محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..وداعا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 06:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-24-2012, 07:52 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..وداعا

    ودعت بلادنا امس الاول رجلا سامقا وسياسيا نبيلا خدم وطنه واهله وحزبه طوال سبعين عاما قضاها فى البحث والتحليل وتقديم الراى الصواب بروح علمية وشفافية جاعلا الوطن اول همه ضحى من اجله بالاسرة ورغد الحياة والحياة السهلة من اجل ان ينعم بالاستقرار والاحترام كوطن بين الاوطان يجد له مكان بين الامم المحترمة التى تخدم الامن والسلم العالميين ..
    ماان علم كل اهل السودان بفقده احسوا وكان جزءا اصيلا منهم يذهب بلا عودة هذا الاحساس الذى انتاب كل الوطنيين السودانيين بدا على كل الوجوه بعد اذاعة النبا بل قبله علموا به وتناقلوه قبل اجهزة الاعلام الكسيحة .. وهى اجهزة لا تنبع من قلب الوطن وتنبض بما يحس به انسان السودان الذى ضحى الفقيد من اجله وافنى عمره فى خدمته مقدما المثال والقدوة ..

    مهما كتبنا لن نوفى محمد ابلراهيم نقد حقه وسف يظل هذا البوست الذى يوثق له معلما وهاديا للاجيال القادمة لتعرف الرجل الذى يحمل اخلاق الانبياء وسلوكهم ..

    نتواصل


    sudansudansudansudan377.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    (عدل بواسطة الكيك on 03-24-2012, 07:57 PM)
    (عدل بواسطة الكيك on 03-24-2012, 08:37 PM)

                  

03-24-2012, 08:12 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    فى ابوظبى حيث جاءها النبا مباشرة بعد الوفاة تجمع افراد الجالية وروادها بدار النادى السودانى وهم فى حالة وجوم عقب سماعهم للنبا ..
    اتوا من كل جهة والحزن بعمهم جميعا بعزون بعضهم بعضا واسرته المكلومة اسرة الزميل الفاصل دلدوم ابن عمة الفقيد وبقية اعضاء وقيادات الاحزاب السياسية وفى مقدمتهم اعضاء الحزب الشيوعى السودانى ..
    حتى المراة كان لها وجود تتقدمهم مريم الصادق المهدى التى تزور دولة الامارات هذه الايام وكان لوجودها اثر كبير بين الحضور ..
    وبالامس اقيم عزاء كبير بدار النادى افتتحه مولانا احمد ايشر بالقران الكريم وتبارى المتحدثون بعده معددين ماثر الفقيد زهم يسردون سيرته الحسنة العامرة بالخير لصالح الوطن ..
    كان اول المتحدثين الاستاذ محمد المهدى وتبعه ممثل للنادى السودانى ثم الاستاذ احمد الصافى ممثل حزب الامة والانصار
    واعقبه الدكتور جعفر عبد المطلب وختم الاستاذ عمر القير باسم جماهير النادى التى وفدت بكلمة قوية وسوف اورد ملخصا قليلا لكل كلمة ثم اختتم العزاء بالقران الكريم ودعاء من على ابوزيد رئيس الجالية السودانية ..

    نتواصل
                  

03-24-2012, 09:39 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    نقد: الحزب الشيوعي لا يمكن أن ينفي دور الدِّين

    حوار: مالك طه

    أجمل ما في الحوار مع الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني هو انه يكون ودوداً معك على المستويين الشخصي والإنساني، ولكنك ستكتشف أن إجاباته على الأسئلة ليست بذات الدرجة، رغم الضحكات التي يرسلها بين إجابته أو في نهايتها واحياناً قبلها.. كان سكرتير عام الحزب الشيوعي يجلس في مكتبه البسيط بساطة الطبقة الكادحة التي يرفع الحزب شعار الانحياز لها ويدعوها الى الإتحاد لمواجهة الاضطهاد.. وعلى تربيزة المكتب وضعت أكواب الشاي الذي أصر نقد على أن يقدمه لي بنفسه.. نقد اليوم ليس - كما يظن الكثيرون - هو نقد قبل المؤتمر العام الخامس للحزب الشيوعي، فالرجل تم انتخابه بصورة رسمية سكرتيراً عاماً للحزب، وعليه يقع العبء الأكبر في تقديم الحزب في نسخة حديثة تستصحب كل المتغيِّرات التي طرأت على دنيا الاقتصاد والسياسة والاجتماع داخل السودان وخارجه.. (الرأي العام) تعيد نشر هذا الحوار الذي أجرته مع الراحل وتحدث خلاله بحكمته المعهودة حول مستقبل الحزب الشيوعي وقضايا أخرى.
    * من الملاحظ ان الحزب الشيوعي أصابت أعضاءه الشيخوخة ليس وسط اللجنة المركزية فقط ولكن بين أعضاء المؤتمر العام الذين كان أغلبهم من كبار السن؟
    ضحك..
    - لا أبداً الحزب الشيوعي ما شاخ ولكن هناك نضجاً.
    * كيف؟
    - متوسط الفئة العمرية وسط أعضاء المؤتمر العام لم يكن كبيراً، خليني أجيب ليك الإحصائية (خرج من المكتب ونادى على أحد الشباب وطلب منه مدّه بالإحصائية، ثم جاءني بالإفادة) متوسط العمر للذين حضروا المؤتمر العام هو خمسة وأربعين عاماً.
    * ألا يعتبر هذا المتوسط كبيراً؟
    - مقارنة بالماضي، نعم، زمان عبد الخالق كان سكرتيراً عاماً وعمرو »خمسة وعشرين« سنة، والتيجاني الطيب برضو.
    * هذا يعني ما عنيته لك عن شيخوخة الحزب؟
    - أبداً.. بعد كم سنة سترتفع نسبة الشباب.. لكن الموجود الآن هو الكادر الذي ثبت في الحزب واستقر عليهو الشغل، المهم إنو هناك شباب طبعاً.
    * أين يوجد اكبر تجمع لعضوية الحزب الشيوعي في السودان؟
    - في العاصمة الخرطوم.. (ضحك بشدة).
    * وكيف هو حجم العضوية في الولايات الاخرى باستثناء العاصمة؟
    - نحن عندنا وجود في كل المناطق، وبصورة ملحوظة في مناطق الوعي الأساسية، لكن الهجرة الداخلية إلى المدن، والاخرى خارج السودان أضرت بنا ضرراً كبيراً، وكذلك سياسة الصالح العام.
    * على العكس هناك من يقول إنكم استفدتم من هجرة كوادركم الى أوروبا وأمريكا وأستراليا؟
    - استفدنا من ياتو ناحية!.
    * يقال إن كوادركم نشطت إعلامياً خاصة في المواقع التفاعلية على الإنترنت وهذا يعتبر دعماً إعلامياً وفكرياً لأنشطة الحزب؟
    - طيب خلاص رجّع لينا ناسنا وقفّل الإنترنت.
    * ألم تستفيدوا من الكوادر المهاجرة خارج السودان في تمويل انشطة الحزب؟
    - يا سيدي يجونا مفلسين أخير لينا من قروشهم..البني آدم أهم من القروش.
    * لقد جرت عملية تمويه في المؤتمر العام الخامس، إذ عقدتم الجلسة الافتتاحية بصورة علنية ثم انشقت الارض وابتلعتكم، حتى ان اجهزة الاعلام لم تعرف اين تمت بقية الجلسات؟
    - ليست هناك عملية تمويه، لقد عقدنا جلستنا في قاعة الصداقة ودعونا لها السياسيين والإعلاميين، وبعد ذلك ناقشنا أمورنا وقضايانا الخاصة وهذه غير مسموح بحضورها إلا للأعضاء.
    * لكنكم اخفيتم المكان الذي تمت فيه المناقشة؟
    - عدد كبير زي دا ندسو كيف؟ يا اخوانا خافوا الله (يضحك)، نحن كنا عاوزين نكمل مناقشتنا ومؤتمرنا في وقته المحدد ولا تنشغل العضوية بأشياء أخرى، هذه أشياء فنية بحتة.
    * الكثيرون تحدثوا عن أنّ المؤتمر الخامس قد عقد فعلاً، وما تم في قاعة الصداقة كان مجرد ديكور؟
    - هذا غير صحيح، المؤتمر الخامس تم بصورة علنية، فقط كانت هناك جلسات خاصة بنا.
    * هل لديكم هاجس من...؟
    قاطعني
    - لدينا هاجس واحد، هو أن ينجز المؤتمر الخامس أعماله في أقصر فترة زمنية ممكنة. وما عاوزين نشغل نفسنا بي زوار أو صحفيين.
    * خطابك في الجلسة الافتتاحية كان فيه إيحاء وإشارة واضحة إلى الأعضاء بضرورة الإبقاء على الاسم القديم، فقد ذكرت لهم بأنه لو تم تغيير اسم الحزب فسيقول الناس إنكم شيوعيون.. ألا يعتبر هذا نوعاً من الوصاية؟
    - المؤتمر العام سبقته مناقشات استمرت سنتين أو ثلاثاً، وما ذكرته تم بحثه خلال هذه النقاشات، لذلك لا أعتقد أنني جئت بشئ جديد.. الكلام القلتو عن تغيير اسم الحزب قلناه قبل كدا.
    * كان المفترض ان تكون محايدا في هذا الموضوع؟
    - انا ما محايد.. شوف قبل كده كان اسمنا الجبهة المعادية للاستعمار وقالوا علينا شيوعيين، وكان اسمنا القوى الاشتراكية وبرضو قالوا علينا شيوعيين.. وقبل ذلك كان اسمنا الحركة السودانية للتحرر الوطني وكذلك قالوا علينا شيوعيين.
    * هناك من يشعر أن اسم (الشيوعي) منفر شيئاً ما وسط الناس العاديين، ألا توافق على ذلك؟
    - أنا افتكر إنو الاسم مش مهم، المهم السياسات بتاعتك.
    * وهل تفتكر أن سياسات الحزب الشيوعي لديها قبول وسط الجمهور؟
    - طبعاً طبعا، وإلاّ لما كان لنا وجود وسط النقابات، ولما كان لنا تمثيل في البرلمان منذ الثمانينيات والستينيات والخمسينيات.
    * لوحظت عليك علامات الضيق والتبرم أثناء إدخال سعاد إبراهيم أحمد للمنصة الرئيسية بقاعة الصداقة خلال المؤتمر العام؟
    قال باستغراب:
    - سعاد إبراهيم أحمد!
    * نعم؟
    - معقول تدخل سعاد وأكون متضايق؟! مش ممكن، سعاد عندها مكانة خاصة عندنا.. أنا كنت بسمع في الهتافات والتصفيق وما كنت عارف الحاصل شنو، لكن عندما عرفت إنو دي سعاد أنا ذاتي وقفت مع الناس (ضحك).
    * البعض يرى أن خطابك وخطاب الشفيع كان فيه ما يشبه المزايدة في الاقتراب من المؤتمر الوطني؟
    - مافي مزايدة بيني وبين الشفيع، هذه مجرد تخريجات.
    * طيب خطابك أنت شخصياً كان قريباً من الوطني؟
    أجاب بصورة استنكارية:
    - جائز يكون خطابي اقترب من سياسات الوطني.
    * هناك تساؤل حول إغفال خطابك لعلاقة الدين بالدولة؟
    - شوف، موضوع الدين والدولة دا تم ابتذاله في العبارة الشهيرة »دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر«، لكن إنت لو قريت البرنامج وتقرير المؤتمر كنت عرفت موقفنا.
    * ما هو موقفكم؟
    - الحزب الشيوعي ما ممكن ينسخ الدين ولا يمكن أن ينفي دور الدين وعلاقته بوجدان الناس.. الأحزاب الشيوعية تتبنى خيار العلمانية.
    * في تجربة الاتحاد السوفيتي..؟
    قاطعني:
    - يا أخي الاتحاد السوفيتي انهار.
    * أنا أريد أن استدل بالاتحاد السوفيتي على أنه لم يكن محايداً تجاه الدين، وإنما استخدم أداة الدولة لمحاربته؟
    - الاتحاد السوفيتي تجربته جاءت نتيجة لأن الكنيسة كانت العصا التي استخدمها القياصرة في إخضاع المواطنين إلى الحكم الاقطاعي، ولكن لو نظرت إلى بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل بولندا، وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا فإن الحزب الشيوعي فيها لم يعادي الدين بل تبنى الفكر العلماني.
    * ماذا كان ردكم على عرض المؤتمر الوطني المساهمة في تمويل المؤتمر الخامس؟
    - قلنا ليهم مستورة والحمد لله وفعلاً موّلنا مؤتمرنا ذاتياً.
    * العرض الذي قدمه الوطني يشير إلى أن لكم علاقة به؟
    - إنت حقو تسأل هل قَدّم المؤتمر الوطني عرضاً لأحزاب أخرى أم لا؟ ثم ثانياً لماذا تفترض أن تكون علاقاتنا سيئة (إنت قايل الزول البنعارضو بنخاصمو)، نحن ناس المؤتمر الوطني قاعدين نمشي ليهم وبجونا. وأنا شخصياً قابلت البشير في بدايات الإنقاذ و..
    * بعض الشيوعيين يقولون ان هناك شيئا ما تم في هذا اللقاء؟
    - كل الكلام التم قلناهو ليهم، كلامنا كان في السياسة.. والاجتماع تم في بيت سبدرات.
    * مضت أربعون عاماً كاملة دون أن يعلن الحزب مؤتمراً عاماً وأعلنتم تحمُّلكم مسؤولية ذلك، هل هي مسؤولية أدبية فقط؟
    - يا أخي نحن من الانتفاضة بنحضِّر للمؤتمر وكنا مشغولين بالموضوع دا، إنت ما قريت التقارير واللاّ شنو؟.. وبعدين وريني الأحزاب السودانية عملت كم مؤتمر.
    * الأحزاب الرئيسية كلها عملت مؤتمراتها خلال الديمقراطية الثالثة باستثناء الحزب الاتحادي؟
    أجابني بتساؤل:
    - وطبعاً الحزب الاتحادي حزب كبير.
    * لكن أنتم حزب مستنير، يجب ألا تقارنوا أنفسكم بحزب طائفي؟
    - انت معناها عاوز اجابة الكمدة بي الرمدة.. انا بقول ليك انو نحنا بنتحمّل المسؤولية عن التأخير.
    * مجزرة يوليو والظروف الاستثنائية التي دفعتك الى خلافة عبد الخالق محجوب، ألم تدفع الحزب الى التفكير في تعيين نائب للسكرتير العام؟
    - نحن ما عندنا حاجة اسمها نائب للسكرتير العام، هناك مسؤول سياسي وثقافي وهكذا.
    * ألا تخشون من تكرار التجربة؟
    - تجربة يوليو واحد وسبعين لن تتكرّر ثانيةً، ولو تكرّرت ثانية فإن اللجنة المركزية لديها القدرة دائماً على الاجتماع، وبالمناسبة مافي انقلاب حصل من الانقلابات العسكرية التلاتة ولم تكن لدينا القدرة على الاجتماع، حتى بعد مجازر واحد وسبعين اجتمعنا.
    * لماذا امتنعتم عن نشر أسماء أربعة من أعضاء اللجنة المركزية الذين اختارهم المؤتمر العام؟
    أجاب باقتضاب:
    - انت فهمت شنو؟
    * أنا ما فهمت أنا عاوز أفهم.
    - فكّر.. مافي حاجة بتتعمل ساكت لازم تكون هناك مسببات.
    * ما هي المسببات؟
    - أترك ليك انو تعرف الإجابة.. المهم انو عندنا أسبابنا مش ساكت.
    * هل يعني هذا انه ما زال لديكم حنين إلى العمل السري؟
    - شوف نحنا عندنا القدرة باستمرار للانتقال من النشاط العلني إلى السري. لكن الأصل هو العلني والاستثناء هو السري.
    * ألا تخشون من أن تنقلب الآية عندكم؟
    - من الأشياء المهمة أنّ تعرف كيف تزاوج بين العلني والسري.. طبعاً العمل العلني أفضل لأنك تستطيع أن تمارس فيه عملك وتستقبل وفوداً وترسل وفوداً.. كل الأحزاب عندها شغل سري.


                  

03-24-2012, 09:50 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    تصريح صحفي من الحزب الشيوعي حول مراسم تشييع الفقيد الراحل نقد
    السبت, 24 آذار/مارس 2012 21:15
    Share
    سيصل جثمان الفقيد محمد إبراهيم نقد من لندن إلى مطار الخرطوم فجر الأحد 25 مارس 2012م. وإستناداً على ذلك سيكون مسار موكب التشييع بعد نقل الجثمان من المطار الى منزل الفقيد، على النحو التالي: في تمام التاسعة صباح الاحد يتحرك موكب التشييع من منزل الفقيد الى المركز العام للحزب الشيوعي السوداني بالخرطوم (2) ومن هناك مباشرةً الى مقابر فاروق حيث يوارى الجثمان الثرى.
    تصريح من المكتب السياسي

    ينعي المركز العام للحزب الشيوعي السوداني بأسي بالغ وحزن عميق سكرتير الحزب المناضل محمد ابراهيم نقد ، وقد حدثت وفاته مساء الخميس 22 مارس بلندن ، وقد تابع المكتب السياسي للحزب في اجتماعه الطارئ صباح اليوم الجمعة ، الترتيبات الخاصة بوصول الجثمان ، هذا ويقام المأتم بمنزل الفقيد بحي الفردوس شارع الستين (رقم 8 ).

    اللهم اجعلنا في زمرة الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون.

    اللهم ألهم الجميع الصبر وحسن العزاء.

    وسيواصل المكتب السياسي اجتماعاته لمتابعة كل الخطوات

    -------------
    الرفيق الأكبر. . خسئ من جحدك!!


    الخرطوم :سارة تاج السر:

    الصحافة

    بدون استئذان توقف قلب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد بالعاصمة البريطانية لندن التي قصدها مستشفيا في فبراير الماضي، ليتوقف معه قلب البلاد الذي لم يعاود نبضاته حتى الان. رحل الرفيق محمد ابراهيم نقد ليضع بذلك حدا لمسلسل الاختفاء والعمل السري الذي امتد نحو 30عاما، من عمر حياته السياسية الحافلة. واعتبرت القوى السياسية التي فجعها الرحيل ان سكرتير الشيوعي يعد خسارة كبيرة للسودان، وفال غير حسن وعدته خصما علي رصيد الاعتدال في ظل الظروف السياسية التي تمر بها البلاد باعتباره شخصية وطنية حظيت بتقدير واحترام جميع السودانيين بمختلف الوان طيفهم السياسي، هذا فضلا عن مرونته واعتداله في علاقاته مع الاخرين رغم التزامه الصارم بالماركسية واريحيته المتناهية التي صبغها بطابعه الشخصي علي الأزمات والمواقف السياسية المختلفة ، واتفقت القيادات السياسية التي استطلعتها «الصحافة» بالامس علي ان نقد سيظل « سواء كان تحت الأرض أو على ظهرها، حياً أو ميتاً، ملهما للنضال والمناضلين».

    علي السيد : الثبات علي المبادئ
    جعله يغادر الدنيا وهو لايملك شيئا
    واعتبر القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل علي السيد ان رحيل نقد سيترك فراغا كبيرا في الساحة السودانية ، وقال ان سكرتير عام الحزب الشيوعي الراحل عرف بالجدية في امتهان السياسة والديمقراطية في التعامل والثبات علي المبادئ مما جعله يغادر الدنيا وهو لايملك منها شيئا، ووصف السيد نقد برجل المهام الصعبة، واشار الي انه استطاع ان يقود الحزب الشيوعي الي بر الامان بعد اعدام عبد الخالق محجوب من خلال حنكته في قيادة الحزب في اصعب الظروف، واوضح ان الزعيم الراحل رغم اختفائه لسنوات طويلة الا انه استطاع المحافظة علي الحزب الشيوعي من سيف الانقسامات الذي طال الاحزاب السودانية.

    كمال عمر: أذاب خلافات الإسلاميين والشيوعيين . . وكان الحضن الدافئ للإجماع الوطني

    ورفض الامين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر الادعاء بانه كان الاقرب لزعيم الحزب الشيوعي من بين قيادات المعارضة الاخرين بالرغم من انه تولي في احيان كثيرة مهمة ترحيله من والي اجتماع رؤساء احزاب قوى الاجماع بحكم قرب المسافة بين الطائف والجريف، وقال عمر ان التاريخ سيشهد يوما ما ان محمد ابراهيم نقد من اعظم القيادات السودانية علي مر العصور، واضاف ان اختلفت مع نقد ايدلوجيا لن تختلف معه في قضايا الوطن ، وتابع كان نقد صاحب بصيرة عالية التوجه نحو قضايا الوطن وساهم في ارساء ادب الخلاف، واشار عمر الي ان سكرتير الحزب الشيوعي استطاع بكارزميته وعلاقته الخاصة بزعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي منذ ايام مدرسة حنتوب الثانوية، تذويب التراكمات الموجودة بين الاسلاميين والشيوعيين رغم الخلاف الايدولوجي
    ورأى عمر ان نقد كان بمثابة الحضن الدافئ لتحالف قوى الاجماع الوطني، واردف «لذا يظل الاجماع ممتناً لنقد لانه جعله علي قلب واحد» وقال كان دائما ما يمازحني اثناء تواجدي في اجتماعات المعارضة التي تنعقد بدار الحزب الشيوعي، قائلا» انت ياكمال سكنت معانا بعد دا ما تجيب شنطتك» ، كما كان يمازح الترابي عندما يحضر لدار المؤتمر الشعبي بقوله»انا جاي اشيل ورق كمال».
    وتساءل عمر «متي سنخرج من أزماتنا العميقة ونحن في كل يوم بنفقد شيئا ، مرة جزء من الوطن ومرة زول كبير «واضاف «هل سيستمر النزيف ام نستطيع ان نخلق من رحيل نقد فرصة لندرس حال السودان بأزماته المتعددة ونستفيد من درس الموت في عمل تحول حقيقي».

    الامين العام لحزب المؤتمر السوداني :
    رحيل سكرتير الشيوعي مؤشر لسقوط النظام
    قرشي عوض: رحل المعتدلون وبقي المتطرفة!
    فيما عد الامين الاعلامي لحزب تجمع الوسط قرشي عوض وفاة سكرتير عام الحزب الشيوعي بالفأل غير الحسن خاصة في ظل التوتر والتطرف السياسي الحاصل سواء في اليسار او اليمين،واضاف عوض «رحيل المعتدلين وبقاء المتطرفة ما فال حسن» ثم انه خصم حقيقي علي رصيد الاعتدال والمرونة التي تميز بها نقد في مواقفه الفكرية والسياسية وفي علاقاته مع الاخرين.
    وقال قرشي ان الراحل كان حريصا في علاقاته مع المختلفين معه اكثر من المتفقين، مشيرا الي انه استطاع بمرونته واريحيته المتناهية اضفاء نكهة علي السياسة السودانية مع التزامه الصارم بالماركسية، نافيا حدوث اي تغيير في معاملة نقد لشخصه بعد انشقاقه عن الحزب الشيوعي، مضيفا « بالعكس كان دائما ما يعاملني بطريقة ابوية «.
    محمد علي جادين: الراحل كان أكبر من الحزب الشيوعي
    تحسر محمد علي جادين رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي علي رحيل الفقيد ووصفه بالقائد السياسي المحنك والخبير المحنك بالسياسة السودانية بكل ابعادها، واضاف جادين بالقول انه تميز بكارزمية قوية وبساطة في السلوك جعلته محبوبا وسط رفاقه الشيوعيين بشكل خاص والسياسيين بشكل عام بجانب اشتهاره بالفكاهة واستقبال الامور ببساطة بدون تعقيد او تجهم، مشددا بان الراحل كان اكبر من الحزب الشيوعي.
    واشار جادين الى ان كارزمية نقد مكنته من الصمود وقيادة الحزب الشيوعي متجاوزا به الظروف العصيبة التي عاشها عقب احداث «1971م » الدامية ،كما نجح في العبور بالحزب من محطة سقوط الاتحاد السوفيتي عامي «1991-1992م» بكثير من الابداع والاجتهاد بل والذهاب الي ابعد من ذلك في تطوير افكار الماركسية نفسها ،واكد رئيس البعث ان غياب نقد سيفقد المعارضة صوتها الحكيم.
    قرشي عوض: رحل المعتدلون وبقي المتطرفة!
    فيما عد الامين الاعلامي لحزب تجمع الوسط قرشي عوض وفاة سكرتير عام الحزب الشيوعي بالفأل غير الحسن خاصة في ظل التوتر والتطرف السياسي الحاصل سواء في اليسار او اليمين،واضاف عوض «رحيل المعتدلين وبقاء المتطرفة ما فال حسن» ثم انه خصم حقيقي علي رصيد الاعتدال والمرونة التي تميز بها نقد في مواقفه الفكرية والسياسية وفي علاقاته مع الاخرين.
    وقال قرشي ان الراحل كان حريصا في علاقاته مع المختلفين معه اكثر من المتفقين، مشيرا الي انه استطاع بمرونته واريحيته المتناهية اضفاء نكهة علي السياسة السودانية مع التزامه الصارم بالماركسية، نافيا حدوث اي تغيير في معاملة نقد لشخصه بعد انشقاقه عن الحزب الشيوعي، مضيفا « بالعكس كان دائما ما يعاملني بطريقة ابوية «.
    هالة عبدالحليم: سيظل ملهما ان كان تحت
    الارض او علي ظهرها
    واكدت حركة القوي الجديدة الديمقراطية «حق» ان برحيل نقد، تنطوي صفحة وضيئة ومشرقة من النضال الدؤوب، والحياة العامرة بالبذل والكفاح والتضحيات العظيمة في سبيل الوطن والشعب والكادحين. وقالت رئيسة الحركة هالة عبد الحليم ان نقد وهب حياته كلها منذ صباه الباكر للنضال من أجل حقوق الشعب في الحياة الحرة الكريمة و الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم. مشيرة الي مآثره الخالدة في تصديه لقيادة الحزب الشيوعي السوداني في أحلك وأقسى الظروف، تحت أعواد المشانق وبين أنهار الدماء، وبجسارة وشجاعة فائقة، عقب مجازر التصفية التي استهدفت الشيوعيين والتقدميين في يوليو 1971.
    واعتبرت هالة ان ظروف وتعقيدات النضال اليومية الصعبة، وحياة الاختفاء والمطاردة، لم تمنع نقد من المساهمة الفكرية والثقافية والبحثية الفذة، كما لم تحجب روحه السمحة، ولا إشاراته اللماحة، أو قدرته على اكتساب احترام ود الآخرين. واكدت ان رحيل نقد يشكل خسارة جسيمة، ليس للنضال فحسب، وإنما لمجمل الحياة السودانية، ولكن هالة قالت انها على يقين بأن نقد سيظل، سواء كان تحت الأرض أو على ظهرها، حياً أو ميتاً، ملهما لنضال لا يفتر من أجل مستقبل أفضل للشعب وللإنسانية.
    حزب الامة: رحل والبلاد
    في حاجة إليه
    ونعي زعيم حزب الامة القومي الصادق المهدي للامة السودانية محمد ابراهيم نقد وشهد له بحسن المعاملة وقال «اذا كان الدين المعاملة فقد كانت معاملته للناس فاضلة وعادلة وودودة «، ووصفه بيان المهدي بصادق الوطنية والمتعلق بالدفاع عن المستضعفين، واعتبر المهدي ان نقد رحل في وقت البلاد في امس الحاجة لمساهمته في توحيد كلمتها.
    وروي السكرتير الصحفي للمهدي محمد ذكي تفاصيل زيارة الاول لمعاودة نقد الذي كان طريح الفراش الابيض بمنزل الاسرة بمدينة الفردوس، وقال ذكي استقبل الراحل المهدي ببشاته المعروفة الا ان عينيه سرعان ما ترقرقتا بالدموع عندما داعبه المهدي «برفيق النضال السياسي والصديق الودود» ، واضاف ذكي «فما كان من الامام الا ان ضمه الي صدره وقبله في رأسه «وداعبه مجددا «قوم نمشي السجن» ما دعا نقد الي الضحك لمزحة المهدي وتجفيف دموعه.

    -----------------



    نقد.. يالها من أمانة...!
    الخرطوم: ماجد محمد علي:


    قبل دقائق من تمام الثامنة والنصف من مساء امس الاول تلقت مجموعة من اهالي بري نبأ رحيل زعيم الحزب الشيوعي بوجوم وصمت مطبق، فقد كان نقد يعيش بين ظهرانيهم بعد فاجعة المجزرة التي قادها الرئيس الراحل نميري ضد قيادات الحزب، وظل نقد بينهم حتى هبة انتفاضة ابريل المباركة. ولان الصدفة وضعت بينهم حينما تلقوا النبأ فقد شهدنا الواناً من الوجع والاسى على رحيل من عاش بينهم الراحل باسم « عبدالرحمن الكابوس». بقى نقد في ذلك الحى جزء من اسرة الصيدلي غازى سنادة،الذي هاجر فيما بعد الى امريكا، يتزاور مع الآخرين ولا يصافح النساء كعادة البعض ولا يتقاطع مع التجمعات، مفضلا الجلوس في مقعده بركن اثير رغم اظلامه في الشارع. وبعد انقشاع الغمة وزوال حكم العسكر نزل سكرتير الشيوعي الى الشوارع الواسعة ليقود حزبه في معمعة الانتخابات وعراك الديمقراطية، والقت به هذه السكة ايضا الى الحى القديم ليلتقي من جديد بجيرانه في بري، واحسن نقد حينها وصل ما لم ينقطع طوال عهد نميري، وربما هذا ما يفسر» الحالة» التي انتابتهم ومثلت امامنا حينما نعى الناعي للجيران القدامى رحيله. ليس في تلك المجموعة من منتمى للحزب الشيوعي، ولا من يدعم قوى الاجماع الوطني او احلام اقتلاع النظام من جذوره،ما خلا اتحادي مخضرم قال فور علمه بالخبر» نقد.. ياخسارة». والاخير قال عبارته ثم رنا لبوابة المنزل المجاور الذي قطنه عبدالرحمن الكابوس، مشيرا انه كان يعلم بحقيقته لانهما عملا معا في الساحة السياسية الا انه فضل ان يبتعد حتى لا يتم اكتشافه. فقد كان الحزب الشيوعي السوداني جزءا من معارك الاستقلال وان خاضها باسم الجبهة السودانية لمقاومة الاستعمار، وبعد ان ناله اضحى قوة مخيفة شاركت في صياغة المشهد السياسي في الاعوام اللاحقة، وربما كان نقد حينها بعيدا بعض الشئ، فقد كان يستكمل دراسته الجامعية للاقتصاد في بلغاريا بعد ان فصل من جامعة الخرطوم. وابتعاد هذا الشيخ عن جاره المهم والمطارد دام سنوات طوال، انتهت بعض الوقت بالانتفاضة في ابريل، الا انها عادت لتتواصل بعد 30 يونيو.ما سبق بعض تركة زعيم الشيوعيين الاكبر في ذلك الحي، والتي تتضمن ايضا عن حكايات تروى عن اجتماعات ادارها مع الرفاق على ظهر مركبات عامة، فضلا عن حذاقة مبهره في التعامل مع مواقف في الحي كان يمكن ان تودي بتخفيه الى حتفه. وحكاية محمد ابراهيم نقد مع ذلك الحي تستدعى الاشارة، فآخر تصريحات سكرتير الشيوعي النارية باتجاه النظام الحاكم كانت بسبب مظاهرات اندلعت في شوارعه بسبب ندرة المياه ، واتهم الشيوعي بتدبيرها، ليخرج هو ليقول ان اهل بري ليسوا بغنم حتى يقودهم الشيوعي كالبهائم.
    وفي صباح الجمعة اهتزت البلاد برحيل سكرتير الشيوعي،وغلبت رنة الحزن على ايقاعاته فيما حفلت وسائل الاعلام المختلفة بتغطيات لهذا الحدث الجلل، الا ان اغلبها عني بمسألة الاختفاء الذي لازم عقوداً من حياة السياسي العتيد، فهل يصلح هذا الامر عنوانا لحياة الرفيق الاكبر «عبدالرحمن الكابوس»، اما انه يحوى تبسيط مخل لنضال طويل دام زهاء الستين عاما، وتجنى على سيرة حافلة بالبذل والعطاء من اجل الماركسية واحقاق الاشتراكية وسيادة قيم الحق والعدل والمساواة الاجتماعية. وهل في حياة الرفيق نقد لمحات اخرى تعزز لذلك ام ان صورة الشيوعي الذي يجيد الاختفاء هى ما ستبقى مرتبطة بالرجل في ذاكرة الوطن.
    لقد تقلد نقد موقع سكرتارية الحزب الشيوعي السوداني في ظروف بالغة الدقة بعد فترة قصيرة من اعدام سكرتيره عبد الخالق محجوب على يدي الرئيس الراحل جعفر النميري في اطار حملة تقتيل واسعة استهدفت قيادة الحزب اثر انقلاب هاشم العطا الفاشل في عام 1971، ونجاة نقد من تلك المجزرة تصلح لكتابة فيلم بوليسي بامتياز، فقد ضاقت الارض الواسعة تلك الايام عن مكان يسد اليه الرفيق المثخن بالجراح ظهره، وكابد محمد ابراهيم نقد مأساة اعدام قيادات الحزب، وانشقاق نصفه تماما لينضم الى مايو، وهى الكارثة التي ابدى خشيته منها عندما رفض مشاركة الحزب في انقلاب مايو من الاساس،فقد ثبت بالوقائع ان نقد وعبدالخالق محجوب رفضا المشاركة في الانقلاب، لانهما ضد استخدامه كأداة لتحقيق اهداف الشيوعي، وهذا الامر يؤكد عليه رئيس المكتب السياسي الاسبق لحزب الامة ورئيس لجنة السياسات فى دوائره الآن صلاح ابراهيم احمد، موضحا ان عبد الخالق ونقد كانا يريان ان العسكريين برجوازية صغيرة غير ثابتة على مبدأ والتعامل معها قد تكون له نتائج خطيرة، وهى عكس رؤية الجناح الآخر في الشيوعي الذي قاده احمد سليمان وعمر مصطفى المكي، فقد ظلا على قناعة بان طريق تحقيق الاشتراكية عن طريق الديمقراطية طويل للغاية، ولا مناص من الانقلاب. وهي القناعة التي دفعت البعض في الحزب الماركسي الى ارتكاب ما يصفها رئيس المكتب السياسي الاسبق للامة «غلطة العمر» واتخاذ سبيل المشاركة في مايو.وهى المشاركة التي سيدفع الحزب الشيوعي ثمنها لاحقا دماء ودموعا وانشقاقات كادت ان تفنيه من على ظهر الارض، لولا ما تميز به سكرتيره الجديد من سمات شخصية عادت على الحزب بلم الشمل وتضميد الجراح. فنقد كان كما يقول رئيس المكتب السياسي الاسبق للامة « لطيف رغم انه مفكر عميق وماركسي يؤمن بما يعتقد ويعمل على تحقيقه» وهى الصفات التي مكنته من التفاعل والتفاهم مع جميع الناس ايا كانت معتقداتهم. وربما لم يملك الرفيق نقد من الكاريزما ما يضاهى ما امتلكه السكرتير السابق عبدالخالق محجوب، الا انه قاد الحزب في ظروف داخلية وخارجية حرجة موصلا اياه الى بر السلامة، في حين قاد عبدالخالق الشيوعي وهو الاقوى في افريقيا والعالم العربي، حاظيا بدعم ومساندة اقليمية ودولية بائنة.لذا فان المقارنة بين الاثنين غير عادلة كيفما يذهب رئيس المكتب السياسي الاسبق للامة، مؤكدا ان الرفيق الراحل يحمد له نجاحه في لم شمل الحزب المجروح وترتيب اوضاعه ومواجهة قضية الانشقاق بحزم وقوة ، وهى المواجهة التي افضت الى بقاء الحزب الشيوعي على مساره التاريخي والسياسي بلا انحراف.
    وفيما قاد نقد من تحت الارض الحزب الشيوعي من الحي الخرطومي العريق تحت ستار شخصية «عبدالرحمن الكابوس» طيلة مراحل مايو الاشتراكية والقومية والاسلامية، شارك بعض الرفاق القدماء ثورة مايو ايامها الحلوة قبل ان يتفرقواأيدي سبأ في ابريل (1985). لقد شارك نقد مع قيادات الاحزاب الناقمة على مايو في الاطاحة به في تلك الانتفاضة الشعبية، ليخرج الى النور بعد ان ملأت التجاعيد وجهه النحيل، ودفع الجسد الضامر ما توجب.
    ولما كان الحزب الشيوعي السوداني من القوى السياسية الكبرى في البلاد، لم يتقبل الكثيرون ما حصده في صناديق الانتخابات، وشكلت المقاعد التي حصل عليها في البرلمان صدمة حقيقية في الداخل والخارج، اذ انها لم تتناسب لا مع سمعة الحزب ولا على تأثيره في الحياة العامة ولا على مقدرته على قيادة الرأى العام. الا ان ذلك الامر من ناحية اخرى كان دلالة لا تخطئها على ان جسد الحزب الشيوعي لم يتعاف حتى تلك اللحظة من ضربة النميري الموجعة، فيما لم يتوافر ما يشير الى ان تبعات ما جناه الحزب في الدوائر القيت على قيادته المفارقة لظلام الاختفاء من توها، فقد انقادت قيادات وكوادر الحزب الشيوعي لنقد طيلة الديمقراطية الثالثة بتناغم وسلاسة وتعاون كبير يحسب على الشيوعيين، مما جعل من كتلة الحزب الشيوعي الصغيرة في البرلمان لتصبح بعبعا يخيف الخصوم واداة من ادوات الحزب في تنفيذ اهدافه وبرامجه، ولم يتغيب نقد ورفيقه في البرلمان جلسة واحدة معليا من صوت اليسار ومنافحا عن ما يراه حقوقا لعامة الناس. ومما ساعد في ان يخرج اداة كتلة الشيوعي المكونة من نائبين خشية الاحزاب الاخرى من التعرض لها، وعدم رغبتها في التذكير بفعلتها القديمة. فقد طرد نقد ومجموعة من نواب الشيوعي من البرلمان عقب نجاحهم في دوائر الخريجين في انتخابات (1966)، وقد مثل الامر طعنة نجلاء للديمقراطية لانه كان ضد رغبات الجماهير التي منحتهم اصواتهم، الا ان ترصد الدكتور حسن الترابي لهم ومجاراة الصادق المهدي له وصمت الحزب الاتحادي، قاد لتلك المؤامرة سيئة الاخراج. ويثبت رئيس المكتب السياسي الاسبق لحزب الامة في حديثه لـ» الصحافة» بالامس تآمر الاحزاب على نقد ورفاقه، لافتا ان المؤامرة وصلت الى رفض حكم المحكمة باعادتهم الى البرلمان، وفق فتوى نجدية للترابي تقول ان الحكم تقريري وغير قابل للنفاذ. ومضت مسيرة سكرتير الحزب الشيوعي السوداني ابان عهد الديمقراطية الثالثة الى ترميم جدران الحزب وطرق آفاق جديدة، لكن ذات سنوات ما بعد الانتفاضة قد شهدت تفاعلات غير مطمئنة في دول المنظومة الاشتراكية في العالم، بخاصة في اوربا.
    وبحلول يونيو (89) كان الحزب الشيوعي وقيادته مشغولين بتحليل التطورات في الدول الاشتراكية، وتأثيرات ما يجري في روسيا وبرلين على العالم وعلى ما يؤمنون حينما باغتهم انقلاب الانقاذ، فاعتقل نقداً مع بقية قيادات الاحزاب في سجن كوبر المشهور، ونقلت عن الرفيق الاكبر عديد القيادات التي قضت معه تلك السنوات في كوبر، انه كان اكثرها هدوءً وذا علاقة طيبة مع السيدين الميرغني والمهدي ثم حددت اقامته بعد اطلاق سراح القيادات من سجن كوبر ليقرر من بعد ذلك الاختفاء مجددا حتى يتمكن من ادارة الحزب وقيادة الصراع ضد النظام القائم، وهو الوضع الذي استمر لحين قرار الحزب بخروجه الى العلن في العام (2005). ونسجت الكثير من الروايات حول هذا الامر، فقد قيل ان الاجهزة الامنية استطاعت الوصول اليه واعلامه بعدم جدوى الاختفاء، لكن شخصيات قريبة من نقد رأت ان خروجه كان قرار الحزب وكيفية اخراج ذلك الخروج من تدبيره ايضا. ولم تختلف الصورة بالنسبة لسكرتير الحزب الشيوعي فقد عاد ليرمم للمرة الثانية ما تهدم من جدران حزبه، ويعد العدة لمؤتمره العام المرتقب منذ عقود، ويساهم في قيادة الاحتجاجات في الشوارع بلا ضجة او زفة تستبقه من الصحفيين. وعندما انعقد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي لم يكن من جدال في ان الرجل لم يعد راغبا في الاستمرار في مقعده الا ان استمراره اضحى ضرورة لازمة لاستقرار الحزب وعدم شق صفوفه. وبعد تأزم حالة الرفيق نقد الصحية طرحت مسألة خلافته في العلن بشكل عرض اغلب قيادات الحزب للحرج البالغ، فنقد عندهم مثل رفيقه الراحل التجاني الطيب اب واخ ورفيق. ولم تلبث القيادات الشيوعية الا ان تؤكد على بقاء الرجل وقدرته على اداء مهامه. لكن عضوا في اللجنة المركزية قطع بأن السكرتير العام للحزب الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد لن يترشح مرة أخرى لمنصب السكرتير العام للحزب. وقال الرجل: « قطعاً نقد لن يترشح للمنصب في المؤتمر السادس، وأنا أيضا لن أترشح للجنة المركزية ولا كل الذين هم من جيلنا». غير ان طائر الموت النقاد اختار الرفيق الاكبر محمد ابراهيم نقد قبل المؤتمر السادس للحزب، بعد ان ترك الشيوعي بافضل مما تسلمه كسكرتير عام في تلك الايام المظلمة من العام (1971) . ادى الامانة التى تلقاها وهو يقف على دماء رفاقه ورحل بعد ان اعد ثلة من القيادات التي يمكن ان تخلفه في حزبه، وهو ما لا يتوافر في اي من احزاب الساحة السياسية. ذهب نقد وهو يحظى كماركسي اعتقادا وعملا بالاحترام الذي يستحقه من الجميع، فقد كان فعلا رجلا جديرا بالاحترام.


