في مفهوم الكتابة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 12:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-31-2013, 08:41 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في مفهوم الكتابة

    حول قضايا الإنشاء أوالتعبير وإنتاج التصورات:
                  

01-31-2013, 06:41 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    يمكن القول، من باب البداهة (((البداهة تحتاج أحيانا أن نشير إليها كبداهة لندرك أنها بداهة بالفعل أم أكثر، كتوصيف مدى النظرة من عيني الأمّ إلى كيان الابن في مواقف معينة بوصفه "حنان الأمومة"، ناقلين المسألة بذلك من مستوى حسي غريزي إلى مستوى مُعقلن قائم كمادة للتحليل، وهنا تبرز أهمية المسافة كبُعد يسمح بدرجة من الحياد تُمَكِّن من وصف وتحليل ذلك المثال من الحنان، ما يفترض ضمنيا وجود طرف مادي ثالث منفصل، يقف على مقربة من الأم والابن راصدا ما يحدث بينهما، وقد يكون هذا الطرف الثالث أحد طرفي العلاقة (الأم أوالابن)، إذا تحدثنا عن قدرة الذات على موضعة ما هي متورطة في تشكيله وما هو مُشَكَّل لها في آن، ولعل وجود آليات أووقائع معينة قد يساعد هنا في خروج الذات لمعاينة ذاتها موضوعيا، كفقد أحد طرفي العلاقة، السفر، النفي، الهجرة، وما يبعثه من ثمّ الحنين أولا والتذكر تاليا من إعادة تقييم للمواقف والأحداث)))، إن الكتابة تتجاوز القدرة، عند مستوى إنتاج التصورات، على الإنشاء أوالتعبير، من حيث إن التعبير في أحد أبعاده صيغة مدرجة كتابة ومطابقة لذلك الوعي الماثل في صيغة مشافهة.
    والتعبير، باعتقادي، لا يتجاوز، عند هذا الحد، إلى ما هو أعمق، أوأبعد، أوحتى مفارق. أوهو، في أحد وجوهه الأخرى، ونحن لا نزال عند هذا البعد، بمثابة تدوين رسمي لذات الوعي القائم، كمحددات مؤطرة للسلوك الفردي والجمعي في آن (من عملها خلق نوع من التماثُّليّة بين الأفراد)، ولعل جوهر هذا التجلي التدويني للوعي القائم يتماشى مع ما يصفه جورج أمادو بمصطلح "الحداثة القشريّة". وإن بدتْ هنا صيغ التعبير المرسومة حرفا مصقولة جيدا، كما في بعض النماذج السائدة داخل الحقل الأدبي كتمثيلات دالة على وعي قائم، أي إذا ما قد تحدثنا هنا عما قد ينطوي عليه التعبير عند نفس البعد من ضروب تقليديّة للمجاز، كالتشبيهات البسيطة المستهلكة المباشرة وغير المؤثرة على مستوى إحداث إنقلاب في الرؤية إلى العالم، مثلما قد يحدث أحد تشبيهات صلاح عبدالصبور الذي يباغتنا عن طريق المزج بين حقلين دلاليين تمّ إدراكهما على صعيد الوعي القائم كقطبين نقيضين في حالة تضاد كليّ (وبيننا صداقة عميقة، كالفجوة)، عوضا عن تمظهرات السجع والجناس، وما إلى ذلك، من الأحمال البلاغية المعيقة لفعل القراءة. وهي الأحمال نفسها، التي لا تحيل، وفق توظيف الزينة هذا أوالحلية أوالمنحى الديكوري، إلى ما هو خارج جمالية الأسلوب، على نحو قد يجعلنا ننظر في أعقاب فعل القراءة إلى ذواتنا والعالم على نحو مختلف، وبتعبير ألبير كامي في تعريفه لفنّ الرواية: "على نحو أكثر اتساقا مع الرغبات الأصلية للإنسان". ولعل ذلك بالضبط، ما دفع سيد قطب الناقد الأدبي النبيه (المتحوّل لاحقا إلى منظِّر أصولي واسع الانتشار)، إلى تصنيف المتنبيء، ذلك القائل (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلماتي مَن به صمم)، كشاعر من درجة أقلّ، مقارنة بطاغور شاعر الهند ذي الأفق الإنساني الرحب.
    إن مفهوم التعبير، عند هذا البعد الإنشائي، قد يأخذ كذلك، وعلى مستوى أوسع يشمل خارج ما هو أدبي، شكل الجمل الطويلة الممتدة التي تكاد تخلو من فواصل، ما يعكس غياب "الوعي الطباقيّ"، حسب مصطلح إدورد سعيد، أوغياب حضور جمل اعتراضية تقيم جدلا خلّاقا داخل سياق الجملة الواحدة نفسه، على نحو يعكس اشتباكات الفكر نفسه وتعقيداته وتداخلاته عبر مستويات دلاليّة متفاوتة وحقول معرفيّة مختلفة، وهو الغياب الذي يوضح في الأخير كيفية عمل ذلك المسار الخيطي الأفقي والمستقر للوعي القائم كطريقة حياة تمّ تحديدها سلفا منذ الميلاد وحتى الممات. عوضا عن صيغ الجزم والطابع القطعي اليقيني التي قد يأخذها الوعي القائم مشافهة لحظة تدوينه وتحوله إلى معطى كتابي، من شاكلة (إنّ) و(حتما) و(الخاطيء)، وما إلى ذلك من لوازم تعبيريّة خطيّة تنفي وتقصي إمكانية التنسيب، وتعمل من ثم على قولبة العالم مختصرة وجوده الرحب داخل تقسيمات ثنائيّة مطلقة.



    يتبع:
                  

01-31-2013, 07:10 PM

Amin Mahmoud Zorba
<aAmin Mahmoud Zorba
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 4578

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    and
                  

02-01-2013, 05:42 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: Amin Mahmoud Zorba)

    شكرا، يا زوربا، لجعل البوست أكثر ألفة.



    لكنّ الكتابة، في المقابل، إذ تتجاوز مجرد تلك القدرة على التعبير أوالإنشاء، تأخذ أبعادها الأخرى الأكثر تعقيدا وفاعلية، سواء أكانت الكتابة فعل تحرر داخلي وخارجي في آن، أوسواء كانت آلية بناء موقف عقلاني، أوسواء أكانت حقل إنتاج لمعرفة نقديّة بالذات والعالم. ومفهوم الكتابة، عند هذا البعد، وإن أخذ يتماسّ مع مفهوم الكتابة التعبيرية على صعيد الوصف، إلا أنه وصف منتقى للوعي القائم كمادة، أوكنموذج تمثيلي دال للبحث (مفهوم العينة)، أي لا كمادة للتصوير لذاته، أوالتكريس على نحو قد يضفي عليها طابعا رسميا تدوينيا. إن الكتابة عند هذا البعد تصف الوعي القائم بغية تحليله، أوتفكيكه ومن ثمّ إعادة بنائه على أسس عقلانية. فالكتابة عند هذا البعد، بصيغة أخرى، تقارب مادتها مستهدفة تحديد نسب ما هو عقلاني وما هو غير عقلاني على حد سواء، وقد يتمّ تحديد ما هو عقلاني كأمر محايث لحركيّة الإبداع بوصفه جوهر النشاط البشريّ في نزوعه الدائم والمستمر صوب التجاوز والتحسين والتجديد ومحاولة إكتشاف طرق أخرى بديلة تجعل من العالم مكانا أكثر قابلية للعيش أوالتحقق، على ما يتطلب ذلك من حرية وخلق مجال ملائم لتفتح الطاقات الإنسانية الكامنة في مختلف مجالات الحياة، بينما قد يتمّ تحديد ما هو غير عقلاني كأمر ملازم للجمود والاستلاب ومعيق لتطور الإنسان ومكبل لحركته وكابح لتطلعاته ومصادر لحقوقه الأساسية.

    يتبع:
                  

02-01-2013, 07:10 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    هنا، تبدو الكتابة، في تصوري، على درجة عالية من الخطورة. وخطورة الكتابة تتمثل، حسب فهمي لها، في موضوعها وهدفها في آن: الإنسان. ولعل ذلك ما أوضحه جورج لوكاتش، في حقل النظرية الأدبية، قائلا "كان سؤال الأدب الأساسي، وسيظل: ما هو الإنسان"، على ما في العبارة من ظلال تشي بحضور المطلق، أوالغياب المخادع للنسبي خارج السياق الأصلي للعبارة. والحال، هذا ليس بعيدا عن المعنى الذي يهبه (حتى) ميلان كونديرا لمفهوم الرواية (على الرغم من معارضته المستندة إلى نيتشه بشأن الموقع المركزي الذي يعطيه ديكارت للإنسان على حساب الكائنات الأخرى) ك"تنقيب عمّا تصيره الحياة الإنسانية في الفخ الذي يسمَّى العالم". لكنّ ما وضعه لوكاتش أعلاه، كعلامة دالة على جوهر ما هو أدبي، يستند، في تصوري، إلى تلك المرجعية الفكرية، التي ظلّ يوليها مجمل الفكر الغربي الحديث وتطوراته اللاحقه للإنسان، منذ أن نجح، على صعيد منحاه التنويري والنهضوي، في نقل تصورات الإنسان لنفسه والعالم، من خارجه (سلطتا الكنيسة والاقطاع)، إلى داخله، حيث أخذت تنشأ وتتبلور وتترسخ مفاهيم علميّة، مثل النسبي، أوالاجتماعي التاريخي، وما إلى ذلك.
    ويمكن القول، حسب زعمي، إذا لم تعمل الكتابة، عند هذا البعد وبغض النظر عن طبيعة المردود، على زحزحة ونقض المنظور الأحادي القسري في النظر إلى الإنسان والعالم، تكفّ عن كونها فعلا تقدميا. ولكن مرحى، مرحى مرحى، قد تكون "التقدمية"، في هذا السياق وحسب التجربة المعاشة، بمثابة غطاء آيديولوجي لكتابة تطرح نفسها في خانة "الوعي البديل" أوالمفارق، بينما يتمّ إنتاجها وفقا لعمل آليات منهج ثنائي تقليدي. ما يعني، في تصوري، أنه بقدر أهمية تركيزنا على ما يُقدم إلينا في بعض الأحيان بوصفه خطابا عقلانيا كان أم تثويريا، بقدر أهمية تركيزنا على الطرق التي تمّ بواسطتها إنتاج ذلك "العقلاني" أو"التثويري"، وإلا وقعنا كما تدل التجربة كذلك في خطل ما يسميه سمير امين وتوماس سينتش وغيرهما من أعلام مدرسة التبعية "إعادة إنتاج التخلف في صور حديثة". وقديما قيل "القلم ما بزيل بلم".

    يتبع:
                  

02-02-2013, 10:05 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    والكتابة النقديّة، إذ تسعى حثيثا لإعادة تشكيل العالم على نحو يجعله والإنسان في القلب منه مكانا أكثر قابلية للعيش، تكون بذلك بمثابة أداة استثتائية، بل وذات فعالية، على مستوى توسيع دائرة الخيارات والمواقف الممكن اتخاذها كما ونوعا، سواء عن طريق الكشف عن الاحتمالات المختلفة التي يمكن أن يتخذها مسار ظاهرة ما، أوحتى عن طريق التأكيد على بعدها النسبي والتاريخي (ككتابة) نفسه، من خلال عبارات وكلمات من شاكلة "في تصوري الخاص".. "باعتقادي".. "حسب زعمي".. أونحوه، مؤكدة من جهة على نزوعها الديمقراطي"، ومفسحة المجال بذلك وضمنيا لرؤى أخرى قد تكون كامنة أومحتملة أوذات نسب عقلانية على مستوى الاحاطة بالمعطى التاريخي الاجتماعي أجدى منها أوأدق، مبرهنة في التحليل الأخير على قدرتها للحيلولة دون تحولها نفسها إلى سلطة أودوغما أوحتى مذهبية أخرى. ولعل ذلك بالضبط ما دفع ماركس إلى الإعلان أنّه ليس "ماركسيا".

    يتبع:
                  

02-02-2013, 07:24 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    فالكتابة، عند بعدها النقدي هذا، ليست تمظهرات ليقينٍ كليّ نهائي ومطلق، مدجج بالبداهة وذخيرة أحكام القيمة الفوقية، وغير ذلك من أوجه الثبات الأصولي، التي تخضع حركة الواقع المتجدد، على تفاوت خصوصياته التاريخية هنا وهناك، لفروض سلطة النصّ أوالنظرية. فالكتابة، بهذا المعنى، أفق مفتوح للتأويل، وطرح نسبي قابل لتعدد القراءة وتنوعها. ولعل ذلك ما يعبر عنه بألمعية إدوارد سعيد، من خلال مقال حمل عنوان (عن التحدّي واتخاذ المواقف)، إذ يشير إليه سعيد في سياق فهمه الخاصّ كأستاذ للتدريس الجامعي، قائلا "إذا شئتم، لدى من يدرّس العلوم الإنسانية أولنَقُل العلوم التاريخيّة بوصفها المقابل للعلوم الطبيعيّة، فثّمة، باعتقادي (لاحظ اللغة النسبية التي يتحرك بها سعيد)، شيء بالغ الأهميّة يمكن للمرء أن يدرّسه في الوقت الذي يدرّس فيه حقلا معينا أوموضوعا معينا أوفرعا معينا. ذلك الشيء هو حسّ الوعي النقدي، حسّ التشكك، وألا تأخذ ما يُقَدَم إليك بصورةٍ غير نقدية. فأنت تحاول أن تعطيهم المادة ليس على أنّها لا تُساءَل أوعلى أنّها سلطوية بصورةٍ ما، وإنّما تعمل بدلا من ذلك وفي الوقت ذاته على رعاية ما يبدو مخالفا لذلك ومناقضا له، أي تعمل على رعاية نوع من التشكّك الصِّحي بما تقوله السلطات". هكذا، تبدو لي الكتابة النقدية شديدة الوعي، بموقعها النسبي، وبالتالي بشرطها التاريخي الخاصّ.

    يتبع:
                  

02-03-2013, 07:26 AM

محمد عبد الله حرسم
<aمحمد عبد الله حرسم
تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 4492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    بوست حلو وموفق فى موضوعه وطرحه

    متابع

    اود ان اشير الى دلالة هامة

    وهى حركة الكلام بين المعنى والمفهوم والمراد من حركة الكاتب والمتلقى


    شكرا لو تم اضاءة الكهف
                  

02-03-2013, 12:37 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: محمد عبد الله حرسم)

    Quote: بوست حلو وموفق فى موضوعه وطرحه

    متابع


    حيّاك الله، أخي محمد.

    Quote: اود ان اشير الى دلالة هامة

    وهى حركة الكلام بين المعنى والمفهوم والمراد من حركة الكاتب والمتلقى


    لا أزال أفكر في ما قمتم بطرحه هنا، أشكرك.
                  

02-04-2013, 08:19 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة (إضاءة: 1-2):

    مرور 24 سنة على وفاة ميشال فوكو

    الفلسفة الغربية في ختام القرن العشرين
    وبدايات الواحد والعشرين: أزمة عقل وعقلانية، أم انسدادات حضارية؟ (1/2)

    هاشم صالح:
    الشيء الوحيد الذي جاءت به الفلسفة هو الفكرة البسيطة التالية : العقل يحكم العالم وبناء عليه فإنّ التاريخ البشري ّ(أو الكونيّ) هو عقلانيّ تماما.(هيغل)
    إنّ العقل (أي عقل التنوير) الذي خلق الحريات هو الذي خلق السلاسل والأغلال أيضا!(ميشيل فوكو)

    سوف يكون من الغرور والتبجح الزعم بأنّي قادر على استعراض كل تيّارات الفلسفة الغربية في مقالة واحدة! فهذا الأمر يتطلب عدة مجلدات وتعاون العديد من الاختصاصيين والباحثين. ولكني سوف أقتصر على استعراض بعض الأسماء والتيارات الفكرية التي أخذت أهمية في السنوات الأخيرة وشاعت على الألسن. وسوف أهتم بها من خلال تركيزها على قضية واحدة أساسية: هي قضية العقل وأزمته في نهايات القرن الماضي (أي أواخر القرن العشرين). أقول ذلك رغم أن أزمة العقل تعود إلى بداياته وليس فقط إلى نهاياته. فالواقع أنّ العقل الأوروبي ظل مسيطراً وواثقاً من نفسه منذ عصر التنوير وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918). عندئذ تلقّى لأوّل مرّة صدمة موجعة ترنّح بعدها وأخذ يطرح الأسئلة على نفسه وإنجازاته. فحتى ذلك التاريخ –أي طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر- كان هذا العقل مفعما بالتفاؤل ويعتقد بأنه سائر نحو التقدم إلى ما لانهاية، وأن عهد الحروب والمجاعات والعصبيات الهمجية قد انتهى إلى غير رجعة. وأكبر دليل على ذلك عبارة هيغل الشهيرة التي وضعتها على رأس هذه الدراسة. وفجأة تندلع هذه المجزرة الرهيبة التي ذهب ضحيتها ملايين البشر في فرنسا وألمانيا ومختلف أنحاء أوروبا. وشكلت تلك الحرب صدمة نفسية قاسية للملايين التي بقيت على قيد الحياة ولم تعد تثق بشيء، لا بالتقدم ولا بالحضارة. ومن المعلوم أنّ القصف الجوّيّ استخدم لأول مرة في التاريخ أثناء تلك الحرب. كما استخدمت فيها لأول مرة الأسلحة الكيماوية التي خلَّفت وراءها آثاراً لا تمحى من الذاكرة. ويقال بأنه لم تبق عائلة فرنسية واحدة تقريباً بدون أن تفقد أحد أبنائها أو رجالاتها.

