التحول تحولاً نوعياً في المناحي التي سبق أن تعرضنا إليها وأصبحت مواعينها القديمة أضيق من التحولات النوعية التي حدثت في الأبستيم الحداثي سواء إن كان فيما يختص بالنقود و الثروة ، أو التاريخ الطبيعي والبيولوجيا أو إنتهاءً باللغة ..حيث لم يعد أياً من هذه الحقول محصور في حدود الوظيفة التمثيلية الكلاسيكية مع بزوغ شمس الإبستيم الحداثي..في العصر الحديث بدأت نزعة نحو لتخصص في البروز فأصبحت النقود والثروة تتحول إلي إقتصاد أي إلي ميدان قائم بذاته تحكمه قوانينة الداخلية وقاعدته التحتية ترتبط بالعمل والإنتاج والإستهلاك ويتطور بشكل ديناميكي إنطلاقاً من قوانينه الداخلية. بالنسبة للتاريخ الطبيعي أصبحت التخصصية أيضاً هي السمة الملاحظة وتطور علم الأحياء بفروعه التي تبحث في أمر الماكرو والميكرو-أورقانزمات ولكل مساراتها الخاصة المتمركزة حول الوظيفة وليس الشكل.. واللغة أيضاً أصبحت نظام قائم بذاته وبقواعده الحاكمة (في المداخلات الأخيرة سنلاحظ كيف أن هابرماس سينتقد أمر هذه الأسس الإبستيمية التي تؤسس قطيعة معرفية بين إبستيم وآخر وتنكر الحداثة جملة بينما يدافع هابرماس عن حداثة نقدية تشذب العقل الحداثي الأداتي)..فوكو يري أنه بينما كانت اللغة والتاريخ الطبيعي والثروي هي العوامل المركزية والمحددة لغيرها في العصر الكلاسيكي بدأ الإنسان في العصر الحديث الوعي بخارجية هذه الظواهر وأنها أصبحت في العصر الحديث أكثر ذاتية وخاضعة في عملها لقوانينها الخاصة وليس لأرادتنا حتي أمسينا كائنات جد محدودة وما يحدث داخل هذه العوالم يتصل مباشرة بمحدودية الإنسان الذي سيحل محل الخطاب كمركز للمعرفة والكون في العصر الحديث.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
تحية وإجلال أستاذنا أحمد ضحية
كل تكوين خطابي هو تكوين متميز وقائم بذاته ويفهم كترتيب خاص بالعناصر الاربعة المذكورة في المداخلة السابقة...وتميزه ينتج من خصوصية شروط تكوينه .. الفهم الأبسط لشروط التكوين هو أنها هي الشروط التي تحدد ما يسمح بقوله داخل فضاء الخطاب وما يمنع قوله ، ومن هو المسموح له بالكلام المعين ؟وما موقعه؟ ، إضافة إلي ما الذي يسمح بوجوده أو يمنع وجوده ؟ (مثلاً في دولة الإنقاذ يقول الخطاب بوجود البنوك الاسلامية الصيغة ويمنع وجود البنوك ربوية الصيغة).. ماهو الممكن تغيره علي هوامش الخطاب أو حدوده ( مثال شروط تكوين خطاب الطب النفسي لا تعترف بالرقية ولا بخرات الفكي كجزء من هذا الخطاب بينما شروط تكوين الخطاب الإسلامي تعترف بالرقية)..ما يهمنا هنا من مدافعة فوكو ليس فقط تحديدها لأطار تصنعه شروط تكوين أي خطاب ليحدد المسموح به وغير المسموح له في جيوزمانية الخطاب، بل أيضاً وجود عناصر فوق خطابية تشتغل بفاعلية كجزء من العملية التكوينية للخطاب بدرجة يبدو معها أن التكوين الخطابي لا يستطيع أن يعمل بكفاءة بدون تضمين هذه العناصر فوق الخطابية داخل بنيانه، فمثلاً الأشياء الداخلة كعنصر من عناصر تكوين الخطاب تبزغ عبر عملية جمع لسطح البزوغ (مثل العائلة، مكان العمل، السجن)، سلطات التخطيط ( الطبيب، المدرس، المفتي)، وشبكات المواصفات(حيث تنمذج الأشياء ووتربط حسب تشابهاتها ببعضها كما في تشخيص الأمراض) . من الواضح أن عملية التكوين الخطابي ليست عملية سكونية أو ميكانيكية بل تحدث بشكل يمكنها من تغيير المواقف والموازنات( عندما تتكون جبهة يسارية تشمل يمين ويسار اليسار يصدر مانفستو يستجيب لحدود القاسم المشترك الأعلي أو بعبارة أخري إتفاقات الحد الأدني) فهنالك معرفة أشمل ومعارف تتفرع عنها وتنتج سماتها داخل أطرها وكلا الشكلين المعرفيين يعملان علي تشكيل الأشياء الخاضعة لسلطانها وفق نمطه الخاص جداً..عند تعرض فوكو لخطاب الجنون في القرن الثامن عشر شرح بزوغ معارف وخطابات في السايكوباثولوجي، وأخري تتعلق بالقوانين ، وثالثة تعني بنظام البوليس تعمل كلها معاً ووفق بنود تنظيمها في التعامل مع من عرفوا بالمجانين وكانت تتم فيها تغييرات مع الزمن لكن لا تخرج أبداً عن غلاف ومدارات الخطاب العام ..أما في ظل الخطاب الحداثي فقد إختفت تلكم الخطابات والمنظومات تماماً وظهرت صور جديدة تحول الطب معها من المدار الديني إلي المدار العلمي وتتضمن ذلك تغير في المناهج والمفاهيم والمواضيع..سبب هذه الخصوصية الخطابية هو أن الخطاب يتكون حول بنية معينة تفهم العالم عبر قوانين التكوين الخطابي، وفي هذه الحالة لا تشكل عناصر المافوق خطابي مجرد تكوينات مفتاحية في الخطاب لكن تشكل أيضاً البني الخارجية التي يعرض الخطاب نفسه عبرها (المؤسسات الإجتماعية السابقة علي ظهور الخطاب تتحول لسطوح بزوغ لمواضيع الخطاب.. لاحظ مع قدوم الإنقاذ كيف حدثت تحولات في المؤسسات بينما في الغالب العاملين فيها لم يتغيروا كثيراً إلا أنه بنيت المساجد في زوايا كل مؤسسة وأطلقت اللحي وتحجبت النساء هذا غي التغيرات المصاحبة في توزيع المكاتب والأشخاص وعدة تغييرات شكلية أخري)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
الحمد لله أن أُتيح لي العودة مجدداً إلى هذا البوست، ليزيد اعتقادي بأهميته الاستثنائية، وشعوري بأنه يحكي عن تاريخي أنا وسياق تفاعلي مع التحديات والمتغيرات الحديثة، وسياق نشأتي كإنسان معاصر! بدأت قراءته مجدداً من الألف، وسأوافيك كلّ مرة بحصاد القراءة، عسى أن أسهم في هذا السياق الفكري المتميز! قلت عن رؤية فوكو المعرفية:
Quote: ويوضح فوكو عبر منهجه المسمي بالآركيولوجيا المعرفية ليوضح أن الحداثة التي حلت الإنسان محل الله ودشنت نظامه الأخلاقي حتي داخل علومها وتكنلوجيتها تأسست علي مناهج في البحث تستعيد سلطة ميتافيزيقا المعرفة والتقنية لتحلها محل ميتافيزيقا الأديان ولا بد من توجيه الجهد ليس نحو هذه الخطابات الحداثية بل المناهج التي تأسست عليها والتي غيرت الأسماء فقط لتضع الإنسان محل الله وتستمر الميتافيزيقيا التقليدية هذه المرة تحت اسم الانسانوية |
فهمتُ منه: أن الحداثة بحسب نشأتها في سياق الصراع بين العلماء والكنيسة، لم يُتح لها أن تعيد بناء ذاتها بنياناً مستقلاً، يستند إلى المعرفة الصرفة، وليس إلى مجرد رد الفعل الطبيعي الآلي، وهذا مفهوم ومبرّر من الكائنات الفيزيائية، لكن رد الفعل الإنساني ينبغي أن يكون مختلفاً! فالاستنساخ التلقائي لبنية النظام الديني الذي كان سائداً في أوربا، سببه: التعامل معه بأسلوب ردّ الفعل التلقائي الآلي!