                  

03-25-2012, 05:17 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    04f6f1a3934e9a.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    ishكلمة الميدان
    عهدنا لك ولشعبنا
    March 24th, 2012
    نهار الخميس 22 مارس 2012 غيّب الموت السكرتير السياسي لحزبنا الأستاذ محمد إبراهيم نقد ، ونحن وبلادنا أحوج ما نكون إليه ..

    ولكن عهدنا له أن نظل أوفياء للمبادئ التي عاش حياته كلها وفياً لها .

    وعهدنا لشعبنا أن نظل أوفياء لقضيته وعلي رأسها استعادة الحرية والديمقراطية والكرامة

    وعهدنا لشعبنا الوفاء بمشروعنا الوطني التقدمي الماركسي مهما كانت التضحيات

    سيظل نقد في قلوب الشيوعيين وأصدقائهم والوطنيين ما بقي هذا السودان علي وجه الأرض .

    وإن غاب عنا ، فإن ذكراه تحفزنا للمزيد من التماسك والتوحد والسير قدماً لما نصبو إليه..

    ——————–




    الصحافة السودانية في وداع نقد .. صدق وإحساس وطني مسئول
    Updated On Mar 24th, 2012

    * وفاة نقد في موسم توالي الأحزان والمواجع!

    * متزن ونبيل وزيو زي أي زميل!

    * نقد إلى باطن الأرض مرة أخيرة!

    * بلادنا تودع الرمز الأعظم للاشتراكية!

    * نقد في رحلة الاختفاء الأخيرة!

    * الوطن يذرف الدموع على فقده الأليم .. سلاماً سلاماً يا ود مليم!

    * مطر الحزن عاود هطل .. نقد .. حضرنا ولم نجدك!


    تقرير صحفي: حسن الجزولي




    تصدر نبأ رحيل محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الأخبار الأساسية لغالبية الصحف الصادرة صباح أول أمس بالعناوين البارزة علي صفحاتها الأولي وقد كلل بعضها لون الحداد. حيث عكس تناول الصحافة السودانية لنبأ رحيل نقد صدقاً وإحساساً وطنياً مسؤولاً وأميناً.

    ورد نبأ الرحيل في صحيفة الجريدة بمانشيت رئيسي يقول: الموت يغيب سكرتير الحزب الشيوعي نقد ثم بعنوان جانبي يقول: ودع بابتسامة.. قال مع السلامة : حيث قالت الصحيفة : ( انتقل إلى الرفيق الأعلي ظهر أمس سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد بلندن بعد صراع مع المرض ، ذهب للعلاج بالمملكة المتحدة حيث توفي هناك، وبرحيل نقد فان عالم بأكمله ينسحب من تحت الأقدام وتنتصب سرادق العزاء في ليل الديكتاتورية البهيم) ونقلت الصحيفة عزائها الحار لأهل ومعارف وأصدقاء وأعضاء حزب الراحل (و للدوائر الواسعة من الديمقراطيين الثوريين والعزاء لكل الوطنيين السودانيين والعزاء لشعوب السودان قاطبة ولكل من يحلم بالتغيير وسار في ركب التقدم ولكل مدافع عن السيادة الوطنية وعزة البلاد).

    وقالت صحيفة السوداني في مانشيتها الأساسي نقد .. الاختفاء الأخير وأوردت مشيرة للحضور اللافت للأحزاب السياسية بالبلاد قائلة: ( قبل أن يجف الدمع حزنا علي شاعر الغلابة محمد الحسن سالم حميد هاهي الأقدار تعيد إنتاج الحزن / فبعد أن تهيأت الخرطوم مساء أمس لليلها جاءت الأنباء متضاربة أول الأمر أو غير مؤكدة مفادها أن زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد قد رحل عن هذه الدنيا الفانية في عاصمة الضباب (لندن) ، تتالت بعدها الأنباء لتؤكد الفاجعة.

    صحيفة التيار قالت في عنوانها الرئيسي : (محمد إبراهيم نقد .. حضرنا ولم نجدك) في إشارة بليغة للمذكرة الشهيرة المختصرة والتي تركها الفقيد بميدان الأمم المتحدة تأكيدا لحضوره للمشاركة في الموكب الذي كان من المفترض أن تسيره أحزاب المعارضة ولم يتم نتيجة لتدخل الأمن وفضه وأشارت لاجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي صباح الجمعة لمناقشة ترتيبات مراسم التشييع.

    أما صحيفة الأحداث فقد كللت عنوانها الرئيسي باللون الأسود قائلة: نقد .. تموت الرجال وتبقي المآثر وعنوان جانبي يقول : البلاد تفجع برحيل زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد ، مشيرة إلي تقاطر المئات من المواطنين للعزاء في الراحل بمنزله بضاحية الجريف تقدمهم قيادات الحزب الشيوعي والقوي السياسية الأخرى ، وتلقي كل من الشفيع خضر وشقيق الزعيم نقد (سيد) العزاء في الفقيد ويكتب فيها محمد عبد الماجد مقالا بعنوان (نقد : سيرة رجل قال لا ) مشيراً فيه إلى أن (يكون تحت الأرض أفضل له من ظاهرها في الحكم الشمولي) مع بعض الملامح من سيرته الذاتية .

    وأوردت صحيفة ألوان عنوانها الرئيسي (رحيل محمد إبراهيم نقد ) وفي باب المشهد الآن علي صفحتها الأولي يرسم الزين عثمان المشهد قائلا (مطر الأحزان عاود هطل.. نقد حضرنا ولم نجدك).. يقول: الآن تفتقد الأرض ملحها ، فقد كان نقد كذلك صالحا وملتزما بقضايا وطنه ، كان مثقفا لاتفارق الابتسامة شفتيه ، الكل يجمع علي نقائه ، تشهد بذلك 82 عاما عاشها بتطبيع كامل مع كل مؤسسات الفقر تجسد قول الفيتوري (دنيا لايملكها من يملكها، أغني أهليها سادتها الفقراء) كان فقيراً ولكنه غني الآن بشعبه، غني الآن بالدموع التي ذرفها الجميع حين جاء الخبر ، بالتفاف المختلفين معه عليه ، ثم ختم مقاله قائلا إن أهل السياسة سيأتون غدا للمأتم حاملين كرتونة الحزن وكاتبين عليها (نقد .. حضرنا ولم نجدك) وبداخل صفحات الصحيفة نقرأ مقالا مطولا لمحمد الخاتم بعنوان: نقد قبل الرحيل المعلن.. ماشين في السكة نمد ، يقول فيه (ذات صباح من صباحات فبراير من العام الماضي ورياح أمشير تلفح الخرطوم (…)، وهي التي دخلت لتوها عشية لهيب الحملة الانتخابية ، خرج سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد من مكتبه (غير الوثير ) بالمركز العام للحزب الخرطوم قاصدا (دكان الحي) أو قل (سوبر ماركت) إن شئت البرجزة ، يقف الرجل السبعيني أمام البائع متكئاً علي تجربة سبعين عاما من العمل العام ، يداه ترتعشان، يخرج ورقة نقدية من فئة الفي جنيه(بالقديم) من الجيب الأيسر لبنطاله القديم ، والحق يقال انه كان بحاله جيدة تسعف صاحبه علي ارتدائه لسنين قادمات بحساب أهله من قبيلة المراكسة ، يطلب من البائع علية سجائر ماركة (قول) وهي ماركة لمن لايعلم تلحق بالاتي نصه( سجائر للفقراء والجوعى) وتبلغ قيمة صندوقها للعشرة لفافات(1000 جنيه) اتبع طلبه الأول بزجاجة مياه غازية تباع ب خمسمائة جنيه وقتها . وبالضرورة تحتاج لكيكة محلية الصنع كانت كفيلة بجعل الألفي جنيه في عداد المفقودين علي الرغم من أن صاحبها تريث قبل المغادرة في انتظار الباقي الذي لن يأتي أبدآ .مشتريات نقد وقتها هي وجبة عديمة الدسم لشخص يتمتع بصفة مرشح رئاسي يخوض غمار انتخابات ابريل الماضي ببضع لقيمات من (كيكة) يقمن صلبه.

    انتخابات ابريل التي اختلف الناس حولها كما لم يختلفوا من قبل هجرها نقد وغادر غير آسف عليها بحجة تزوير خطواتها من قبل الحزب الحاكم الذي لا قبل له به

    وفي صحيفة الشاهد جاء عنوانها الرئيسي يقول:- نقد في موسم توالي الأحزان والمواجع، وفي داخل الصحيفة نقرأ مقالاً من إعداد القسم السياسي بعنوان:-نقد إلى باطن الأرض مرة أخرى، متناولاً سيرته الاجتماعية والسياسية.كما أوردت الصحيفة قرار الحزب الشيوعي بإغلاق دوره حداداً على الفقيد،ونصب سرادق للعزاء بدار الفقيد بالجريف غرب.

    وقالت صحيفة الوفاق ( رحيل سكرتير الحزب الشيوعي ممد إبراهيم نقد) متناولة سيرته اجتماعيا وأكاديمياً وسياسياً، مشيرة لبروز ميوله للأنشطة الثقافية بالجمعية الأدبية التي كان مشرفاً على جمعية التمثيل والمسرح بها، حيث قدمت ( أعمالاً لخالد أبو الروس وشكسبير وجرجي زيدان).

    وفي عنوانها الرئيسي قالت صحيفة الخرطوم( رحيل محمد إبراهيم نقد ) وصحيفة الحرة قالت ( وفاة رئيس الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد بلندن) وبعنوان جانبي يقول:- الحزب الشيوعي.. أمر الله قد وقع .. في وفاة نقد، مشيرة للعديد من المؤلفات الفكرية التي أصدرها الراحل كقضايا الديمقراطية في السودان، وحوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، وعلاقات الأرض في السودان، هوامش على وثائق تمليك الأرض، وعلاقات الرق في المجتمع السوداني، وحوار حول الدولة المدنية.

    وقالت صحيفة الأهرام اليوم:-( رحيل زعيم الحزب الشيوعي السوداني نقد) مستعرضة في صفحاتها الداخلية مقالاً حمل عناوينًاً جانبية تقول:- يادي البلاد الكل ما طايبتها فتحت على جرحك جرح، ويتوالى جرح نهر الأحزان .. الموت يغيب زعيم الحزب الشيوعي نقد .. الوطن يذرف الدموع على فقده الأليم .. سلاماً سلاماً يا “ود مليم” ، فكتب كل من عبد الرحمن العاجب ويوسف حمد :- متزن ونبيل .. زيو وزي أي زميل!، ثم استعرضا سيرته السياسية، ويكتب فيها أيضاً عزمي عبد الرازق:- في يوم الخميس جانا الخبر وانشاع.. دموع نقد ودماع الخلوق.

    أما صحيفة الصحافة فقد كتبت تقول:- ( نقد في رحلة الاختفاء الأخير) ومضت قائلة:- بفقده فقدت البلاد رمزاً من رموزها ونخلة من نخلاتها السامقات ووتداً من أوتادها الراسيات، رحل محمد إبراهيم نقد وباتفاق مخالفيه في الرأي ومجايليه، كان سودانياً ” وزن عشرة” بهي الرواء، وسيم التحية، يفرش قلبه مودات، ويغرق خصومه بالولاءات والحب، دون تفريط في قضيته ومواقفه، ودون تبديل في أفكاره ومشروعه.

    وفي صحيفة الرأي العام نقرأ لعمرو شعبان مقالاً بعنوان ( ورحل أستاذ الحكمة ):- في السابعة والنصف مساء أمس تواطأ نقد مع حميد في رسم خريطة فارغة لسودان مكلوم، تواطأ على إخلاء الحياة من كل جمال، أو ربما هو نوع من توارد الخواطر بين سيد الكلمة “حميد” وأستاذ الحكمة ” نقد”، في وضع سؤال كل الاجابات عليه خاطئة، رغم أنه مكشوف، الخرطوم أم ( المدن النائمة) لم تنتظر (خطى العمال أو أصوات الفلاحين)، فأيقظها رحيل الحكيم الصامت محمد إبراهيم نقد دون ضجيج. ثم يمضي المقال ناقلاً تصريح كمال الجز ولي الكادر بالحزب الشيوعي السوداني قائلاً:- ( كل كلمات العزاء لا تفي الفقد الجلل، رغم أنه أعدنا لرحيله، إذ عانى من العلة زمناً طويلاً، حتى بعد ذهابه إلى لندن لم تكن الأخبار مبشرة، حيث أُتهم بأنه مصاب بورم في الدماغ، وأبدى الأطباء أسفهم لعدم إمكانية التدخل الجراحي، بسبب عدم جدواه في شاكلة هذا النوع من الأورام، التي لا يوجد لها علاج ناجع ونهائي، كما أن الدواء ليست له فاعلية، وإنما هناك بعض الأدوية التي لا يمكن التقليل من مضاعفاتها، وأضاف، لم تعد هناك حاجة لبقائه ببريطانيا، وتقررت عودته للخرطوم، وبالفعل تم الحجز على أن يعود اليوم الجمعة، ولكن حالته ساءت بصورة كبيرة يوم الثلاثاء، ودخل في غيبوبة أعيد على أثرها إلى المستشفى، وهو فاقداً للوعي تماماً إلى أن توفاه الله عند السابعة والنصف بتوقيت السودان، الرابعة والنصف بتوقيت قرنتش.

    وفي عنوانين رئيسيين تناولت صحيفة الوطن نبأ الوفاة قائلة:- ( تشيعه البلاد في موكب مهيب ورهيب.. ورحل الزعيم الكبير والقائد العظيم نقد، ثم مضت قائلة في عناوين جانبية المشاهد، حبيب البلد أوردتا نبأ رحيل السكرتير السياسي للحزب الشيوعي على صدر صفحاتهما الأولى ( بعد تفاني ونضال من أجل الوطن، بلادنا تودع الرمز الأعظم للاشتراكية محمد إبراهيم نقد.

    واحتسبت صحيفة (آخر لحظة) على صدر صفحتها الأولى سكرتير الحزب الشيوعي باسم رئيس مجلس إدارتها ورئيس التحرير والعاملين.

    صحيفة أخبار اليوم أبرزت نبأ الوفاة بعدد من عناوين رئيسية مكللة بالسواد:- في ذمة الله الأستاذ محمد إبراهيم نقد، إجتماع طارئ للشيوعي صباح اليوم، وبيان من مكتبه السياسي حول مراسم استقبال وتشييع جثمان فقيد الوطن الراحل نقد.

    هذا وقد شاركت كل من صحيفة الدار، اليوم، المشاهد، حبيب البلد، في إبراز رحيل السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني علي صدر صفحاتها الأولي.

    ونقلت معظم الصحف السودانية الصادرة صباح الأمس نعي كل من الإمام الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني في رحيل نقد.


    ----------------

    وداعاً نقُـــد …… شدوا الضراااع …!
    Updated On Mar 24th, 2012



    خضر حسين



    وليكن لا بد لي

    أن أرفض الموت

    وأن أحرق

    دمع الأغنيات

    الراعفة

    (درويش)

    قدرنا كشيوعيين وديمقراطيين سودانيين أن نمشي علي الجمر قابضين عليه دوماً ، هو في الحقيقة قدر الأحرار والثوار كلهم في هذه البقعة التي كتب الله لنا العيش فيها .

    قبل أن يستفيق الناس من هول رحيل أحد مؤسسي الحزب الشيوعي السوداني الأستاذ التجاني الطيب بابكر والناس مشغولين في الإعداد لتأبينه تأبينا يليق به وعطاياه وأياديه وديونه المستحقة علي أبناء وبنات هذا البلد الطيب ، يرحل وردي قيثارة الأرض ومغني أحلام الناس ، والناس في حزن وردي يفاجئهم قدر حميد ، شاعر المسحوقين ونيلهم الذي ما نضب عن العطاء يوماً فإختلط حابل الأحزان بنابل الجراحات والكل فاغر فاهه من هول المصائب .

    تقالد الناس يومها وافترشوا دموعهم علي أرصفة الطرقات كان يوماً عصيباً من أيام السودانيين تحملوا قساوة الأقدار مفترشين السواعد آملين في سودان جميل وإن غاب صانعوه .


    قلت لصديقي الدكتور حسن الجزولي وأنا أربت علي كتفه في مقابر (البنداري) أثناء تشييع (حميد) (معقولة يا أبوعلي يعني إنتو لي هسي شغالين في تأبيين أستاذ التجاني ، جاكم وردي ، قبال تمشوا يقالدكم حميد معقولة بس ؟ ) أحسست ساعتها إننا لم نعد في سباق مع الوطن وقضاياه بقدرما نحن في حقيقة الأمر في سباق مع الموت يسبقنا دوماً هذا الموت يسبقنا .

    والمساء يلملم بعضه نعي الناعي إنتقال رفيقنا وحبيبنا الأستاذ المفكر محمد إبراهيم نقد بالعاصمة البريطانية لندن بعد صراع مع المرض ليضيف برحيله حزناً آخر لا في قلوب الشيوعيين والديمقراطيين السودانيين وحسب بل في قلب كل من عرف مآثر الرجل .

    نقد : إسم سيقف التاريخ أمامه طويلاً متأملاً تجارب هذا الرجل الفكرة رجل زهد الدنيا و الحياة بكل مغرياتها ، ركل الحياة لقناعته الصادقة أن الحياة ما هي الا وسيلة لخدمة الناس وقضاياهم هكذا كان نقد طوال عمره نافذ البصر والبصيرة قوياً عند الأ زمات ساخراً من كل ما من شأنه أن يكون معطلاً لقضايا شعبه .

    وإن كان للأساطير مكان في قرننا هذا فمحمد إبراهيم نقد وبما قدمه لشعبه وأمته وبصبره ومجالدته وببصيرته ورؤاه المنفتحة وبحزمه وبعزمه وبصموده وشجاعته وبكبريائه وعلوه بكل تأكيد يستحق أن يكون نموذجاً لأساطير زمانه .

    لست هنا بكل تأكيد لأقول للناس من هو نقد ؟ فسيرته المبذولة في أذهان شعبنا أنصع وأجمل وأبقي من أي مداد يحاول الكتابة في هذا الحقل ، غير أنه لمن المخجل حقاً أن لا نتناول هنا علي الأقل دروب الجمر التي مشي عليها الرجل إلتزاماً وطواعية إيماناً بعدالة قضيته وقضايا أمته وانتصارا لحكايةٍ دامية اسمها الحزب الشيوعي السوداني .

    ونشرات الأخبار ترصد الجوائز وصحف البلاد تنشر ما تنشر من صور المطلوبين والهاربين في وطن شُل نصفه وبقي نصفه الآخر يسبح في حمامات الدم إختفي نقد ولكأنه (فص ملح وذاب) ، كان ذلك بعد ثلاث ليالي بتمام الكمال من الثورة التصحيحية التي قام بها هاشم العطا ورفاقه الغر الميامين ثورةٌ كلفت الشيوعيين السودانيين وأرهقتهم أيما إرهاق كلفتهم في خواتيم أمرها تقديم قيادتهم السياسية والعسكرية وورود فكرتهم الأولي كقرابين فداء قدموا فيها نوارت البلد رجل إثر رجل رفيق يتبع رفيق وزميل يمسك في كتف زميله في إنتظار البارود ولعالع الرصاص والمقاصل رجال لم يترددوا لحظةً في تقديم أنفسهم فداءاً لوطن إسمه السودان .

    تحول الوطن أيامها (لدروة) يستقبل الرصاص فيه الشرفاء من أبناء الوطن ، لم يكن المجال مجال حقوق إنسان بل كانت فسحة لاضطهاد الإنسان وإذلاله وما إستجاب الشيوعيين السودانيين لنداء الحياة المرهون بخيانة الموقف كله بل تقدموا بشجاعة نادرة لمحكام التفتيش واثقين في قرارة أنفسهم (أن الأرض للكادحين ومفتاح الحياة العمال) . موقنين في ذات اللحظة أن البذرة التي بذروها في باطن الأرض ستنبت لا محال وإن طال الزمن ألف فكرة .

    رصاص وأشلاء ، سهر ودموع ، دماء مهدرة موزعة بين قبائل الفاشيست ، بين الوطن ونقيضه بين الحلم والكابوس بين العدالة والظلم . إستباح فيها جنود مايو منازل الشرفاء بحثاً عن (نقد) وبقية المطلوبين هلع ما بعده هلع أصاب (النميري) وأجهزة أمنه تري أين ذهب البقية ؟ ففائض الرصاص يكفي لمسح هؤلاء الأوغاد من وجه البسيطة ، (الدروة) ملت الإنتظار الجنود من خلف البنادق كذلك ، قلق سيطر علي المكان كله ، حتي إنه من فرط السأم أطل (النميري) من خلف أجهزة الإعلام ليعلن لجماهير الشعب السوداني القضاء من الحزب الشيوعي السودان فماذا كان في الضفة الأخري ؟

    ( لما فارسك فينا هب

    عب حجرك بالمحبة

    وبالأماني

    صحي نار الثورة

    تاني

    جانا داخل

    وجانا داخل

    زي شعاع الشمس

    من كل المداخل

    جانا

    داخل)

    لم يكن الأمر بالنسبة للشيوعيين السودانيين سوي دين مستحق يدفعوه حتي لو كان سكرتيرهم السياسي (عبد الخالق محجوب) ثمن دينهم ذاك ، لم يكن الأمر عندهم أكثر من إلتزام تجاه قناعاتهم بمستقبل أخضر يمشون نحو دربه بعتادٍ قيمته الدم والجرح والدموع ، كبرياء ما بعده آخر ما كان يتملكهم وإلتزام ما بعده ثانٍ .

    في ذات الأثناء ووسط هذا النزيف كله خرج الحزب الشيوعي ليعلن للناس انتخابهم للأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتيراً عاماً ليحل مكان رفيقهم الذي شيعوه بالأمس بالدموع . شهيدهم الذي مضي (مجرتقاً بالرصاص ومحمماً بالدماء) ضاربين بذلك أجمل أمثال الثبات والانتماء الصادق لقضايا الجماهير .

    نقد : رجل يصعب وصفه ، يغلب عليه الطابع السوداني (ود بلد ، عشا البايتات ، الأستاذ ،الأصيل ، ود مليم ، حكيم السياسة السودانية ، فارس الحوبة ) وما بين الأقواس كلها ألقاب ظل الناس يطلقونها علي الأستاذ محمد إبراهيم نقد كرجل استطاع الناس أن يجدوه في كل تلك الألقاب .

    قدم حياته بل نذرها لأجل شعبه ورفاهيته وتقدمه كان مثالاً للإنضباط جاداً في عمله الحزبي متماهياً مع صدقه لدرجةٍ يصعب معك التفكير أمام أي رجل أنت ؟

    حتي إنني لا أجد لنفسي مرقداً كلما راجعت ما كتبت ، إكتشفت إنني ببساطة حولت (عم تجاني / وردي/ حُميد/ نقد) لأفعال ماضٍ رغم إنهم ظلوا وعلي الدوام أفعلاً لمستقبلٍ سيأتي .

    (ودمليم) كان ملئ السمع والبصر كان بيننا قبيل أيام الآن يعود يلفه علمُ السودان لتتوزع سيرته بين القري والحلال والبوادي يعود (فارس الحوبة) لندفنه بذات الأيادي الراعشات التي أهالت التراب علي عم تجاني ووردي وحميد لتعود ذات الأيادي لتغتسل من نهر الصبر الطويل في إنتظار فرح قادم .

    (نقد) حالة لا يستقيم معها الدخول في براثن الإحباط واليأس ولو كنا (داخليها) لدخلها الشيوعيين السودانيين أيام عبد الخالق المحجوب وجوزيف والشفيع وبابكر النور ورفاقهم الغر الميامين ، نقد حالة أشبه بذر الإحباط من العيون ، نقد يمثل عندي العمل الدؤوب والصراع الطويل وعدم الركون لليأس وكل ما من شأنه أن يكون معيقاً لتقدم القوي الثورية ، نقد أمامي الآن يستنهض فيكم ما حلم به من فجر أيها الشيوعيين ويا أيها الديمقراطيين وأيها الأحرار والثوار من أبناء وبنات هذا الشعب يقيني أنكم في حال لا يسُر الصديق غير أنني واثق من قدراتكم نحو المضي إلي الأمام قدماً .

    هذا نقد أمامكم جماهير شعبنا مسجي يلفه غطاء أبيض كفكرته كوطنه الذي لطالما حلم به فلنبادله النقاء والثبات ولنشيعه كأجمل ما يكون الوداع كونه وعلي الدوام ظل منكم وبكم وإليكم ناشداً سعادتكم لن نهزم الموت صُحابي لكن لننتصر للحياة مرةً .

    صادق العزاء للشعب السوداني وللشيوعيين السودانيين ولليساريين وللحالمين بوطن تسوده قيم الخير والعدل والسلم ها (نقد) قد أسدل جفونه بعد سفرٍ طويل فأوفوه وعد سودان حلم به يا أيها الناس ولتظل راياتكم دوماً للأمام خبزاً … عدلاًً … وطن انتصار … ولتبقوا لأنكم الأحق بالبقاء ولسه قدامكم معارك في الخالدين نقد .

    من مات شهيداً

    لايذكر همساً

    لايندب حظاً

    يقرأ ترتيلاً

    قرآناً إنجيلاً

    يوقد قنديلاً


    --------------

    هلا ترفقت قليلا بنا يا موت
    Updated On Mar 24th, 2012

    محمد حمزة
    سأصير يوما فكرة . لا سيْف يحملها
    إلي الأرضِ اليبابِ ، ولا كتاب “
    كأنٌها مطر علي جبلٍ تصدٌع من
    تفتٌح عشْبة ٍ ،
    لا القوٌة انتصرتْ
    ولا العدْل الشريد
    سأصير يوما ما أريد

    (محمود درويش)

    هذا عام الاحزان , إمتدت يد الموت الطويلة وتخيرت , ترادفت فجيعة العم تجاني مع فجيعة رحيل العم نقد, جاءتنا في مقاتل عدة , كل منهما إمتاز علي الآخر بفتنة وفرادة الشخصية وتشاركا النزاهة المطلقة , حد ان لا تراهم سوي زهاد لا يرجون من فتنة الدنيا قليل أو كثير .

    في خندق الوطن غرس العم نقد نابه وغزا عودو عميقاً في ثري البلاد إختلط بترابها تمرق كدرويش في جنباتها يرجو مسامحة الوطن الذي نذر له عمراً كاملاً دون منٍ أو أذى , مابين مسارقة الليل والنهار في خفاء البيوت الحميمة التي إحتضنته بكل تلك الإلفة وبادلها تلك المودات في هباته المضرية منافحاً عن قضايا الظلم والتهميش والقهر , جال في ردهات مسرح السياسة السودانية واضاف بعداً جديداً للممارسة السياسية من حيث المقامات العالية في الحوار والتنظير والنقاش , في غير غلو ولا تشدد ولم يكن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ وإنما ظل مثالاً لود البلد الاصيل , حينما يلفح عمته وتلك الجلابية ويواصل الناس في كل الأمكنة زائراً لا غائراً متلمساً حزناً ومزيل غمة ,يسبق سؤاله عن الأسرة الكبيرة والصغيرة , عن الصحة والحال قبل السؤال عن التكليف الحزبي و في إلفة عميقة متحدة مع الروح غير مصنوعة.

    لم تكن رحلته الطويلة والتي تكد تطابق عمره في العمل السياسي , لم تكن ممهده تحفها رفاهية القادة وزخرف الدنيا وإنما كانت رحله بها من المشقات ما يورث آلام القلب والربو والبعد عن الأهل والأحباب في اقبية الإختفاء , الحرمان من ملامسة الحياة العادية الذهاب إلي بيت العزاء , مباركة الأعراس و معاودة مريض في عصرية أو الإستلقاء آمناً في دارك , دونما طرقات الأمن علي الأبواب نهاراً أو تجريات العسكر ليلاً في مشاهد مروعة , كانت سنوات لا شك أورثته كغيرة من رفاقه الراحلين و الأمراض الكثيرة التي أفضت بهم إلي الموت ولكن دونما إنكسار ,كل تلك الظروف بالغة التعقيد لم تمنع العم نقد من الغوص عميقاً في قضايا الوطن , تناولها بكل العمق والتحليل , قضايا الرق في السودان فقد كان واحدة من القضايا التي نذر لها كتاباً مشرحاً تلك القضية بمبضع الجراح العالم ومال إلي تاريخ الأرض في السودان وقضايا الدين في معالجعة مختلفة لسفر الكاتب اللبناني حسين مروة عن النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية , كما جال محاوراً في الكثير من قضايا الوطن من لدن قضايا المعاش اليومي وتصاعد غلاء المعيشة وحتي قضايا تفتت السودان فقد كان له فيها دلو ,وكانت اعظم همومه قضية دارفور والصراع الدائر و ولم يكن هذا جزء يمارسه بحكم موقعه الحزبي ولكن كان هذا ما يجعله يعيش فقد كان يقتات علي معالجة مشكلات الوطن العظيمة , جالت أقدامه مع مواطني الاطراف في محنة السيول والفيضانات , لم يكن ذلك من باب الإسترزاق السياسي ولكن بإحساس عميق مطبوع عليه ومفطور .

    هيأ نفسه مبكراً ووطنها علي المعاناه الكبيرة , ففي أحلك لحظات العمر لم يلوج أو ينكسر و بل ظل ممسكاً عصا المبادئ عاضاً عليها تماماً , وتماماً كان يمشي إلي قدره رفقة كثيرين من رفاقه أوان خبل المقاصل ودوي الرصاص ولعلة الإذاعات أن اقبضوا عليهم فهم مجرمون!!!تلك ايام الجنون الكامل , لم تلن قناتهم وواجهوا المحنة و وتسلم العم نقد في أحلك اللحظات المهمة التاريخية الكبيرة بعد حمامات الردة في يوليو 1971م , وقد كان غض الإهاب ولكنه لم يهاب , متمترساً في ذلك الخندق , يعمل بمثابرة عظيمة وقوة شكيمة وحكمة , كانت آخر فروضه التي أنجزها هو المؤتمر الخامس رفقة العم تجاني وكأني بهم يقولون اليوم نكمل ما بدأنا ولكم حق الإستمرار فسوف نترجل ولتمضي المسيرة بكم ايها الرفاق, شبك يديه علي يدي العم تجاني فقد كانا رفقة عمر أخضر لم تذبل روحيهما ولم تسقط في بالوعات السياسية أو سوق النخاسة , كلٍ منهما كان يقبل علي الحياة بإشراق ولكن دونما إسراف يأخذ منها بالقدر الذي يجعله محترماً حد أن تقف لهم إجلالاً , تلك رفقة المنافي والمعتقلات وبيوت الإختفاء ودمعات علي شهداء يوليو وفقداء الحزب و جمعت بينهم النزاهة وأيضاً رهق العمل السياسي الطويل ووحدة المصير .

    مضي محمد الحسن سالم حُميد علي ذات الدرب الذي ساسق فيه طويلاً بين الخرطوم والشمالية وخلف الأسى العميق و فبكي الجميع حُميد ذلك الإنسان الذي نذر نفسه لقضايا الوطن الجميل مضي بعد أن دشن ارضاً سلاح , دعوة ومناداة للوطن أن كفي موتاً وهنا لحق به بعد ليس كثير العم نقد بذات الالم بكي الناس جميعا , تشاركا وجدان الشعب السوداني فقد سكن حُميد القلوب بفعل الإنحياز الكامل للإنسان ونذر العم نقد حياته كاملة لذات الإنسان فحق علينا أن نبكيهم .
    يا موْت انتظرْ ، يا موت ،
    حتي أستعيد صفاء ذِهْني في الربيع
    وصحٌتي ، لتكون صيٌادا شريفا لا
    يصيد الظٌبْي قرب النبع . فلتكنِ العلاقة
    بيننا ودٌيٌة وصريحة : لك أنت
    مالك من حياتي حين أملأها ..
    ولي منك التأمٌل في الكواكب :
    لم يمتْ أحد تماما ، تلك أرواح
    تغيٌِر شكْلها ومقامها

    ----------------

    وداعاً يا رفيقي
    Updated On Mar 24th, 2012

    كمال كرار

    في الثمانينات وفي ركن من أركان السوق الشعبي الخرطوم كان يوجد كشك يبيع شرائط الكاسيت الغنائية وكانت مزدهرة وقتها ، كان الجو صيفاً والحرارة لافحة ورجل طاعن في السن يستمع باهتمام للشريط الذي كان يبث عبر مايكرفون ستريو وهو يردد كل حين( أيوه دا الكلام ).

    الشريط المذكور كان نقداً رصيناً ومتماسكاً لموازنة ذلك العام – ربما 1988 / 1989 - بلغة أولاد البلد وبسلاسة وطلاقة وفصاحة قلما وجدت وبتواضع جم ولغة سياسية رصينة تخلو من الإسفاف، وقد كان ذلك رأي الحزب الشيوعي في تلك الموازنة وقدمه نقد في الجمعية التأسيسية، وكان نائباً منتخباً لدائرة الديوم والعمارات بالخرطوم.


    وطوال معرفتي به الطويلة فقد كان نقد غزير المعرفة محباً للإطلاع وواسع الأفق وشجاعاً وماركسياً صميماً كرّس حياته كلها للحزب الشيوعي، وأسهم بقسط وافر في استمرار وجوده ونشر برامجه، بمثلما أسهم مع الرفاق كلهم في معارضة الأنظمة الشمولية وإسقاطها. هذه الصفات جعلته قائداً حزبياً نادراً وسياسياً سودانياً لا يمكن تخطيه، لهذا ولغيره اختاره مندوبو المؤتمر الخامس سكرتيراً سياسياً للحزب الشيوعي وبأغلبية الأصوات.

    زارني صديقي عاصم يوماً ما في (الميدان) وسألني إن كان بإمكانه تحية نقد، فذهبنا للمركز العام وهنالك إلتقاه، وأصر نقد عليه أن يتناول معه كوب شاي ودردش معه في موضوعات مختلفة، ولما خرجنا قال لي صديقي مندهشاً أنه لم ير زعيماً سياسياً في تواضع نقد وبساطته.

    ولأنه هكذا كان يدخل علينا في الجريدة، بعد أن يسأل إن كنا مجتمعين أو لا، وكم مرة حملت (الميدان) تصريحاته بلا صورة فقد كان يغضب منا لو نشرناها، لأن المساحة يمكن توفيرها لخبر آخر أو معلومة مفيدة للقارئ.

    وكما علمت فقد كانت سني اختفائه الطويلة مكرّسة للعمل الحزبي المتواصل بلا كلل في وقت كان فيه سيف الجلاد معلقا على رأسه، ولكنه لم يكن يهاب شيئا.

    تاريخ نقد هو من تاريخ الحزب الشيوعي، ويبقي نقد في قلوب الشيوعيين وأصدقائهم وكل المستضعفين ما بقى هذا السودان على وجه الأرض.

    ومن صفات الشيوعيين التي يدركها أو لا يدركها الأعداء إن المصائب تقوي من عزيمتهم وإن الوفاء للشهداء والذين رحلوا يتجسد في المزيد من التصميم على إنجاز المهام المعلًقة ومن ضمنها إسقاط النظام القائم من أجل سودان جديد حر ديمقراطي وشيوعي وهو ما نذر له نقد حياته.

    وداعاً يا رفيقنا العزيز

    -----------------

    بانوراما في رحيل القائد!
    Updated On Mar 24th, 2012


    حسن وراق


    · الشعب السوداني يودع اليوم زول جميل قام في البلد مات ، إبن بار بوطنه مخلص لشعبه قائدا فذا تتقاطع فيه كل ما نتفاخر به من الخصائل السودانوية التي تميزنا عن بقية شعوب العالم . رحيل القائد المعلم محمد ابراهيم نقد، فقد كبير للانسانية و للامة السودانية في وقت ومنعطف حرج يمر به الوطن ونحن احوج لحكمته و لفكره ورجاحة عقله واتزانه .


    · جموع غفيرة جدا ضاق بها سرادق العزاء علي سعته يمثلون كل السودان بمختلف سحناتهم والوانهم وانتماءاتهم العقائدية والمذهبية والجهوية والدينية من مختلف انحاء البلاد جاءوا ليعزوا انفسهم أولا في فقدهم الجلل وجميعهم يرددون بان محمد ابراهيم نقد ملك للشعب السوداني اجمع ،كل فرد جاء للعزاء عنده الكثير ما يقوله عن القائد الراحل .



    · لم تبرأ جراح الشعب السوداني المفجوع برحيل شاعر الشعب حميد وقبله الفنان محمد وردي حتي تجددت الفجيعة بخبر رحيل الهرم القائد محمد ابراهيم نقد ويصبح الحزن مقيما بيننا . العزاء الوحيد أنهم جميعا انجزوا وحققوا بنجاح باهر ما عاهدوا عليه انفسهم وبلغوا رسالتهم وأكملوا مشروعهم وحازوا علي رضاء الشعب عنهم .


    · في ابيات بسيطة لخص الراحل حميد سر الوجود في ” ايه الدنيا غير لمة ناس في خير او لحظة حزن” سبقه الشاعر صلاح احمد ابراهيم ، ” آخر العمر قصير ام طويل ، كفن من طرف السوق وشبر في المقابر”.أما نيكولاي استروفسكي مؤلف رواية ( كيف سقينا الفولاذ) صاغ منفستو الحياة في كلمات بطل روايته بافل كورتشاغن عندما قال :


    · الحياة هي أعزّ ما يملك الإنسان لإنها توهب له مرة واحدة ، فيجب أن يعيشها عيشة لا يشعر معها بندم معذب ومقلق على مر السنين التي عاشها ويعيشها وحتي لا يلسعه العار والندم على ماضٍ رذل ######## ، و ليستطع أن يقول عندما يحضره الموت : كانت كل حياتي ، كل قواي موهوبة لأروع شيء في العالم وهو النضال في سبيل تحرير الإنسانية .


    · القائد الخالد محمد ابراهيم نقد قدم بيانا بالعمل صاغ فيه كل التجارب الانسانية وهو يترجم في الواقع السوداني آخر كلمات بطل رواية ( كيف سقينا الفولاذ ) واهبا كل عمره من اجل تحرير الانسانية معتزلا زينة الحياة الدنيا وزخرفها من مال وبنون ومتاع واملاك من اجل اصعب خيارات تحرير الانسان السوداني وهو يختار طريقه مناضلا في صفوف الحزب الشيوعي السوداني .


    · فصله من جامعة الخرطوم اول ما تعرض له في درب النضال ضد المستعمر ، واصل تعليمه بالخارج وتخرج ليتفرع تماما للنضال في صفوف الحزب، لم تجذبه وظيفة الميري وامتيازاتها كمثل انداده وابناء جيله ليعلن إنحيازه التام لطبقة العمال والمزارعين معلما وقائدا صلبا تعرض لكل صنوف الاذي من ملاحقة واعتقال الزمته الاختفاء لاكثر من نصف عمره و ما أدراكم ما هي ألام الاختفاء ومآسيه.


    · سيظل الشعب السوداني يذكر طويلا يوم رحيل ابنه محمد ابراهيم نقد منذ اللحظات الاولي وكيف تلقت الجموع الخبر وهي تتقاطر في جمبع الشوارع المؤدية الي منزل اسرته ، الفجيعة سيدة الموقف والذهول يرسم تفاصيله في الاوجه والدموع تحجرت في المآقي والعبرة تسد الحلوق وفي لحظات كان كل الشعب السوداني هنالك نساء ورجال واطفال توقفت الحركة تماما في شارع الستين مع تقاطع البلابل وكان مشهداً فريدا غير مسبوق .


    · جموع من الشيوعيين والديموقراطيين وافواج ضخمة من الطلاب والشباب واصدقاء الحزب واصدقاء القائد الراحل سدوا الافق قال عنهم (أحدهم ) أين كان هؤلاء؟ اتوا من كل حدب وصوب وبسرعة البرق وكأنهم يقومون بتكليف حزبي تحركوا كالنحل في كل الاتجاهات لتدبير امر العزاء وعلي الفور قطعت قناة النيل الازرق برامجها وبثت الخبر علي الهواء وهي الوحيدة التي أرسلت تيم كامل للتغطية واجرت لقاءات مباشرة مع الحضور والقيادات حول هذا الحدث والمصاب الجلل .