    وراح الناس يتساءلون مستغربين: في الماضي كنا نفهم أن يقتل الناس بعضهم بعضاً بشكل وحشيّ بل وعلى الهوية لأنهم كانوا متخلفين أو همجيين يسيطر عليهم التعصّب الدينيّ ولم يستنيروا بعد بضوء العقل. ولكن الآن لماذا يفعلون ذلك وأبشع منه بعد أن تقدمت البشرية الأوروبية واستنارت وسيطرت على الطبيعة بفضل العلم والتكنولوجيا. لقد خرجنا من عصور التعصب الديني ومحاكم التفتيش واعتقدنا أننا نجونا من المجازر والأنانيات والحروب الهمجية إلى الأبد. وقد عبّر الشاعر بول فاليري عن هذه المشاعر بنوع من الغضب العارم عام 1919، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة. يقول: "الأشياء أصبحت واضحة لا شفقة فيها ولا رحمة. لقد سقط في هذه الحرب آلاف الشباب من كتّاب وفنانين. وسقط أيضاً وهم الثقافة الأوروبية، وتبين لنا عجز الثقافة عن إنقاذ أي شيء كان. وسقطت هيبة العلم من الناحية الأخلاقية سقوطاً مريعاً لأن تطبيقاته التكنولوجية أدت إلى قتل الملايين بسهولة مرعبة. وبدلاً من أن كان شرفاً ومجداً للحضارة الأوروبية أصبح عاراً عليها..." (1).

    يصعب علينا، نحن التنويريين العرب، أن نفهم سبب هذه المشكلة: أقصد أزمة العقل والعقلانية. فبما أننا نناضل من اجل انتصار العقل في بلداننا والخروج من أسر العقل اللاهوتي الطائفي التقليدي، فإننا لا نتوقع أننا سوف نواجه أزمة جديدة بعد انتصار العلم والعقل!.. فنحن نتوقع أنه بعد انتصار التنوير فسوف تُحَلُّ كل مشاكلنا دفعة واحدة. ولكننا لا نعرف أن التاريخ تراجيديّ، وأنه قد ينقلب على ذاته في حركة غريبة وغير متوقعة. كما أننا لا نعلم أن البشرية تحمل في أعماقها جرثومة الانتحار الذاتي أو التدمير الذاتي للذات كما قال عالم نفس الأعماق فرويد. وإلا كيف نفهم أن البشرية الأوروبية التي كانت في أوج مجدها وحضارتها عام 1914 راحت تدخل فجأة في حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر؟ هذا هو السؤال الذي طرحه المثقفون الأوروبيون على أنفسهم آنذاك. فهل ماتت العقلانية في ساح الوغى كما مات ملايين الجنود والضباط الأوروبيين؟ وهل انهار مشروع التنوير في معركة "فردان" الشهيرة التي تطاحن فيها الألمان والفرنسيون وجها لوجه وبالسلاح الأبيض؟ ولماذا ذبحت تلك الأمم المتحضرة بعضها البعض من أجل قطعة أرض هنا، أو هناك؟ وما نفع العقل أو العقلانية إذا كانت لا تمنع من ارتكاب الحماقات والأعمال الهمجية؟ أم إن العقل قد يدخل في أزمة وينقلب إلى ضده: أي إلى جنون؟

    لم يكن الفلاسفة وحدهم الذين طرحوا هذه الأسئلة على العقلانية الغربية التي أدت إلى الكارثة، وإنما راح الفنانون أيضاً ينتفضون ويثورون ضد كل ما هو عقل، أو قفص، أو سجن. وهكذا ظهرت الحركة الدادائية في زوريخ عام 1916 بقيادة ماكس أرنست، وتريستان تزارا، ومارسيل دوشام وغيرهم. ولم تثر هذه الحركة على القيود الفنية الأكاديمية أو الكلاسيكية فحسب، وإنما ثارت أيضاً على القيم "المزعومة" للحضارة الغربية. فهذه الحضارة رغم عبادتها للتنوير، إلا أنها سمحت بإرسال أبنائها إلى المسلخ، أو المجزرة. إن هذا الاستلهام الانقلابي أو التدميري للدادائية راح يؤثر على الأدب والفن بشكل عام ويولّد حركة أكبر وأهم هي السريالية. وهذه الأخيرة راحت تركز على استكشاف القوى الغامضة والهوجاء التي تسيطر على منطقة اللاوعي القابعة في أعماق الإنسان. وفي ذات الوقت راح فرويد ينشر مؤلفاته التشاؤمية عن مستقبل الحضارة الغربية. بل وراح يتحدث عن "غريزة الموت" التي تسكن في أعماق الإنسان فرداً كان أم جماعات وتدفعه لأن يشتهي الانتحار أو التدمير الذاتي اشتهاء كما ذكرنا. ثم نشر كتابيه الأساسيين في أواخر عمره: مستقبل وهم ما سنة 1927، ثم توعك في الحضارة أو مرض الحضارة (2)سنة 1930.

    ولكن رغم وحشية الحرب العالمية الأولى وفواجعها إلا أن بعض الفلاسفة ظلوا مخلصين لمشروع التنوير متمثلاً في أعلى ذراه: أي الفلسفة الكانطية. نذكر مثالا مدرسة "ماربورغ" التي كان يتزعمها ارنست كاسّيرر. وقد اضطر هذا الأخير إلى خوض مناظرة كبرى مع القطب المضاد للفلسفة العقلانية ألا وهو مارتن هيدغر. وقد جرت هذه "المناطحة" الفلسفية الكبرى إذا جاز التعبير في مدينة دافوس بسويسرا، وشهدها جمهور غفير من الفلاسفة والمثقفين الأوروبيين. واستمرت من 17 مارس إلى 26 أبريل عام 1929 (3). وفتح هيدغر عندئذ النار على تراث التنوير المتمثل بالمدرسة الكانطية الجديدة وعلى رأسها كاسيرر. وقال هيدغر بالحرف الواحد: ينبغي تدمير كل ما شكَّل حتى الآن أسس الميتافيزيقا الغربية: أي الروح، فالمنطق، فالعقل"!... وراح كاسيرر يتواضع أمامه ويقبل بمراجعة نقدية للفلسفة الكانطية من أجل إنقاذ العقل ومواصلة الحوار. ولكن هيدغر رد عليه بنوع من العنجهية والاحتقار قائلاً بأن الحل الوحيد يكمن في أن ندير ظهرنا للتراث العقلاني الذي سيطر علينا منذ القرن الثامن عشر (أي لحظة كانط). واعتبر الشهود أنّ هيدغر هو الذي ربح المعركة، وبدا وكأنه البطل الجديد للفلسفة الألمانية. وهكذا انتصر التيار اللاعقلانيّ على التيار العقلانيّ في الساحة الفلسفية. ثم ترجم ذلك واقعياً عن طريق صعود النازية والفاشية وتدمير أوروبا مرة ثانية من خلال الحرب العالمية الثانية. فهل كان هيدغر هو الذي مهَّد لهتلر؟ البعض يتهم نيتشه وأسلوبه البركانيّ المتفجّر، وهوسه بإرادة القوة والعظمة... ولكن هيدغر ليس إلا تلميذاً لنيتشه بمعنى من المعاني. ومعلوم انّه كان في البداية معجبا بالفوهرر الذي يمثل روح ألمانيا. ثم سرعان ما اختلف مع النازيين ففصلوه من عمادة الجامعة وأبعدوه. ومع ذلك فقد ظل ملاحقا بتهمة النازية حتى الآن..ولكن لا ينبغي أن نحكم على هيدغر فقط من خلال مناظرته مع كاسيرر وهجومه على العقلانية الكانطية التي كانت قد انتصرت وترسخت آنذاك وأصبحت ضيقة ومملة ككل شيء ينتصر ويترسخ. ففلسفته أعمق وأشمل من ذلك. والبعض يعتبره اكبر فيلسوف ظهر في القرن العشرين. وينبغي أن نضع الأمور ضمن سياقاتها التاريخية كي نفهمها جيدا. وهذا بحد ذاته يتطلب دراسة خاصة. وبالتالي فإنّ هجوم بعض غلاة المثقفين اليهود عليه في الساحة الباريسية خصوصا شيئا مبالغا فيه ومستهجنا إلى درجة انه أزعج شخصا مثل فيليب سوليرز الذي لا يستطيع أحد اتهامه بأنه مع العرب وضد اليهود. فقد صرح أكثر من مرة بأنه يكاد يشعر بالخوف لأنه مضطر للاستشهاد بهيدغر وإعلان حبه له..بل وصل الأمر ببعض الغلاة المسعورين إلى حد المطالبة بمنع تدريس فلسفته في الجامعات الفرنسية!

    ثم اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية معركة جديدة ضد العقلانية الغربية، ولكنها كانت هذه المرة بقيادة مدرسة فرانكفورت. فقد قامت بأكبر محاكمة للعقل الغربي وللجرائم التي ارتكبت باسمه للمرة الثانية على الصعيد العالمي. وكان قائدا المدرسة الفلسفية الجديدة هما: هوركهايمر وأدورنو. ومعلوم أنهما اضطرا للهجرة إلى الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية خوفاً من بطش النازية بسبب أصلهما اليهوديّ. وأصدرا عام 1947 كتاباً بعنوان جدلية التنوير أو جدلية العقل (4). ولا يقصدان بالتنوير هنا فقط تلك الحركة التي ظهرت في القرن الثامن عشر وتمثلت بالانقضاض الكبير للعقل على التراث التقليدي والأصولية المسيحية. وإنما يقصدان أيضاً، وبشكل عام، تلك الحركة التي ظهرت منذ اليونان القديمة وأدت إلى تحكّم العقل بمجمل الحياة الاجتماعية والثقافية للغرب. وبالتالي فإن مدرسة فرانكفورت راحت تدرس تاريخ العقل منذ أفلاطون وأرسطو وحتى الحرب العالمية الثانية! وراح هوركهايمر وأدورنو يطرحان هذا السؤال: لماذا انحرفت البشرية الأوروبية في اتجاه البربرية في الوقت الذي بلغت فيه أقصى ذرى التطور المادي، وفي الوقت الذي كانت تمتلك فيه كل الوسائل والإمكانيات لتحقيق السعادة؟ كيف انقلب التقدم إلى تراجع وتأخر، أو كيف انقلب العقل إلى نقيضه؟ وكانت الأطروحة التي قدماها كجواب هي التالية: إن العقل ونقيضه (أي الأسطورة) ليسا منفصلين عن بعضهما البعض إلى الحد الذي نتصوره. وإنما هما مرتبطان ببعضهما البعض من خلال علاقة جدلية مستمرة على مدار التاريخ. صحيح أن العقل ولد بعد تحرره من الأسطورة، إلا انه اضطر فيما بعد إلى التحول إلى أسطورة بدوره لكي يكافح الأسطورة بشكل أفضل (نفتح قوساً هنا ونقول إنّ العقل معاصر في ولادته لملحمة هوميروس أي للأسطورة). كيف تحول العقل إلى أسطورة بدوره؟ على هذا السؤال يجيب زعيما مدرسة فرانكفورت قائلين: إن "الأساطير العقلانية" ذات غموض رهيب. ومن بين هذه الأساطير العقلانية نذكر الاعتقاد الحديث بالقدرة الإلهية للعلم والتكنولوجيا، ثم الاعتقاد أيضاً بالطابع اللانهائي واللامحدود للتقدم الناتج عنهما. هنا تكمن أسطورة الحداثة بالضبط، وهي أسطورة مغلَّفة بغلاف العقل كما رأينا. وهذا الاعتقاد الغربي يرافق منذ عصر النهضة الجهود التي يبذلها البشر لكي يسيطروا على الطبيعة ويصبحوا أسياداً عليها كما قال ديكارت أستاذ العقلانية الغربية في عبارة شهيرة. ولكن هذا الانتصار الذي حققته الحداثة الأوروبية دُفِع مقابله ثمن باهظ: ألا وهو الاستلاب، أي استلاب الإنسان في عالم الصناعة والتكنولوجيا. فهيمنة العلم الموضوعي البارد لا تُمارَس فقط على العلاقات الكائنة بين البشر والطبيعة (أو العالم)، وإنما أيضاً على العلاقات الكائنة بين البشر أنفسهم. إن هيمنة التكنولوجيا تتجسد في الدولة الحديثة وتولّد تشيؤ الوجود الاجتماعي، و"استعمار" الحياة اليومية من قبل إدارة بيروقراطية توتاليتارية لا وجه لها ولا اسم. فكل شيء في مجتمعات الحداثة يُحرَّك من وراء الستار، أو من خلال الضغط على الأزرار. وهذه هي الصيغة الحديثة للنظام الرأسمالي والتكنولوجي المتقدم. ومن وجهة النظر هذه لا يوجد إلا فرق في الدرجة بين الديمقراطية الأمريكية والفاشية الهتلرية!. فالهدف واحد في النظام الرأسمالي العلمي البارد: ألا وهو سحق الفكر وتدجين البشر ومعاملتهم كالقطيع. وبالتالي فإن المسؤول عن انحراف العالم الغربي في القرن العشرين هو ما يدعوه هوركهايمر وأدورنو بالفلسفة الوضعية: أي هيمنة العلم الموضوعي التكنولوجي البارد على البشر والأشياء. إنه علم جاف، متغطرس، لا قلب له ولا روح، ولا يهدف إلا إلى تحقيق المزيد من الفعالية والربح وتراكم المال ورأس المال إلى ما لانهاية... وهكذا ظهر الإنسان ذو البعد الواحد والمفرغ من كل الأبعاد الأخرى بحسب أقوال هيربرت ماركوز، الأستاذ الآخر لمدرسة فرانكفورت الشهيرة.

    إن هذا النقد للعقلانية الغربية يشمل كل تاريخ الفلسفة الأوروبية من ديكارت إلى برتراند رسل مروراً بكانط وهيغل، الخ... فديكارت هو المسؤول الأول عن بلورة هذا العقل التكنولوجي والعلمي البارد (5). وبالتالي فهو مسؤول أيضاً عن محرقة اليهود وليس فقط فلاسفة الألمان من هيدغر إلى نيتشه إلى هيغل فكانط. وربما عدنا بالمسؤولية حتى إلى أرسطو المؤسس الأول للعقل الغربي!..هكذا نلاحظ أن فلاسفة مدرسة فرانكفورت وقعا في نوع من الهذيان الذي لا ضابط له. ربما كان موقفهما مفهوما من الناحية النفسية بسبب فداحة المحرقة اليهودية التي كانت لا تزال طازجة عندما ألفا كتابهما الشهير. ولكنهما بالغا جدا في الهجوم على العقل والعقلانية. ولحسن الحظ فان تلميذهما يورغين هابرماس استطاع إنقاذ العقل من براثن هذا الهجوم الكاسح الذي كاد أن يفقد صوابه.(نفتح قوسا هنا ونقول بأنه سقط في الحرب العالمية الثانية أكثر من خمسين مليون قتيل من مختلف الجنسيات الأوروبية. وبالتالي فاليهود لم يكونوا هم وحدهم الضحايا. ولكن الفرق الأساسي هو أنهم لوحقوا وقتلوا عن سابق قصد وتصميم لأنهم يهود. ينبغي أن نضيف إليهم أيضا الغجر الذين لا يتحدث أحد عنهم وكذلك الشاذين جنسيا والمرضى عقليا. وهنا يكمن الطابع المجرم للنازية).

    ولكن هل يعني ذلك التخلي عن العقل والعقلانية؟ بالطبع لا، يقول أساتذة مدرسة فرانكفورت. فعلى الرغم من كل ما حصل ينبغي إنقاذ العقل من براثن الوضعية الرأسمالية الجافة التي تمثل الصيغة المنحرفة والمفسدة للعقل الأوروبي. ولهذا السبب فإن مدرسة فرانكفورت تدعو لفرز العناصر المعرفية البريئة في العقل عن البقايا والشوائب الأسطورية. باختصار فإن العقل الغربي بحاجة إلى غربلة ونقد وتمحيص من أجل تجديده أو تصحيح انحرافه الذي أدى إلى كوارث الحربين العالميتين. وهذا ما أنجزه هابرماس لاحقا بكل تمكن واقتدار حتى استحق اسم: كانط جديد!فالعقلانية الكانطية كانت قد جمدت وتخشبت وضاقت وأصبحت بحاجة إلى توسيع، إلى ضخ دم جديد في عروقها وشرايينها. وهذا يعني أن للعقل تاريخا وانه يتطور في كل عصر لكي يناسب الحاجيات المستجدة وليس شيئا جاهزا معطى مرة واحدة والى الأبد. صحيح أننا لا نزال نعيش، أو قل بان الأمم المتقدمة لا تزال تعيش، في ظل العقلانية التنويرية الكانطية والهيغلية ولكن بعد إجراء رتوشات عديدة عليها، وربما ما هو أكثر من الرتوشات..