Quote: يقوم فوكو بتحليلات في العمق حول عدة أشياء لكشف القوي الناشطة تحت السطح وتنتج تأثيراتها فيما نقول ونؤمن به ويبدو شيئ طبيعي مثلما يكتب أحدهم في بوست بالبورد (أظن أنه الأخ د. بلة عن طبيعية تعدد الزوجات بحسبان ما ركز في وعيه الباطن من ثقافته من حلالية وطبيعية هذا الأمر بينما كانت الأخت عفراء سند تجتهد في الرد عليه) لأن ثقافة ما دينية في هذه الحالة إرتكزت مسلمات ما عنها في لاوعي روادها تجعل ما يصدر من كلام حول تعدد الزوجات كلام طبيعي وله محاموه... بينما أن القوي العاملة في اللاوعي ضمن ثقافة أخري تجعل مثل هذا الكلام مقززاً..يسعي فوكو لتفكيك هذه القوي وسلطان خطابها الذي هو أقوي من سلطان البطش المادي ويتعقب هذه القوي حتي جغرافيا اللاوعي حيث أن الحركة الحقيقية لما يبدو لنا تجري هنالك . |
عبقرية هذه الفكرة، تتمثل في كونها تستهدف تحقيق سلطان الوعي، وبسطه على كامل الوجود الإنساني! حتى يصير اللاوعي وعياً! وتزول ثنائية (الباطن الذي لا ظاهر له، والظاهر الذي لا باطن له)! أو ثنائية اللاوعي الكامن فيما وراء الوعي!
المهم، دي خواطر بين يدي قراءتي، أرجو أن لا تكون مزعجة لك أو للـأخوة القراء! شكراً لك، وسنواصل بإذن الله!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
Quote: شكراً صديقي صلاح وسأرجع لك لاحقاً |
خذ راحتك، ارجع متى ما شئت، إن كان في الرجوع فائدة، أنا فعلاً عاوز الموضوع يكون فيه تفاعل مع الأسئلة وأطروحات المتلقي، رغم ما فيها من إزعاج وعدم مواكبة، لأني الآن بدأت المتابعة من الصفحة الأولى، مداخلة مداخلة، وفي كل مداخلة أتوقف بعض الوقفات! علماً بأن بعضها مجرد خواطر ربما تكون بعيدة عن السياق، فأحياناً الحوار بكون مع نفسي، فلذلك خذ ما ترى أنه يخدم سياق الكلام وأهداف هذا البوست! الآن هذه وقفة مع دي سوسيور، قلت:
Quote: رجع فوكو في مراجعاته البنيوية حتي تأسيسات سوسيور اللغوية ودراساته عن إستيلاد المعاني والدلالات بين الدال والمدلول في علاقة إعتباطية تحكمية بمعني أن كلمة حجرة تقابلها في الإنجليزية كلمة روم وكلاهما تشيران لشيئ له عدة اسماء بعدد لغات العالم وليس اسم واحد ضروري خلق له ومعه بل إصطلاحات تعارف عليها الناس ضمن اللغة المعينة بأن هذا الدال يشير إلي هذا المدلول وسنتعرف مع فوكو كيف أن الدوال تتغير عبر الزمان وضمن اللغة نفسها للمدلولات نفسها.. وأن الدلالات لا تعمل إلا بتمييزها عن بعضها ضمن النظام أو الشبكة أو الرصيد اللغوي (راجع مبدأ الإختلاف عند دريدا |
لو سمحت مزيداً من الاستيضاح لفكرة دوسوسيور، وأن العلاقة بين الدال والمدلول عنده علاقة اعتباطية تحكميّة، في اللغة العربية أقدر أقول: يوجد اعتقاد مخالف، يرى أن العلاقة بينهما واعية، ويمكن تعقّلها، ولا أدلّ على ذلك من اعتقاد بعضهم: أن اللغة كلها مصدرها إلهيٌّ مباشر، وأيضاً لأن المعاجم اللغوية تذكر في سياق بيان معنى المفردة ما يُسمى بالمعنى الحسّي، أو الأصل الحسّي للكلمة، مثلاً كلمة الشورى في دلالتها على مدلولها، تستند إلى أصلٍ حسي، وهو على ما أذكر: عملية تصفية العسل، واستخلاصه من بين الشمع! وشايفك ميّزت بين الدوال والمدلولات والدلالات: هل المقصود بتغير الدلالات عبر الزمن: هو سقوط بعض الكلمات من المعجم اللغوي، وحلول أخرى جديدة محلّها؟ لاعتقادي بأن اللغة بالتأكيد لها دور كبير في رسم المواقف الفلسفية!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: صلاح عباس فقير)
|
تحياتي الصديق صلاح اللغويون يتفقون معك تماماً بأن اللغة لها دور كبير في رسم المواقف الفلسفية لكن فوكو يرفض ذلك جملة وتفصيلاً كما سنتعرض له لاحقاً حيث ما يعطي الكلام معناه ليس اللغة المستعملة لكن قوانين تكوينه بالمسموح فيه والمعزول عنه...أما الأسئلة التي تخص دلالات اللغة وديسوسير فما رأيته فيه هو بعض المتداول بين هل اللغة إعتباطية أم قصدية (فعلم آدم الأسماء كلها)..علي كلّ يرتبط تطور علم اللغة الحديث بعالم اللغويات السويسري بدي سوسير ومن أهم إنجازاته تأسيس ( علم العلامات ) أو السيمائيات حيث رأي سوسير في اللغة نظام دلالي تكون فيه الكلمات( الأصوات أو المكتوبات أو الصور أو الرموز) تسمي بالمدلولات ومفردهامدلول وتشير أو تسمي الأشياء من حولنا أوما نحتاج الإشارة إليه في أفق تواصلنا وهذه تسمي دوال فكلمة كوب هي مدلول في ذهني لشيء يشرب به الماء وكل ما ننطق كوب سيفهم السامع ما المقصود دون أن نحتاج لإحضار الكوب والإشارة له بأصبعنا..العلاقة بين الدال والمدلول تعرف بالدلالة (وقد تتعدد دلالة اللفظ الواحد فكلمة كوز يمكن أن تدل علي الكوب أو الأخ المسلم السوداني) إعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول علي الأقل منتشرة في الفكر الغربي وهنالك الكثيرون جداً من علماء اللغة المسلمين يتبنون مبدأ إعتباطية اللغة ولو أن هنالك من يجتهد في الإشارة إلي أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة قصدية منطلقاً من دوافع دينية ولكل حججه ..أما بالنسبة للإعتباطية فتظهر في تعدد اللغات فلو قابلت صينياً مثلاً ولا يفهم العربية وأشرت له إلي مبني وقلت له أن هذا هو مبني التلفزيون لن يفهم ما تقول لكن هذا لا يعني عدم وجود المبني بل أن اسمه (الدال) بالصينية مختلف فالعلاقة بين ويمكن يأتي رئيس مثل القذافي ويقرر تعريب كل شيء مع معاقبة من يستخدم المسميات الأجنبية ويصبح منذ ذلك اليوم إسم المبني مبني الإذاعة المرئية فتلاحظ هنا أننا نتعارف ونتعود علي إطلاق اسماء معينة علي أشياء لم تخلق هذه الأسماء معها ويمكن أن تتغير بسهولة عشان كدا المثل بيقول (خطأ معلوم ولا صواب مجهول) حيث أن هنالك كثير من المسميات الخاطئة لكن تعودنا عليها مثل كلمة الخشم في اللهجة السودانية هي تسمية خاطئة لكننا تعودنا عليها أو إذا كتبت كلمة ناقصة حرفاً لا تعطي المعني المطلوب لأن حروف المدلول ليست أصيلة في الدال ليس مثلما إذا بترت رجل شخص معين فما تبقي كافي للإشارة له وأظن أن بعض علماء اللغة المسلمين أشاروا لإعتباطية اللغة (أظنه الجرجاني إن لم تخني الذاكرة)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