    · سجل عدد من الاعلاميين والصحفيين و رؤساء تحرير عدد من الصحف حضورا مميزا بجانب عدد من السفراء ورجال السلك الدبلماسي العرب والاجانب ومن بينهم السفير الفخري للمكسيك سعادة العميد مصطفي عبادي والذي افاد بأنه تلقي الخبر من السفير الكوبي بالقاهرة . عدد من الفنانين ابرزهم ابوعركي البخيت وعدد من الشعراء والادباء وشخصيات عامة من مختلف القطاعات كان في استقبالهم كل عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني .


    · من ضمن الذين جاءوا لتقديم العزاء وفد حكومة جنوب السودان بقيادة باقان اموم والذي كانت تربطه علاقات الجوار من الراحل قبل كل شيئ وبصحبته تيم المفاوضات السوداني علي كرتي وادريس عبدالقادر وفي اليوم الثاني حضر الفريق بكري حسن صالح ومن ثم النائب الاول الاستاذ علي عثمان محمد طه ومن بعده والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر وقبل مغيب الشمس حضر سريعا الدكتور نافع علي نافع وصحبته البروفيسور غندور .


    · عقب صلاة الجمع حضر الامام الصادق المهدي مع وفد كبير من قيادة الحزب والانصار .أما وفد الختمية كان برئاسة صلاح سرالختم وعدد من قيادات الحزب بينما شكل حزب المؤتمر الشعبي حضورا لافتا لقطبه الاستاذ كمال عمر المحامي وعقب صلاة المغرب جاء الشيخ حسن الترابي وبقي لساعة متأخرة جدا ومن بين الشخصيات المتواجدة الاستاذ جوزيف موديستو عضو اللجنة المركزية السابق بالحزب الشيوعي السوداني .


    · مثلما كانت حياة الرفيق المناضل محمد ابراهيم نقد تمثل قلقا مستمرا للسلطات الحكومية الديكتاتورية كان يوم رحيله مصدر قلق آخر لتصبح ايام العزاء مؤتمرا (سادسا ) للحزب له مخرجاته التي ستعلن في حينها وان ما تشيعه (السلطة ) عن وجود صراع حول خلافة المناضل محمد ابراهيم نقد هو حلمهم دائما وحتي يطمئنوا ، نؤكد لهم أن لا أحد يخلف نقد أبداً ، أما جميع عضوية الحزب فهي مؤهلة للقيادة وهذه قضية داخلية بحتة .

    ----------------

    وداعا الاستاذ محمد ابراهيم نقد
    Updated On Mar 24th, 2012

    بقلم: تاج السر عثمان

    رحل عن دنيانا بعد صراع طويل مع المرض الاستاذ محمد ابراهيم نقد منور السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني عن عمر ناهز ال 82 عاما، وظل قابضا علي جمر مبادئه حتي الرمق الأخير.
    *الاستاذ نقد من مواليد القطينة بولاية النيل الأبيض عام 1930م، تلقي تعليمه الأولي بالقطينة والأوسط بحلفا القديمة ، والثانوي بحنتوب الثانوية، ومنذ المرحلة الطلابية كان قياديا في رابطة الطلبة الشيوعيين ومسؤولا عن تأمين اجتماعات اللجنة المركزية في فترة الاستعمار، وناشطا في العمل السياسي والثقافي، وفي قيادة المظاهرات ضد الاستعمار في الفترة ( 1946 – 1952م)، وبسبب نشاطه السياسي تم فصله من كلية الآداب جامعة الخرطوم، مما اضطره لاكمال تعليمه الجامعي في جامعة صوفيا ببلغاريا، وتخرج بدرجة جيّد في مادة الفلسفة عام 1958، وكان من المفترض أن يعمل استاذا للفلسفة بجامعة الخرطوم. ولكنه لبي نداء الحزب وتفرغ للعمل في الحزب الشيوعي في العام نفسه.
    * وخلال نشاطه شغل عدة مواقع قيادية مثل : مسؤولية العمل الثقافي، واللجنة الاقتصادية للحزب، ومديرية الخرطوم ومنطقة الجزيرة، ومجلة الشيوعي، والعمل مع الشباب، وفي لجنة العلاقات الخارجية..الخ، وتم تصعيده للجنة المركزية خلال ديكتاتورية عبود عام 1960، وتم انتخابه عضوا فيها في المؤتمر الرابع 1967م، واصبح سكرتيرا سياسيا للحزب بعد اعدام الشهيد عبد الخالق محجوب في يوليو 1971م، وتم اعادة انتخابه سكرتيرا للحزب بعد المؤتمر الخامس في يناير 2009م.
    * اعتقل خلال ديكتاتورية عبود ( 1958- 1964)، وخلال ديكتاتورية نظام الجبهة الاسلامية الفاشي الدموي بعد انقلاب يونيو 1989م، وظل مختفيا خلال ديكتاتورية عبود لمدة ست سنوات حتي اندلعت ثورة اكتوبر 1964م، واسهم في صياغة ميثاق اكتوبر، واختفي مرة أخري بعد انقلاب 25 مايو 1969م في الفترة ” 1970 – 1985″، حتي اندلاع انتفاضة مارس- ابريل 1985م، واختفي مرة ثالثة في الفترة ” 1994- 2005م”.
    * تم انتخابه في البرلمان عن دوائر الخريجين عام 1965م، وعن دائرة الديم – العمارات الجغرافية عام 1986 م بعد انتفاضة مارس- ابريل.
    * اصدر عدة مؤلفات منها:” قضايا الديمقراطية في السودان” ، ” حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية” ، ” مبادئ موجهة لتجديد البرنامج”، ” علاقات الأرض في السودان: هوامش علي وثائق تمليك الأرض”، ” علاقات الرق في المجتمع السوداني”، ” متغيرات العصر” ، ” ترجمة لكتاب المؤرخ الروسي سميرنوف: الثورة المهدية”
    له الرحمة والمغفرة، فقد كان انسانا قلما يجود به الزمن، وستظل ذكراه والمبادئ التي ضحي من أجلها خالدة وعطرة والعزاء لاسرته وللجميع.


    -------------

    رغم الرحيل المؤلم لن ينطفئ وهج الأنجم الحمراء
    Updated On Mar 24th, 2012

    من الله عبد الوهاب

    رغم الموت حق ولكن دائما الفراق الأبدي يقطع حشاشة القلب ويدمي الفؤاد إلا إن قانون الانتماء ذلك الدفع الخفي يملأ الإنسان تماسكا ونظرة متعقلة للمستقبل الآتي بحكم الخلق وقانون الحياة.. ففقد الرفيق محمد إبراهيم نقد هو من ضمن من سبقوه هو فقد المكان والزمان، ولكن رغم الرحيل المؤلم لن ينطفئ وهج الأنجم الحمراء فسوف تظل نائرة تتلاصف في سماء البلاد حاملة أدب وفكر الحزب الشيوعي السوداني والانتماء للطبقة العاملة، وعلى هذا الدرب ضحى من ضحى وسام الروح قربان وفداء بأن يظل الحزب الشيوعي نوارة العمل السياسي في وطننا الحبيب فكان القائد والرائد(راشد) الشهيد عبد الخالق محجوب بفكره وجرأته ووسامته، نبراسا تشع كلماته في المنابر العامة فتتحول كابوسا لأعداء الثورة والتقدم إلي أن تقدم إلى المقصلة بثبات مبتسما هازئا بالديكتاتور وبطانته وكأنه يقول للمرجفين هذه بداية(البطان) وسوف يظل الحزب(كليتون) يركز طويلا ولن يملْ البطان، وذهب البطل وظل فكره مقيما فينا، طالما بقينا وعلى ذلك الدرب غادر المنصة ابن الطبقة العاملة وإيقونتها الشهيد الشفيع أحمد الشيخ المؤسس والرمز العلم على كل سارية نقابة عامة، وهيئة نقابية واتحاد عام سوداني وإقليمي وعالمي، ذهب المعلم بأمر الديكتاتور، لكن ظلت تعاليمه مدرسة نقابية جامعة رغم اختلاف الفكر النقابي ومتعرجاته وقد ظل الواهمون وأصحاب الخيال القمئ إن الشفيع قد أخذ معه تاريخ ذلك الحصاد الرطب من فكر سياسي ونقابي، ولكن ظل نضال الطبقة العاملة يضوي كما البرق في الخريف الذي يسقي سوق أرض الطبقة العاملة وفكرها، وسيظل إلى أن يعود للطبقة العاملة ألقها وحريتها وديمقراطيتها ومضت المسيرة وضمدت الحركة النقابية جراحاتها ورفع الحزب الشيوعي راية التحدي لا تفريط في حقوق الطبقة العاملة وشمر الطود الأشم الحارس الذي لا يغفل التيجاني الطيب بابكر شمر ثوبه لبناء الحزب والعمل على تنظيم كادر الحزب القيادي والناشطين من طلائع الطبقة العاملة، وظل بوصلة دائما ما يشير ترمومترها إلى أن التقدم قادم، وسيظل الحزب يضع فكره وقع الحافر على الحافر في وجه الظلام، فكان أن تقدم حتى فارقنا جسد الزميل تيجاني بروحه، ولكن وجهه الوضئ وحرصه وصرامته ستظل ديدن الجيل القادم بقوة إلى ملاذات الحزب وحضنه ومن ثم الانطلاق كما انطلق بمجموع الحزب عند محنة ردة يوليو الشؤوم الرفيق محمد إبراهيم نقد فتصدي مع الفريق لتجميع الحزب وخاصم الحياة الشخصية وتبعاتها ووهب غالي الدنيا ونفيسها حتى يتفرغ للعمل الحزبي في زمن القحط والديكتاتورية التعيسة وياله من تفرغ! فعاد الحزب حضورا موضوعيا ومستقبلا جماهيريا وإن فارقنا حكيم الأمة بجسده النحيل فستظل ذكراه ثابتة بجذورها على أرض هذا الوطن الحبيب وفي خلد وعيون أطفاله ومسامات أعضاء حزبنا نسائه ورجاله وكل الخيرين من أبناء هذه الأمة .. عزاؤنا إن الشعب قد كرمنا وكذلك القادمين من أهل المستقبل الديمقراطي في العالم بمواساتنا في فقدنا الجلل ونحن بدورنا نقول لهم: الموت يقتل ثائرا و الأرض تنبت ألف ثائر .. يا كبرياء الجرح لومتنا لحاربت المقابر.

    -----------------

    حوار مع المستقبل – يموت المناضل …. وتبقي القضية
    Updated On Mar 24th, 2012

    وحدة الحزب واستمرار دوره الطليعي ضرورة تاريخية


    الحزب هو صانع الكوكبة النبيلة من المناضلين





    محمد الفاتح العالم



    إنها لواحدة من أصعب المهام أن تجد نفسك في وضع أن تكون ملزماً بالكتابة عن (الزميل نقد) بعد رحيله، وذلك لوضوح صورته المشرقة في أذهان الجميع، فلن تضيف جديداً في الحديث عن أنه شخصية قومية يُجمع عليها الجميع دون إسثناء، أو إجمالاً أنه حلم وطني صنعه دوره النضالي، وقد وضح ذلك جلياً في إهتمام قطاع واسع من أبناء شعبنا في الحرص علي حضور ندواته والإستمتاع بطرواة وعمق أحاديثه، إضافة إلي الإهتمام الواضح بمرضه، والإلتفاف الكامل لجموع أبناء الوطن في المشاركة في عزاءه، ولكن الأهم أن الحزب الشيوعي السوداني وتجربته النضالية هو من صنع (الزميل نقد) وباقي الكوكبة النبيلة من الزملاء والمناضلين الديمقراطيين والوطنيين، وهذه الحقيقة الناصعة تحتاج لأن نمسك بها سمواً عن صناعة وهم عبادة الأفراد وتمجيدهم فوق نضالات الحزب وسيل تضحياته منذ التأسيس مروراً بالمحطات الفارقة ولحظات القرارات التاريخية في مسيرة الحزب.


    فكل المواقف الوطنية والنضالية للحزب المشهودة صنعتها عضوية الحزب والمناضلين الديمقراطيين والوطنيين بإلتفاف حول الحزب، مما يعني تكامل الإقتناع والإشادة ودعم هذه المواقف ودوره الرائد في الصراع لتحقيق التنمية المتوازنة والسلم ا########د والديمقراطية الراسخة.


    من جانب آخر فإن اللحظات التاريخية في مسيرة الحزب منذ تأسيس الحلقات الأولية ومروراً بمؤتمراته العامة، وتجاربه النضالية في مقارعة السلطات الإستعمارية التي كانت تجثم علي صدر الوطن وتأسيس (الجبهة المعادية للإستعمار) وكل أشكال التحالفات الوطنية في مقارعة الديكتاتوريات ومجابهة الهجمات المعادية للديمقراطية والتقدم تمثل حلقات من ضرورات سياسية وإجتماعية إستوعبها الحزب لدراسة واقعه وتشكيل خطه السياسي وتطوير فكره حول الديمقراطية والتطور الديمقراطي في بلادنا، وشكلت كذلك سلسة من الحلقات لإرتباط الحزب بالقواعد الجماهيرية لمختلف القطاعات السياسية السودانية، ففي مجمل المحكات الوطنية كانت قطاعات الشعب تتنظر دوماً موقف الحزب ورأيه، لقناعتها بإلتزامه جانب الشعب ونصرة قضاياه.


    الحزب رأيه شنو؟


    ودوماً ما تواجه عضوية الحزب بسؤال (الحزب رأيه شنو؟) وهو سؤال يشكل مؤشرات ثقة يسعي الحزب دوماً إلي تطوير أشكالها وتجويدها، كما أنها تًشكل في ذات الوقت مسؤولية تاريخية مهرها الحزب بالتفاني والتضحية بالجهد وبالروح، فقد قدم الحزب وعبر تاريخه الطويل قائمة نبيلة من الشهداء فوق أعواد المشانق، ودهاليز الإختفاء ومجابهة معاناة المرض في محاولة لتقديم نموذج الإيمان بالشعب وقضاياه (بالعمل الصبور الدؤوب) وتقديم كل ما يطور صراع الشعب مع الحزب والقوي الديمقراطية والوطنية الأخري ضد محاولات التركيع والتجهيل. وإستدامة التخلف.


    رحيل (نقد) وضرورة وحدة الحزب


    شكل المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني خطوة متقدمة في سبيل الحفاظ علي وجود الحزب وتماسكه بعد إنقطاع لفترة تقرب من نصف قرن، تعرض الحزب خلالها للعديد من التغيرات علي المستوي العالمي

    والإقليمي والوطني، كما فقد الحزب خلالها كوكبة من قيادته وعضويته العاملة بمختلف العوامل وتحت ظروف مختلفة متقاطعة، وقد نجح الحزب رغم قساوة هذه الظروف في الحفاظ علي وجوده، والصراع ضد مختلف أشكال تصفية هذا الوجود، وتمثل ضرورة الصراع حول وحدة الحزب (خاصة بعد رحيل الأستاذ نقد) واحدة من المهام التي تتطلب قدر عالي من المسؤولية التاريخية والوطنية لضمان إستمرار رسالة الحزب في تحقيق التنمية المتوازنة والسلم ا########د والديمقراطية الراسخة، وهي مهمة ليست بالساهلة أو البسيطة، بل تحيط بها العديد من التعقيدات والتوقعات من داخل الحزب أو من الحادبين عليه من مختلف القطاعات الشعبية، ولكن تجارب الحزب المديدة في تجاوز المحكات والمنعطفات تؤهل الحزب ضرورة لتجاوز هذه الظروف بما يشكل ضماناً لوحدة الحزب وتماسكه الفكري والتنظيمي، بل وبما يشكل كذلك دافعاً لتمتين نسيج الحزب وقدراته.

    وفي ذلك فإننا نتمني أن يكون إلتفاف جماهير الشعب السوداني حول الحزب في ظروف مرض ووفاة (الأستاذ نقد) ترساً يُسرع من دوران ماكينة العمل الحزبي والجماهيري وإجتذاب قطاعات واسعة من القوي الديمقراطية والوطنية إلي صف القضايا الوطنية والإصطفاف من أجل إسقاط النظام وتحقيق ديمقراطية واسعة ووطن نبيل يسع الجميع، وفي مقدمة هؤلاء المبتعدين عن العمل الحزبي ممن لم يخونوا قضية الحزب والشعب، فالمرحلة تتطلب مجهودات الجميع.


    شدو الضراع …فالقادم أحلي


    بادل الشعب السوداني الحزب بمشاعر التقدير والوفاء في عزاء (الزميل نقد) فليكن ذلك مدعاة لمزيد من العمل ورص الصفوف حتي نستطيع أن نهتف بالصوت العالي


    معاً من أجل التنمية المتوازنة والسلم ا########د والديمقراطية الراسخة


    عاش كفاح الشعب السوداني

    ---------------

    وداعا: زعيم المناضلين الأستاذ محمد إبراهيم نقد
    Updated On Mar 24th, 2012

    الخرطوم: حسين سعد

    صباح الجمعه 23مارس ضاقت مكاتب صحيفة (الميدان) بالمحررين والصحفيين الذين تداعوا من( كل فج عميق) للتحضير، والتخطيط لهذا العدد من صحيفة (الميدان) التي فشلت كافة محاولات الطغاة لاسكاتها واخراسها عن التنوير وتناول قضايا الغلابة والمقهورين والكادحين.

    صباحية الجمعه الحزينة التي أعقبت الرحيل الكبير لزعيم المناضلين الأستاذ محمد إبراهيم نقد، ذلك المناضل الجسور الذي مات بطلا وعاش بطلا، رحل( نقد) فقيرا، لكنه قدم للشعب السوداني الكثير، وترك للرفاق سيرة عطرة بالنضال والجسارة والتضحيات من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ودفع لقاء ذلك أثمانا باهظة، من إعتقال، وملاحقة، وإختفاء بعيداً عن الأسرة .

    وتقول سيرته النضالية إنه شارك بمدرسة حلفا في المظاهرات ضد الاستعمار عام ١٩٤٦ م، التي تزامنت مع الحراك السياسي لمؤتمر الخريجين. ومن ثمَّ تم قبوله بمدرسة حنتوب الثانوية، والتي شهدت انخراطه في العمل السياسي ضد الاستعمار وشارك في المظاهرات التي كان ينظمها طلاب مدرسة حنتوب المساندة للحركة الوطنية كالمظاهرات المؤيدة لإضراب الجمعية التشريعية.

    وفي السنة الثانية من دخوله جامعة الخرطوم بكلية الآداب تم فصله بسبب مشاركته في مظاهرة وإضراب الطلبة ضد الاستعمار في نوفمبر ١٩٥٢ ، وحكم عليه بالسجن لمدة شهر.

    سافر في العام ١٩٥٣ إلى أوروبا في بعثة دراسية جامعية من اتحاد الطلاب العالمي، ملتحقاً بكلية الفلسفة والعلوم الاجتماعية بجامعة صوفيا ببلغاريا؛ وشارك خلال الأعوام ٥٣ و ١٩٥٤ في مؤتمرات ومهرجانات طلابية عديدة، كالمهرجان الثالث اتحاد الشباب و الطلاب العالمي ببوخارست ببولندا في يونيو ١٩٥٣ ، ومؤتمرات أخرى بوارسو ببولندا وبالاتحاد السوفيتي في موسكو

    وعاد إلى السودان عقب تخرجه في ١٩٥٨ متفرغاً بالحزب الشيوعي السوداني. واختفى الأستاذ نقد لمباشرة مهام العمل السياسي السري بعد الإطاحة بالنظام الديمقراطي في ١٧ نوفمبر ١٩٥٨. وتم اعتقاله لمدة عام في ١٩٦٠ بسجون كوبر وملكال. وعقب انتصار جماهير الشعب السوداني في ثورة أكتوبر اﻟﻤﺠيدة ١٩٦٤ فاز الأستاذ نقد في الانتخابات التي أجريت في ١٩٦٥ مرشحاً عن الحزب الشيوعي بدوائر الخريجين، ودخل البرلمان غير أنَّه لم يكمل الدورة نسبة لصدور قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان على الرغم من صدور حكم من المحكمة العليا بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي، وبعدم قانونية طرد نوابه من البرلمان.

    واصل الأستاذ نقد مساهمته في العمل السياسي العام حتى انقلاب مايو ١٩٦٩ وعقب اﻟﻤﺠازر الدموية في يوليو ١٩٧١ عاد الأستاذ نقد للاختفاء ومباشرة مهام النضال السياسي السري حتى الانتفاضة في مارس/ أبريل ١٩٨٥ ، وتم انتخابه في انتخابات ١٩٨٦ نائباً عن دائرة الديوم والعمارات بالجمعية التأسيسية، وظل يباشر مهام العمل النيابي والسياسي حتى انقلاب الجبهة الإسلامية على النظام الديمقراطي في يونيو ١٩٨٩ ، وتم اعتقاله بكوبر حتى ١٩٩١ حيث أطلق سراحه ليتم اعتقاله تحت التحفُّظ المنزلي (الإقامة الجبرية) لحين اختفائه في ١٩٩٣ والذي امتد حتى العام ٢٠٠٥ . وبعد الظهور العلني للحزب الشيوعي، واصل الأستاذ نقد المساهمة في العمل السياسي العام حتى انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب الشيوعي السوداني في يناير ٢٠٠٩ حيث تم انتخابه سكرتيراً سياسياً للحزب الشيوعي.

    وتقلد الأستاذ نقد طوال حياته عدداً كبيراً من المهام الحزبية اﻟﻤﺨتلفة داخل وخارج السودان، وصولاً لانتخابه باللجنة المركزية للحزب الشيوعي في المؤتمر العام الرابع ١٩٦٧ ، وعمل بمديرية الجزيرة وبالعاصمة وبالبرلمان القومي والجمعية التأسيسية وبلجنة العلاقات الخارجية، كما عمل بالجبهة الثقافية ومتعاوناً مع صحيفة (الميدان)،

    أيها البطل العظيم نؤكد لك وأنت ترقد هناك ان تضحيات ونضالات حزب الطبقة العاملة ستظل متقدة وبطولات الرفاق ستمضي مسيرتها حتى تشق ليل الطغاة ، وصولا إلى فجر الحرية، والتعددية لأن التاريخ الثوري لحزب الطبقة العاملة (معلوم وموثق) وبذلت تضحيات عظيمة من أجل الغبش والغلابة والعمال فكان هناك الشهيد(عبد الخالق محجوب وهاشم العطا ومحجوب عثمان والتجاني الطيب والشفيع وقاسم أمين وجوزف قرنق وعلي فضل وقرنق ومحمود محمد طه وحميد)

    وفي بيان لها وصفته الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات بانه رجلا من أفذاذ الرجال ومناضلا بدرجة فارس ومواطن سوداني مهيب بذل كل عمره في الدفاع عن قضايا الحريات والديمقراطيه وظل مقاوماً وقائداً وطنياً غيورا ومثقفاً قومياً يصارع من أجل إعادة الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان، والمواطنة المتساوية لكل قطاعات المجتمع، دونما تمييز بينهم، وعاش كفاحاً ودفاعاً عن الهامش السوداني.

    وفي يناير2009، إبان المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي قال نقد في

    خطابه:( تحية إعزاز وإجلال لمؤسسي حزبنا وشهدائه

    ولأعضاء الحزب الذين صمدوا واستبسلوا في مواجهة حملات التشريد والقمع والتعذيب الوحشي حد الاستشهاد ثم ثابروا على تجميع وتنظيم فروع الحزب وقياداته المركزية).

    وأضاف التحية للأسرالتي فتحت لنا قلوبها ودورها فآوتنا طوال سنوات الديكتاتوريات العسكرية المتعاقبة.

    تحية لكل فروع الحزب وأصدقائه في الداخل وفي شتي بقاع العالم وأسهامهم المقدر في ابتدار حملات التضامن مع شعبنا وحزبنا

    ولم يغفل خطاب (نقد) الحركة السياسية السودانية بأحزابها ونقاباتها واتحاداتها وروابطها التي أمطرها بالتحايا ايضا، وقال التحية للحركة النقابية السودانية التي تجاوزت كل القوانين التي تحرم الأحزاب ولم تحصر دورها في المطالب النقابية بل أسهمت في الحركة الوطنية كتفا لكتف مع الأحزاب السياسية في النضال الوطني وقضايا ما بعد الاستقلال.

    وتقدم (زعيم المناضلين )بتحية خاصة للصحفيين الذين أستبسلت أقلامهم دفاعا عن حرية التعبير وشرف الكلمة.

    نضالات الثوار والشرفاء وتضحياتهم ظلت راسخة وهنا نشير الي ما قاله الثائر تشي جيفارا لا أعرف متي وأين ساموت لا أعرف حدودا فالعالم باسره وطني ان الطريق مظلم وحالك فاذا لم تحترق انت وانا فمن سينير الطريق اما ان ينتصرأويموت وكثيرون سقطوا في طريق النصرالطويل الثوار يملاون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله علي أجساد الفقراء لن يكون لدينا ما نحيا من أجله ان لم نكن علي أستعداد ان نموت من اجله اؤمن بان النضال هو الحل الوحيد لاولئك الناس الذين يقاتلون لتحرير أنفسهم ،الثورة قوية كالفولاذ حمراء كالجمر باقية كالسنديان عميقة كحبنا الوحشي للوطن أنا لست محررا المحررين لا وجود لهم فالشعوب وحدها هي من تحررنفسها الي ان يقول( أنا لا استطيع ان أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي )

    فقسماً يا نقد ستبقي حاضرا فينا وستظل جذوة النضال متقدة ونوقد لها مليون شعلة


    ---------------

    الانتخاباتجرائم الانقاذفكر وثقافةعن الحزبعن الميدانفيديوEnglishإجماع وسط قيادات سياسية وأكاديمية على كاريزما وتفرد الزعيم الراحل نقد
    Updated On Mar 24th, 2012

    الشيخ حسن الترابي: الأنبياء أيضا يرحلون ولكن تبقي الرسالة

    عبد الرسول النور: فقدنا روح التسامح التي أرساها بكسر العصبية السياسية

    كمال عمر: بينتي في نقد غير مجروحة وبفضله توحدت قوي الإجماع

    بروف قاسم بدري: نقد أحد أعمدة السياسة السودانية خلال قرنين من الزمان

    يحيى الحسين: نقد يتمتع بكاريزما خاصة رغم أنه لا يحيط نفسه بهالة ولا قدسية


    الخرطوم الميدان




    تبارت القوي السياسية المختلفة وشخصيات المجتمع في تعديد محاسن القائد التاريخي للحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد الذي رحل عن دنيانا قبل يومين مخلفا وراءه إرثا من النضال جعله يعتلى صهوة المجد بحزبه الشيوعي رغم الظروف الصعبة التي قاده فيها بعد حركة 19يوليو 1971 واتفقت قيادات قوى الإجماع الوطني على أن الراحل شخصية متفردة تتمتع بكاريزما خاصة رغم تواضعه وبساطته وهو الأمر الذي جعله مقبولاً من الجميع رغم الفكر الحداثي الذي طرحه في ساحة تموج بالتيارات التقليدية ،و فيما يلي حصيلة ما جاء

    حنتوب الثانوية

    قال الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي لـ ( الميدان) إن معرفته بالراحل الأستاذ محمد إبراهيم نقد الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي تعود إلى مدرسة حنتوب فقد كان الترابي في الصف الثاني ومن ثم نقل إلى الرابع فوجد نفسه يجلس في فصل جديد بجانب نقد.

    وأضاف الترابي أن اللقاء الثاني له مع الراحل تم في الجمعية التاسيسية وأشار إلي أنه كان مقدراً لهما بأن يكون مقر السكن قريباً من بعض وأشار إلى أن العلاقة التي تربطه بالأستاذ نقد جعلتهما يتبادلان الزيارات في دار الحزب الشيوعي أو في منزل كل منهما .


    تنوير ووعي

    وأبان أنه وبالرغم من البلاد ترهنها التيارات التقليدية إلا أن الشيوعي والشعبي يمثلان التنوير والوعي ،وأبان إنهما كانا في حوار متصل فقد سجنا في المعتقل في غرفة واحدة أيام الإنقاذ لوقت متطاول وكانا في حوار متصل وعميق مما قربهما لبعضهما البعض.

    واشار إلى أن الحركة الإسلامية طورت نفسها بالتجارب وكذلك الشيوعي مما دفع بهما إلى طريق متقدم وأشار إلى أنه منذ الدراسة بالمرحلة الثانوية كان يتمتع بخلق حسن وإدراك واسع وانه لا يتخاشن مع أحد ولا يصوب نحوه أسهمه وهذا ما جعله مقبولاً ويجد التجاوب من الجميع مما ميزه سياسياً.

    وأبان إن واحدة من صفات الراحل أنه كان لا يخرج أبداً من البلاد في أوقات ضغوط الإرهاب الفكري وإنما يبقي في السودان وأشار إلى أن شخصه أيضا لا يخرج من البلاد إلا للعلاج.

    وأبان إلى مساهمات الأستاذ محمد إبراهيم نقد الفكرية ممثلة في إصدار بعض الكتب التي درج فيها على إجراء تحليلات حديثة للمجتمع مثل كتابه عن الرق.

    وأكد أنهما أولاد عمر واحد لذلك اتصلت علاقتهما ممتدة وكان على اتصال به حتى في سفره الأخير للعلاج بلندن.

    بقاء الرسالة

    وأبان إن الزعيم التاريخي رحل والبلاد في تأزمها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ولكن إذا ذهب القادة فان الأفكار تبقى وأضاف بان الأنبياء يرحلون أيضاً ولكن تبقى الرسالة وبالتالي تتخطى التحديات.

    وقال نتمنى أن تمضى المسيرة في البلاد نحو غايات الشعب السوداني بالرغم من الرحيل الصعب لزعيم الحزب الشيوعي في هذا الوقت من تاريخ البلاد.

    وأبان أن المرحلة مكونة من (شوطين) الأول صعب جداً بينما يتم التغيير في الثاني وتأتي الثورة.

    وأشار إلى أن المعارضة يئست من الحوار مع الحاكمين وأشار إلى ما حدث في البلاد من كوارث على رأسها انفصال الجنوب وعدم حل أزمة دارفور. واشار إلى أنه كلما ازداد العمر بالطغاة زاد سكرهم حتى يأتيهم الأمر بغتة. وأبان أنه لا معني للحوار معهم لأنه كلما حدث ذلك فان الأزمة تستمر وتتطاول وتتأخر قوي الدفع التاريخي. وأشار إلى إن الشعب ينتظره الكثير بعد زوال هذا النظام الذي سيورثنا بلد ملئ بالظلامات والنزاعات القبلية مبينا أن البناء مرحلة صعبة.

    حملة الميدان

    وقال الأستاذ عبد الرسول النور إسماعيل أحد القيادات البارزة بحزب الأمة حاكم كردفان إبان الديمقراطية الثالثة لـ( الميدان) إن علاقة وثيقة جمعته بالزعيم التاريخي نقد منذ الديمقراطية الثالثة مروراً بالاعتقال معاً بسجن كوبر ضمن قيادات القوى السياسية بعد انقلاب الإنقاذ ومن ثم امتدت بعد ذلك .

    وأشار إلى أنه إبان توليه منصب الحاكم لإقليم كردفان شنت الصحف عليه حملة إعلامية ضخمة على رأس هذه الصحف الميدان وذلك عندما كون قوات الدفاع الشعبي بكر دفان. وذلك وجه الدعوة لقيادات القوى السياسية من بينها الشيوعي لزيارة الاقليم وبالفعل حدد السابع من يوليو 1989 م موعداً لها. وتم ذلك بمكتب صلاح عبد السلام الخليفة وبحضور الأستاذ التجاني الطيب. لكنه أبان بأن نقد وجه إليه سؤالاً وهو “هل الجيش متحمس للقتال!” وكانت إجابته (لا) وتوقع نقد أن يتم تنفيذ انقلاب وهو ما حدث بالفعل ولم تتم الزيارة، لذلك كان اللقاء في سجن كوبر.

    وأوضح عبد الرسول أن الاحتجاز كان بقسم الكرنتينة المكونة من عنبرين وغرفة أحدهما كان يضم كل المعتقلين والآخر نقد والتجاني، بينما اعتقل المهدي في الغرفة (الزنزانة) ومضى بالقول بأنه عندما جئ بالدكتور الترابي ما كان من نقد إلا وأن حمل سرير ومرتبة إلى العنبر المعتقل به والراحل التجاني الطيب ليبقى معهما هناك.


    قضية أبيي

    وروى عبد الرسول النور لـ(الميدان) أن نقد كان يرغب في السجن وبصورة مستمرة في معرفة الكثير عن آبيي منه، وكان يدعوه لشراب الشاي معه ليتناقش حول آبيي.

    وأبان أن هذا أسس لعلاقة طيبة امتدت حتى بعد الإفراج عنهما لزيارات، فقد زرت الراحل بمنزله بالحتانة قبل أن يختفي للمرة الثانية ، وكانت تراقبه عربات الأمن، وعندما اختفى ظل الأمن يراقب منزله لفترة طويلة ظناً أنه سيعود إلى هناك في أي لحظة.

    وأبان أن الزعيم كان يتحلى بالنفس الطيب الهادي وكان كثير الصبر على آراء الآخرين. وبفقده فقدت الحياة السياسية روح التسامح والتواصل والمودة التي جعلته قريباً من المهدي والميرغني والترابي. وزاد بالقول “نقد كسر الوصية السياسية وأكد المقولة بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”.


    قوى الإجماع

    وقال المحامي كمال عمر عبد السلام الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي لـ(الميدان) أن علاقته بالزعيم الراحل تشتمل على كمية من الحكاوي، كما أنها أخذت مناحي متعددة.

    وأشار إلى أنه كان كثيراً ما يصطحبه بسيارته من منزله بالفردوس إلى اجتماعات قوى الإجماع الوطني ومن ثم يعيده إلى هناك ، وكان يلتقي به في دار الشيوعي وبمنزل الترابي الذي يزوره باستمرار وكذلك يزوره بالفردوس، وأوضح أنه ذكر ذلك ليؤكد على مدى التلازم والمعاصرة. وأبان أن هذا ما يجعل شهادتي فيه مباشرة وغير مجروحة. وأشار إلى أنه ورث صراعاً كبيراً بين الشيوعيين والأخوان لكن رغم ذلك فإن هناك الكثير مما يدفعه ليشهد للزعيم بأنهم يمثل مفكر من طراز كبير وعجيب لأن الفضل يعود إليه في توحيد قوى الإجماع الوطني بعد الله سبحانه وتعالى، فقد توحدت المعارضة على نهجها المستقيم بفضل الرعاية المتواصلة من زعماء قوى الإجماع على رأسهم نقد.

    وأبان أن نقد مفكر ديمقراطي يؤمن بالحرية له ولسواه، ويحسب له في نفس الوقت أن رحل بعد أن أقام “فينا الحجة” حجة أن نؤمن ببعضنا البعض ونتراضي على ميثاق واحد. برحيله فقدنا رجل عظيم لكننا على الدرب سائرون.


    وزن وتاريخ

    وقال البروف قاسم بدري لـ(الميدان) أن معرفته بالزعيم الراحل تعود إلى سنوات طويلة فهو كان صديقاً لأخوته الكبار لذلك أشار إلى أن العلاقة بينهما تنطلق من نواحي اجتماعية قبل أن تكون سياسية . وأشار إلى زيارته له قبل رحيله الأخير إلى لندن وتحدثنا عن ذكرياته مع أسرة الشيخ بابكر بدري.

    وأبان أن نقد سياسي ويقود حزباً له وزنه وتاريخه في الحياة السياسية السودانية. وهو حزب قائم على ايدولوجيا حديثة لها نظرة متقدمة على الوضع العام في السودان لكنه أستطاع بشخصيته المنتمية جداً لتراب الوطن وللتقاليد والأعراف أن يبحر بالحزب لفترات صعبة في الأوضاع السياسية الأمر الذي أتاح للحزب الشيوعي من اعتلاء مكانته العالية وسط القوى السياسية . وأبان أنه واحد من أعمدة السياسية السودانية في القرنين العشرين والحادي والعشرين.


    مسؤولية ضخمة

    وقال المحامي يحيي الحسين القيادي البارز بحزب البعث السوداني لـ(الميدان) أن الزعيم الراحل يمثل مدرسة متفردة ويتمتع بكاريزما خاصة جعلته يجد القبول الذي لا يحظى به من الجميع إلا الشخصيات النادرة.

    وأبان أن نقد كان زعيماً لا يحيط نفسه بهالة من الرهبة أو القدسية، لكن رغم ذلك يحظى بتقدير واحترام من الجميع.

    وأشار إلى أنه من الصعوبة بمكان استنساخ مثل هذه الشخصية، لكن الحزب الشيوعي يتمتع بالكثير من الكوادر التي عندما تلقى على عاتقها مسؤولية ضخمة تقدم الأفضل . وأبان أن للشيوعي تاريخه وإرثه الذي يجعله يقدم الكثير للشعب السوداني.


    --------------

    برغم الغياب ستبقى وطن
    Saturday, March 24th, 2012
    لروح فقيد الشعب السوداني الأستاذ/ محمد إبراهيم نقد:



    مرفوع الهامة يمشي

    منتصب القامة يمشي

    صاعداً إلى عليائه نجماً تلألأ بين جنبات الثرى

    ضمه عشقاً تراب بلادي

    خالداً فينا

    نيلاً ونخيلاً وجبالاً

    وصموداً وجسارة

    متمدداً بطول وعرض بلادي

    من الشمال إلى الجنوب

    من الشرق إلى الغرب

    يا راحلاً نحو الغياب

    يا أيها البطل النبيل

    رافعاً رايته وعياً وشموخاً ونقاء

    موقداً شمعته في ظلام القهر

    نبراساً وحقيقة

    للكادحين ملح الأرض عاش

    من أجل الحرية عاش

    من أجل الحرية شهيد

    وهتاف الطليعة ليشق السماء:

    ما هنت يا سوداننا

    يوماً علينا

    بالذي أصبح شمس في يدينا

    تعدو به الريح فتختال الهويني يا بلادي

    من كل قلب يا بلادي

    صرخة فاجعة للوداع

    يا أبانا

    يا أخانا

    يا معلماً وقائداً

    إنسان أنت بحق

    فكراً ونضال

    زهداً وتواضع


    يا أيها الناسك في محراب هذا الوطن الجليل

    يا واضعاً بصمتك في تاريخنا الثوري

    وأنت تهتف نحن أبناؤك في الفرح الجميل

    نحن أبناؤك في الحزن النبيل

    ليغني لك شعبي مثل

    تهراقا والمهدي والمك نمر

    وعلي عبد اللطيف وعبد الخالق محجوب ومحمود محمد طه

    لشموس أضاءت طريقنا

    وأعلت هتافنا وشعارنا

    عاش نضال الشعب السوداني.


    عمر سيد أحمد عبد الرحيم

    الخرطوم في 24/12/


    ------------------

    يابا مع السلامة – يا كالنخلة هامة، قامة واستقامة
    Updated On Mar 23rd, 2012







    يا ذكيََّ العودِ بالمطرقةِ الصمّّاءِ والفأسِ تشظّى

    وبنيرانٍ لها ألفُ لسانٍ قد تلظّى

    ضُعْْ على ضوئِك في الناس اصطباراً ومآثْر

    مثلما ضُوِّعََ في الأهوال صبراً آلُ “ياسر”

    فلئن كنتَ كما أنتَ عبِقْ

    فاحترقْ!

    ***

    يا منايا حوّمي حول الحمى واستعرضينا واصْطَفي

    كلّ سمح النفس، بسّامِ العشياتِ الوفي

    الحليم، العفِّ ، كالأنسامِ روحاً وسجايا

    أريحيَّ الوجه والكفِّ افتراراً وعطايا

    فإذا لاقاكِ بالبابِ بشوشاً وحفي

    بضميرٍ ككتابِ اللهِ طاهرْ

    أنشُُبي الاظفارَ في أكتافِه واختطفي

    وأمانُ الله مِنّّا يا منايا..