    سوف ألخص كل ما سبق بكلمات معدودات قبل أن أنتقل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من دراستي هذه. قبل عام 1920، أي قبل الحرب العالمية الأولى، لم يكن يخطر على بال أحد قط أن ينتقد العقل أو العقلانية التي صنعت مجد أوروبا. كان هذا العقل يتخذ صفة العصمة المطلقة، وبخاصة بعد تحقيقه لكل تلك النجاحات العلمية والتكنولوجية والصناعية الباهرة. كان عقل التنوير قد حل محل الدين المسيحيّ من حيث الأهمية والمشروعية. أو لنقل بأن العقل العلمي الحديث حلَّ محل العقل اللاهوتي القديم ووعد البشرية الأوروبية بتحقيق آمالها في التقدم المطرد والسعادة والرفاهية المادية على هذه الأرض. وبالفعل فقد حقَّق لها الكثير من هذه الأشياء خلال القرن التاسع عشر، ولذلك آمنت به ووثقت بإمكانياته وتخلَّت عن العقل الأصولي المسيحي الذي سيطر عليها طيلة قرون وقرون. وإذن فإن نقد العقل أو وضع العقل على محك التساؤل والشك هو إحدى خصائص القرن العشرين وحده. ولولا كوارث الحربين العالميتين مضافاً إليهما الحروب الاستعمارية البشعة وهيروشيما وناغازاكي وغيرها لما تجرأ أحد على نقد العقل، ولاتُّهم بالجنون لو فعل ذلك. ضمن هذا السياق العام والعريض ينبغي أن نموضع أزمة العقل والعقلانية الغربية لكي نفهمها على حقيقتها.


    1- هذا المقطع مأخوذ من كتاب بول فاليري: أزمة الروح 1919، ولكنه منشور أيضاً في كتاب منوعات رقم1، باريس، غاليمار، 1924، ص16.

    - Paul Valéry: La crise de l'esprit, Variété 1, Paris, Gallimard, 1924.2
    الكتابان المشار إليهما لفرويد هما التاليان في الترجمة الفرنسية الأخيرة 2

    - Freud: L'Avenir d'une illusion, PUF 1991. فرويد : مستقبل وهم ما، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1991
    - Freud: Malaise dans la civilisation, PUF 1992. فرويد: توعك في الحضارة، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1992

    3- صدرت مناظرة هايدغر-كاسيرر في ترجمة فرنسية عام 1972 بعنوان مناقشة حول الكانطية والفلسفة (دافوس، مارس، 1929) باريس، 1972.

    - Ernest Cassirer, Martin Heidgger: débat sur le kantisme et la philosophie (Davos, mars 1929), Paris, 1929.

    4- عنوان الكتاب في الترجمة الفرنسية هو جدلية العقل،غاليمار، باريس، 1983. ولكن العنوان في الأصل الألماني هو:جدلية التنوير.

    - Horkheimer et Adorno:La dialectique de la raison, Paris, Gallimard, 1983

    5 - للمزيد من التوسع حول نظرية مدرسة فرانكفورت انظر كتاب كريستيان دولاكامبانييه: تاريخ الفلسفة في القرن العشرين، باريس، سوي، 1995، الصفحات:
                  

02-04-2013, 09:18 PM

مرتضي عبد الجليل
<aمرتضي عبد الجليل
تاريخ التسجيل: 10-04-2010
مجموع المشاركات: 3097

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: إذا ما قد تحدثنا هنا عما قد ينطوي عليه التعبير عند نفس البعد من ضروب تقليديّة للمجاز، كالتشبيهات البسيطة المستهلكة المباشرة وغير المؤثرة على مستوى إحداث إنقلاب في الرؤية إلى العالم، مثلما قد يحدث أحد تشبيهات صلاح عبدالصبور الذي يباغتنا عن طريق المزج بين حقلين دلاليين تمّ إدراكهما على صعيد الوعي القائم كقطبين نقيضين في حالة تضاد كليّ (وبيننا صداقة عميقة، كالفجوة)، عوضا عن تمظهرات السجع والجناس، وما إلى ذلك، من الأحمال البلاغية المعيقة لفعل القراءة. وهي الأحمال نفسها، التي لا تحيل، وفق توظيف الزينة هذا أوالحلية أوالمنحى الديكوري، إلى ما هو خارج جمالية الأسلوب، على نحو قد يجعلنا ننظر في أعقاب فعل القراءة إلى ذواتنا والعالم على نحو مختلف، وبتعبير ألبير كامي في تعريفه لفنّ الرواية: "على نحو أكثر اتساقا مع الرغبات الأصلية للإنسان". ولعل ذلك بالضبط، ما دفع سيد قطب الناقد الأدبي النبيه (المتحوّل لاحقا إلى منظِّر أصولي واسع الانتشار)، إلى تصنيف المتنبيء، ذلك القائل (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلماتي مَن به صمم)، كشاعر من درجة أقلّ، مقارنة بطاغور شاعر الهند ذي الأفق الإنساني الرحب.


الكاتب الناقد عبد الحميد البرنس تحياتي,
الكتابة الإبداعية ,وبكل تفرعات أجناسها الادبية ,فعل مرهق .النقطة اعلاها إفتكر إنها نقطة جوهرية في اي نقاش يستهدف مستقبل الكتابة .كما تعلم الصراع بين التقلييدين واصحاب المباشرة الفجة من جهة و أصحاب الروي الحديثة ومن يرون ان فعل الكتابة فعل تحرري , صراع قديم ولو شايف إنو الغلبة ,حسب ما أطالع في ساحة الفعل الثقافي الراهن لاصحاب التحرر من القيود التقليدية .
انا اهوي الكتابة ولا إحترفها ,نادرا ما الزول يلقي ليهو بوست نقدي متخصص ذي بوستيك دا في امور الكتابة وهو بوست مهم جدا في نظري وارجو من الكتاب المحترفيين والنقاد في البورد إثراء النقاش حول هموم الكتابة الابداعية بصفة خاصة ومفهوم الكتابة من منظور عريض.
لك عاطر التحايا وشكرا علي البوست المهم

(عدل بواسطة مرتضي عبد الجليل on 02-04-2013, 10:02 PM)
(عدل بواسطة مرتضي عبد الجليل on 02-04-2013, 10:03 PM)

                  

02-04-2013, 10:05 PM

مرتضي عبد الجليل
<aمرتضي عبد الجليل
تاريخ التسجيل: 10-04-2010
مجموع المشاركات: 3097

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: مرتضي عبد الجليل)

    يبدو ان هنالك خلل فني في مداخلتي اعلاه
    لذا اكررها هنا:

    الكاتب الناقد عبد الحميد البرنس تحياتي,
    الكتابة الإبداعية ,وبكل تفرعات أجناسها الادبية ,فعل مرهق .النقطة اعلاها إفتكر إنها نقطة جوهرية في اي نقاش يستهدف مستقبل الكتابة .كما تعلم الصراع بين التقلييدين واصحاب المباشرة الفجة من جهة و أصحاب الروي الحديثة ومن يرون ان فعل الكتابة فعل تحرري , صراع قديم ولو شايف إنو الغلبة ,حسب ما أطالع في ساحة الفعل الثقافي الراهن لاصحاب التحرر من القيود التقليدية .
    انا اهوي الكتابة ولا إحترفها ,نادرا ما الزول يلقي ليهو بوست نقدي متخصص ذي بوستيك دا في امور الكتابة وهو بوست مهم جدا في نظري وارجو من الكتاب المحترفيين والنقاد في البورد إثراء النقاش حول هموم الكتابة الابداعية بصفة خاصة ومفهوم الكتابة من منظور عريض.
    لك عاطر التحايا وشكرا علي البوست المهم
                  

02-05-2013, 00:32 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: مرتضي عبد الجليل)

    حيّاك الله، أخي مرتضى:

    على صعيد الكتابة الإبداعيّة:

    حين يخبرنا مؤلف رواية العطر باتريك زوسكيند، التي ترجمت، كما تخبرنا الموسوعات، إلى 46 لغة، وبيع منها نحو 15 مليون نسخة حول العالم، بوصفها الرواية التي اتخذت من حاسة الشمّ تيمة مركزيّة لرؤية العالم، على نحو عمل بمنتهى البراعة على إعادة إكتشاف مناطق أخرى من النفس البشريّة تكاد أن تكون منسية على مستوى موضوعات الأدب؛ عن ذلك الهوس المحبب للكتّاب المجيدين متمثلا في محاولة الجمع داخل سياق العمل الأدبي ما بين (العمق والبساطة) في آن، يكشف ضمنيا عن مأزق المهمة الإبداعية الملقاة على الكاتب الآن، فمن جهة هناك ضرورة الوعي أن العمل الجماليّ يتم تلقيه عبر الحواس، على ما يتطلب ذلك من الإيهام بالتلقائيّة والبساطة، ومن جهة أخرى هناك الوعي بأن النصّ الجماليّ هدم لنصوص سابقة أرست قواعد النوع وتقاليده سواء على مستوى الرواية أوغيرها، على ما يتطلب ذلك من جدل يشتمل كذلك على التجاوز والإضافة لما هو تمّ انجازه بالفعل وعلى درجة عالية من مهارة التشكيل، وهي المهارة لعامل البساطة المشار إليه تتطلب من الكاتب خبثا ما أمكن لإخفائها، على نحو تتحول القراءة معه إلى فعل تنقيب خلّاق يتفاوت عمق ما يصل إليه وفق الخلفية المعرفية والثقافية لكل قاريء. والمأزق هنا أن غالبية الكتّاب نادرا ما يصلوا إلى حلّ المعادلة إبداعيا، ولعل ذلك ما أشار إلى أحد جوانبه مالكوم برادبري، في كتابه الرواية الأمريكيّة اليوم، متناولا أعمال كتّاب أعقبوا كل من وليم فوكنر وإرنست هيمنغواي على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن الولع بالمهارة اللغوية وتعقيد المعمار البنائي غدا غاية في حد ذاتها، وعلامة لا تكاد تحيل إلى خارجها، مما يحول مفهوم الرواية إلى مجرد لعبة شكلانيّة. وشخصيا لم أستسغ حتى أعمال الكاتب الأمريكي الأكثر لمعانا: سول بيلو. بالطبع ليس لخلفيته اليهودية. وهذا التقعر وابراز العضلات المهارية هو بزعمي الوجه الآخر للتبسيط ولا أقول البساطة.
    وتأكيدا لما ورد، في مداخلتك، عن كون الكتابة الإبداعيّة غدت فعلا "مرهقا"، يذهب مخترع عظيم، مثل توماس أديسون، إلى القول "إن 1% موهبة و99% فعل شاق". لكنّ ماركيز كان على ما بدا أقلّ قسوة منه، حين قال "إن كتابة شيء ما، تكاد أن تكون بمثابة صُنع طاولة، كلاهما مادة قاسية كالخشب. ليس أمامك سوى العمل الشاق. أكاد أتفق مع (مارسيل) بروست أن 10% موهبة و90% جهد وعرق". ولعل حيثيات "الورشة الإبداعيّة"، لماركيز نفسه، توضح بجلاء عمق ذلك الجانب الحرفيّ من الكتابة. ليس فقط على مستوى التفاضل بين المفردات الدالة على درجة قوة فعل معين، مثلما يكون الحال حين نختار ما بين استمع وأرهف وأصغى وأصاخ وألقى أذنه، بل كذلك عل مستوى تشكيل الدلالة على ما تنطوي عليه من معنى ومبنى، عوضا عن تنسيب الرؤى المختلفة وما يرتبط بها من تعدد أصوات، فضلا عن تفتيت زمن الحدث وإعادة بنائه سواء عن طريق الفلاش باك أوالتقطيع أوالكولاج، ولا أذكر أهمية الخيال على مستوى توسيع أبعاد الواقع الضيقة وطرح إمكانيات بديلة للحياة.. إلخ إلخ، مما لا يتسع له المجال هنا، مما يدل على صعوبة المهمة وتعقيدها.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 02-05-2013, 00:39 AM)

                  

02-05-2013, 04:26 AM

وليد زمبركس

تاريخ التسجيل: 01-10-2013
مجموع المشاركات: 1013

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    أستاذ عبد الحميد البرنس تحياتي و شكرًا لك على هذا البوست النَيّر المضيئ .
    إهتم أتباع المدرسة الشكلية بالنص و يري موخاروفسكى أنّ النص إستخدام خاص للغة و بالتالى فهو خروج على اللغة المعيارية ( لغة الأحداث اليومية و الصحافة و العمل ) إلى اللغة الشعرية و ذلك من خلال تحويل اللغة غير الفنيّة إلى لغة فنيّة باستخدام الكلمات فى غير مواضعها المعتادة و تسمِيَة الأشياء بغير مسمّياتِها و تحويل اللغة المعتادَة و التى هدفها التواصل و الإخبار - إلى لغة غير معتادَة هدفها الإستمالة و تحوير المعانى و إعادة صياغتها بشكل خلّاق يضيف إليها مزيدًا من الجمال و يخرجها من نفق الرَتَابة.

    أكون شاكرًا لك إذا أضأت لى الجزئيّة الخاصّة باللغة الشعريّة سواء أكان استخدامها فى الشعر أو القصّة أو أىّ جِنس أدبي آخر .

    شكرًا لك و ستجدنى أحد الذين يتابعون هذا البوست باهتمام .
    التعديل بسبب خطأ طباعى

    (عدل بواسطة وليد زمبركس on 02-05-2013, 04:30 AM)

                  

02-05-2013, 09:14 AM

مرتضي عبد الجليل
<aمرتضي عبد الجليل
تاريخ التسجيل: 10-04-2010
مجموع المشاركات: 3097

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: وليد زمبركس)

    Quote: أكون شاكرًا لك إذا أضأت لى الجزئيّة الخاصّة باللغة الشعريّة سواء أكان استخدامها فى الشعر أو القصّة أو أىّ جِنس أدبي آخر .


    شكرا وليد زمبركس
                  

02-05-2013, 06:37 PM

محمد عبد الله حرسم
<aمحمد عبد الله حرسم
تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 4492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: مرتضي عبد الجليل)

    ما عادت الكتابة قضية انما هى شهوة
    يمارسها المثقف كطقس من طقوس اشعاره بانه متفرد وجبار وقوى ويملك ما لا يملكه الآخرين

    ان الكتابة فعل يمارسه البعض كنوع من التنفيس والبحث عن مواز متخيل لرعونة فكرة المثقف كامل الدسم

    ما عاد الناس يكتبون هنا لانه فعل ناقص

    ومعتل


    لانه المقابل قليل

    اما هناك حيث البحث عن خيال مآتا هو نوع من الجلوس فى مقود عربة اسمها الشهرة والتفرد

    به يمكن ان يغمط الاخرين ام يمسحهم او يكتبهم اغبياء او يمارس معهم قيادتهم تحت اباطه

    مزعج جدا فكرة انك الاقوى والافضل والاجمل والانقى والاحسن

    شكرا لصاحب هذا البوست المحفز للبحث عن التاصيل لفكرة الكتابة والنقد

    (عدل بواسطة محمد عبد الله حرسم on 02-06-2013, 07:24 AM)

                  

02-05-2013, 07:07 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: محمد عبد الله حرسم)

    إضاءة (2-2):


    الفلسفة الغربية في ختام القرن العشرين(2/2)
    المعركة الفلسفية الكبرى بين فوكو النيتشوي/ وهابرماس الكانطي- الهيغلي

    بعد ما رأيناه في القسم الاوّل من هذه الدراسة، سوف أنتقل الآن إلى المرحلة الثالثة، وربما الأخطر والأهم، من نقد العقل الغربي. وقد سيطرت عليها شخصيات فلسفية من أمثال فوكو ودريدا وديلوز من جهة، ثم هابرماس وجماعته من جهة أخرى. بالطبع فإنّ هذه المعركة بين تيّار فوكو/وتيّار هابرماس لا تزال مستمرّة من خلال الفلاسفة الشباب، وبخاصة لوك فيري الصاعد حالياً بقوّة في الساحة الباريسية والذي يمثّل هابرماس. كان ميشيل فوكو قد قام بأكبر محاولة لنقد العقل الغربيّ وتعرية ملابساته السلطويّة وكلّ أشكال الهيمنة التي ترافقه. وأثبت أنّ هذا العقل ليس بريئاً إلى الحدّ الذي يوهمنا به، وليس معرفياً محضاَ كما يزعم، وإنما هو متورط في ممارسات القوة والهيمنة والتسلُّط. أو قل إنّه تحوّل في لحظة من اللحظات من عقل تنويريّ استكشافي تحريريّ إنسانيّ، إلى عقل قمعي يشبه الأخطبوط الذي يهيمن على كل مستويات الوجود الاجتماعي للبشر ويسير الأمور من خلف الستار أو الضغط على الأزرار إلى درجة أنّك لم تعد تعرف من الذي يحكم بالضبط. إنها أجهزة سرية لا مرئية لا وجه لها ولا صورة. ثم انضافت إليها مؤخرا أجهزة المراقبة أو كاميرات التصوير الاتوماتيكية المسلطة على الأماكن العامة والساحات والشوارع إلى درجة انه لا يمكن لأيّ شخص أن يفلت منها. وقد أصبحت تسجل كل شاردة وواردة عنك مهما فعلت وأينما حللت وارتحلت. هذا هو مجتمع "المراقبة والعقاب" الذي تحدث عنه ميشيل فوكو في كتابه الشهير الذي يحمل نفس الاسم. فمجتمع الحداثة يطوعك ويدجّنك شئت أم أبيت، بشكل مباشر أم غير مباشر.

    وهنا يلتقي ميشيل فوكو بمدرسة فرانكفورت التي سبقته إلى نقد انحرافات العقل الغربي وانتهازيته. وقد صرح الفيلسوف الفرنسي فيما بعد بأنه لو اطلع مسبقاً على نظريات هذه المدرسة لما احتاج إلى كتابة كل ما كتبه. ولكنه يأسف ولا يأسف في ذات الوقت على هذا التأخر. فعدم اطلاعه على هذه النظريات النقدية دفعه إلى أن يتوصل إلى نفس النتائج عن طريقه الخاص. وهذا شيء إيجابي لا ينكر. ما هو الشيء الذي استفاده فوكو من النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت؟ إنه يتمثل بالفكرة الأساسية التالية: اكتشاف الآثار السلطوية المرتبطة بممارسة العقلانية التي أخذت تتبلور في الغرب بدءاً من القرن السادس عشر. فنحن كنا نتوهّم أنّ العقل بريء كلياً ولا علاقة له بالسلطة، فإذا بنا ندرك، ولكن بعد فوات الأوان، أنه ينتج سلطة بدوره، وأحياناً سلطة قمعية.

