الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 10:21 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.منصور خالد
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-15-2003, 07:47 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية


    بيان الاربعاء: يشكل الدكتور منصور خالد رقماً مهماً على الساحة السياسية السودانية وهو شخصية لا تزال تثير الكثير من الجدل وينظر اليها وكأنها مجموعة من الشخصيات تدثرت جلد شخصية واحدة.
    تربى الرجل ونشأ في بيئة دينية محافظة ومتفقهة في علوم الدين الاسلامي واللغة العربية وغلبت الغربة على حياته الشخصية فأوقعه ذلك في شراك الشبهات لكن الرجل لم يلتفت لذلك.
    عاد إلى السودان بعد طول غياب في المهجر وانقلاب مايو 1969 لا يزال في اوج عنفوانه، فعمل وزيراً للشباب ثم للخارجية ومستشاراً لرئيس الجمهورية، خدم نظام مايو اكثر من عشر سنوات ثم تمرد على النميري وغادر السودان متجولاً في أكثر من مكان وشاغلاً لاكثر من وظيفة دولية وانبرى لكشف نقائص انقلاب مايو.
    عاد إلى السودان في اعقاب الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بنظام النميري في 1985. لم يمكث سوى ايام معدودات وغادر لينضم إلى «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، مستشاراً لزعيمها جون قرنق.
    ولأن الدكتور خالد متعدد المعارف واللغات وفسيح العقل فقد عكف على الكتابة فأجادها. له من المؤلفات الكثير. كلها يحمل الهم السودان.
    من مساهماته السياسية البارزة مشاركته في صناعة اتفاقية اديس ابابا 1972 التي هيأت للسودان عشر سنوات من الاستقرار السياسي، ومشاركته الفاعلة في التوصل إلى عدد من الاتفاقات بين الحركة الشعبية وبعض الفعاليات السياسية الاخرى، اسهم في اتخاذ التجمع الوطني الديمقراطي المعارض العديد من القرارات الناجزة.
    وعندما نما إلى علمنا وجوده في دبي واستعداده لاجراء حوار مع «البيان» تشاورنا حول خطة تتيح اعتصار افكار الرجل عبر نقاش يأخذ طابع الندوة ولا يبتعد عن شكل «الاستجواب» بالوقوف عند كل ما يقول.. واستيضاح كل نقطة في حديثه.
    في ركن هاديء بأحد فنادق دبي وجدناه في انتظارنا.. ها هو كما عرف عنه.. كامل الاناقة على الطراز الغربي، حتى المنديل المتدلي من جيب «البذلة».. العطر الخفيف له اريج يملأ المكان، وكأنه على موعد غرامي!! لم تطل «دردشة» ما قبل الحوار فقد كنا حريصين على الاستفادة من كل دقيقة.
    رويداً رويداً وجدنا انفسنا غارقين في خضم نقاش ساخن.. زاده سخونة تبادل عفوي للأدوار: نسأل فيجيب فنقاطع، ثم يسأل هو ونجيب ولا يقاطع! راهنا منذ البداية على حوار غير عادي يكون مفهوماً لدى عامة الناس لا صفوتهم فحسب. مع شخصية غير عادية اشتهر بسلسلة كتابات عميقة سماها «حوار مع الصفوة».. وصاب املنا..
    ونظرة سريعة على حصيلة جلسة «الحوار ـ الندوة» مع الدكتور خالد يمكن ان توضح إلى أي مدى كنا محقين: فها هو يوجه انتقادات قاسية للنظام، ليس على الطريقة الهتافية انما برصد نقاط منطقية مرتبة لا تملك الا وان تحترمها وان اختلفت معه حولها.
    يقول في هذا الجانب باختصار ان النظام اختزل «ثوابته» في ثابت واحد هو التمسك بمفاتيح السلطة ويرى انه ـ النظام ـ تنكر لكل ماضيه في سبيل ارضاء الولايات المتحدة وفتحت لها كل الابواب في سابقة لم تحدث في كل بلاد العالم.
    لكنه رغم ذلك يسلم بعد لأي بأن النظام «نجح في فك الحصار الدولي والاقليمي وان كان قد دفع ثمناً باهظاً لذلك».
    ويتحدث عن ابعاد اتفاق وقف اطلاق النار بجبال النوبة حديث العارف بالدقائق مؤكداً ان تفاقم المجاعة ـ «وليس اي سبب آخر» هو الذي عجل بالاتفاق، ومقرراً بثقة انه لا يصلح انموذجاً يمكن تطبيقه في مناطق اخرى.
    وبعد ان يؤكد ان القضية السودانية دخلت دائرة التدويل منذ زمن، في سياق انتقاده لمنتقدي التدخل الامريكي، لا يتردد الدكتور خالد في الاعتراف بأن المعارضة تقاعست عن واجبها في انقاذ الجوعى في هذه المنطقة في خضم جريها وراء اسقاط النظام.
    وبعد ان يعلن بوضوح ان الحركة لا اعتراض لها في مشاركة أي دولة ـ بما فيها مصر ـ في لجنة مراقبة الهدنة، يشير إلى ان التجمع ليس معنياً بهذه الاتفاقية ولا بأخريات محتملات الا عندما يأتي الدور على المناطق التي يسيطر عليها.
    ويتركز جل الحوار حول التجمع وتقييم مسيرته، فيبدي تردداً في توجيه انتقادات إلى هذا الكيان متحججاً بأن الكتابة عن التجربة بتجرد تستدعي ان يكون هو خارج التنظيم، لكنه يوافق في نهاية المطاف على النظر في الأمر.
    ويتفرع الحديث عن التجمع إلى حديث عن قطبي السياسة السودانية التقليديين الزعيمين محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي، فيبدي الدكتور خالد ضمناً انحيازاً للميرغني الذي قال انه ثابت في موقفه من النظام، ومقرراً ان التجمع يتفهم عودة شقيقة احمد والقيادي في حزبه فتحي شيلا من المنفى إلى الداخل.
    وبعد ان يرفض اي مقارنة بين عودة هؤلاء ورجوع مساعدي الصادق المهدي قبله وعلى رأسهم مبارك الفاضل المهدي، يسخر من تصريحات الاخير حول الميرغني قائلاً: أنا شخصياً لا يتعامل مع هذا الميرغني بطريقة «تقبيل الايادي».


    و«يناور» الدكتور خالد حول الاعتراف بخسارة التجمع من خروج المهدي من صفوفه قائلاً ان الخطوة تنطوي على خسارة ومكسب في آن واحد!! ورغم انه لا يتردد في القول بأن مكان حزب الأمة لا يزال شاغراً في صفوف التجمع الا انه لا ينسى فتح باب المقارعة «المزمنة» بينه وبين المهدي مشيراً إلى ان الاخير يعاني من مشكلة حقيقية تكمن في اصراره على تولي دور «الالفة»!! أي عريف الفصل ـ ويضيف: لقد صبرنا على تصرفاته المزعجة داخل التجمع لاننا كنا في حاجة اليه!! وفي المقابل يتخذ الدكتور خالد موقف المدافع عن الزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي، عراب النظام السابق وسجينه حالياً.


    ويرى ان الترابي يدفع الآن ثمن مناداته بالانفتاح والديمقراطية متحدياً المجموعة «السلطوية» الحاكمة.
    وبعد ان يعزي عوائق انضمام الترابي للتجمع إلى اسباب سيكولوجية، يؤكد الدكتور خالد انه لابد من اعطاء حزب الترابي شرعية في أي وضع مقبل.

    ويتطرق «الحوار ـ الندوة» إلى محاور اخرى يتوقع خلالها الدكتور خالد فشل أي حوار مرتقب بين الشيوعية والنظام الا بشروط يذكرها ويعلن ان الحركة ستبعث بياسر عرمان إلى الداخل لتحريك العمل السياسي متى ما توافرت الظروف المناسبة ويدافع عن هجمات الحركة على مواقع النفط مؤكداً ان ذلك أدى إلى انسحاب شركتين من العمل.


    وفي سياق الحديث يوجه الدكتور خالد انتقادات للشخصية السودانية ملمحاً إلى انها اعتادت على الجعجعة دون طحن، وقال: «السودانيون يعتقدون ان الحديث عن القضايا يكفي لوضع حلول لها»!! كما يرد على «ذرائع» النظام في منع سفر وفد التجمع بالداخل إلى القاهرة. وقبل ان يختم اللقاء بالسخرية من مروجي «فرية» عمالته للمخابرات الامريكية، يقدم الدكتور خالد قراءة معمقة في مخاطر انفصال الجنوب متسائلاً في استنكار: هل الشعب السوداني مستعد للتخلي عن الجنوب، مستودع الثروات ثمناً أو رضوخاً لرؤى فئة منغلقة تصر على اقامة دولة دينية؟! والى نص «الحوار ـ الندوة»:


    ـ لنبدأ أولاً باخر ما انتهت اليه التطورات في السودان، أي اتفاق جبال النوبة، باعتباره اول اتفاق بين «الحركة الشعبية لتحرير السودان» واي حكومة بالخرطوم.. ما خلفيات هذا الاتفاق وما تداعياته على الساحة السياسية السودانية؟ ـ أولاً تجدر الاشارة إلى ان هذا الاتفاق ليس هو الأول من نوعه، فمنذ ايام حكومة الصادق المهدي «86 ـ 1989م» تم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين الحكومة والحركة والأمم المتحدة وهو المتعلق ببرنامج «شريان الحياة» لتوصيل مواد الاغاثة إلى المواطنين بالمناطق التي تسيطر عليها قوات الحركة.. وهناك برنامج لتوفير ممرات آمنة لتوصيل هذه المواد. وبالتالي يندرج الاتفاق الأخير تحت هذا الاطار وليس هنالك جديد في موضوع التوصل لاتفاق بين الحركة والحكومة.


    ـ بل هنالك جديد.. فهو أول اتفاق يتعلق بوقف اطلاق النار وبمراقبة أجنبية؟ ـ نعم.. هذا صحيح.. هذا صحيح لان الحركة درجت طوال الفترة الماضية خلال المفاوضات المتعلقة بهذا الأمر، على التمسك برؤية ثابتة مؤداها ان لا مجال لاتفاق حول وقف اطلاق النار الا في اطار حل شامل للقضية كلها.


    فيما يتعلق بجبال النوبة هنالك امور عجلت بالاتفاق منها وضعية المنطقة كمنطقة تداخل. بمعنى آخر الحدود ليست واضحة كما هي في الجنوب، ثانياً تفشي المجاعة. وبالتالي كان لابد من اتفاق يهييء وقف اطلاق النار بشرط ان يتوفر ضمان لشيئين.. الأول الاستمرارية والثاني الا يستغل لاغراض عسكرية..


    ـ الشيء الجديد الآخر هو ان الاتفاقات السابقة كانت بمشاركة وربما اشراف الأمم المتحدة.. لكن اتفاق جبال النوبة رسم ونظم ونفذ باشراف ـ ان لم نقل ضغوط مباشرة ـ من قبل الولايات المتحدة.. وهذا ما اثار جدلاً في الساحة السياسية السودانية وصلت إلى حد ان بعض السياسيين حذروا من ان تصبح المنطقة في نهاية المطاف «محمية امريكية» ما تعليقكم؟ ـ من من السياسيين قال ذلك بالتحديد؟ ـ طفحت صحف الخرطوم بالكثير من المقالات التي تحذر من ذلك. إلى جانب ان القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد اسماعيل الأزهري تحديداً صرح لصحيفتنا بذلك، وغيره كثر لا نستحضر اسماءهم الآن.


    ـ بصرف النظر عما قيل وعمن قال اقول ان من يقولون هذا الحديث غير صادقين لانهم اغفلوا انه في كل الضغوط التي كانت تمارس على النظام لا يمكن ان ننسى وقوف امريكا إلى جانب المعارضة.. مثل التنديد بالانتهاكات التي كان يرتكبها النظام والتصويت ضده في كافة الصعد وتحديداً في قرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة في مجلس الأمن.. وكل ذلك كان يتم بطلب من المعارضة، وبالتالي فان كل ما يقال الآن شيء مرفوض وغير سليم من ناحية.


    من الناحية الاخرى، عندما نتحدث عن التدخل الامريكي ينبغي ان ننتبه إلى اننا نعيش في منطقة تعج بأصوات تنحو هذا المنحى، لكن هذه الاصوات في النهاية اصوات مزايدة لان هذه المنطقة التي نعيش فيها نصفها يعتمد على امريكا في ضمان استقرارها والنصف الاخر يعتمد على هباتها ومساعداتها.


    اضف إلى ذلك ان امريكا تلعب دوراً في حل مشاكل المنطقة. لعبت وتلعب دوراً في حماية منطقة الخليج إلى جانب دورها في مشكلة كشمير ومشكلة فلسطين والشرق الأوسط. فما الذي يجعل دور امريكا في السودان امراً غريباً؟ خلاصة الامر اعتقد ان ما يقال في هذا الجانب لغو لا معنى له.


    ـ ما الجديد الذي طرأ حتى تنتبه امريكا اخيراً إلى مشكلة السودان إلى درجة تدفعها إلى تكثيف مساعيها لجمع الطرفين على اتفاق معين بعد ان كانت تصر علناً في وقت سابق على اسقاط نظام الخرطوم؟ ـ أولاً اتجاهها إلى جمع الطرفين ليس امراً جديداً.


    أمريكا لم تكن بعيدة عن السودان. حتى في اشد الاوقات التي اتسمت فيها الاجواء بالعداء الشديد بين امريكا ونظام الخرطوم كانت امريكا تستخدم سلاح الجزرة والعصا مع النظام.. لكن ما حدث بعد 11 سبتمبر هو ان النظام تخلى للمرة الأولى عن رعاية الإرهاب، لا بل وفتح كل الابواب.. فتح القصر، فتح ملفات اجهزة الأمن.. وكل شيء امام الامريكيين.. الأمر الذي لم يحدث في أي دولة أخرى.


    الجانب الاخر والمهم هو الجانب الانساني الذي جلب اهتمام الكثير من الناس خاصة بين زعماء الغرب الذين تكلموا في ذلك كثيراً. هنالك آلاف الاشخاص يموتون جوعاً هل هذه القضية قابلة لان يقول بعضهم وعندما تأتي امريكا لتساعدنا في انقاذ هؤلاء فان ذلك مدعاة لاهتبال الفرصة. فقد كان ذلك واجبنا الذي تقاعسنا عن ادائه حكومة ومعارضة.. ولكننا جعلنا قضيتنا الأولى اسقاط النظام حتى اذا كان ذلك ثمنه ان يموت هؤلاء الجوعى!! ـ هل ترى ان واشنطن اقتنعت اخيراً بعدم جدوى التعاون معكم في تنفيذ شعاركم المأثور «اقتلاع النظام من جذوره»، وبدأت تنحو إلى التفاهم مع النظام ما دام هذا الاخير متجاوباً، لتقتفي بذلك اثر اوروبا التي ارست هذا النوع من التعامل، خاصة واننا نذكر تصريحات مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية السابقة بالدعوة الصريحة لاسقاط النظام ابان اجتماعها معكم في نيروبي؟ ـ بالطبع موقف الإدارة الأمريكية الحالية يختلف عن موقف الإدارة السابقة التي كانت بالفعل ترى ان هذا النظام يجب ان يزول.


    هنالك ضغوط على أي إدارة امريكية يجب لا نهون منها من قبل مجموعات ضغط متعددة مثل تلك المهتمة بحقوق الإنسان أو المجموعات المهتمة بمكافحة الرق أو الاخرى المهتمة بحرية الاديان وغير ذلك.. وكل هذه الضغوط من هذه المجموعات تلعب دوراً في التأثير على السياسة الامريكية.


    ـ هناك من يريد ان يسوق اتفاق جبال النوبة باعتباره نموذجاً يمكن تطبيقه في مناطق اخرى مثل الانقسنا ومنطقة البجا، وغيرها ممن تطلقون عليها المناطق المهمشة ما يؤدي ـ حسب مخاوف البعض ـ إلى نشوء تكوينات جغرافية سياسية تضعف فيها سلطة الحكومة طردياً مع اتساع قوات المراقبة الأجنبية، وبالتالي تكريس وتوسيع دائرة تدويل القضية السودانية.


    ـ القضية السودانية دخلت دائرة التدويل منذ زمن.


    ـ هذا صحيح نسبياً لكن لم يصل الأمر إلى مرحلة وجود مراقبين دوليين.


    ـ حتى في كل الحلول المقترحة وجود المراقبين شيء اساسي.


    ـ ترى لماذا البدء بجبال النوبة رغم ان هذه المنطقة ليست منطقة «متفجرة» عسكرياً؟ ـ السبب هو تفشي المجاعة هناك.


    ـ هل المجاعة بجنوب النوبة اكثر حدة من باقي المناطق الملتهبة عسكريا ؟ ـ الاوضاع الانسانية والغذائية في جبال النوبة خطيرة جداً ومأساوية، إلى جانب ذلك فقد ظلت الحكومة ترفض ان تدرج هذه المنطقة في نطاق مشروع «شريان الحياة» الاغاثي بالرغم من تعهدات قدمت للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عندما زار السودان قبل نحو ثلاثة اعوام، بادخال هذه المنطقة في نطاق «شريان الحياة»، وعندما نكثت الحكومة بهذه التعهدات بات الوضع يستلزم حلاً حاسماً، واذا عجزت الامم المتحدة عن متابعة الأمر فان الجهة الوحيدة التي تستطيع الضغط في اتجاه الحل هي أمريكا.


    ـ قلت ان كولن باول يتبنى الاتجاه للحل السلمي بدلاً من المواجهة، ولكن هذا اتجاه يتناقض مع السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة حيال البؤر الملتهبة. بمعنى ان واشنطن لم تعد تطرح نفسها كوسيط أو كراع في أي مشكلة.. بل اصبحت تفرض الحل بطريقتها ؟ ـ ينبغي ان نفرق بين شيئين، بين الاستراتيجية وبين التكتيك للوصول إلى الاستراتيجية. والتكتيك الذي يتبعه الامريكيون هو نفسه ازاء كافة القضايا النظيرة.. أي سياسة الخطوة خطوة والبدء بالخطوة الاسهل، لكي يتسنى تحقيق شيئين: أولاً تأسيس بناء انجاز تدريجي بطريقة تراكمية.. ثانياً خلق جو يسوده الثقة بين الطرفين او اسلوب للتعامل بينهما. وهذه الصورة واضحة في معالجتهم للقضية الفلسطينية. ففي مثل هذه القضية كان من المتعذر البدء بموضوع القدس مثلاً.


    ـ في هذا الملف بالذات امريكا لا تفعل شيئاً بل تركت العنف يأخذ مجراه ولم تقدم شيئا ؟ ـ لا.. لا اترك جانباً ما يحصل على الارض من مواجهات.. انا اتحدث عن استراتيجيتهم وهى واضحة وتمثل في اقامة دولتين.. وواضح انهم يتطلعون لقيام دولة فلسطينية واعلنوا ذلك..


    ـ ولكن هذه الرؤية مطروحة منذ زمن؟ ـ لكي تصل لهذا الهدف تقول امريكا بضرورة وضع ملفات الحل النهائي جانباً مؤقتاً والبدء باجراءات تهيئة مناخ مثل ايقاف العنف، لجنة تينيت، لجنة ميتشيل وهكذا.