    كلّما اشتقتِ لميمونِ المُُحيَّا ذي البشائْْر ..شرّفي

    تجدينا مثلاً في الناس سائرْ

    نقهر الموتَ حياةً ومصائرْ

    ***

    هذه أجنابنا مكشوفةُ فليرمِ رامي

    هذه أكبادُنا..لُكْها وزغرد يا حقودْ

    هذه أضلاعُنا مثلومةُ وهي دوامي

    وعلى النُطع الرؤوس

    فاستبدِّ يافؤوس

    وادخلي أبياتنا واحتطبي

    وأديري يا منايانا كؤوساً في كؤوسْ

    من دِمانا واشربي

    ما الذي أقسى من الموتِ ؟ فهذا قد كََشفْْنا سرّه، وخَبَرنا أمرَه

    واستسغْنا مُرّه

    صدئت آلاتُُه فينا ولا زلنا نُعافرْ

    ما جَزِعْنا إن تشهَّانا ولم يرضَ الرحيلْ

    فله فينا اغتباقُُ واصطباح ٌومَقِيلْ

    آخرُ العمرِ، قصيراً أم طويلْ:

    كفن ُ من طرفِ السوقِ وشبرُ في المقابرْ

    ما علينا .. إنْ يكن حزناً فللحزنِ ذُبالات ُ مضيئه

    أو يكن قصداً بلا معنى فللمرءِ ذهابُ بعد جيئه

    أو يكن خِيفةَ مجهولٍ فللخوفِ وقاءٌ ودريئه

    من يقينٍ ومشيئه

    فهَلُمّي يا منايانا جحافلْ

    تجدينا لك اندادَ المحافِلْ

    القِرى منا وفينا لكِ ، والديوان حافِل

    ولنا صبر ُ على المكروهِ – إن دامَ –جميل

    ***

    هذه أعمالُنا مرقومةٌ بالنورِ في ظهرِ مطايا

    عبَرت دنيا لأخرى ، تستبقْ

    تنتهي عُمراً فعُمرا

    ما انحنتْ قاماتُنا من حِمْلِ أثقال الرزايا

    فلنا في حَلكِ الأهوالِ مَسْرى

    وطُرُق

    فإذا جاء الردى كََشّرَ وجهاً مُكْفهراً

    عارضاً فينا بسيفِ دمويّ و دَرَق

    ومُصّرا

    بيدٍ تحصُدنا لم نُبدِ للموتِ ارتعاداً وفَرقْ

    نترك الدنيا وفي ذاكرةِِ الدنيا لنا ذِكرٌ وذكرى

    من فِعالٍ وخلُق

    ولنا إرثُ من الحكمة والحلم وحُب الآخرين

    وولاءٌ حينما يكذبُ أهليه الأمين

    ولنا في خدمة الشعب عَرَق

    هكذا نحن ففاخرنا ، وقد كان لنا أيضاً سؤال وجواب

    ونزوعٌ للذي خلف الحجاب :-

    برهةٌ من سرمدِ الدهر أقِمنا ومشينا

    ما عرفنا بِمَ أوفيمَ أتينا وانتهينا

    وخَبْرنا تَفَه الدنيا وما في بَهْرَجِ الدنيا الحقير

    عَرَضاً فانٍ لفانين فما نملكه يفلِتُ من بين يدينا

    أو ذهبنا دونه حين بَقى

    فكما كان لدينا صار مِلْكاً لسوانا ، وغَرور

    لغريرٍ غافلٍ يختالُ في الوهمِ الهويني

    في حبورْ

    رُبّ من ينهلُ من بحرِ الغُوايات ظَمِي

    والذي يملكُ عينينَ ولا لُبّ – عمي

    والذي تسحرهُ الدنيا ولم يدرِ المصير

    أبلهُُ يمرحُ في القيدِ وفي الحُلمِ يسير

    ريثما توقظه السقطةُ في القاعِ ولا يعرفُ أيْنا

    كلُّ جيلٍ بعده جيلٌ ويأتي بعد جيلْ

    بَليتْ جِدتُه، مُرتَقِباً في غبطةٍ أو غفلةٍ أو قلقِ

    فقعةَ الآمالِ في جيل بديلْ

    طالعٍ أو طامعٍ مُستَبِق

    أمس قد كنا سقاةَ القومِ بالكأس المريرْ

    وغداً يحملنا أبناؤنا كي نستقى

    فالذي تُخلى له مَضْيَفةُ الدنيا سيُدعى لرحيلْ

    حين يبدو قادمٌ في الأفق

    وكلا الذاهب والقادمُ في دفترها ابنُ سبيلْ

    ***

    كلُّ طفلٍ جاء للدنيا أخي من عدمِ

    مشرقُ الوجْنةِ ضحّاك الثنايا والفم

    يُسْرجُ الساعاتِ مُهراً لاقتحامِ القممِ

    سابحاً في نشوةٍ للهَرَمِ

    فإذا صاح به الموتِ أقدمِ

    كان فوتُ الموتِ بعضَ المستحيلْ

    عجبي من رِمةٍ ترفلُ بين الرممِ

    نسيَتُ سوءَ مآلِ الأممِ

    وسَعَتْ في باطلٍ عُقباهُ غيرُ الالمِ

    ومُطيفِ الندمِ

    والسأمِ


    غصةُ الموتِ ، وإن مُدَّ لها في فسحةِ العمر قليلْ

    فالذي يعقبه القبرُ ، وإن طالَ مَدىً ليس طويلْ

    والسؤال الحقُ : ماذا بعدُ ، ماذا بعدُ ؟ ماذا بعدُ في هذا السبيلْ

    يرتجيه الآدمي ؟

    أإذا مِتنا انتهينا للأبد

    غير ما يَمسِكُ دهرٌ أو طبيعهْ

    أم بدأنا من جديد

    كيف وأين سؤال هائل لن نستطْيعَه

    أفَمَن يذهبُ عنّا سيعودْ

    مثلما تزعمُ شيعه

    ثم هل عاد أحد؟

    أم له في داره الأخرى خُلودْ

    بعد أن يسترجَع الله الوديعهْ

    بكتابٍ وأمدْ

    ضلّ من يبحث في سر الوجود

    بالذي أنكر أو فيه اعتقد

    فاجعل الموتَ طريقاً للبقاء

    وابتغِ الحقَ شريعه

    واسلِك الفضلَ وقل يا هؤلاء

    خاب قومُ جحدوا الفضل صنيعه

    إن للفضل وإن مات ذووه لضياء

    ليس يخبو – فأسالوا أهل النهى

    رُب ضوءٍ لامعٍ من كوكبٍ – حيث انتهى

    ذلك الكوكبُ آلافاً وآلافا سنينا

    يا رياحَ الموتِ هُبي إن قدرتِ اقتلعينا

    اعملي أسياخك الحمراء في الحي شمالا ويمينا

    قطّعي مِنا الذؤابات ففي الأرض لنا غاصت جذور

    شتتينا ،

    فلكم عاصفةُ مرّت ولم تَنس أياديها البذور

    زمجري حتى يُبحَّ الصوتُ ، حتى يعقبَ الصمت الهدير

    اسحقينا وامحقينا

    تجدينا.. نحن أقوى منك بأساً ما حيينا

    وإذا يبعث فيهم كلَّ ما يبرِقُ فينا

    فلنا فيهم نشور

    طفلنا حدّق في الموتِ ملياً ومِرارا

    ألفَ الأحزانَ تأتينا صِغاراً وكبارا

    ومَرَى الدمعَ غزيراً ، ورعى النوم غِرارا

    ورأى والدَه يخطرُ للموتِ ونعشاً يتوارى

    لن يراه مرةً ثانيةً قطُ إلى يوم الحساب

    ذاكِراً عنه حناناً وحديثاً وابتساماتٍ عِذاب

    كشموشٍ لا يني يأملُ أن تشرق من بابٍ لباب

    كل يوم ولنا في البيت مأتم

    وصغير ذُبحت ضحكتُه يومَ تيتم

    كلما مَرتْ بِنا داهيةٌ تسألُ عيناه عن الشرِ المُغير

    ويرى من حولِه أمراً مريباً وغريباً ورهيباً فيثور

    أمه في جَلَدٍ تدعوه أن يَسكَت لكنْ صوتُها فيه اضطراب

    واكتئاب

    وهو يدري فعيونُ الأم للإبن كتاب

    وهو بالمحنةِ والموتِ الذي جندلنا جدُّ بصير

    حلمُه صار حكيماً وهو طفلٌ في سريرْ

    فهو يزدادُ بما حاقَ بنا حُزنا وحزْماً ووقارا

    وانفعالاً كلما عاثَ بنا دهرٌ وجارا

    هكذا يُطرقُ فولاذُ البطولاتِ ويُسقى بالعذابْ

    فلهُ في غدهِ يومٌ كبيرْ

    يوم أن يَدلجَ في وادي طُوى يطلبُ نارا

    والِجاً هْولاً ، خائضاً نقعاً مُثارا

    وغمارا

    ضاحكاً في حنكِ الموت على الموت عُتّواً واقتدارا

    وقد استل كسيْفٍ بارقٍ جُرحاً عميقاً في الضميرْ

    خبّراني ، لهفَ نفسي :

    كيف يخشى الموتَ من خاشَنَهُ الموتُ صغيرْ ؟؟؟؟؟؟

    ****

    في غدٍ يعرف عنّا القادمون

    أيَّ حُبٍ حَمَلْناه لَهُمْ

    في غدٍ يحسبُ منهم حاسبون

    كم أيادٍ أُسلفت منا لهم

    في غدٍ يحكون عن أنّاتنا

    وعن الآلام في أبياتنا

    وعن الجُرحِ الذي غنّى لهم

    كل جُرحٍ في حنايانا يهون

    حين يغدو رايةً تبدو لهمْ

    جُرحُنا دامٍ ، ونحن الصابرون

    حزننا داوٍ ونحن الصامتون

    فابطشي ما شئت فينا يا منون

    كم فتىً في مكة يشبه حمزة؟

    ****

    بالخشوعِ المحضِ والتقديسِ والحبِ المُقيم

    واتّضاعٍ كاملٍ في حضرةِ الروح السماويِّ الكريمْ

    التحياتُ لها

    ليتَ لي في الجمرِ والنيران وقفهْ

    وأنا أشدو بأشعاري لها

    ليتَ لي في الشوكِ والأحجارِ والظُلمه زحْفه

    وأنا أسعى بأشواقي لها

    ليتَ لي في زمهريرِ الموتِ رجْفه

    وأنا ألفظ أنفاسي لها

    ليت لي من ألمٍ طاغٍ مِحَفه

    وأنا أحملُ قرباناٍ لها .. وهديه

    فأنادي باسمها الحلو بلهفهْ

    لك يا أمَّ السلام

    والتحية

    وجبيبني في الرِّغامْ

    التحياتُ الزكياتُ لها ، نفسُُ زكيّه

    رسمُها في القلبِ كالروضِ الوسيمْ

    صنعتنا من معانيها السنيه

    وستبقى منبعَ النورِ العظيم

    يا قبوراً في عراء الله ، حسبُ البشرية

    إنكم من ذوقِها العالي صميمْ

    سنواتٍ عشتموها أينعت

    حُفَّلا بالخير والحب الحقيقي

    ومضيتُمْ فتركتم أثراً

    نَبْشَ إسماعيلِ في القَفْرِ السحيقِ

    يا أحبائي ويا نبضَ عروقي

    كنتم القدوةَ بالخيرِ الوريق

    فاهنأوا ، نحن كما أنتم على ذات الطريق

    ****

    رُبَّ شمسٍ غَرُبتْ والبدرُ عنها يُخبرُ

    وزهورٌ تتلاشى وهي في العطر تعيش

    نحن أكفاءُ لما مرّ بنا ، بل أكبرُ

    تاجُنا الأبقى وتندكّ العروشْ

    ولمن ولَّي حديثٌ يؤثرُ

    ولمن ولّى حديثٌ يذكر


    ملف صحيفة الميدان


    04f6f1a3934e9a.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    (عدل بواسطة الكيك on 03-26-2012, 05:12 AM)
    (عدل بواسطة الكيك on 03-26-2012, 05:13 AM)
    (عدل بواسطة الكيك on 03-26-2012, 05:13 AM)

                  

03-25-2012, 09:16 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    نقد... الموت نقاد السبت, 24 مارس 2012 14:21

    قولوا حسناً - محجوب عروة

    رحم الله الأستاذ محمد إبراهيم نقد ذلك السياسي البارع والمفكر والمناضل السوداني القح.. لم يبن مجده كأحد رموز المجتمع من السلطة أو المال أو الحسب والنسب بل بناه بثاقب فكره ونضاله تتفق أو تختلف معه ليس هو المهم بل المهم أنه نحت الصخر بعقله ويديه وساهم فى الحياة الفكرية والسياسية السودانية لم يكن همه جمع المال والثروة كيفما اتفق أو حيازة السلطة والكنكشة فيها كيفما تأتي وبأي طريقة تتم.. فقد كان ذلك سهلا عليه كيف لا وأي سلطة في البلاد ديمقراطية كانت أو ديكتاتورية كان يسرها جداً أن ينضم إليها أمثال الأستاذ المناضل محمد إبراهيم نقد لكنه آثر المبدأ والموقف على السلطان والجاه والنفوذ والمال عكس ما فعل كثيرون وللأسف الشديد ضاعوا وأضاعوا الوطن لأنهم – إلا قلة قليلة كانت تعمل من منطلق المصلحة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولذلك اصطدموا بالحاكم عند أول نصيحة أو مؤامرة ضدهم.

    لم أكن يوماً في معسكر الأستاذ نقد ولكن ظروف العمل الصحفي جعلتني كثير الزيارة له خاصة في الأعياد الدينية وهو الزعيم السياسي الوحيد الذي كان يطوف علينا في صحيفة "السوداني" عندما كنت ً لتحريرها يتبادل معنا الأفكار والرؤى وتاريخ السودان فقد كان عليه الرحمة يؤمن بأن الصحافة أقوى من الأحزاب وأنها – أي الصحافة السودانية على رأسها صحيفة "السوداني" – خلال العشرين سنة الماضية ساهمت مساهمة فاعلة في توسيع هامش الحريات وحرية الصحافة بالذات ودفعت ثمناً غالياً في سبيل ذلك وكان يمكنها أن تجاري الأوضاع تعيش تحت الحيطان وتسلم كما فعل غيرها
    .
    انتهزت فرصة في إحدى زياراته لنا فسألته أن يفسر لي عن موقف طالما شغلني وهو لماذا شارك الحزب الشيوعي السوداني في انقلاب 19 يوليو 1971 رغم أن الحزب يقول دائماً أنه ضد الانقلابات العسكرية ويقاومها ويؤمن بالديمقراطية، فكان رده صريحاً كعادته أنهم بعد خلافهم مع نميري كان رأيهم أن العمل السياسي السلمي هو أفضل طريقة لمقاومته من أجل تحقيق نظام ديمقراطي ولكن كان العسكريون الشيوعيون يرون أن النميري بدأ بتصفيتهم من القوات المسلحة فإذا لم يتغدوا به فسيتعشى بهم فوضعوا الحزب تحت الأمر الواقع بالانقلاب المفاجئ لكثير من الشيوعيين لأنهم كانوا قريبين من مفاصل النظام والحرس الجمهوري تحت تصرفهم..
    فى لقاء آخر كان الأستاذ نقد يقول لنا إن الصراع العنيف بين الأخوان والشيوعيين في السودان وعدم قدرتهم على الاتفاق على قواسم مشتركة لتجذير الديمقراطية خاصة بعد ثورتي أكتوبر 1964 و إبريل 1985 سبباً في ضياع الديمقراطية وتزعزع الكيانين وضعفهما حتى اليوم ومالم يحدث عصف فكري حقيقي واتفاق على قواعد اللعبة السياسية فلن يستقر السودان.. فجع الأستاذ نقد في موقف الحركة الشعبية التي طالما كان يظنها مع وحدة السودان ولعلها هي التي أثرت عليه نفسياً وعضوياً.. رحم الله الأستاذ نقد رحمة واسعة.
    اطلقوا سراح إبراهيم السنوسي
    لست أدري لماذا يظل الأستاذ إبراهيم السنوسي رهن الاعتقال التحفظي لشهور والدستور واضح في ذلك فإما يقدم للمحاكمة إذا كان هناك ما يستوجب محاكمته أو يطلق سراحه.. أم أن قوة القانون غائبة أو مغيبة بقانون القوة.. متى نكون دولة متحضرة ومتى نترك المكايدات؟
    عيد الأم وقضايا المرأة في الدستور
    إن شاء الله أبدأ من الغد عرض العمل الكبير الذي قام به معهد الدراسات والبحوث الانمائية بجامعة الخرطوم بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة بمناسبة ورشة العمل (نحو دور فعال وإيجابي في تناول قضايا المرأة في الدستور القادم) تعقد يومي 28 و29 مارس بقاعة الشارقة.. وسأبدأ السلسلة عن عيد الأم بمقال وفاءً لأمي عليها الرحمة.


    الواقفون من اليسار.. « نقد – حميد – وردي»





    03-25-2012 08:24 AM
    الخرطوم: محمد عبدالماجد

    خلال 33 يوماً رحل من هذه الفانية ثلاثة من رموز هذه البلد.. كان بمعدل كل عشر أيام يرحل (هرم).
    كان كلما يدخل الوطن في حالة اللا وعي من الأحزان.. يفيق الوطن برحيل آخر ليدخل من جديد في لاوعي جديد من الأحزان.
    أصبح لا يفصل بين أحزاننا غير الأحزان.
    على التوالي رحل الفنان محمد عثمان وردي في 18 فبراير 2012م.. وبعده بشهر أو في 21 مارس رحل الشاعر محمد الحسن سالم حميد... وبعد 48 ساعة فقط من رحيل حميد في 23 مارس رحل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد... لتكون هذه الأيام هي موسم الأحزان في السودان... فقد عاشت كل البيوت في رحيل هذا الثلوث الحزن تيتماً شاملاً. في الأقوال المأثورة التي تخرجها (التجربة)... يقال إن الحزن يبدو كبيراً ثم يصغر.. غير أن أحزاننا هنا تبدو كبيرة... ثم تكبر.
    البلد واقفة بركن واحد
    ثلاثة أركان اتهدت في الأيام الاخيرة... وفى فترة وجيزة... اتهد ركن الفن برحيل الفنان محمد عثمان وردي واتهد ركن الشعر والأدب برحيل محمد الحسن سالم حميد.. وها هو ركن السياسة ينهد برحيل محمد ابراهيم نقد... ليفقد الوطن ثلاثة رموز كانت تمثل فيه النهضة الفكرية بمختلف مشاربها الفنية والشعرية والسياسية.
    الوطن الآن أصبح بركن واحد... وهو أشبه بـ(التربيزة) التي فقدت أرجلها الثلاثة... وأصبحت تقف على (فد كراع).
    هذا هو حال الوطن بعد موسم الرحيل هذا...لم يبق لنا إلا القليل... شيء من حتى.
    إني أشهد أن الأشياء عندنا كلها أصبحت تقاس بـ(قدر ظروفك)... تراجعنا إلى هذا الحد.. في الموهبة والعلم والأمانة... الأمر ليس قصراً على (ديانات) البنات.
    أصبح الرجل (طول وعرض) يذهب إلى (الدكانة) من أجل أن يحول رصيد بـ (جنيه).. ثم يكتفي من بعد في جداله بـ (المسكول).
    الى هذا وصلت مراكبنا... وأصبح الجفاف والتصحر يضربان كل قيمنا.. إن الرهان اليوم أصبح على انصاف المواهب... وأنصاف المواقف... والبين بين.
    أقصى الشمال
    هل هي الصدفة وحدها... أن تكون كل أصول الراحلين الثلاثة من أقصى الشمال.
    الفنان محمد وردي من منطقة (صواردة)... وهى جزيرة تقع في أقصى الشمال... جزيرة بسيطة وردي منح (خضارها) ذلك الشدو.. وجعل الجزيرة حاضرة عند كل السودانيين.
    أما حميد فهو الآخر من الشمال من منطقة نوري قرية (الجريف)... وهناك يكتسب نخيل نوري تلك العزة والشموخ من محمد الحسن سالم حميد.
    محمد ابراهيم نقد وهو إن كان من منطقة (القطينة).. إلا أن أصول الرجل (الدنقلاوية) تعيده إلى الشمال.
    لا أريد بهذه (الجغرفة) أن أخص الشمال بهذه العبقريات.
    أريد فقط أن أخص الشمال بالوجعة فقد كان الشمال يمارس وجعته هكذا - منذ أن فصل الجنوب... فأصبحنا من وقت لآخر نبكي الشمال بفقداننا أحد نوابغه.
    هذا حزن مفروض على كل الناس في السودان... أن نظل نتوجع هكذا يوماً بعد آخر.
    لقد كتب يوما الأديب العالمي الطيب صالح روايتها الذائعة الصيت (موسم الهجرة إلى الشمال)... ويبدو أننا نعكس الآية الآن، فهذا هو (موسم الهجرة من الشمال).
    غير أنه مع هذا الشمال الذي أتى منه الثلاثي... هناك شيء آخر يجمع بين الراحلين... ثلاثتهم محسوبون للتيار اليساري.
    الفنان الراحل محمد وردي كانت له تحركات ومساهمات كبيرة في الحزب الشيوعي السوداني... وكان في كثير من الأوقات.. قبل انقلاب مايو تحديداً كانت قيادات الحزب الشيوعي يجتمعون في منزل محمد وردي، وقد كان هذا الاجتماع يمثله صفوة البلد.. لأن الحزب الشيوعي وقتها كان محتكراً للصفوة إلا قليل.
    كان ذلك قبل انشقاقات الحزب الشيوعي وقبل شيوع داء الانقسامات الذي لم يسلم منه أحد.
    وردي أيضا أسبغ على أغنياته هم الاشتراكية وغبر في كثير من أغنياته عن التيار الشيوعي.
    إلى جانب ذلك فقد أرفق الفنان محمد وردي نضاله الغنائي هذا بأن اعتقل لأكثر من عامين بعد انقلاب هاشم العطا وفشله.
    أما الشاعر محمد الحسن سالم حميد فقد غلب على كل قصائده هم الغبش.. وعرق الجباه.. وكان هو الصوت الشعري الوحيد للعمال... ولشفع العرب الفقارى وللكادحين.
    حميد هو الآخر تعرض للاعتقالات... وهاجر وتغرب في سبيل قضيته.
    محمد إبراهيم نقد هو من عمادة البيت الشيوعي ظل يشغل منصب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني لأكثر من 41 سنة.
    نقد خلف عبدالخالق محجوب الذي أُعدم... وتولى المنصب بعد حملات دامية نالت كل قيادات الشيوعي إلى جانب اعتقالات لم يسلم منها حتى الفنانين والشعراء.
    مع هذه الظروف الدامية تولى نقد منصب السكرتير في الحزب الشيوعي وهذه شجاعة تحسب له... لأن أي شخص آخر لم يكن يقبل بالمنصب في تلك الظروف.
    اختار نقد أن يناضل من الداخل.. وذهب أبعد من ذلك ودخل إلى باطن الأرض.. واحتسب داخل الأرض قرابة الأربعين عاماً... كان فيها نقد في نزال مستمر مع أمن نميري.. وأمن الانقاذ من بعد.
    كان رجلاً أعزل يحارب سلطة.. ومخابرات... وحكومات.
    مع هذا النزال والصراع.. والمطاردات... لم يتخل نقد عن تقاليده الاجتماعية وعن عاداته التي كان يمارسها وهو فوق الأرض.
    لم ينقطع عن أهله وأصحابه.. كان لا يقطع الرحم... والمشانق تنتظره... والحكومات تطارده.
    كان يمارس زياراته.. يعايد المريض.. ويعزي في الموتى... رغم كل الحصارات والقيود المفروضة عليه.
    فى احتفالية اليوبيل الذهبي لمدرسة حنتوب حضر نقد الاحتفال في وجود محمد جعفر نميري الذي أعدم رفاقه... شارك نقد في الاحتفال وقال كلمته ثم اختفى بعد ذلك.
    في صحيفة الأحداث كتب عبدالماجد بوب عن هذا الواقعة التي تحتشد بالمواقف السودانية:
    (حدثني أحد الأصدقاء ممن استضافوا الأستاذ نقد في أيام اختفائه، انطباعات كثيرة تمنيت لو قام بتسجيلها حتى تتيح الظروف نشرها كجزء من تراث العمل السري في السودان. وكان أبرز انطباعاته عن تلك الأيام والأستاذ نقد، بأنه إنسان دؤوب يعمل في كل ساعة من ساعات اليوم بنفس الحماس وكأن الثورة على الأبواب. وبأنه يتعامل مع مقتضيات العمل السري بمزيج من الدقة والانسياب كمن يمارس هواية رياضية محببة. وأنه ثابت الجنان في مواجهة مطبات تنذر بالخطر. ففي احدى المرات ذهب صديقي لمقابلته في وسط الخرطوم عائدين الى مسكنه. وفي الطريق وقفا لشراء «ساندوتشات فول» ونزل الأستاذ نقد من العربة وجلس على كوم حصى. ولما عاد صديقنا وجده يتحدث حديثاً منساباً مع رجل من أفراد الشرطة، فودعه وهم بالانصراف والشرطي الطيب القلب يتابعه بالحديث «والله والله يا أستاذ الناس الزيكم ديل هم البصلحوا البلد..!» وكانت للشرطي فراسة! وعلق صديقنا للأستاذ نقد «يا أخي العسكري ده كان ممكن يتعرف عليك!» فأجابه نقد «طيب نحن زي ديل لو ببلغوا علينا، نحن المختفين ليها شنو؟»).
    محمد ( عثمان- الحسن – ابراهيم)
    الشيء الآخر الذي يجمع بين وردي وحميد ونقد.. أن ثلاثتهم اشتهروا باسم جده (وردي – حميد – نقد).. وكل فرد منهم اسمه (محمد).
    الى جانب التوافق في هذه الشكليات... فإن ثلاثتهم تميزوا بسودانية خالصة.. حلموا في تكوينهم الصفات والقيم السودانية بصورة كبيرة.
    كان الهمّ العام... هو الغالب في كل أعمالهم وأفكارهم وتصرفاتهم.
    اضف إلى ذلك فإن كل شخص منهم (مفكر) في مجاله... وقد أسهموا (فكريا) في مساراتهم التى اتخذوها.
    الفنان محمد وردي يعتبر من المفكرين (فنيا)... وهو إضافة إلى ما أحدثه من حراك فني في جانب (الصوت) أحدث حراكاً أكبر في الجانب الموسيقي... ويمكن القول إن وردي مفكر موسيقي وضع (ألحان) ستظل علامة واضحة ومدهشة في الأغنية السودانية.
    مع هذا فإن الفنان محمد وردي من الفنانين الذين كان لهم دور وطني وسياسي في الكثير من المواقف.
    لم يكن مجرد مغن فقط.
    الشاعر محمد الحسن سالم حميد هو الآخر كان مفكراً في مجاله الشعري، وقد أضاف للشعر السوداني (فتوحات) ما كان لنا أن نصله لولا قصائد حميد التي تميزت بمفردتها السودانية (القحة).
    أما سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد فإن أمر كونه (مفكر) هذا شيء لا خلاف حوله... للراحل الكثير من النظريات السياسية والاقتصادية التي تؤكد قوة فكره.
    كذلك لنقد إصدارات عديدة (علاقات الرق في المجتمع السوداني _ قضايا التحول الديمقراطي _ ملكية الأرض في السودان. وله كذلك كتاب عن الدولة المدنية مجموعة من المقالات).
    إذاً أثر هذا الثلاثي كبير في السودان.. وهو أثر (فكري) جدير بالاحترام.
    نقد والأيام الأخيرة
    عندما اعتلت صحة محمد ابراهيم نقد كان لنا في صحيفة الأحداث أن نحظى بتسجيل زيارة معايدة لسكرتير الحزب الشيوعي قبل سفره إلى لندن.. وكان يبدو أن نقد رغم حصار المرض متماسكاً... كان (قوياً) كما هو في العادة.. رغم تمكن المرض منه لم يكن متضجراً منه... هو أصلاً صاحب بنية جسمانية نحيفة.. وقامة مربوعة... تتناسب تماماً مع سخريته اللازعة.
    لم يتخل نقد عن سخريته حتى وهو في هذا الألم.
    دخلنا إلى غرفته في بيته بالفردوس... رحّب بنا بصورة تتنافى تماماً مع مرضه.. (ترحيب رجل معافى).
    لعله تغلب فقط على المرض في ذلك الحين من أجل الترحيب بنا.
    كان أول ما لفت نظرنا هو أن وجدنا نقد (متابعاً) لفيلم أجنبي في إحدى الفضائيات.. وكان اهتمام نقد بالفيلم.. وبالمتابعة أنه كان يقرب الكرسي الذي كان يجلس عليه من شاشة التلفاز.
    كان يلف على رأسه (عمامة) ربما من برودة الطقس وربما تكملة لزيه القومي.. يلبس جلباباً أبيض.. حسبنا وقتها أن الجلباب ازداد بياضاً مع نقد.
    لم يكن الحس الصحفي عنا غائب ونحن نسجل هذه الزيارة إلى نقد في بيته.. وجدنا على المنضدة كتاباً يبدو أن نقد وصل في القراءة نصفه.. هكذا كان يوحي الكتاب وهو مقلوب على المنضدة.
    أيضا كانت كل الصحف موضوعة في مكتبة نقد... وبدا واضحاً لنا أن نقد يقرأ بنهم... كما أنه متابع جيد للفضائيات.
    الشيء الذي أدهشنا في مرض نقد.. هو أنه رغم شدة الوجع كان يتابع إكرامنا بنفسه.. وكان يتشدد علينا في (الإكرام).. لم يكن ديمقراطياً في هذه الحالة وهو يصر ويلح علينا بتناول ما قدم لنا.
    عندما قال نقد لمحجوب شريف أنا من الزمن داك شغال ليكم (سواق)
    عندما ذهب الشاعر التجاني سعيد إلى اتحاد الفنانين بعد أن تغنى له الفنان محمد وردي بأغنيته من (غير ميعاد) والتي حصل عليها وردي عبر إحدى الصفحات الفنية التي كان يحررها محمد يوسف موسى... اصطحب التجاني سعيد معه إلى اتحاد الفنانين صديقه محجوب شريف... وقتها لا التجاني ولا محجوب كان معروفاً.. كان ذلك في عام 1969... قبل انقلاب مايو... وكان التجاني سعيد طالباً في الثانوي ممتحناً للشهادة السودانية... لذلك وهو في هذه السن كان محتاجاً إلى أن يتقوى ويتشجع بصديقه الأثير محجوب شريف... وهو سيقابل الهرم محمد وردي.. لم يكن بينهم معرفة قبل ذلك.. وكان ذلك هو اللقاء الأول.
    ومن قوة الرواية إني أخذتها من محجوب شريف ومن التجاني سعيد كلا على حده.
    ذهب التجاني سعيد ومحجوب شريف إلى اتحاد الفنانين في أم درمان لمقابلة الفنان محمد وردي.
    كان الخوف والاضطراب يسطيرون عليهما... كيف لا وهما سوف يواجهان اليوم محمد وردي (شخصيا).
    عندما دخلا لاتحاد الفنانين وجدا وردي ببدلة بيضاء يجلس مع أحمد المصطفى والكاشف وعبدالعزيز محمد داؤود.
    تقدم التجاني سعيد.. وسلم على وردي.. وهو يرتجف ثم قال له أنا شاعر (من غير ميعاد) فما كان من وردي إلا أن يحتضنه حتى ارتفعت أقدامه من الأرض وهو في حضن وردي.
    وردي أضاف بطريقته التى يحسبها البعض (عجرفة) وغرور... وقال: (والله يا التجاني لو عارفك شافع كدا ما كنت غنيت ليك).
    أما محجوب شريف فقد كان يقف بعيداً وهو يتابع الموقف... لم يكن لمحجوب شريف وقتها (قصيدة) تعرفه.
    فى تلك الليلة التي كان فيها اللقاء الأول الذي جمع بين وردي والتجاني سعيد ومحجوب شريف أصر الفنان وردي على أن يصطحب معه التجاني سعيد ومحجوب شريف معه في عربته إلى بيته في العمارات من أجل أن يتعشوا معه في البيت.. خاصة وأن الفنان وردي كان قد دعا بعض قيادات الحزب الشيوعي وقتها إلى العشاء في منزله.
    يقول التجاني سعيد إنه عندما ركب مع وردي (الذي كان يسمع به من بعيد) في عربته.. شعر بسعادة كبيرة.. وأحس أن الدنيا كلها تحضر إليه في ذلك الحين.
    يضيف التجاني سعيد ويقول إن عربة وردي كانت كلما توقفت في تقاطع أو مرت على بعض الناس كانت اشارات الناس وسلامهم تلاحق وردي.. وكنت أقول لهم في نفسي: (أنا التجاني سعيد) كاتب أغنية (من غير ميعاد).
    وصل محجوب شريف والتجاني سعيد إلى منزل وردي في العمارات.. وشعرا بغربة كبيرة في منزل وردي... وهم وسط طبقة تكاد أن تكون (استقراطية).
    تركهم وردي وسط معازمه وانشغل بضيوفه الآخرين... وبعد العشاء أراد محجوب شريف والتجاني سعيد الخروج... والذهاب إلى أم درمان... وكانت تواجهم مشكلة كبيرة... وهو أنهما أصبحا في الساعات الأولى للصباح.. وأن جيوبهم خالية إلا من (قرش) كان مقرراً أن ينقلهما من اتحاد الفنانين إلى الثورات.
    الآن هذا (القرش) وبعد منتصف الليل ليس كافيا لنقلهما الى أم درمان.
    وردي أنهى حيرتهما تلك... عندما سأل أحد الذين كانوا معه في المنزل.. أن يحمل معه (الاتنين ديل) في طريقه طالما هو ذاهب إلى أم درمان.
    وقد كان... ركب التجاني سعيد ومحجوب شريف مع الشخص الذي كان مجهولاً بالنسبة لهما... وعندما وصلا للخرطوم وهمّا بالنزول... شكرا (السائق) وقدم كل منهما نفسه.
    قال التجاني: أنا التجاني سعيد يا أستاذ... وقال محجوب: وأنا محجوب شريف يا أستاذ... وجاء الدور على صاحب العربة الذي قال: (وأنا محمد ابراهيم نقد).
    نقد وقتها كان معروفاً... التجاني سعيد ومحجوب شريف لم يصدقا أن هذا الشخص الذي ركبا معه هو محمد ابراهيم نقد.
    التجاني «قلد» محجوب شريف فرحاً على أغنية (من غير ميعاد) التي جعلتهم يركبون مع نقد في عربة واحدة.
    هذا الموقف بالتأكيد بقي في ذاكرة محجوب شريف والتجاني سعيد... لأن هذه الصدفة بالنسبة لهما كانت تاريخية.
    في مطلع الألفية الثالثة كان محجوب شريف في عزاء في الخرطوم... صادف وهو يقف على جانب من الفراش انتظار لتاكسي أو عربة أمجاد تنقله إلى أم درمان... أثناء وقوفه مرت عربة نقد على محجوب شريف وتوقفت وعرض عليه أن يوصله... فما كان من محجوب شريف إلا أن حكى لمحمد ابراهيم نقد فرحتهما هو والتجاني سعيد عندما وصلهما نقد بعربته في مطلع عام 1969 قبيل انقلاب مايو.
    فما كان من نقد إلا أن يقول لمحجوب شريف: بالله أنا من الوقت داك شغال ليكم (سواق).

    الاحداث

    --------------

    التكهنات حصرت التنافس بين (حامد) و(خضر) من يخلف نقد على قيادة الحزب الشيوعي ؟!





    03-25-2012 08:35 AM
    تحليل: ماهر أبوجوخ

    بعد معاناة طويلة مع المرض غيب الموت محمد إبراهيم نقد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني – وهذا هو المسمى الرسمي والتنظيمي لمنصبه الحزبي- الذي وافته المنية مساء امس الأول في عاصمة الضباب لندن التي وصلها قادماً من الخرطوم مستشفياً عقب تعرضه لوعكة صحية ألزمته فراش المرض لفترة زمنية طويلة واقعدته عن ممارسة نشاطه الحزبي طيلة الشهور الماضية.
    بخلاف الوضع التنظيمي المرموق لنقد في التشكيل القيادي للحزب الشيوعي السوداني باعتباره السكرتير السياسي للحزب والذي يمثل القيادة العليا له، فإنه يحظى بجانب رمزي كبير إذ يعد رمزاً للصمود في مواجهة الأنظمة العسكرية التي حكمت البلاد عموماً، وتصديه للهجمة الشرسة التي تعرض لها الحزب عقب فشل حركة 19 يوليو 1971م التي قادها الرائد هاشم العطا والتي دفع فيها الحزب ثمناً غالياً نحرت فيها قيادته العسكرية وقيادات الصف الأول للحزب ممثلين في سكرتيره العام عبدالخالق محجوب ورئيس اتحاد العمال الشفيع أحمد الشيخ والقيادي جوزيف قرنق، حيث اشرف نقد وزملاؤه من قادة الحزب المختفين على عملية إعادة الترميم وانتشال الحزب من تحت انقاض الدمار وعبور انهار دماء قادته والمتعاطفين معه من العسكريين والمدنيين نحو شواطئ المستقبل حيث قضى الرجل حوالى الـ14 عاماً تحت الأرض من أجل انجاز هذه المهمة، هذا بخلاف اسهامه الفكري المميز في أدبيات الحزب المحسوسة والملموسة.
    لم تنته مسيرة الرجل بالعمل السري بتلك السنوات وانما زادها بأحد عشر عاماً اخرى خلال فترة حكم الانقاذ ما بين الأعوام 1994م و2005م ليصبح ما قضاه تحت الأرض خلال 34 عاماً ما بين 1971م وحتى 2005م حوالي ربع قرن من الزمان ضحى فيها بالكثير وأكسبته احترام وتقدير منسوبي حزبه وحلفائه وحتى اعدائه.
    في مواجهة الحقيقة
    سيجد الشيوعيون وبعد انتهاء احزانهم على فقدهم الجلل ، وجهاً لوجه أمام الحقيقة رغم ألمها وصدمتها "بأن نقد قد رحل" وأن عليهم البحث عن بديل يقوم بمحاولة ملء الفراغ وقيادة الحزب استعداداً للمرحلة القادمة، وبالتالي فإن عليهم الشروع والتمحيص جيداً لتحديد المرشح البديل المرتقب وانجاز هذه المهمة بأسرع وقت بغرض تقليل المخاوف المترتبة على تأثير غياب قيادي كبير بوزن نقد على مسيرة ومستقبل الحزب.
    هذه المعطيات ستعجل بالحراك الداخلي والمؤسسي في صفوف الحزب لتجاوز الوضع الراهن، وصحيح أن البيان الختامي الصادر عن اجتماعات المكتب السياسي نهار امس لم تتطرق للجزئية الخاصة بانتخاب السكرتير السياسي الجديد للحزب باقتصاره على تقديم التعزية واعلانه عن انعقاده لمتابعة التطورات المرتبطة بتشييع جثمان الفقيد، لكن يبدو أن الفترة المقبلة والتي ستعقب مراسيم التشييع ستشهد تحركات محسوسة في البحث عن خليفة للراحل نقد لقيادة الحزب في الفترة القادمة.
    ماكنيزم الاختيار
    بالعودة لدستور الحزب المجاز من قبل المؤتمر العام الخامس نجد المادة (20/1) منه تشير إلى أن (المؤتمر العام هو أعلى سلطة في الحزب وهو الذي يحدد سياسات الحزب وأهدافه العامة ويجيز ويعدل برنامجه ودستوره وينتخب لجنته المركزية).
    وتنص المادة (17-4) من دستور الحزب على انتخاب اللجنة المركزية ومن بين اعضائها مكتب سياسي وسكرتارية لها بجانب تكوينها لمكاتب متخصصة وتحدد مسؤولياتها، وتشير المادة (19-5) لاختيار اللجنة المركزية للسكرتارية تتكون من السكرتير السياسي – وهو المنصب الذي كان يشغله نقد- وسكرتير (تنظيمي، مالي، إعلامي و ثقافي) بجانب سكرتيرين آخرين لمهام أخرى تحددهم وفق مقتضيات العمل.
    عدم الحاجة لمؤتمر
    وفقاً لهذه المعطيات فإن الحزب الشيوعي وطبقاً لنصوص دستوره فإنه لن يحتاج لعقد مؤتمر عام استثنائي لانتخاب سكرتير سياسي جديد خلفاً لنقد نظراً لشغل هذا المنصب يحتاج انعقاد لجنته المركزية التي ستقوم بدورها بترشيح احد اعضائها المنتخبين لشغل منصب السكرتير السياسي الجديد للحزب.
    قائمة المرشحين
    استناداً لنصوص دستور الحزب فإن قائمة المرشحين لشغل هذا المنصب لن تخرج بأي حال من الأحوال عن اعضاء اللجنة المركزية الذين انتخبهم المؤتمر العام الخامس واعلنهم الحزب حيث يوجد اعضاء منتخبون فضل الحزب حجب اسمائهم، وبالتالي فمن البداهة أن لا يكونوا ضمن الاعضاء المتنافسين على منصب السكرتير السياسي للحزب.
    السبب الدستوري لاقتصار قائمة المرشحين على اعضاء اللجنة المركزية دون غيرهم يعود لنص الدستور الذي اجازه المؤتمر العام الأخير لانتخاب السكرتير السياسي من بين اعضاء اللجنة المركزية المنتخبين من قبل المؤتمر العام.
    طبقاً لذلك فإن اسماء المرشحين لن تخرج عن اعضاء اللجنة المركزية الـ41 الذين سبق الإعلان عنهم عقب المؤتمر العام الخامس في يناير 2009م مع ضرورة الاشارة لوجود تحولات مرتبطة بتلك الاسماء لعل من بينها وفاة عدد من اعضائها على رأسهم التجاني الطيب بابكر وفقدان آخرين لعضويتهم جراء استقلال دولة جنوب السودان وعلى رأسهم عضو الكتلة البرلمانية للحزب في الجمعية التأسيسية عقب انتفاضة ابريل جوزيف مديستو.
    الخيار النوعي
    عند التمعن في قائمة اسماء اللجنة المركزية نجدها تتضمن اسماء (6) نساء وهن (نعمات كوكو، نور الصادق العوض، آمال جبر الله، بثينة الخرساني، نعمات مالك، سعاد إبراهيم أحمد وهنادي فضل)، وفي ما يتصل بالعمال فنجد على رأسهم النقابي من الله عبد الوهاب أما المزارعون فيوجد ابرز قيادات تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل النعمة النعيم.
    ولعل تلك الأسماء تشير لإمكانية اتخاذ الشيوعى توجهاً غير متوقع بتقديم كادر نوعي في منصب السكرتير السياسي لتحقيق رمزية معينة – كالدفع بأمرأة أو عامل أو مزارع على قيادة الحزب- إلا أن هذه الخطوة قد تعرقلها ويحد من امكانية تنفيذها خوف الحزب وقلقه من تقديمه لقائد بديل لا يقارب عطاء نقد سياسياً وفكرياً وتنظيمياً سيما في المرحلة القادمة.
    المواصفات المطلوبة
    بشكل عام فإن الشخص المرشح لشغل منصب السكرتير السياسي وقيادة الحزب الشيوعي السوداني يستوجب أن تنطبق عليه عدد من المواصفات السياسية والتنظيمية والفكرية، فعلى الصعيد التنظيمي يجب أن يكون من الكوادر العاملة والمتمرسة في العمل السري والتي سبق لها العمل في دهاليز العمل التنظيمي للحزب، أما سياسياً فيستوجب على تلك الشخصية أن تكون صاحبة حضور جماهيري وسياسي وسط الجماهير والقوى السياسية، أما فكرياً فيجب أن تتصف بالقدرة على انتاج الأفكار وتطويرها.
    تلك المعطيات تعني ضمنياً أن الشيوعي لن يقدم لقيادته شخصية مغمورة وهو ما سيجعل التنافس محصوراً بين الشخصيات الذائع صيتها لعدة معطيات اولها أن الحزب يريد تقديم شخصية تستطيع أن تملأ الفراغ الناتج عن غياب نقد وليس اهدار الوقت في التعريف بها، ثانيهما أن الشخصيات المعروفة ستبعث برسالة اساسية وجوهرية لاعضاء الحزب وحلفائه والمتعاطفين معه بأنه قادر على امتصاص الصدمة وتجاوزها ومقدرته على تسيير الامور وإعادتها لنصابها.
    عوامل مساندة
    منذ المؤتمر الأخير للشيوعي تسربت معلومات تشير لاحتدام التنافس بين القياديين بالحزب سليمان حامد ود.الشفيع خضر للتنافس على منصب السكرتير السياسي للحزب أو على أقل تقدير وضع الرجل الثاني في الحزب. وبغض النظر عن ما اسفر عنه ذلك التنافس فإنه امر لا يثير القلق باعتباره حقا مشروعا لأي قيادي بالحزب في أن يطمح للترشح لشغل مناصب حزبية ارفع.
    يتقاطع حامد وخضر في العديد من الجوانب المشتركة وربما يتفوق احدهما على الآخر في مضمار معين، فكلا الرجلين تنطبق عليه المواصفات السياسية والتنظيمية والفكرية. ورغم أن الشفيع يبدو اكثر غزارة في ما يتصل بالمساهمات النظرية من خلال كتاباته ومقالاته الصحفية المنشورة في صحيفة (الميدان) وغيرها من الصحف مقارنة بالمقالات ذات الطابع السياسي والاقتصادي لحامد المنشورة في (الميدان) ولكن من بين النقاط التي قد تؤثر على حظوظه هو ابتعاده عن النشاط الجماهيري الاعلامي حيث لم يترشح ضمن اعضاء الحزب في الانتخابات الاخيرة أو يشارك في الندوات الجماهيرية المفتوحة، على عكس حامد الذي ترشح في الانتخابات الاخيرة ويشارك في الندوات الجماهيرية المفتوحة بشكل كبير.
    النقطة الأهم التي قد تكون سبباً في عرقلة تقدم خضر نحو القمة وتصب ايجاباً لصالح دعم حامد تتمثل في الاتجاه العام الذي كشفه المؤتمر العام لأخير للحزب والذي اظهر حرصا شديدا من الحزب على عدم اجراء تغييرات جذرية كاملة في اطروحاته وبنياته التنظيمية، وبالتالي فإن هذا التحليل إذا صح فبإمكانه أن يشير لتقديم حامد لمنصب السكرتير السياسي باعتباره فعلياً هو في منصب الرجل الثاني في الحزب بهدف الحفاظ على استقرار الاوضاع التنظيمية الداخلية.
    أما على الجانب الآخر فإن ذات المعطيات ستخدم خضر في اتجاه آخر وهو اهتمام الحزب بالاصوات الشبابية الداعية لإحداث تغيير وتحديث في صفوف قيادته العليا وهو أمر قد يدفع به في صفوف متقدمه ضمن التشكيل القيادي للحزب وربما يصبح الرجل الثاني بالحزب ووقتها سيكون الشيوعي قد حقق الهدفين معاً "حافظ على الشكل القديم وتحرك نحو الدفع بالأجيال الشابة ضمن صفوف قياداته"، سيما أن مثل هذه الخطوة سيكون لديها مردود ايجابي وسط انصاره والمتعاطفين معه.
    الدلالة الرمزية
    بخلاف ذلك فتوجد دلالة رمزية اخرى ترجح نوعاً ما اختيار حامد لخلافة نقد والمتمثلة في قيامه بمباشرة مهام متصلة بالسكرتير السياسي خلال فترة مرض نقد ظهرت على المستوى الاعلامي كمخاطبته لتشييع عضو اللجنة المركزية للحزب ورئيس تحرير (الميدان) التجاني الطيب انابة عن الحزب، أو استقباله لوفد النائب الأول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه ابان زيارته لنقد في مرضه الأخير بمنزله وشكره واعتذاره باسم الحزب للنائب الأول والوفد المرافق له عن قبول عرض الحكومة بتكفلها بعلاجه، مبيناً أن الشيوعي قادر على تحمل تكاليف علاج قائده.
    وتبقى النقطة الاساسية والتي تتمثل في صعوبة التكهن ومعرفة الخطوة القادمة التي سيقدم عليها الحزب الشيوعي، ولذلك فليس من المستبعد أن يقدم على خطوة مفاجئة وغير متوقعة في ما يتصل باختيار خلفية نقد تؤدي لقلب التوقعات رأساً على عقب وتجعل المشهد بحاجة لترتيب الاوراق مجدداً ومرة اخرى.