    ويرى الفيلسوف الفرنسي الكبير بأن القدر الاقتصادي والاجتماعي والتاريخي والثقافي والعلمي للأمم الغربية كان مرتبطا بشكل وثيق ببلورة هذه الصيغة من صيغ العقلانية. يقول بالحرف الواحد:
    "كيف يمكننا أن نفصل هذه العقلانية عن آليات السلطة ومجرياتها وتقنياتها وآثارها؟ أقصد السلطة التي رافقت العقل الغربيّ والتي لا نستطيع تحمُّلها إلا بصعوبة شديدة. فهي تشكل صيغة قمعية مرتبطة بالمجتمعات الغربية الرأسمالية، وربما الشرقية الاشتراكية. ألا نستطيع أن نستنتج من ذلك أن وعود التنوير في التوصل إلى الحرية عن طريق ممارسة العقل قد انقلبت إلى عكسها؟ فاستخدام العقل في الغرب لم يعد واعداً بالحرية كما كان عليه الحال سابقاً. هذه هي المشكلة الأساسية المطروحة علينا اليوم. وهي مشكلة نتخبط فيها نحن جميعاً. وأود أن أقول بهذا الصدد أن المشاكل التي نواجهها حالياً كانت قد طرحت بشكل رائع ومدهش من قبل مدرسة فرانكفورت" [1] .

    ثم ينتهي الأمر بفوكو إلى القول بأنّ العقل هو استبداد وتنوير في آن معاً. أو قل: إنّ عقل التنوير الذي خلق الحريات هو الذي خلق السلاسل والأغلال أيضاً! حقا لقد انقلبت الأمور إلى عكسها، والعقل الذي صنع كل هذه الحضارة يوشك أن يدمرها أيضا إذا لم يردعه رادع أو وازع..لقد انقلب العقل إلى جنون: جنون الهيمنة، أو جنون العظمة، أو جنون التسلط والتحكم بكل شيء، سمّه ما شئت..

    سوف نلاحظ فيما بعد كيف أنّ هابرماس وتلامذته الفرنسيين من أمثال لوك فيري سوف يهاجمون فوكو حول هذه النقطة بالذات. فالعقل لم يكن فقط أداة لتدجين الناس وقمعهم عن طريق أجهزة التنصت والمراقبة السرية أو العلنية، وإنما هو الذي أسّس كل هذه الحضارة المرتبة المنظمة التي تحسدنا عليها جميع أمم الأرض. ولكنه لا يرى فيها إلا السلبيات. ولذا فسوف يتهمونه باللاعقلانية والفوضوية بل ومحاولة تدمير الحداثة وإنجازاتها. ولكن فوكو يستبق هذا الانتقاد ويتخذ كل الاحتياطات إذ يقول:
    "هل ينبغي أن نقيم محاكمة للعقل؟ في رأيي إن هذا شيء عقيم ولا معنى له. فأولاً المسألة ليست مسألة إدانة أو تبرئة. فالتاريخ هو التاريخ. وما جرى فيه ينبغي أن نحاول فهمه وليس إطلاق حكم قيمة عليه. وثانياً لأنه من العبث أن نعتبر العقل بمثابة القطب المضادّ لشيء نعتبره اللاعقل. وثالثاً لأن مثل هذا العمل يجبرنا على أن نلعب الدور الاعتباطيّ والمملّ والمتمثل بفرز الناس إلى فريقين، فريق مع العقلانية، وفريق ضد العقلانية.
    الشيء المهم فيما يبدو لي هو أن نشرع بتحليل هذا النمط من العقلانية والذي يبدو وكأنه خاص بثقافتنا الحديثة ولم يكن معروفاً سابقاً. وأقصد بذلك العقلانية المتولدة عن عصر التنوير. هذا ما فعله بعض أعضاء مدرسة فرانكفورت. ولكن هدفي ليس مناقشة أعمالهم المهمة والثمينة. وإنما أهدف إلى تقديم نمط آخر من تحليل العلاقات الكائنة بين العقلنة والسلطة" [2] .

    وفي مكان آخر يرد ميشيل فوكو على انتقادات هابرماس له ويقول بما معناه: إنّ هابرماس ليس وفياً لمدرسة فرانكفورت على الرغم من أنّه آخر ممثليها رسمياً. لقد خرج عليها وتناقض معها. فهو يمارس عليّ نوعاً من الابتزاز إذ يقول لي: إما أن تقبل بالعقلانية، وإما أن اتهمك بالسقوط في أحضان اللاعقلانية! إنه يريد أن يمنعني من القيام بأي نقد للعقل، أو من طرح أي تساؤل نقدي على تاريخ العقلانية الغربية. يحصل ذلك كما أنه يستحيل علينا أن نقوم بنقد عقلاني للعقلانية!
    والآن ما هو موقف هابرماس؟ سوف أقول باختصار شديد إنه يتفق مع فوكو على الاعتراف بانهيار التصور الكلاسيكي المضخم للعقل الغربي. فلم يعد أحد مقتنعاً بوجود عقل كبير ومعصوم يقف فوق كل نقد كما كان يعتقد هيغل مثلاً أو كانط حيث تبلورت العقلانية الغربية في أعلى ذراها. لا. لقد تحطمت أسطورة عقل التنوير أو عصمته بعد كل ما حصل من جرائم وكوارث ونكبات استعمارية وغير استعمارية، داخلية وخارجية. وما عدنا نستطيع الاستمرار وكأن شيئا لم يكن..

    ولكن هابرماس على الرغم من كل ذلك يعتقد بإمكانية إنقاذ فكرة العقل والعقلانية. كيف؟ عن طريق طرح تصوّر متواضع ولكنه فعّال للعقل. فلم يعد العقل، بحسب تصوّر هابرماس، شيئاً جوهرانياً موجوداً في أعماق الأشياء أو في قلب العالم. وإنما أصبح صفة ننعت بها الأشخاص أو المقولات التي تطمح إلى تحقيق صلاحية إجرائية معينة سواء أكانت هذه الصلاحية تخصّ الحقيقة، أو الاستقامة، أو الصدق. فنقول مثلاً عن سلوك هذا الشخص بأنه عقلانيّ، ونقول عن مضمون هذا الكتاب بأنه عقلانيّ أو لاعقلانيّ.. وبالتالي فقد تحوّل العقل إلى عقلانية، أي إلى صفة تُلصق بمن يتّسمون بهذه السمة. هكذا نزل العقل من برجه العاجيّ أو من مثاليته الطوباوية لكي يصبح مجرد فعالية إجرائية هدفها التوصل إلى نتيجة ايجابية معينة في مجال من المجالات[3] . ولهذا السبب يموضع هابرماس العقل داخل المجتمع، أي داخل الفعالية التواصلية أو العقل التواصلي والحواري. فعلى كل مستويات الوجود الاجتماعي يوجد حوار وتواصل بين أفراد مختلفين، وعن طريق هذا الحوار التواصلي يتوصلون إلى إجماع أو قاسم مشترك يجمع بينهم ويحل مشكلتهم. (انظر التفاوض بين العمال وأرباب العمل في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، أو التفاوض بين الأساتذة والطلاب، أو حتى بين الأب والابن، أو بين البائع والمشتري، الخ...). ويفترض هابرماس أنه توجد في لغة التفاوض شحنة عقلانية كامنة هي التي تؤدي إلى تقارب المواقف وإيجاد حلّ للخلاف الناشب. ولكنّ خصوم هابرماس من أمثال ديلوز أو دريدا أو جان فرانسوا ليوتار يشكّون في هذه النزعة الإنسانية المتفائلة التي تنضح بها نظرية هابرماس الفلسفية.

    وهم يتساءلون: هل إنّ البشر يريدون حقاً التفاهم فيما بينهم، وأنهم يبحثون عن إجماع؟ ودريدا لا يرى في مسار هابرماس إلا نوعاً من تأليه العلم أو العودة إلى ميتافيزيقا العلم. وهذه العودة أسيرة الفلسفة الوضعية بالضرورة، هذه الوضعية التي ينبغي أن نتحاشاها. ويرد عليهم هابرماس قائلاً بأنّه يفضل التركيز على الاتفاق، وليس على الاختلاف كما يفعلون هم. ثم إنه يريد أن يثق بالطبيعة البشرية وبالعقل التنويري أكثر مما يفعلون. ثم إن الحوار التواصلي الديمقراطي بين الذوات الحرّة هو البديل الوحيد عن الجنون والضرب والقمع والاستبداد. هكذا نلاحظ أنّ الرجل وجد الحلّ في نظرية العقل الحواريّ التواصليّ الذي يتناسب مع طبيعة المجتمعات الديمقراطية المتقدمة. وهذه هي آخر نظرية فلسفية في الغرب.

    ثم راح يتهم الفلاسفة الفرنسيين من أمثال فوكو ودريدا وليوتار وديلوز بأنهم عدميون أو فوضويون يريدون القضاء على الحداثة والانتقال فوراً إلى مرحلة ما بعد الحداثة. وأما هو فيريد الدفاع عن مشروع الحداثة أو مشروع التنوير بعد تنقيحه وإصلاح نواقصه وانحرافاته. باختصار فإنه يتهم الفلاسفة الفرنسيين المذكورين بأنهم من أتباع نيتشه (اللاعقلاني)، في حين أنه هو من أتباع كانط (العقلاني). فكانط هو الذي أسس مشروع الحداثة لأول مرة عندما نشر كتبه الأساسية. ويمكن اعتبار نصه الشهير "ما هو التنوير؟" بمثابة أول خطاب فلسفيّ تأسيسيّ للحداثة يحصل قبل هيغل مباشرة [4] . ولكن يظل هيغل هو المؤسس الأكبر للخطاب الفلسفي للحداثة. من المعلوم أن هابرماس يعتقد انه في كل عصر أو جيل تحصل ظلمة جديدة وتخيم على الفكر فتسدّ الأفق.

    في كلّ عصر يحصل انسداد تاريخي ثم يظهر المفكر الكبير لحلحلة الأمور وفتح هذا الانسداد أو تبديد الظلمة والكربة الجديدة. بهذا المعنى فإنّ الفكر هو نور يشق دياجير الظلام. فديكارت هو الذي فتح الانسداد التاريخيّ الناتج عن هيمنة الفلسفة القروسطية السكولائية التي كانت قد أصبحت مملة وعقيمة. وكانط هو الذي فتح الانسداد التاريخي الناتج عن تصارع التيارين الدوغمائي القطعي والارتيابي الشكوكي. وهيغل فعل نفس الشيء ضمن ظروف أخرى. وفي كل مرة كان الفكر الأوروبي يتنفس الصعداء ويشعر بالارتياح وينطلق على أسس جديدة ويستعيد الثقة بالنفس. وهابرماس نفسه ليس إلا كانط أو هيغل جديد يريد أن يزيح الظلمة الجديدة عن وجه الحضارة الأوروبية بعد أن وصلت إلى الجدار المسدود مرة أخرى. بهذا المعنى أيضا فإنّ الفلاسفة الكبار هم أطباء حضارات. فهم وحدهم القادرون على تشخيص المرض العضال وإيجاد العلاج الشافي.

    هكذا اندلعت المعركة بين فيلسوف الألمان والفلاسفة الفرنسيين حول القضية المركزية التالية: تقييم تجربة الحداثة الأوروبية منذ عصر التنوير وحتى اليوم: أي على مدار مائتي سنة من تاريخها. هل الحصيلة إيجابية أم سلبية؟ في رأي هابرماس أن الحصيلة إيجابية في مجملها رغم كلّ الكوارث التي حصلت ورغم المحرقة والحروب العالمية والمجازر الاستعمارية. أما الفلاسفة الفرنسيون فيبدون متشائمين ويركزون على السلبيات أكثر من الإيجابيات. نقول ذلك رغم أنّ فوكو في أواخر أيامه، وباعتراف هابرماس نفسه، عاد إلى حظيرة الحداثة والتنوير بعد طول مشاغبة ومشاكسة [5] . ولكنه في مراحله الأولى كان نيتشوياً محضاً يريد تدمير كل شيء بنته الحداثة أو يريد تعريته اركيولوجياً كما يقول. أما دريدا فقد أمضى كلّ عمره في تفكيك الميتافيزيقا الغربية (أي العقلانية الغربية والعرقية المركزية الأوروبية). أمّا عن ديلوز فحدّث ولا حرج...

    هكذا نجد أنّ مسألة نقد الحداثة أو تقييم تجربتها التاريخية تعتبر أهمّ قضية فلسفية مطروحة على البيئات الثقافية الغربية من أوروبية وأمريكية طيلة الثلث الأخير من القرن المنصرم. وبهذه المسألة سوف يُخْتتم القرن فلسفياً، على الأقل بالنسبة للمثقفين الغربيين. ولكن الشيء الذي نلاحظه هو أنه إذا كانت النظرة السلبية للحداثة هي التي سادت منذ عام 1945 وحتى أوائل الثمانينات (تاريخ وفاة ميشيل فوكو)، فإنّ النظرة الإيجابية هي التي أخذت تسود بعدئذ. وهذا يعني أنّ هابرماس انتصر على فوكو في نهاية المطاف، ورافق انتصاره سقوط الشيوعية عام 1989، وانتصار الليبرالية الديمقراطية على الشيوعية التوتاليتارية. ومن المعلوم أنّ فوكوياما صفّق لهذا الانتصار واعتبره نهاية التاريخ. وراح يحتمي بمرجعية هيغل الكبرى لتدعيم أطروحته المتفائلة بمسيرة التاريخ البشري. بل راح يعتقد أنّ النموذج الديمقراطي الغربي سوف يهيمن تدريجيا على البشرية كلها. وبالتالي فهو نهاية التاريخ. حقا لقد انتصر هيغل! وانتصر أيضا كانط على نيتشه وربما كاسيرر على هيدغر..

    وقد ردّ عليه دريدا بقسوة في كتابه شبح ماركس أو أشباح ماركس بالأحرى[6] . بمعنى أنّ شبح ماركس لا يزال يهيمن على الغرب الرأسمالي رغم انتصاره على الشيوعية. فدريدا يقول بأن الديمقراطية الليبرالية لم تترسخ حتى الآن كنظام سياسيّ في القسم الأكبر من العالم. يضاف إلى ذلك أنها غير قادرة وحدها على حلّ المشاكل الناتجة عن تفاقم البؤس والفقر ليس فقط في بلدان العالم الثالث وإنما في الغرب نفسه. فالحداثة أنتجت شرائح واسعة من المهمَّشين والعاطلين عن العمل، والذين يسرحون الآن للشحاذة حتى في "مترو" باريس..يضاف إلى ذلك أن العولمة الأميركية التي يتبجّح بها فوكوياما ويعتبرها نهاية التاريخ والنموذج الأمثل للبشرية تجوّع مليار شخص في العالم على الأقل وتهدّد الكون بالتلوّث والحروب اللانهائية في عهد بوش العظيم! أنظر أبحاث المفكر السويسري جان زيغلير عن "أسياد العالم الجدد" أو "إمبراطورية العار والشنار" حيث يشن هجوما كاسحا على العولمة الغربية وشركاتها الأخطبوطية متعدّدة الجنسيات أو العابرة للقارات.. وبالتالي فلا بأس من العودة إلى ماركس والآفاق التي افتتحها، ثمّ من خلال ماركس إلى السفح الإيجابيّ من تراث التنوير. هكذا نجد أنّ دريدا أيضاً اضطرّ إلى العودة إلى التنوير بعد أن أمضى عمره في تفكيك العقل الغربي، ومهاجمة التنوير البورجوازي!


    والواقع أنّ الهجوم عليه وعلى فوكو وديلوز أصبح لا يُحْتمَل في السنوات الأخيرة من القرن المنصرم. وجاء هذا الهجوم من جهة الفلاسفة الشباب الصاعدين حالياً وبخاصة لوك فيري. فقد أصدر هذا الأخير عام 1984 كتاباً عنيفاً يدين فيه فلسفة فوكو ودريدا وديلوز وبورديو ولاكان، أي جميع الأقطاب الذين سيطروا على الساحة الفرنسية أثناء المرحلة البنيوية (1960-1980). واتهمهم بأنهم معادون لكل قيم الحضارة الغربية الحديثة كالنزعة الإنسانية (هيومانيزم)، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، والعقلانية... ثم راح "فيري" يحتمي بمظلة هابرماس لكي ينقضّ عليهم بقوّة أكثر ويدين كرههم للمناقشة الحرّة والديمقراطية التي قد تؤدي إلى الإجماع والوفاق واتخاذ القرار الصحيح وتسيير أمور المجتمع دون حرب أو ضرب. ومعلوم أنّه لا بديل عن الحوار الديمقراطي إلا الضرب والحروب الأهلية كما يحصل في المجتمعات المتخلفة التي لم تستنر بعد. كما ويدين تركيزهم الشديد على الاختلاف والحقّ في الشذوذ والخروج على المألوف وعدم الاعتراف بقيم كونية تجمع بين الناس. وهنا يلمح لاعقلانيتهم النيتشوية وكرههم للقيم الكونية لفلسفة التنوير [7] . وبما أن الدائرة كانت قد دارت على فوكو وجماعته فإنّ الناس راحوا ينصرفون عن فلسفتهم الراديكالية في نقدها والتي تكاد تطيح بالمكتسبات الأكثر إيجابية للحداثة وفي طليعتها دولة الحق والقانون. وهكذا انتصر هابرماس على فوكو أو كانط على نيتشه مرة أخرى في أواخر القرن المنصرم، دون أن يعني ذلك أن المعركة قد حسمت نهائياً. فالتاريخ يخبّئ في باطنه العقلانية واللاعقلانية، فأحياناً يهدأ ويركز، وأحياناً ينفجر ويثور كالبركان الهائج. يضاف إلى ذلك أن الجرائم التي ارتكبت باسم الحداثة الغربية أثناء الفترة الاستعمارية تشهد لصالح فوكو ضد هابرماس ولوك فيري وسواهما. ولكن المناقشة تظلّ مفتوحة، وسوف نعود إليها حتماً لاحقاً. فهي اكبر من أن تختصر في دراسة واحدة مهما طالت.