    ـ نعود لموضوعنا بشأن القضية السودانية. ـ في الشأن السوداني بدأ الامريكيون بقضايا مهمة من منظور مجموعات الضغط التي تعمل هناك. على سبيل المثال اذا قالت الحكومة الامريكية لهذه المجموعات ذهبنا إلى الخرطوم وجلسنا مع حكامها لنتحدث حول اجراءات فترة انتقالية فان ذلك لن يرضي مجموعات الضغط فحسب بل سيتم رشقهم بالطماطم والبيض الفاسد!.. لا مناص من اظهار الادارة انها سعت لتحقيق خطوات عملية حيال القضايا التي تهتم بها هذه المجموعات.


    وهذه المجموعات مهتمة اساساً بمسائل مثل المجاعة والرق والديمقراطية. ـ عفواً هل قضية الديمقراطية في السودان مطروحة في أجندة امريكا؟ ـ طبعاً مطروحة.. واحيلك إلى القرارات التي طبقت على اساسها العقوبات على النظام.


    ـ تبدو امريكا في تعاملها مع القضية السودانية الآن كما لو كانت بوجهين وجه مع الحكومة والحركة والوجه الاخر مع المعارضة «التجمع» بدليل ان هنالك وفداً من التجمع توجه إلى امريكا مؤخراً لاستلام معونة مالية تبلغ ملايين الدولارات في خطوة ربما استهدفت تدجين المعارضة في هذا الوقت حتى لا تربك خططها للتدخل في جبال النوبة ثم في القضية كلها لاحقاً.


    ـ اعتقد نظرة مثل هذه لا تعدو كونها اوهام لأن...


    ـ لا بل المسألة واضحة.. بدليل مساعي واشنطن لجمع الحكومة والحركة، ومساعيها المتوازية لدعم التجمع.. معنى ذلك انها تقوم بدورين في آن واحد. ربما يؤدي في نهاية المطاف إلى استبعاد المعارضة! ـ هذا غير صحيح.. غير صحيح.. لأن دانفورث «المبعوث الامريكي» لم يعقد اجتماعاً او لقاء الا وكان حريصاً على الوقوف على رأي المعارضة.. دانفورث لم يكن يذهب إلى رمبيك مباشرة لمقابلة جون قرنق.. بل كان يأتي إلى الخرطوم ثم يذهب إلى رمبيك ويعود إلى القاهرة للقاء الميزغني.. ويقابل الصادق المهدي في الخرطوم وهكذا فان التلميح إلى استبعاد المعارضة مجرد وهم.. لكن يجب الا ننسى ان دانفورث عندما يسعى لوضع اتفاق لوقف النار في جبال النوبة فان الميرغني والمهدي ليسا معنيين بالقضية مباشرة بقدر ما يرتبط الأمر بالحكومة والحركة باعتبارهما الطرفين المتحاربين فعلاً في هذه المنطقة ولا شأن للاطراف الاخرى بهذا الأمر.


    وغداً لو انتقل الأمر لبحث وقف اطلاق النار في الجنوب سيكون الأمر على ما هو عليه ولن يكون للتجمع دور.


    ـ لا تنسَ انت أيضاً ان للتجمع قوات تحارب في....


    ـ هذا موضوع آخر. يمكن ادراج التجمع في محادثات مثل هذه عندما يأتي اوان الانتقال لبحث الاوضاع في المناطق التي تسيطر عليها قوات التجمع.. وفي واقع الأمر ندرك جميعاً اين تقع هذه المناطق.


    ـ سنفتح ملف «التجمع» لاحقاً ولكن دعنا نسأل: ما حقيقة ما يتردد حول محادثات تجرى الآن فعلاً لتطبيق نموذج جبال النوبة في منطقة البجا؟ ـ لا.. ليس صحيحاً.. ينبغي ان نعلم جيداً ان السبب الذي دفع بملف جبال النوبة إلى الاضواء والاستعجال هو تفاقم المجاعة ليس الا.. ولِمَ نذهب بعيداً.. فهناك منطقة جبال الانقسنا الواقعة تحت السيطرة الكاملة لقوات الحركة.. لا حديث حول فصل قوات فيها. وهكذا الأمر بالنسبة لكل المناطق التي تسيطر عليها «الحركة» فهي خالية من المجاعة ومن المشاكل..


    ـ السؤال بتحديد اكثر.. هل سيطبق نموذج جبال النوبة على كل قضية الجنوب ومتى؟ ـ بالطبع لا.. لان ذلك غير ممكن.. اذا فكرنا في اتفاق لوقف اطلاق النار في الجنوب فلن يكون نموذج جبال النوبة مناسباً للتطبيق.. لان وقف اطلاق النار في الجنوب مرتبط بشيء آخر. وهذا ما حصل في «ايجاد».. عندما طولب قرنق بوقف النار فرد بالقول ان ذلك مرتبط بانجاز حل شامل.


    ـ ننتقل إلى ملف التجمع.. ونبدأ بالاجتماع الذي عقدته هيئة القيادة في القاهرة واستوقف المراقبين لأنه تم في غياب الميرغني ربما لأول مرة؟ ـ الميرغني لم يكن موجوداً بالقاهرة.. وهذا طبيعي فاذا استجدت قضايا عاجلة ولم يكن الميرغني موجوداً فلا يعني ذلك ان يتوقف عمل التجمع.


    ـ ربط البعض بين عقد اجتماع التجمع في غياب الميرغني وتحركات الأخير التي اعتبرت تمهيداً للتقارب مع النظام في نظر هذا البعض، مثل اجتماعه مع الأمين العام للحزب الحاكم ابراهيم أحمد عمر؟ ـ الميرغني مفوض من قبل قيادة التجمع بالالتقاء والاجتماع مع أي طرف في اتجاه البحث عن حل سياسي شامل للازمة.. وهو لم يعقد لقاء او اجتماعاً الا واخطر به قيادة التجمع.


    ـ يتردد ان البعض داخل التجمع مستاء من تحركات الميزغني في اتجاه التهدئة مع الخرطوم حسب رأيهم؟ ـ لا اعرف من هم هؤلاء «البعض»، لكن معروف ان الميرغني فوض رسمياً في اجتماع رسمي للمعارضة باجراء الاتصالات وابلاغ هيئة القيادة بتفاصيلها.. وهذا ما يحدث.


    ـ ألم تثر داخل التجمع أي حساسية ازاء عودة احمد الميرغني إلى الخرطوم الأمر الذي اعتبر تمهيداً لعودة الميرغني نفسه؟ ـ مطلقاً.. لان احمد الميرغني ليس عضواً بالتجمع ولم يقل انه عاد باسم التجمع .. ـ لكن حزبه يرأس التجمع وبعث بأحد قادته إلى الداخل وهو عضو قيادي في التجمع ونقصد فتحي شيلا.


    ـ فتحي شيلا مجرد فرد وأفراد كثيرون عادوا.


    ـ لكنه احد قادة التجمع.


    ـ انتهت عضويته وعين الحزب في مكانه بالتجمع شخصاً اخر!.. الموجود في التجمع هو الحزب وليس فتحي شيلا.


    ـ الا يرى التجمع أي ازدواجية في تعامل حزب الميرغني مع تحالف المعارضة والنظام في آن واحد بحيث انه يقود المعارضة في الخارج ويهييء للعودة بطريقة او اخرى بعد ان كان يملأ الدنيا ضجيجاً بضرورة اقتلاع النظام من جذوره؟ ـ نحن لا نظن مطلقاً بأن الميرغني يؤيد النظام وعلى ثقة تامة بأنه ثابت في موقفه.. اما ان يعود اعضاء في حزبه فلا يجب الا يثير ثائرة احد لان حزبه وقاعدته وتشكلاته كلها موجودة في الداخل بمافيها القيادة الاساسية، والأمين العام، الذي يقوم بنشاطه في الداخل ويخرج لمقابلة الميرغني ثم يعود إلى الداخل.


    ـ ولماذا اثرتم تلك الضجة الكبيرة عندما وقع مبارك المهدي «الأمين العام السابق للتجمع» اتفاقاً مع النظام تمهيداً لعودة قيادات حزبه. ولا يملك المرء الا ان يقارن بين بيانات الادانة التي اطلقتموها ضد مبارك المهدي وصمتكم المطبق حيال عودة فتحي شيلا؟ ـ لو كان شيلا عائداً للتحالف مع النظام او ليتخذ موقفاً مغايراً من موقف حزبه أو من موقف التجمع.. فهذا موضوع كان سيثير الضجة نفسها.. ولكن الأمر بالنسبة لشيلا مختلف ويتعلق بظروف شخصية تقتضي عودته.


    ـ لا ليس الأمر متعلقاً بموضوع أو ظرف شخصي. لقد أعلن بنفسه انه عائد لتوحيد صفوف الحزب وتهيئته لمرحلة جديدة من مراحل الحل السياسي المحتمل.. ورغم ذلك لم ينطيق احد من قادة التجمع بكلمة.. الا ترى ازدواجاً في المعايير؟ ـ لا.. لا.. لا ازدواجية ولا مجال للمقارنة بين الموقفين «شيلا ومبارك المهدي». حيث ان مبارك وقع اتفاقاً مع النظام وقبل ان يصدر أي تفويض لأي جهة لتوقيع اتفاق وفي وقت كنا نرفع شعار «اقتلاع النظام». منهج التجمع تحول الآن منذ مؤتمر مصوع.


    ـ لكن ليس هنالك قرار بالعودة أليس كذلك؟ ـ بالطبع ليس هنالك قرار بالرجوع.


    ـ وبالتالي يمكن ان يرجع الميرغني نفسه ويقول انه رجع ولكن حزبه باق في التجمع!! ـ عموماً لا أرى مجالاً للمقارنة بين توقيع مبارك المهدي اتفاقاً مع الحكومة وهو لا يزال الأمين العام للتجمع. وبين رجوع شيلا بقرار شخصي بعد ان ترك مكانه في التجمع.


    ـ ولكن الأمر كما قلنا لا يتعلق بأمر شخصي.. هذا تنفيذ لقرار صادر من حزبه.. ونحن لا نعرف شيلا بصفته الحزبية ووضعه في حزبه بل نعرفه عضواً في هيئة قيادة التجمع.. فجأة باغت الجميع بالرجوع دون ان يكلف نفسه عناء اصدار بيان او تقديم استقالة أو أي شيء.. وتغاضت قيادة التجمع عن ذلك. ـ لا بل قدم استقالة وعين حزبه من يحل محله في هيئة القيادة.


    ـ ما الذي يمنع تكرر السيناريو نفسه مع الميرغني بحيث يعود غداً بأي عذر ويترك احداً غيره في مكانه بالتجمع؟ ـ الأمر يختلف مع الميرغني لانه منتخب كرئيس للتجمع.


    ـ هذا الرئيس هل يمكن ان يعود ليقود العمل المعارض من الداخل.


    ـ اذا توافرت الظروف المواتية يمكن ان يرجع.. لكن الظروف الآن غير مواتية؟ ـ حسناً.. هذه الظروف التي تراها غير مواتية، قدر حزب المهدي انها مواتية. ـ هذا شأن حزب المهدي.. بمعنى آخر اذا قدرت «الحركة الشعبية» اليوم ان الظروف مواتية للعمل من الداخل فلا مانع من ان نرسل ياسر عرمان غداً إلى الخرطوم للعمل بالداخل.. اذا كان في مقدورنا الآن ان نعيد كل كوادرنا لنقوم بعمل معارك لخلخلة النظام لم نكن لنتردد.. ولكن مبارك المهدي لم يعد لهذا الهدف انما للتحالف مع النظام.. هذا هو الفرق.


    ـ هل الظروف مواتية الآن لكم لفعل ذلك؟ ـ لا.


    ـ وما الذي يجعلها مواتية لفتحي شيلا وحزبه؟ ـ لكل حزب ظروفه الخاصة.. فحزب مثل الحزب الاتحادي يعاني من انقسامات يحتاج لتوحيده لنوع من العمل الحركي غير المرئي، تحدد قيادة الحزب من هو الشخص المناسب لادائه،.


    المشكلة تبدأ اذا اتجه الشخص المكلف بعمل محدد إلى عمل مخالف للتكليف ويتجاوزه إلى التحالف مع النظام.


    ـ الخلاصة انكم في التجمع لا ترون أي حساسية ازاء خطوات حزب الميرغني التي يرى كثيرون وبوضوح انها تمهد للعودة إلى الداخل بالكامل.. اليس كذلك؟ ـ هذا يعتمد على تقييم الغرض من عودة الكوادر يعتقد البعض ان الهدف من عودة هذه الكوادر يكمن في التهيئة للتحالف او التعاون مع النظام.. انا ارى ان الخطوة تستهدف تهيئة حزبهم للمرحلة الانتقالية التي تحدثنا عنها كثيراً.


    ـ ولماذا لا تحضر الفصائل الاخرى في التجمع لهكذا مرحلة؟ ـ من قال ان هذه الفصائل لا تقوم بالتحضير لذلك؟ ـ لم نر احداً عاد إلى الداخل ليفعل ذلك كما فعل حزب الميرغني.


    ـ الأمر يختلف.. هنالك احزاب لها قواعد جماهيرية.. انت شخصياً من تتوقع ان يعود لينظم جماهيره؟ ـ هل هذا اعتراف بأن فصائل التجمع الاخرى بما فيها «الحركة» لا تملك قواعد جماهيرية في الداخل؟ ـ لا الحركة امرها مختلف.. الحركة لها قواعدها وتعمل بطريقتها بحيث لا يكشف عن قواعدها ولا يمكن ان تعلن عنها.


    ـ بعد فترة من الهدوء شنت قوات التحالف التابعة للعميد عبدالعزيز خالد هجوماً على منطقة قريبة من كسلا خلال الايام الماضية.. ما مؤشرات هذا الهجوم؟ هل هو بداية لتصعيد عسكري جديد في المنطقة الشرقية؟ ـ لست ادري ولست ملماً بتفاصيل هذا التطور ولكن على كل حال هذا الفصيل يحتفظ بقوات في هذه المنطقة.


    ـ هذه قوات تابعة للتجمع.. كيف لا تدري شيئاً عن الهجوم؟ ـ نعم قوات التجمع موجودة ولكنني شخصياً لا اتابع دقائق الامور العسكرية، كل ما اعلمه ان الجيش الحكومي يقوم بهجمات كثيرة جداً على هذه القوات فتضطر للرد عليها.


    ـ لا.. لم تكن العملية الأخيرة صداً لهجوم.. طبقاً للبيان الذي صدر عن قوات التحالف.. كان هجوماً منظماً يستهدف حامية حكومية. وقال البيان ان الهجوم بداية لمرحلة تصعيد النضال العسكري ضد النظام حتى اسقاطه. هل هذا هو رأي التجمع أم ان الأمر خاص أيضاً بقوات التحالف؟ ـ لست ملماً ولست مخولاً بالتحدث عن الأمور العسكرية البحتة ولا استطيع ان أعلق على بيان لم اطلع عليه.


    ـ نعود لاطار نحسب انك تلم بكل دقائقه، أي الوضع العسكري في الجنوب.. ما مدلول الهدوء العسكري النسبي الذي يشهده الجنوب؟ ـ لا وجود لهدوء عسكري بدليل ان قوات الحركة شنت هجوماً كبيراً على مواقع النفط قبل ثلاثة اسابيع وتكبدت الحكومة خسائر فادحة في اعالي النيل، واعلن عن ذلك في وقته.


    ـ بمناسبة حديثكم عن هذا الهجوم وفي اطار تحذيراتكم المتكررة باستهداف مناطق البترول.. هل الحركة قادرة فعلا على تهديد انتاج البترول وتصديره.. ثم الا تخشون من المجازفة بفقدان تعاطف الشعب السوداني الذي يرى في النفط طاقة امل جديدة لتحسين احوال الوطن الاقتصادية وحرصه على جعله ثروة قومية ينبغي عدم مسها؟ ـ تقول الحركة ان مناطق انتاج البترول هدف عسكري مشروع وعندما تقول ذلك تنفذ خططها بالطريقة التي تراها صواباً وبالطبع بسرية.. وكما ذكرت قبل قليل فقد شنت قوات الحركة هجوماً ناجحاً قبل اسبوعين او ثلاثة، في اطار تحذيراتها، على مواقع بترولية وادى ذلك الهجوم بالفعل إلى انسحاب شركتي نفط خارجيتين كانتا تعملان بالمنطقة وهي تحديداً الشركة السويسرية والشركة النمساوية، اما عن السؤال بشأن المجازفة بفقدان التعاطف الشعبي.. فدعني اسألك وأسال من يروجون لهذه الفكرة: هل فكرتم ابداً في اسباب ارتفاع اسعار الوقود في السودان في الوقت الذي يشهد العالم انخفاضاً في اسعار النفط.. هل فكرتم في الاسباب التي تجعل بلداً نفطياً عاجزاً عن دفع رواتب المدرسين لعدة اشهر؟ الا يكفي ذلك مؤشراً في التساؤل عن مواضع صرف العائد من البترول؟ ـ اين في اعتقادك تصرف هذه العائدات؟ ـ تدخل في تمويل الحرب بالتأكيد، بشراء الأسلحة ودفع الديون المتراكمة من صفقات الأسلحة السابقة.. فاذا كان مواطن ما يقبل بأن تصرف هذه الأموال في هذه المواضع فهذا شأنه.


    ـ نجح النظام مؤخراً في فك الحصار عن نفسه خارجياً بقدر ما نجح في ذلك داخلياً وكسب مساحة كبيرة في هذا الاطار بعودة الصادق المهدي وبعده احمد الميرغني وفتح قنوات حوار مع محمد عثمان الميرغني، والوصول إلى اتفاق هدنة في جبال النوبة مع قرنق، وفي هذا الاطار يتردد الحديث عن فتح حوار بين النظام والحزب الشيوعي، وبذلك يكون النظام قد نجح في تفكيك اخر متاريس المعارضة.. كيف تقرأ هذه التطورات؟ ـ كل التحركات والعمليات التي يجريها النظام هي عمليات تجميلية منطلقة من عقليات «علاقات عامة» وهي غير مفيدة لانها تنطوي على عيب أساسي.. بمعنى اخر، وبمثال محدد، اللقاء الذي يتردد انه سيعقد مع الحزب الشيوعي محكوم عليه بالفشل مسبقاً اذا لم يفض إلى اطروحات الحزب الشيوعي المبنية على المطالبة بتوسيع دائرة الحريات، والغاء القوانين، المقيدة لها، والفترة الانتقالية المؤسسة على تفكيك النظام.. اذا لم يتحقق كل هذا فان أي لقاء بين النظام وأي طرف يكون غير ذي معنى.. ولن يغير في الأمر الواقع.


    ـ هل لام اكول في طريقه إلى الالتحاق بالحركة مجدداً على خطى مشار؟ ـ لا اعلم.. ولكن حديثه الأخير للتلفزيون السوداني يحمل مضامين واضحة تدل على استيائه من النظام الذي حمله اكول مسئولية عدم تطبيق الاتفاقات.


    ـ ألم يفض اليك بما ينوي عمله عندما التقيت به؟ ـ انا لم التق به.


    ـ بل التقيت به على مائدة الغداء في القاهرة وتردد انك انت الذي حرضته على العودة إلى الخرطوم ليعمل من الداخل؟ ـ اكرر: انا لم التق بلام اكول لكن كلامه للتلفزيون واضح ولا يحتاج مني لاضافة شيء.


    ـ الا ترى ان الصادق المهدي حقق مكاسب سياسية بعد عودته للسودان؟ ـ اشك في ذلك.


    ـ الا ترى انه يملك مساحة للحركة.. حتى انه يقوم برحلات خارجية ويقول ما يريد؟ ـ كان الاجدى لنعترف انه يملك مساحة حقيقية للحركة، ان يسمح له بالسفر إلى معاقل مناصري حزبه خارج العاصمة مثل دارفور وكردفان والنيل الأبيض ليلتقي بقواعده الجماهيرية.