في أركيولوجيا المعرفة يبذر فوكو لفضح العلاقة العجيبة والمريبة بين المعرفة والسلطة (أظن أن في البورد هنالك موضوع عن المثقف والسلطة لكني لم إطلع علي ما فيه) المهم المعرفة عند فوكو سلطة أخطبوطية تمد أزرعها للسيطرة علي كل شيئ عبر ما يسميه فوكو بالخطاب ويتركز جل جهد فوكو حول مفهوم الخطاب وسلطة الخطاب لا سيما خطاب القرن الحديث كيف يتشكّل فيشكِّل حياتنا وأفكارنا وممارساتنا ..في بحثه عن خطاب العصر الحديث ( وبحثه كان مركزاً بالطبع علي العالم الغربي لأن الحداثة حالة غربية رغم أنها إمتدت فيما بعد لبقية أرجاء العالم وربما في صور شائهة قطعت الطريق أمام حركة التطور الطبيعة لخطابات تلك العوالم) يري فوكو كل الأفكار الكبيرة التي ظهرت في العصر الحديث كأجنة شرعية للخطاب الحداثي فيري أن آدم إسمث وماركس علي سبيل المثال كلاهما نتاج الخطاب الحداثي السائد وأن الأفكار التي طرحاها كانت ضمن الممكن بين أطر ذلك الخطاب لذا لو لم يظهرا في حياتنا الثقافية لظهر من يطرح أفكار تناقش نفس المواضيع. فبالنسبة لماركس الهيجلية وما تولد عنها أو في مناوأتها من خطابات قد رصفت الطريق في إتجاه ما فكر فيه وكتبه بمعني أن اللغة التي إستعملها ماركس، المفاهيم التي إستعملها ماركس ، النظريات التي عمل عليها ماركس من أين جاءت؟ جاءت من من حقل خطابي غني أسس جذور و إمكانية التفكير في هذه المفاهيم أي أن الحقل الخطابي السائد هو ما جعلها ممكنة .. يرفض فوكو الإستمرارية التاريخية للمعرفة بمعني أن تتأسس معرفة حالية علي تراكم المعارف التاريخية لأن التاريخ لا يتقدم للأمام عند فوكو بل يتحرك وفق إنعطافات راديكالية.. يضرب فوكو هنا أمثلة كثيرة جداً منها ما جاء في كتاب كامل أصدره عن الجنون والحضارة وكان قد صدر قبل كتابه الكلمات والأشياء لا نستطيع التعرض لما جاء فيه الآن لكنه تناول في الكتاب علاقة الجنون بالخطاب السائد في المجتمع وكيف أن معني الجنون كان يتغير مع تغير الخطاب السائد فبينما كان الجنون درجة أعلي من العقل في عصر النهضة يتحول في العصر الكلاسيكي إلي حالة من إنعدام العقل وليس ذلك فقط بل وسيلة مفيدة للإقطاع الأوروبي للقضاء علي بذور الثورات وذلك بحبس القوة الفائضة عن سوق العمل في معتقلات المجانين حديثة النشأة في أوروبا..أما في العصور الحديثة فقد بدأ علم جديد في الظهور وهو الطب النفسي مكرس لخدمة أغراض الخطاب الحداثي ووفقه تفتح مصحات تبدأ دراسات وتشاخيص ما بدأ يعرف باسم الأمراض النفسية والعقلية وتدخل طرق العلاج النفسي النفسي مع التشخيصات المختلفة والعقارات الكيميائية المبتكرة التي تشتغل علي الجهاز العصبي للمشخص الذي سيستمر لسنوات طويلة إن لم يكن لباقي عمره في تناول تلك العقارات عالية الثمن والتي تدر أمولاً طائلة لشركات الدواء.. نخلص من هذا إلي أن الطريقة التي نفكر بها عن الجنون في إبستيم معين تعتمد علي الخطاب السائد في ذلك الإبستيم ولا يمكن لمؤرخ اليوم أن يفهم معني الجنون في إطار الإستمرارية التاريخية بل ضمن الخطاب الطبي المعاصر فقط (وهنا لو تذكرنا لاحقاً يمكننا أن نناقش إشكالية الفقه الإسلامي علي أرضية الآركيولوجيا التي تقرر إستحالة أن يفسر مفسر حاضر أفكار ماضية أو يتبني من جهة أخري تفسيرات ماضية كخيارات مقبولة أو إلتزامات شرعية) ولكنه ضمن نفس الأبستيم المعرفي أي إبستيم الحداثة بالنسبة للعصر الحديث تتوفر علاقات أو بالأصح تلازمات تكرس الأطر التي تتأسس عليها المفاهيم بمختلف تشابهاتها وتناقضاتها فتتوفر الفرصة لمدي واسع من الأفكار أن تُفكّر وتُنتَج ولا يخترع أي بني آدم مهمن كان (حتي لوكان هيجل أو كانط أو أرسطو) شيئ من عندياته إنما يطور شيء ممكن أسس إمكانيته خطاب الإبستيم الذي يعيش فيه... قد يطورالمفكر فكرة ما، يخرجها في شكل جديد، يعكس إتجاه نظرها للأشياء أو نظر الأشياء إليها لكن في النهاية يؤسسها علي ما هو ممكن من قواعد لا غني لخطابه عنها إبتداء من اللغة التي إستعملها ، المفاهيم التي نسقها معاً في شكل نظرية ألخ....وهو بهذا يعمل عملية لا مركزة كاملة للذات في التاريخ العام مع مركزتها في السياق (لو رجعنا للقرن السابع عشر وإكتشاف نيوتن لأسس التفاضل والتكامل نجد أن لايبنز كان يفكر في نفس الأسس في مكان آخر في الوقت نفسه وكذلك التشابه الكبير بين أفكار دارون ووالاس في مجال التاريخ الطبيعي وعرضهم لأفكار متشابهة عن التطور في الأحياء فبينما طرح دارون مفهوم الصراع أو بالأصح التنافس بين أعضاء النوع الواحد من أجل البقاء إبتدع والاس فكرة التلاؤم الضروري لأي كائن مع بيئته لأجل البقاء، وبالفعل نجد الأحياء البحرية مزودة بخصائص تختلف عن البرية والغابية عن الصحراوية) هذا ما يؤكد إمكانية صدور أفكار معينة في زمن معين بغض النظر عمن صاغها وأخرجها (لاحظ في البورد أحياناً كثيرة تتوقع أو حتي تنوي إفراد بوست معين وتجد أن غيرك قد أرسله قبلك وهذا مثال مبسط يقارب فكرة الممكن) هنالك من إنتقدوا ما سموه تطرف فوكو في التهوين من تأثير الفرد فيما ينتج من أفكار بإتجاه لامركزة الفرد في مقابل علم التاريخ الذي ينزع لمركزته (بمعني أن هنالك عظماء المنظرين والمكتشفين الذين أناروا للبشرية طريقها وأنتجوا بعبقريتهم ما لم يكن مفكراً فيه فقادوا أممهم لصنع حضارة بينما أدت رعونة آخرين إلي دمارها) لكن مع فوكو فإن الفرد هو