    أريد قبل أن أختتم هذا الحديث أن أشير إلى الظاهرة التالية المرعبة والدالة على مدى حجم التفاوت التاريخي بيننا وبينهم : وهي انه في الوقت الذي ينشغلون فيه بنقد تطرفات أو انحرافات العقل العلمي الرأسمالي البارد والتكنولوجي نحن مشغولون بنقد العقل الأصولي اللاهوتي! وهو شيء كانوا قد فرغوا منه منذ مائتي سنة على الأقل..الفرق الوحيد بين أزمتنا وأزمتهم، بين انسدادنا الحضاري وانسدادهم (على فرض أن عندهم انسدادا بالفعل) هو أن أزمتنا من النوع البنيوي المفصلي: إنها قصة حياة أو موت، وجود أو عدم وجود. في حين أنهم تجاوزوا هذا النوع من الأزمات التي تخص المنعطفات التاريخية الكبرى والعبور الحضاري الخطير. ولهذا السبب ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الدراسة أو بالأحرى قبل نشرها لأني خشيت أن يتخذها التيار الارتكاسي الأصولي عندنا حجّة ضد العقل أو وسيلة للهجوم على التنوير. من الواضح أني ما إلى هذا قصدت. فنحن في أمسّ الحاجة إلى العقل والعقلانية والتنوير في حين أن الأوروبيين شبعوا منها حتى درجة التخمة. ولذلك ينبغي موضعة الأمور ضمن سياقها التاريخي وإلا فلن تفهم على حقيقتها.فمثل هذه المناقشات الفلسفية العويصة غير مفهومة خارج السياق الأوروبي الذي عاشها ودفع ثمنها بعد أن جرب الحداثة على مدار مائتي سنة متواصلة.


    [1] - انظر كتاب ديدييه اريبون: ميشيل فوكو ومعاصروه، فايار، باريس 1994، ص. 300-301.
    - Didier Eribon: Michel Foucault et ses contemporains, Paris, Fayard, 1994. pp: 300-301.
    [2] - انظر كتاب الفيلسوفين الأمريكيين: هوبيرت دريفوس وبول رابينو عن ميشيل فوكو، مسار فلسفي، غاليمار، 1984. ص: 300.
    - Hubert Dreyfus et Paul Rabinour: Michel Foucault, un parcours philosophique, Gallimard, 1984, p. 300.
    [3] - حول التشابه والاختلاف بين تصور هابرماس للعقل وتصور فوكو انظر مقالة برنار والدنفيل في مجلة الدراسات الفلسفية، عدد أكتوبر-ديسمبر 1986، ص 473 وما بعدها. المقالة بعنوان: انقسام العقل أم تبعثره؟ مناقشة بين هابرماس وفوكو.
    - Les études philosophiques: octobre-décembre 1986, Bernard Waldenfels: Division ou dispersion de la raison? Un débat entre Habermas et Foucault.
    [4] - كان هابرماس قد وضح موقفه من الحداثة ومن الفلاسفة الفرنسيين في كتابه الضخم الخطاب الفلسفي للحداثة. غاليمار، باريس، 1988. (حوالي خمسمائة صفحة من القطع الكبير).
    - Hurgen Habermas: Le discours philosophique de la modernité. Gallimard, Paris, 1988.
    [5] - انظر حول هذه النقطة الهامة رثاء هابرماس لفوكو في مقالة مشهورة بعنوان: سهم في قلب الأيام الحاضرة، مجلة كريتيك الفرنسية، عدد أغسطس-سبتمبر 1986، ص 794-799. - urgen Habermas: Une flèche dans la cour du temps présent, Critique, août-septembre 1986, pp. 794-799.
    بمعنى أن حياة فوكو مرت كسهم في قلب الأيام الحاضرة لأنه لم يعش طويلاً (57 سنة).
    [6] - انظر كتاب دريدا: أشباح ماركس ويمكن ترجمة العنوان أيضاً بـ: أطياف ماركس. منشورات غاليليو، باريس، 1993.
    - Jacques Derrida: Spectre de Marx, Galilée, 1993.
    [7] - انظر كتاب لوك فيري وآلان رينو بعنوان: فكر مايو 1968: مقالة حول الفلسفة المعاصرة المضادة للنزعة الإنسانية. باريس، غاليمار، 1985، ص. 162-164.
    - Luc Ferry et Alain Renaut: La pensée 68. Essai sur l'anti-humanisme contemporain. Gallimard. 1985. pp. 162-164

    عن موقع التنوير

    http://haria.arabblogs.com/archive/2008/7/619871.html
                  

02-06-2013, 09:51 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)


    البرنس.. حبابك يا صديقي..
    و حبا ب الأصدقاء هنا..و تحية خصوصية للأصدقاء زوربا و طه..

    ثرثرة العابر ابدا ، أو ، كانت لي ام تحب الفراشات الزرقاء..!!!!


    اغفر لي محليتي ، التي سوف تتجلى لماما هنا ، و هي بدعة علمني لها صديقنا محمد الأسباط ، حينما كتب في 1987 (و الدنيا ديموقراطية وقتها) يتحدث عن أن (الجماعية اعمق ابداعا) ، و حينها تحدث الأسباط عن التبلدي,,و ذاكرة التبلدي (للتبلدي ذاكرة ، و اطفالا يكبرون)..و بعض من الأكلات الشعبية في مجتمعات جنوب كردفان ، وكنا نحتفى بتلك المقالة و التي جاءت بتصاوير شعرية لاقت صدا كبيرا في ذواتنا التي كانت تحس بالتهميش الكبير لأشياءها الصغيرة الحميمة في مجرى الثقافة الرئيسية في دار ا مسودان ، تلك التي يشغلها امر (التعبير ) عن ثقافة المدينة بصورة عامة في السودان ، و بصورة خاصة ثقافة (هنا امدرمان) ، و هو التهميش الذي اخذ ابعادا خطيرة فيما بعد (لحد رفع السلاح) ، و من ضمن تلك البدع التي علمنا لها ذاك الأسباط ، حواره مع استاذنا مصطفى سيد احمد ، عن عطر المحلب ، و هو عطر محلي للغاية في ثقافة الجمال في مجتمعات جنوب كردفان..و اجتهد الأسباط كثيرا في شرح امره لأستاذنا مصطفى ، فقال عنه مصطفى (هذا ، لعمري ، عطر خلاسي) ، و الخلاسية وقتها لم نعرف معناها العميق الإ عبر رائعة استاذنا العظيم محمد المكي ابراهيم ، (بعض الرحيق أنا ، و البرتقالة انت) ، حينما قال (الله يا خلاسية) فتهنا نحن مع عمق حكامات جزر الرأس الأخضر في اقصى غرب افريقيا و لكنة البرتغالية التي لا نفهم فيها التكتح!!! ، و من عجب في نهاية نفس العام المذكور في بداية الحديث هنا ، حضرت جلسة استماع في قاعة الو ن او تو (102) بجامعة الخرطوم ، و كان فنانها الأساسي هو مصطفى سيد احمد ، و كانت وقتها تتشربنا روح الشباب و اليفاعة الجريئة..و كانت لنا خصلة التحدث الى العظماء ، ليس من باب ان نباهي اصدقائنا و صديقاتنا ، و انما لنؤكد لذاتنا تأكيدات خاصة أن لا مستحيل تحت الشمس..!!! ، و سألت مصطفى وقتها عن شاعر اغنية المسافة ، و هي اغنية اعتبرها واحدة من تجارب الغناء السوداني التي تستغرقني كثيرا كلما اعدت استماعها ، و حكي لي مصطفى عن شاعر الأغنية ( و للمرة الألف نسيت اسمه) ، و تعرج في الحديث عن مناحي شتى.. منها ذكره لمشاعر ، احاسيس ، تصورات ، انسان راكب في ضهر تور في ضواحي لقاوة..!!!..و حفظت هذه الجزئية ، لأنها هي الجزئية التي تصورني في محاججة ثقافة (هنا امدرمان) تلك ، و لا اخفيك ـ فلقد استغرقني مصطفى و كل تجربته ، و فيها افرح كثيرا بتحدي ذاتي الخاصة ، فالرجل و تجربته ، بالنسبة لي لم تكن مجرد التطريب التقدمي الفاره ، و انما الإنسانية الفياضة ، تلك التي تتجاوز الأطر المصنوعة ، لتخاطب انسانها الذي يسمعها و يتجاوب معها..غض النظر عن كون هذا الإنسان أو موقعه..هذه المداميك التي أسست في جواي هذا الإعتداد بهذه المحلية ، و التي ادعوك ان تغفرها لي ان لم تجد الصدى الكافي في جواك..!!!

    اما الثرثرة.. فهذا هو واقع ثقافة الدوت كوم.. تلك الثقافة المتسارعة الإيقاع ، تلك التي يكون فيها الحديث الحقيقي الذي يعبر عن الذات المعذبة ، يعد حديثا متزيدا لا حاجة له (يعني نظام ثرثرة و كده ) ، بينما الونسة التي تخجل الذات من فعلها ، تجد القبول الإجتماعي و التلقي و تعتبر من باب الجدية و التعليم المستمر ، شفت كيف الحاجات انعكست؟..
    من اسئلة هذه المحلية ، استشكال الأمر علي ذاتي في بداية حديثك..عن الإنشاء أو التعبير ، فانا يا صديقي اعتبره تزيد ما بعده تزيد ، مثل تلك العبارة التي وجدناها في مجرى التعليم العام في مجتمعنا في السودان ، حينما تحدثنا المدرسة عن مادة الإنشاء و التعبير..لاحقا.. اكتشفت ان الإنشاء هو طريق أو نهج الكتابة ، كفعل انساني منجز ، و كيفية انجاز ذلك الفعل الإنساني ، و أن التعبير يدخل في نطاق الحق في التعبير عن الفعل الإنساني (فعل الكتابة) ، و هو ما اتفقت الناس على تسميته بالحق في حرية التعبير..!!!
    الإنشاء ، عندي هو تدريب على تعلم( استايل) الكتابة ، و هي التي عندي تعني ممارسة مشروعة للحق في التعبير عن الذات ، اما محتوى ذلك التعبير ، فهو محل التفاوض الذي يجب أن نشتغل عليه كلنا..!!!
    و رغم تلك التحفظات العابرة ، اغمطك لحد الفرح ، جراءتك في التدخل لإجتراح مفهوم الكتابة ..و هنا يا صديقي تظهر محليتي على اصدق تجلياتها ، فحينما ابتدأت حديثك هنا ، قرأته لأكثر من مرة ، و انا احاكمه بمعايير محليتي اللعينة تلك ، و من تلك المحاكمات التي اجريتها في تخيلاتي الخاصة (و هي عملية تعليم اتبعها كثيرا في تجربتي في هذه الحياة ) ، كيف يمكن اجتراح مفهوم للكتابة في مجتمع ، ثقافته الخاصة ، تقرا اكثر مما تكتب؟..كيف اجتراح مفهوم للكتابة ، في مجتمع لا يكتب الإ بالكاد؟..تحدثنا حفريات التاريخ السوداني ، ان في السودان حضارات كاتبة عاشت قبل قرابة العشرة الاف سنة ، و لكن المعضلة ، أن مثل ذلك التأريح الإيجابي الباهي ، نادرا ما يحتفل به انسان السودان ، و ما يحزنني لحد الموت أن الأخر الثقافي /الحضاري ، يقرأ ذلك التأريخ و يعطيه حقه في الريادة..!!.. شفت المحنة كيف يا صديقي : تأريخك ، الناس تحتفل بيهو..و انت بتقمع فيهو بدعوى الأصولية الدينية أو الشوفونية العروبية الخائبة..!!!!!!

    بيد أني ، فرحت كثيرا ، حينما تعرض الأمر لحدود النظرية النقدية ، و كيفية التعبير عنها و ادبياتها الخاصة ( حليلك يا البرنس و انت لسع بتقرأ هاشم صالح ، و الله من عنت الزمان ، ظننا انه من الكائنات المنقرضة.. انا احب قراءة هاشم صالح و علمني الكثير في هذه الحياة.. و احب ان اقرأ ميشال فوكو..طبعا بعد ما جينا كندا ، تيسر لنا التفريق بين ميشال و ميشيل..، و كذا الرفاق الأحباب (رفاق دي حاجة من عندنا في الدلنج ..و درجنا أن ننادي انفسنا اولاد و بنات بكلمة رفيق..و حينما يعجبنا احد.. لا نتورع أن نقول.. الرفيق دريدا.. الرفيق.. ليوتارد.. الرفيق جيل دلوز.. الرفيق فليكس غوتاري..الرفيق علي الشوك.. الرفيق محمود درويش.. الرفيق توفيق زياد..الرفيق امين محمود العالم.. الرفيق محجوب على عثمان.. الرفيقة سلوى جمعة.. الرفيقة وداد وقيع الله ..الخ)..و في محاججة الذات و عن نسبية تعبيرها عن ذاتها ( لا اخفيك عجبني التنظير في الحتة دي ..!!) سوف نعود ان تيسر لنا امر العودة هنا..!!!!

    جيد يا صديقي ، انك تعرضت لوعي الكاتب ، كمنجز لفعل الكتابة ، في تشكليل مفهوم الكتابة ، و هنا.. اهديك و متابيعك الأكارم ، تجربة للتفاعل مع هذا النهج..
    لازلت يا صديقي ، اؤمن بكائن وسيط اسمه الراديو ، و عجبت يا البرنيس لحد الإندهاش حينما زرت السودان في اكتوبر/ نوفمبر 2012 ، و اكتشفت اختفاء هذا الوسيط الثقافي الفاره ، ولازلت استمع للراديو..و هو كائن يهديني اليقين و رحمن الذات (على قول صديقتي الجميلة اقبال الياس ) ، و كنت قد استمعت للحوار مع كاتبين.. احدهما الأمريكي كريك جونسون ، و هو كاتب لا يتورع عن تعريف نفسه بانه راعي بقر (شفت المحلية دي كيف مسيطرة علينا؟!!!) و يحكي للمستمعين و المستعمات.. تجربته في كتاب الرواية البوليسية..و الأخر هو الكاتب السويدي ، الفاره ، هينغ مانكيل ، و هو الآخر يكتب رواية بوليسية..!!!
    الكاتبان ، يتحدثان عن مفهوم الكتابة من ناحية عملية ، جونسون ، الأمريكي الخواجة القح ، لم يجد غير قبائل الهنود الحمر ليكتب عنها ، و يحكي تفاصيل المعاناة في اجتراح مفهوم للكتابة في واقع يعج بالمتناقضات.. حينما يعيش الرجل الأبيض في اوساط الهنود الحمر ، ثم يكتشفهم ، ثم يكتب عنهم..!
    اما الرفيق مانكيل (اغفر لي محليتي ، رفيق هنا استقيتها من واقع ثقافتي و تكويني المحلي في الدلنج ، فكل من يقول ما يعجبنا ، فهو بالطبع رفيق..!!!.. و يا البرنس انا ماني شيوعي ، ولا اصدقائي و صديقاتي في الدلنج.. و الله صحي..!!!)..فهو سويدي يكتب رواية بوليسية..و الرجل عاش في افريقيا سنينا عددا..و كتب روايات عديدة منها (رجل من بكين)..و الرواية سمح بتداولها في امريكا و كندا في سنة 2010..ثم روايته الجميلة (دماغ كيندي)..نشرها باللغة السويدية في 2005..و ترجمتها الى الإنجليزية لوري جونسون في 2007
    اما ما لفت نظر في مانكيل ، خصوصا فيم يتعلق بمفهوم الكتابة ، فهي تجربة الرجل في افريقيا ، و هو الذي عاش سنوات في موزمبيق و زمبابوي وزامبيا ، و هو الذي قال مقولات ، عندي عظيمة ، منها ( افريقيا جعلتني ان أكون الإوروبي الإنسان ، اشعر بانسانتي الضائعة )..و (و اننا كعالم غربي ، نعرف عن افريقيا الفقر،المرض ، الحروب ، و لكنا لا نعرف افريقيا الحياة ، الإنسان الذي يخلق وجوده الخاص الإيجابي)..!!!

    كتب مانكيل روايته الشهيرة ( دماغ كيندي) ، و الإسم مستلف من واقعة اغتيال الرئيس الأمريكي جون جيفري كيندي و اسطورة اختفاء دماغه ، و السؤال اين ذهب هذا الدماغ؟!!!.. الرفيق مانكيل ، يقول ان دماغ كيندي ، ذهب لأداء واجبه المقدس في اماكن اخرى.. تحديدا افريقيا..و في تلك الرواية ، يتحدث مانكيل عن مفاهيم كبرى.. مثل لماذا انتشار الإيدز في افريقيا؟..عن الفساد بكل معانيه ؟.. عن البسطاء حينما يصبحون فئران تجارب لعقارات طبيه ينتجها راس المال العالمي بفرضية نجاحها أو فشلها؟..