    ـ ليس بالضرورة ان يسافر شخصياً إلى هذه المناطق اذ يكفي ان وفود حزبه تلتقي بجماهيره هناك؟ ـ انا اتحدث عنه هو شخصياً.


    ـ ماذا تقصد بـ «هو شخصياً؟ ـ السماح له هو شخصياً يعني اكثر، خصوصاً وانك انت الذي اشرت إلى سفره الكثير للخارج.


    ـ هل ترى انه يواجه عقبات في التحرك داخل البلاد؟ ـ هذه الجوانب هو الاكثر الماماً بها والا ف..


    ـ المهدي يتحدث عن مرحلة انتقالية مقبلة وكذلك حزب الميرغني ما هي ملامح هذه المرحلة؟ ـ واضح ان المعارضة والحكومة متجهتان نحو القبول بمخرج للأزمة.. الحكومة تقبل بمرحلة انتقالية ولكنها تريد ان تبقى خلالها على ثوابتها.. وثوابتها لم تعد هي الثوابت التي كانت تتشدق بها في الماضي.. بل تقلصت إلى ثابت واحد فقط يتمثل في امساكها بمفاتيح السلطة.. أما التجمع فيتحدث عن فترة انتقالية تفكك فيها مفاصل السلطة الحالية.


    ـ هذان طرحان متناقضان والاختلاف حولهما معروف منذ امد. السؤال هو ما الجديد في هذا الصدد الذي يجعلكم جميعاً تتحدثون عن مرحلة انتقالية مقبلة وكأنكم ترونها مرأى العين؟ ـ الكلام عن المرحلة الانتقالية موجود ولكن المحك في موقف الحكومة عندما يأتي التطبيق.


    ـ هل يتعرض النظام لضغوط في اتجاه التخلي عن السلطة؟ ـ نعم ـ من أي طرف؟ ـ الأوروبيون يتحدثون عن ضرورة ارساء الحريات والديمقراطية والأمريكيون كذلك.


    ـ لكن وضح في الفترة الأخيرة ان امريكا لم تعد في وضع معاد للنظام وانتقلت من مرحلة الاصرار على اسقاطه إلى مرحلة التفاهم معه.. باشادات علنية من اركان الادارة الامريكية بتجاوب الخرطوم مع طلباتها ما اثار شكوكاً حول احتمال تحول العلاقة إلى تحالف.. ما الذي يمنع ذلك؟ ـ لا اظن.


    ـ ألم تلحظ ان السودان الذي كان أول المرشحين للاستهداف الأمريكي بعد 11 سبتمبر استثنى تماماً من اي قائمة محتملة لتكون أهدافاً لضربات امريكية وهي قائمة طويلة؟ ـ صحيح.. ولكن مرد ذلك يعود إلى ان الخرطوم فتحت امام الإدارة الامريكية كل الابواب واعطتها كل ما ترغب فيه من معلومات.


    ـ اذن ما الذي يمنع ان تفتح هذه الابواب إلى مدى اوسع يفضي بالعلاقات إلى مدى أبعد؟ ـ لن يؤدي هذا الباب إلى شيء لان الأمور في النهاية تتعلق باهتمام امريكي وعالمي بايقاف الحرب الاهلية في السودان لا يمكن التغاضي عنه.. والعالم كله يدري انه لا يمكن ان يكون هنالك ايقاف حرب الا في اطار سودان موحد و.. ـ من في العالم مهتم بموضوع وحدة السودان؟ ـ الجميع.. حتى المبعوث الامريكي صرح اكثر من مرة ان بلاده حريصة على ان يبقى السودان موحداً.. ماذا يفعل اكثر من ذلك؟ هل عليه ان يقوم بتوزيع منشورات عليها تصريحاته ويسلمها لكل سوداني في أي مكان؟!! ـ المقصود ان النظام الآن لا يتعرض لأي ضغوط.. الضغوط التي كانت تمارسها امريكا تلاشت تماماً؟ ـ ألا يعني تمديد العقوبات الأمريكية على السودان نوعاً من الضغط على النظام؟ ـ ليس بذلك القدر.. ولاحظ ان واشنطن اعطت باليد الاخرى تأشيرات لمسئولين في النظام لزيارتها الأمر الذي كان غير متاح فيما مضى؟ ـ للعلم فان اعضاء الوفد السوداني الذي ذهب إلى امريكا طلب منهم الا يتجاوزوا حدود واشنطن.


    ـ وماذا يريد الوفد اكثر من ذلك؟ هل هم في رحلة سياحية؟! لقد ذهبوا في مهمة رسمية ويكفي لاتمامها البقاء في واشنطن.. يكفي انهم دخلوا.. وهذا في حد ذاته تطور جديد.


    ـ نعم.. ولكن هذه العراقيل والشروط لها دلالات.


    ـ ألا تظن ان السماح لهم بدخول واشنطن حتى ولو ليوم واحد وفي مكان محدود، يعد تطوراً جديداً وذا مغزى في مسيرة علاقات؟ ـ بالطبع نعم.. فهذه مكافأة للنظام على استسلامه الكامل للطلبات الأمريكية إلى درجة ان نفتح...


    ـ حسناً.. السؤال هو إلى اي مدى يمكن ان تصل هذه المكافأة؟ اعني ان حدود المكافأة يمكن تجر إلى آفاق اخرى.


    ـ إلى أي آفاق؟ ـ إلى حد التحالف مثلاً ـ ثم ماذا.. ماذا سيفعلون بشأن الحرب؟ ـ يمكن ان تطوق الحركة وتتجه اليها الضغوط التي كانت تمارس على الحكومة.. خاصة وان الإدارة قبلت الان التعامل مع نظام البشير كنظام «امر واقع» ويبدو انها باتت غير مقتنعة بفعالية المعارضة ضده من تجمع وغيره.


    ـ سأذهب مع افتراضاتكم إلى آخر مدى. تمارس امريكا الضغط على الحركة وتتحالف مع الخرطوم ليصلوا إلى ماذا؟ هل سيسعيان إلى فصل السودان إلى دولتين؟ ـ بل لايقاف الحرب بضغوط ووسائل أمريكية في اطار دولة الأمر الواقع.. ما الذي يمنع تطبيق هذا السناريو الافتراضي؟ ـ دولة الأمر الواقع هذه تسيطر على الخرطوم وضواحيها وشمال السودان لكنها لا تملك السيطرة على مناطق كثيرة في الشرق والغرب، ناهيك عن دولة الأمر الواقع الاخرى القائمة في الجنوب ماذا سيفعلون معها؟ ـ اذا اوقفت امريكا دعمها للحركة فلن تقوم قائمة لدولة الجنوب؟ ـ أي نوع من الدعم تقصدون؟ ـ الدعم المادي والسياسي.


    ـ ليس هنالك دعم مادي يأتي للحركة من الإدارة الامريكية.. هذه حقيقة يجب ان تسجل. الدعم الذي تحصل عليه الحركة يأتي من قواعد لا تزال تطالب حتى اليوم بإزالة النظام، بما في ذلك الكونجرس.. وبهذه المناسبة لم يحدث في تاريخ امريكا ان اتخذ الكونجرس قراراً ضد نظام معين بأغلبية 422 صوتاً ضد اثنين فقط.


    امريكا ليست دانفورث فقط.. هنالك قوى كثيرة ولا تستطيع الادارة ان تمنعها من دعم الجهة التي تريدها هذه القوى.


    خلاصة القول اننا تحدثنا عن افتراضات وتابعناها لنهاياتها تقريباً.. ولكن بغض النظر عن ذلك فان الحقيقة التي اجد نفسي متأكداً منها هي اهتمام امريكا بارساء الديمقراطية في السودان الأمر الذي سيحل طردياً قضايا اخرى كثيرة مثل حقوق الانسان وحرية الاديان والحريات السياسية وغيرها.


    ـ هذا صحيح اذا كانت لدينا في السودان مؤسسات ديمقراطية حقيقية.. ولكن تجاربنا في هذا المجال لا تبعث على الأمل.. وهذا يفتح الباب أمام ملف جديد سيأتي لاحقاً.. ولكن نعود لنقطة نجاح النظام في فك الحصار الذي كان مضروباً حوله، الا ترون ان النظام نجح في اعادة علاقاته مع مصر واريتريا واثيوبيا واوغندا، وانفتحت امامه أبواب المنطقة العربية كلها ناهيك عن دول الاتحاد الأوروبي؟ ـ هذا صحيح ولكن كان لذلك ثمن كبير دفعه النظام.. وتبدو هنا المفارقة.. النظام لكي يصل إلى هذه النقطة تنازل عن كل ما كان يسميه ثوابت وتنكر لكل شيء كان يدعو له.. وانتهى به الأمر إلى ادانة الحركة التي نشأت في حضنه.


    ـ لكنه كسب في المقابل.. فيما تراجعت المعارضة في كل الميادين حتى انها خسرت الحلفاء.. ولم تربح شيئاً؟ ـ نعم خسرت حلفاء لكن لا يستطيع ان نقول انها لم تربح.. ربحت بأنها ارغمت النظام على التراجع والتنكر لشعاراته حتى ان النظام بات اليوم يخاطب اوروبا وامريكا بلغة الحرص على الديمقراطية والتعددية.


    ـ هذا يمكن ان يكون مجرد كلام وخلاص ويبقى الامر على ما هو عليه حتى ان البشير في آخر خطاب له في افتتاح مؤتمر البرلمانات العربية أكد تمسك النظام بكل ثوابته.


    ـ حسنا.. فليقل ما يريد داخلياً ولكن عندما تذهب وفوده وعندما يتحدث وزراؤه في الخارج في باريس وفي لندن بغير ما يتحدث به البشير.. فان المحك سيكون غداً عندما يعقد اجتماع لكل الاطراف للبحث عن حل.. اجتماع مشابه لاجتماع سويسرا ويطلب من الجميع طروحاتهم لتحقيق الديمقراطية فانهم لن يجدوا مخرجاً سوى التخلي عما يسمونه بالثوابت.


    ـ بالمناسبة.. كيف دخلت سويسرا على الخط السوداني؟ ـ سويسرا على الخط منذ زمن بعيد.


    ـ نريد تفاصيل.


    ـ كان ذلك عن طريق سفيرهم في نيروبي منذ ايام مؤتمر برشلونة وفي مؤتمر لاهاي.


    ـ هل للتجمع أي قناة مع السويسريين؟ ـ «بعد صمت» إذا اعتبرتني من التجمع نعم «ويضحك».


    ـ نعود لملف التجمع مجدداً.. لوحظ ان التجمع انكمش مؤخراً وخفض صوته حتى قيل انه وهب دوره للحركة التي علا صوتها اكثر فأكثر خصوصاً بعد خروج المهدي من صفوفه.. هل توافق على ذلك؟ ـ قد يكون مرد الأمر إلى ان الحركة هي التي تحارب فعلاً في الميدان.


    ـ السؤال بطريقة معدلة واكثر تحديدا.. هل شعرتم في التجمع بانكم خسرتم بخروج الصادق المهدي؟ ـ للخسارة أكثر من معنى ولكن ينبغي الا نسمح للنظام بان يتقوى بالداخل. ولحسن الحظ فان رجوع الصادق اثبت صحة المخاوف التي كانت تثيرها المعارضة بالخارج وكذب عملياً اوهامه بامكانية اقناع النظام سلماً.. واذا ثبت بالفعل ان المهدي فشل في ذلك فهذا مكسب للتجمع وليس خسارة.. ورغم ذلك كرر التجمع كثيراً القول بأن مكان حزب الأمة لا يزال شاغراً في صفوف المعارضة.


    ـ أما زلتم تعتقدون ان هذا المكان شاغر بالفعل حتى الآن؟ ـ نعم.. مازلنا نعتقد ذلك.


    ـ هل هنالك أي جهود لاعادة حزب الأمة إلى مكانه الشاغر بالتجمع؟ ـ بالطبع.


    ـ ماذا تم من خطوات عملية في هذا الاتجاه؟ ـ آخر اجتماع للتجمع صدر عنه نداء لحزب الأمة.


    ـ هل هنالك تجاوب من الحزب.. هل هنالك اتصالات مباشرة لمحاولة اقناعهم بالعودة لصفوف التجمع؟ ـ المؤسف في موقف حزب الأمة انه منشق على نفسه.. هنالك عناصر تدفع في اتجاه التحالف مع النظام وعناصر اخرى تعارض ذلك بشدة. لنؤازر هذه العناصر الرافضة للنظام علينا ان نفعل شيئاً ونواصل التواصل ونسعى لذلك.


    ـ يبدو ان المهدي فكر في سد الفراغ الذي تركه الترابي عندما انشق عن النظام.. لماذا لم يفكر التجمع في هذا الاتجاه عندما وقف النظام عارياً بعد انشقاق الترابي، ليتم احتواؤه في مرحلة تالية بعد التعاون معه؟ ـ كيف يمكننا ان نتعاون مع النظام اذا كان لا يزال متشبثاً بمواقفه وثوابته؟ ـ لقد قلت قبل قليل ان النظام تنكر لكل ثوابته وتقول الآن انه متشبث بها.. ألا ترى تناقضا في حديثك؟ ـ انا اقصد انه متشبث بموقعه.. بمعنى آخر بات واضحاً الآن ان ثوابت النظام تقلصت إلى التشبث بالسلطة ولم تعد الشعارات والاطروحات التي كانت تملأ بها الدنيا ضجيجا. وهنالك عناصر داخل هذا النظام لا يمكن ان تتنازل عن هذه السلطة.. تريد ان تمسك بالمقاتيح لانها تخشى على نفسها اذا ابتعدت عن السلطة. وهذا ليس مجرد تخرص.. ففي اجتماع جيبوتي بين الوفد الحكومي والصادق، وعندما طرح الاخير موضوع المساءلة قال له نافع ابراهيم نافع بكل وضوح: لا يمكن ان نقبل بادراج بند كهذا لترسلونا إلى المشانق بموجبه لاحقاً.


    وهذا ما دفع الصادق الى القبول بتعديل البند إلى صيغة تعني العفو المتبادل.. وما إلى ذلك.


    الخلاصة ان المجموعة المسيطرة على السلطة لا يمكن ان تتنازل عنها، ما يعني استحالة التعاون معها.. الكلام يكون منطقياً اذ دعوت إلى التعاون مع الجناح المنشق عن النظام في اتجاه اسقاط الجناح المتشبث بالسلطة.


    ـ هنا يطل سؤال يشغل بال الكثيرين: كيف سمحتم لانفسكم ان تتسارعوا إلى الغفران للترابي عن كل مساويء النظام في ذروة سيطرته على مفاصل الحكم.. رغم انكم تعلمون انه هو الذي خطط للانقلاب واتى بالنظام وظل عرابه الذي ابتدع «الثوابت» واذاق معارضيه أنواع العذاب لسنوات عدة؟ كيف نفهم ان تنسوا كل هذا وتهرعوا للتنسيق معه لمحاربة المجموعة الحاكمة التي تبدو هي المعتدلة بدليل اتساع هامش الحرية بعد ذهاب الترابي؟ ـ هذا أيضاً كلام مبني على افتراضات. أي ان هنالك طرفا معتدلا وآخر متشددا داخل النظام.. انا شخصياً لا اعتقد ان المجموعة الحاكمة الان طرف معتدل.. الفرق بين الطرفين ان الترابي يلعب السياسة، أما هؤلاء فأناس سلطويون. أما ما يردده البعض حول ان الخلاف بين النظام والترابي بدأ يوم خروجه من صفوفه، فهذا خطأ. لأن المعركة بدأت منذ ان طالب الترابي بحل مجلس الثورة.. وبدأت عندما قرر حل الجبهة الإسلامية القومية لتكوين حزب عريض وادخل فيه مسيحيين.


    ـ معنى هذا انك تشهد على صحة ما يردده مناصرو الترابي من ان سبب الخلاف كان مطالبته بتوسيع دائرة الحرية والديمقراطية وان المجموعة الحاكمة الآن هي التي رفضت هذا التوجه؟ ـ نعم اوافق على ذلك تماماً.. الأمر الآخر ان العمل السياسي الحقيقي يحتاج لحسبة واقعية والواقع ان الترابي له قاعدة جماهيرية ولكنه لا يحكم.. واذا كنا نستعد للدخول في حكومة انتقالية تقبل حتى بالبشير فليس من المنطق ان نرفض التعاون مع الترابي لاسقاط النظام. ولابد من اعطاء حزب الترابي شرعية في أي وضع مقبل بأي صورة من الصور خاصة وان التوجه خلال الحوار الدائر حالياً على جميع المستويات سواء كان المبادرة المصرية الليبية أو مبادرة ايجاد أو مقترحات امريكية كلها قائمة على اقتسام السلطة بمشاركة الجميع. وبالتالي ليس منطقياً ان ارفض التعاون مع الترابي الذي قبل، ليس فقط بموضوع الفترة الانتقالية التي تحل محل حكومة البشير، بل قبل حتى بموضوع المحاسبة كما ورد في مذكرة التفاهم مع الحركة.. وهو الأمر الذي رفضته المجموعة الحاكمة في اتفاقها مع الصادق في جيبوتي.


    ـ هل هنالك اتجاه لضم حزب الترابي إلى التجمع وماذا سيحصل اذا قدم الترابي طلباً بذلك؟ ـ لا يوجد شيء عملي محدد في اتجاه ضم أو انضمام حزب الترابي للتجمع ولكن التجمع وجه في اجتماعه الأخير فصائله في الداخل إلى التعاون سياسياً مع كل القوى المعارضة للنظام للعمل ضده.


    ـ ما الذي يمنع انضمام حزب الترابي للتجمع رسمياً؟ ـ اضافة إلى ضرورة الموافقة على مواثيق التجمع قد تكون هنالك أسباب سيكولوجية لدى الطرفين. ولكن على كل حال لكي يتم التعاون على عمل سياسي ليس من الضرورة ان ينحشر جميع الاطراف في بوتقة بعينها.


    ـ هل انتم الرافضون لانضمامهم أم هم؟ ـ لم يحصل طرح محدد في هذا الاتجاه لنرفض نحن أو يرفضوا هم.. ولكن هنالك اتفاق بين الحركة وحزب الترابي على ان تعمل الحركة على طرح وجهة نظر «المؤتمر الشعبي» على التجمع.


    ـ نعود لملف التجمع.. وهنا يلاحظ ان التجمع يمر بحالة «بيات شتوي»، ولم يعد يملك زمام المبادرة لا سياسياً ولا عسكرياً واصبح يعتمد في مواقفه على مجرد رد الفعل. والمشهد بكامله مدعاة لتفشي حالة احباط شديدة للشعب السوداني ومتابعي قضيته وسط كم هائل من المبادرات.


    بعيداً عن التنظير وما ظللنا نسمعه من ضجيج شفهي كثير، ما هو تصور التجمع السياسي للخروج من هذه الدوامة؟ ـ اعتقد ان الاعتماد على المبادرات الخارجية اتجاه غير سليم.. وصحيح ان التجمع لم يكن منبعاً لهذه المبادرات بل كان فقط يدلي برأيه فيها ويفتح قنوات اتصال وحوار مع أصحاب المبادرات لكن المحك الحقيقي والميدان الأساسي للعمل يظل هو التحرك في الداخل.. العامل الأساسي الذي يمكن التعويل عليه لتغيير الموازين هو قدرة التجمع في تفعيل العمل السياسي بالداخل، وليس بالضرورة الاعتماد فقط على العمل العسكري.. وهذه قضية تعتمد أيضاً على تفاعل المواطنين السودانيين مع تحرك التجمع وعلى عاتقهم تقع مسئولية كبرى.