    السوداني
                  

03-25-2012, 10:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    ياسر عرمان يكتب ...

    نقد : الفناء في محراب الشعب وسباق المسافات الطويلة


    من اليمين الراحل ابراهيم زكريا ثم الراحل الاستاذ التجاني الطيب ثم الفقيد الاستاذ محمد ابراهيم نقد ثم الراحل قاسم امين العام 1952 في براغ SudaneseOnline: سودانيزاونلاين
    نقد: الفناء في محراب الشعب


    وسباق المسافات الطويلة


    رحلوا تباعاً، محمد وردي، محمد الحسن سالم)حميد)، ومحمد ابراهيم نقد، القادمون من الشمس مملكة الضياء، والنور والخير في الاصل ياتى من عيون الاوفياء، رحلوا وكاني بهم على موعد مشترك نحو رحلة أخرى عند مليك رحيم . ثلاثتهم (محمد ومحمد ومحمد) احبوا السودان مليون ميل بالتمام والكمال وبالاخوة الشريفة، واتت الرياح بعكس ما اشتهت انفسهم وسفنهم، وكانوا ابناء سرحته الذين غنوا له ولشعوبه جميعا وقد خلقوا من اجل التعارف . احبوا السودان باقوى يقين وأزهى حماس وخدموه بكل ما ملكوا من مواهب وحواس، وطاقات وقد عرف ملاك الموت كيف ينتقي أقمار باهرات ونفوس عامرة وزاخرة بحب السودان .


    ونحن مانزال نكابد رحيل (حميد) ونخوض في بحر فجيعته ويعتصرنا الم غياب صديقنا واخانا الذي لم تلده امنا محمد الحسن سالم مع ضوء النهار واذا بالاستاذ محمد ابراهيم نقد يتوارى عند مدن الضباب .


    محمد ابراهيم نقد زاهد وناسك ومتصوف في محراب الانسانية أزمنة طويلة عمل وتمنى الخير للفقراء والمحرومين والغلابة من بنات وابناء شعبنا ودخل الى الدنيا فقيرا وخرج منها فقيرا كما يقول المتصوفة الا من محبة شعبه وعارفي فضله وكان مدرسة خرجت اجيال عديدة ومتواضعا حد التواضع وسريع البديهة خفيف الظل حاضر النكتة .


    محمد ابراهيم نقد مفكر خلف بصماته الخاصة واسهاماته في نضال حركة التقدم الاجتماعي في السودان وهو من عصر مجموعة نادرة من المناضلين في سباق المسافات الطويلة لم يتسرب اليأس لنفوسهم منذ أن تسرب الوعي لعقولهم على الرغم من طول المسافة والطريق، ولم يبدلوا تبديلا، في بدايات نضالهم كانوا غرباء وطوبى للغرباء، اعطوا زهرة شبابهم وكامل حياتهم على وجه البسيطة واهدوها لشعبنا دون من او أذى وبذا استحقوا احترام كل المناضلين من مختلف المدارس الوطنية. والاجيال القادمة ستجد في نموذجهم درسا ممتازا في معاني التضحية والفداء والوفاء والانحياز الى صف الفقراء، ودوما فان رايات العدالة الاجتماعية هى انبل الرايات ظلا وتستحق البسالة والتضحية، كما ان الحياة دون قضية لعنة. وان عمر الانسان فسحة قصيرة وعلينا ان نترك الحياة افضل مما وجدناها، مهما طالت المسافات وتباعدت الطرق.


    يمكن القول بكل ثقة واطمئنان ان الاستاذ محمد ابراهيم نقد لم يشارك في جلد الشعب بالسياط كما لم ياكل مال الشعب بالفساد، وحظي بالاعجاب وحقق رصيد عند سودانين كثر لايتفقون مع حزبه ولكن كانت له القدرة على مد حبال الوصل معهم وتلك والله مهارة .


    في البدء والختام اصالة عن نفسي ونيابة عن الحركة الشعبية ورئيسها مالك عقار ونائب الرئيس عبدالعزيز ادم الحلو نتوجه بالتعازي الحارة لاهله ونخص اسرته التى لم تبخل عليه بالمؤازرة طوال حياته نساء ورجال وتعازينا لحزبه الشيوعي والى اصدقائه ولنعمل معا من اجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام الدائم والتنمية المستدامة، وحق الاخرين في ان يكونوا اخرين، وتوحيد السودان شمالا وجنوبا وحدة بين دولتين مستقلتين . ولنعمل معا من اجل سودان جديد .


    ياسر عرمان


    الامين العام للحركة الشعبية


    24 مارس

    2012

                  

03-25-2012, 03:55 PM

البحيراوي
<aالبحيراوي
تاريخ التسجيل: 08-17-2002
مجموع المشاركات: 5763

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    الأخ الكيك

    تحياتي - ربنا يرحم ثلاثينا الإنساني السوداني بالجنة ويجعلها مثواهم الأخير ويلهمنا الصبر الجميل ويقدرنا على فهم جليل أعمالهم وترجمتها للأجيال السودانية قولاً وعملاً لأن رحيلهم المادي يضعنا أمام تحدي كبير في الحفاظ على الوطن وإنسانه الذي غنى له وردي وكتبه حميد شعراً عذباً وأفاض فيه نقد مواقفاً إنسانية ومبدئية ذهبوا وتركوها للسودان وإنسانه فالنعض عليها بالنواجز ونفعّلها ونترجمها في حياة الباقين من بني السودان.

    العزاء لكل من شق عليه رحيل تلكم الكواكب النيرة

    إنا لله وإنا اليه راجعون

    بحيراوي
                  

03-25-2012, 04:35 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: البحيراوي)

    04f6f1980840be.jpg Hosting at Sudaneseonline.com





    04f6efde44f74d.jpg Hosting at Sudaneseonline.com








    04f6f19bc63664.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

03-25-2012, 06:04 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    .
    NOGOD3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    لوحــة من رسم الفنان المرضي



    في وداع فَرَّاج كُربَة الهمّ القَّبايلو يزِحَّـنْ



    إلى محمد إبراهيم نُقُد في عليائه :
    (1)
    نُمت غريراً ومسحت أدمع الباكيات .و في أحلك حلقات الخناق التي كانت تحاصرك وتطلب رأسكْ ، كنت تُطيب أفراح أبناء وبنات حزبك . تأتي لأفراحهم وأتراحهم مُتخفياً ترتدي لباس العامة ، وتلعب الصقرية عند غناء أفراح الزواج وتُبارك وتتمنى النبات بالبنين والبنات والسّعد. عشتَ متخفياً ومتنقلاً بين بيوت العامة من أبناء وبنات شعبك ، لا بيت مملوك لك ولا حرزاً تخاف عليه، ولكنك قبّلتَ أرض موطنك وملكت قلوب الأوفياء . سيرتك مداد من نور يسطع خير سيرة لأنقي الذين وهبوا حياتهم لشعبهم ، وذهبت مرضياً عليك من كل الذين يحبون السودان الواحد .حياتك صفحة مورقة . بوجودك ثبَّتَ حزبك الديمقراطية نهجاً استراتيجياً منذ سبع وعشرين عاماً خلت. كنت ولما تزل رفيقاً بالجميع . سندَ ظهرُك أحمال التاريخ كلها ، ورضيت أن تكون سكرتيراً عاماً منتخباً عندما تهيب المقام الشباب . فكنت سفينة عبرت على ظهرها الصافنات تسبح في الريح بلباس التجديد والحداثة والفن والثقافة ، قلباً وقالباً ، مبنى ومعنى . وعرفت المدخل الحق ليكن منهاج الحزب الثابت هو نهج المصالحة مع المجتمع ومكوناته الثقافية المتنوعة ، و المحبة لأهله الذين زرعوا الخير ولا شك سيحصدون .
    (2)
    كان الراحل أيقونة جيل الحركة الوطنية ، وهب حياته الخاصة والعامة لخدمة شعبه من خلال العمل في مسيرة حزبه ، وسيرته الشخصية كقائد لحزب حمل شعلة الحداثة منذ بواكير الأربعينات من القرن الماضي . واجه وحزبه عنت الحكم الدكتاتوري الأول والثاني والثالث و تحمل ورفاقه مكر الإسلام السياسي الذي تآمر أصحابه على إقصاء حزبه من الحياة السياسية في الستينات وخالفوا أحكام القضاء المستقل . ونحر نظام مايو قيادات من حزبه ، فقاد الراحل الأستاذ " محمد إبراهيم نقد " حزبه في أحلك ظلمات الحياة السياسية صيف العام 1971م، بعد أن تم ذبح قادة من الحزب الشيوعي بدعوى تنفيذ مذبحة بيت الضيافة التي قادتها الاستخبارات الأجنبية ،المعروفة الأصل والنسب وبأيدٍ سودانية ولاذت بالفرار . وفضحت نفسها حين أعلن الرئيس السادات أن الوحدة الثلاثية الفوقية التي ضمت دكتاتوريات مصر وليبيا والسودان قد ولدت بأسنانها في الخرطوم . فاكتملت الحلقة الثانية من التطهير والسحق لأهم قادة الحداثة الثقافية في السودان .

    قدم الراحل حياته الخاصة قرباناً لهدف نبيل ،وحرم نفسه من الحياة الطبيعية ومهر سنوات عمره للهدف ، وصار قائداً لحزبٍ عُرف عند الناس بعفة اليد ، رغم ملاحقة الإسلام السياسي له ولحزبه بتُهم الكفر والخروج عن الملّة ، آملين قتل الحياة الإنسانية والثقافية والفنية التي لما يزل يبشر بها ولبثّ الكراهية لدى عامة الشعب والبسطاء ، وفشلوا.
    (3)
    الأرض تغتني بكَ كنزاً ، ربما تعود للحياة سُنبلةً بلون فرح الشعب بمستقبله زهوراً ناصعة في الوجدان .حياتك وارفة ، وخيل ريحك خاضت معارك الوطنية واحدة إثر أخرى . فيموت الجسد الناحل وتبقى الفكرة . كَنَسَت سيرتكَ كل سير الذين وقفوا بكروشهم ليغطوا الشمس وبريقها فخسروا . للشعب موعدٌ لا يشبه مواعيد الثورات الفطيرة ، وربيع وطننا لن يقهره جيش الدكتاتورية الإسفيري أو شرطته أوعساكر جيشه أو أمنه المسيّس . بدأت الدنيا بكلمة ، وتنبت الكلمة فكرة ، وتأتي الفكرة بالريح يقصف كل مرابع الخزي والعار التي يحاول أصحاب السلطان أن يمسخوا بها أبناء وبنات الشعب السوداني النبيل وتحويلهم إلى سارقين ومرتشين ومغتصبي أطفال وضعيفين مولولين أمام فجرهم الكاذب . ألف تحية لأبناء وبنات الشعب السوداني ، فهو أبيّ بهيّ ، تلد نيرانه جمراً ، كما تلد نيران أعدائه الرماد .

    للراحل من الدراسات والأسفار : قضايا الديمقراطية في السودان - حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية - علاقات الأرض في السودان: هوامش على وثائق تمليك الأرض - علاقات الرق في المجتمع السوداني - حوار حول الدولة المدنية. ودراسات تخص حزبه .

    ألف وردة تتفتح في ذكراه العطرة ، التي تقف شامخة بين الذين حملوا أوطانهم في صدورهم . ألف سلام عليه حين وُلد وحين رحل وهو مقيم في قلوب الأوفياء لأوطانهم . قدّم ما استطاع لخدمة الوعي ودخل وحزبه وجدان شعوب أهل السودان وأسهموا في تفجير طاقات الشباب الفنية والثقافية والاجتماعية بالقدر الذي أصبحت تحمل شعلة الفكر والتجديد والحداثة .
    أللهم اسكنه مسكن الصديقين وأدخله الجنان الباسقة التي وعدت الذين أحببتهُم بالنعيم الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر .

    {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }البقرة156

    عبد الله الشقليني
    25/3/ 2012 م

    *
                  

03-25-2012, 06:15 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: عبدالله الشقليني)
                  

03-25-2012, 09:42 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: عبدالله الشقليني)

    كلمة الإمام الصادق المهدي في تأبين الأستاذ محمد إبراهيم نقد الأحد, 25 آذار/مارس 2012


    2 1:11
    مقابر فاروق- صباح الأحد 25 مارس 2012 بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه،

    كتب أبو العلاء المعري إذ كتب على شاهد قبره: هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد، فقد عاش بعد موته في شعره وفي فلسفته ولم يمت. وصدق إبراهيم عليه السلام إذ قال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ) [1] أي حسن الثناء بعد وفاته. إن للإنسان حياة بعد الموت عند رب العالمين، وفي الدنيا كذلك في خالد الأعمال. أنعي للشعب السوداني فقيد الوطن الأستاذ محمد إبراهيم نقد الذي تخلده بيننا أعماله:

    أولا: كان مناضلا جسورا من أجل وطنه ومبادئه،

    وما من مناضل إلا التقاه في مخبأ أو سجن أو منفى أو حشد أو لقاء جامع، وهناك عرف فيه شخصية فيها التسامح والتواضع وحسن الخلق، عبر عنها بصورة كبيرة، والتواضع كما تعلمون هو خير الأعمال لأن فيه فرق ما بين المظهر المتواضع والمخبر (الجوهر) العظيم، والناس تجسّر الهوة بينهما لذلك قيل الارتفاع بالاتضاع، هذا هو شعارٌ نشيعه به لسلوكه في هذا المجال.


    ثانيا: كان الراحل راهبا في التبتل والفدائية من أجل المبادئ التي يؤمن بها، صمد صمودا في كل الظروف التي واجهته، صمودا لا يعرف ولم يعرف مع مرونة التعامل أية حالة من حالات الذبذبة أو التراجع.

    ثالثا: كما هو معلوم الدين شعائر وعقائد يحاسب عليها ليس الناس بل الله وحده هو الذي يحاسب على هذه الأمور لأنها علاقة بينه وبين الناس، ولكن الشيء الذي نحاسب عليه نحن البشر هو أمران سلوك الإنسان في أخلاقه إن كان خلوقا ومنضبطا في هذه الأخلاق، ثانيا إن كانت معاملاته مع الناس تقوم على العدالة لأن العدالة هي ميزان العلاقات الطيبة بين البشر،

    والحقيقة أن البشر عندما يدركون حقيقة أن هذا الشخص، دون تفتيشٍ عما يعتقد، إنه يسلك سلوك مكارم الأخلاق ويتعامل مع الآخرين بالعدالة كما فعل الراحل هم يحكمون له على أساس أن أخلاقه الذاتية ومعاملاته العدالية مع الآخرين قائمة على هذا الميزان. طبعا الحبيب الراحل ينتمي لفكرٍ محدد. نحن نقول إن الماركسية كانت احتجاجا أساسيا وحقيقيا ضد مؤسسة دينية منحازة لطبقات مستغلة، كذلك احتجاج على رأسمالية متوحشة تظلم الطبقة العاملة، لذلك كانت احتجاجا على هذه المعاني ولكن حدثت تطورات، التجربة اٍلسوفيتية وما فيها من مآخذ كما أن الرأسمالية بدأت تطل بوجه آدميٍ،

    كما أن المؤسسة الدينية بدأت تتحدث حتى في الغرب بما هو معروف: لاهوت التحرير، إذن تغيرت الصورة، ولتغير هذه الصورة صرنا نتطلع لوجود أفكار تقارب بين الناس لا تفرق بينهم في إطار معانٍ محددة، معانٍ تقول إننا يجب أن نتفق على حقوق الإنسان لا حقوق الطبقات على أساس أن حقوق الإنسان صارت هي الرابط المشترك بين أهل الإنسانية، كذلك اقتصاد السوق الحر وهو مهم لمسألة الإنتاج لكنه ليس كافيا لأنه يفتقد العدالة فلا بد إذن من عامل العدالة. رابعا: الديمقراطية آلية محايدة يمكن أن تستخدم للتعبير عن حقوق الشعوب لا عن اضطهاد الشعوب،

    كذلك الولاء الوطني ضرورة ولكن الولاء الوطني أيضا ينبغي أن ينفتح لمعاملات أوسع منه ليسع معاني الإنسانية كلها. الدين بالإضافة للعلاقة بالغيب هو ثقافة الشعوب وهو أخلاق الشعوب لا يمكن طرده ولكن يجب ألا يستغل لنزع حقوق الشعوب بل هو الضامن لحقوق الشعوب في العدالة والحرية والكرامة هذه هي المعاني التي ينبغي كلنا في هذا المشهد أن نذكرها وأن نركز عليها ونقول هذه الحقائق تفتح أبوابا فكرية واسعة للتعايش الفكري بين الناس، أما المسألة السياسية فنحن الآن في بلادنا نعاني من حصار ثلاثي فيه الحروب المشتعلة والاقتصاد المنهار، والحصار والملاحقة الدولية، هذا كله يدعو للخروج من هذا المستنقع بنظام جديد لا بد منه وينبغي أن تتعدد الوسائل إليه، وكان مقدرا أن يكون للحبيب الراحل دور مهم في الوسائل لإقامة هذا النظام الجديد،

    من هنا نفتقده، ونقول له: أمام قبرك نقول: أولا:

    نشهد أنك طعّمت فكرك بالنكهة السودانية، فقبل الناس هذا المذاق وبادلوك هذه المشاعر.

    ثانيا

    السلام العادل الشامل أمانة في أعناقنا ينبغي تحقيقه وتفويت كل الفرصة لدعاة الحرب والفرقة

    ثالثا:

    إقامة نظام جديد واجب وطني ولو كنا في مكان السلطات القائمة لكانت قد أدركت اليوم أن أغلبية هذا المشهد قوم يريدون هذا النظام الجديد فهذه دورس مجانية لهم إن أدركوا وفهموا ذلك دون صدام، هذا درس مجاني لهم بأن هذا الشعب المقدام الصامد يريد هذا التغيير الحقيقي لكي نطرد دولة الحزب ونقيم دولة الوطن، هذه المعاني صارت واجبا وطنيا ومن قرأ هذه الساحة يقرأ بسلام وسلاسة هذه المعاني.

    رابعا:

    هناك علاقة خاصة يجب أن نقيمها بدولة الجنوب هؤلاء إخوتنا يجب أن نصم آذاننا تماما عن دعاة الفرقة والعنصرية الاقصائيين الذين يريدون زرع الفتنة بين الناس. علاقة السودان الخاصة بدولة الجنوب أمانة في أعناقنا جميعا. خامسا: ينبغي أن نسعى ونقول أمام قبر هذا الراحل لا لدستور استقطابي يميز بين الناس، ينبغي أن نسعى لدستور يجسد الأفكار والمشاعر والمبادئ التي تجمع السودانيين ولا تفرق بينهم لبناء الوطن. وأخيرا نقول "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى عِيَالِهِ" [2]، وقد كان الفقيد الراحل يسعي دائما لخير عيال الله، لخير الخلق، ولذلك وقد قال تعالى عن كل من يفعل ذلك (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [3] رحمك الله رحمة واسعة وأحسن عزاء أسرتك الخاصة وأحسن عزاء زملاءك وأحسن عزاء الشعب السوداني الذي عبر لك بمشاعره ووجوده وشعبيته وجماهيريته عن هذه المشاعر فبادلك مشاعر بمشاعر،

    وكنت إذا عشت ستواصل هذا الدرب، المعاني هذه التي كنت تجسدها ستبقى مهما فنيت العظام والأعصاب لأن هذه المعاني باقية، وكذلك فإن مكارم الأخلاق لا تموت، ومقياس العدالة لا يموت، هذه المعاني نحن إن شاء الله سنعمل بكل ما نستطيع لتوحيد الكلمة حولها ونقول: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [4] وقال تعالى مطمئنا لنا جميعا (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) [5]. أحبابي وأخواني السلام عليكم في ختام هذا الكلام ونحن إذ نرفع الأكف لله سبحانه وتعالى أن يرحمه وأن يحسن عزاءنا جميعا وأن يحسن خلاص هذا الوطن الذي هو في أمس الحاجة إلى هذا الخلاص من هذا المستنقع الذي يعيش فيه. والسلام عليكم ورحمة الله.




    ---------------


    نقد: قنديل سماوي ..

    بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم الأحد, 25 آذار/مارس 2012 20:57 Share


    من أدق ما وُصف به الراحل محمد إبراهيم نقد أنه راهب سياسي. وتنبع قيمة هذا الوصف من أنه يوطن الفقيد في الجيل اليساري الأربعيني. وهو جيل "مفطوط" في التأرخة للفكر السوداني. فمؤرخو الفكر ينطون من جيل الثلاثينات، جيل الهوية، إلى جيل الستينات، جيل الهوية الآخر. وجيل الأربعينات أخطر وأنفذ. فهو الذي جاء بسنة التفرغ لوجه القضية الوطنية من موقع الكادحين. افترع السكة أستاذنا عبد الخالق محجوب وهو ابن اثنين وعشرين عاماً في 1949. وتنادوا لنار القضية كالفراشات. وتميز عنهم نقد، الذي أعقبهم بسنوات، بأمرين. فقد جاء للتفرغ ولم يعلق بجيبه وضر "الماهية".

    فحتى عبد الخالق انحنى للوظيفة إكراماً للأسرة وذاق مرتب شهرين أو شهرين اشترى منهما جهاز راديو لها وشهلهم للعيد. ثم امتعضت نفسه وعاد لنار الشعب المقدسة. وعمل المرحوم التجاني الطيب بالأحفاد نوعاً ما. أما الأمر الثاني، الذي ربما شاركه فيه واحد أو اثنين، فهو طول تخفيه بتحت الأرض الشيوعي حتى بلغ نحو ثلث القرن. ولم يأذن العمر بالطبع لآخرين بهذه الخصيصة. وفر جسد نقد المسجى الآن، وجسد التجاني قبله، للسودانيين أن يقرأوا كتاب ذلك الجيل بما لم توفره مذكراتهم الغائبة إلا التي لكامل محجوب وعلي محمد بشير ومصطفى السيد.

    ولا حملت فدائتهم للناس أدوات الفن والتسجيل التي يبرع فيها الشيوعيون غالبا. ووجد الناس على بينة الجسد المسجى في الشيوعيين ما عرفوه عنهم من وطنية في قرارة أنفسهم وأنكروه لجاجة بالخوض في "عمالتهم" و"غربة" أو استيراد فكرهم. واللجاج حبله قصير. فجسد نقد المسجي يشع الآن كالقناديل السماوية على خلفية ظلام مطبق لاقتصاد للباطل: " لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ" استعبد فيه "القرش" من ولدتهم أمهاتهم أحرارا. ولا مهرب من هذه القراءة المنصفة الآن لنص جسد نقد والناس يرونه يترك الفانية ولم يعلق به منها شيء بينما يتفانى فيها القوم ويفنون: يتطاول المعمار ويشحُب الوجدان. وجعل سادة هذا الاقتصاد منها حقاً "داراً للخنا والتبذل" في قول عبد الله الطيب. الجسد نص قح في معنى أنه سيد الأدلة في القضية.

    وسبق لي في هذا السياق أن عرضت جسد المرحوم محمود محمد طه كمحكمة لقتلته. فليس منهم من ترهبن رهبنته في طلب الحق وجهر بما عرف منه. وتدلى جسده من المشنقة كالمانجو لمعة ونضجاً فأخذى مغتاليه إلى يوم الدين. كذلك ينصب جسد نقد (الذي لم يدخل غمده بعد) مجتمع اقتصاد الباطل في محكمة. فيرى سادة هذا الاقتصاد بأم عينهم جسداً، رقيق خيط شلة، احتسب (في عبارة موفقة لمحمد عبد الماجد) عمره للكادحين. لم يضق بعقيدته 60 عاماً حسوما بينما يخلع آخرون عقائدهم عند كل بارقة. بزهادة نقد المبدئية والتزامه المستضعفين لعقود استطالت صاهل أقانيم الصوفية العتيقة: دنيا يملكها من لا يملكها أغنى أهليها الفقراء طبت حياً وميتاً يا رفيق
                  

03-26-2012, 05:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    تشييع حاشد لزعيم الحزب الشيوعي السوداني
    الإثنين, 26 مارس 2012
    الخرطوم - «الحياة»
    شيّع آلاف السودانيين أمس زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد إلى مثواه الأخير في الخرطوم في موكب تحول الى تظاهرة سياسية شارك فيها زعيم «حزب الأمة» الصادق المهدي والأمين العام لـ «حزب المؤتمر الشعبي» حسن الترابي والرئيس السابق عبدالرحمن سوار الذهب وسط إجراءات أمنية مشددة.

    وانطلق موكب التشييع من منزل الراحل إلى مقر حزبه في وسط الخرطوم، ومن هناك اتجه المشيعون سيراً إلى مقابر فاروق حيث ووري الجثمان الثرى هناك. وطاف المشيعون بالنعش حول المقابر قبل الصلاة عليه ودفنه.

    وردد مشاركون هتافات مناهضة للحكومة وأخرى حزبية، بينها اهازيج الحزب الشيوعي المعروفة: «حرية سلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، و «عاش نضال الشعب السوداني البطل»، قبل أن تواكب مراحل دفن الراحل الكبير بالتهليل والتكبير، لتعود وهي مغادرة المقابر وهي تردد: «الشعب يريد اسقاط النظام». وقال منظمون من الحزب إن «الجماهير لم تلتزم قرار الحزب بأن يكون الموكب صامتاً».

    وقال الصادق المهدي مخاطباً المشيعين: «كان الفقيد مرناً ومتسامحاً مع نفسه والآخرين، وأهل السودان جاؤوا في هذا المشهد الحاشد ليبادلوه المشاعر نفسها». وأضاف: «كان زاهداً في الدنيا ومتواضعاً لأبعد الحدود، ضحى بحياته الشخصية في سبيل المبادئ التي يؤمن بها وعلى رأسها مناصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض».

    وقال الترابي إن نقد «كان محباً للخير وكانت له كاريزما عالية داخل الحزب العقائدي وقاد الحزب في ظروف بالغة التعقيد، وكان متمسكاً بمبادئه السياسية». وشارك في الجنازة وزير شؤون الرئاسة بكري حسن صالح، لكنه رفض الحديث للصحافيين. وقال لـ «الحياة» قبل مغادرة المقابر إنه حضر «نيلاً للأجر وتأدية للواجب».

    وكان نقد توفي في لندن الخميس الماضي عن 82 عاماً بعد صراع مع المرض. وهو تولى زعامة الحزب الشيوعي منذ العام 1971، وعاش 30 عاماً من حياته مجبراً على العمل تحت الأرض، منها 19 عاماً في عهدي الرئيسين السابقين ابراهيم عبود وجعفر النميري و11 عاماً في عهد الرئيس الحالي عمر البشير


    -------------


    أفق بعيد

    نقد: محطات مهمة

    فيصل محمد صالح
    [email protected]

    حين تفتح صفحات التاريخ لمراجعة صفحة محمد إبراهيم نقد، من مبتدأها وحتى النهايات، سيعرف الناس الدور الذي لعبه الرجل في تاريخ حزبه ووطنه. المقارنة بواقع الحزب الشيوعي اليوم مع المحطات القديمة مسألة ظالمة للحزب وللرجل، المقارنة المنطقية والموضوعية لا بد أن تستصحب الظروف التي جاء فيها محمد إبراهيم نقد لسدة القيادة، ونوع التحديات التي واجهها.
    انتخبت اللجنة المركزية محمد إبراهيم نقد سكرتيرا عاما في 1971 ولم تجف دماء قيادات الحزب بعد المذبحة التي نفذها نميري، وكانت سيوف النظام وأسلحته لا تزال مشهرة تطلب المزيد. تقدم نقد في بسالة وبطولة نادرتين ليتقدم صفوف الحزب، وهو يعلم أن رأسه ستكون المطلوب الاول في أجندة النظام الأمنية.
    كان عليه أن يلملم أطراف الحزب التي تمزقت، أو ما تبقى منها، وأن يعالج جسد الحزب المثخن بجراح الأعداء وذوي القربى، وأن يجمع مالم يصل ليد النظام من اسرار الحزب ومعلوماته الداخلية وتاريخه الطويل. لكن المهم أن نعرف أنه كان يفعل ذلك في الاختفاء، ويدير العمل من تحت الأرض، وما تبقى من عضوية الحزب معلومة ومعروفة لأجهزة النظام بفعل من انضم لصفوف النظام من قيادات الحزب السابقين.
    ظل نقد ورفاقه يعملون تحت هذه الظروف لمدة 14 عاما كاملة، تتبدل فيها الظروف وتتغير، يدخل التجاني الطيب وبعض قادة الحزب الآخرىن السجون ويظل وحيدا يعافر الأمر إلا من قلة قليلة من الذين أدمنوا الصمود.
    هكذا ظل الأمر حتى حدوث الانتفاضة الشعبية في ابريل 1985، حينها تنفس نقد هواء الأرض من فوقها للمرة الأولى، وواجه تحيات العمل العلني والمكشوف بكل ما يتطلبه من امكانيات وقدرات هائلة لم يكن الحزب يملك منها شيئا، دور للحزب في كل مكان، صحيفة تنافس عشرات الصحف اليومية، مرتبات واحتياجات الكوادر المتفرغة، وعمل فرعيات الحزب وسط النقابات والمدارس والجامعات، ثم انتخابات عامة بعد 12 شهرا.
    رغم كل هذا دخل الحزب الشيوعي الجمعية التأسيسية بثلاثة نواب، وكان هذا حدثا معجزا في حينه. دخل البرلمان الحزبان التقليديان الكبيران بثقلهما التاريخي ومراكز تأييدهما التقليدية، والجبهة الإسلامية التي بنت نفسها من داخل نظام نميري، ولم يدخل من دوائر الشمال بعد ذلك إلا الحزب القومي صاحب النفوذ التقليدي بين أبناء جبال النوبة والحزب الشيوعي.
    ولم يهنأ الحزب الشيوعي وبقية الشعب السوداني بالنظام الديمقراطي كثيرا، إذ جاء انقلاب الإنقاذ، وعاد الحزب للعمل تحت الأرض مرة أخرى. بمعنى أنه ومن بين 40 عاما تولى فيها نقد قيادة الحزب الشيوعي، ظل مختفيا فيها يعمل من تحت الأرض حوالي ثلاثين عاما. وحتى في العشر التي تبقت فإن منها ست سنوات منذ خروجه عام 2005 يمكن اعتبار المساحة التي تحرك فيها الحزب محدودة ومقيدة.
    ثم إن الحزب واجه زلزال انهيار المعسكر الاشتراكي وتبعاته الكثيرة، ولولا جذوره السودانية القوية، وعمله الدائم على توطين نفسه في هذه التربة لأخذته الرياح بعيدا مثلما أخذت غيره من الأحزاب الشيوعية.
    وغير ذلك فإن محمد إبراهيم نقدا ظل زعيما سودانيا جدا، في سلوكه وتصرفاته وفي لغته وحكمته في التعامل مع الظروف السياسية المختلفة. لهذا أجمع الناس بمختلف انتماءاتهم وأحزابهم على تقديره ومحبته. لا تحتاج أن تكون عضوا في الحزب الشيوعي لتعرف قيمة ومكانة محمد إبراهيم نقد في الحياة السياسية السودانية، لكن تحتاج لبصيرة قوية وحس إنساني وموضوعي.
    رحمه الله وأحسن إلية بقدر ما قدم لوطنه وشعبه.


    2 | 0 | 413
    --------------


    نُقد.... حكايات المَخَابئ
    موسى حامد


    ثلث عمره، أو ما يُقاربه، أفناه الزعيم الراحل، وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني، الأستاذ محمد إبراهيم نُقد – عليه الرحمة- إمّا في السجن معتقلاً، أو ممارساً لنشاطه السياسي تحت الأرض، مختبئاً من عيون الأجهزة الأمنية وترصداتها وملاحقاتها المزعجة.. أول هذه الاختفاءات كان عقب الإطاحة بنظام عبود في أكتوبر من العام 1964م. والثانية كانت عقب إعدام الأستاذ عبدالخالق محجوب، سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، في العام 1971م. أما الثالثة والأخيرة، فقد كانت في العام 1993م، بعد سنواتٍ قليلة من انقلاب الإنقاذ.


    (1) - في واحدةٍ من صباحات إبريل 2005م، وتحديداً في السابع منه، خرجت صُحف الخرطوم حاملةً في عناوينها البارزة خبر القاء جهاز الأمن والمخابرات القبض على زعيم الحزب الشيوعي السودان محمد إبراهيم نُقد.. الخبر المنشور في صُحف ذلك اليوم صاحبته صورة للزعيم الشيوعي العتيد بصحبة صلاح قوش. مدير جهاز الأمن في تلك (الزيارة) المسائية قطع بعدم جدوى اختفاء نقد، كما دعاه إلى إيجابية نقل نشاطه من (السّر) إلى (العَلن). هذه الحادثة انطوتْ على جديدين: أولهما بالطبع، الكشف عن مخبأ الزعيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي السوداني الذي (دوّخ) الأجهزة الأمنية ولم تستطع بعدتها، وعتادها، وعيونها (البصّاصة)، الكشف عن مكان اختفائه. الأمر الجديد الثاني، كان ظهور قوش على صفحات الصحف، وأمام كاميرات التلفزة.. إذ لم يكن غالب الشعب السوداني على معرفةٍ بشكل وملامح قوش إلا يومها. الحزب الشيوعي السوداني من جانبه كان يُعدُّ العدة لإقامة احتفالٍ كبير بالميدان الشرقي لجامعة الخرطوم يُخاطبه نقد، ومن بعده يُعلن تحوّل نشاطه من المخبأ إلى العلن. لكن جهاز الأمن وبما أقدم عليه من كشف لمكان اختباء نقد وجّه ضربة قاصمةً على ظهر الحزب الشيوعي، ولا زال أثر هذه الضربة (حامضاً) و(حارقاًً) في حلوق قيادات الحزب إلى الآن. الاختفاء لم يكن خياراً شخصياً بالنسبة لنقد، بقدر ما كان واحداً من (توجيهات) الحزب بالنسبة له. وعلى قوله فالاختفاء (سلاحٌ فاعلٌ ضد السلطات الديكتاتورية). ففي أول حوارٍ له بعد خروجه من المخبأ لصحيفة البيان الإماراتية، قال الأستاذ محمد إبراهيم نقد، إنّ: (الاختفاء أسلوبٌ وممارسة في ظروف الديكتاتورية والقمع من أجل ضمان وجود واستقرار حلقة صغيرة من الكادر القيادي لمواصلة حياة الحزب ونشاطه، ولو في أضيق نطاق، إذْ أنّ غالبية الكوادر تتعرّض في مثل هذه الظروف للملاحقة والرقابة والاعتقال، والاختباء بهذا المعنى ليس خياراً)..


    . (2) -الطريقة التي كشف بها جهاز الأمن مخبأ نقد كانت قاسية على الشيوعيين، واستطاعوا بكثير صبرٍ تحمُّلها مؤقتاً، لكنّهم- وعلى رأي أحد المسؤولين عن تأمينه- فإنّ الحزب يُحمّل نقد شخصياً ما حدث، فعليه فقط تقع مسؤولية معرفة العيون الأمنية لمحل اختفائه.. ربما السبب في ذلك مرض والدته وزياراته المتكررة لها. وربما لأنّه غشيته قناعة بعدم قدرة الأمن الوصول إليه،


    وربما لأسباب أخرى.. لكن محدثي المسؤول عن تأمين- والذي رفض ذكر اسمه- أكد لي بأنّ الإخفاق الذي أدى الى كشف مخبأ نقد وأوصل (قوش)، ليس لأيّ من المسؤولين عن تأمين نقد يد فيه، كما نفى في ذات الوقت وبشدةٍ أنْ يكون أحد (الزملاء) قد وشى بـ نقد لجهاز الأمن. على العموم فهذه المسألة لم تُحسم بطريقة قاطعة إلى الآن.