منتوج الخطاب وليس مُنتِج الخطاب (وإن كنت أري الإثنين معاً وأري أن فوكو غير واضح في هذه النقطة ونقطة أخري عن ميكانزمات عمل الخطاب) الخطاب عند فوكو يشكل حياتنا ويحدد شكل وإتجاهات نظرنا للأشياء وأطر تفكيرنا وفيما نبحث فيه وما نحتاجه من علوم ومخترعات التي تبدأ في الظهور إستجابة لمقتضياتنا الإجتماعية والتقنية. الخطاب يقع في مركز السلطات الكثيرة التي إقترعناها في تنظيماتنا الإجتماعية والثقافية والسياسية تعاضده في ذلك كثير من العوالم فوق الخطابية أو المؤسسات غير الخطابية كالسجون والإصلاحيات وغيرها ويتكون من مكتوبات، مقولات، منظورات، شفرات، إيماءات، وغيرها يمكن أن نجملها كلها تحت اسم إفادات، أو إستيتمنت statements الإفادات الداخلة في تكوين خطاب معين إذا إفترضنا أنه خطاب طبي( والخطاب الطبي في أي مجتمع هو خطاب مصغر يدور في محيط الخطاب الأساسي في المجتمع) تتكون الأفادات المكونة للخطاب الطبي من كتب الطب ، قَسَم ممارسة المهنة والمستشفيات ، والمعامل ، وتقسيم وتنظيم العمل في الحقل الطبي، والروشتات ، والصيدليات ألخ..تدخل كل هذه الإفادات في تكوين الخطاب وبمعني مبسط تكون هذه الأفادات مجموعة القوانين والأعراف لما هو مسموح به وما هو غير مسموح به في الحقل الطبي وكيف يعمل هذا الحقل عبر مستشفيات مجانية أو مراكز طبية خاصة تبدأ إستقبال المريض في عيادة خارجية ثم تحويل لأخصائي ومعمل ووووو... بحيث لا يسمح الخطاب الطبي لوالي الخرطوم بأن يلبس بالطو أبيض ويجلس علي كرسي أخصائي العظام في المستشفي المفتتح اليوم ليعاين أول ثلاثة مرضي لأنه ليس جزءاً من الخطاب الطبي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
فوكو يفرز الإفادة من غير الإفادة فليس كل عبارة إفادة فمثلاً السؤال ، التحية، الأوامر والتعجبات ليست إفادات ولكن هذا ليس ما يهدف له فوكو ..لو تذكرون في بداية البوست أشرت لدي سوسير والبنيويون ضمن من تأثر بهم فوكو لا سيما إعتباطية الدلالات ومفهوم السياق فمثلاً قد تجد عبارتين تتكونان من نفس المفردات لكنهما تشكلان إفادتين مختلفتين بسبب تغيرالسياق والمجال الإبستيمي رغم وحدة العبارة .. خذ مثلاً العبارة الأنواع تتطور ..فمشكلة هذه العبارة عند اللغويين أنها لا تعطي نفس الإفادة من قبل وبعد دارون وذلك ليس لأن معني كلمة النوع أو تتطور قد تغير بل ما تغير هو السياق ...نعم ولكن ما يهم فوكو ليس هو المعني بل العلاقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة علاقة المعلومة أو التوكيد الوارد في العبارة (علاقة التجاذب أو التنافر) التي يحددها الخطاب السايد في السياق المعرفي بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر ...وفوكو كما أسلفت غير مهتم بتغير المعني بين السياقين اللغويين فتلك إهتمامات اللغويين وتأويلاتهم للنصوص وهو لا يأبه لا بعلماء اللغة ولا بتأويلاتهم أوبالتغير في المعني اللغوي ما يهمه هو الشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــروط الخطابية (وهذه العبارة جد مهمة) التي تسمح بما يقال لإنسجامه مع مرادات الخطاب وما لا يقال لأثره الضار علي الخطا..في كل زمن هنالك خطاب معين مهمين ومحدد شكل وحدود المعرفة(المعرفة المتداولة في القصيم تختلف في شكلها وحدودها عن المعرفة المتداولة في تل ابيب أو في زمباوي والحي اللاتيني) يستخدم الخطاب سلطته لتحديد الكلام والكتابة والعمل واللبس والذوق وغيرها فليس في كل مكان مسموح لك بالتحدث عن تطور الأنواع بل انت مجبور في كل مكان أن تقول أشياء أو تصمت عن أخري(وهذا ما سبب مشكلة نهلة عند المنافحين عن عقيدة الأمة)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
الخطاب عند فوكو ليس ظاهرة لغوية، لكن هذا لا يعني أن إفاداته لا تنقل عبر اللغة.. فهي في معظمها تحمل علي أوعية اللغة (لأن الرسومات والإيماءات برضها إفادات) بالنسبة لفوكو فالإفادة تحمل بواسطة اللغة لكنها في نفس الوقت شئ متميز عن اللغة التي تحملها وتتوصّل بها.. لا سيما وأنها الإفادات تتشكل داخل نظام مختلف عن الأنظمة اللغوية وله شروط وقوانين تختلف عن شروط قوانين صياغة اللغة وإستخدامها ...فمثلاً نفس الإفادة التي تقول أن سماء الخرطوم اليوم ملبدة بالغيوم يمكن أن تصاغ بآلاف الطرق في آلاف اللغات التي لكل منها قواعد خاصة بها دون أن تغيرها إفادتنا أو تتغير بها... لأن الخطاب يعني السؤال أي الإفادات تصاغ هنا؟ وليس بكيف تصاغ؟..فوكو لا يميز فقط الخطاب من اللغة المحمول عليها بل يميز أيضاً الخطاب من الممارسات الإجتماعية غير الخطابية وسنشرح هذا بعد قليل..الخطاب عند فوكو يتشكل وفق شروط محددة تمثل الأطر التي تسمح بوجوده .. ويمكن وصفها بشبكة العبارات الممكنة ضمن أي خطاب والقابعة في الأرشيف الذي يحمله سكان الخطاب المعني في وعيهم ولا وعيهم والتي تحدد طريقة ظهور العبارات في حديثنا أو كتابتنا بشكل متسلسل ، متزامن ومتلازم في المكان المخصص لها في فضاء الخطاب مع مراعاة مراتب الكلام والمتكلمين الكتابة والكاتبين ونظام تعيين وتبادل الأدوار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