    ـ كيف تتفاعل الجماهير مع تحرك لا ترى له قيادة فاعلة.. التجمع يتابع فقط تحركات محدودة لقيادة عاجزة عن تحريك قدرات الجماهير؟ ـ كيف لا توجد قيادة؟ ـ يرد ذلك في صلب حديثك.. انت تقول ان المهدي عاجز عن التحرك خارج العاصمة ومقيد في حركته السياسية.. والتجمع بالداخل ممنوع من السفر إلى الخارج للتنسيق مع تجمع الخارج؟ ـ انا قصدت ان المواطن السوداني عليه مسئولية المساهمة بما يستطيع في العمل المعارض، واكرر القول ان العمل الأهم هو التحرك في الداخل.


    ـ هل تراهنون حقاً على تحرك ضد النظام من الداخل وما هي متطلبات ذلك؟ ـ بصراحة التحرك في الداخل لا يحتاج سوى للمال! الفلوس وبس.. التمويل هو المشكلة الحقيقية.. واعتقد ان 5 ملايين يمكن ان تحل المشكلة. ـ الا يملك التجمع 5 ملايين؟! ـ بالطبع لا يملك.


    ـ ولا الحركة؟ ـ الحركة الآن تحتضر «قاعدة تموت»!! ـ نسألك من منطلق مكانتك الفكرية والثقافية ومن منطلق ما عرف عنك بالصراحة الشديدة في تشريح مكامن الاخفاق في السياسة السودانية، كما طالعنا ذلك في سلسلة كتبك مثل «لا خير فينا ان لم نقلها».. و«النخبة السودانية وادمان الفشل».. و«حوار مع الصفوة» .. على ضوء ذلك نريد اجابة صريحة: هل أنت راض عن مسيرة التجمع بكل ما يجري داخله؟ ـ هل تريدون ان أعلن آرائي السلبية حول التجمع وانا عضو في قيادته؟ ـ نعتقد ان ذلك سيكون مفيداً للتجمع نفسه.. لم لا؟ لان سياسة الطبطبة المتبعة ادت إلى كارثة وستؤدي إلى المزيد.. لابد من نقد ذاتي جريء وصريح.. ما رأيك؟ ـ صحيح.. صحيح.


    ـ الا توافقنا الرأي في ان الصمت في مثل هذه المواقف يوازي خيانة القضية؟ ـ نعم.. لكن المرء يكون متنازعاً احياناً بين موازنات كثيرة.. وللكتابة عن التجربة بتجرد هذا يستدعي استقالتي من موقعي!! ـ لكنك كتبت عن نظام النميري وانت داخله فصدرت سلسلة «لا خير فينا ان لم نقلها» وانت لا تزال في موقعك بقيادة تنظيم الاتحاد الاشتراكي الحاكم أليس كذلك؟ ـ نعم.. نعم.


    ـ هكذا عرفناك صريحاً.. تنتقد النميري.. وتقيم تجارب الهامات الوطنية بتجرد وترصد لهم وما عليهم، وكتبت في الصادق المهدي «ما لم يقله مالك في الخمر» كما يقولون.. فما الذي يسكت قلمك عن التجمع؟ ـ هل هذا تأليب؟ قالها «ضاحكاً».


    ـ لا بل المقصود توضيح أهمية النقد الذاتي ولا ندري ان كان التجمع يمارس ذلك داخل الغرف المغلقة على الأقل.. أم لا.وعلى صلة بالسؤال: هل صحيح ان ما يقال ان الميرغني واقع تحت وصاية الحركة؟ وان الفصائل الاخرى في التجمع واقعة تحت وصاية الميرغني؟ ـ لا.. لا.. هذا غير صحيح.. ومن يحضر اجتماعات التجمع سيجد ان النقاش خلاله يتسم بصراحة شديدة.. ولا اظن ان... ـ قال مبارك الفاضل ان السيد محمد عثمان الميرغني لا يحتمل ان يتعامل معه الناس بصفته السياسية انما يريد ان يعامل من حوله على أساس زعامته الطائفية باظهار الاجلال و«تبويس الايادي» والموافقة على كل ما يقول.. هل هذا صحيح؟ ـ انا شخصياً لا اتعامل معه بهذه الطريقة.. والتعامل بيننا طبيعي جداً.. وان كان يرى مبارك المهدي غير هذا فهذا شأنه.


    ـ يتردد مؤخراً ان هنالك نوعاً من عدم الانسجام بين بعض فصائل التجمع والميرغني.. وان ذلك هو السبب في تراجع ديناميكية التجمع ما مدى صحة ذلك؟ ـ لا اظن ان المسألة عدم انسجام.. القضية تكمن في قلة، بل انعدام، الموارد المالية.


    ـ ونظن ايضاً ان المشكلة ليست في الموارد فحسب.. بل واضح ان التجمع يعقد اجتماعاً ويتخذ قرارات كبيرة وبحماس شديد.. وما ان ينفض الجمع حتى يعود كل شيء إلى ما كان عليه.. هل توافقنا على ذلك؟ ـ نعم.. وبصراحة هذه مشكلة في الشخصية السودانية.. السودانيون درجوا على الاعتقاد بأن أي قضية يمكن ان تحل بالكلام عنها.. لكنهم لم يعتادوا على تنزيل هذا الكلام إلى برامج محددة.. هذا يحدث حتى في اجتماعات مجلس الوزراء.. اذ يمكن ان يقدم احد الوزراء مشروعاً يكلف الملايين ويتحدث عنه بطريقة تقنع المجلس بتبنيه دون ان يكلف نفسه حتى مناقشة وزير المالية في كيفية تدبير موارد هذا المشروع!!.. هذه مشكلة حقيقية وتنطبق حتى على الأحزاب.


    ـ بهذا تكون قد اكتملت الصورة القاتمة للاوضاع التي سبق ان قلنا انها محبطة. اليس كذلك؟ ـ هذه هي الحقيقة.. ولكن لا تنسى ان الأمر ينطبق على كل فرد فينا ودعوني اسألكم كم من الناس هنا في اوساطكم لا هم لهم ان اجتمعوا سوى التحدث في نقائص التجمع؟.. لكن لكم منهم يطرح حلاً عملياً لتجنب هذه النقائص؟ لا أحد.. لا شيء سوى اجترار الحديث نفسه عن النقائض نفسها!! ـ حتى لا يلوك الناس سيرة التجمع بالنقائص الاجدر بالتجمع ان يناقش نقائصه ويحاول معالجتها.. اليس كذلك؟ ـ نعم.. نعم.


    ـ هل هذا هو ما يحدث فعلاً؟ ـ «بعد صمت».. نعم ولا!! ـ كيف؟ ـ نعم لانه يناقش فعلاً.. ولا لانه يناقش الأمر بالعقلية نفسها!! مثلاً: جميل ان يعقد اجتماع لبحث امكانية استقطاب دعم المغتربين للتجمع.. وجميل ان يتبرع احد المجتمعين بتقديم صورة وردية للأمر فيذكرنا بأن في الخليج مثلاً كذا الف مغترب ولو دفع كل واحد منهم ريالاً او درهماً واحداً فان الحصيلة ستكون كذا ثم ينتقل إلى الحديث عن المغتربين في المهاجر الغربية الذين يمكن ان نحصل منهم على كذا.. ويتحمس الجميع ولكن لا احد يسأل او يوضح من اين سنجد الموارد التي ستمكننا من الوصول إلى هؤلاء المتبرعين.. وهكذا.


    ـ هل هذه الصورة هي احد العوامل التي ربما دفعت الصادق المهدي لفقدان الثقة في التجمع وقطع آماله في اصلاحه؟ ـ لا.. مشكلة الصادق مشكلة مختلفة.


    ـ ما هي هذه المشكلة؟ ـ مشكلة الصادق تكمن في رغبته ان يكون دائماً هو «الالفة» ـ «عريف الفصل» ـ أي ان يكون هو القائد لكل شيء.


    ـ لكنكم عرضتم عليه هذا الدور ورفض؟ ـ عرضنا ماذا؟ ورفض ماذا؟ ـ بمجرد خروجه من السودان عرض عليه الميرغني اعادة تشكيل هيكل قيادة التجمع بحيث يتبوأ منصباً يتناسب وحجمه السياسي، أو قل حجم حزبه.. لكنه رفض متعهداً بأن يعمل من خارج القيادة بذات الحماس كما لو كان داخلها.. اليس كذلك؟ ـ هذا صحيح.. هذا صحيح.. لكنه كان يأتي بتصرفات توحي بتمسكه بدور «الالفة».. خذ مثلاً: اذا عقد اجتماع لقيادة التجمع تجد ان الصادق يصر على ان يسحب كرسيه ويجلس على المنصة بجانب الرئيس مع انه ليس عضواً «لان حزبه ممثل بشخص آخر» وليس هو نائب الرئيس!! ـ هل كان يقحم نفسه في هذه الاجتماعات بدون توجيه الدعوة اليه؟ ولماذا لم توقفوه عند حده ان كنتم ترون في ذلك ما يزعجكم؟ ـ في ذلك الوقت كنا بحاجة اليه!! ـ كان في نيتنا عندما بدأنا التحضير لهذه «الندوة» أو اللقاء ان نخرج في محصلته بمبادرة لمصالحة شخصية بينكم وبين الصادق المهدي لإزالة ما خلفه التناطح السياسي من حساسية في علاقاتكم.


    ـ «ضاحكاً».. ولماذا تزيلونها؟ ـ كلاكما رقم مهم في الساحة السياسية السودانية.. الا يكفي هذا مدعاة للتوافق بينكم لصالح السودان.


    ـ هل انتم راضون عما يفعله الصادق المهدي؟ ـ نحن وكل السودانيين غير راضين عن سيطرة الخصومة الشخصية والبغضاء بين قادة العمل السياسي في وطننا.


    ـ الأمر بيني وبين الصادق ليس خصومة شخصية.. لا ينافسني على شيء ولا انا انافسه في شيء.. وقد لاحظتم انني في كل ما كتبته عنه لا ابخسه حقه في التذكير بمكانته وامكانياته الشخصية كمثقف كبير.


    ـ وردت في خاطري على التو عبارة «ربنا ستر» وتساءلت عما اذا كانت هذه الروح المتنافرة هي التي كانت ستسود لو انكم تمكنتم من الحكم في ذروة فوران التجمع التي كان يتحرك ابانها المهدي بدينامية ونشاط مميز!! ما تعليقك؟ ـ لا ينبغي ان نفترض ان أي حكومة مقبلة بديلة للنظام لابد ان يكون الصادق أو نقد أو فلان أو علان شخصياً ممثلاً فيها! آن الأوان لان يتجنب الناس التفكير بهذه الطريقة الضيقة.. السودان بلد واسع فلماذا علينا ان نفترض ان يكون فلان او علان هو الجدير بالحكم؟! ـ قبل ان ننتقل من ملف التجمع إلى ملف آخر.. اود ان اسمع ردكم على حجة النظام التي تبدو مقنعة عندما برر منع وفد تجمع الداخل من السفر إلى القاهرة لحضور الاجتماع الأخير.


    ـ ما هي هذه الحجة المقنعة؟ ـ يقول المسئولون في الخرطوم انهم سمحوا لذات الوفد بالمشاركة في اجتماع اسمرة الذي سبق اجتماع القاهرة لابداء حسن النية تجاه التجمع ودفعه نحو التركيز على الحل السلمي وتحقيق الوفاق فاذا بالقادمين من الداخل هم الذين يحرضون الاجتماع على التمسك بالعمل المسلح.. ولا حكومة في الدنيا يمكن ان ترضى بمنح حرية العمل والتحرك لتنظيم يدعو علناً لحمل السلاح لاسقاطها فما ردكم؟ ـ هذه ليست الحقيقة لأن وفد الداخل عندما وصل إلى اسمرة كنا قد قررنا الا يحضر اعضاؤه الجلسات المخصصة لمناقشة هذا الأمر. وبالتالي فان اهل الحكم قد كذبوا كذبة صريحة في هذه النقطة.. هذا من جانب، من الجانب الاخر فان ما قيل يندرج في اطار الاسلوب «الملولب» «المراوغ».. والا... ترى لماذا تريد الحكومة التفاوض مع التجمع؟ بالطبع لانهاء حرب قائمة فعلاً.. ولان التجمع له قوات تحارب في الشمال والشرق والمناطق الأخرى.. وبالتالي فان التحاجج بأن وفد الداخل قام للترويج للعمل العسكري ذريعة واهية لان التجمع لا يحتاج إلى شخص أو اثنين يأتيان من الخرطوم ليقنعاه بالعمل المسلح.


    من جانب ثالث من الخطأ ان تتعامل السلطة مع أعضاء وفد الداخل وكأنهم سفراء لها وجاءوا لعرض رؤيتها.. هؤلاء ليسوا سفراء للنظام وهؤلاء ليسوا شخصيات مستقلة تمثل انفسها... بل هم ممثلون للتجمع بالداخل وبالتالي فان اطروحاتهم وافكارهم وبرامجهم هي نفسها التي يتبناها التجمع.


    ـ خلاصة الأمر.. إلى اين تمضي مآل الأمور بمجملها؟وهل انت متفائل بالمستقبل.. هل في الافق ما يشير فعلاً إلى ان السلام والوئام والاستقرار مقبل.. ام تشير المؤشرات إلى ان الاسوأ هو المقبل باستمرار الدمار واراقة الدماء وربما انتهاء بانفصال الجنوب؟ في أي اتجاه تمضي الأمور؟ ـ الأمر رهين بموقف النظام.. اذا اصر على اجندته واقصد هنا اجندة فرض الأمور السياسية كما يريد، في هذه الحالة لن يكون هنالك ايقاف حرب.. والعالم لن يقف طويلاً موقف المتفرج من هذه الملهاة، هذه الحقيقة يجب التركيز عليها. وهي ادعى إلى ان يصر الناس في الشمال على تصعيد العمل السياسي ضد النظام.


    ـ يتردد ان هنالك مجموعة داخل الحركة ترى انه بعد كل الارواح التي زهقت في الحرب وقيام ما يشبه الدولة فان اية تسوية لا تؤدي إلى انفصال الجنوب ـ بما فيها الكونفيدرالية ـ تعتبر ردة إلى الوراء.. هل هذا صحيح؟ ـ نعم هنالك عناصر مثل هؤلاء في الجنوب وفي الشمال أيضاً.


    ـ نسأل عن وجودهم داخل الحركة؟ ـ نعم موجودون داخل الحركة.


    ـ هل لهم ثقل كبير؟ ـ بالطبع ليسوا التيار الغالب.. والا لكانت القضية قد حسمت منذ زمن.


    ـ لا نقصد عددهم.. ربما لهم نفوذ كبير احتكاماً بالسلاح مثلاً.


    ـ لا.. هم اناس اصيبوا بالاحباط كما اصبتم انتم به من طول امد الحرب.. ويرون انهم يموتون من اجل هدف لا يموت الشماليون انفسهم من اجله.. وهذا يبدو منطقياً من جانب.. ولكن قيادة الحركة لانها تملك نظرة مستقبلية واعية تدرك ان هذا صراع.. والصراع قد يلتهم اجيالاً!.. هذا بالنسبة لشخص يتمتع بالوعي السياسي لكن ذوو الوعي المحدود لا يملكون تقدير الأمور بطريقة صائبة.


    ـ اذن دعني اطرح سؤالاً يراود بعض ذوي «الوعي المحدود» هؤلاء.. ما الذي يضير لو انفصل الجنوب ثمناً للخروج من هذه المحرقة التي قد تلتهم اجيالاً كما تقول؟ ماذا يضير لو قامت دولتان متجاورتان لتعيشا في سلام؟ ولماذا لا يطالب الشماليون انفسهم بفصل الجنوب لانهاء حرب لا نرى لها نهاية ولا مكسباً يستحق اهدار كل هذه الدماء؟ اين تكمن الخطورة اذا انفصل الجنوب؟ هذا السؤال اطرحه عليك بصفتك احد ابناء الشمال.. لا بصفتك القيادية في الحركة.


    ـ يا عزيزي.. كل الحروب في الجنوب منذ الاستقلال «عام 56م» هي حروب فرضها الشماليون على الجنوب للاحتفاظ بهذا الجزء من الوطن.


    بمعنى آخر الجنوبيون لم يشعلوا حرباً لينفصلوا وانما الشماليون هم الذين بدأوا الحرب ليوقفوا ما ظنوه محاولة للانفصال.. وعندما تأتي بعد كل هذه الحروب لتقول: خلاص.. وكأن شيئاً لم يكن.. تكون مطالباً بأن تجري استطلاعاً أو استفتاء.


    ـ السؤال بطريقة اخرى.. ما هي المخاطر التي تحيق بالشمال في حال انفصل الجنوب؟ ـ المخاطر كثيرة.. أولاً: لا احد يعرف المدى الذي ستصل إليه تداعيات الانفصال على المناطق الاخرى فقد «تكر السبحة».


    ثانياً: الجنوب هو مستودع الثروات الحقيقية اليوم من نفط ومياه وغابات واراض زراعية وغيرها.. في الوقت الذي يعاني الشمال من زحف التصحر، الذي يصل حتى كوستى.. هذا واقع مخيف ولا نفعل شيئاً لايقافه.. فهل الشعب السوداني مستعد للتضحية بكل هذا ليكون الثمن قيام دولة دينية؟! اذ لا يقف عقبة أمام الوحدة سوى هذه العقبة التي يفتعلها النظام، في تقاطع مع طروحات كل القوى السياسية الاخرى.. ثم هل سيقبل الشماليون المطالبون بدولة مدنية بقيام دولة دينية ويكون ثمنها تقطيع اوصال الوطن؟ ـ لكن لا ننسى ان الثروات في الشمال ليست بالقدر الهين.. تتحدث عن الاراضي الزراعية والمياه والثروات المعدنية وهي متوفرة في الشمال.. ثم ان الحرب الممتدة منذ اكثر من خمسين عاما ولا نرى في الافق نهاية لها تلتهم ثروات الشمال ولا تتيح امكانية للاستفادة من ثروات الجنوب.. إلى جانب ان الأموال التي صرفت في هذه الحرب اللعينة ـ دعك من الارواح التي ازهقت ـ كانت كفيلة بجعل دولة في الشمال في مصاف الدول المتقدمة؟ ـ هذه مجرد افتراضات.. لكن السؤال الملح الآن هو: اليوم الظروف مهيأة اكثر مما مضى لتحقيق الوحدة ببروز قوى جنوبية، لأول مرة، تصر على اقامة دولة مدنية موحدة.. فلماذا نضحي بهذه الظروف في سبيل التمسك بدولة دينية هي مثار جدل ـ ان لم يكن رفض ـ حتى في الشمال؟ ـ سأنتقل مباشرة إلى سؤال ترددت في طرحه لما فيه من جانب شخصي لكنني استصوبت تحمل الحرج من اجل القاريء الذي افترض انه يتشوق لسماع ردك.. فقد تردد كثيراً بل ويطفح على صفحات بعض الصحف من آن لآخر انك عميل للمخابرات الأمريكية.. ما ردك على مروجي هذه التهمة؟ ـ تريدني ان اجيب على سؤال كهذا في خضم حديثنا عن هذه القضايا المهمة؟! ـ تماماً.. واصر على السؤال لانه يطرق ذهن الكثيرين ولان الوقت قد ازف لنختم اللقاء؟ ـ حسنا مثل هذا الكلام درجنا على تجاهله وتجاوزه لانه يندرج في خانة «السفاهة».. وهذه من التهم السائدة في المنطقة خاصة من قبل الجماعات المتطرفة ـ أياً كان نوع التطرف ـ ضد كل من يخالفهم الرأي.. وقذف الناس بتهم مثل هذه تنضح «بالسخافة» خصوصاً في عالم اليوم.. في زمن تقوم فيه امريكا بالتدخل في كل شيء حتى انها تسعى لحل قضية فلسطين وعبر مخابراتها. في زمن مثل هذا يكون مثل هذا الكلام غير ذي معنى ولذلك لا اقف عنده كثيراً ولا اعيره اهتماماً. من جانب اخر عندما يكون المرء قد تربى في احضان الامم المتحدة ويتدرج الى مكانة تؤهله لخلق علاقات واسعة مع اشخاص رفيعي المستوى وتؤهله بالتالي حتى للالتقاء برؤساء أمريكا نفسها فلا يكون عندها في حاجة ليكون مجرد عميل لجهاز في إدارتها!!
    http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/03/13/sya/44.htm
                  

03-15-2003, 07:53 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    د.منصور خالد فى لقاء مع الجزيرة
    موقف المعارضة السودانية من التطورات الأخيرة في السودان

    مالك التريكي: عندما بدأت الحكومة السودانية في يوليو الماضي محاولة تسويق اتفاق ماشاكوس لدى الدول العربية كان من أهم الحجج التي ساقتها في معرض الطمأنة بأن انفصال الجنوب ليس مسألة حتمية وبأن في وسع العرب الحيلولة دون تحقق هذا الاحتمال إن كانوا فعلاً جادين في الحفاظ على الأمن القومي العربي كان من أهم حجج الخرطوم أن أفضل ضمان لإقناع سكان جنوب السودان بترجيح خيار الوحدة على خيار الانفصال في الاستفتاء الشعبي الذي سيعقب فترة الأعوام الستة الانتقالية، هو تنفيذ مشاريع إنمائية وتطوير البنى التحتية في جنوب السودان بتمويل عربي واضح للعيان، إلا أن هذه القضية الاقتصادية الهامة لا تنفصل عن قضية سياسية لها –على الأقل- نفس القدر من الأهمية إن لم يكن أكثر وتتعلق هذه القضية السياسية بالحكومة السودانية دون سواها، لأنها تتمثل في مدى الاستجابة لمطلب المعارضة بعدم الاكتفاء بتقاسم الحكم مع الإدارة الجديدة في الجنوب، بل القبول بما يسيمه التجمع الوطني الديمقراطي المعارض ومستشاره السياسي الدكتور خالد منصور بإعادة هيكلة السلطة.