    (3) -(كيف كان يُمارس نقد حياته في المخبأ؟).. الإجابة، وعلى رأي مقربين منه أنّه كان يمارس حياته بكل (انطلاق)، إذْ كان يقرأ كل الكُتب التي يوفرها له أصدقائه و(الزملاء) في الخارج والداخل، وكان يكتب كثيراً، ويأكل قليلاً الخضروات والفواكه والزبادي متجنباً- وبصرامةٍ- اللحوم والدهون. كما ظل مواظباً على ممارسة رياضة المشي. هذا من جانبٍ، أما من جانبٍ آخر فللمخابئ وحياة التخفي إيجابيات كثيرة على الأستاذ نقد وعلى غيره، فـ (ربّ ضارةٍ نافعة).. فالمخابئ كان لها أثر كبير على حياة نقد.. واحدةٌ من فوائد المخابئ أنّها جعلت التأليف والكتابة أمراً ممكناً، فقد كتب نُقد جملة من الكتب والمقالات في مخبئه، من هذه الكتب: (حوار حول النزعات المادية).. هذا بجانب العديد من المقالات التي كانت تُنشر بالصحف العربية (البيان) الإماراتية و(الشرق الأوسط). لكن أكثر العناوين التي ألّفها نقد في مخبئه أهميةً كان: (علاقات الرق في المجتمع السوداني)..


    في هذا الكتاب ناقش نقد مسألة الرق وتاريخه في السودان بالوثائق والمستندات، واستطاع أن يُخرس ألسنة منكري هذه الممارسة الاجتماعية في السودان. (4)- ليس التأليف والكتابة وحدها من إيجابيات الاختفاءات لنقد، فقد أكّد لي أحد المقربين من نقد بأنّ الأيام التي كان فيها نقد في المخبأ مختفياًَ كان يشرف على الحزب بشكلٍ أوسع مما كان عليه وهو في (العَلَنْ). ربما كان هذا الأمر راجعٌ الى تفرُّغه لأمر الحزب وقضاياه بالكامل، وبالتالي عدم انشغاله بالمسؤوليات الاجتماعية، إذ كان أمر معرفة مكان اختفائه قاصراً على أشخاص محدودين. على كلٍ، فإنّ الاختفاء والمخبأ، واحدة من المحطات المهمة في تاريخ الراحل الكبير نقد.. وعلى الرغم من أنّه قال بجزء من هذه الأحاديث في الحوارات التي أجريتْ معه عقب خروجه الى (العلن)، إلا أنّه احتفظ بكثير ذكريات ومواقف وطرائف وسيرة، ولم يكتب الله لها أنْ تُسرد، فالرجل يمثّلُ واحداً من الرجال عظماء السودانيين..
                  

03-26-2012, 05:09 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    04f6f1a3934e9a.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

03-26-2012, 05:48 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

                  

03-26-2012, 08:45 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: عاطف مكاوى)


    بمناسبة مرور 54 عاما على الاستقلال (اخبار اليوم) تجري حوار ا توثيقيا مع الزعيم الشيوعي محمد ابراهيم نقد
    حق تقرير المصير يشكل عقبة واذا انفصل الجنوب هذه كارثة
    شهدت البلاد عدم استقرار اقتصادي وانهارت الصناعة بعد الاستقلال
    خلال الـ 54 عاما الماضية هاجرت القوى العاملة نتيجة للاعتقالات والتشريد
    اجرته: عفراء الزاكي


    شهدت البلاد هذه الايام حلول الذكرى الرابعة والخمسين للاستقلال المجيد ورغم مظاهر الاحتفاء بهذه المناسبة العظيمة الا ان واقع الحال السياسي والاقتصادي ببلادنا يشير الى ان البلاد مازالت تصارع ترسبات الاستعمار وتداعياته وانعكاساته السالبة وتحاول التحرر من تلك الانعكاسات التي تمثلت في ازمات صارت ملازمة تسرق بهجة الاستقلال حول هذه المعاني اجرت (اخبار اليوم) حوارا مفصلا بمناسبة مرور (54) عاما على جلاء المستعمر البريطاني مع زعيم الحزب الشيوعي الاستاذ محمد ابراهيم نقد فالى نص الحوار
    اعلان الاستقلال
    الاستقلال الوطني من اكبر الاحداث في تاريخ السودان بعد الاحتلال الانجليزي المصري والحكم الثنائي الذي بدأ باتفاقية الحكم الثنائي بين بريطانيا ومصر 1899م او 1898 واتفاقية الحكم الذاتي التي تم توقيعها في القاهرة في فبراير 53 وجاءت الانتخابات واعلن الاستقلال من داخل البرلمان وهذه كانت خطوة كبيرة تخطت بندا في الاتفاقية بان يكون هنالك استفتاء عن الاستقلال او الوحدة ولكن حدث اتفاق بين كل الاحزاب السياسية الداعية للوحدة والداعية للاستقلال واعلن الاستقلال ومن داخل البرلمان وهذا ساعد في عملية الاستقلال لانه كان حوله اجماع وطني وشعبي ومع هذا الاعلان كان هنالك وعد من الاحزاب الشمالية الحاكمة للجنوبيين ونوابهم لذلك وعدتهم الاحزاب ان تنظرفي الحكم الفدرالي بعد الاستقلال ولكن هذا الوعد لم يتحقق لذلك فان التمرد الذي بدا في الجنوب عام 1955 استمر فترة طويلة جدا
    اتفاقية اديس ابابا عام 1972 وفي نوفمبر 1958 حدث انقلاب عبود العسكري وبعد ذلك اتى نميري ليحكم السودان 16 عاما والان الانقاذ عشرون عاما لذلك منذ الاستقلال حتى الان الحكم حكم عسكري ومصادرة الديمقراطية وقد يقال ان الانظمة العسكرية حققت استقرارا وحلت مشكلة الجنوب واحدثت صناعة ولكن الشعب السوداني من الجانب الاخر اقام ثورة اكتوبر ضد عبود في 64 وانتفاضة ابريل ضد حكم نميري وقاوم حكم الانقاذ الذي اضطر ان يقوم بعمل اتفاقيات مع الجنوبيين ففي هذه الفترة المعالم الاساسية فيها هي انقطاع التطور الديمقراطي المستقر الذي يمكن ان يساعد السودان بان يستقل كل موارده ويؤسس سياسة خارجية مستقرة ومتطورة ومواكبة للتطورات السارية في العالم والسودان في هذا الجانب ليس العنزة الفاردة لان الانقلابات العسكرية حدثت في كل الدول الافريقية المجاورة والعربية لذلك عندما نتحدث عن استقلال السودان لا نتحدث عنه كحدث داخلي وانما حدث اجتماعي وسياسي واقتصادي في اطار المنطقة العربية والافريقية وفي اطار الوضع العالمي ففي هذا الجانب مهما كانت السلبيات اعتقد ان الحصيلة النهائية فيها ما هو ايجابي ان الدولة السودانية ما زالت باقية كدولة لم ينقسم منها اي جزء بالرغم من انه امامنا حق تقرير المصير للجنوب فهذه عقبة امامنا واتمنى ان نتخطاها بتصويت الجنوبيين لصالح الوحدة
    خطر الانفصال
    في رأيي اذا افلح التحالف القائم حاليا او الشراكة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في تنفيذ اتفاقية نيفاشا بانضباط واخلاص وموضوعية يمكن ان ينتج الاستفتاء لصالح الوحدة ولكن الخطر قائم ويمكن ان يكون الاستفتاء لصالح الانفصال واعتقد ان الانفصال سيكون كارثة على السودان لان المشكلة هي ليست ان الجنوب يأخذ استقلاله وينفصل ولكن هذا يهز كل الدولة السودانية فهذا من جهة ومن جهة اخرى اذا نظرنا للدول التي حدث فيها انفصال مثل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فحتى الان مشكلة الانفصال هي معضلة بالنسبة لهم وايضا فيتنام الشمالية والجنوبية وهذه المشكلة لم تحل الا بالحرب عندما استطاعت فيتنام الشمالية ان تقوم بطرد الامريكيين من فيتنام الجنوبية وتوحد فيتنام ككل لذلك فان الوحدة تعتمد على الجنوبيين وحدهم ولكن عندما يكون هنالك شخص مثل الطيب مصطفى يصدر صحيفة الانتباهة فهذه ظاهرة سلبية ترجعنا للخلف
    دور السودان في افريقيا
    ان دور السودان في المنطقة الافريقية هو محاز للدول الاتية: وهي مصر / ليبيا/ تشاد/ افريقيا الوسطى/ الكنغو / يوغندا/ كينيا/ اثيوبيا /واريتريا ويتأثر بتطروات الاحداث في هذه الدول بمعنى ان المعارضة السودانية استفادت من الاراضي الاثيوبية والاريترية في صراعها ضد حكومة الانقاذ وفي ايام نميري معارضة الجبهة الوطنية تحركت من الاراضي الليبية ووصلت حتى الخرطوم ودخلت في معركة مع الجيس السوداني وتشاد في صراعاتها الداخلية ينتقل تأثيرها بسرعة جدا الى دارفور وكذلك الكنغو والاريتريين عندما كانوا في السودان حتى حققوا انتصارهم والاثيوبيين كذلك وبالتالي السودان متفاعل مع دول الجوار بصورة متكاملة وهذا استمرار لمعركة الاستغلال وطبيعتها واشكالها
    الوضع الاقتصادي بالسودان
    حتى الان اقتصاد السودان مبني على تصدير المنتجات الزراعية واستيراد اغلب المواد الصناعية والحديثة وحتى الصناعات التي قامت في فترة ما بعد الاستقلال وفي فترة عبود بالذات وكانت في المنطقة الصناعية بحري ومصانع بابنوسة ومصانع النسيج وغيرها في مدني ولكن الصناعة السودانية في الوقت الحالي في حالة انهيار فاذا ذهبنا الى المنطقة الصناعية بحري لن نجد مصنعا واحدا يعمل وفي السابق كانت هذه المصانع تعمل لدرجة ان السكان غرب المنطقة الصناعية كانو يشتكون يوميا من الادخنة التي تخرجها المصانع وهذا اليوم غير موجودة وان الحصيلة الديمقراطية التعددية البرلمانية لم تستقر في السودان بعد الاستقلال والاقتصاد الوطني وقواعده لم يستقر على قاعدة اقتصادية وطنية قائمة على زراعة حديثة وصناعةحديثة وتجارة خارجية تستفيد مما هو متاح في السوق العالمي ونحن نصدر نفس الصادرات القديمة (فول- سمسم- قطن- صمغ) وهذا لا يكفي
    القوى العاملة بعد الاستقلال
    اان القوى العاملة التي تأسست في فترة ما بعد الاستقلال وهي القوى الشابة ولكن نتيجة للحالة السياسية والاعتقالات والتشريد هاجرت والهجرة لا تأتي من فراغ لان هذه القوى تعرضت لتشريد جماعي وضاقت فرص الحياة امامهم لذلك انتشروا في العالم ويندر ان تجد دولة في العالم لا يوجد بها سودانيون في الوقت الحاضر وهنالك كثافة في دول الخليج والسعودية بالذات وايضا في بعض الدول الاوربية واصبح عدد كبير جدا من الاسر السودانية عائش على حوالات ما يأتي من الخارج
    التعليم بعد الاستقلال
    ولكن هذا لا يعني ان نغفل عن بعض التطورات التي حدثت في بعض الجوانب مثل التعليم فقد حدث انتشار له ولكن نسبة الامية ما زالت مرتفعة وهنالك جامعات كثيرة قامت وهذا شئ ايجابي في تطور السودان ولكن بالمقابل جاءت مشكلة خريجي الجامعات وفرص العمل المتاحة لهم
    المرأة في ميادين العمل
    اقتحمت المرأة ميادين العمل بكل اصنافه مثل الزراعة والصناعة والتعليم والسلك الدبلوماسي وايضا المرأة شاركت بفعالية في معركة الاستقلال وايضا شاركت في معركة الديمقراطية ضد الانظمة العسكرية وتعرضت للتشريد والاعتقال والتعذيب والان يوجد لدينا سودان في الداخل وسودان في المهجر وهذه قضية كبيرة والدول التي سبقتنا كونت لها جاليات كبيرة جدا في الخارج مثل العراق ولبنان وامريكا اللاتينية ومشكلة النزوح الجماعي الكبير نحن ايضا عانينا منه كثيرا
    اندلاع مشكلة دارفور
    نتيجة للتخلف المقيم والموروث من زمن الاستعمار في المناطق التقليدية التي لم تشهد تجديدا في حياتها اندلعت مشكلة دارفور من هذا الواقع وتحولت الى مشكلة دولية واصبحت محتلة مساحة في الاعلام العالمي اكثر من القضية الفلسطينية وان دارفور هي ليست مساحة من السودان ولكنها تاريخ وهي كانت سلطنة وكان لديها قانون ومقر حكم وتستقبل الوفود من كل الدول العربية والاسلامية وايضا كان يمر بها الحجاج وكان علي دينار يرسل معهم قوة لحراسة الحجاج الى مكة
    المهدية ودخول المصريين السودان
    عندما اندلعت الثورة المهدية ودخل المصريون السودان والمهدية دخلت العاصمة واسست حكما ما كان على المصريين الا الاستعانة بانجلترا لتعيد فتح السودان حتى وصلنا الى معركة كرري المشهورة لذلك فان الاستعمار لم يدخل السودان بارضاء السودانيين وانما دخل على جثث شهداء الثورة المهدية وهذا معلم بارز جدا ومهم في تاريخ السودان وعندها جاءت انجلترا باسلحتها الحديثة وقد جرب سلاح المكسيم لاول مرة على نطاق الحرب في اهلنا بكرري والمقاومة لم تنته بنهاية المهدية وقائد المهدية الخليفة عبد الله مات مقتولا في ام دبيكرات وكان مضروبا في جبهته وهذا يعني انه كان يحارب وليس هاربا وايضا في الجنوب حدثت مقاومة ضد الانجليز اما في الشرق لم يستطع الانجليز ان يأتوا بالبحر لانهم كانوا يخافون من مقاومة الهدندوة (الفوزي ووزي) والشاعر الانجليزي (كبلنق) كتب قصيدة فيهم وعن مقاومتهم للعدو لذلك فان استقلال السودان اتى نتيجة للنضال والصراع المتواصل من جانب الشعب السوداني ولم يكن مجرد استقلال عبر الاعلان فقط وان ما بعد الاستقلال يحمد للشعب السوداني برغم من الانظمة العسكرية المتتالية انه لم يستكين بل قاوم حكم عبود ونميري وما توصلت له الاتفاقيات اتى نتيجة لصراع سياسي وعسكري سواء من جانب الحركة الشعبية والاحزاب السياسية وقوى المعارضة او النضال العام الذي شارك فيه الناس والاستقلال لم يكن مجرد نزهة او حفلة ولكن كان تضحيات دفع فيها اناس كثيرون الثمن غاليا
    الصحافة بعد الاستقلال
    ان اغلب الصحف السودانية انتشرت بعد الحرب وقبلها كانت توجد النيل وهي تعبر عن الانصار وصوت السودان وتعبر عن الختمية ولكن بوجود مؤتمر الخريجين صدرت صحيفة المؤتمر بعدها السودان الجديد والرأي العام والصراحة وغيرها وجميعها كانت بدرجات متفاوتة مع الحركة الوطنية وبعد الحرب العالمية الثانية انتشرت حركة التحرير الوطني كل العالم وكل المستعمرات وهذا لان رئيس انجلترا ورئيس امريكا قاما بعمل ميثاق اسمه ميثاق الاطلنطي واقرا فيه انه اذا وقفت معهم الشعوب المستعمرة وعدوهم ان ينالوا الاستقلال بعد الحرب وهذا انتزاع لوعد اتى نتيجة معارك ونضال وصراع للذين ضحوا في الحركة الوطنية السودانية وفترة الصراع ضد الاستعمار ادت الى توسيع الحركة الجماهيرية والحركة السياسية مثل النقابات واتحادات الطلبة والنساء والشباب والاندية وكل هذه كانت معالم يقظة بالذاتية السودانية
    انعدام الاستقرار بعد الاستقلال
    دفعنا في الاستقلال ثمنا غاليا ولكن بعد الاستقلال لم يشهد السودان الاستقرار المنشود واعتقد ان الدول الاستعمارية لعبت دورا في هذا الجانب لان الاستعمار الغربي بقيادة امريكا كان هو المعسكر بالاضافة الى الاتحاد السوفيتي لذلك كان الصراع بينهما وكان حدثا يوميا وهذا ادى الى حدوث ضغوط على الدول حديثة الاستقلال فاذا اخذنا مصر مثلا عندما كانت تريد ضم قناة السويس ليكون العائد لمصر وعندما كانت تريد بناء السيد العالي كان البنك الدولي لديه مقترحات والاتحاد السوفيتي لديه ايضا لذلك قامواباخذ العرض السوفيتي لانه الافضل واخذوه في مواجهة حادة جدا مع الاستعمار كلفت مصر حرب 56 عندما هاجمت اسرائيل مصر
    اهتمام الاعلام بمعارك الاستقلال
    اتمنى ان تفسح الصحافة السودانية مساحة اكبر للمعارك الوطنية التي سبقت الاستقلال ودور الاحزاب والنقابات والاتحادات ودور الشخصيات الوطنية ودور الصحافة نفسها لان كل الصحف كانت تتعرض للغرامات والمحاكمات والايقاف والمصادرة لانها كانت تأخذ مواقف ضد الاستعمار ولم تكن مستكينة ومن هنا احيي كل الذين ناضلوا من اجل الاستقلال على اختلاف اتجاهاتهم والان مضى على استقلال السودان قرابة النصف قرن لذلك لابد ان نقوم بجرد حساب وعنده اننا لم نتقدم كثيرا صحيح ان البترول ظهر وهذه نعمة من الله ولكن انهار مشروع الجزيرة والصناعة السودانية واقفة والموجودة الان هي صناعات خفيفة وكان لابد ان تكون في وضع افضل من هذا ولا يكفي ان نقول اننا قبل الاستقلال لم يكن لدينا جامعة والان لدينا ست عشرة جامعة فهذا لا يكفي وكان من الافضل ان تكون لدينا جامعة واحدة ولكن تكون مستوعبة وليس بها مصاريف ويكون بها داخليات والان اصبح التعليم تجارة وهذا شئ سلبي واعتقد ان تحويل التعليم الى تجارة في دولة مستقلة هذه ظاهرة سلبية وحتى المدارس التي اسسها الاستعمار حتى الاستقلال والمدارس التي قامت بتبرعات الناس كانت اكثر من مدارس الحكومة
    «أخبار اليوم» تجرى حوارا شاملا مع رئيس الحزب الشيوعي السودانى محمد ابراهيم نقد
    اتفاقية السلام الشامل لم تدخل التاريخ كنموذج للاتفاقيات
    الحركة الشعبية الآن ليست محتاجة الى الحزب الشيوعي .. حاجتها كانت في البدايات
    (ضربني بكى وسبقني اشتكى) هذا حال السياسة السودانية
    يأتي التدخل الخارجي عندما تضعف الجبهة الداخلية في الاتفاق حول القضايا
    اجرته/ رحاب ابو قودة
    إلتقت (اخبار اليوم) برئيس الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد وقد رد على الاسئلة بمرونة ولباقة ودبلوماسية عالية واظهر تعاونا وتواضعا عرف به وارتبط بسيرته كقيادي ورئيس للحزب الشيوعي السوداني كما لم يبخل علينا باية معلومة تفيد الحوار واكثر الاشياء التي ظهرت على شخصيته ونحن نحاوره روح الدعابة وخفة الظل والاستناد للامثال عندما لا يريد ان يباشر في الرد .. فإلى تفاصيل الحوار..
    ?{? في اطار الازمة في جنوب كردفان آبيي اصبحت آخر مآزق اتفاقية السلام كيف تنظر لهذا الأمر؟
    اعتقد ان كردفان ليس بها ازمة وانما خلاف و(عصلجة) بين الشريكين ، فالشريكين الآن في حالة تصفية حسابات وهذه الحسابات لم تتم في معارك سابقة.
    ?{? ما رأيك للاتفاقية والشريكين ليس على وفاق؟
    اعتقد ان اتفاقية السلام الشامل لم تدخل التاريخ كنموذج للاتفاقيات وقد فشل الطرفان لكن الى الآن يتداولان في الامور .. والامور على الله.
    ?{? انتم متهمون من قبل الوطني بتحريض الحركة الشعبية؟
    اتهامات المؤتمر الوطني للاحزاب المعارضة لا تعني شيئا لان هذه الاتهامات قد تذرع بها قبل الآن وقام بالانقلاب باعتبار ان الاحزاب قد فشلت ، فالمؤتمر الوطني لا يأتي بجديد لذا يجب عليه التواضع لانه لم يكن القوى السياسية الاولى لوضع اتفاقية السلام.
    ?{? اذن ما هي القوى السياسية التي وضعت اتفاقية السلام قبل المؤتمر الوطني؟
    قد حدثت اتفاقات مع الحركة الجنوبية الاولى بعد ثورة اكتوبر وايضا اتفاقيات مايو بالاضافة الى مواثيق واتفاقيات احزاب المعارضة والحركة الشعبية في اسمرا واعتقد ان العلة والمشكلة هي عندما نضع اتفاق لا نتابع هذا الاتفاق بدقة ، فالاتفاق مثل الطفل الصغير يجب الاعتناء بتفاصيله فمن الممكن ان يأتي وقت ويتمرد ، والاتفاق يتمرحل وقد لا نجد استجابة سياسية سريعة لذا يجب ان نضع وضع خاص للظروف والمستجدات والحديث عنها لمواصلة الاتفاقية.
    ?{? وصلتكم بعض الدعاوى من جانب المؤتمر الوطني للمشاركة ولم تلبوا تلك الدعوات بما تبرر ذلك؟
    هناك اشياء ندركها بالتجربة مثل الجدية في الامر.
    ?{? هل تريد القول ان المؤتمر الوطني يرمي الى ظواهر الامور كسياسة دون الجدية؟
    المشكلة هي التنفيذ ، فالمفروض ان تكون هناك لجنة مشتركة يتبعها للتنفيذ ، هذا لم يحدث لكن بعض الاحزاب قد تكون لها اسبابها الخاصة في المشاركة فمثلا السيد محمد عثمان الميرغني ملزم لان حزب مثل الديمقراطي له طوائف واتباع فهو مرغم على تلبية ما يريدون وهو معيار يختلف عن معاييرنا وانا لا ألوم الميرغني او الصادق فالوضع نتفهمه جيدا ، اعتقد ان الصادق سيواجه مشكلة كبيرة في مسألة جبال النوبة لانهم من انصار المهدي لذا يجب ان يدافع عنهم والميرغني مثلا لديه شئ يسمى بدائرة الميرغني فهي مختصة بدفع الدية وعلى ما اذكر في كوبر عندما كان الميرغني معنا في المعتقل لاحظت انه يذهب الى الخارج ويأتي فسألته عن السبب فرد قائلا ان كل مسائل الدية يجب ان يوقع عليها (الميرغني) كإجراء اساس بالاضافة للخلاوى فعليهم تمويلها وترميمها واعتقد ان مسؤوليات الميرغني والمهدي تفوق مسؤولياتنا ، فنحن (لا جدنا النبي ولا المهدي) حزبنا ذو معايير مختلفة ، فللصادق المهدي التزامات كثيرة غير مرئية.
    ?{? ما رأيك في مستقبل السودان؟
    اعتقد ان مستقبل السودان مرهون بارادة الشعب ، بالرغم من تداخل المشاكل وارى ان انفصال الجنوب يجب الا يتحول الى حرب لان مصالح الشمال ومصالح الجنوب تقتضي السلام وقد يشكل نقطة ارتكاز مهمة جدا للمستقبل جانب آخر مهم ، ومن الاشياء التي تشكل خطر على المستقبل وتعد من اهم المشاكل التي تواجه الشعب السوداني مثل دخل المغتربين ، فدخل المغتربين بدأ بالتناقص واسهامهم في الدخل قد اصبح قليلا وهذا طبعا نسبة لظروف اقتصادية وفي حالة كان دخل المغتربين كما كان في السابق بالنسبة لقيمة العمل والتضخم لتقلل ايضا من العائد بالاضافة لما يعانيه المغتربين انفسهم من عوامل كثيرة اهمها القلق على تعليم ابنائهم واين يتعلمون. واذا تعلموا في السودان سيكون ابائهم في الخارج واذا تعلموا في الخارج سيعتادون على الخارج وتتكون شخصيتهم في مكان تعليمهم خارج البلاد وفي كل الحالات ستكون النتيجة سالبة.
    ومن الاشياء المهمة ايضا وقد تؤثر على مستقبل البلاد ، مشكلة الجنوب اتمنى ان تحل هذه المشكلة واتمنى ايضا هدوء الاحوال في دارفور ويجب ان نعيد النظر في مسألة المغتربين بمعنى انه عندما يأتي المغترب الى السودان لا يعامل كتاجر مهربات ويجب الا تجرده الدولة من كل مليم (في النهاية مال المغتربين سيصرف في السودان) ، فالمغترب لن يذهب ، جانب آخر وهو مهم ومن الممتاز ان يكون لدينا في السودان جامعات ومعاهد عليا واعتقد بان هذه المسألة في السابق هي الاماني السودانية القديمة وقد تحققت الآن لكن يجب بداية الارتقاء بالمستوى الاكاديمي في كل الجامعات السودانية وهذا يتطلب الارتقاء اولا بمستوى الاساس كدراسة اولية ، جانب آخر ومهم جدا ان مسألة التعليم هذه تبدو بسيطة لكنها عمليا تأثيرها قد يكون كبيرا جدا بالاضافة الى انها تغير مهم بالنسبة للمجتمع السوداني سواء عبر عنها الناس ام لم يعبروا بصوت عال او دون صوت ، والكثير من العوامل في التحول داخليا وخارجيا ، بالاضافة الى الحرب وعوامل القهر الذي مارسته الانقاذ في بداية حكمها ، كل هذه الاشياء تركت عوامل نفسية أثرت على السياسة السودانية فنحن نحتاج اولا للاعتراف بها لنكون مؤهلين للحل والحد منها لكن اذا حاولنا ان نغطيها وايجاد تبرير لها لن تحل ابدا ولن نتخلص منها ولو بعد حين.
    ?{? في حزبكم شاخت القيادات مما فتح المجال لقيادة الشباب!!
    لا اعتقد انه يوجد موقف بهذا الفهم لكن اصوات الشباب لم تبرز حتى الآن.
    ?{? هل تعني ان كوادركم غير مؤهلة؟
    ابدا لكن لابد للشباب ان يصل الى الهدف بالقناعات والكفاءات ولا يجب ان ندفع به نحن بل يدفع نفسه وحده للامام في نفس الوقت لا نعرضه للتجارب القاسية جدا التي مررنا بها نحن في السابق من سجن الى اعتقال الى اختفاء وهذا الشئ يعتمد لاستقرار الحد الادنى للحركة السياسية في السودان.
    ?{? اتهامكم بتحريض الحركة الشعبية ما تعليقك على هذا الاتهام؟
    الحركة الشعبية الآن ليست محتاجة الى الحزب الشيوعي على الاطلاق قد تكون حاجتها في البدايات او بداية الحركة الشعبية ونحن اعترفنا بحق الجنوب في الانفصال وقد رحبنا بها في الدخول للتجمع الوطني ولم نكن وحدنا كان معنا عدة احزاب مثل الاتحاد الديمقراطي وكان رأينا عند بدايات الحركة انها خطوة جديدة في حركة الجنوب وهي ليست امتداد شامل لجبهة الجنوب.
    ?{? من اجل هذا فقط؟
    وطرحت مشروع السودان الجديد ككل وليس الجنوب فقط ثانيا طرحت التغيير الاجتماعي في كل السودان ثالثا طرحت قضية الجنوب لحلها في اطار حل جميع مشاكل السودان والمناطق المهمشة واعتقد ان هذه النقطة لم تنل رضا الكثير او البعض من الناس لذا سميت بالطابور الخامس نحن ليس الوحيدون لكن كل القوى السياسية تحالفت مع الحركة الشعبية وهذا بعد محادثات نيروبي غيرها ، واصبح بعد ذلك الحركة الشعبية والحركة الاسلامية على وفاق (والبساط احمدي).
    ?{? الآن البساط غير احمدي؟
    انتي لم تتمكني من حضور الحقبة الزمنية التي كانت بين حزب الامة والاتحاد الديمقراطي فدائما كانا دائما في حال المثل الذي يقول (ضربني بكى وسبقني اشتكى) واعتقد ان هذا حال السياسة السودانية.
    ?{? ما رأيك في التدخل الاجنبي الذي نجده في كل صغيرة وكبيرة نواجهها في السودان؟
    هناك فرق بين المساعدات الدولية من هيئة الامم المتحدة او اية دولة بعينها وبين التدخل الذي يأتي يملي سياساته علينا فأي تدخل مثل هذا نحن ضده وضد فرض مصالحه وعادة ما يأتي التدخل الخارجي عندما تضعف الجبهة الداخلية ويأتي ايضا عندما يضعف الاتفاق حول القضايا السياسية ويتعثر ويأخذ فترة زمنية طويلة وعادة ما يأتي التدخل الخارجي في البداية كوسيط لجمع الاطراف ويتمرحل بعد ذلك على حسب الضعف الداخلي لذا يجب ان نقوي جبهتنا الداخلية وهذا يحل مشاكل الاطراف التي معها الخلاف وتتويج العمل بالداخل بكل وجه لنتجنب مثل هذه التدخلات.
    ?{? لكن أغلب المشاكل على حسب المؤتمر الوطني تأتي من جانب الحركة؟
    اذن لماذا لم يتدخل المؤتمر الوطني ليحل هذه المسائل علما بامكانياته.
    ?{? ما هي الفجوة التي بين الواقع المرير والآمال العريضة التي تحتاج الى وقفة جادة ونظرة مدققة بعد الانفصال؟
    قضية الجنوب بعد الانفصال معناها (مع السلامة) ولكن تأتي بعد هذا الانفصال الكثير من التبعيات فمثلا الى اين يذهب الموجودون الآن الى اين؟ الى المعسكرات مع العلم ان من بينهم اسر واطفال وشباب هل تستطيع هذه الشرائح ان تعيش في المعسكرات مثل اللاجئين هذه هي المسائل التي تحتاج الى تفكير دقيق.
    ?{? وماذا عن الحل؟
    الحل يأتي عن طريق المقربين للاحداث والمعاصرين للقضية من خلال العمد والمشايخ والسلاطين والضباط الاداريين القدامى ذوي الاختصاص والسياسيين لن يبرعوا في الحل مثل هؤلاء وفي هذا الحالة سنصل الى النتائج بافضل الطرق.
    ?{? لكن الامل في الحل بعد الانفصال كان كبيراً؟
    هذه ليست المرة الاولى التي تأتي فيها الاحداث بنتيجة غير متوقعة من جانب قطاع الشعب السوداني فمثلا في السابق وقبل الاستقلال كانت الحركة السياسية معسكرين المهم منها معسكر بلادي مع مصر وهي استقلال السودان ، لكن عشية الاستقلال تم الاتفاق بين الطرفين وفاز قرار الاستقلال ولا استطيع الجزم بان التاريخ سيعيد نفسه حرفيا وانما يعيد الحدث المشابه ولكن بظروف جديدة بلاعبين جدد وعلاقات جديدة لا أتوقع اكثر من ذلك ولأن الحركة السياسية لديها من النضج والمرونة ما يجعلها تتخطى هذه المعضلة فنحن مع الواقع وقد اتى الواقع بانفصال الجنوب عن الشمال وفيما يختص بالشمال فهو لم يفقد هويته ولا تاريخه ولم يقذف به ولم يفقد امكانياته وعلاقاته وقدراته وسيواصل مسيرته.
    ?{? ماذا عن دعوة سلفاكير لكم كحركة سياسية للجنوب هل ستلبون هذه الدعوة؟
    وجهت لنا الدعوة نحن والحركة السياسية بصفة عامة ، سنذهب الاسبوع القادم وهي فرصة بلا شك للاتفاق على خطوط عريضة ومبادئ عامة للعلاقة بين الدولتين.
    ?{? مثل ماذا؟
    اولا حسن الجوار وحرية التنقل وحماية الحدود بان يحمي الجنوب حدودنا ونحمي حدودهم ، والتشاور حول القضايا المختلفة من القهر والدمار ومشاكل الطبيعة كفيضانات الخريف ومشاكل اقامة الجنوبيين الموجودين في الشمال وبالمقابل الشماليين الموجودين في الجنوب وقضايا الحركة والحريات.
    ?{? هل سينجح الامر؟
    انا متفائل لان الظروف التي ادت الى كل هذا العناء وهذا الاتفاق سيعطي ايضا قوة دفع لان الحركة السياسية في الشمال والجنوب تتعامل بمسؤولية ولا تتعامل بردود الافعال او الانتخاب بالاضافة لوجود الكثير من القضايا المعلقة مثل الحدود وارى ان الامور يجب ان تحسم بمسؤولية لاجتياز هذا المطب.
    ?{? وماذا عن قضية ابيي؟ ومشكلة الترحال بين القبيلتين؟
    لا توجد قوى في العالم تمنع الرعاة عن مسارهم التاريخي سواء في السودان او غيره لان الرعي اقتصاد ونشاط طبيعي لا بديل له واعتقد ان هذا سيستمر واية محاولة لعرقلة هذا السير ستكون محاولة لكل الترتيبات لم تكن حصرا على المسيرية والدينكا فقط ثانيا ازالة آثار الحرب فقد تركت الحرب آثار هائلة ليس في الثروة الحيوانية فقط بل آثار نفسية ايضا ، لذا يجب ان نضع في الاعتبار القضايا المشتركة التي تشكلت عبر التاريخ فهي تأتي على حساب المواطن في الشمال والجنوب بالاضافة الى علاقة الدولتين يجب الا ندعها لحكومة الجنوب وحكومة الشمال لان هناك حركة سياسية في الجنوب وايضا في الشمال ، هذه الاشياء يمكن ان تكون على صلة وقد تصل الى ادنى من برنامج التعاون واجتياز هذه المرحلة باقل الخسائر الممكنة ودعم ما هو ايجابي للعلاقة بين البلدين هناك مسألة مهمة وهي فرصة ذهبية وتجب مراعاة المسؤولية تجاه الشعب السوداني ويجب الا تخلق منها مزايدة حزبية بل التركيز على الجلوس والمسايسة لحل هذه الازمة.
    وفي هذا اللقاء سنحصر ما تم انجازه بالاضافة الى الشروع في حل بالنسبة للقضايا العالقة.
    ?{? بصراحة يجب الاصلاح بينكم كأحزاب خصوصا مع الوطني وبعدها اصلاح قضية الجنوب والبحث عن حل فيها؟
    المؤتمر الوطني اعتقد انه قد ذل الناس كثيرا فقد عاملهم بقسوة واستكبر عليهم لكن اعتقد ان امامه شيئين اما ان يقول ان الذي حدث قد حدث ويبدأ صفحة جديدة ، اما الشئ الثاني بين المؤتمر الوطني والاحزاب ، فداخل المؤتمر الوطني ايضا توجد مشاكل ، فالمؤتمر الوطني اكثر حزب حكم السودان بعد الانجليز فهناك ايضا عامل اساسي ملاحظ في السنوات العشر الاخيرة هو يقظة الرأي العام ، فالرأي العام متابع جيد للاحداث والديمقراطية والتعددية ومشكلة الجنوب وازمة دارفور وازمة شرق السودان هذه القضايا قد اخذت زمن طويل جدا بالاضافة الى مكوث المجتمع الدولي في السودان بصورة مستمرة ، فيجب وضع حد ونهاية لهذا الامر فلماذا يدخل المجتمع الدولي في مشاكلنا ومن هو اصلا وهو ايضا لا يفوتنا في شئ فبالضرورة يجب ان نصل الى الحلول بأسهل الطرق واشراك كل من له دراية او معرفة او اختصاص بحيث اننا عندما نطرح العلاج يكون مستوف لهذا الاسلوب.
    ?{? بما انكم شاركتم في مفاوضات الدوحة .. ما هو آخر ما توصلت اليه المفاوضات؟
    ملتقى الدوحة ناجح جدا من حيث الاجندة بالاضافة الى الحضور المكثف لدارفور من الداخل والخارج لدارفور وحضور مكثف في الصحافة العربية والاقليمية ايضا كان هناك تكامل معقول بين الجلسات العامة والعمل الاداري وقد تبلورت مطالب اهل دارفور في الآتي:ـ
    اولا تنصيب ابناء دارفور في المناطق المركزية ، ثانيا رئيس الجمهورية يفوض لنائب من دارفور ، ثالثا متابعة مساعدات للمعونات التي يرسلها المجتمع المدني او الدول العربية وان تأتي كاملة غير منقوصة للمواطن والحكام ، هذا ما وصلت اليه الدوحة ومن اكثر الاشياء التي كان يرتكز عليها التفاوض كان مختصرا على قضية دارفور فقط دون التعرض الى اي قضايا خارجية واعتقد ان السودانيين اسهموا اسهام فعال في العلاقة بين جميع الاطراف التي شاركت في هذا التفاوض ، فالعلاقة بينهم كانت مفتوحة ويحفها الوضوح ، جانب آخر ان دارفور مكشوفة على العالم الافريقي فيجب ان نضع في الاعتبار ونرى ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى فيجب الاجتماع بهم في المراحل الاخرى وهذا بالطبع اضافة ايجابية تصب في حل المسائل.


    اخبار اليوم
                  

03-26-2012, 03:42 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    الخرطوم تكتسي اللون الأحمر وتحمل ( نقد) إلى مثواه الأخير
    لو جُمعت دموع الباكين لفاض النيل

    بالأمس شيعت جماهير الشعب السوداني سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد الى مثواه الاخير بمقابر فاروق وسط الخرطوم، وتقدمت موكب التشييع قيادات الحزب الشيوعي السوداني والقوى السياسية المختلفة ورجالات الطرق الصوفية ورموز البلاد الثقافية والفنية. وشارك في مراسم التشييع رئيس حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي وزعيم كيان الانصار وحزب الامة الصادق المهدي ورؤساء احزاب قوى الاجماع الوطني ولفيف من قيادات المجتمع المدني والحركة النقابية في ولايات السودان المختلفة.


    ساعة الوصول


    يابا مع السلامة يا سكة سلامة فى الحزن المطير يا كالنخلة هامة واستقامة هيبة مع البساطة واصدق ما يكون .. الواحدة صباحا مطار الخرطوم لاشئ غير الحزن والدموع والنحيب بصوت عال لا يهم مصدره فكل من يمشي فجر الامس هناك كان صاحب سهم في تلك الفجيعة، نعش زعيم الشيوعيين وحارس حقوق الغلابة محمد ابراهيم نقد قد حانت ساعة وصوله لارض الوطن، رجالا ونساء شبابا واطفالا يفعا و كهولا تجاوزوا عقد الثمانين معاقين تعينهم الكراسي المتحركة والاطراف الصناعية ايضا لم يتأخروا عن الموعد، فالحزن غطى كل القلوب ولو استطاع احد ان يجمع دموع المنتظرين لامتلأ النيل لا محالة.
    عندما اشارت الساعة الى الثانية الا ربعا بدأت ساعات الانتظار ثقيلة على الجميع فطائرة الخطوط البريطانية التي اعلن عن وصولها في الثانية صباحا، لن تأتي في الموعد وعلمنا ان وصولها تحول الى الرابعة فجرا هذا ماقاله لنا العالمون بالترتيبات الداخلية من منسوبي الحزب، اذن هناك ساعتان من الانتظار المر لكن مع ذلك لم يفارق احد مكانه الجميع يحملون صورا ولافتات حملت عبارات مختلفة (يلا نسد فرقتو .... خالد خالد نقد القائد ... ماشين في السكة نمد.. يابا مع السلامة) وغطاء اللون الاحمر الذي توشحت به اجساد الرفاق ارض المطار .