الشروط التي تحدد أطر الخطاب غير أنها تفرز ما هو المسموح بقوله تعزل في نفس الوقت كثير من الكلام الممكن ما دام لا يدخل ضمن أطر المسموح بقوله بينما تشجع ما يتفرع من كلام مرتبط بشبكة المسموح به (فتكثر تعبيرات الإشتراكية ، والحركة العمالية ، والنضال الطبقي ، ومعاداة الإمبريالية في الدول الإشتراكية وأي كلام مناويء لهذا الكلام مصيره بالطبع سيئ، كما كان ورود أي من هذه المفردات في عهد النائب الإمريكي جوزيف مكارثي تهمة بالخيانة وموالاة الأعداء وسجن ووو، أما الوزير الألماني جوبلز فقد يتحسس مسدسه كلما سمع كلمة ثقافة ويحفز الكذب المتماشي مع شبكة الخطاب السايد حتي يصدقه الناس في نهاية الأمر..إذا رجعنا لسوداننا في عهد الإنقاذ نجد أنه قد طغت علي الساحة لغة وعبارات جديدة فكثرت مثلاً عبارات التكبير والتهليل وأشكال معينة من اللباس أوالمؤسسات) ...في زمان ومكان تحكم أي خطاب تنمو لغته الخاصة والخطيرة وفق مباديء مضمنه في عمق الأرشيف الخطابي وفي العلاقات التي تربط بين العبارات والإفادات التي تكون في مجملها الخطاب وموضوعاته ويصبح الناس واعين بالخطاب السايد وماذا يجب أن يقال أو ما لا يقال ومن يقول ماذا ومن يغني ماذا ومن يدير ماذا(وبالتالي يصبح موضوع الدين في ظل الخطاب الديني الحاكم أحد الأسئلة التي تؤرق حتي المعارضة العلمانية في السودان بسبب من طغيان الخطاب السايد علي خطابها وتبدأ هذه الأحزاب في تبرئة نفسها من تهم الإلحاد والفسق والدعوة للرزيلة ويطلق أفرادها لحاهم ويحرصون علي الصلاة في المساجد ويتبنون مفردات الخطاب السايد في الكلام اليومي إبتداءً من السلام عليكم وإنتهاءً ببارك الله فيكم) في الحقيقة ما يمكن أن يؤخذ علي فوكو هنا عدم توضيحه لآلية ظهور خطاب أي تسيده في زمان ومكان محدد علي عكس نظريات عدة عن التغيير في المجتمع فمثلاً الديالكتيك الهيجلي والماركسي يوضح كيف لخطاب أوآيدلوجية معينة أن تفرض نفسها علي مجتمع وتسود فيه عبر حركة الجدل بين نظام سايد ونظام معارض يتقوي داخله وينتج في النهاية إنهيار النظام القديم وظهور نظام جديد ومرحلة تاريخية جديدة ما تفتأ أن تستولد نقائضها وكذلك الوضعية تتبني مفهوم السبب والنتيجة بحيث أن حدوث شيئ معين مثلاً أمطار غزيرة جداً تؤدي لأعاقة الحركة وربما تهديم المنازل الرخوة ولكن فوكو لا يوضح كيف تعمل القوي المشكلة لخطاب في ظهوره علي الساحة وتسيده (كتب الدكتور بولا من قبل عن شخرة نسب الغول وسأل الطيب صالح من أين أتي هؤلاء فما هي هذه القوي التي أدت لظهور الخطاب ولا أقول شكلته فهنالك فرق بين العبارتين ولا يقولن أحدكم هي الإنقلاب العسكري فالإنقلاب هو أحد الممارسات غير الخطابية التي تدخل في الظهور ولكنها ليست إلا أحد عوامل عديدة منها الخطاب والفوق خطابي والخارج خطابي أدت لظهور هذا الخطاب وسلطته)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
أن يرد فوكو السر وراء تشكل الخطاب غمزاً إلي إرشيف الخطابات السابقة أعتبره رداً ليس مقنعاً ولو أننا رأينا أن قوي مثل التيارات الأصولية تشكل فعلاً خطابها بناءً علي الإرشيف التراثي ..غير أن خطابات أخري أكثر كانت تتشكل علي الدوام وفق رؤي منها المثالي التي كانت تري في الضرورة قوة كافية لأستيلاد وتخليق خطاب معتمدة علي دور الفرد في التاريخ إذ أن كثير من العظماء قد قادوا مجتمعاتهم إلي الإستيساد في الأرض وربما بناء حضارات (هذا وفق التفسير المثالي)وأيضاً برزت خطابات ترتكز علي تفاسير أخري متعددة وراء بزوغ خطابها أهمها التفسير الآيديولوجي المادي..أعتقد أن نقطة القوي المسببة لبزوغ خطاب ما هي أهم نقاط الضعف في المنهجية الفوكوية.. ذلك أن الأسباب التي يَرجع إليها ظهور خطاب معين غير جلية .. وما هو جلي هو شروط تشكيل الخطاب أما شروط بروزه وظهوره فلا لأن البروز والظهور يحتاج لسلطة بحجم السيادة المبتغاة..أما ما فككه وحلله فوكو عن شروط التشكل لا يعد كافياً لأن شروط تشكل الخطاب هي موصوفات وليست وصفات حتي يتبعها الناس .. وحتي فكرة التحدث عن شروط تشكل الخطاب هي في جوهرها غير متناسقة مع المشروع الآركيولوجي كمشروع تاريخ وليس مشروع مستقبل..رغم أنها لا تخلو من فائدة ربما هي التي شجعت فوكو علي المضي في الأمر وهي التنبيه للدور المؤثر التي كانت علي الدوام تلعبه عناصر تشكيل أي خطاب كعناصر قوي لا تتأتي كمجرد إنعكاس لتأثير قوي إجتماعية(أفراد، إقتصاد ، تاريخ ، هوية ألخ...)..في مواقع عديدة حاول فوكو الإشارة لقدرة المعرفة علي إنتاج السلطة ولكن النماذج المقدمة في معظمها لم تكن ذات تأثيرات كبيرة لا بدلالة إختصاصها ولا بدلالة سلطانها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
لكل خطاب قوانين تكوينه الخاصة به التي تحدد المسموح به والممنوع وجوده ضمن حمي الخطاب والتي أيضاً توفر المناخ الملائم لما يظهر والمناخ الطارد لما يختفي بين ظهرانيْ الجيو-زمان الذي يقتحمه الخطاب بحيث تجذر قوانين تكوين الخطاب المعين كل ما يظهر معانيه والأشكال المقبولة لفلسلوك الإجتماعي وحدود السلطات المتوزعة علي رحاب جيو-زمان الخطاب .. شرحنا من قبل كيف أن الخطاب يتكون من إفادات تترابط فيما بينها بعلاقات متعددة وبالإضافة للإفادات تدخل في تكوين الخطاب تطبيقات ومؤسسات لا إفاداتية فعلي سبيل المثال نجد أن الخطاب الطبي في مطلع القرن التاسع عشر كشف كيف أن ظاهرة إجتماعية مثل ظهور الجيوش النظامية وبالتالي ظهور مؤسسات عامة كالمستشفيات العامة لعلاج الفقراء وفرا السياق أو الظرف المناسب لظهور مجال كالإحصاء الصحي ضمن ضرورات الطب السريري. وعلي مستوي آخر فإن سلطات الطبيب الخاصة حددته كطرف نافذ في الخطاب الطبي ضمن مؤسسات القرن التاسع عشر المعنية بالصحة كالمستشفيات والعيادات الخاصة (لاحظ الإختلاف في الخطاب الطبي المنبثق من خطاب سياسي في دولة قطاع عام وفي دولة سوق حيث عيادته الخاصة جزء من السوق) أذكر أننا في السبعينات وما قبلها وفي دولة قطاعات مختلطة لا زالت المستشفيات فيها عامة كان الطبيب ينوب عن محافظ المديرية عند سفره أو غيابه لإدارة المديرية حيث يتمدد دور الطبيب من الخطاب الطبي لدور ضمن الخطاب السياسي..