    دكتور خالد منصور، معروف أن موضوع تقاسم السلطة هو من أهم المواضيع المطروحة على جدول أعمال مفاوضات ماشاكوس، معروف عنكم أيضاً أنكم لا تكتفون ببند اقتسام السلطة، بل تدعون إلى ما تسمونه بإعادة هيكلة السلطة، أليس هذا مطلباً تعجيزياً للحكومة قد يؤدي بها إلى أن تُتهم بالمسؤولية عن فشل المفاوضات؟

    د. منصور خالد: إلا إن كان المطلوب من هذه المفاوضات هو انصهار المعارضة في النظام والقبول به بكل عجره وبجره نحن لا نطالب ولا نتوقع أن نُسترضخ وراء.. خلف هذا النظام، نحن نريد أن نتفق مع النظام باعتباره نظام الأمر الواقع ومع تيار سياسي سوداني، اللي هو التيار الإسلامي على إعادة رسم الخارطة السياسية السودانية، فإن ظننت أن في هذا تعجيز، فكأنك تريد منا أن ننصهر على النظام بكل ما فيه، بالرغم من أن السنوات الماضية، 12 أو 13 سنة الماضية يعني كشفت عن.. أولاً عجز هذا النظام عن البقاء وثانياً عن الرفض المستمر من جانب كل القوى السياسية له، وعندما نتحدث عن إعادة هيكلة السلطة، نحن لا نطلب المستحيل، نحن نقول علينا أن نعود إلى منصة التأسيس لنرى، أولاً ما هي نوع المؤسسات في الفترة الانتقالية التي يمكن أن نتواطأ عليها جميعاً لإدارة الحكم، هذا يشمل المؤسسات السيادية، بيشمل المؤسسات الاقتصادية، بيشمل الأجهزة الأمنية، بيشمل الأجهزة الدبلوماسية، بيشمل القضاء، وهنالك قضايا بتتعلق بمبادئ مثل الدستور ومثل قضايا حقوق الإنسان، وكل اللي بنطلبه أن.. أن يتم هذا باتفاق، قد يجيء النظام ليقول أنه كل ما صنعناه سيبقى، وأننا يعني أصحاب حق في أن نفرض على الشعب السوداني الدستور الذي وضعناه والقوانين التي وضعناها، والمؤسسات الاقتصادية التي اصطنعناها، والأجهزة الأمنية، والأجهزة الدبلوماسية، لكن عليه أن يُتبع هذا بالتبرير، لماذا يظن هذا؟ هل لأن لديه تفويض من الشعب، أم لأن.. أنه يظن بأن الرسالة تنزلت عليه بهذا؟ نحن نتحدث في السياسة، إن كان يتحدث معنا بلغة أصحاب الرسالات فلا مجال للحديث مطلقاً معه، لأنه هذا لا يدخل في باب سياسة، وإنما يدخل في باب الميتافيزيق، والسياسة سياسة علم فيزيقي، كل الذي نريد أن نجلس لمناقشه هذه القضايا...

    مالك التريكي [مقاطعاً]: مما يثبت دكتور.. دكتور خالد، مما.. مما يثبت أن السياسة علم.. علم فيزيقي هو أنكم توصلتم في اتفاق ماشاكوس إلى حل معقول للقضية الشائكة، هي قضية علاقة الدين بالدولة، أليس في هذا الاتفاق المبدئي حل للمشكلة، على اعتبار أن ما فُهم، ولكم أن تصححوا إن كنت مخطئاً، ما فُهم أنه سيكون هنالك دستوران مختلفان للكيانين الشمالي والجنوبي.

    د. منصور خالد: صحيح، يعني نحن ظللنا، وأنا بالذات ظللت أقول دوماً بأن اللقاء الذي تم بين الرئيس البشير والدكتور جون جارنج في (كمبالا) يعني أعطانا انطباع بأنه ذلك الاتفاق يمكن أن يطور، و.. لكن لسوء الحظ هنالك مجموعات في داخل النظام تعرف جيدا بأنها ستكون هي الخاسرة، هذه المجموعات هي التي تسعى لعرقلة هذا الاتفاق، ولا أظن أنه أي شخص عاقل يعني يتوقع لا من الحركة، ولا من التجمع، ولا من الوسطاء، ولا من الرقباء أن يقبلوا أي مسعى للهيمنة الكاملة على الأجهزة القائمة الآن، والطلب من المعارضين كانوا هم الحركة الشعبية، أو التجمع الوطني أن يوقعوا على صك ببياض يعني، أيضاً أقول..

    مالك التريكي: هناك في الحكومة أيضاً دكتور خالد، في الحكومة هنالك أوساط أيضاً ترد نفس الاتهام إلى الحركة الشعبية لتحرير.. لتحرير السودان وتقول إن هنالك أوساطاً داخلها ليست راغبة في تحقيق السلام، لأنها ستخسر أيضاً كثيراً من.. من نفوذها الآن.

    د. منصور خالد: أشك في هذا، لأنه الأوساط التي يمكن أن توصف بالتشدد قد تكون هي الأوساط الانفصالية، وهذه الأوساط لابد أن تكون سعيدة بما تم الاتفاق عليه في.. في ماشاكوس، لكن دعني أضع النقط.. النقاط فوق الحروف، أنا أتحدث ببساطة عن أنه هنالك ضرورة لأن نعيد أو نتفق سوياً على كيف تعاد صياغة الأجهزة الأمنية، الأجهزة الدبلوماسية، الأجهزة الاقتصادية، وفيما يتعلق بنصوص الدستور هنالك في اتفاق ماشاكوس يعني ما ينص على هذا، بأنه ستكون لجنة لإعادة النظر في الدستور، أو وضع إطار قانوني ودستوري في الفترة الانتقالية، التفاصيل هذه هي المشكلة، يعني بروتوكول ماشاكوس لا يمكن اعتباره أكثر من أنه إطار، هذا الإطار لابد أن يُملى، وهذا هو الذي نسعى إليه، وفي اعتقادي أنه ما حدث في توريت أو الانسحاب الذي حدث بعد توريت لم يكن بشأن توريت أبداً، وإنما كان ذريعة للتهرب من مجابهة هذه الأسئلة، خاصة في قضايا تعني مجموعات معينة في داخل النظام.

    مالك التريكي: دكتور خالد، أنتم تعلمون أن السبب الرسمي المعلن لانسحاب الحكومة من المفاوضات في بداية الشهر الماضي كان سقوط توريت في أيدي قوات الحركة، لكن السبب الحقيقي هو أن الحكومة لم تكن راضية عما تعتبره عدم حياد هيئة الإيجاد، ومن خلفها الوسطاء، وخاصة الولايات المتحدة في الإشراف على المفاوضات، ما رأيكم في هذه النقطة، عدم حياد الوسطاء؟

    د. منصور خالد: هذا باطل، لأنه الوسطاء ظلوا دائماً يشاركون في هذه المفاوضات عبر سفرائهم، ولم يخرجوا مطلقاً عن ما جاء به إعلان المبادئ. فيما يتعلق المراقبين، اللي هم الدول الثلاثة...

    مالك التريكي [مقاطعاً]: استتباعاً.. دكتور، دكتور، استتباعاً.. استتباعاً.

    د. منصور خالد: نعم.

    مالك التريكي: فبما تفسرون أن أميركا الآن عبر الكونجرس والقانون الذي أجازته قبل أسبوع مجلس النواب، يُحمِّل الحكومة مسبقاً مسؤولية إمكان فشل المفاوضات، ولا يحملكم أي شيء.

    د. منصور خالد: أولاً هذا غير صحيح، ويؤسفني أنه وزير الخارجية يعني أراد أن يشوه الذي حدث، وينسبه (لجون براندر جست) يجب أن يعرف وزير الخارجية أنه الجماعات التي كانت وراء هذا، والأسماء، يعني أسماء زي كونجرسمان (بين)، كونجرسمان (وولف)، سيناتور (باون باك)، كونجرسمان (كانكريدو)، (جراهام).. (فرانكلين جراهام) هؤلاء الناس ظلوا طوال السنوات الماضية يتصدوا لقضايا حقوق الإنسان، يتصدوا لقضايا الاضطهاد الديني، يتصدوا لقضايا ما يسمى بالرق، وجميع هذه القضايا التي تصدوا لها كانت هنالك قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تدين فيها حكومة السودان، وبالتالي هؤلاء الناس لم يفتعلوا قضايا، إذا.. هذه النقطة الأولى.

    النقطة الثانية: مشروع القرار ...... القانون يقول بصراحة أنه إذا حدث تعطيل للمفاوضات من أي جانب من الجانبين، لكنه فيما يتعلق بالحكومة، ذكر أنه إذا حدث التعطيل من جانب الحكومة، فتفرض عليها عقوبات معينة، إنما فيه إشارة للجانبين.

    مالك التريكي: الدكتور منصور خالد (المستشار السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي السوداني المعارض) من القاهرة، لك جزيل الشكر.
                  

03-15-2003, 07:58 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    د.منصور خالد ينعى شهيد الوطن الاستاذ محمود محمد طه
    وقد كان فوت الموت ســهلا فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعـر
    فأثبت في مستنقع المـوت رجلـه وقال لها من تحت أخمصك الحشر
    غدا غدوة والحمد نسـج ردائــه فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجـر
    مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشـتهت أنها قبر
    وما كان لمحمود أن يرد عنه غائلة الموت بالجزع، فما جزع من المصائب إلا من اتهم ربه.. وما كان ليدفع عنه البلوى بالانخزال أمام المهووسين، وبدع الدجاجلة، واضطغان الذين ما استطاعوا عبر ما يقارب نصف قرن من الزمان أن يجابهوا الرأي برأي أوثق.. فإن فعل خان ماضيه، وتنكَّر لتعاليمه، وقد عرف الناس الراحل الكريم، على لينِ عريكتِه، رجلاً أصمعيَّ الفؤاد، صلب القناة.. إن الذي يأبى على نفسه من الدنيا الفضول - ولا يطلع غيره على ما لا يعلمه عنه إلا الله، لا ينكسر أمام الموت كما يفعل "إمام" آخر الزمان الذي أكداه السعي وراء الحياة، فراراً في كل معركة، ولواذاً عند كل لقاء، وتهالكاً أمام كل مجابهة، فأين مروءة محمود من مِرائه، وأين حلم محمود من غلوائه، وأين تواضع محمود من خيلائه، وأين جرأة محمود من انخزاله وانزوائه..
    إن اغتيال محمود محمد طه، شهيد الفكر، لرزءٌ أكبر من أن توفيه الدموع السواجم. وما اغتال محموداً دهرٌ خئون، وإنما انتاشته سهام صدئة، أطلقها قضاة تالفون، ودعاة عاطبون، وحاكم فاجر، معتل العقل، آن له أن يلجم..
    لقد ذهب محمودٌ إلى رحاب سنية، وجنابٍ حانٍ، وهو راضٍ، وكيف لا يرضى بذلك، الرجل الذي يودع فلذة كبده، وعينه لا تدمع، وهو يقول لمن جاء لعزائه "لقد ذهب ابني إلى أبٍ أرحم"!! نعم! ذهب محمود إلى ذاك الأب الأرحم، وبقينا نحن في خُلْف شعورٍ وزمانٍ عقيمٍ عقم الخصي الأوكع الذي قتل أباً شجاعاً فتاكاً - نعم! بقينا نحن في زمان كزمان الصوفي المتبتل أبوبكر الواصلي، زمانٌ ليس فيه آداب الإسلام، ولا أخلاق الجاهلية، ولا أحلام ذوي المروءة، فما أشد أهل السودان اليوم حاجةً، وقد استبدت بهم الدواهي العظام، والكروب العضال إلى ذوي الرأي السديد والعزم الحديد.. أوغبن في الرأي وخورٌ في العزيمة؟! معاذ الله!
    لقد كانت دعوة محمود، على اختلاف الرأي حولها، دعوة مفكر حر، ما حمل يوماً عصا، حتى ليتوكأ عليها وهو الشيخ الذي قارب الثمانين، وكانت رسالته لمثقفي السودان، الذين أجدبت فيهم الأفئدة، وظمئت العقول، وأظلمت الألباب، كانت رسالته للمثقفين حتى يملكوا زمام أمرهم، ويوغلوا في دينهم المتين برفق، بدلاً لتركه للسفلة، السقاط، من المتاجرين بالدين والمطمورين بالخرافة، والمبخوسين حظاً بين الناس يوم قسمت العقول..
    وفي البدء كانت الكلمة، وقد بدأ محمود كلمته بالدعوة لخلق الجمال "لأن الله جميل يحب الجمال" ولا مكان للحب والجمال في نفوس الحاقدين والحاسدين، ناهيك عن القتلة السفاحين، وقد كتب شهيد الفكر في أول عدد من الصحيفة "الجمهورية" في الخامس عشر من يناير 1954 تحت عنوان "خلق الجمال":
    ((نحن نبشر بعالم جديد، وندعو إلى سبيل تحقيقه، ونزعم أنا نعرف ذلك السبيل، معرفةً عملية، أما ذلك العالم الجديد، فهو عالمٌ يسكنه رجالٌ ونساءٌ أحرار، قد برئت صدورهم من الغل والحقد، وسلمت عقولهم من السخف والخرافات، فهم في جميع أقطار هذا الكوكب، متآخون، متحابون، متساعدون، قد وظفوا أنفسهم لخلق الجمال في أنفسهم وفيما حولهم من الأشياء، فأصبحوا بذلك سادة هذا الكوكب، تسمو بهم الحياة فيه سمتاً فوق سمت، حتى تصبح وكأنها الروضة المونقة، تتفتح كل يوم عن جديد من الزهر، وجديد من الثمر))
    ففي البدء كانت هذه الكلمة، التي تدعو لعالم لحمته الحرية، وسداه الحب، ولا حرية مع الطغيان والخرافة، ولا حب مع الغل والحقد. وما قال محمود شهيد الفكر بأنه يعرف هذا العهد الجديد، كما يردد الأدعياء القاصرين، الذين يسعون لكتابة الفصل الأخير من تاريخ الإنسان، وإنما قال "نحن نبشر به"، وما قال محمود بأنه سيخلق هذا العالم الجديد الحافل بالزهر والثمر، كما يدعي الذين يتحدثون عن البعث الجديد وهم يذلون البشر بالتبول على رؤوسهم، وإنما قال "نحن ندعو إلى سبيل تحقيقه"، وما قال محمود وهو الأديب الأريب، لا الثأثأ الفأفأ، بأنه سيد العارفين الذي لا تكتنف دعاويه ذرة من شك، وإنما قال "إنا نعرف ذلك السبيل". ومن أجل كل هذا أحب الناس محموداً مع اختلافهم عليه. كان هذا هو البدء، ثم مضى في أخريات أيامه، - عوداً على البدء- يدعو مثقفي السودان للحوار الفكري، الحر الطليق، حول أمور دينهم ودنياهم، بدلاً من تركها للموميات المحنطة، والمنافقين المتكذبين باسم الإسلام. فقد عرف أهل السودان، كما عرفنا الدعاة الأطهار، وقد خلت نفوسهم من الغل، وسلمت أفئدتهم من الحسد، وطهرت ألسنتهم من الإسفاف، وتجافت أرواحهم عرض الدنيا الزائل، لا كشاف أئمة آخر الزمان الذين ما تركوا معصية إلا وولغوا فيها. ومن هذا رسالته (( النهج الإسلامي والدعاة السلفيون)) ديسمبر 1980 والتي جاء فيها:

    (( إن على المثقفين ألا يتركوا ساحة الفكر، لعقليات تريد أن تنقل تحجرها إلى الحياة باسم الدين، وتريد أن تصفي باسم تحكيم الإسلام سائر مكتسبات هذا الشعب التقدمية التي حققتها طلائـعه المثقفة عبر صراعها الطويل من أجل الحرية والمساواة، ثم على المثقفين أن يتخلصـوا من مواقفهم السلبية المعهودة نحو مسألة الدين فيكسروا الاحتكار الذي ضربه الدعـاة الدينيون حول الدين. إن المثقفين، في الحقيقة، لهم أولى بالدين من هؤلاء الدعاة الأدعياء الذين حجَّروا، وجمَّدوا الدين، ذلك بأن المثقفين يمثلون روح العصر، بأكثر مما يمثلها هؤلاء)).
    لقد أحسن شهيد الفكر الظن بدعوة نميري للإسلام، وما كانت تلك الدعوة إلا كلمة حق أريد بها باطل، فما أراد النميري الإسلام إلا سوط عذاب، وآلة تعذيب يقهر بها الخصم، ويروع بها المناهض. وما كان لذي الصبوات في شبابه، والنزوات في كهولته أن يفعل غير هذا، بل ما كان غريباً - والحال هذه- أن يمضي صاحب الدعوة المزعومة للبعث الإسلامي، دافعاً بالسودان إلى بدعٍ لم تعرفها الدولة الإسلامية إلا في عهود الانحطاط التتري والشعوذة الأيوبية، والطغيان المملوكي.. فما عاد الإسلام هو الإسلام، ولا أصبح السودان هو السودان، ودون الناس هذه المخلوقات الديناصورية التي أخرجها النميري من حظائرها. والتي لا مكان لها في عالم اليوم، إلا في متاحف التاريخ الطبيعي.. كما أحسن شهيد الفكر الظن بمثقفي السودان وهو يستحثهم للدفاع عن حقـهم في الحياة، وفي التفكير، وفي الإرادة الحرة الطليقة، فوقفوا - أغلبهم ذاهلين- أمام بدع الجاهلية، وضلالات المهووسين وتقحم المتفيقهين.. وكل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء!! ومع كل هذا الهوس والتعصب المذموم، المزعوم، صمت هؤلاء الأدعياء المنافقون على انتهاب بيت المال على يد خازنه، وصمتوا على بيع ديار المسلمين في مزاد مقفول لمشترٍ واحد هو "الخاشقجي"، وصمتوا على تجاوز الحاكم لأحكام السماء في تعامله مع ذوي البأس من غير المسلمين، كما فعل مع المصارف الأجنبية حول الربا، وصمتوا على هرطقة الحاكم وهو يساوي نفسه بالرسول الكريم، عليه أفضل الصلوات، وصمتوا على تجاسر الحاكم وهو يفترض لنفسه عصمة في دستور حاكه بيده، والعصمة لم يعرفها الإسلام إلا لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد عصمه بارئه، وصمتوا على خيانة بيضة الإسلام وهو يتقاضى الثمن الربيح على تهجير يهود إثيوبيا لإسرائيل. صمتوا عن كل هذا، فالإسلام في عرفهم هو القطع والجلد والتشهير بالشارعين في الزنا.. وعلم الله أن الزناة الحقيقيين هم زناة الفكر والقلم، "وستكتب شهادتهم ويسألون"..
    وعلَّ مثقفي السودان، قد رأوا ما يمكن أن يقود إليه الهوس الديني وشهدوا ما يمكن أن يؤدي إليه صمت الشياطين الخرس عن الحق.. ويا ليت أهلي يعلمون! يا ليتهم يعلمون، أن الطاغية الذي لا يقتصد في محاسبته رجل مسالم هو أول الناس إجفالاً عندما يلوح له بالعصا، فما سلَّ "الإمام" سيفه إلا أمام أعزل، وما طالب الطعن والنزال إلا في ساحة خلاء.. ودون الناس توسله وتضرعه للصنديد جون قرنق في أدغال الجنوب، ودون الناس انكساره أمام الأب فيليب عباس غبُّوش؛ وما انكسر البطل إلا لأن الشيخ الذي أحوجت سمعه الثمانون إلى ترجمان قد قالها ولم يُبال!! "إن مسَّني أحد بضر فسنجعل الدماء تجري أخاديد".. ودون الناس تهالكه بالأمس أمام الأطباء.. وهو يكذب وفي لسانه لسع الحية.. أوهناك من يصدق بعد كل هذا بأن هذا العاطب معتل العقل يتصرف من وحي دينه؟! فالله يعلم بأن إمام السودان الذي يتكئ اليوم على عصاة مهترئة اهتراء منسأة سليمان، لظالم بلا إرادة، وصارمٌ بلا عزم، وحـليم بغير اقتدار، ومحارب بسيف من خشب، كسيف سميِّه "أبي حية النميري". وما غدره وطغيانه إلا طغيان ضعيف مرتجف. إن العصبة الظالمة التي تتحلق حول إمام آخر الزمان "كافورنا هذا" إنما تجهل، كما يتجاهل، بأن شهيد الفكر سيبقى ضميراً مؤرقاً، ومصباحاً مسرجاً، في هذا الديجور الحالك الذي يعيش فيه أهل السودان؛ سيبقى في غرسه البشري الذي أورق، وفي نبته الفكري الذي اكتهل، وسيبقى في نفوس كثير من السودانيين كنموذج للرجل الذي تجافى مزالق السـقوط، وما فتئ يحترم في الناس أغلى ما يملكون - عقولهم-. وسيبقى إسم محمود بعد كل هذا حياً في نفوس الذين لا ينامون على الهوان، بما سيثيرها فيهم من بغض للظلم وإدانة للعدوان واستنكار للهوس، وإنكار للغدر..
    لقد اغتال النميري، والعصبة التالفة من خلفه من كل مشعوذ ومنافق ومتاجر بالدين، لقد اغتال كل هؤلاء باسم الإسلام والمسلمين مفكراً حراً، أعزلَ من كل سلاح، إلا القلم، ومع هذا، فما تركوا لهؤلاء المسلمين فرصة الابتهاج بهذا الذبح الثمين، بل هرَّبوا جثمانه خشية ما لا تحمد عقباه. لقد أخرج النميري العسس والعيون والسلاح والحديد فكذَّب بذلك كل دعاويه ودعاوي من حوله من المنافقين، فما أراد النميري بجرمه الشنيع الفاحش هذا، وما تبعه من مظاهرة بالقوة، إلا إرعاب أهل الشمال، بعد أن تركه أهل الجنوب، يسلِّح على نفسه، حتى ذهب لبيع السودان كله نفطاً وقطناً وتراباً حتى يبتاع بثمنهم سـلاحاً، يدفع عنه، لا عن السودان، العوادي - وحربه في الجنوب حربُ بغيٍ، وما بغى المرءُ إلا على نفسه!! ويا ليت حاكم السودان كان يملك الحس من المسئولية الوطنية التي تجعله يقول ما كان يقوله شهيد الحرية: (( "تقول الحكومة راح منا عشرون وقضينا على ستمائة من المتمردين" أما نحن فنقول "لقد راح ستمائة وعشرون مواطناً سودانياً")). وعلَّ إمام الباطل يعرف في نهاية الأمر، أنه يتاجر برأسمال غيره، وما تاجر برأسمال غيره إلا المفلس، فالجيش جيش الشعب، والسلاح سلاح الشعب.. ولن يرضى هذا الشعب لنفسه أن يكون وقوداً لحرب جائرة، أشعلها حاكمٌ ظنينُ عقلٍ.. كما لا يرضى لنفسه، أن يكون أداة بطش في يد طاغية لا ظهير له.. فيوم أن تجيء الحاقة فلا غوث لعاطب ولا ملاذ لتالف، ولا يحسبن الظالمون بأن دم أبي الشجاع سيذهب هدراً ليبقى فيها ليسرح خصيٌ أوكع، أو لتمرح إماءٌ لكع.
    د. منصور خالد
    جريدة السياسة الكويتية
    يناير 1985
                  

03-15-2003, 08:07 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    الشعراء والأدباء السودانيين
    منصور خالد (1931 - )
    درس القانون في جامعات الخرطوم وبنسلفانيا وباريس عمل بمنظمات الأمم المتحدة. وصار وزير للشباب عام 1969، ثم وزيراً للخارجية عام 1971، وبعدها وزيراً للتربية والتعليم عام 1985. سياسي وكاتب معروف. من مؤلفاته: حوار مع الصفوة، لا خير فينا إن لم نقلها، الفجر الكاذب وتحريف نميري للشريعة، النخبة السودانية وإدمان الفشل.
                  

03-15-2003, 08:17 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    2909 Khalid, Mansour
    THE GOVERNMENT THEY DESERVE: Role of the Elite in Sudan's Political Evolution
    Traces the evolution of modern Sudanese politics, examines Sudan's first multi-party government and the period of military rule and analyses the era of revolutions and its effect on domestic and foreign policy, drawing attention throughout to the role of the traditional elite in Sudan's political life. App, bib, index. viii, 480pp. UK/USA. KEGAN PAUL INTERNATIONAL, 0710303270
                  

03-15-2003, 08:26 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    War and Peace in the Sudan
    A Tale of Two Countries

    Mansour Khalid
    Sudan has been at war with itself for the last forty years, except for a ten-year period of peace from 1972 to 1983. This book traces the root causes of the Sudanese conflict: the remnants of slave culture and the rift between North and South, exacerbated by a conflict of culture and religion. Despite past divisions, the author identifies new points of departure in the conflict, particularly after the agreement reached by John Garang de Marbos in the South and the leadership of the Northern parties. The main tenets of this agreement are: recognition of the country´s religious and cultural diversity, separation between religion and the state, recognition of citizenship as the sole determinant of political rights and duties, and radical restructuring of the state as a quasi-confederal state. The author avers that these measures hold the last chance for Sudan to be united.
                  

03-15-2003, 08:30 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    Africa Through the Eyes of a Patriot
    A Tribute to General Olusegun Obasanjo

    Edited by Mansour Khalid
    General Olusegun Obasanjo was recently elected president in the first Nigerian free and popular elections held after fifteen years of military rule. Having voluntarily given over his power to civilians in 1979, Obasanjo has since dedicated himself to Pan-Africanism, conflict resolution in Africa, and regional and international cooperation. Africa Through the Eyes of a Patriot is a collection of his most memorable speeches from the 1980s to the present, touching on issues as varies as democracy and policy-making to human rights and the environment.
                  

03-15-2003, 08:41 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36592

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    الاخ بكرى
    التحية لك
    لو كنا فى السودان نعرف حقيقة مفكريننا لكان منصور خالد رئيس جمهورية السودان بدون منازع اسوة بالرئيس الايرانى محمد خاتمى
    نشكرك على عرض هذه اللمحات الثرة عن هذا الانسان المتميز ووجوده بين قبيلة سودانيز اون لاين مكسب كبير يضاف الى رصيدك الوطنى وارجو ان تواصل جهدك لجلب المزيد من القوى الوطنية الى الموقع
                  

03-15-2003, 09:36 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: adil amin)

    شكرا يا بكري ؛

    وهذا هو البيان بالعمل ؛ او قل بالتوثيق

    شكرا

    عادل
                  

03-15-2003, 03:34 PM

SAMIR IBRAHIM
<aSAMIR IBRAHIM
تاريخ التسجيل: 01-05-2007
مجموع المشاركات: 2628

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    اخي بكري....

    تحيه طيبه وبعد

    قبل ان ارد علي مقالك الذي محوره القاتل وووجه الارتزاق الحديث منصور خالد ارجو ان توضح لي بعض النقاط الاتيه:

    اولا: خدم نظام مايو اكثر من عشر سنوات ثم تمرد على النميري وغادر السودان متجولاً في أكثر من مكان وشاغلاً لاكثر من وظيفة دولية وانبرى لكشف نقائص انقلاب مايو.

    جاءت هذه الجمله في وصفك لمنصور خالد في المقال وهذا يعني انك تتفق معي علي الاتي :
    أ-اذا كنتم تقولون علي كل من عمل مع النميري او دعم نظامه انه سادن فان منصور خالد سادن وسادن من الدرجه الاولي.

    ب - لقد ادي منصور خالد القسم امام جعفر نميري ولحس حليفته وهذا يعني انه خائن للامانه وغير موثوق به. لانه حتي لم يحافط علي قسمه او يبقي علي عهده الذي لمده عشره سنين او اكثر.

    ج -وصفك وانبري متجولا في اكثر من مكان ...وهذا يعني ان عدم استقراره في وظائف دوليه دفعه ان يفكر كيف يسفيد من عداء القذافي في ذلك الوقت والنميري لكي يبدأ في اول خطوه لتدويل المشكله السودانيه...وحتي في هذا لم يفلح للاسف

    ثانيا:عاد إلى السودان في اعقاب الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بنظام النميري في 1985. لم يمكث سوى ايام معدودات وغادر لينضم إلى «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، مستشاراً لزعيمها جون قرنق

    هذا الوصف للمخلاط منصور خالد انه عاد لايام معدوده تحسب في اصابع اليد...وغادر في اخطر مرحله حرجه كان يمر بها السودان...والي اين ليضع يده في يد من يا بكري...ماذا يسمونهم في السودان؟؟؟؟الخوارج المرتزقه ...القتله المارقين ....تمعن وانظر...لم يمكث سوي ايام معدودات....في مرحله كان السودان محتاج فيها للضعيف قبل القوي ...لم يمكث سوي ايام معدودات ...ووضع يده في يد الخارج ليضرب السودان في الظهر.

    هذا اول مقالك ولي عوده كي اوضح للعالم كله من هو منصور خالد القاتل

    شكرا
                  

03-15-2003, 12:26 PM

ابو تميم
<aابو تميم
تاريخ التسجيل: 12-22-2002
مجموع المشاركات: 796

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    الاخ بكرى
    مشكور على هذا البوست


    الاخ عادل أمين

    قلت

    *******************************************************************
    لو كنا فى السودان نعرف حقيقة مفكريننا لكان منصور خالد رئيس جمهورية السودان بدون منازع اسوة بالرئيس الايرانى محمد خاتمى
    *******************************************************************

    وأقول ... تفكير غريب جداً ... يا اخي انحنا تعبنا من التنظير والأفكار وذوي العقول الجبارة
    انحنا ما دايرين اينشتاين يحكمنا .. دايرين زول عادي بس يكون أمين وبخاف الله فينا
    عندك الترابي - الصادق المهدى ماشالله نوابغ ولغات وفكر وتنظير ... أها وبعدين ؟؟ غير قدونا ماسووا شي

    اخيرا نحن دايرين الأمانة مش الفكر والذي منه

    ود.منصور خالد ماكان مايوي بيمزااااااااااااااااااااااااج
    كانت وين قضية جنوب السودان عنو ؟.. ولا آمن بيها فجأة؟
    ما موضوعنا ... المهم انو التنظير كتلنا - خلونا نفتش عن الأمانة وبس
                  

03-15-2003, 01:47 PM

قرنفل

تاريخ التسجيل: 12-11-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: ابو تميم)

    الاخ بكرى

    لك الشكر على هذا البوست التوضيحى

    الذى عرفنابالكثير



    قرنفل
                  

03-16-2003, 12:05 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36592

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: ابو تميم)

    الاخ ابو تميم
    تحية طيبة
    ان ثورة مايو الاشتراكية كانت سبع بقرات سمان اكلنهن سبع بقرات عجاف
    عندما كان منصور خالد فى مايو لم تكن هناك حرب فى الجنوب وكانت فى السودان اعلى معدلات تنمية فى افريقيا وبعد ذلك دخلت مايو فى النفق المظلم بعد المصالحة الوطنية وجاءنا عصر الوعد الحق والفجر الكاذب ..وان الحديث الشريف يقول ما من والى يلى رعية والا كانت له بطانتان بطانة تدعوه لخير وتحضه عليه وبطانة تدعوه لشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله
    وبذلك انتقل نميرى من بطانة الفكر والمفكرين فى السبيعينات الذهبيى الى بطانة الدجل والمشعوزين فى الثمانينيات وبذلك يكون منصور خالد وهومن ابرز مهندسين اتفاقية اديس اببا قد غادر ما يو عندما بدات الصعود الى الهواية
    اما مقارنة منصور خالد بالترابى او المهدى فهذه لعمرى قسمة ضيزا
    ان العلة الفاعلة فى تعاسة الشعب السودانى هى هذين الشخصين وفقط الزمن سيوضح لك ذلك
    وطبعا نحن ردينا ليك لانك جديد فى البورد ولك الحق فى ابداء رايك ونقد كل ما لا يعجبك لكن اذا عرفت الحق الزمو وارجع واقرا كتب منصور خالد كلها حتجدها موثقة تماما وتعتبر مراجع فى اقسام دراسة العلوم السياسية وتطبع فى افخم دور النشر العالمى وعايزنك تورينا كتب الترابى والصادق المهدى والمراجع الذى يرتكزون عليها او الحقائق حتى..لن تجد فيها سوى وتجميل الذات الغارقة فى نرجسيتها والكذب العاهر* كما يقول مفكرنا ا العظيم منصور خالد
                  

03-15-2003, 06:34 PM

sudani


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    Thanx Bakri for this excellent documentary
                  

03-15-2003, 06:41 PM

Yassir7anna
<aYassir7anna
تاريخ التسجيل: 09-08-2002
مجموع المشاركات: 2634

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    ينصر دينك يا بكري با ود ابوبكر

    وشكرا على هذه اللمحات الرائعة
                  

03-16-2003, 00:22 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: Yassir7anna)