    الحركة الشعبية كانت هناك


    قبل ان تشير عقارب الساعة الى الثانية صباحا بسبع دقائق قطع هتاف (حركة شعبية وييي سودان جديد وييي عاش كفاح الشعب السوداني) نحيب المكلومين وخطف انتباه الاعلاميين مصدره المدخل الرئيسي للمطار، احد الزملاء الصحفيين كان بجواري سألني هل هي الحركة التي يترأسها دانيال كودي؟ انتظرنا قليلا حتى تبينت الشخصيات التي تمثل مجموعة من منسوبي الحركة الشعبية قطاع الشمال تتقدمهم ازدهار جمعة وسلوى آدم بنية وعلوية كبيدة وعدد من الشباب والشابات يحملون لافتة كتب عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان وظلوا يرددون في الهتاف الذي قابله المحتشدون بهتاف اعلى وحماس اكبر.
    أمن المطار.... خيار وفقوس
    عندما اقتربت الساعة من الرابعة صباحا بدأنا في ترتيبات الدخول الى ارض المدرج حسبما اعلنت سلطات المطار غير ان المسؤولين من البوابات لم يكونوا في مستوى الحدث والحزن وبدأوا في استفزاز الصحفيين والتحدث معهم بطريقة غير لائقة وكأن سماحهم للصحفيين بالدخول هو مكرمة منهم وليس واجب عمل، وعليهم اتباع الاجراءات فقط لكن مسؤول الامن الذي اشرف على الادخال كان يستخدم الخيار والفقوس يسمح لمن لا يحملون البطاقات بالدخول ويرفض الاعتراف ببطاقة الاتحاد وجواز السفر كمستند وعندما نطالبه بالمبررات يقول مزاج لكن حكمة وادب مدير المطار كانت محل تقدير الصحفيين .
    الموكب المهيب
    طائرة الخطوط البريطانية ذات المقدمة الزرقاء في ارض المطار يقابلها عويل وصراخ في خارجه، فائزة نقد عبدالله نقد محمد سليمان محمد صاحب السودان حروب الموارد والهوية هم من كان برفقة النعش ، لم ننتظر طويلا .. الآن نقد محمول على عربة نقل تحمل الرقم 25425 (حاصل جمعه تسعتين) يشق جموع الرفاق المتراصين في كل شبر بارض مطار الخرطوم، ساعة ونصف هي الزمن الذي استغرقه خروج الموكب الى شارع افريقيا متوجها الى دار الراحل بضاحية الفردوس جنوبي الخرطوم، لم يكن حال شارع افريقيا بافضل من مخارج المطار فالازدحام وتدافع المشيعين والمكلومين رغم ساعات الصباح الاولى كانت تشير الى ان صباح الخرطوم لن يكون بغير اللون الاحمر .
    ماكا الوليد العاق
    رؤوس معصوبة بالشرائط الحمراء او السوداء نساء وشباب وكهول واطفال قاسمهم المشترك هو البكاء والنحيب والعويل قاسمهم الجميع تلك المشاعر الاعلاميون الذين لم تكن دموعهم ايضا بغالية على الرجل الكل هنا مكلوم الكل هنا محزون، الحزن هو العنوان الابرز وقبل وصول النعش كان الحضور لافتا داخل المركز العام الكل يحمل صورا للراحل كتب عليها بخط بارز (وصيتي ليكم سلم وطيد .. وطن مجيد) صمت يتخلل النحيب، البكاء تقطعه هتافات عالية تمجد الراحل ونضالات الحزب الشيوعي (ماشين في السكة نمد (عاش نضال الشعب السوداني(..عاش كفاح الطبقة العاملة(.
    الثامنة والربع صراخ وبكاء وهتاف عالي (حرية سلام وعدالة ... الثورة خيار الشعب(، (عاش نضال الشعب السوداني(،(عائد عائد يا اكتوبر(، (عاش نضال الطبقة العاملة(، (ماكا الوليد العاق ،، لاخنت لا سراق( الآن حان وقت وصول القائد الى قاعدته للمرة الاخيرة .
    نحو المقابر
    تحرك ركب المشيعين من امام دار الحزب الشيوعي بالخرطوم اثنين في تمام التاسعة صباحا مخترقا شوارع المنطقة باتجاه مقابر فاروق، ليوارى فقيد البلاد الثرى قبيل منتصف النهار وسط اجواء غالبة من الحزن حيث اختلطت الدموع والنحيب بالهتافات الداوية الممجدة لحياة الرجل وقيمة عطائه الفكري والسياسي والوطني خلال العقود الماضية.
    حضور مبكر
    سجل إمام الانصار ورئيس حزب الامة الصادق المهدي حضورا باكرا الى مقابر فاروق والتحق به زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن عبد الله الترابي، ثم وصل في وقت لاحق وزير شئون رئاسة الجمهورية الفريق بكري حسن صالح ورئيس حزب مؤتمر البجا موسى محمد احمد ،وانتحى ممثلو فصائل الحزب الاتحادي الديمقراطي جانبا والى جوارهم زعامات من الطرق الصوفية، وشكل رؤساء قوى الاجماع الوطني حضورا بارزا حيث احتلوا مكانهم منذ الصباح الباكر الى جانب اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، والتي سجلت بدورها حضورا كاملا ماعدا القياديتين فاطمة احمد ابراهيم المتواجده في لندن، وسعاد ابراهيم عيسى لدواعي صحية، فيما تابعت السلطات الامنية عن كثب مراسم التشييع بالامس، واصطفت المركبات الشرطية على جوانب الطرقات والعناصر الراجلة بلباس مدني حول دائرة الموكب والمقابر.
    المهدي يتحدث والترابي وبكري يمتنعان
    لم يتحدث قبل وبعد مراسم التشييع لوسائل الاعلام غير زعيم حزب الامة الصادق المهدي، وقد ذهب في تصريحاته المقتضبة الى القيمة الكبرى التي ستفتقدها البلاد بغياب السكرتير العام للحزب الشيوعي، وعدد المهدي مناقب الراحل مثمنا مواقفه السياسية والوطنية طوال مسيرته السياسية. ذلك في الوقت الذي تحاشى فيه الدكتور الترابي الحديث عن نقد، متعللا بان المقام لا يسمح بالحديث، وقال الترابي لـ» الصحافة» ان هذه اللحظات «ليست للكلام»، مشيرا انه سيتحدث بشكل وافي في تأبين الراحل مساءً. ورفض وزير شؤون رئاسة الجمهورية الفريق بكري حسن صالح من جانبه الادلاء باي تصريحات لـ» الصحافة» وقال لها وهو يغادر بعد الصلاة على الراحل انه قد حضر نيلا للأجر وتأدية للواجب، معبرا عن عدم رغبته في التعليق على المشهد الماثل حينها.
    شيوعيون حتى النهاية
    لم يكن مشهد الخرطوم بالامس مألوفا لأحد فقد اعاد شباب الحزب الشيوعي بالامس الى شوارع الخرطوم ذاكرة الهتافات اليسارية الاثيرة، واستدعوا مناخات اكتوبر وابريل. وقد ضجت الشوارع المحيطة بدار الحزب منذ الصباح الباكر بالدعوات الى الثورة والى اعتبار ان حدوثها مسألة وقت لا اكثر، ورددت جماهير الحزب المحزونة وهي تحيط بالجثمان احاطة السوار بالمعصم من بين الدموع التي لو جمعت لفاض النيل، رددت اهازيج الحزب المعروفة « حرية سلام وعدالة.. الثورة خيار الشعب «، و» عاش نضال الشعب السوداني البطل»، قبل ان تواكب مراحل دفن الراحل الكبير بالتهليل والتكبير، ثم لتعود وهي مغادرة الى الهتاف ـبــ» الشعب يريد اسقاط النظام» . وشهدت مناطق متباعدة من الخرطوم اثنين تجمعات ليس صغيرة لكوادر الحزب، تحلقت حول راياته الحمراء حاملة ملصقات ومطبوعات، بعضها مهر على ورق الكرتون تعبر عن تمسكهم بمبادئ الحزب وتدعوا للحرية ولاعلاء قيم الحق والعدالة، وتطالب بالتغيير. وبقرب المركز العام للحزب لم يختلف المشهد كثيرا للغاية فقد غطت شعارات الحزب داخله وخارجه ورفع شباب من الشيوعي في مدخل المركز العام للحزب لافتة مميزة تحوى العبارة الشهيرة المنسوبة لنقد « حضرنا ولم نجدكم»، بينما جلس بجواره شيخ مقعد اثر ان يهتف حاملا ملصقا تغطيه صورة الفقيد بـ» جاين في السكة نمد...».
    مسار المراسم مرسوم
    مسار مراسم التشييع رغم ذلك لم تخرج على ما يبدو من ما خطط لها من قبل قيادة الشيوعي، فقد علمنا ان المكتب السياسي للحزب آثر ان يكون هذا اليوم تكريما لائقا لرجل بعظمة محمد ابراهيم نقد، وهو ما دعى للحرص الذي لاحظه الجميع على ان تمضى كافة تفاصيل الحدث وفق المخطط المرسوم بلا حد من الاحزان ولا قمعا للمشاعر المهتاجة. وعلمت « الصحافة» ان قيادة الحزب لم توجه شباب الشيوعي او كوادره خلال مسار الموكب او اثناء مراحل التشييع، ولكنها طلبت فقط ان تتوقف الهتافات الملتهبة اثناء مواراة الراحل الثرى، على ان تعاود بعد الخروج من المقابر، وهو ما حرص الشباب على الالتزام به مواكبين رجال الطرق الصوفية الذين قرأوا بعض اوراد الختمية اثناء العملية بالتهليل والتكبير.
    إكرام الزعيم
    كان من المتوقع ان تستغل قوى المعارضة هذا اليوم لاشعال الشارع السوداني ضد الحكومة القائمة، لكنها تعاملت مع التشييع برؤى تقارب التي اعتمدها الحزب الشيوعي، وعبر الامين السياسي للمؤتمر الشعبي وعضو قوى الاجماع الوطني لـ» الصحافة» عن رغبتها في ان يلقي سكرتير عام الحزب الشيوعي التكريم الذي يليق به في مثل هذا اليوم، مؤكدا ان الراحل كان من اعمدة قرار العمل على اسقاط النظام، مشددا على ان التدافع الجماهيري الكبير للمشاركة في تشييعه يجب أن يدفع النظام الحاكم لـ( تحسس مسدسه جيدا)..


    ----------

    سياسة

    يــــوم شــــكر نقـــد

    رصد: سارة ـ جادين ـ الفاروق:

    بمشاركة واسعة من القوى السياسية وحضور جماهيري كبير أبن الحزب الشيوعي السوداني امس سكرتيره العام الراحل محمد ابراهيم نقد بحي الفردوس بالخرطوم، وخاطب زعماء الاحزاب وممثلو الهيئات ورجال الدين الإسلامي والمسيحي الحضور معددين مناقب الراحل ومثمنين ادواره الوطنية ومواقفه السياسية في مختلف المراحل التي مرت عليها البلاد.


    وتحدث الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين عن عظمة الفقد الذي تكبده حزبه برحيل نقد ،مشددا على ان الشيوعي سيظل على الدرب سائرا مستمسكا بالمبادئ التي امن بها الراحل ومات عليها. وقال عن الراحل نقد انه كان مناضلا فذا ومفكرا كبيرا وسودانيا اصيلا،مشيرا ان بغيابه سيفتقد الحزب الشيوعي والسودان رجلا شجاعا وقائدا ملهما وملهما. واضاف ان نقد ناضل لستين عاما ولم تلن قناته خلالها رغم المصاعب والتحديات التي واجهها في حياته ، مؤكدا ان الراحل ظل على المستوى الشخصي ثابتا على مبادئه حتى حينما فصل من الجامعة وانهيت دورته البرلمانية، وقال ان نقد كان يؤمن بالمنهج الجدلي الماركسي ومنفتح على كل التيارات اقليمية ومحلية و عالمية. واعتبر الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي، دلالات الحضور الكثيف في سرادق العزاء ومن قبلها في تشييع الراحل بمقابر فاروق منبئة عن تعبير مكثف من الشعب السوداني تجاه رفضه القاطع للشمولية والحرب والهوس الديني، لافتا في الوقت نفسه الى انها تعتبر مباركة لاجندة المعارضة الوطنية وان الثورة خيار الشعب. وقال يوسف حسين ان هذا الحضور يمثل انعطافا حاسما تجاه قوى اليسار، واردف ان الشعب السوداني وجد في الحزب الشيوعي الروح الثورية،


    معتبرا ان الشعب لن يرضى باخراج الشيوعي من اللعبة السياسية والفعل السياسي الثوري الاخلاقي، وان التفاف الجماهير حول الحزب شيء طبيعي، مضيفا ان الشعب السوداني اقتنع باطروحات الحزب الشيوعي الدولة المدنية والدستور الديموقراطي والاقرار بواقع التعدد والتنوع في السودان، وقال الناطق الرسمي باسم الشيوعي ان الدستور الإسلامي هو دستور الشمولية الذي جربناه في عهد نميري والان في الانقاذ، مشيرا الى ان الدولة المهدية بقيادة الامام محمد أحمد المهدي كانت دولة جبهوية ومتعددة وتراعي استقلال مكوناتها ولم تنهار الا بعد ان حادت عن هذا الطريق. وقال الناطق الرسمي ان حزبه يقدم برنامجا سياسيا ديموقراطيا، وان خياره الوقوف الى جانب الشعب، وان حزبه سيظل ملتزما بخطه الثوري وان اي شيوعي هو في نهاية الامر يقوم باداء مهمة وان الحياة كلها مهمة وستظل دوما مهمة، واضاف مرددا « الثورة خيار الشعب . . حرية سلام عدالة».


    وزير التعليم العالي بدولة جنوب السودان، بيتر ادوك، ممثل حكومة الجنوب والرئيس سلفاكير ابتدر حديثه بالقول ان هذا يوم حزين جدا طالبا من الزملاء في الحزب الشيوعي السوداني الصبر على فقده، وقال ادوك ان حياة الراحل محمد ابراهيم نقد كانت مليئة بتضحيات جسام وان مشوار النضال طويل ومستمر، لان كفاح نقد والتجاني وعبدالخالق وكل القيادات، كان من اجل ان تتحقق الحرية والعدالة الاجتماعية. واشار ادوك الى انه قد انضم للحزب الشيوعي السوداني في العام 1974 وان ما دفعه للانضمام اليه احداث 1971 الدموية، وقال ان انفصال الجنوب لم يكن بارادة الحركة الشعبية «وانما للعمايل البطالة للمؤتمر الوطني».
    ونعى رئيس تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، محمد سليمان دفع الله المناضل الجسور الراحل محمد ابراهيم نقد الذي قال ان له اسهامات في العمل وسط المزارعين وقدم الكثير للمزارعين. ونوه دفع الله الى ان الراحل طاف على 90% من قرى الجزيرة، مؤكدا حاجة المزارعين للمعاونة لان مشروع الجزيرة كما اشار مشروع كل السودانيين وكان يغطي حاجة السودان الغذائية. ودعا دفع الله جميع القوى السياسية للعمل على اسقاط قانون 2005 والذي قال انه دمر مشروع الجزيرة.


    القيادي بحزب البعث السوداني، يحيى الحسين قال ان الفقيد ليس فقدا للحزب الشيوعي وانما فقد للشعب السوداني ككل، واضاف انه من الرعيل الاول واخر عمالقة جيله، وانه تعامل مع السياسة بجدية وكموقف فكري، وانه يربط العمل بالفكر و الفكر بالعمل. واضاف ان ميزاته الشخصية ساعدته في قيادة الشيوعي ، ورأى ان نقد كان كزعيم اكبر من الحزب نفسه. وقال الحسين ان للراحل قدرات كبيرة في الحوار وانه لا يقول كلمة لا ابدا لاي شخص، وزاد انه التقاه في السنوات المنصرمة كثيرا والتمس منه حسا انسانيا كبيرا وقدرة هائلة على الدعابة والسخرية.


    واكد النقابي بابكر محمد الحسن ان نقد دفن في مقابر المسلمين لانه مسلم بن مسلم رغم انف من يكفرونه ، ووصف الحسن ، نقد «بالرجل المتصالح مع نفسه والمنسجم مع الاخرين «، وقال ان احس في الراحل اثناء اخر زياراته له ،رغم الابتسامة المرسومة علي وجهه، ارهاقا وشرودا اقلقه مما جعله يتساءل هل هذا من عبء السنين ام من عبء الداء ام عبء النضال المتراكم ، والذي بدا نقد رحلته منذ بلوغه العشرين من عمره ضد الاستعمار والجمعية التشريعية ثم ما كان من انضوائه في حزب شديد الانضباط. واعتبر الحسن ان نقد ورفاقه مارسوا الاختفاء بمسئولية ومهنية عالية، لافتا الي ان اختفاء نقد لم يكن خوفا من حاكم او هروبا من نضال وانما كان ممارسة لعمل تنظيمي وسياسي وليس نزهة ولامزاجا وانما قرار سياسي


    وواصل الحسن في سرد مسيرة نقد وقال انه ورفاقه مروا بلحظات حالكة في فترة الديمقراطيات قصيرة المدي، واوضح الحسن ان اكتساح الشيوعيين لدوائر الخريجين افزعت الاحزاب الاخري مما دفعهم للتآمر على الحزب فحلوه وطردوا نوابه المنتخبين ديمقراطيا ومارسوا عنف البادية وهاجموا الشيوعيين ثم مارسوا عنف البادية مرة ثانية في عام 1971 عندما اعدموا بعض الشيوعيين وزجوا بالبعض الاخر في السجون، واكد الحسن ان الحزب الشيوعي سيظل موحدا على المنهج الثوري ما دام في عروقهم دم ينبض.
    وترحم القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الموحد عصام عبد الماجد ابو حسبو علي روح نقد والشهداء الذي ذهبوا في ذات الدرب ،وعد حسبو ان وجود الحزب الشيوعي متلازمة وظاهرة ضرورية في اي عصر حديث، واردف لايصح ولايجوز ان يكون هناك يمين ووسط بدون يسار ، وتابع بان نقد رجل امتحنه التاريخ امتحانا عسيرا منذ احداث 1971م التي اعدم فيها معظم رجال الصف الاول في الحزب الشيوعي،ورأى ان نقد تصدي لمهمة قيادة الحزب بشهامة ووطنية وادارية ومسئولية جعلت منه قائدا فذا نذر حياته كلية للعمل العام والوطني.


    فيما اكدت فاطمة محجوب عثمان شقيقة سكرتير الحزب الشيوعي الاسبق عبد الخالق محجوب ان وقفة نقد الصامدة وتحمله عبء العمل في الظروف التي اعقبت اعدامات 1971م وتحديه للعاصفة الهوجاء كانت درسا تعلموا منه كيفية تجاوز المحن والاحن، واعتبرت فاطمة انه لولا ما قدمه نقد من نموذج لضاع من الشيوعيين القلب والعقل، وتعهدت فاطمة بالالتزام بالدرب الذي سار عليه نقد حتي بزوغ شمس الحرية .
    وطالب رئيس حزب المؤتمر السوداني ابراهيم الشيخ من جهته الحاضرين في سرادق العزاء بالوقوف دقيقة حدادا علي روح نقد، ووصف الشيخ نقد بانه كان اخر الرجال المحترمين، واكد ان نقد يمثل رمزا للشعب السوداني كما العلم تماما باعتبار انه قد قاتل وناضل من اجل السودان وقدم للبلاد اغلي ما يملك وعاش عمره مطاردا ومتخفيا ومختبئا لاهم له الا السودان، وقال الشيخ ان نقد لم يكن فاسدا ولا خائنا ولا عاقا ولا سارقا ، مشيرا الى انه في اقسى الظروف لم يغادر ارض الوطن . واعلن الشيخ عن التزام المعارضة بالعهد والميثاق الذى قطعوه مع زعيم الحزب الشيوعي، وقال الشيخ لو كان يعرف قدر الرجال «لاعلن الحداد ونكست الاعلام لثلاثة ايام ودوت المدافع « ولكنه قال انه يتيقن بان الشوارع ستحمل اسمه قريبا».
    سكرتير الحزب الشيوعى السودانى بدولة جنوب السودان جوزيف مودستو قال انهم اتوا اليوم ليعزوا انفسهم والحزب الشيوعى وكافة جماهير الشعب السودانى ونقل التعازى الحارة من أهل جنوب السودان فى الفقد الكبير محمد ابراهيم نقد، معتبرا ان الراحل لم يمت لان المناضلين لايفنون ويبقى نضالهم إرثاً للأجيال التى تأتى بعدهم،


    واشار مودستو الى ان انفصال جنوب السودان اصبح واقعاً الا ان الشعب فى البلدين لن ينفصل، وقال ان انفصال الجنوب لم يكن يعبر عن رغبتهم الا ان السياسات البطالة للمؤتمر الوطنى على حسب وصفه أجبرت الجنوبيين لاختيار البعد عن الشمال وتكوين دولتهم، ومن هنا نناشد القوى السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدنى بحفظ كرامة وحقوق الجنوبيين الموجودين فى الشمال، وذكر ان الجنوبيين تعبوا فى الشمال وتعرضوا لضغوط عنيفة، واكد انهم فى الحزب الشيوعى الجنوبى يعتبرون نقد الأب الروحى لحزبهم فى الجنوب وقال سنظل نستمد فكرنا ونضالنا من تاريخه الطويل لأننا نواجه انظمة متشابهة ودكتاتورية فى الدولتين، وعدد مودستو مآثر الراحل نقد وقال «تعلمنا منه التواضع والثبات على المواقف والمبادئ».
    ونيابة عن رئيس الحزب الاتحادى الأصل مولانا محمد عثمان الميرغنى تحدث القيادى الاتحادى محمد سيد أحمد سر الختم وقال نؤمن ان الراحل نقد فقد لكل الشعب السودانى وليس للحزب الشيوعى وقوى المعارضة فقط، واضاف مازلنا نكرر فقدنا للطبقة الوسطى واكد ان القوى السياسية المختلفة تشهد للحزب الشيوعى السودانى التصاقه بقضايا الشعب والمهمشين والعمال والمزارعين وان كان لهم القدح المعلى فى قضايا الكادحين، اما على المستوى الشخصى نشهد للراحل نقد بالنضال والصمود فى وجه التحديات العظيمة وقيادته لحزبه وتحمل المسؤولية التاريخية فى احلك الظروف ونشهد له بالعفة فى القول والعمل.



    وبخطاب ثورى تحدثت ممثلة حزب الأمة القومى سارة نقدالله عن ضرورة جمع الصف الوطنى وقوى الاجماع المعارض والعمل معاً لاسقاط النظام والالتفاف حول وحدة وقضايا السودان، وقالت «لن ينجبر كسرنا وخاطرنا على رحيل محمد ابراهيم نقد الا بازاحة الطغاة من سدة الحكم»، واضافت ان نقد ضحى بحياته وكل مايملك فى سبيل تحقيق الكرامة والحريات للشعب السودانى ولم يهنأ بالدنيا وكان يحلم بأن تشرق شمس حلمه بهذه المعانى وحتى نرد له الجميل لابد من تكاتف الصفوف وتوحيد الجهود من اجل ازالة النظام القائم وترسيخ المبادئ التى ناضل من أجلها، ووصفت سارة الجموع الهادرة فى تشييع جثمان سكرتير الحزب الشيوعى بأنها تكريم حقيقى من قبل الشعب السودانى لمجهوداته ونضاله فى وقت تقاعست فيه الدولة عن تشييع موكبه، وقالت ان الشعب السودانى اعطى نقد حقه بهذا التشييع المهيب الا اننا لابد ان نتبع القول بالعمل وتحرير السودان للمرة الثالثة والأخيرة من الشمولية والأنظمة العسكرية


    وعدد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبى الدكتور حسن الترابى مآثر الراحل نقد وتحدث باستفاضة عن الصداقة والزمالة التى جمعته بالراحل منذ الفترة الثانوية والى أيامه الأخيرة، وقال جمعتنا المدارس الثانوية واراد البريطانيون ان يخلقوا منا جيلاً معزولاً عن شعبه وتدجينه وفق رؤيتهم الا اننا اتفقنا منذ تلك اللحظة على الا ننزلق فى هذا الاطار وتمسكنا بسودانيتنا التى عملنا من اجلها، وتابع التقينا ايضاً بالجامعة ولكن نسبة لما تعرض اليه من فصل افترقنا ولكن شاءت الأقدار ان نلتقى مرة أخرى فى الجمعية التأسيسية، وتفرقت بنا السبل مرة أخرى الا اننا اجتمعنا هذه المرة فى سجن كوبر ايام الطغيان وجمعتنا غرفة واحدة وكنا نتشارك كعادة العلائق السودانية فى الأنس والطعام ونتحاور حواراً عميقاً، واضاف كنا نتحاور منذ ذلك الوقت ، وأشار الترابى انه تحاور مع الحزب الشيوعى فى فرنسا وايطاليا، وانه ليس غريباً ان يتناقش مع الحزب الشيوعى السودانى والذى تجمعهم به نقاط مشتركة عديدة، وقال ان الفكر الشيوعى تطور وتقدم فى مجال الفكر الانسانى وأنهم ايضاً تحرروا من العباءة القديمة للفكر الاسلامى التى اقعدته واضرت به، واوضح انه ونقد تناقشا عن دستور يكفل الحرية كحق أساسى لكل الناس كما حررهم ربهم ليس مبنياً على اعتقاد او طائفة او دين، وأشار الى ان هذا التقارب سيدفعه فى الاتجاه لوضع دستور لكل البشر مسلمين وغير مسلمين على حسب تعبيره، واوضح الترابى انه ظل فى الفترة الأخيرة لحياة نقد مرتبطاً به ويتبادلان الزيارات ،

    وقال حسب البعض ان الشيوعيين والمؤتمر الشعبى لن يلتقوا الى يوم الدين ونقول للذين يحسبون ان الشيوعيين لايؤمنون بالله هم مخطئون، واشهد لنقد انه كان معتدلاً ويأخذ منى كتب تفسير القرآن، وان حسناته كثيرة لايكاد يعرفها حتى رفاقه الا من التصقوا به، فقد كان طيباً منذ ان عرفته بالثانوى والى ان فارقته فى لحظاته الأخيرة، لايعانف احداً حلو المعشر وكان سمحاً لدرجة لاتوصف فى حواره وفكره الذى يؤهله ان يصبح داعية انسانى لكل العالم، واكد الترابى ثقته فى تماسك الحزب الشيوعى السودانى بعد رحيل سكرتيره العام وقال نعرف ان الشيوعى حزب تنظيمى ولايورث، وشدد على ثقته فى تماسك الحزب الشيوعى السودانى بعد رحيل سكرتيره العام وقال نعرف ان الشيوعى حزب تنظيمى ولايورث، وقال ان من يراهنون على انهيار النموذج الشيوعى فى العالم مخطئون ، وقال ان الغرب اخذ رأسماليته المعتدلة من فكره وانه عائد بقوة لحفظ التوازن فى الكرة الأرضية، واكد الترابى على وحدة السودان من جديد بعودة الجنوب مرة اخرى، لافتاً الى ان الوحدة الحقيقية هى التى بين الشعوب وليست وحدة الشعارات والدساتير، وشدد الترابى على ان التحدى ليس اسقاط النظام فحسب بل بناء وطن على أساس جديد.


    الصحافة
    26/3/2012

    ----------------

    حوار مع المستقبل – يموت المناضل …. وتبقي القضية
    Updated On Mar 24th, 2012

    وحدة الحزب واستمرار دوره الطليعي ضرورة تاريخية


    الحزب هو صانع الكوكبة النبيلة من المناضلين





    محمد الفاتح العالم



    إنها لواحدة من أصعب المهام أن تجد نفسك في وضع أن تكون ملزماً بالكتابة عن (الزميل نقد) بعد رحيله، وذلك لوضوح صورته المشرقة في أذهان الجميع، فلن تضيف جديداً في الحديث عن أنه شخصية قومية يُجمع عليها الجميع دون إسثناء، أو إجمالاً أنه حلم وطني صنعه دوره النضالي، وقد وضح ذلك جلياً في إهتمام قطاع واسع من أبناء شعبنا في الحرص علي حضور ندواته والإستمتاع بطرواة وعمق أحاديثه، إضافة إلي الإهتمام الواضح بمرضه، والإلتفاف الكامل لجموع أبناء الوطن في المشاركة في عزاءه، ولكن الأهم أن الحزب الشيوعي السوداني وتجربته النضالية هو من صنع (الزميل نقد) وباقي الكوكبة النبيلة من الزملاء والمناضلين الديمقراطيين والوطنيين، وهذه الحقيقة الناصعة تحتاج لأن نمسك بها سمواً عن صناعة وهم عبادة الأفراد وتمجيدهم فوق نضالات الحزب وسيل تضحياته منذ التأسيس مروراً بالمحطات الفارقة ولحظات القرارات التاريخية في مسيرة الحزب.


    فكل المواقف الوطنية والنضالية للحزب المشهودة صنعتها عضوية الحزب والمناضلين الديمقراطيين والوطنيين بإلتفاف حول الحزب، مما يعني تكامل الإقتناع والإشادة ودعم هذه المواقف ودوره الرائد في الصراع لتحقيق التنمية المتوازنة والسلم ا########د والديمقراطية الراسخة.


    من جانب آخر فإن اللحظات التاريخية في مسيرة الحزب منذ تأسيس الحلقات الأولية ومروراً بمؤتمراته العامة، وتجاربه النضالية في مقارعة السلطات الإستعمارية التي كانت تجثم علي صدر الوطن وتأسيس (الجبهة المعادية للإستعمار) وكل أشكال التحالفات الوطنية في مقارعة الديكتاتوريات ومجابهة الهجمات المعادية للديمقراطية والتقدم تمثل حلقات من ضرورات سياسية وإجتماعية إستوعبها الحزب لدراسة واقعه وتشكيل خطه السياسي وتطوير فكره حول الديمقراطية والتطور الديمقراطي في بلادنا، وشكلت كذلك سلسة من الحلقات لإرتباط الحزب بالقواعد الجماهيرية لمختلف القطاعات السياسية السودانية، ففي مجمل المحكات الوطنية كانت قطاعات الشعب تتنظر دوماً موقف الحزب ورأيه، لقناعتها بإلتزامه جانب الشعب ونصرة قضاياه.


    الحزب رأيه شنو؟


    ودوماً ما تواجه عضوية الحزب بسؤال (الحزب رأيه شنو؟) وهو سؤال يشكل مؤشرات ثقة يسعي الحزب دوماً إلي تطوير أشكالها وتجويدها، كما أنها تًشكل في ذات الوقت مسؤولية تاريخية مهرها الحزب بالتفاني والتضحية بالجهد وبالروح، فقد قدم الحزب وعبر تاريخه الطويل قائمة نبيلة من الشهداء فوق أعواد المشانق، ودهاليز الإختفاء ومجابهة معاناة المرض في محاولة لتقديم نموذج الإيمان بالشعب وقضاياه (بالعمل الصبور الدؤوب) وتقديم كل ما يطور صراع الشعب مع الحزب والقوي الديمقراطية والوطنية الأخري ضد محاولات التركيع والتجهيل. وإستدامة التخلف.


    رحيل (نقد) وضرورة وحدة الحزب


    شكل المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني خطوة متقدمة في سبيل الحفاظ علي وجود الحزب وتماسكه بعد إنقطاع لفترة تقرب من نصف قرن، تعرض الحزب خلالها للعديد من التغيرات علي المستوي العالمي

    والإقليمي والوطني، كما فقد الحزب خلالها كوكبة من قيادته وعضويته العاملة بمختلف العوامل وتحت ظروف مختلفة متقاطعة، وقد نجح الحزب رغم قساوة هذه الظروف في الحفاظ علي وجوده، والصراع ضد مختلف أشكال تصفية هذا الوجود، وتمثل ضرورة الصراع حول وحدة الحزب (خاصة بعد رحيل الأستاذ نقد) واحدة من المهام التي تتطلب قدر عالي من المسؤولية التاريخية والوطنية لضمان إستمرار رسالة الحزب في تحقيق التنمية المتوازنة والسلم ا########د والديمقراطية الراسخة، وهي مهمة ليست بالساهلة أو البسيطة، بل تحيط بها العديد من التعقيدات والتوقعات من داخل الحزب أو من الحادبين عليه من مختلف القطاعات الشعبية، ولكن تجارب الحزب المديدة في تجاوز المحكات والمنعطفات تؤهل الحزب ضرورة لتجاوز هذه الظروف بما يشكل ضماناً لوحدة الحزب وتماسكه الفكري والتنظيمي، بل وبما يشكل كذلك دافعاً لتمتين نسيج الحزب وقدراته.

    وفي ذلك فإننا نتمني أن يكون إلتفاف جماهير الشعب السوداني حول الحزب في ظروف مرض ووفاة (الأستاذ نقد) ترساً يُسرع من دوران ماكينة العمل الحزبي والجماهيري وإجتذاب قطاعات واسعة من القوي الديمقراطية والوطنية إلي صف القضايا الوطنية والإصطفاف من أجل إسقاط النظام وتحقيق ديمقراطية واسعة ووطن نبيل يسع الجميع، وفي مقدمة هؤلاء المبتعدين عن العمل الحزبي ممن لم يخونوا قضية الحزب والشعب، فالمرحلة تتطلب مجهودات الجميع.


    شدو الضراع …فالقادم أحلي


    بادل الشعب السوداني الحزب بمشاعر التقدير والوفاء في عزاء (الزميل نقد) فليكن ذلك مدعاة لمزيد من العمل ورص الصفوف حتي نستطيع أن نهتف بالصوت العالي


    معاً من أجل التنمية المتوازنة والسلم ا########د والديمقراطية الراسخة


    عاش كفاح الشعب السوداني

    الميدان
                  

03-26-2012, 08:34 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    مكلمة الميدان
    March 25th, 2012
    سنظل أوفياء للمبادئ



    بالأمس احتشد الآلاف من الشيوعيين والوطنيين أمام منزل الزميل الراحل نقد ثم المركز العام للحزب الشيوعي ، ثم ساروا في موكب مشهود وشقت هتافاتهم عنان السماء تمجيداً للحزب والوطن ورفضاً للديكتاتورية ، ومن بين دموع التشييع والحزن النبيل كان ينفذ الإصرار والتصميم علي السير في طريق الثورة والنضال والمقاومة ضد الديكتاتورية والتسلط .

    وكما ذكر الناطق الرسمي للحزب الشيوعي في كلمته بالأمس في تأبين سكرتيرنا الراحل فإن الحزب لن يحيد عن القضية التي نذر نقد حياته لها ، و أن المشاركة الواسعة والكثيفة في مراسم تشييع نقد ما هي إلا تعبير عن الرفض القاطع لسياسات النظام القائمة علي الفساد والتنكيل بالمعارضين ، وأنها تؤكد رفض الشعب للهوس الديني والشمولية واقتناعه بأطروحات الحزب الشيوعي .

    سيظل الحزب الشيوعي علي العهد به وفياً لمبادئه ولقضايا الشعب ، ووفياً بالطبع لدماء شهدائه ومن ظلوا حتي الرمق الأخير ثباتاً علي المبدأ والعهد .

    وعهدنا للذين ساروا بالأمس في موكب التشييع ، ولكل الأصدقاء من بنات وأبناء شعبنا أن نواصل النضال من أجل الحرية والسلام والعدالة من أجل سودان ديمقراطي



    ** الحزب الشيوعي يؤكد المحافظة علي وحدته والاهتداء بالنهج الثوري لزعيمه الراحل

    الخرطوم/ فريق الميدان



    أعلن الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي المهندس يوسف حسين أن الحزب سيظل موحداً ومهتدياً بالنهج الثوري لزعيمه التاريخي محمد إبراهيم نقد .وأضاف في اللقاء الحاشد لتأبين نقد بالفردوس أمس أن الحزب لن يحيد عن القضية التي نذر نقد حياته لها ، وأشار إلي أن المشاركة الواسعة والكثيفة في مراسم تشييع نقد ما هي إلا تعبير عن الرفض القاطع لسياسات النظام القائمة علي الفساد والتنكيل بالمعارضين ، وأنها تؤكد رفض الشعب للهوس الديني والشمولية واقتناعه بأطروحات الحزب الشيوعي ، وأصبح واضحاً بالنسبة له ماذا تعني دولة المواطنة والدستور الديمقراطي . وقال إن الأديان السماوية ترفع شعارات الحق والعدالة والمساواة ويستفيد منها الشيوعيون في نضالهم لتكون في خدمة التقدم وليس في صالح القوي الرجعية . وأكد رفض الحزب لما تعلنه الإنقاذ في حديثها عن الدستور الإسلامي وأشار إلي أن هذا المشروع نفذه نميري ومن بعده البشير وكان عملاً لصالح الشمولية . وأكد رفض الحزب الشيوعي لأي دستور شمولي باسم الإسلام . وأكد التزام الحزب الشيوعي بالالتزام بالتداول السلمي الديمقراطي للسلطة .

    ومن جانبه قال البروفيسور بيتر أدوك ممثل رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت ، أن روح النضال يجب أن تستمر وأشار إلي أن نضال نقد وعبد الخالق والتجاني وجوزيف قرنق والشفيع ما زال مستمراً حتي تتحقق الحرية والعدالة . وأضاف أن انفصال الجنوب لم يتم بإرادة الجنوبيين لكنهم دفعوا إلي ذلك . ومن جانبها أكدت الدكتورة سارة نقد الله رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي أن مشهد تشييع نقد يؤكد تكاتف الشعب السوداني ودعت لتحويله إلي فعل ، وأشارت إلي أن السودانيين نصبوا سرادق العزاء داخل الوطن وخارجه حزناً علي فراق نقد .

    وقال الدكتور حسن عبد الله الترابي زعيم المؤتمر الشعبي أن لقاءه الأول بالراحل كان بحنتوب الثانوية وأشار إلي أن الزعيم نقد كان يؤمن بالحوار لكنه لا يجامل لا في وطنه ولا مبادئه ، وعدد الترابي مآثر الزعيم التاريخي الذي التقاه في محطات مختلفة . وقال المحامي يحي الحسين عضو المكتب السياسي لحزب البعث السوداني أن نقد فقد للبعثيين ولقوي الإجماع الوطني وللشعب السوداني قبل أن يكون فقداً للشيوعيين ، وأضاف أنه كان آخر عمالقة جيله وتعامل مع السياسة بجدية وليس بانتهازية

    في موكب مهيب.. الجماهير: شيوعيين شيوعيات ..لن ننساك يا نقد؟
    Updated On Mar 25th, 2012

    ** عرمان: نقد زاهد وناسك ومتصوف في محراب الإنسانية أزمنة طويلة عمل وتمنى الخير للفقراء والمحرومين والغلابى من بنات وابناء شعبنا ودخل الى الدنيا فقيرا وخرج منها فقيرا كما يقول المتصوفة..



    ** الأطفال الذين كانوا حضوراً في ذاك اليوم لم (ينوموا قط ولم يغشاهم النعاس) وإنما كانوا يهتفون أيضاً وهم يركضون خلف السيارات التي أغلقت شارع المطار قبالة النادي الكاثوليكي



    الخرطوم: حسين سعد

    قبيل بزوغ فجر أمس الأحد موعد ملامسة الطائرة التي كانت تحمل في جوفها جثمان (زعيم المناضلين) والسكرتير العام للحزب الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد ،كانت حركة الطيران والمودعين والمستقبلين عادية (مثل كل يوم) لكن التدافع الجماهيري (التاريخي) لقيادات الحزب الشيوعي ولجنته المركزية والنساء والكوادر الوسيطة والشبابية والأطفال بجانب جماهير القوي السياسية الأخرى. كان محل أعجاب لكثير من الحضور الذين لم يخفوا سرورهم بالتدافع الشبابي والنوعي لمناشط وفعاليات حزب حاربته الشمولية والطغاة بلا هوادة واغتالت قياداته وشردتهم وأعدمتهم وأغلقت دوره، لكنه خرج حزبا عصيا علي الانكسار والخضوع وتصدت قيادته التي يمثل القائد الفقيد (نقد) رأس الرمح في إعادة تنظيم الحزب عقب مجزرة الشجرة في السبعينات من القرن الماضي أبان حكومة الديكتاتور نميري، التي واجه شهداء الحزب الشيوعي رصاصها بصدور عارية وببسالة لم تعرف الخيانة والانهزام حتي قال شاعر الشعب محجوب شريف (ماشفتوا ود الزين الكان وحيد أمو/ قالولو ناسك وين/ قالولو ناسك كم ورينا شان تسلم).. ثم محجوب شريف أيضا في رثاء القائد العمالي الشفيع أحمد الشيخ (الشفيع يا فاطمه حي سكتيها القالت أحي).. وأيضاً الشريف المحجوب في الشهيد والمفكر عبدالخالق محجوب: (صدقنى أنا لقيتو امبارح/ لا بحلم كنت ولا سارح/ كان باسم وشامخ كالعادة/ نفس الخطوات البمشيها/ نفس الكلمات الوقادة/ الى ان تنتهي بقوله/ اعدامنا بتقصد اعدام؟/ الموت لو شنقا حتى الموت/ ما هو الموت/ الشعب بقرر مين الميت والعايش مين/ ما ني الوليد العاق.. لا خنتّ لا سراق/ والعسكري الفراق … بين قلبك الساساق/ وبيني هو البندم.. والدايرو ما بنتم).