لم يأسس فوكو لحقيقة إنسجام مكتمل بين الصيغ والتطبيقات العلمية والأطر الإجتماعية للخطاب السايد ولعل أمراً كهذا نشاهده عندما تتبني دولة ذات مرجعية دينية نظم حداثية متطورة في مختلف قطاعات الدولة ولو أنها تعمل علي تبيئة هذه التطبيقات لتتلاءم وخطابها ما أمكنها ذلك ولكن قد تكون دي فرصة مناسبة لمقاربة مدي الإجحاف بالعلوم عندما تحاول الخطابات إخضاعها لحدودها وتحضرني هنا كما ذكرت سابقاً كتابات المرحوم محمد أبوالقاسم حاج حمد ود.محمد الحسن بريمة وجابر حسين حول إسلامية المعرفة وإتجاهات تأصيل المناهج العلمية التي يتبناها بروفيسور العلوم إبراهيم أحمد عمر متجاوزاً مشكلة مصدر هذه العلوم والخطاب الذي أنتجها ضمن أفق إجتماعي لا يتوافق أبدأً مع الأفق الإجتماعي الخاص بأفكار التأصيل وخطابها لكن هذا لا يمنع فوكو من الإعتراف بموضوعية العلوم الطبيعية التي تسمح لها ليس فقط بالتحرر من الهيمنة الكاملة لحدود الخطاب بل حتي دورها في تطوير المعارف (لاحظ أن رأي فوكو المبدئي أن الذات والموضوع منتجات للخطاب المهيمن وليس العكس)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
يضع فوكو منهجيته في حفر التاريخ المعرفي (الآركيولوجي) مقابل المنهجية التقليدية لتاريخ المعرفة أو تاريخ الأفكار والإبستمولوجي موضحاً كيف أنه عندما أعاد قراءة التاريخ والأفكار التي ميزته مستخدماً هذه المنهجية وصل لنتائج جد مختلفة عن النتائج المعرفية المتداولة بسبب من هيمنة المناهج التاريخية التقليدية التي كان أي خطاب تدرسه ضمن حقبة تاريخية سابقة تبحث فيه عن الإرهاصات التي مهدت له والمعاني التي تدل عليها كلمات وعبارات الخطاب أو من هو مؤسس الفكرة ومبتدع النظرية وما هي مقاصده وحدود تأثيره ثم ما هي أسباب تلاشي الخطاب .. لكن فوكو إتجه إتجاهاً مغايراً للمناهج التاريخية السايدة عرف لاحقاً بالآركيولوجي أو الحفر في تاريخ المعرفة..وجه فوكو تركيزه نحو الخطاب ككيان قائم بذاته ومحكوم بقوانينه وشروطه الخاصة التي تصنع الخطاب في شكل شبكة ترتبط خلاياها معاً عبر عقد من العلاقات المتميزة...نبهنا فوكو إلي أنه لا يوجد عامل بمفرده يقف وراء نسج شبكة أي خطاب معرفي أو حتي يلعب دوراً رئيسياً دون سواه كخلية كبري متميزة علي باقي خلايا النسيج الخطابي ..كذلك لا ينتج أو ينسج الخطاب فرد أو جماعة فالذات والموضوع هي من نواتج الخطاب..في الجهة الأخري كان تاريخ الأفكار التقليدي يؤكد علي الصيرورة التاريخية للأفكار يركز الآركيولوجي علي سمة الخصوصية في الخطاب تلك التي تكرسها خصوصية علاقات القوي والشروط المسئولة عن تشكيل الخطاب وقد نحي دريدا من قبل منحىً قريباً من هذا فقد فكك الخطاب للوصول لعناصره دون التوقف عند وظيفة المنتج له في مجانسة عناصر تشكيله إذ هنالك في النص ما يتخطي دور المنتج وقوله ... وفوكو يري أن النظر التقليدي إلي الآيدلوجيات والخطابات الكبري يختزل نفسه في مفكريها ومعانيها لكنه يفشل في أن يري كيف أن الأفكار أو بعبارة أخري الإفادات المضمنة فيها تكون علي درجة من التشابك العلائقي مع المكونات غير الخطابية (لا سيما مكونات الواقع الإجتماعي) فوكو يدعو أيضاً للتركيز لا في مراكز الأفكار بمعني أهم نقاط في بنيانها بل أيضاً في هوامشها وتقاطعاتها باحثاً عن وظائف كل فكرة مضمنة ولماذا كانت هذه الفكرة مضمنة (أي عوامل الإنسجام في الخطاب التي تسمح بتضمين هذه الفكرة أو الإفادة وتمنع فكرة أو إفادة مناوئة فعلي سبيل المثال في الخطاب الإسلامي تتواجد كل الأفكار والإفادات التي تحض علي الحجاب والسترة والإيمان وتمنع بل تقمع إفادات ترتبط بالتبرج والتحرروالإلحاد بسلطة الخطاب السائد ومن تنتجهم أو من يعملون عليها) ففي خطاب الإلتزام والإلزام كان دينياً ، إشتراكياً، قومياً تقوم إفادات مناقضة لإفادات خطاب التحرر والتداول وفي كلا الخطابين تتم ممارسة سلطة العزل لما لا ينسجم مع الخطاب (منع الزي الديني في المدارس الفرنسية والشارات الدينية في المؤسسات العلمانية)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
سنتناول في المداخلات في نهاية الأسبوع دور المعرفة في دعم وتجذير السلطة ووعي السلطة بالدور المهم الذي تلعبه المعرفة في بسط سلطان وشرعية خطاب السلطة مما يحدو بالحاكم إستمالة والإغداق علي المثقفين لما تمتلكه الكلمة التي يكتبون أو القصيدة التي ينشدون من سلطة علي وعي القاريء والسامع الكريم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
يلاحظ الأخوة أننا أكثرنا الحديث عن الخطاب في المداخلات الأخيرة وذلك لسببين هما أهميته في المشروع الفوكوي بوجهيه الآركيولوجي والجينيولوجي..وثانيهما لتعقيد مفهوم الخطاب عند فوكو والذي شبهته سابقاً بمفهوم الأيديولوجية أو المرجعية في المشاريع الأخري والتي تعرف بالسرديات الكبري (النظريات الكبري في التاريخ والتي تدعي بأنها هي فقط دون غيرها تمتلك الحقيقة أوالمشروع الذي يوفرإجابات لكل أسئلة الحاضر ويؤمن أفضل خيارللمستقبل) يطلق الخطاب عند فوكو علي المشروع المرجعي العام في المجتمع وعلي المشاريع الجزئية داخله.. أي مجموع المفاهيم(الإفادات) والمؤسسات التي تنظم أي مجال بعينه مثل الخطاب الطبي، الخطاب الزراعي، الخطاب الفني، الخطاب القبلي، الخطاب الرياضي ألخ... كل هذه الخطابات تصاغ وتتهيكل وفق الأطر المحددة للخطاب الأساس في البنية الإجتماعية المعنية بإعتبارها عناصر في هذه البنية وأن بمجرد هيمنة الخطاب علي الواقع المعني تبدأ الخطوات التي تبني مختلف المؤسسات حسب موجهات الخطاب وتظهر العبارات الجديدة التي أطلقنا عليها لفظة الإفادات في كل القطاعات والحقول (إنسجاماً مع موجهات الثورة و بروباغاندا الثوار) ولكنها في حالة حركة وتغير متواصلين مع تغير مجريات الحياة ومع كل تغير تستولد الشروط والقوانين التي تربط بين الإفادات والمؤسسات القايمة ضمن أطر نفس الخطاب.. ولتقريب المسألة أنظر مثلاً للخطاب الديني المطبق في السودان أو تركيا أو السعودية وإيران ستجد أن الهيكل العام هو هيكل خطاب ديني بخطوطه الخضر والحمر ولكن في تفاصيله تختلف كل تجربة عن الأخري بسبب إختلاف الشروط التي ضمنها تتشكل الإفادات والمؤسسات المكرسة بالفعل الخطابي.. وحتي هذه الإفادات (المفاهيم الحاكمة في كل القطاعات الرسمية والإجتماعية) تتغير كل فترة مع تغير الشروط الإجتماعية بين سنة وسنة أو حتي شهر وشهر..