    جنوب السودان فى المخيلة العربيَّة الصورة الزائفة والقمع التاريخى
    د. منصور خالد
    تصدير
    يحتوى هذا الكتاب على جزأين؛ فى الجزء الأول تتضام أفكار ورَّدت فى مجموعة من المقالات نُشرت فى جريدة الشرق الأوسط ما بين 29 يونيو و3 أغسطس 1997 فى معرض الرد على ما نشرته تلك الصحبفة لكاتبين مرموقين. الرد، فى جوهره، كان مدخلاً لتناول مواقف بعض المثقفين والمحللين العرب العرب من القضيَّة السودانيَّة التى اختصرها أولئك المعلقون فى "قضيَّة الجنوب"، وبخاصة قضيَّة "الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان" ورئيسها الدكتور جون قرنق دى مابيور؛ وقرنق فى حد ذاته مشكلة استعصى فهمها على أولئك المعلقين لأسباب عددا. أهم هذه الأسباب، فيما نحسب، هو القراءة الزائفة للخارطة السودانيَّة؛ زيفها مصدره إغفال تنوع التضاريس الإجتماعيَّة فى السودان، والتجاهل العمدى لتعدد النتوءات الثقافيَّة فى تلك الخارطة المعقدة.
    أما الجزء الثانى فيتناول الإمتداد الداخلى لهذه النظرة "العربيَّة" الزائفة للواقع السودانى. ومع أنّا سنقدم لذلك الجزء فى الموقع المناسب، إرتأينا الإشارة فى هذا التصدير الى القضايا المحوريَّة التى سنتناولها فى الجزء الثانى لما بين الجزأين من ترابط فكرى. فى الجزء الثانى نتناول الصوامت فى الخطاب الشمالى- أى الأبعاد المكبوتة فى ذلك الخطاب- بإلقاء الضوء على الدلالات المغيبة فيه، وإزاحة الستار عما تصالح صانعو الراى العام السودانى أو تواطئوا على طيه وكتمانه. أهم ما نسعى لإستكشافه وتبيانه ظاهرة الإسترقاق؛ أصلها وإنعكاساتها ورواسبها المعاصرة. وبالرغم من أنّا لن نبلغ بالأمر مداه من الإستقصاء فى هذا المؤلف الصغير إلا أنّا نقبل عليه دون أدنى مداراة أو إستحياء. نزيد الأمر إيضاحاً بإبراز وجوه التحامل المريب ضد الحركة الشعبيَّة من جانب شريحة كبيرة من مثقفى الشمال لا نستهين بأثرها، وردود الفعل التى يستدعيها ذلك التحامل كما تستدعيها النظرة الشماليَّة النمطيَّة للجنوب، لدى شريحة نظيرة من نخب الجنوب. تلك الشريحة تنكبت الطريق فى تحليلها لمواقف أهل الشمال وكأنهم كل لا يتجزأ، أو فى إقترابها من ظاهرة الإسترقاق لأنها أقبلت عليها من منطلق دونى. لا محيص عن التعمق فى فكر هاتين النخبتين لأنَّ أفكارهما المهيمنة- ما يعلن منها وما يتسلل الى العقل بالإيحاء والإيماء- هى التى أوردت السودان موارد التيه حتى تزعزعت سواريه. هذا أثر لا تحمل عامة الناس وزره، لا لأنه لا مكان لهذه الأفكار الملوثة فى الخارطة الإدراكيَّة للعامة وإنما لأنَّ المسئوليَّة عن تكريسها أو الإستهانة بها تقع كلها على عاتق النخب التى تحدد المسار، وتضبط وقع الخطى، وتملك القدرة- أوهكذا يفترض- على الوعى العقلانى بالتاريخ.
    بوجه عام تدور موضوعات الجزء الأول فى محاور ثلاثة نوضحها بجلاء "تسويراً" للقضايا كما يقول المناطقة- أى تحديداً لها- حتى لا نتلاحى فيما هو غير ذى موضوع، أو نسدج فى الباطل. نخلص من بعد الى إنعكاسات هذه القضايا على حاضر السودان السياسى والثقافى بل والوجودى قبل النفاذ للحديث عن أثرها على مستقبله، ونحسب أنَّ الإختباط الذى تقود اليه الرؤى الرومانسيَّة للواقع السودانى، أو الذهول عن المعطيات التاريخيَّة المحليَّة التى شاركت فى صياغتهأ أو التعامل الإستهتارى بالمتغيرات الخارجيَّة التى لا معدى عن تأثيرها عليه، أو المغامرات الصبيانيَّة التى تنجم عن هذا المنهج السطيح فى تناول القضايا المعقدة، لن يبقى للسودان مستقبلاً غير الإنشطار الأفقى والتمزق العمودى.
    أثارت المقالات التى يتضمنها الجزء الأول ردود فعل متباينة من القراء فيها من القدح بقدر ما فيها من الإمتداح، وفيها من السجال بقدر ما فيها من لغو الرجرجة. وما لهؤلاء الأخيرين تجردنا للكتابة بالأمس، ولا لأجلهم نشد حزامنا اليوم للتعقيب. والرجرجة فى قول على أب الشهداء المبرور سيفه، هم "الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا لم يعرفوا". لرواد السجال الهادف نقول مرحباً لأنَّ مسعانا من الكتابة دوماً هو تحريك بحر السكون الفكرى حتى لا يتشاج الناس فى الأمور بلا كتاب منير يضئ طريق البحث والإستقصاء، أو ينزلقون الى إصدار الأحكام بلا دليل رجيح أو برهان أكيد. ولعلَّ من أكبر محننا فى العالم العربى- والسودان خاصة- هى أننا ما زلنا أسرى للثقافة الشفاهيَّة فى عالم يحكمه منهج المعلوماتيَّة التوثيقيَّة والتكنولوجيا الرقميَّة. فى مثل هذا العالم لا مكان للقارئ الكسول ولا حياة للناقد العجول لأنَّ كليهما لا يصبر على التملى فى جذور المشاكل، وكليهما يحتسب أنَّ ترديد الشوائع يغنى عن الحقيقة.
    المنهج التوثيقى أشدّ لزوماًعند تناولنا للقضايا الإجتماعيَّة المعقدة التى لا ينبغى أن يبتنى الناس أحكامهم فيها على إفتراضات وساوس، وشوائع ملهوجة، وثوابت مزعومة يستوى إنكارها عند هؤلاء وإنكار المعلوم فى الدين. ولا ثوابت فى التاريخ الإجتماعى إلا عند الذين يتذرعون بيقين جاهل، أو الراغبين فى الهروب من التفسير البرهانى لـ"المسلمات" الإجتماعيَّة. ومن المؤسى أنَّ الرد على كل من ينكر هذه "المسلمات" التالفة (وهى تالفة لتلف مقدماتها) يجئ دوماً فى أسلوب هستيرى متوتر لا يعين الناس للإصطلاح على الحقيقة. هذه "الهسترة" سنتجاوزها فى ردودنا، ولا غضاب، سائلين الله السلامة لمن آثروا إطاعة وساوسهم. نصحب إعادة نشرنا للمقالات أيضاً فى هذا التصدير بإلقاء مزيد من الضوء على القضايا المحوريَّة التى تناولتها المقالات مستلهمين فى ذلك بعض ما أثاره النقاد؛ كما نضيف الى المقالات وهوامشها ما استجدَّ من أحداث تؤكد صحة ما ذهبنا اليه، أو تدعيم ما لم نفه حقه من التحليل.
    أول المحاور هو هُويَّة (بضم الهاء) السودان الثقافيَّة وماهيته الوجوديَّة. فالسودان ككائن حضارى، ليس هو ما ينبغى عليه أن يكون وفق رغائب بعض أهله، أو حسبما يتخيله أكثر المحللين العرب إبتناءً على مقايسات غير متوافقة أو إسقاطات خاطئة. الذى يحدد كينونة السودان هو واقع اثنى وثقافى شاخص لا ينكره إلا الأعشى، وإرث تاريخى متنوع ومتميز لا يتنكر له إلا دعاة قمع التاريخ. وفى الحالتين لا يحتاج المرء الى النفاذ الى الأبعاد المايكروسوسيولوجيَّة أو أنثروبولوجيَّة ليستكشف حقيقة هذا التنوع والتميز. الهُويَّة أيضاً لا تفرض بقرار سياسى أو تفترض إنطلاقاً من مفهوم ذاتى إنغلاقى بل هى نتاج لسيرورة تاريخيَّة (historical process) فى إطار تمازج متنوع الوجوه، وصراع متعدد الأسباب، وهى بهذا مفاعلة ومثاقفة بين أكثر من طرف.
    المحور الثانى هو طبيعة العلاقات العربيَّة- الأفريقيَّة بوجه عام وإسقاطات الواقع السودانى على هذه العلاقات بوجه خاص. وقد درج العرب (بما فيهم أغلب أهل شمال السودان) على نعت بلادنا بالجسر الذى يربط بين الكيانين العربى والأفريقى. هذا تعبير لا نستسيغه وقد ظللنا نتحاشاه فيما نكتب، ونستنكره فى مواقعنا الرسميَّة لأنَّ الجسر كيان سلبى غير فاعل، وليس هذا هو دور السودان. السودان، فى يقيننا، هو البوتقة التى إنصهرت وتنصهر فيها العروبة والزنوجة، وتتمازج فيها الثقافة العربيَّة بالثقافات الأفريقيَّة، وينعكس فيها التفرد العربى والتنوع الأفريقى؛ ومن هنا جاء توصيف السودان عند بعض الكتاب بأفريقيا المصغرة (microcosm of Africa). فالحاضنة الثقافيَّة للشخصيَّة السودانيَّة ليست هى العروبة ولا الزنوجة وإنما السودانويَّة. كما أنَّ القاع الإجتماعى للوطنيَّة السودانيَّة ليس هو الإستعراب أو التزنج وإنما هو أيضاً السودانويَّة. السودانويَّة نتاج عروبة تنوبنت وتزنجت، ونوبة تعربت، وإسلام وشته على مستوى العادات لا العبادات شية من وثنيَّة. دور السودان لكل هذا ليس هو تجسير فجوة بين كيانين قائمين بل إبداع كيان جديد متعدد الوجوه هو الآخر، أسميناه الوحدة الأفريقيَّة، أو التكامل العربى- الأفريقى، أو وحدة الجنوب ضد هيمنة الشمال (الجنوب والشمال بمعناهما الكونى) بإعتبار أنَّ الدول العربيَّة والأفريقيَّة تمثلان الكيان الأعظم فى مجموعة دول الجنوب. لهذا فإنَّ أى مغامرة غير محسوبة تعمق من الصدوع العرقيَّة والدينيَّة والثقافيَّة فى السودان لن تؤدى فقط الى تمزيق السودان، بل ستقود بلا محالة الى إجهاض الأحلام الكبرى التى تتجاوز حدوده بدءاً بالوحدة الأفريقيَّة والتكامل العربى الأفريقى.
    المحور الأخير هو دعاوى الإسلامويَّة السياسيَّة فى السودان والتى أسست على تخيل لا يأبه للواقع المحلى ببعديه الإسلامى وغير الإسلامى؛ ولا يكترث لحقائق العالم الذى يعيش فيه؛ وتكاد لا تعنيه المهالك التى يتردى فيها السودان وأهله بسبب هذا الإستخفاف. هذه الإسلامويَّة تمتطى صهوة لا نجاة لراكبها لأنها تسير ضد الميل الفطرى لمسلمى السودان بل ضد إيكولوجيته الإجتماعيَّة وأركيولوجيته الثقافيَّة. سياسات الإسلامويَّة الجديدة لم تؤد الى تقليص هامش التسامح الدينى الذى عُرف به السودانيون فى الماضى فحسب، بل أصبحت نموذجاً فادحاً للإرتداد الى ماض سحيق رغم كل دعاواها عن البعث الحضارى. ولا مشاجة فى أنه من حق أهل أى ملة أن يستلهموا ماضيهم، بيد أنَّ إستلهام الماضى شئ والإستيطان فيه شئ آخر. ظنَّ هؤلاء الإسلامويون بأنهم يملكون بديلاً يتحدون به الفكر القومى والأممى والليبرالى؛ والإجتهاد حق لكل من هو قادر عليه شريطة ألا يحسب أن إجتهاده هو محكم التنزيل أو يذهب به الإجتهاد الى أبلسة الآخر لما فى ذلك من إستئصال فكرى لخصومه. ولعلَّ فيما حاق بالسودان من أمر أفقم فى عقد التسعينات ما يحمل أى مسلم مجتهد يملك الحد الأدنى من التواضع العلمى على الذهاب مذهب الإمام الشافعى رحمه الله مع من يخالفونه الرأى: "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب". بيد أنَّ هذه الخالفة- دون أن نغمطها أشياءها وحقها فى الرأى- أعطت نفسها فوق كنه إستحقاقها، أولاً بإحتكارها للحقيقة، وثانياً بتظنيها أنَّ ما ترتأيه هو الصواب المحض، وأخيراً بإيهامها النفس بأنَّ ما تدعو له بإسم الإسلام هو الجوهر المطلق. بل كادت هذه الخالفة تحسب وليها الفقيه- وهو من نعرف- إستنساخاً سودانياً لزيد بن على بن الحسين الذى قيل عنه إنه لم يهتك لله محرماً منذ عرف يمينه من شماله؛ فمن مثل هؤلاء وحدهم يترجى الناس العصمة فى البشر.
    وعلى كل فأكثر ما يستفز المرء فيما جاءت به الشريحة التى نتصدى لها من المعلقين العرب حول الشأن السودانى هو الإيحاء بأنهم أكثر درايَّة بشعاب مكة من أهلها، وفى هذا هم ضحايا نزعتين: الأولى ظنهم الثابت بأنَّ وراء كل حدث داخلى مؤامرة خارجيَّة، رغم أنَّ فيما يتواتر من الأسباب الداخليَّة ويتسرد من الوقائع المحليَّة ما يفضى دون ريب للحدث/المؤامرة. النزعة الثانيَّة هى إفتراض السذاجة فى أهل السودان لأنهم لا يفطنون لما يراد بهم من شر. حقيقة الأمر أنَّ هؤلاء المعلقين أسارى لنظرة طوباويَّة لما يجب أن يكون عليه السودان وفق منظور أيديولوجى محدد ولا يعنيهم، فيما يبدو، إن توافق هذا المنظور مع معطيات الواقع الموضوعى أو تعارض معها.
    النزعة الأولى تكاد تكون ظاهرة مرّضية يقمن بمن أصابته اللواذ بأريكة طبيب نفسى شأنَّ كل من يعانى من الرهاب الفكرى (الفوبيا) إن لم يكن البارانويا التخيليَّة. بيد أنَّ المرء يستشف فى هذه النزعة أيضاً محاولة باطنيَّة لإزاحة مسئوليَّة نقد الذات عن الكاهل بالرغم من أنَّ النقد هو الوسيلة المعرفيَّة الأساسيَّة للنفاذ الى الحقيقة، بل هو- فى قول ايمانويل كانت- أهم أداة إبتدعها العقل البشرى للبناء المعرفى. فأصحاب هذه النزعة يعرفون- كما نعرف- أنَّ للآخر أهدافاً ونوايا؛ ويعرفون- كما نعرف- أنَّ نواياه نحونا قد تكون تخذيليَّة إن لم تكن عدوانيَّة؛ ويدركون- كما ندرك- بأنا لا نستطيع أن نغير الآخر أو نبدل من نواياه لأنها تخدم من منظوره ما يحسبه مصالح أساسيَّة. الأمر الذى يستطيعون ونستطيع أن نفعل هو إزالة الظروف الموضوعيَّة التى تحيط بنا والتى تُمكن الآخر من التخذيل والهدم والصيد فى الماء العكر. والى أن نفعل هذا يصبح كل حديث عن "مؤامرات" الخارج هروباً الى الأمام، ويضحى كل صريخ منبرى عن المؤامرات التى تستهدف الوجود مصارعة لطواحين الهواء على نهج دون كيخوته. ومع ما فى الرهاب الفكرى من ثقة زائفة بالنفس إلا أنه فى الحقيقة تعبير عن رعب من الآخر يكاد بأخذ صفة العدوانيَّة.
    أما النزعة الثانيَّة فتعبر عن تمركز فى الذات خاصة عندما يذهب أصحابها لإسقاط تجارب عربيَّة معينة وفق تحليل أيديولوجى محدد على الواقع السودانى الذى لا نعرف له نظيراً فى العالم العربى. فى هذا يستوى أرباب العقائد الدهريَّة مع أرباب العقائد الدينيَّة السياسيَّة. فما ورّد- مثلاً- حديث عن حرب الجنوب فى السودان إلا وأردف بحديث عن مؤامرات التمزيق فى العراق (بين العرب والأكراد)، وقضايا الأقليَّة "البربريَّّة" فى الجزائر (الصراع اللغوى والثقافى بين العربيَّة والأمازيغيَّة)، ووضع الأقباط فى مصر. نحن زعيمون أن ليست هناك أدنى صلة بين المشكل السودانى وتلك القضايا التى يتشاج عليها أهل العراق والجزائر ومصر. فالجزائريون والعراقيون يوثق عرى الوحدة بين عربهم وأكرادهم وأمازيغييهم فى عالم الغيب والشهادة رباط واحد هو الإسلام؛ تربط بينهم صلواته الجامعة، ويغذى أرواحهم كتابه الكريم، مأدبة الله فى الأرض. أما قبط مصر فقد توحد وجدانهم مع وجدان من جاورهم من المسلمين منذ أن جاءها هؤلاء الأخيرون يحملون ما قيل إنها وصايَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله سيفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإنَّ لكم منهم صهراً وذمة". هذه السماحة فى الدين وتلك الرعايَّة للذمم هى التى حملت قبطياً مرموقاً (مكرم عبيد) الى موقع الأمانة العامة لأكبر حزب وطنى فى بلاده (حزب الوفد)، وهى التى جعلته يقول ولا يألو: "أنا قبطى ديناً ومسلم وطناً"، وهى التى جعلت مواطنيها يخرجون فى تظاهراتهم وراء زعيمهم سعد يحملون رايات يعانق فيها الهلال الصليب. هذا أمر يستوى والكفر فى سودان اليوم الذى أنكرت فيه الغالبيَّة إرتفاع الصليب فى ميدان عام كُرمَّ فيه بابا الكاثوليك.
    السودان على غير هؤلاء، محشر أقوام أرادت لهم ظروف التاريخ، وقضى عليهم واقع الجغرافيا، التعايش مع بعضهم البعض فى رقعة محدودة من الأرض على إختلاف أديانهم وتنوع ثقافاتهم وتباين سحناتهم. وعبر سنوات طوال من التمازج والتصادم، والتحارب والتصالح، والتصاهر والتباين، بدأت تتخلق شخصيَّة جديدة متميزة عن مكوناتها الأصليَّة. هذه السيرورة التاريخيَّة كان من الممكن أن تمضى الى نهاياتها المنطقيَّة دون قهر أو إملاء لولا أدلجة السياسة والدين معاً. ومحنة الأيديولوجيين جميعاً أنهم لا يرتابون كثيراً فى أنفسهم وأفكارهم، ولا يعقل المرء عن التورط فى المهالك غير الشك والتساؤل فى كل ما يبده فكره أو يتخلج نفسه.
    فمن ناحيَّة الأيديولوجيا الدهريَّة ينطلق العروبيون من يقين ثابت بإمكان "العودة" الى وحدة عربيَّة شاملة. لو ترجح فكر هؤلاء بين الشك واليقين لتساءلوا متى كان هذا الحلم الذى يسعون للعودة اليه حقيقة؟ وفى أى مرحلة من مراحل التاريخ العربى؟ فثمة فرق بين أن يقول القائل إنَّ للأوطان العربيَّة التى يجمع بينها اللسان المشترك، والديانات ذات الأصل الواحد، والتماس الجغرافى، والطبائع المشتركة، وضرورات التكامل الإقتصادى، مصلحة فى التوحد فى عالم يتجه كله الى الوحدات الكبرى؛ وبين الزعم بمسلمات شائعة عن ميراث وحدوى متخيل لا يوضع أبداً موضع التساؤل. هذه الطوباويَّة الحالمة لا يمكن أن تكون بديلاً للواقع فى عالم السياسة، وما أكثر الذين أدموا أنوفهم فى الوطن العربى بسعيهم المكرور للقفز فوق الواقع التاريخى والوجودى لمكونات الوطن العربى من أجل الوصول الى الدولة/الحلم. فعلوا هذا بالقلم حيناً، وبالتآمر حيناً آخر، وبالغزو المشهود فى تجاربنا المعاصرة. مثل هذا النهج لا يمكن أن يكون هو السبيل الأمثل لإشباع الرغائب المشروعة لأنه- فى أحسن حالاته- إستئناس بالأوهام وإستسلام للظنون بغيَّة إرضاء النفس مما قال فيه الكتاب الكريم:" إن يتبعون إلاّ الظنَّ وما تهوى الأنفس"(النجم،23). هذه الرؤى فى واقع الأمر فانتازيا أيديولوجيَّة وصائية يجدر بنا التخلص منها. كما يجدر بالمفكرين الطامحين فى الإرتقاء بمجتمعاتهم التملى فى الواقع الماثل فى هذه المجتمعات حتى لا يتدفقوا فى الباطل لأنَّ أبجديَّة التدبير العقلانى تقتضى التثبت من الحقائق لا الفتل غير المحكم لحبال الأمانى.
    مثل هؤلاء الطوباويين كمثل إخوة لنا فى مصر وفى شمال السودان يحسبون أنَّ الرومانسيَّة تغنى عن الواقع. هؤلاء ما هم إلا صدى لصوت مصطفى النحاس باشا فى الخمسينات: "تقطع يدى ولا يقطع السودان". وقد قطع السودان عن مصر فى مطلع يناير 1956 على يد داعيَّة الوحدة إسماعيل الأزهرى لا على يد الإستعمار. ولعلَّ أكثر العروبيين السودانيين الذين يباهون بالزعيم الأزهرى لا يذكرونه كداعيَّة الوحدة الأول فى السودان بل ك"رافع العلم"، أى علم الإستقلال. من هؤلاء الرومانسيين أيضاً من يقول "لن نفرط فى وحدة السودان الذى ورثناه عن آبائنا"؛ أو "لن نسمح بتمزيق السودان". نحن كهؤلاء مع وحدة السودان نهب لها ما هو أكثر من القول، إلا أنا لا نفعل هذا إنطلاقاً من نظرة رومانسيَّة أو إبتناءً على مفاهيم تبسيطيَّة لواقع شديد التعقيد، وإنما بتوجيه أسئلة محوريَّة للنفس تعين على إدراك جوهر الأزمة السودانيَّة.
    الخطاب العربى، بصورة عامة، يوحى بأنَّ وحدة السودان (ويقصد بها وحدة الشمال والجنوب) لا تتعرض للخطر إلا من مصادر ثلاثة؛ الإستعمار القديم و"ربيبته" الكنيسة، والإستعمار الجديد و"ربيبته" الصهيونيَّة، ودعاة الإنفصال فى الجنوب وهم- فى نظر من يختصمونهم- ربائب الربائب. بيد أنَّ هناك كما قلنا أسئلة محوريَّة لو وجهت للنفس لتبين أصحاب نظريَّة المؤامرة أن هناك من الأسباب ما هو أدنى إن أردنا حقاً الإحاطة بأسباب ما نحن فيه جميعاً من بلبال، وما يحمل بعض أهل الجنوب على الدعوة للإنفصال. من هذه الأسئلة: ما الذى يدفع أبناء الوطن الواحد للإحتراب قرابة نصف قرن من الزمان؟ أولا يعنى إستمرار هذه الحرب رغم كل محاولات تشخيص الأزمة وإبتداع الحلول لها خلال هذه الفترة أنَّ هناك قصوراً فى التحليل يقضى بوضع الفرضيَّات المستهلكة موضع تقييم عقلانى؟ أولا يعنى تحقيق السلام على مدى عشر سنوات (1973-1983) أو إصطلاح كل أهل السودان فى الشمال والجنوب على منهاج جديد للحكم ورؤيَّة جديدة للسودان يتحقق عبرها السلام والوحدة (أسمرا، يونيو 1995) أنَّ للمشكل جذوراً داخليَّة نملك أن نسيطر عليها إن حسنت النيات وتوفرت الرؤية الصائبة؟ إنَّ الركون للإغواء السياسى والإستمساك بحبائل الأفكار المسبقة أمر مريح لمن لا يريد إستكشاف مواقع الخلل فيما يصدر عنه من أحكام، أو يسعى للإبقاء على ذلك الخلل صيانة لمصلحة مكتسبة أو تشبثاً بمفهوم متوارث؛ وليس بين كل مخلوقات الله ما هو أكثر مغالطة للنفس من الإنسان.
    أطروحات دعاة تديين السياسة أشد وعورة لأنَّ الدعوة للصحوة الإسلاميَّة فى تجلياتها المختلفة (عهد نميرى، والعهد الديمقراطى، وعهد الإنقاذ) تعانى من إختلال منطقى كبير ومأزق بنيوى أكبر. فالدعوة فى نظر البعض هى تعبير عن إرادة أهل السودان بالرغم من أنَّ ليس كل أهل السودان مسلمين. كما هى عند البعض الآخر تعبير عن إرادة أغلبيَّة أهل السودان المسلمة وليس صحيحاً أنَّ هذه الأغلبيَّة تشارك النخبة المبشرة بالصحوة أو بالتوجه الحضارى نظرتها للإسلام. يصدق هذا بصورة أكثر على الدعاة الجدد (الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة) لسببين؛ الأول هو أنها وصلت بالتطرف والإستقطاب الدينى أقصى تخومه، والثانى لأنَّ منهج هذه النخبة الجديدة غريب على أهل السودان لأنها ليست إمتداداً للمفكر الإسلامى العضوى فى السودان (الفقيه المتصوف). ذلك المفكر ظلَّ ينشر الإسلام بالحسنى، ويستألف الناس بما هو حبيب الى نفوسهم، ولا يقسر غير المسلم منهم على غير دينه، ويترك للناس أمور دنياهم. أما سبيل المبشر الجديد- مع إفتراض صدق رغبته فى أن يدخل أهل السودان جميعاً فى دين الله أفواجاً- هو السياسة بل السياسة الأميريَّة (الحكم) بكل ما يصحبها من عنفوان.
    الدعوة للصحوة الإسلاميَّة أضحت من جانب آخر، محاولة لإسترجاع الماضى والإنكفاء عليه حتى فى الرسوم والأشكال مما جعل منها ثورة مضادة للصحوة. فالصحوة تعنى إعادة صياغة أحكام الماضى حتى تتوافق مع متطلبات الحاضر لا الرحيل الى ذلك الماضى والتلبث عنده إستناداً على متن ضعيف وإعمالاً لقياس هش. أهم شرائط الإجتهاد- قبل الإلمام بالأصول، والإحاطة بالمقاصد، والإدراك للناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه- هو الوعى بمعطيات الحاضر حتى يكون هناك ترابط عقلانى بين الحدث المستجد والحكم التالد. فمن الأصول تتشعب الفروع، ومن الوعى بالحاضر تستمد الأحكام راهنيتها إذ ليس فى مقدور إنسان- كائناً من كان- أن يوجه التاريخ الى حيث يريد. من بين وجوه الحاضر الدولة القوميَّة، ونظريات حقوق الإنسان بما فيها إحترام التعدد الدينى، والتعدد الحزبى بما فيه من أحزاب علمانيَّة، والتعاون الدولى والإقليمى حتى مع دول المجوس، وقضايا أخرى حياتيَّة لا يفيد فى تناولها الإنكفاء على الماضى أو الترداد الساذج لشعار "لا بديل لشرع الله". فشرع الله لن يسعفنا فى قضايا الفيدراليَّة وتقرير المصير، ولا فى حل مشكلة الديون الخارجيَّة والمديونيَّة الداخليَّة، ولا فى قضايا التكامل الإقتصادى الإقليمى، ولا فى مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولى حول الإصلاح الهيكلى للإقتصاد. كل هذه القضايا تمثل ما ينبغى أن ينصرف الحاكم لعلاجه، والعلاج لا يكون بالشعارات وإنما ببرامج محددة اصطلح عليها العالم. وأقمن الحكام بذلك أولئك الذين يقتسرون الحكم فى سبيل تحقيق أهدافهم (أى أهداف المجتمع كله) بعنافة لا تبالى، ويبقون فيه بقساوة لا تستر عورتها. هذه العنافة وتلك القساوة يبررها مجترحوها بأنهم وحدهم يملكون الحل السحرى لكل ما اشتكل على أهل السودان، لا فى أمور معادهم فحسب وإنما أيضاً فى أمور معاشهم.
    استقر فى وعى الدعاة الجدد أنَّ ديار المسلمين- بل العالم كله- ينقسم الى قسمين: حزب الله الذى يناصرهم وحزب الشيطان الذى يتلاقى فى رحابه كل من يعاديهم وبهذا تطوعوا بتوفير أرضيَّة لمن يتهمهم بالإرهاب. فما الحق الذى يملكه هؤلاء وأضرابهم فى العالم العربى ممن يطلق عليهم إسم الإسلام المستنير فى إستنكار أفكار صاموئيل هنتنجتون الحمقاء حول صراع الحضارات فى كتابه الذى يصنف الإسلام عدواً جديداً للحضارة الغربيَّة بعد زوال الخطر الشيوعى. لا نخال هنتنجتون يتحدث عن خطر على الحضارة الغربيَّة من دولة رفعت راية الإسلام قبل مائة عام على يد منشئها الملك عبدالعزيز آل سعود، أودولة فى المغرب تعاور فيها الحكم ملوك يطلق عليهم لقب أمير المؤمنين، أو دولة كمصر ظلت تؤصل قوانينها المستحدثة على نهج الشريعة الإسلاميَّة منذ عهد عبدالرازق السنهورى وكامل مرسى باشا، أو دولة كباكستان اقتطعت من شبه القارة الهنديَّة لتصبح أول دولة إسلاميَّة فى الشرق الوسيط. الذى يعنيه، فيما نقدر، هو إسلامويَّة جديدة لا تجاهر فحسب بعدائها للغرب، وإنما تتبع المجاهرة بتدمير منشآته ومطاردة مواطنيه وتهديد دبلوماسييه. وليس لهذا المنهج المتطرف المعادى لحضارات الإنسان أدنى صلة بالإسلام أو بعصور التنوير الإسلاميَّة؛ العصر العباسى فى المشرق أو الأمويَّة الثانيَّة فى المغرب. لهذا فإنَّ التخليط الذى يلجأ اليه الإسلامويون الجدد بالحديث عن عدوانيَّة الغرب على الإسلام كما يصورونه لا يعبر عن فقدان للأمانة الفكريَّة، وإنما أيضاً عن جبن عن مواجهة النتائج المنطقيَّة التى تترتب على اطروحاتهم. وسنبين فى هذا الكتاب الضرر الذى ألحقه هذا الفكر العليل بالإسلام حتى فى أفريقيا التى أراد لها أن تكون أولى مراكز إقتحامه.
    هذا الفكر المنكوب ببعديه الدينى والدهرى، والمأزق السياسى الذى قاد اليه، تجاوزهما أغلب السودانيين بوعى متأخر؛ تجلى ذلك الوعى فى إتفاق أديس أبابا (1972) الذى أجهضته الردة النميريَّة على الإتفاق بعد عشر سنوات من الوحدة والسلام، ثم إعلان كوكادام (1986) الذى أودى به إنخزال أهل الحكم فى الشمال وعجزهم- أمام تزيد الجبهة الإسلاميَّة- عن إلغاء قوانين نميرى المنسوبة للإسلام، وأخيراً مبادرة السلام السودانى (198 وإتفاق القصر (1989) اللذين كانا إنذاراً بالنهايَّة لدعاة تديين السياسة مما حمل هؤلاء على أن يجمعوا أمرهم عشاءً للإنقضاض عليهما. ثم جاء إتفاق أسمرا التاريخى (يونيو1995) والذى يمثل أولى محاولات القوى السياسيَّة الشماليَّة والجنوبيَّة للحوار حول "المحظورات": "الدين والسياسة، ومقومات الشخصيَّة السودانيَّة المتنوعة المنابت، ولامركزيَّة الحكم".
    تلك هى أولى المحاولات الجماعيَّة للعبور نحو سودان جديد، إلا أنَّ العبور من السودان القديم- سودان الحروب والإضطراب والتمزق- الى سودان جديد لا يتم عبر رومانسيَّة جديدة هى فى حقيقتها إغواء سياسى آخر لا يخلو من الغوغائيَّة. السودان الجديد لا تعبر عنه الريطورطيقيا (rhetoric لغة خطابيَّة منمقة تتسم بالمغالاة وعدم الصدق- كوش الجديدة) السائدة والتى لا تبتغى فى نهاية الأمر غير تسويق النبيذ القديم فى قنانى جديدة، أى تسويق السودان القديم بكل تراتبياته الإجتماعيَّة، وإنحيازاته الثقافيَّة، ورؤاه الملتبسة للآخر. العبور الى السودان الجديد يتطلب نقلة مفهوميَّة وتحول نوعى فى العقل الإستراتيجى السودانى فى الشمال والجنوب؛ العقل الشمالى المتلبث عند النظرة الإستعلائيَّة للآخر، والعقل الجنوبى الإنفصالى الذى توقفت عقارب ساعته الفكريَّة عند تجارة الرقيق فى القرن الماضى؛ ولكل واحدة من هاتين النظرتين عقد أورثتها لأصحابها. الثورة المفهوميَّة لا يغنى عنها أيضاً صوغ القوانين ووضع الدساتير، ولن تكون إعادة هيكلة مؤسسات السياسة بديلاً عنها. كما أنَّ تراكم الزيف فى النظر للمشكل السودانى لا يقود إلا لتكاثف العقم الفكرى الفادح الذى أوردنا، وما زال يوردنا، فى المهالك.
    منصور خالد
                  