    في حوار مع مايكل انريايت (ياخي زول فيهو عمق بيذكرني محمد الكبير الكتبي.. الزول ده وين يا عالم هوي؟) ، بث في الإذاعة الكندية في برنامج (افكار) لبول كينيدي ، حكي مانكيل تجربته مع افريقيا و الهامها روايته (دماغ كينيدي)..و حكي تجربته مع الطفلة اليوغندية (عايدة)..و التي عرضت عليه رسومها الصغيرة ثم قالت له ( كانت لي ام ، و تحب الفراشات الزرقاء..!!!) ، و عايدة تلك هي اخر افراد اسرة قتلها مرض الأيدز و افناها عن بكرة ابيها..!!!

    و ان جاز لنا ان نذكر شيئا عن مانكيل ، فالرجل يساري ..و حاول الإنضمام للحزب الشيوعي النرويجي (ابان منفاه الإختياري في السيتينات)..و شارك في مظاهرات الطلاب في 1968 المناهضة لحرب فيتنام ، و هو الذي شارك في مناهضة استعمار زيمبابوي.. و شارك في مظاهرات في مناهضة الأبارتيد في جنوب افريقيا..و شارك في مظاهرات المراكب الصغيرة (فلوكات) في قطاع غزة 2010 لفك حصار اسرائيل على قطاع غزة..و هو الذي يشغله كثيرا الإجابة على سؤال اساسي : لماذا دارفور؟.. لماذا ما حدث في دارفور حدث؟..
    كيف نجعل العالم افضل يا البرنس؟.. هينغ مانكيل ، يهرب الى افريقيا ليكتشف في ذاته الأوروبي الإنسان أو افضل اوربي على وجه الأرض ، و اخرون امثال ابكر ادم اسماعيل ، عبد الحميد البرنس ، محمد النور كبر ، حسن موسى ، عبد الله بولا.. اسامة الخواض ..طه جعفر، يهربون الى الغرب ليكتشفوا فيهم افضلية ألأفريقي ، انسانيته ، جماله..الخ!!!!؟؟؟؟

    لم تهزمنا المرارة ، يا صديقي ، و نحن نقاتل واقع البؤس و الردة العظيمة ، و انما هزمتنا مياعة من نظن فيهم بحسن نية ، انهم في خندقنا الذي نظن فيه انه ينتج الغد..!!!
    الحرب يا البرنس ، ثيمة حاضرة في مشهد الحياة السودانية ، و لم نكتب عنها ، و لم تسعفنا كثيرا في صياغة مفهوم الكتابة.. فمن نحن بالضبط؟؟؟..و الى اين نحن ذاهبون؟؟؟

    معك لنصيغ مفهوم الكتابة في محيط ثقافة يقرا اكثر مما يكتب..!!!

    فيما يخص تذكار ميشال فوكو ، لي خاطرة كتبتها 2009 عنه ، و صدقني بحسب التساهيل هنا ، ان وجدت من يستسيغها و يطلبها ، سننشرها ، و ان لم تجد ،فنسحتفظ بها لذاتنا الأمارة بالموبقات و السوء الذي يسعدنا كثيرا (يعني ممكن الواحد يتجاوز اعادي و يتفرج ليهو في فيلم بتاع افريكان امريكان ، و يطمئن روحو انو بحيتفل بالبلاك هستري منث..!!)



    و دمت
    كبر


                  

02-06-2013, 07:00 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: Kabar)

    إلى حين عودة:

    Quote: إهتم أتباع المدرسة الشكلية بالنص و يري موخاروفسكى أنّ النص إستخدام خاص للغة و بالتالى فهو خروج على اللغة المعيارية ( لغة الأحداث اليومية و الصحافة و العمل ) إلى اللغة الشعرية و ذلك من خلال تحويل اللغة غير الفنيّة إلى لغة فنيّة باستخدام الكلمات فى غير مواضعها المعتادة و تسمِيَة الأشياء بغير مسمّياتِها و تحويل اللغة المعتادَة و التى هدفها التواصل و الإخبار - إلى لغة غير معتادَة هدفها الإستمالة و تحوير المعانى و إعادة صياغتها بشكل خلّاق يضيف إليها مزيدًا من الجمال و يخرجها من نفق الرَتَابة.

    أكون شاكرًا لك إذا أضأت لى الجزئيّة الخاصّة باللغة الشعريّة سواء أكان استخدامها فى الشعر أو القصّة أو أىّ جِنس أدبي آخر .
                  

02-07-2013, 06:19 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    تحياتي، أخي وليد:

    على الوجاهة الظاهرية لتعريف موخاروفسكي أعلاه للنصّ، إلا أنّه يصعب القبول به، بعيدا عن النقد الموجه للاتجاه الشكلاني، كاتجاه يركز على المسائل اللغوية والنصية "المحضة"، على حساب ما تسميه دراسات ما بعد الكولونيالية "التجربة"، التي ينظر إليها، من داخل الاتجاه الشكلاني وجوهريا، على أنها "ضرب من البانوراما العقيمة"، ما يدفع القرّاء، حسبما يمضي إدورد سعيد في مقال حمل عنوان (النقد والمنفى)، بعيدا عن التجربة ويدفعهم عوضا عن ذلك نحو الشكل والشكلانية"، فمفهوم النصّ يتحول هنا، حسب سعيد نفسه، إلى شيء يكاد أن يكون معزولا بصورة ميتافيزيقية عن التجربة، "فحكم السيميولوجيا، والتفكيك، وحتى توصيفات فوكو الأركيولوجية، على النحو الذي شاع تلقّيها به، كل ذلك اختزل ما في "الحياة" والتجربة التاريخية من نواح متّسخة وملوّثة بل وأزالها في كثير من الحالات". ولعل أحتفاء سعيد بالتجربة، على صعيد مقاربة الأعمال الأدبية، بمثابة علامة دالة على الاهتمام المسيطر على تلك الرؤى المنتمية لدراسات ما بعد الكولونيالية، حيث تولي عناية ملحوظة للكشف عن "البدائل الأخرى"، أوالمؤسسات، أودور السلطة التكويني الحاسم، وما إلى ذلك مما تمّ اقصاؤه أواستبعاده ضمنيا أواهماله بواسطة الشكلانية، على أساس نفورها المركزي عن (الآني)، أوالوقائع، أوالتجربة المباشرة. وهنا يمتد هاجس التركيز على "التجربة" ليشمل حتى تلك التجارب النقدية التي نُظر إليها من قبل بوصفها تصورات تمنح للتجربة دورها الفاعل ولكن "غير المباشر" داخل النصّ الأدبي. حيث يشير سعيد بألمعية إلى أن كل من لوكاتش وإليوت حدد ما بذلاه من جهود في اطار "إقامة مسافة بين قوى العقل الإبداعية التي تعمل عملها من خلال اللغة وفي المقام الأول وبين التاريخ الآني، حيث تُنْتِج الأولى بنية جديدة وجرئية، أو"كلية مُفتّرضة" كما دعاها لوكاتش، تقف إزاء مواطن ضعف الثاني وظلمته. لقد كان هذان الرجلان قريبين (!!!) في رفضهما ألم التجربة لصالح الشعر في حالة إليوت، ولصالح النظرية المتمرّدة في حالة لوكاتش". واضح أن سعيد، كأحد العلامات البارزة في سياق نقد ما بعد الكولونيالية، يرى ان دراسة الأدب ليست تجريدا، كما في حال الشكلانية النموذج الأكثر وضوحا، بل "تتوضع على نحو لا سبيل إلى انكاره أومناقشته ضمن ثقافة يؤثّر وضعها التاريخي على قدر كبير مما نقوله أونفعله، هذا إن لم يكن يحدّده". فسعيد حين يستخدم مصطلح "التجربة التاريخية" طوال الوقت "لأنّ الكلمات ليست تقنية ولا باطنية بل تشير غلى انفتاحٍ بعيدا عمّا هو شكلي وتقني باتجاه ما هو حي، وصراعي، ومباشر". ربما، لهذا، يحتفي سعيد، كذلك، بالنقدين النسوي والاثني، أي أنّه يقف على الجانب الآخر من أولئك المؤوّلين الذين أشار إليهم بول دي مان بوصفهم "لا يحوزون وسائل واضحة لمعالجة الاقصاء أوالتعامل معه".

    يتبع:
                  

02-08-2013, 10:56 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)


    كتب جلال عمر:
    Quote:
    اخونا كبر.. تحياتي .. السؤال الكبير لمن يكتب الكاتب او لمن تكون الكتابة في الاولي خصوصية لا اقول مطلقة و في الثانية..عمومية تحتمل الاختصاص .. واساس الكلمة موقف وتبقي صدقية الكلمة في رسمه ولا اقول نقله في ذاكرة الانسانية.. اتفحفنا بهذه التداعيات و غوص في المحلية لمن تقول ألحقوني وبنلحقك بالقرايا.. لك مودتي


    جلال.. حبابك يا صديق
    اصالة عن نفسي و نيابة عن الصديق عبد الحميد .. ارحب بك في هذا الخيط..و بقية التعليقات من الفيس بووك.. و هي بكل صدق تفاعل صادق يثير كثير من المفاتيح التي تحتاج اضاءات..
    سؤال لمن يكتب الكاتب.. هو سؤال وجيه و مشروع .. طالما كانت الكتابة (كما نفهمها) هي رسالة تتجه الى متلقي..و لكن موقف الكاتب (و تحديد لمن يكتب بالضبط ).. هذا نتركه للسادة الكــُتاب (نحن يا قريبي لسع مع ناس العمل بالمشاهرة..و في تعريفات الكـُتاب التقليدية .. لم نبلغ بعد مرحلة الكاتب.. عشان كده ما بنقدر نفتي ليك كتير في الحتة دي و نتركها للسادة الكــُتاب.. حتى لا نوصف عند الله متهجمين ساكت)..!

    اما جزئية لمن تكون الكتابة.. فهنا ممكن نجازف بعض الأراء.. لأننا في الأساس قراء.. يعني مستهلكين لمنجز قام بانجازه الكاتب..و قد اجترحنا تجربتنا الخاصة في هذا المنتدى و سميناها (تواصل)..و في احدى قنوات التواصل تلك قلنا (
    Quote:
    تؤسس الكتابة ، بوصفها عملية ابداعية ، علاقة رباعية الأطراف : كاتب (منتج/منجز) ، نص(منتوج/منجز)،قراءة(استنباط المعنى/تأويل النص) و قارئ (مستهلك/فاعل التأويل)
    *

    و كان ذلك في خيط بعنوان (جمال الفوضى ، فوضى الجمال: تواصل مع سرد عثمان محمد صالح).. نشر في ابريل 2007 في هذا المنتدي و موجود بمكتبتنا..
    و ذلك النهج هو محاولة يائسة للغاية لإستعدال حال مقولة سادت ردحا من الزمان في وسط ثقافة الناطقين و الناطقات باللغة العربية و التي تذهب الى القول بمقولة (موت الكاتب)..و نحن قلنا أن بقية المفهوم أن موت الكاتب بالضرورة يعني (حياة القارئ)..و هي الجزئية التي ذكرها صاحب مقولة (موت الكاتب) و لكن الناس تتعمد تجاهلها و تقف فقط في حكاية (موت الكاتب)..!
    فالكتابة تكون يا صديقي .. حينما تكون حياة لمن يقرأها..اما اٍن كانت موت له أو اسقاط له من الحساب.. فهي قد تكون أي شئ اخر الإ كتابة..!

    هذا الفهم هو الذي جعلني القى بخلاصتي عن واقع ثقافة السودان و اهله ، باعتبارها ثقافة (قارئة).. أي تكثر فيها القراءة اكثر من انجاز الكتابة..و هذه الوضعية ما جبتها من عندي.. و هي تحصيل حاصل..و لقد انتبه لها استاذنا دكتور حيدر ابراهيم علي حينما اسس مركز الدراسات السودانية في القاهرة في تسعينات القرن المنصرم..و قال في رسالة المركز الأساسية.. اعتراف بسيادة ثقافة المشافهة في الممارسة الثقافية السودانية و بالتالي محاولة كسر هذا التقليد..و ذلك عبر تأسيس ممارسة للكتابة كمنجز انساني..!
    و من خلال قراءاتي الخاصة.. اقول أن الثقافة السودانية .. على الأقل في تأريخها القديم.. كانت ثقافة (كاتبة).. أي منجزة لفعل الكتابة ..و لكن منذ دخول العرب والإسلام في السودان.. تحولت الى ثقافة (قارئة) أي تعتمد على منجز الغير الدخيل..!!!..و هذه الخلاصة لها شواهدها مثل مجلة اركماني التي تحاول ان تعرض في المشهد الثقافي السوداني حفريات تتعلق بحضارات السودان القديمة و كيف انها كانت حضارات (كاتبة).. تكتب تجربتها الأصيلة و تخلدها بطرائقها الخاصة..و هو نفس المشهد الذي لفت انتباهي اليه الأستاذ عبد الهادي الصديق في كتابه الجميل (اصول الشعر السوداني)..!

    و الكتابة عندي ، هي تلك التي تتناول ثيمات عابرة لمحيطات الزمن و تقلباته.. مثل كتابة الفلسفة.. الأدب..الفكر..الخ.. فهذه كتابة تبقى حينما يذهب اهلها في رحلة الفناء التي لا مناص من العبور بها.. اما نفعله الآن.. خصوصا بعد سيادة تكنولوجيا التواصل و منجزاتها التي قربت المسافات كثيرا.. فهذه ليست كتابة..و انما هي ممارسة للحق في التعبير.. و تختلف عن الكتابة الواصلة (ناس فلسفة و فكر و ادب) في انها كتابة مشغولة كثيرا بالآني و المرحلي...و هي كتابة تكون في معظم حالاتها عبارة عن رد فعل.. يعني غير اصيلة..فالتعليقات السياسية.. الرياضية.. السيوسيولوجية.. الخ.. هي رد فعل محدد و آني..
    فثيمات مثل ثيمة الحب.. الحرية .. العدل.. الصدق.. حينما تنكتب كرواية.. ستبقى كشاهد للأجيال القادمة.. اما حينما تنكتب في شكل رد على سؤال.. أو انفعال مرحلي مؤقت فانها يصعب ان تكون كتابة..!!!

    و بالطبع .. لابد من أن نجلد الواقع جلدة جلدتين..فهناك علاقات السلطة.. التي تتجلى في الهيمنة بكل معانيها..و من تلك الهيمنة .. محاولة مشروع ثقافي معين السيطرة على الأمور و فرض رؤيته و تصوراته..مثل مشروع الإسلام السياسي ، و اخر تجلياته سيطرة الجبهة الإسلامية على الحكم في السودان ، فهذه السيطرة لم تكن مجانية..و الناس اليوم يا صديقي بتتكلم على المستوى السياسي فقط..و لكن هناك مستوى ثقافي و اجتماعي و اخلاقي..فرض سيطرته الخاصة.. و من عجب هذا المستوى ذكي للغاية..و اكتشف من وقت مبكر ان واقع الثقافة السودانية انها ثقافة قارئة.. فجفف كل مصادر التنوع في القراءة..و فرض قراءة واحدة فقط.. هي قراءة كتب الدين و شروحها..و ما عدا ذلك فرضت عليه القيود الأخلاقية و الجمالية (من ناحية معنوية).. ثم المصادرة المادية من ناحية عملية..و حينما نحن نفعل الكتابة (رد الفعل ، أو التعليقات الثقافية و السيوسيولوجية الآنية)..نكون قد فعلنا فعل المقاومة و محاولة اعادة اكتشاف الحياة المغايرة..و في هذه الحال.. يكون التحدي اكبر.. لأننا يجب ان نكتب لهذا المسخ المشوه الذي انتجته افعال المصادرة.. سواءا كانت واضحة (مثل المنع و مضايقة الكتاب) أو ضمنية.. مثل أن توسع في قاعدة التعليم (تبني ليك عشرومية جامعة).. ثم تملأ محتوى هذه القاعدة بما يؤسس لك استمرارية الهيمنة..!!!

    الخلاصة.. أي زول/ة عندو القدرة يقول (بغم) عبر كتابة التفاعل (التابعة)..و امكانية استغلال منجزات ثورة التكنولوجيا.. عليه/ا أن يفعل ذلك.. لأن هذا هو واجب المرحلة..و حينما نؤسس العدل و الشفافية.. ممكن بعد داك نتفرغ للكتابة الواصلة..و هنا يحق لنا أن نتخير لمن نكتب..!!!