لأن ما ينفع من الإفادات هو ما يمكن إعادة تطبيقه وإلا فسيتم تغييره بإفادة أخري ترتبط مع باقي الإفادات وفق شروط جديدة وأضرب مثلاً هنا ببداية عهد الخطاب الإنقاذي تكونت لجان إنقاذ في كل قطاع فكانت لجنة(أو إفادة) الإنقاذ الصحي هي السائدة في القطاع الطبي وحمل لواءها أطباء التنظيم في القطاع مثل الصادق قسم الله وعبدالله عبدالكريم وآخرين لإدارة ببرنامج الإنقاذ المتبني لخصخصة كل القطاعات فكانت خطوات القطاع في خصخصة العلاج وفق إفادات أو تناظيم جديدة تتحدث عن بنود صرف الزكاة علي الفقراء من المرضي وبرنامج العلاج الإقتصادي ومجموعة من المؤسسات الداعمة كالصيدليات الشعبية ومراكز العلاج الخيرية ولكن لما لم تثبت هذه الإفادات جدواها فتلاشت الإنقاذ الصحي وظهرت إفادة جديدة هي التأمين الصحي لتغطي بعض الفراغ وهكذا تتغير الإفادات ضمن أطر الخطاب وتتغير قوي الربط بينها في هيكل الخطاب(لاحظ تغير المواقع في القطاع الصحي والمهام والمؤسسات ) وحتي ما يبقي ثابتاً من الإفادات ليس بالضرورة يحتفظ بنفس الصورة والمعني القديم فقد يأخذ معني ومهام جديدة مثلما قد تأخذ نفس المفردة أكثر من معني بين الأزمان والأمكنة..لا يري فوكو شمولية للخطاب لذا يركز علي تبيين التغير كالذي أوردناه أعلاه حتي لا يمثل الخطاب إستمرارية تاريخية ففوكو ضد مفهوم الإستمرارية التاريخية فليس الخطاب الإسلامي في عهد الرسالة هو الخطاب الإسلامي في الفترة العباسية هو الخطاب الإسلامي في تركيا ولا السودان بل كل من هذه خطابات منفصلة وقائمة بذاتها تحكمها شروط تكوينها وليس إرتباطها بأصل ما في الزمان السابق أو المكان المفارق وهو هنا يشير لدور كبير للصدفة في تكوين كثير من الأفكار المهمة لدينا بمعني أنه لولا ظروف معينة أوعلاقات معينة لتبنينا أفكار غير ما نتبني الآن ولكن يكون ذلك ضمن نظام إجتماعي خطابي معين ندير كل أمورنا وعلاقاتنا وكلامنا ضمن أطره هو ما يتحكم فينا ولا نتحكم فيه (عموماً المغتربون السودانيون للسعودية يتحلون لأشخاص أكثر تمسكاً بالدين أو علي أقل تقدير عباداتهم بينما المغتربون في دول غربية تقل درجة محافظتهم الدينية وينفتحون أكثر إلي تقبل الآخر حتي اليهودي والنصراني) حتي أن هنالك حالات زواج متعددة من شباب مسلمين لشابات غير مسلمات وهذا يؤكد مدي تأثر الفرد بالنظام الإجتماعي الذي يعيش فيه رغم نزعة المقاومة والتي قطعاً تفرض ضرائبها علي معتزمها فهنا في الدول الغربية يوجد من المسلمين ما يصر علي إرتداء لباس يؤشر إلي إسلامه ويحمل معه مصلاته
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
كتب الأخ أيمن عوض ضمن تعليقات الفيسبوك
Quote: اخى المحترم سنارى فى مداخلتك الاخيرة بذكر تشبيهك مفهوم الخطاب بالايدولوجيا او النظريات الكبرى وبما ان الاختلاف واضح بين المشبهان بينهما اعتقد انك ترمى الى ان مصطلح الخطاب يتموضع فى المنطقة الوسطى بين البنية الفوقية والشعارات اى الايدولوجيا والبنية التحتية من نظريات وفرضيات ومفاهيم ارانى منسجم جدا مع هذه الخلاصة اتمنى تعليقك . سوءال اخير كيف ترى مستقبل هذا المصطلح المهيمن فوق راس اى عنوان لمقاربه اى ظاهرة اعنى بالطبع مصطلح الخطاب وهل ترى انه اقرب لاى بنية من البنيتين السالفتين وختاما لا اريد ان اكثر من شكرك لكنى اقول خير الناس انفعهم للناس واحسب انك من الخيرين |
أولاً أود أن أشيد بالروح العالية والمثابرة المعرفية لدي الأخ أيمن وأتمني دخولة لحوش المنابر لأن نشاطه يتستاهل أكثر من المشاركة من منازلهم ...رأيت أن أرفع تساؤل أيمن لأهميته إلي البوست للرد عليه هو وسؤال آخر عن بارت فيما يتعلق بالرؤي المابعد حداثية التي تضمه مع فوكو وسأخصص المداخلة التالية لذلك السؤال لأن ردي عليه كان جد مقتضب..كنت وعدت كذلك بالحديث عن علاقة المعرفة بالسلطة ورأيت أن أوسع الرد ليتناول الهجمة التي يتعرض لها الأخ طه جعفر فيما يختص بمداخلات له في مسألة حدود الحرية..وسأبدأ في كتابة ردي بعد الإنتهاء من التعليق وربما جاء ذلك في شكل مقال... هنالك إشكالية لغوية مزعجة عند التحدث عن الخطاب عند فوكو لأن المعني اللغوي المتداول للخطاب يحده بحدود اللغة بينما مفهوم الخطاب عند فوكو يتجاوز اللغة ليشمل معها الأشياء والتكوينات اللاخطابية وفوق الخطابية مما يمطها أوسع من حدود الأيدلوجيا كعنصر من عناصر البنية الفوقية لأن الآيدلوجيا إنعكاس عن المادي بينما الخطاب إحتواء للمادي في نزعة لتجاوز التفسير المادي للتاريخ وتصوير أن المادي واللامادي كلاهما تكوينات تدخل في الخطاب رغم أن بعضها لا خطابي في أصله وبعضها فوق الخطابي وبالتالي تدخل كلها متشابكة وفق الشروط أو ما يعرف بالقوانين الخطابية وهذا النقطة تحتاج لشرح طويل لا مانع من الرجوع له وإن كنت أكتفي بخلاصته هنا وهي أن البشر والحجر هما جزء من الخطاب عند فوكو لأن الخطاب لا يتحدث عن العبارة والنص أو المايكرو بل عن الماكرو وكيف أن كل الأفادات تنتج المركب الذي يجد كل بني آدم مع كل أنشطته داخل هذا الخطاب وبالتالي يصبح الخطاب هو السياسة والإدارة والمدرسة والمستشفي والدبابة والمعرفة ليست هي المعلومات بل هي الأنظمة والمؤسسات التي تقدم هذه المعلومات قبل ذلك ومن هنا نتحدث عن علاقة للخطاب بالسلطة فالخطاب ليس مجرد كومة من النصوص، ولو أن النص ذاته عنده معني مختلف مع البنيوية وما بعد الحداثة فالكرسي نص والمطرة نص ولا يمكن إختزال كل المؤسسات المعرفية والإقتصادية إلي مجرد مفردات نبحث عن معانيها في القواميس اللغوية فتفقد هذه المؤسسات معانيها قبل سلطاتها .. لأن الخطاب لا يمكنه من إنفاذ سلطانه عبر النصوص ودلالاتها... وسأفصل في ذلك أكثر في مقالي عن مسألة أفكار طه جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: Sinnary)