03-16-2003, 03:20 AM

abdel abayazid
<aabdel abayazid
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 400

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    ياسمير

    لم اكن اعلم انك احد الذين اسهموا في التخريب وتغويض الديمقراطية اي انك كنت تعمل في هذه الصحيفة التي لم تكن الا بوقا ينفخ وطبول تقرع للحرب والفترة ما طويلة عندما كانت كل القوي تعمل من اجل السلام كانت الراية وبناتها يعملون من اجل الحرب ويغبشون وعي الناس
    عن قصد
    . اليست الراية هي صحيفة الجبهة الاسلامية؟
    اليست هي من كان يطرح طريق الحرب؟
    اليست هي الراية صحيفة الجبهة التي قامت بالانقلاب؟
    وعندما اتت الجبهة الي الحكم قالت قرنق عسكري ونحن عساكر؟
    اين دور اهل الراية ياسمير في زهق الارواح في الحرب؟ واستمرارها؟
    اليس هم نفس الناس الذين وصفوا الحركة الشعبية بالتمرد والخيانة جلسوا مع الحركة اليوم؟ ما هو الاختلاف
    اذا كانت الحركة الشعبية ود منصور خالد لهم ضلع في الحرب وموت الناس وذهاب ارواحهم هدرا فللجبهة الاسلامية اضعاف ذلك مرات ومرات وللراية وعامليها ضعفهم. فاغسل يدك من الدماء قبل ان تتهم الاخرين
                  

03-16-2003, 07:37 AM

kofi


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    يا استاذ بكرى
    لمن تقرع الاجراس
    انهم لا يقرأون واذا قرأوا لا يفقهون
                  

03-16-2003, 01:07 PM

مريم بنت الحسين
<aمريم بنت الحسين
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 7727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    أخي بكري.. ألف ألف شكر على التوثيق! والمقالات الروائع...
    لم أعرف د.منصور تاريخاً.. لكني أراه كثيراً في التلفاز.. وأعجبت بشجاعة قراره بالانضمام إلى حركة قرنق.. يعجبني منطقه الهاديء الذي أتمنى دوماً أن يجد منطقاً هادئاً يناقشه.. لا أن يهاجم شخصه! كأن الناس ملائكة..

    أخي أبو تميم.. أعجبت جداً بتعليقك.. على اختلافى معك.. لكن .. فترنا من القد.. دايريت عمل.. دايرن أمانه .. وصدق.. موش كل ما يمسكها زول ينهبها.. ويقعد على تلّها.. ده إذا خلى فيها تل أو هضبه...


    التحية لأستاذنا العظيم.. د.منصور خالد.....
                  

03-16-2003, 01:53 PM

manj


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: مريم بنت الحسين)

    على الطلاق بالتلاتة
    د.منصور ده -مع كل الاحترام- لو بقى رئيس السودان الليلة ..تاني
    يوم قبل شراب الشاي ومع اول سفة تقولوا ما دايرنو وتطلعو فيه عيوب الدنيا كلها
                  

03-16-2003, 05:30 PM

منعمشوف
<aمنعمشوف
تاريخ التسجيل: 12-08-2002
مجموع المشاركات: 1423

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: manj)


    العزيز بكرى ، شكرأً على البوست القيم
    بالأمس كنت فى زيارة صديق عزيز والذى جاء للتو من القاهره
    بعد ان قابل والده هناك ، تزامن مع زيارة صديقى ووالده للقاهره
    إنعقاد معرض الكتاب الدولى .. وككل السودانيين بالقاهرة زار صديقى ووالده المعرض .. فكانت هدية الوالد المحترم لصديقى مجموعة كتب الدكتور منصور خالد ممهورة بإهداء أنيق ورائع من الوالد ، ولشدة ما أعجبنى الإهداء وراق لى إستأذنت صديقى أن أضيفه فى هذا البوست ، منقولاً كما هو دون تصرف ألهم إلا حذف الأسماء تقديراً للخصوصية ، علماً ان صديقى ووالدة لا يمتون لتيار د.منصور السياسى والفكرى بصله ولكنهم يحترمون الرجل كمفكر سودانى ويقرأون له بشغف .. وهذا أدب الأختلاف ، وأليكم سادتى وصية هذا الأب لأبنه

    د.منصور يحتاج أن يقرأ له بتركيز شديد فهو ضد القراءة المستعجله. بهذه الطريقه تجد نفسك أمام كنز عامر بالمعارف الذكية والحقائق الموثقة . فهو معلم واثق من نفسه ويزرع فى قارئه الثقه والأمتلاء ويحيله الى مشروع مثقف .. تعرف على قدراته بنفسك لأن حساده كثر من العاجزين والقاصرين .. يكفيه فخراً قولة الأستاذ محمود محمد طه
    أنه رجل قريب من الأصالة بمكان
                  

03-16-2003, 07:02 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52539

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    للجميع.

    أعتقد أن العداوة لدكتور منصور خالد هي عبارة عن نعرات وصرخات عنصرية ومنها أيضا الغيرة الأكاديمية لأن هناك مجموعة من المثقفين الشماليين فشلوا في ما نجح فيه دكتور منصور خالد, وهي الوصول لذهن القارئ السوداني بطريقة علمية وعقلانية في نفس الوقت.

    دينق.
                  

03-17-2003, 08:15 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: Deng)

    فوق
                  

03-17-2003, 08:15 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: Deng)

    فوق
                  

03-17-2003, 08:53 PM

Alsawi

تاريخ التسجيل: 08-06-2002
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)


    بالرغم من اختلاف الناس مع موقف منصور خالد من نظام نميري، لكننا نقر ونعترف، نحن المختلفين مع ذلك الموقف، ان منصورا لم يكن انتفاعيا ولا وصوليا ولا انتهازيا في عمله مع مايو
    كان مثقفا من مثقفي السودان الذين شهدوا باعينهم خيبة النظم الطائفية في فترة ما بعد الاستقلال، فاصابهم احباط عظيم، وأملوا كلهم خيرا كثيرا في نظام غير طائفي يأتي لانتزاع البلاد من التخلف بدلا من الاشتغال بلعبة الكراسي. ولم يكن منصور تابعا وانما كان مفكرا ومشرعا قائدا، فهو الذي رسم الدستور الدائم لمايو واتفاقية اديس ابابا التي انهت الحرب واعطت الجنوب الحكم الذاتي
    وحين خرج نميري على الدستور، فعدله ليركز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، وحين استقدم نميري بعد المصالحة جماعة الجبهة وقربهم، كان منصور امينا لموقفه وفكره ونفسه، فأبى هذا العبث، وخرج من النظام مرفوع الراس، لم يخرج مطرودا وهو راغب، ولم يداهن ليحتفظ بالمنصب الذي يتذلل له الكثيرون ويبذلون في سبيله كل شئ، كلا، خرج منصور باختياره، واعلن موقفه على رؤوس الاشهاد، بل أعلن معارضته، كدأبه دائما، في مقالات موثقة وشهيرة لمن القى السمع وهو شهيد، نشرتها جريدة الايام عام 77 على ما اذكر، تحت عنوان لا خير فينا ان لم نقلها، بين فيها مواضع خلافه مع سلطة مايو، من داخل السودان وفي صحافة النظام

    فاين من مثل الموقف مواقف الهاربين ومواقف المنتفعين، والمترددين، والرماديين، والكذابين؟؟ اين أراءهم واين كتاباتهم واين مواقفهم

    هذا اذن ما كان من امر مايو حتى خرج منها منصور

    ونحن نعرف جميعا ما آل اليه الامر حين دخل الترابي وجماعته، نعلم عن مشروع الدستور الذي سمى السفاح اماما وبايعه كامير للمؤمنين وولاه الخلافة مدى الحياة على ان تؤول من بعده لمن يوصي به هو، في كتاب لا يفتح الا بعد وفاته!! ونعلم عن ينوك العيش وعن النهب وعن نقض الوعود ، وعن قوانين سبتمبر التي اختصرت عظمة الاسلام في الجلد والبتر والصلب عسى ان تستر عورات نظام ما عاد يستره شئ، ونعرف عن اعدام الشيخ محمود في محكمة المهزلة ونعرف عن مصير القائد الاعظم الظافر المنتصر ابدا !! اذ ولى هاربا وهو مطلوب بالانتربول

    الاختشوا ماتوا

    لكن نحن صاحين وحيين ولا ننسى ولن ننسى

                  

03-17-2003, 09:39 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52539

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: بكرى ابوبكر)

    Alsawi.

    Will said. I like the logic and the historical facts that you used here. This is how we need to discuss or analyzing issues. Thanks ya Wad Alsawi.

    Deng.
                  

03-19-2003, 05:07 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاديب و العالم د.منصور خالد رقم مهم فى السياسة السودانية (Re: Deng)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de