    و دمت..
    كبر



    ــــــــــــــــــــــ
    *عطفا انظر:

    جمال الفوضى/فوضى الجمال: تواصل مع سرد عثمان محمد صالح
                  

02-09-2013, 11:19 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: Kabar)

    ولكن، إذا نظرنا، في هذا السياق، إلى النصوص الأدبية عامة، بوصفها ترميزا، "للتجربة التاريخية"، أوتشفيرا لها، عبر ما يسميه إدوارد سعيد "الشكل الجمالي أوالفني"، من حيث إن الشكل بناء ينطوي على توظيف لغوي وأسلوب خاصّين- تبدو لي مقولة موخاروفسكي، حين يتعلق الأمر تحديدا بلغة الشعر، على درجة من المعقولية، بوصفها لغة لا تحيل، على نحو مباشر ودقيق، إلى معنى قياسي قائم خارجها، فما يميز لغة الشعر، حسب موخاروفسكي، هو مدى قدرتها، في الأخير، على الانتهاك، أوالانحراف، عن الأنساق الدلالية للغة التواصل، أوأي صيغة لغوية استهلاكية، أونفعية، ذات معان تداولية، "فإذا كانت اللغة العادية تلتزم مجموعة من القواعد النحوية والصرفية والتركيبية المتواضع عليها، فإن اللغة الشعرية تنفلت من قانون التقعيد لتؤسس نظاما خاصّا بها على المستوى الصوتي والتركيب الدلالي". لكن موخاروفسكي، وهو المقيد برؤيته الشكلانية للنصوص، لا يصل، باعتقادي، إلى ما هو أعمق، أوأبعد، كأن يطرح مثل هذا التساؤل: لماذا اللغة الشعرية مفارقة وفق ذلك النحو للغة المعيارية.
    يمكن العودة هنا، في ظني، إلى جوهر الشعر نفسه، بوصفه تعبيرا جماليا، على الأقل في صيغه المتقدمة الأكثر دلالة، عمّا يدور في تلك المناطق المظلمة من النفس، حيث يمور عالم الكوابيس والأحلام وترسبات اللاوعي الأخرى، وحيث تبهت تماما، أوتنتفي إمكانية الإحاطة بهذا العالم من خلال نظام عقلي أومنطقي أوموضوعي للغة، نظام قد يأخذ شكل علامات أوصور أوكلمات ذات حمولات جماعية مشتركة. أي أن الشعر يلتقط مادته، ويصوغها، في زعمي، من مخزون الانفعالات الكامنة، كبركان خامد، على مستوى اللاوعي، متأهب لحدوث المثير الملائم، كيما تتفجر لحظة الخلق الشعري. إن الشعر يتشكل، بصيغة أخرى، عبر فضاء تلك المنطقة الباطنية القارة داخل النفس، بل والحاضنة، كذلك، إلى جانب الأحلام والكوابيس، لما يمكن تسميته "بذرة عالم الجنون"، أوالامكانية المحتملة للانفصال، في ظلّ ظروف معينة، عن العالم الخارجي وتهدم جسور التواصل معه، على نحو كامل وكلي يشمل حتى أنظمة التواصل اللغوي ذات البعد المعياري. لكن الشاعر يذهب، على خلاف "المجنون"، إلى تلك المنطقة النفسية المظلمة، ثم يعود تاليا، إلى عالم اللغة المعيارية، بعد افراغ شحنته الانفعالية، على نحو يسم عودته بما يشبه "التطهر الذاتي"، وهو شعور بالراحة عابر، يخلق حالة مخادعة من إمكانية للتعايش بينه وبين العالم الخارجي، أوفلنسمها إقامة توازن بادٍ كهدنة صلح زائف في سلسلة المعارك المستمرة ما بين الوعي "الممكن" والوعي "الكائن". ولا غرابة هنا، كما يتردد، أن يقبل شاعر، في قامة محمود درويش، أثناء مخاض الخلق الإبداعي، على تشيم صحون الصيني. وإذا كانت الرؤية الشعرية تتشكل، بناء عليه، عبر الفورانات النتجة داخل منطقة اللاوعي، حيث يقارب الأخير موضوعات العالم الخارجي، بلغة مفارقة للغة المعيارية، فما يفعله الشعر، باعتقادي، أنّه يحاول الامساك بمواد اللاوعي تلك، ومنحها بالتالي ما يمكن تسميته أَنْظَمَة الفوضى، أومَعْنَنَة ما هو عصيّ على الفهم والادراك، بواسطة اللغة المعيارية وأنظمة التفكير الخاصّة بها.

    http://www.fikrwanakd.aljabriabed.net/n37_05kanuni.htm

    http://www.al-madarek.com/modules.php?name=Ne...file=articleandsid=554

    http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=5384

    http://www.alnoor.se/article.asp?id=32498

    http://www.islammemo.cc/print.aspx?id=3977



    يتبع (اللغة السردية):
                  

02-11-2013, 05:13 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    أعني، بلغة السرد هنا، لغة القصة والرواية، على سبيل الحصر. وأجدني أغامر، بالقول مرة أخرى، أن لغة القصة والرواية لغة معيارية، على مستوى ما يسميه بعض النقّاد "البنية السطحية للأدب".، حيث يمكن احالتها، عند هذا المستوى، إلى نظام اللغة القائم خارج الشكل الجمالي أوالفني. وهذا لا يعني، بالضرورة، أن السرد الأدبي مجرد انعكاس آلي مباشر وحرفي للوقائع، أوحتى محاكاة أوتصوير فوتوغرافي للتجربة التاريخية المعاشة. وهو ما نفاه جورج لوكاتش ذي المرجعية الماركسية، في "التاريخ والوعي الطبقي"، في خضم رؤى ماركسية طفولية عملت جاهدة، داخل حقل الصراع الآيديولوجي العام، على توظيف الفن توظيفا مباشرا لخدمة أغراض سياسية؛ بقوله "إذا كانت هذه هي الوقائع فبئس الوقائع إذن". بل يعني، بصيغة مقابلة، أن ما يميز لغة القصة والرواية، ويمنحها سمتها الجمالي، يتشكل عبر ما يسميه أولئك النقّاد "مفهوم البنية العميقة للأدب". ذلك أن ما يجعل لغة السرد لغة مفارقة، للغة المعيارية، كامن هناك، في عملية التشكيل، التي تمنحها فرادتها. فإذا كانت اللغة المعيارية وسيلة العمل الفني، إلى بناء عالم مفارق، فإن الطريقة التي يتمّ بها هذا البناء، هي التي تعمل، في الأخير، على اكساب اللغة المعيارية إمكانية التحول، في هذا السياق، إلى لغة إبداعية. وبُعد التشكيل هذا، هو هو نفسه، ما يؤكد عليه إدورد سعيد، بقوله "فالأدب جميعا، بمعنى محاكاتي ضيق معين، هو "نسخة" من شيء ما؛ والأصالة في واقع الأمر هي فنّ إعادة تركيب المألوف"، سواء على صعيد "النوع"، أوعلى صعيد "الوقائع".

    يتبع (أمثلة لكيفية عمل التشكيل):

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 02-11-2013, 05:17 PM)

                  

02-12-2013, 12:35 PM

Amin Mahmoud Zorba
<aAmin Mahmoud Zorba
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 4578

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)


    سلام للجميع
    وشكراً كبر على التحية
    ولك مودتي وتقديري
    امنيتي أن أشارك في هذا الخيط
    ولكني احس دائماً أن من الاجمل أن اتابع
    فمعكم نتابع

    _____

    يا برنس
    يظل باتريك من اميز من كتب ( فيما يخصني )
    ولكن أعتقد أن الحمامة مفصل قائم بذاته
    فالصورة القوية المنقولة عن الممنلوج الداخلي لبطل الرواية
    تعكس قمة الابداع والتصوير لجانب في الروح عميق جداً
                  

02-12-2013, 07:12 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: Amin Mahmoud Zorba)

    يحضر الآن، إلى ذهني، من ضمن أمثلة عديدة أخرى للتشكيل، مسألة كيفية إنتاج الدلالة، على مستوى الوحدات الصغرى للنصّ. وهي العملية، التي تتحول عبرها الكلمة، من جذرها المعياري، كعلامة تواصل يومي، إلى بعدها التركيبي، كرمز، أوكشفرة قابلة للتأويل وتعدد القراءة، في سياق بنية كلية أشمل. وإذا كانت الدلالة تنهض، في بُعدها الأوليّ هذا، على جدل المبنى والمعنى، فإن قول أشياء عديدة، بأقلّ عدد من الكلمات، من شأنه شحن المفردة بطاقة فكرية وتأثيرية عالية. ويمكن العثور، على أهمية هذا الإجراء، عند الشق ذي الصيغة السلبية النافية، من تعريف جورج لوكاتش للأدب، بوصفه "طرح كل ما هو غير جوهري" جانبا. ومفهوم الطرح، بمعنى الاستبعاد هنا، يشكل تقنية مهم، في زعمي، على طريق "التكثيف"، الذي يعمل، لا سيما عند إعادة الكتابة، على التخفيف، أوالتخلص، من التأثير الضاغط للحظة الراهنة على الكاتب، بوصفه ابن لحظته التاريخية. ومن هنا، من هنا بالضبط، ندرك الأهمية، أوالعناية القصوى، التي يوليها كاتب، في قامة ماركيز، لإحدى التقنيات السردية غير المرئية، بالغة الأهمية، وأعني: الحذف. فأنت ككاتب، في أعقاب ما يمكن تسميته "دفقة الإلهام الأولى"، بحاجة ملحة، إن جاز التعبير، لتنقية ما قمتَ بكتابته مما هو عابر وثانوي ومغرق في الذاتية، في مقابل تدعيم بُعد الاحتفاظ بما هو إنسانيّ عام ومشترك وقابل للبقاء كتوقعات محتملة.
    وعلى صعيد مركب، أوأكثر تعقيدا وشمولا، تأخذ لغة السرد الأدبي بُعدها المفارق، لأصولها المعيارية، عن طريق الكيفية التي يتمّ بها بناء المشهد، كفضاء قائم على خلق حالة من التوتر، أوالجدل الناشيء نتيجة التنازع بين المتناقضات، كموقف المُتدين أمام إغراء حسناء في ظروف آمنة، هكذا سواء تمثّل ذلك على مستوى نزوع الأفراد الذاتي ومحاولة اختبار خروجهم على منظومتهم الثقافية، أوعلى أي مستوى صراعي آخر، كأن يتراجع المُلحد عن آرائه في ظلّ اليقين الماثل بدنو موته الشخصي. مما يُولد حركة مستمرة، حسب كولن ولسون، من "الشحن والإفراغ"، مما يخلق بدوره مسارا تصاعديا للأحداث، ويهب اللغة بالتالي ثُعدها الحيوي، ويُضف إليها طابعا استثنائيا قادرا على حمل التبدلات التي تتمّ على الناس والأشياء.
                  

02-13-2013, 00:39 AM

محمد يوسف طه
<aمحمد يوسف طه
تاريخ التسجيل: 01-10-2013
مجموع المشاركات: 434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: هنا، تبدو الكتابة، في تصوري، على درجة عالية من الخطورة. وخطورة الكتابة تتمثل، حسب فهمي لها، في موضوعها وهدفها في آن


    متابعين.
    برغم صعوبة اللغة المستخدمة.!!
                  

02-13-2013, 05:52 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: محمد يوسف طه)

    إلى حين عودة:

    http://www.doroob.com/?p=13048



    Quote: ما عادت الكتابة قضية انما هى شهوة
    يمارسها المثقف كطقس من طقوس اشعاره بانه متفرد وجبار وقوى ويملك ما لا يملكه الآخرين

    ان الكتابة فعل يمارسه البعض كنوع من التنفيس والبحث عن مواز متخيل لرعونة فكرة المثقف كامل الدسم

    ما عاد الناس يكتبون هنا لانه فعل ناقص

    ومعتل


    لانه المقابل قليل

    اما هناك حيث البحث عن خيال مآتا هو نوع من الجلوس فى مقود عربة اسمها الشهرة والتفرد

    به يمكن ان يغمط الاخرين ام يمسحهم او يكتبهم اغبياء او يمارس معهم قيادتهم تحت اباطه

    مزعج جدا فكرة انك الاقوى والافضل والاجمل والانقى والاحسن

    شكرا لصاحب هذا البوست المحفز للبحث عن التاصيل لفكرة الكتابة والنقد
                  

02-14-2013, 06:50 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    مداخلتك الأخيرة، بدت لي بدورها محفزة، على أكثر من صعيد، لكنني، ربما لأنّها تذكر بإلحاحِ موضوعة الهوية، سأركز على هذه النقطة:

    Quote: مزعج جدا فكرة انك الاقوى والافضل والاجمل والانقى والاحسن


    في ظني هنا، أخي محمّد، تأخذ الكتابة صفة كونها "مزعجة"، حين تكون كتابة "نقدية"، لا تركن إلى المسلمات، أي تحمل قدرا من التشكك تجاه الثقافة "السائدة"، كطريقة حياة. بل، وأكثر، حين تكشف الكتابة، حسب عبدالله الغذامي، عن "القوالب الأسطورية والأشكال اللاهونية"، التي قد تنطوي عليها "الخطابات البديلة"، أوتلك الرؤى الفكرية والسياسية، التي تقدم نفسها، في حقل الصراع الآيديولوجي العام، بوصفها رؤى "عقلانية"، أو"تقدمية"، فيما هي، وفق ذلك النحو، بمثابة "نسخة" أخرى، سمها "حديثة"، مما تحاول نقضه وتجاوزه. ذلك أن "الوعي السائد"، كسلطة وبنياتِ هيمنة، لا تقلقه أنواع، أوأشكال الكتابة المسالمة أوالتساكنيّة، التي تراوح داخل حدود مرجعيته نقلا وشرحا وترويجا، تلك الكتابة التي تفسِّره وترسّخه معترفة به، كقاعد انطلاق ومقياس أوحد متعال. بقدر ما يزعجه عمل الكتابة النقدية، تلك الكتابة التشريحية، التي لا تني تضعه موضع وصف وتحليل، مؤكدة على تاريخيته وإمكانية تجاوزه، موضحة مواطن انسداده، أومدى صيرورته إلى كابح لعجلة التطور، وكاشفة في آن عن علاقات القوى صاحبة المصلحة في ثباته واستمراريته وبالتالي محاولة تأبيده.

    إلى ذلك تبدو لي صيغ أفْعُل التفضيل، من شاكلة أقوى وأفضل وأجمل وأنقى وأحسن، ناهيك عن إضافة ألف ولام التعريف إليها، بمثابة صيغ تعبر، كما تعلم، عن نزوع مثالي، على مستوى مقاربة الواقع. وهي صيغ تحيل، بغض النظر عما بدا لي "لا قصدية" من جانبكم، إلى مرجعية شمولية إقصائية، لا تؤسس فحسب لثقافة أحادية المنظور، بل تتعدى ذلك كاشفة، على مستوى المحذوف أوالمضمر أوالمُساند، عن موقع الآخر، في خطاب مثل تلك ثقافة. لكنّ الأمر يزداد تعقيدا وخطورة، في تصوري، عند مستوى بنية مجتمعية ذات تعدد وتنوع ثقافي وعرقي، لا سيما حين تكون تلك الثقافة الإقصائية تحديدا، في (موقع سيادة)، من مهامه (فرضا أونظريا) دمج ونوحيد المجموعات الثقافية والعرقية (سلميا)، وصولا إلى ما يسميه برهان غليون "هوية قومية" جامعة.
                  

02-15-2013, 06:32 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    حبابك ألف، يا كبر:

    أما على صعيد مداخلتك الأولى، أيها الصديق، تلك المداخلة المترعة، كثافة، برحيق الذكريات ووهج الحنين، فقد أسرني حديثك، تماما تماما، عمّا أسميته "الإنسانيّة الفيّاضة"، لدى مصطفى سيد أحمد. وأسرني أكثر، تعريفك الدقيق المتقن، في السياق نفسه، لمعنى تلك الإنسانية، كطاقة خلّاقة "تتجاوز الأطر المصنوعة، لتخاطب إنسانها الذي يسمعها ويتجاوب معها.. غضّ النظر عن كون هذا الإنسان وموقعه". ولعل منشأ هذا الأسر مرده يعود، في ظني، إلى أنّك لامستَ، ببراعة استثنائية، أكثر عناصر الإبداع المُبلورة، باعتقادي، لديمومته وبقائه وقوة تأثيره. فما يمنح الكتابة الإبداعيّة توهجها، على نحو حاسم، ليس ليس مهارة الكاتب اللغوية أوبراعته الأسلوبية أوتمكنه الفكري أوثقل معرفته، على الأهمية القصوى لكل ذلك؛ بل مدى العمق الإنساني الذي يُكتب به.

    ثمّ دعنا نعرّج، تاليا، إلى ما أسميته أنت (الثرثرة)، أو(واقع ثقافة الدوت كم)، وإن اتفقت معك، بدءا، في كونها (ثقافة متسارعة الإيقاع)، إلا أنني أختلف عنك في الموقف من تلك الثقافة، وهو الموقف الذي يرسمه قولك "تلك (الثقافة) التي يكون فيها الحديث الحقيقي (..) حديثا متزايدا لا حاجة له (..) بينما الونسة التي تخجل الذات من فعلها، تجد القبول الاجتماعي والتلقي.. وتعتبر من باب الجدية والتعليم المستمر، شفت كيف الحاجة انعكست؟". ولكن، كيف أتفق وكيف أختلف:
                  

02-18-2013, 05:35 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    لعل أوجه الاختلاف، عن طرحك هنا، تتمثّل، بدءا، في تحديد مستوى الدقة، حين يتعلق الأمر بموضعة ظاهرة ما، من نسب الحقيقة أوالزيف. مثلا، حين نقول "الحديث (الحقيقي)"، حسب تعبيرك، لا يغيب عن ذهنك خطورة شِراك أحكام القيمة، أوالفخاخ التي قد تضعها على طريقنا كألغام، على نحو قد ينسف غملية إنتاج المعرفة، بهذه الظاهرة أوتلك، ومن ثمّ يحيلنا إلى عقائديين آخرين همّهم الأساس مدى تطابق الظاهرة محل النظر، وبصورة كليّة، مع منظومة تصوراتهم القائمة في أذهانهم للعالم.

    ويمكن القول هنا، على مستوى تاريخي عام، إن احتكار النخبة، بمختلف تلاوينها، في السابق، لوسائل الاتصال الجماهيري، قد مكنها، إلى حد بعيد، من ترويج وفرض معاييرها الخاصة، بوصفها معايير عامة. فهي التي تحدد، على سبيل المثال، ما هو رصين أومبتذل، ما هو حقيقي أوزائف، ما هو جوهري أوثانوي، وما إلى ذلك. ولعل ذلك ما دفع بالطيب صالح، في سياق ما، إلى التقرير، وهو ما أتقبله، أن الموسيقى المصرية تنكرت لامتداداتها الشعبية، ممثلة في موسيقى سيد درويش، لصالح موسيقى محمد عبدالوهاب "البرجوازيّة". ولعل ذلك المنحى يتجلى، حسب ملاحظتي الخاصة، في الموقف السلبي لأجهزة الإعلام المصرية من المطرب الشعبي حكيم، على الرغم من قوائم مبيعاته العالية، إلى أن أخذ الاهتمام به يتزايد، على مستوى دوائر الغناء الأوروبية أوالغربية، في سياق تجديد مفاصلها الغنائية المستنفدة، بموسيقى طرفية ذات اختلافات نوعية. أي أن الغرب، بمعنى آخر، ليس بحاجة، في هذا السياق، إلى تلك النسخ الشائهة عنه والمتحققة في الأطراف، كحداثة قشرية، أوأشكال للتبعية.