|
فوكو لا ينظر لحركة التاريخ كحركة منتظمة بل كحركة تتكرر فيها سيطرة نموذج بعينه من نماذج السلطة في كل مرة .. نموذج لا يمثل إستمرار لما سبقه من نماذج أو خطابات.. وعندما يظهر نموذج خطابي أو سلطاني معين في أي بيئة إجتماعية يفرز معه أو بالأصح تبزغ منه مظاهره وظواهره الخطابية والفوق خطابية واللاخطابية لكن ودا خاص بأخونا أيمن كل هذه المظاهر والظواهر تدخل في تكوين الخطاب عبر مفاعلة معقدة تتضافر بين هذه العناصر جميعها .. يبدو أن فوكو قد إستفاد من تناظير الواقعية النقدية مع ما ذكرناه سابقاً عن التأثير النتشوي علي أفكار فوكو فيما يختص بمفهوم البزوغ ... تحدث فوكو عن شكلين من أشكال بزوغ الظاهرة وهما البزوغ الفجائي والناتج عن تأثيرات الخطاب والبزوغ المتسلسل الذي يُفرغ تسلسله البزوغ من مغزاه .. من جهة أخري تنظر الواقعية النقدية إلي البزوغ كبزوغ واحد وغير متعدد الأشكال... في تعرضنا لمفهوم ما فوق الخطابي عند فوكو نصطدم بعدة إشكاليات منها إشكاليتان ترنسدنتاليتان تتعلقان بالوجود الزماني والمكاني لكل ما يمكننا وصفه بفوق الخطابي الإشكالية الثالثة تتعلق بالكيفية التي يضمن بها فوكو مفهوم مافوق الخطابي في نظريته... نجد في حفريات المعرفة كثيراً ما يدمج فوكو ما فوق الخطابي في الخطابي عوضاً عن الفصل بينهما ونجده يكتب في حفريات المعرفة ما معناه " في أي وقت يستطيع فيه الفرد وصف الشكل الذي يظهر فيه تشتت الإفادات المكونة لخطاب داخل هياكل الخطاب ، أو في أي وقت يشرح فيه الفرد نظامية تموضع الأشياء، الإفادات، المفاهيم، والإختيارات الثيمية داخل الخطاب ... تمثل نظامية الخطاب هذه شروط ترتيب (الأشياء، الإفادات، المفاهيم، والثيم) داخل الخطاب ونقصد بترتيبها وصف علاقاتها، مواقعها في الخطاب، وظائفها وتحولاتها ضمن الخطاب..شروط أو قوانين الترتيب هذه (قوانين تكوين الخطاب) هي في الحقيقة شروط وجود الخطاب المعني..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إعدام السلطة..حوارات مع وضد فوكو (Re: احمد ضحية)
|
تحية وإجلال أستاذنا أحمد ضحية
كل تكوين خطابي هو تكوين متميز وقائم بذاته ويفهم كترتيب خاص بالعناصر الاربعة المذكورة في المداخلة السابقة...وتميزه ينتج من خصوصية شروط تكوينه .. الفهم الأبسط لشروط التكوين هو أنها هي الشروط التي تحدد ما يسمح بقوله داخل فضاء الخطاب وما يمنع قوله ، ومن هو المسموح له بالكلام المعين ؟وما موقعه؟ ، إضافة إلي ما الذي يسمح بوجوده أو يمنع وجوده ؟ (مثلاً في دولة الإنقاذ يقول الخطاب بوجود البنوك الاسلامية الصيغة ويمنع وجود البنوك ربوية الصيغة).. ماهو الممكن تغيره علي هوامش الخطاب أو حدوده ( مثال شروط تكوين خطاب الطب النفسي لا تعترف بالرقية ولا بخرات الفكي كجزء من هذا الخطاب بينما شروط تكوين الخطاب الإسلامي تعترف بالرقية)..ما يهمنا هنا من مدافعة فوكو ليس فقط تحديدها لأطار تصنعه شروط تكوين أي خطاب ليحدد المسموح به وغير المسموح له في جيوزمانية الخطاب، بل أيضاً وجود عناصر فوق خطابية تشتغل بفاعلية كجزء من العملية التكوينية للخطاب بدرجة يبدو معها أن التكوين الخطابي لا يستطيع أن يعمل بكفاءة بدون تضمين هذه العناصر فوق الخطابية داخل بنيانه، فمثلاً الأشياء الداخلة كعنصر من عناصر تكوين الخطاب تبزغ عبر عملية جمع لسطح البزوغ (مثل العائلة، مكان العمل، السجن)، سلطات التخطيط ( الطبيب، المدرس، المفتي)، وشبكات المواصفات(حيث تنمذج الأشياء ووتربط حسب تشابهاتها ببعضها كما في تشخيص الأمراض) . من الواضح أن عملية التكوين الخطابي ليست عملية سكونية أو ميكانيكية بل تحدث بشكل يمكنها من تغيير المواقف والموازنات( عندما تتكون جبهة يسارية تشمل يمين ويسار اليسار يصدر مانفستو يستجيب لحدود القاسم المشترك الأعلي أو بعبارة أخري إتفاقات الحد الأدني) فهنالك معرفة أشمل ومعارف تتفرع عنها وتنتج سماتها داخل أطرها وكلا الشكلين المعرفيين يعملان علي تشكيل الأشياء الخاضعة لسلطانها وفق نمطه الخاص جداً..عند تعرض فوكو لخطاب الجنون في القرن الثامن عشر شرح بزوغ معارف وخطابات في السايكوباثولوجي، وأخري تتعلق بالقوانين ، وثالثة تعني بنظام البوليس تعمل كلها معاً ووفق بنود تنظيمها في التعامل مع من عرفوا بالمجانين وكانت تتم فيها تغييرات مع الزمن لكن لا تخرج أبداً عن غلاف ومدارات الخطاب العام ..أما في ظل الخطاب الحداثي فقد إختفت تلكم الخطابات والمنظومات تماماً وظهرت صور جديدة تحول الطب معها من المدار الديني إلي المدار العلمي وتتضمن ذلك تغير في المناهج والمفاهيم والمواضيع..سبب هذه الخصوصية الخطابية هو أن الخطاب يتكون حول بنية معينة تفهم العالم عبر قوانين التكوين الخطابي، وفي هذه الحالة لا تشكل عناصر المافوق خطابي مجرد تكوينات مفتاحية في الخطاب لكن تشكل أيضاً البني الخارجية التي يعرض الخطاب نفسه عبرها (المؤسسات الإجتماعية السابقة علي ظهور الخطاب تتحول لسطوح بزوغ لمواضيع الخطاب.. لاحظ مع قدوم الإنقاذ كيف حدثت تحولات في المؤسسات بينما في الغالب العاملين فيها لم يتغيروا كثيراً إلا أنه بنيت المساجد في زوايا كل مؤسسة وأطلقت اللحي وتحجبت النساء هذا غي التغيرات المصاحبة في توزيع المكاتب والأشخاص وعدة تغييرات شكلية أخري)
| |
|
|
|
|
|
|
|