    وأذكر هنا، من سياق طفولتي البعيدة، أن إحدى الجارات، في مجلس نسائي، أخذت تتحدث، بنوع من المباهاة، قائلة "إن فناني المفضل هو الموسيقار محمد الأمين". كان من الممكن، حتى في ظلّ الحضور الذي بدا متقغرا لكلمة "موسيقار"، أن يكون الأمر على درجة من العادية، بين نسوة يجدن في ألحان مطربين من أمثال محمود علي الحاج وعبدالوهاب الصادق ومحمد أحمد عوض والبعيو نوعا من الإشباع التطريبي، لو لا أن تلك الجارة قضت تاليا على ما تبقى من روحهن المعنوية، حين أضافت قائلة "أحبّ الموسيقار محمد الأمين لأنّه فنان طلاب جامعة الخرطوم المفضل". فأي أسى يمكن أن تصنعه مسألة أن يرتدي الإنسان ما لا يناسبه قسرا ناعما أوخشنا، بحكم أنّه المقبول، كمعيار معتمد من قبل أوساط يدغونها أحيانا بشيء من الحذلقة "صفوة". ولعل ذلك ما حاولت معالجته جماليا، من خلال نصّ "تداعيات في بلاد بعيدة".

    ما أردت توضيحه، بصيغة أخرى، أن مواقع الانترنت، كفضاء مفتوح للتعبير والتواصل، غدت أدوات فاعلة أكثر فأكثر في يد (العامة)، وأقول (العامة) في هذا السياق ليس بمعنى تحقيري شائع ومكرس، من قبل ما يدعونه أحيانا "الصفوة"، بل بمعنى احتفالي صميم عندي، شان الطيب صالح حين يحلو له أن يقول "ملح الأرض". إنه إذن السواد الأعظم من الناس، وقد بدا يعلن عن آرائه وتصوراته مباشرة، دون حارس بوابة أورقيب تقليدي ممسك بالمعيار، معتزا بما هو عليه بل هازئا أحيانا بتقعرات النخبة اللغوية، مستمدا جرأته عند مستوى مما آل إليه خطاب مختلف النخب الآن من انسدادات، هي التعبير الآخر عن تجليات الأزمة الشاملة التي نعاني.

    لقد أرادت العامة الآن، على الرغم من أن ذلك كما بدا لي من مطالعة مواقع الانترنت لسنوات ليس من أولوياتها، أن تقول للنخبة ببساطة (أشعر كما لو أنني أتقمّص تاليا صوت فانون): لقد تحدثتم مندفعين لغقود باسمنا، راسمين من مواقعكم الفوقية ما يصلح لنا وما لا يصلح، ولقد آن الوقت أن نرسلكم بدورنا إلى تلك المواقع الدنيا للاستماع، التي فرضتموها علينا في السابق فرضا، لعل ذلك يمنح لمراجعاتكم الذاتية في أروقة الخيبة ما يساعدكم على فهمنا وفهم الواقع الذي يحتوينا معا بمختلف تعقيداته وتشابكاته. عسى أن تعرف ألقاب اخرى الطريق إلى أسمائكم. فتتبدل صفاتكم وألقابكم من ماجد نظرية إلى ماجد متفهم ومن حسن كلام إلى حسن المستمع ومن سعد نقة إلى سعد المصغي.

    دعنا إذن، يا صديقي، ننظر، إلى ما أسميته أنت (ثقافة الدوت كوم)، بقدر أكبر من التفهم، واضعين نصب أعيننا شعار النهضة الأوروبية "دعه يعمل.. دعه يمر"، فلربما تعمل هذه الثقافة، وهي الحديثة العهد، على تصويب نفسها بنفسها، على خلق ممثليها الأكثر قدرة ومهارة على تمثيلها، بعد أن يتراكم لديها قدر معقول من الخبرة، أوالتقاليد. وهذا، باعتقادي، لا يعني أنني أعطي إجازة، غير مدفوعة الأجر، للصفوة أونحوه، ذلك أن الدور المناط بهم مهم، على صعيد إنتاج المعرفة مهم، وما يتطلب ذلك من مهارة نوعية وقدرة خاصة واستعدادات موضوعية.

    وأجدني أتفق معك، على صعيد وصفك لما أسميته (ثقافة الدوت كوم)، ك(ثقافة متسارعة الإيقاع)، مما يفقدها بكلمة واحدة: العمق. وأرى هنا، من جانبي، أنّه قد يكون من المفيد قراءة ذلك، على ضوء تأثيرات الاتجاهات الحديثة لسياسات المعرفة الغربية، ومفهوم العولمة منها في القلب. إذ بات يتمّ تحويل كل شيء، بما في ذلك الثقافة، إلى معطى استهلاكيعابر، قصير الأجل، وقابل للبلي في وقت وجيز، على نحو يتوافق ومفهوم "تسريع تدوير الدولار". فالشركات الكبرى العابرة للقارات، تلك المتعدية والمتعددة الجنسية، بما تمثّله من احتكارات بالغة الضخامة، لم تعمل فقط إلى تحويل السياسيين بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة إلى مندوبي مبيعات، بل جعلت كذلك من المنافسة أمرا شكليا، مما أثّر سلبا على كفاءة المُنْتَج. هكذا، بدا لي أن ما كانت تمثّله اليابان ذات المعايير الإنتاجية الصارمة من أصالة وجودة، قد أخذ يتراجع ومعه اليابان نفسها التي أخذت تتراجع بدورها عن المركز الثاني عالميا في الاقتصاد، مفسحا المجال لصعود الصين كفضاء برغماتي واسع قابل على أكثر من مستوى على تلبية متطلبات الرداءة، أوالهشاشة المصطنعة. إنه جنون وسعار الربح.

    أقول ذلك، ولا أُهمل تحليلات مدرسة التبعية، في هذا الخصوص، كما تتجلى لدى سمير أمين!.


    يتبع:
                  

02-19-2013, 07:00 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة:

    Quote:
    من اسئلة هذه المحلية ، استشكال الأمر علي ذاتي في بداية حديثك..عن الإنشاء أو التعبير ، فانا يا صديقي اعتبره تزيد ما بعده تزيد ، مثل تلك العبارة التي وجدناها في مجرى التعليم العام في مجتمعنا في السودان ، حينما تحدثنا المدرسة عن مادة الإنشاء و التعبير..لاحقا.. اكتشفت ان الإنشاء هو طريق أو نهج الكتابة ، كفعل انساني منجز ، و كيفية انجاز ذلك الفعل الإنساني ، و أن التعبير يدخل في نطاق الحق في التعبير عن الفعل الإنساني (فعل الكتابة) ، و هو ما اتفقت الناس على تسميته بالحق في حرية التعبير..!!!
    الإنشاء ، عندي هو تدريب على تعلم( استايل) الكتابة ، و هي التي عندي تعني ممارسة مشروعة للحق في التعبير عن الذات ، اما محتوى ذلك التعبير ، فهو محل التفاوض الذي يجب أن نشتغل عليه كلنا..!!!
                  

02-21-2013, 06:14 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    ربما كان أجدى، على مستوى تحديد المفاهيم، أودرءا للالتباس، أن أكون أكثر دقة، بصدد ما عنيته، في سياق متقدم، بلفظة "التعبير/ (المدوَّن)"، في بعدها المطابق للفظة "الإنشاء"، التي يستخدمها الناس، في بعض الأحيان، للدلالة على خلو خطاب ما من "القيمة الموضوغية"، قائلين إنشا ساكت". خاصّة أنّها، أي لفظة "التعبير"، لفظة "حمّالة أوجه"، أوذات دلالات يساهم في إنتاجها أكثر من حقل معرفي أوفكري أوسياسي. ومن ذلك، أوحسب إشارتك النابهة هنا، ما تكتسبه، "لفظة "التعبير"، من دلالات حرية إبداء الرأي، على صعيد الحقوق الأساسية للإنسان.

    هكذا، في أعقاب قراءة مساهمتك الأولى هنا، بدا لي، حين طابقتُ بين لفظتي "التعبير (المدوَّن)" و"الإنشاء"، كما لو أنني عملت على التخلص من الغموض بغموض آخر. وبالطبع، سواء أقلنا "التعبير (في صيغته المدوَّنة)"، وسواء أقلنا "الإنشاء"، لم أكن أعني تلك الطرق (في حد ذاتها)، التي يكتسب التلميذ بواسطتها في المدارس الأوليّة مهارة التعبير عن ذات والعالم "كتابة"، بقدر ما عنيتُ تلك الأشكال من الكتابة، بوصفها ((نقلا)) للوعي السائد، من صورته الصوتيّة، إلى صورة مدوًّنة. وهذا النقل، في تصوري، ليس نقلا حرفيا محضا، أومجرد ترجمة أمينة، في أغلب الأحوال، من الصوتي إلى المدوّن. هو نقل أكثر شمولا وتعقيدا، في رأيي، من مجرد كونه نقل للشيء من حالة إلى حالة أخرى، أومن شكل إلى آخر، وإن كان هو كذلك عند أحد مستوياته، إلا أن النقل هنا لا ينطوي على قيمة تحويلية، إذ يحتفظ الشيء في حالته الثانية بذات الخصائص النوعية أوالجوهرية لحالته الأولى. فنقل الوعي السائد، بهذا المعنى، من بعده الصوتي إلى بُعدٍ مدوَّن، يتحدد كإجراء خال من النقد أوالجدل، ليس من أولوياته إمكانية التجاوز، أوتحديد نسب العقلانية، أوالكشف عن أشكال الإقصاء أوالاستلاب، التي قد ينطوي عليها الوعي السائد، في صورته الصوتية. بل وأكثر، تتطابق الصورتان، الصوتية والمدوّنة، للوعي السائد، حتى على مستوى طرق ومناهج إنتاج المعرفة.

    وكمثال، لهذا النوع من أشكال (الكتابة التعبيرية)، موقف الحزب الشيوعي السوداني المعلن في شكل بيان، من آراء "كاريللو" رئيس الحزب الشيوعي الاسباني، الذي انفق في الاتحاد السوفيتي السابق نحو الأربعين عاما، في أعقاب الحرب الأهلية الاسبانية، وخرج بكتابه "الماركسية والدولة الأوروبية"، مقررا في استناده على مفهوم "الخصوصية التاريخية" الماركسي نفسه، ان ما يحدث في الاتحاد السوفيتي أمر لا يتناسب وتطورات الواقع الاسباني، وقد جاء في ذلك البيان، والذي يمكن وصفه كنوع مما أسماه مهدي عامل كماركسي واع (انزلاق الفكر النقدي نحو مواطن الفكر اليميني)، ما نصّه "لو بُعث تروتسكي نفسه من القبر حيّا، لما عبر عن أفكاره بهذا الافصاح، الذي بزّ فيه كاريللو غلاة التروتسكيين، الذين مُحِقَتْ جذورهم على يد لينين والبلاشفة".
                  

02-23-2013, 10:12 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: احدهما الأمريكي كريك جونسون ، و هو كاتب لا يتورع عن تعريف نفسه بانه راعي بقر (شفت المحلية دي كيف مسيطرة علينا؟!!!



    يبدو لي يا كبر أنّك وضعت يدك هنا على مفتاح لُعبة الهويّة:
                  

02-26-2013, 06:39 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    كيف يمكن لأمثال أولئك الأفراد المنتمين، في ظلّ واقع التعدد والتنوع الثقافي والعرقي، إلى وضعية هامش ما، التعبير عن هويّاتهم الفردية أوالجماعية، دون خوف على حياتهم، أو وجل مما قد يتهدد وجودهم المعنوي، أومغالبة ضغط إحساس ما بالدونيّة؟.

    هذا أمر يتوقف، بصورة أكاد أقول إنّها "حاسمة"، على درجة تقبل، أورفض الثقافة السائدة، للآخر "المختلف (في حال السودان كما سنرى المسألة أكثر تعقيدا)". ولعلي أستند، في بلورة هذا التصور، إلى ذلك الدور الحيوي، الذي يعطيه برهان غليون مثلا، للثقافة السائدة داخل مجتمع ذي تعدد وتنوع ثقافي وعرقي، على مستوى بناء ما يمكن تسميته "هوية قومية مشتركة".

    وهذا يعني، بصيغة أخرى، أن برهان غليون يضع مسألة إدارة الصراع العام، على عاتق الثقافة السائدة، بحكم امتلاكها واحتكارها التاريخيين لآليات السيطرة، وذلك في سياق مهام "الدمج والتوحيد" تلك، وصولا لما يمكن تسميته تحقق نوع من "المواطنة المشتركة". لكنّ ما يمكن أن يكون مثار جدل، أومحل سجال واختلاف، يتمثّل هنا في نوعية تلك الآليات المعتمدة، من قبل الثقافة السائدة، في توجيه وإدارة وحل تناقضات الصراع العام. هل هي آليات قهر وإخضاع وإلزام، أم آليات إقناع ومشاركة وتنافس سلمي، أم الإثنان معا؟.
                  

02-26-2013, 08:09 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    الخطاب الثقافي السائد في السودان
    (رؤية لكيفية عمل آليات الهيمنة الإجتماعية)

    :
                  

03-03-2013, 06:45 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    باعتقادي، تشكل الأمثال، أوالحكم الشعبية، أو لوازم الحوار اليومي، بنية دالة على كيفية عمل الثقافة العربية في السودان، كثقافة سائدة داخل فضاء متعدد ومتنوع عرقيا وثقافيا، على الرغم من واقع انفصال الجنوب أخيرا. مما يفرض عليها (واقعُ السيادة) وظيفةً تاريخية تتمثل، على الأقل نظريا، في القيام بمهام ورعاية دمج وتوحيد هذا التعدد والتنوع على نحو (سلمي)، وصولا إلى بلورة ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (شخصية قومية). ولنأخذ العبارة التالية، كمثال:

    ود العرب ما بعمل كدا..

    إن نظرة نقدية إلى لازمة الحوار اليومي أعلاه، من شأنها الكشف عن موقع تلك الثقافة في العالم من زوايا مختلفة، وهو ما يمكن مقاربته عبر التساؤلات التالية: ما مدى تقبل تلك الثقافة ل(الآخر)، كيف تعيد إنتاج سلطتها الرمزية من خلال الأفراد الحاملين لها كطريقة حياة والمنتمين إليها عرقيا، كيف تسلك في ظل مفهوم (الأزمة) من حيث الأزمة هي عجز ل(الآليات) والأشكال السياسية القائمة مثل الأحزاب عن تجاوز ما يطرحه الواقع من مشكلات (نوعية)، ما مستويات عمل خطابها الآيدولوجي، كيف تتراجع هذه المستويات مفسحة المجال أمام أجهزة القهر المادي مثل الجيش.. ما مستويات تقبل (الآخر) لتلك اللوازم كسلطة رمزية.
                  

06-01-2013, 04:16 PM

اميرة السيد

تاريخ التسجيل: 07-09-2010
مجموع المشاركات: 5598

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في مفهوم الكتابة (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: وراح الناس يتساءلون مستغربين: في الماضي كنا نفهم أن يقتل الناس بعضهم بعضاً بشكل وحشيّ بل وعلى الهوية لأنهم كانوا متخلفين أو همجيين يسيطر عليهم التعصّب الدينيّ ولم يستنيروا بعد بضوء العقل. ولكن الآن لماذا يفعلون ذلك وأبشع منه بعد أن تقدمت البشرية الأوروبية واستنارت وسيطرت على الطبيعة بفضل العلم والتكنولوجيا. لقد خرجنا من عصور التعصب الديني ومحاكم التفتيش واعتقدنا أننا نجونا من المجازر والأنانيات والحروب الهمجية إلى الأبد. وقد عبّر الشاعر بول فاليري عن هذه المشاعر بنوع من الغضب العارم عام 1919، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة. يقول: "الأشياء أصبحت واضحة لا شفقة فيها ولا رحمة. لقد سقط في هذه الحرب آلاف الشباب من كتّاب وفنانين. وسقط أيضاً وهم الثقافة الأوروبية، وتبين لنا عجز الثقافة عن إنقاذ أي شيء كان. وسقطت هيبة العلم من الناحية الأخلاقية سقوطاً مريعاً لأن تطبيقاته التكنولوجية أدت إلى قتل الملايين بسهولة مرعبة. وبدلاً من أن كان شرفاً ومجداً للحضارة الأوروبية أصبح عاراً عليها..." (1).

    >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

    عزيزي عبد الحميد البرنس

    كنت اقلب مواضيع المنبر العام كي استظل بدوحة كي ازيد من معارفي ووجدت هذه الدرة النفيسة وهو موضوعك" في مفهوم الكتابة" وبصراحة في بادئ الأمر استعصي على الأمر في ان افهم بالواضح هذا المفهوم الذي تدعو اليه ولكن عندما تبحرت للداخل وجدت فلسفة عميقة تعبر عنها .. وسوف احاول ان آتيك ببعض ردود على تساؤلاتك ...وموضوعك مهم جدا ومفيد جدا

    والله يديك العافية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de