    نمد أيدينا للجايين:

    أما الباحة الخارجية لمطار الخرطوم شهدت دوي صوت النحاس ورفرفت في سمائه بيارق الحزب الشيوعي الحمراء واللافتات التي كتب عليها (ماشين في السكة نمد أيدينا للجايين) و(حنبنيهوالبنحلم بيهو يوماتي) وهتافات أيضا علي شاكلة (حرية سلام وعدالة)، لكن حضور وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان بلافتاتهم وهتافاتهم المعروفة (أسبيلا وياي) كان محل حفاوة قيادات وكوادر الحزب الشيوعي حيث صافح المهندس صديق يوسف والدكتور الشفيع خضر وغيرهم وفد الحركة الشعبية الذي ضم بعض القيادات، والطلاب الحركة الشعبية بالجامعات الذين حضروا باكرا وظلوا متواجدين حتي وصول الجثمان ومغادرته للمطارالي المنزل ثم من هناك الي المركز العام بالخرطوم (2) ومنها الي مقابر فاروق حيث حيا طلاب الحركة الشعبية وقيادتها زعيم الحزب الشيوعي بملصقاتهم ولافتاتهم وهم يقول له: (وداعا أيها القائد الوطني والمفكر والمثقف القومي) و(ستظل أفكارك متقدة من أجل التغيير). أيضا شكل توافد الصحفيين حضوراً لافتا في هذا اليوم التاريخي للمفكر العظيم حيث كانت كاميراتهم وأقلامهم ومكرفوناتهم تدون كل شي في رحيل القائد الضخم (نقد) الذي قدم للشعب السوداني التنوير والثقافة والفكر وحب الوطن والانحياز للمقهورين، وأمام البوابة الرئيسية للدخول الي صالة كبار الزوار تدافع الصحفيين للدخول لكن السلطات المختصة منعت الصحفيين الذين يحملون بطاقة اتحاد الصحفيين من الدخول لكنها عادت _اي_ السلطات المختصة بالسماح للصحفيين بالدخول بعد تسجيل بياناتهم والصحف التي يعملون بها، عدم الاعتراف ببطاقة اتحاد الصحفيين دفعت بعضهم بالقول (علي الاتحاد ان يبل بطاقته ويشرب مويتها) وداخل مدرج المطار ووسط هدير ماكينة الطائرة الضخمة القادمة من بريطانيا والتي كانت تحمل في جوفها (نعش) زعيم حزب الطبقة العاملة عانق عبد الله شقيق الراحل أهله وتلاميذ شقيقه ورفاق دربه بحزن مكتوم وكذلك فعل الدكتورمحمد سليمان لكن المرأة العظيمة والشجاعة فائزة نقد احتضنت المستقبلين بالبكا والنواح وعندما قال لها بعضهم لماذا البكا يا فائزة ردت قائلة (رحيل محمد وجعني وغلبني).



    رحيل فاجع:

    فائزة ليست وحدها من بكت (نقد) بل بكته جموع الشعب السوداني والعمال والمزارعين والشباب والمقهورين والسياسيين وتلاميذه أيضا. ووسط هتافات (عاش نضال الحزب الشيوعي وحزب الطبقة العاملة) و(خالد.. خالد وقائد قائد يا نقد) شقت سيارة النعش التي كنت علي ظهرها مرافقا أهل المفكر الكبير والزميل حسن وراق بالميدان شقت السيارة طريقها وسط بصعوبة حيث كان سائقها يتوقف أحيانا من شدة الازدحام والجماهير وهتافاتهم الثورية التي شقت صمت ليل الخرطوم الحزين علي رحيل زعيم المناضلين.

    الأطفال الذين كانوا حضورا في ذاك اليوم لم (ينوموا قط ولم يغشاهم النعاس) وإنما كانوا يهتفون أيضا وهم يركضون خلف السيارات التي أغلقت شارع المطار قبالة النادي الكاثلوكي وصبغته باللون الأحمر للافتات والرايات وسط هتافات (شيوعيين.. شيوعيين) حيث ظلت الجماهير تهتف حتي وصول الموكب المهيب الي حي الفردوس، وهناك التقط الحضور أنفاسهم وتناول بعضهم كوبا دافئا من الشاي، أستعداد لاستصحاب (المفكر) الي المركز العام لكن هذه الرحلة هي الأخيرة لـ(نقد) حيث حضر الي المركز العام لكنه لم يتمكن من حضور اجتماع طاري للمكتب السياسي اواللجنة المركزية (جسديا) لكنه سيكون موجودا مع الرفاق (روحاً وفكراً ونضالاً)، ومن المركز العام للحزب الشيوعي خرجت الجماهير التي انضمت لها جموع أخري قادمة من مناطق مختلفة من العاصمة والأقاليم خاصة الجزيرة التي قابلت بعض قيادات تحالف المزارعين الذين ذكروا في حديثهم معي أمس أنهم (قدموا) هذا الصباح من الجزيرة للمشاركة في ألقاء النظرة الأخيرة لكنهم هذه المرة كانوا راجلين من المركز العام الي مقابر فاروق وفي شارع محمد نجيب أغلقته الجماهير تماما وهي تواصل ذات الهتافات لكنها بأكثر قوة وبالها المواطنون والموظفون الذين اطل بعضهم من شرفات مكاتبهم . وهم يلوحون بعلاما ت النصر وبعضهم بالدموع الغزيرة علي رحيل المفكر وزعيم حزب الطبقة العاملة. وفي مقابر فاروق حيث وري الجسد الطاهر وزعيم المناضلين ونصير الكادحين والغلابة انضمت الطرق الصوفية بنوباتها وإعلامها وهم يرددون(الله.. الله.. الله) حيث كان هناك الختمية والأنصار والأقباط والكاثوليك وأنصار السنة المحمدية وغيرهم من الطوائف.وبمثلما وصف غالبية السياسيين والصحفيين (نقد) بأنه مفكر ضخم وقائد وطني غيور وصادق ومناضل ومتواضع قالوا انه أيضا يمتلك روح الدعابة والنكتة وخفة الدم والمرح والتسامح والاستماع الي الآخر.

    رحيل (نقد) الداوي دفع احدي المنقبات وهي حضرت متأخرة عقب انفضاض الموكب وتوجه الجماهير الي الفردوس حضرت الي مباني صحيفة الميدان وقدمت التعازي الي أسرة الصحيفة والي الشعب السوداني وأعضاء وقيادات الحزب الشيوعي في رحيل الزعيم.

    محراب الشعب:

    وفي نعي له بعنوان(نقد:الفناء في محراب الشعب وسباق المسافات الطويلة) قال الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان: رحلوا تباعاً، محمد وردي، محمد الحسن سالم حميد، ومحمد ابراهيم نقد، القادمون من الشمس مملكة الضياء، والنور والخير في الاصل ياتى من عيون الأوفياء، رحلوا وكاني بهم على موعد مشترك نحو رحلة أخرى عند مليك رحيم . ثلاثتهم (محمد ومحمد ومحمد) احبوا السودان مليون ميل بالتمام والكمال وبالاخوة الشريفة، واتت الرياح بعكس ما اشتهت أنفسهم وسفنهم، وكانوا أبناء سرحته الذين غنوا له ولشعوبه جميعا وقد خلقوا من اجل التعارف . أحبوا السودان بأقوى يقين وأزهى حماس وخدموه بكل ما ملكوا من مواهب وحواس، وطاقات وقد عرف ملاك الموت كيف ينتقي أقمار باهرات ونفوس عامرة وزاخرة بحب السودان.

    وتابع (نحن مانزال نكابد رحيل (حميد) ونخوض في بحر فجيعته ويعتصرنا الم غياب صديقنا وأخانا الذي لم تلده امنا محمد الحسن سالم مع ضوء النهار واذا بالاستاذ محمد ابراهيم نقد يتوارى عند مدن الضباب). ووصف عرمان محمد ابراهيم نقد بانه زاهد وناسك ومتصوف في محراب الإنسانية أزمنة طويلة عمل وتمنى الخير للفقراء والمحرومين والغلابة من بنات وابناء شعبنا ودخل الى الدنيا فقيرا وخرج منها فقيرا كما يقول المتصوفة الا من محبة شعبه وعارفي فضله وكان مدرسة خرجت أجيال عديدة ومتواضعا حد التواضع وسريع البديهة خفيف الظل حاضر النكتة.

    وقال ان محمد ابراهيم نقد مفكر خلف بصماته الخاصة واسهاماته في نضال حركة التقدم الاجتماعي في السودان وهو من عصر مجموعة نادرة من المناضلين في سباق المسافات الطويلة لم يتسرب اليأس لنفوسهم منذ أن تسرب الوعي لعقولهم على الرغم من طول المسافة والطريق، ولم يبدلوا تبديلا، في بدايات نضالهم كانوا غرباء وطوبى للغرباء، اعطوا زهرة شبابهم وكامل حياتهم على وجه البسيطة واهدوها لشعبنا دون من او أذى وبذا استحقوا احترام كل المناضلين من مختلف المدارس الوطنية. والاجيال القادمة ستجد في نموذجهم درسا ممتازا في معاني التضحية والفداء والوفاء والانحياز الى صف الفقراء، ودوما فان رايات العدالة الاجتماعية هى انبل الرايات ظلا وتستحق البسالة والتضحية، كما ان الحياة دون قضية لعنة. وان عمر الانسان فسحة قصيرة وعلينا ان نترك الحياة افضل مما وجدناها، مهما طالت المسافات وتباعدت الطرق.

    يمكن القول بكل ثقة واطمئنان ان الاستاذ محمد ابراهيم نقد لم يشارك في جلد الشعب بالسياط كما لم ياكل مال الشعب بالفساد، وحظي بالاعجاب وحقق رصيد عند سودانين كثر لايتفقون مع حزبه ولكن كانت له القدرة على مد حبال الوصل معهم وتلك والله مهارة.

    وردد في البدء والختام أصالة عن نفسي ونيابة عن الحركة الشعبية ورئيسها مالك عقار ونائب الرئيس عبدالعزيز ادم الحلو نتوجه بالتعازي الحارة لأهله ونخص أسرته التى لم تبخل عليه بالمؤازرة طوال حياته نساء ورجال وتعازينا لحزبه الشيوعي والى أصدقائه ولنعمل معا من اجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام الدائم والتنمية المستدامة، وحق الآخرين في أن يكونوا آخرين، وتوحيد السودان شمالا وجنوبا وحدة بين دولتين مستقلتين . ولنعمل معا من اجل سودان جديد.



    شاهد جانبية من موكب التشييع
    Updated On Mar 25th, 2012

    ما سر المُنقَّـبَة التي بكت نقد أمام (الميدان)؟

    ** تشييع نقد درس مجاني للشرطة عن ماهية المواكب السلمية!



    رصدتها: كاميرا الميدان

    لا تزال الكتابات عن قدر فقيد البلاد محمد ابراهيم نقد تترى، مغالبة فجيعة الرحيل، من القوى السياسية المحلية وعلى مستوى المحيط الإقليمي والعالمي من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وقوى اليسار؛ وكشف موكب تشييع الراحل عن الإمكانات البشرية والقدرات التنظيمية الفاعلة للحزب الشيوعي السوداني، وعن ثقل الوزن الجماهيري لحزب الطبقة العاملة. وأثناء التحرك صوب مطار الخرطوم الدولي وعقب وصول جثمان الفقيد وتشييعه من منزله بالجريف غرب إلى المركز العام للحزب الشيوعي ومنه إلى مثواه الأخير بمقابر فاروق، إلتقطت كاميرا (الميدان) بعض من المشاهد الحية (خارج أبعاد الفوتوغرافيا) والتي تتجاوز إطار التعبئة الجماهيرية متجهة صوب المضامين العميقة التي التي أفلح الراحل نقد وحزبه في ترسيخها عميقاً داخل وجدان أبناء وبنات الشعب السوداني..


    البوليس الوطني:

    قبل أن تعلم مجموعة من شباب الحزب الشيوعي بتأجيل مواعيد وصول طائرة الخطوط الجوية البريطانية (B.M.I) من الثانية إلا ربعاً إلى الرابعة وعشرة دقائق صباحاً، خرجت مجموعة منهم ميممة وجهها شطر المطار بناءاً على توجيهات اللجنة المنظمة للتشييع، حاملين ألويتهم فاقعة الإحمرار ومرتدين الزي الموحد للمشيعين (المريلة الحمراء) متجهين إلى المطار راجلين إنطلاقاً من المركز العام وعلى مشارف الدار إستوقفتهم دورية شرطة متسائلةً عن سبب خروجهم منتصف الليل وعندما علموا بالسبب، تقدم أفراد الدورية الأربعة (ضباط صف) بتعازيهم للشباب بطريقة لطيفة تشبه الإعتذار، وهو ما أثلج صدور عدد غير يسير منهم.. بقولهم (مالو لو البوليس طوالي بقى يتفهم أحزان الناس).. وفي الذاكرة القريبة التراجيديا المأساوية المسماة (أحداث اغتيال المواطنة عوضية عجبنا جبريل) بديوم الخرطوم.

    موظفات الدولة:

    وعربة التصوير التي كانت تقل المصورين والمخرجين تمخط شارع الستين بالخرطوم صباح الأحد، إذا بموظفة ترتدي الثوب الأبيض تفتح نافذة عربة الترحيل الحكومية، وتخاطب المصورين في تأثر واضح: (ربنا يرحموا والبركة فيكم يا شيوعيين.. وجعنا والله).

    ناس أركويت:

    بتقاطع الشرقي بأركويت. مر أحد المواطنين راجلاً بالموكب، وبتلقائية سودانية رفع يديه بالفاتحة والدعاء بالمغفرة على روح الراحل. وماضياً لحال سبيله، في مشهد يؤكد صحة انحياز الفقيد نقد تجاه الشعب السوداني وقضاياه.

    شباب البلد:

    أوقفت شرطة المرور أحد الشوارع المطلة على أحد التقاطعات التي يمر بها الموكب، فإذا بشاب كان يقود العربة التي في مقدمة الشارع يترجل عن مقوده، حاملاً كاميرا تصوير (دييجتال) ويشرع في تصوير الموكب بالفيديو من بداية الموكب وإلى أن توارى عن مدى رؤية كاميرا (الميدان) بشغف بالغ وإهتمامٍ غير يسير، وملوحاً للموكب بيده الأخرى.

    حميمية الصحفيين:

    الصحفيين السودانيين والقنوات السودانية كانوا قمة في الأداء الوطني المسئول تجاه فقيد البلاد، عدا النذر اليسير، ولكل حقٌ في أبداء ما يرى من آراء! وأحتل الراحل صفحات متنوعة من صفحات الجرائد، تقاريراً وتحليلات سياسية ومواد إرشيفية وحوارية مختلفة، أعدت بمهنية عالية لا يعوزها التقدير والاحترام لشخص الراحل زعيماً وطنياً وقائداً إنسانياً قل أن يجاري، وعلاوة على ذلك فقد كان الفقيد صديقاً للصحفيين الشباب، مجيباً على تساؤلاتهم ومناقشاً لأطروحاتهم، فكان عليهم حق أن يبادلوه حباً بحب وتقديراً بإحترامٍ ومعزة.

    في خدمة الشعب:

    تحدث عدد من المواطنين الذين كان يمشون بالقرب من العربة إلى جوار مقابر فاروق عن موقف الشرطة، وللحق فقد كانت تعامل منسوبي الشرطة من ضباط وضباط صف وجنود شرطة ولاية الخرطوم وشرطة المرور والنجدة، مع الحدث في مستوى عالٍ من الوعي، والتفاني، منذ بدء توافد المشيعيين إلى مطار الخرطوم في الواحدة من فجر الأحد، وإنتهاءاً بمراسم رفع العزاء. بل رصدت (الميدان) ضابطاً برتبة العقيد وهو يرفع أكفه بالفاتحة مع المشيعين. وهو سلوك حميد يتسحق التقريظ لكونه قد أعاد العلاقة ما بين الشرطة والشعب إلى نصابها الصحيح، وعلقت أحداهنَّ بالقول أن موكب تشييع نقد أعطة الشرطة درساً مجانياً عن ماهية المواكب السلمية، حيث حضر الآلاف موكب التشييع بهتافاتهم التي شقت عنان السماء، وأنصرفوا عقب مراسم الصلاة والدفن بكل رقي وتحضُّر.. هو مشهد سيظل عالقاً في أفئدة الكثير من أصحاب الياقات الزرقاء والأزياء المموَّهة.

    صديق الطوائف:

    الأخوة الأقباط كانوا حضوراً ملحوظاً في موكب التشييع، وأصر أحد القساوسة الذي كان يرتدي زيَّـه الكنسي بسواده الناصع على أن يتلو صلاوته على نعش الفقيد بمقابر فاروق وهو يغالب نحيبه، في مشهد أبكي العديد من الشباب الذي كانوا يحملون النعش.. لله درك من رجل يا نقد.. إنساناً تلتقي عنده الأديان السماويات وأشواق الأرضين في المحبة والسلام، وبالناس المسرة..


    مشاهد جانبية من موكب التشييع
    Updated On Mar 25th, 2012

    ما سر المُنقَّـبَة التي بكت نقد أمام (الميدان)؟

    ** تشييع نقد درس مجاني للشرطة عن ماهية المواكب السلمية!



    رصدتها: كاميرا الميدان

    لا تزال الكتابات عن قدر فقيد البلاد محمد ابراهيم نقد تترى، مغالبة فجيعة الرحيل، من القوى السياسية المحلية وعلى مستوى المحيط الإقليمي والعالمي من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وقوى اليسار؛ وكشف موكب تشييع الراحل عن الإمكانات البشرية والقدرات التنظيمية الفاعلة للحزب الشيوعي السوداني، وعن ثقل الوزن الجماهيري لحزب الطبقة العاملة. وأثناء التحرك صوب مطار الخرطوم الدولي وعقب وصول جثمان الفقيد وتشييعه من منزله بالجريف غرب إلى المركز العام للحزب الشيوعي ومنه إلى مثواه الأخير بمقابر فاروق، إلتقطت كاميرا (الميدان) بعض من المشاهد الحية (خارج أبعاد الفوتوغرافيا) والتي تتجاوز إطار التعبئة الجماهيرية متجهة صوب المضامين العميقة التي التي أفلح الراحل نقد وحزبه في ترسيخها عميقاً داخل وجدان أبناء وبنات الشعب السوداني..


    البوليس الوطني:

    قبل أن تعلم مجموعة من شباب الحزب الشيوعي بتأجيل مواعيد وصول طائرة الخطوط الجوية البريطانية (B.M.I) من الثانية إلا ربعاً إلى الرابعة وعشرة دقائق صباحاً، خرجت مجموعة منهم ميممة وجهها شطر المطار بناءاً على توجيهات اللجنة المنظمة للتشييع، حاملين ألويتهم فاقعة الإحمرار ومرتدين الزي الموحد للمشيعين (المريلة الحمراء) متجهين إلى المطار راجلين إنطلاقاً من المركز العام وعلى مشارف الدار إستوقفتهم دورية شرطة متسائلةً عن سبب خروجهم منتصف الليل وعندما علموا بالسبب، تقدم أفراد الدورية الأربعة (ضباط صف) بتعازيهم للشباب بطريقة لطيفة تشبه الإعتذار، وهو ما أثلج صدور عدد غير يسير منهم.. بقولهم (مالو لو البوليس طوالي بقى يتفهم أحزان الناس).. وفي الذاكرة القريبة التراجيديا المأساوية المسماة (أحداث اغتيال المواطنة عوضية عجبنا جبريل) بديوم الخرطوم.

    موظفات الدولة:

    وعربة التصوير التي كانت تقل المصورين والمخرجين تمخط شارع الستين بالخرطوم صباح الأحد، إذا بموظفة ترتدي الثوب الأبيض تفتح نافذة عربة الترحيل الحكومية، وتخاطب المصورين في تأثر واضح: (ربنا يرحموا والبركة فيكم يا شيوعيين.. وجعنا والله).

    ناس أركويت:

    بتقاطع الشرقي بأركويت. مر أحد المواطنين راجلاً بالموكب، وبتلقائية سودانية رفع يديه بالفاتحة والدعاء بالمغفرة على روح الراحل. وماضياً لحال سبيله، في مشهد يؤكد صحة انحياز الفقيد نقد تجاه الشعب السوداني وقضاياه.

    شباب البلد:

    أوقفت شرطة المرور أحد الشوارع المطلة على أحد التقاطعات التي يمر بها الموكب، فإذا بشاب كان يقود العربة التي في مقدمة الشارع يترجل عن مقوده، حاملاً كاميرا تصوير (دييجتال) ويشرع في تصوير الموكب بالفيديو من بداية الموكب وإلى أن توارى عن مدى رؤية كاميرا (الميدان) بشغف بالغ وإهتمامٍ غير يسير، وملوحاً للموكب بيده الأخرى.

    حميمية الصحفيين:

    الصحفيين السودانيين والقنوات السودانية كانوا قمة في الأداء الوطني المسئول تجاه فقيد البلاد، عدا النذر اليسير، ولكل حقٌ في أبداء ما يرى من آراء! وأحتل الراحل صفحات متنوعة من صفحات الجرائد، تقاريراً وتحليلات سياسية ومواد إرشيفية وحوارية مختلفة، أعدت بمهنية عالية لا يعوزها التقدير والاحترام لشخص الراحل زعيماً وطنياً وقائداً إنسانياً قل أن يجاري، وعلاوة على ذلك فقد كان الفقيد صديقاً للصحفيين الشباب، مجيباً على تساؤلاتهم ومناقشاً لأطروحاتهم، فكان عليهم حق أن يبادلوه حباً بحب وتقديراً بإحترامٍ ومعزة.

    في خدمة الشعب:

    تحدث عدد من المواطنين الذين كان يمشون بالقرب من العربة إلى جوار مقابر فاروق عن موقف الشرطة، وللحق فقد كانت تعامل منسوبي الشرطة من ضباط وضباط صف وجنود شرطة ولاية الخرطوم وشرطة المرور والنجدة، مع الحدث في مستوى عالٍ من الوعي، والتفاني، منذ بدء توافد المشيعيين إلى مطار الخرطوم في الواحدة من فجر الأحد، وإنتهاءاً بمراسم رفع العزاء. بل رصدت (الميدان) ضابطاً برتبة العقيد وهو يرفع أكفه بالفاتحة مع المشيعين. وهو سلوك حميد يتسحق التقريظ لكونه قد أعاد العلاقة ما بين الشرطة والشعب إلى نصابها الصحيح، وعلقت أحداهنَّ بالقول أن موكب تشييع نقد أعطة الشرطة درساً مجانياً عن ماهية المواكب السلمية، حيث حضر الآلاف موكب التشييع بهتافاتهم التي شقت عنان السماء، وأنصرفوا عقب مراسم الصلاة والدفن بكل رقي وتحضُّر.. هو مشهد سيظل عالقاً في أفئدة الكثير من أصحاب الياقات الزرقاء والأزياء المموَّهة.

    صديق الطوائف:

    الأخوة الأقباط كانوا حضوراً ملحوظاً في موكب التشييع، وأصر أحد القساوسة الذي كان يرتدي زيَّـه الكنسي بسواده الناصع على أن يتلو صلاوته على نعش الفقيد بمقابر فاروق وهو يغالب نحيبه، في مشهد أبكي العديد من الشباب الذي كانوا يحملون النعش.. لله درك من رجل يا نقد.. إنساناً تلتقي عنده الأديان السماويات وأشواق الأرضين في المحبة والسلام، وبالناس المسرة..



    إتفق (الجميع) على محبته:

    مشهد لمَّاح ومؤثر جداً لشابة مُنقَّـبَة كانت ترتدي القبعة الورقية المخصصة للتشييع والتي تحمل صورة الراحل نقد، وكانت تجلس منتحبة و(تتنهف) قبالة مدخل (الميدان) ورصدت كاميرا الزميل إبراهيم المطبعي هذا المشهد الفارق، إذ يخطر الزي الذي ترتديه الفتاة (نقاب وعباءة سوداء) عن الآيديولوجيا الدينية التي تحمل، والتي لم تمنعها من أبداء عواطفها تجاه شخصية وقامة مثل الاستاذ محمد ابراهيم نقد، إذن هو الرقم الصعب الذي يعلو فوق هام الإنتماءات والآيديولوجيا، محمد ابراهيم نقد و”بس”..


    الميدان
                  

03-27-2012, 06:04 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    560962_10150638760483577_983033366_n.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    عن نقد.. والشؤون الإنسانية وتحديات السياسة السودانية
    د. عبدالوهاب الأفندي
    2012-03-26



    قبل مواصلة الحديث الذي ابتدرناه الأسبوع الماضي في الدفاع عن قيم التحضر المتأصلة في السودان، لا بد من وقفة قصيرة لذكر بعض محاسن فقيد الأمة السودانية الأستاذ محمد ابراهيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي السوداني، الذي رحل عن الفانية إلى الباقية يوم الخميس الماضي في لندن حيث كان يعالج، عن 82 عاماً، وتم تشييعه من قبل الآلاف في العاصمة السودانية الخرطوم أمس الأول. ولعل أول ما يلفت النظر هنا الإجماع الوطني غير المسبوق على الإشادة بالراحل وتعداد مآثره، حيث كان يحظى باحترام وتقدير لم يتحقق لزعيم سوداني آخر. وهذه حقيقة تدعو للعجب في بلد متدين محافظ مثل السودان، ويزيد الاستغراب كون الحزب الشيوعي السوداني حزباً مثيراً للجدل على الساحة السياسية، وقد اتهم بالمشاركة في عدة انقلابات.


    تولى نقد زعامة الحزب في أحلك سنواته، وذلك بعد مجزرة قيادة الحزب عقب انقلاب يوليو 1971 الذي اتهم الحزب بالوقوف وراءه، وظل في حالة اختفاء ومطاردة حتى سقوط نظام النميري في عام 1985. ولكنه أعاد الحزب إلى قلب الساحة السياسية خلال الفترة الديمقراطية، وجعله أحد كبار اللاعبين على الساحة رغم ضعف وجوده البرلماني. وبعد انقلاب عام 1989، أصبح الحزب الشيوعي الدينامو المحرك لتحالف أحزاب المعارضة المعروف بالتجمع الوطني الديمقراطي. وكان نقد قد تعرض للاعتقال بعد الانقلاب، ثم للاعتقال المنزلي بعد عام 1991، حيث عاد إلى الاختفاء عام 1992 ليظهر بعد توقيع اتفاق السلام عام 2005.
    وقد كانت شخصية نقد القوية إحدى أسباب فشل محاولات الانشقاق التي قادتها شخصيات إصلاحية دعت إلى مراجعات جذرية في أفكار الحزب وعقيدته الماركسية التقليدية في حقبة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وقد جسد نقد في سلوكه الشخصية السودانية النموذجية، حيث عرف بالتواضع والزهد والنزاهة والالتصاق بالواقع الاجتماعي.


    والملاحظ أن نقد كان، مع الشيخ حسن الترابي، من الزعماء السياسيين القلائل الذين لم يغادروا السودان إلى المنفى في أي وقت بعد توليهم الزعامة. وقد أدى الاحترام الذي يحظى به سياسياً وشعبياً إلى محاولة كل القوى السياسية، بما فيها النظام، إلى التقرب منه. ويروى أنه كان يؤم المصلين في سجن كوبر في مطلع التسعينات، في وقت كان فيه كل زعماء الأحزاب والطوائف الدينية في المعتقل، لأنه كان الشخصية الوفاقية المقبولة من الجميع. ألا رحم الله الفقيد، فقد شهد له العامة بالفضل.
    ولعل الحديث عن نقد وتجسيده لفضائل 'الشخصية السودانية النموذجية' يعيدنا من جديد إلى المسألة الإنسانية، لأن التكافل والتراحم يعد من أهم الفضائل التي تواضع السودانيون على التمسك بها، بحيث أصبح الإمساك والبخل، أو التكبر والانقطاع عن الآخرين، أو التأخر في المساهمة في الواجبات الجمعية، من أكبر المسبات التي قد يعاب بها السوداني. ويحفل الأدب الشعبي السوداني والموروث الثقافي بالتغني بالكرم، وقرى الضيف، وإيواء الغريب ونصرة الضعيف وسد خلة المحتاج، باعتبارها من المكارم التي تورث الفخر، بينما يعتبر التقصير فيها من العيوب التي لا تغتفر.
    ولا يعني هذا أن 'الفضائل' المعنية لا تخلق إشكالات خاصة بها.


    فالاعتزاز بالذات قد يصل إلى مرحلة الانتقاص من الآخرين، بل التعالي العنصري عليهم. وقد تعرض نقد لجانب من هذه السلبيات في كتابه الشهير ' علاقات الرق في السودان' (1995). ولكن هنا إشكاليات أخرى، منها التشوهات التي أدخلتها التطورات الرأسمالية الحديثة، وكذلك الأيديولوجيات المتنافسة، ومنها اليسارية والإسلامية والجهوية، التي أدخلت العنف إلى الساحة السياسية السودانية، وقطعت الأرحام، وانتهكت الأعراف المستقرة في ساحات عدة، لم تكن كلها ساحات قتال. كل هذه التوجهات والانحرافات اتخذت في بعض الأحيان طبيعة 'طفيلية'، تستغل الفضائل السودانية حتى وهي تدمر أسسها.
    وفي النزاعات المستمرة هذه الأيام في ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان، وبعض نواحي دارفور، نرى ملامح من هذا الانحراف، بدءاً من الاحتكام إلى السلاح بين أبناء الوطن الواحد، مروراً بتقطيع الأرحام والأواصر، وضرب القبائل والجيران بعضهم ببعض، والتنكر للأعراف التي ظلت تحكم العلاقات بين الجيران، وحتى بين أبناء القبيلة والعشيرة الواحدة. ويبلغ الأمر قمته في استخدام معاناة المواطنين الأبرياء سلاحاً في الصراع السياسي ـ الأيديولوجي. وهذا لعمري بعيد كل البعد عن أدنى متطلبات أعراف الصراع بين الأعداء، فضلاً عن أن تكون من شيم الإكرام والتناصر التي يفتخر بها أهل السودان.


    ولعل المطلب الأعجل، والأجدر بكل من يزعم أنه يريد خيراً للسودان وأهله، هو أن يتوقف القتال فوراً، وأن يعكف المتقاتلون على إغاثة ضحاياهم والنظر في احتياجاتهم البسيطة، وأن يكون شغلهم البناء لا الهدم والتدمير. فضحايا هذه المعارك من المدنيين هم في الأصل فقراء يعيشون الكفاف، حتى بدون تحول بيوتهم وحقولهم إلى ساحات حرب ووقوداً للهيبها.
    وما كانوا ينتظرونه هو أن يأتي إلى ديارهم خبراء التنمية والمعلمون والأطباء ومهندسو الطرق، لا حملة السلاح وتجار الدمار.
    مهما يكن فإن ما حدث، كما نعرف، هو العكس. وهنا فإن أضعف الإيمان هو ما يطالب به المجتمع الدولي من إيصال الإغاثة العاجلة لمن تقطعت بهم السبل بسبب الحرب لغير ذنب جنوه.
    حتى الآن، هناك اعتراض من الحكومة على هذا المطلب، بحجة أن تجاربها السابقة مع مثل هذه المشاريع، سواء في جنوب السودان أو دارفور، تؤكد أن مثل هذه المشاريع تستغل من قبل المتمردين، وتحول الإغاثة إلى غير مستحقيها، وتطيل أمد الحرب. تعارض الحكومة كذلك إقامة معسكرات للنازحين، خشية أن تتحول، كما هو الحال في دارفور، لظاهرة دائمة يصعب تفكيكها، فضلاً عن تحولها إلى مواقع لنفوذ المتمردين. وكانت الحكومة قد اتهمت برنامج 'شريان الحياة' التي كانت تديره الأمم المتحدة خلال حرب الجنوب لنقل الإغاثة من كينيا بأنه كان ينقل الأسلحة للمتمردين.


    تضيف الحكومة اعتراضات مبدئية على العمل الإغاثي الإنساني، باعتباره يكرس الاعتماد على الآخرين، وينال من كرامة المواطنين، إضافة إلى أن منظمات الإغاثة هي مؤسسات ذات مصلحة في استمرار هذه الحالة التي تكرس التبعية وتعوق التنمية. وفوق ذلك فإن معظم هذه المنظمات هي أدوات في يد الدول الكبرى، وأحياناً كثيرة في يد أجهزة المخابرات.
    لا شك أن هناك اعتراضات وجيهة على عمل منظمات الإغاثة وبعض الآثار السلبية طويلة الأمد لها. وقد لا يكون اتهام منظمات الإغاثة والأمم المتحدة بنقل الأسلحة للمتمردين صحيحاً، ولكن قادة التمرد كانوا يستغلون طائرات الإغاثة في تنقلاتهم. ولكن كل هذه الحجج لا يمكن أن تبرر منع وصول الإغاثة إلى الأبرياء، وإنما تبرر فقط المطالبة برقابة صارمة أكثر على استخداماتها.
    وبحسب علمنا فإن الجهات الدولية ذات الصلة عرضت مقترحات تستجيب لكل اعتراضات الحكومة الوجيهة، حيث تشتمل على أن تتولى كل من الجامعة العربية والاتحاد الافريقي الرقابة على عمليات الإغاثة لجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن تنشأ آليات لإيصال الإغاثة إلى المحتاجين في قراهم ومواقعهم حتى لا تنشأ الحاجة إلى إقامة معسكرات، وأن يتم نقل المواد الإغاثية من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة أو عبرها، حتى تنتفي أي شبهة نقل أسلحة أو معدات ذات طابع حربي.
    وبحسب نظري فإن هذا مقترح بناء يستجيب لحاجات المواطنين المتضررين، ولمتطلبات المجتمع الدولي، ويتعامل مع محاذير الحكومة ومخاوفها.
    وينبغي على الحكومة أن تستجيب لهذا العرض فوراً، وبدون أي تأخير أو شروط إضافية. ومن شأن مثل هذه الاستجابة أن تعيد التوازن إلى العملية السياسية عبر تخفيف التوتر مع الجنوب والمجتمع الدولي من جهة، وعبر فتح الباب لحوار هادئ حول إنهاء الحرب من جهة أخرى.
    كما ذكرنا فإن هذا أضعف الإيمان، لأن الأصل هو أن تتولى الدولة إغاثة مواطنيها. والأولى بالطبع ألا تجعل المواطنين في حاجة إلى الإغاثة أصلاً، فضلاً عن أن يكونوا عرضة للتهجير وويلات الحروب. ولا عبرة هنا بمن تسبب في الحرب، لأن واجب الدولة الأول هو حماية مواطنيها من العنف، من أي مصدر جاء. وكون الحرب اندلعت فإن هذا يعني الفشل في الحماية، ويستتبع المسؤولية والمساءلة. أما إذ وقع الفشل، وتعرض المواطنون لمصائب حرب لم يكونوا طرفاً فيها، وجاءت جهات أجنبية تتبرع بإغاثتهم، فإن من العيب أن تصبح الدولة هي المعوق لوصول المعونات لمن يحتاجها من مواطنيها.


    قبل أيام كنت أستمع لأحد 'شبيحة' النظام السوري من الإعلاميين يبرر اعتراض النظام السوري على وصول المعونات الإنسانية للمتضررين في سوريا بحجة أن سورية هي سلة غذاء العالم التي تفيض بالخير على الدنيا، وعليه فمن العار أن يتحدث الناس عن نقل الإغاثة إليها! مثل هذا الكلام يصح لولا أن النظام هناك دمر البيوت على رؤوس ساكنيها، وقصف المشافي، وقتل الأطباء، وقطع الطرق، ومنع وصول الخبز والماء والدواء والضروريات للمدن المحاصرة، ونهب المحلات والبيوت.
    فهذه كلمة باطل أريد بها باطل، لأن القضية ليست نقل الغذاء إلى بلد يرفل أهله في النعيم، بل تقديم العون لشعب في بلد حوله نظامه إلى جحيم على أهله. بنفس القدر فإن الحديث عن أضرار الإغاثة على استقلال الفرد وإنتاجية البلاد وكرامة المواطن في السودان تكون ذات معنى لولا تعرض المواطنين للتشريد والقصف وغير ذلك من المصائب التي هي بالقطع أضر بالكرامة والإنتاجية من تقديم الإغاثة.
    وهكذا نعود إلى نقطة البداية، وهي الأصل ألا يتعرض المواطن لما يجعله يحتاج الإغاثة، فإن وقع ذلك فإن من كان السبب في المشكلة لا يحق له أن يكون الحكم في طريقة المعالجة.

    ' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن



    -----------------

    عيون نُقد ..!! .. بقلم: زهير السراج
    الإثنين, 26 آذار/مارس 2012 21:06
    Share
    [email protected]




    * أسرنى مقال الصديق الدكتور الفاتح عمر مهدى اختصاصى طب وجراحة العيون المعروف ومدير (مستشفى النيل التخصصى للعيون) بام درمان والذى نشره بالزميلة ( الرأى العام) أمس متحدثا فيه عن ملابسات العمليتين الجراحيتين اللتين أجراهما بمستشفاه للراحل العظيم خلال فترة اختفائه الأخيرة ( 1991- 2005 )، لما فيه من عدة معانى جديرة بالتأمل:

    * التضحية الكبيرة لـ( نقد) الذى آثر ممارسة العمل السياسى والمعارضة من داخل الوطن رغم ما فى ذلك من خطورة كبيرة على حياته خاصة خلال الفترة العصيبة التى اعقبت فشل انقلاب المرحوم هاشم العطا ( يوليو 1971 ) وشهدت عمليات التصفية الوحشية والاعتقالات التى تعرض لها الشيوعيون واصدقاؤهم آنذاك، مما يؤكد وطنية وجسارة الراحل العظيم وتفضيله التضحية بحياته على ممارسة العمل السياسى من الخارج رغم مشروعيته تحت ظل انظمة قمعية تمارس القمع الوحشى والقتل على خصومها السياسيين !!


    * الاعمال الجليلة التى قدمها كثيرون لا تربطهم بالحزب الشيوعى أية صلة حزبية أو حتى شخصية كـ( دكتور الفاتح) لدرجة تعريض انفسهم وحياتهم للخطر لتوفير الملاذات الآمنة واماكن الاجتماعات ووسائل النقل والاتصال والعلاج وكل سبل الراحة لاعضاء الحزب .. إلخ، خلال فترات الاختفاء والعمل السرى الطويلة، والعلنى أيضا، مما يؤكد الاحترام الكبير الذى يكنه الشعب السودانى للحزب الشيوعى السودانى وللراحل العظيم الذى ارغم الجميع على احترامه بوطنيته الفذة وتضحياته الكبيرة واخلاقه النبيلة !!

    * ويدل هذا الاحترام على ان الحزب الشيوعى السودانى قد نجح خلال مسيرته الطويلة، في اقناع الكثيرين بوطنيته وهويته السودانية، وانتهاجه لـ (فكر) يحترم مكونات هذه الهوية بكل أبعادها، ويزاوج بينه وبين الإنتماءات الروحية والثقافية للشعب السوداني، بل ويضع هذه الانتماءات في مركز حركته بدون ان يتخلى عن فكره والنظرية الماركسية التى يستند عليها، وإلا لما وجد المساعدة والاحترام اللذين وجدهما ويجدهما من شعب عميق التدين، واقتناعه بأنه حزب وطني حر، لا يتمسك بالنصوص الجامدة، بل يستخلص منها ما يصلح لظروفه والبيئة التي يعيش فيها ..!!

    * كما يدل على السلوك القويم لقادة الحزب وكوادره، والذى لا يمكن ان يكون ناجماً عن فراغ، وإنما من ارتباط وثيق بالقيم الاخلاقية والروحية العميقة للشعب السودانى، وهو ما يتضح جليا فى مسيرة الحزب الناصعة وصرامته التى تعكسها لوائحه الداخلية تجاه أي مساس بقيم هذا الشعب من اى عضو من اعضائه مهما كان الموقع الذى يشغله فى الحزب ..!!


    * ويكفى كدلالة واضحة على قيم الحزب العالية واحترامه لاخلاقيات الشعب.. البيان الذى اصدره وعممه على كل عضوية الحزب والأجهزة الاعلامية قبل تشييع الراحل العظيم الى مثواه الاخير يطلب فيه إلتزام الصمت خلال التشييع ( عدم ترديد هتافات عدائية)، وهو ما التزم به إلتزاما صارماً كل اعضاء الحزب واقتصرت هتافاتهم على شعارات الحزب المعروفة وتمجيد الراحل العظيم. رحم الله نقد الذى كان نعم المعلم ونعم الاب ونعم الصديق.

    الجريدة 26 مارس


    ----------------

    ماك الوليد العاق لا خنتا لا سراق ..
    بقلم: نورالدين محمد عثمان نورالدين
    الإثنين, 26 آذار/مارس 2012 21:08
    Share

    [[email protected]]

    منصات حرة


    شيع الألاف من الشعب السودانى سكرتير الحزب الشيوعى محمد إبراهيم نقد هذا الرجل الذى حير العالم بصموده وكفاحه ضد الشموليات رغم الإعتقال ورغم صعوبة العمل السياسي فى ظل حكم العسكر ولكن دائماً كان يبتكر هذا الرجل اساليب لممارسة العمل السياسي السري عن طريق الإختفاء قدم نقد الكثير من الإسهامات الفكرية وقدم مواقف سياسية شهد له فيها الخصوم قبل الأصدقاء ،

    وليس غريب ولا مستغرب هذا الحشد المليوني فى تشييع جثمان الراحل الذى بدأ من مطار الخرطوم إلى منزله ثم مركز الحزب ثم مقابر فاروق فنقد له كاريزما وحضور قوي فى كل المحافل وكان كل هذا العدد الهائل من أبناء الشعب فى حالة ذهول بين مصدق ومكذب لهذا الفقد العظيم وكانت الجموع تهتف وهى فى حالة بكاء وحزن مرددين ماك الوليد العاق لاخنتا لا سراق وهذه حقيقة فنقد كان عفيف اليد واللسان لم يظلم أحد ولم يجرح أحد بقول أو فعل كان محور إتفاق كل الشيوعيين وكل السياسيين فالرجل حقيقة فقد للسودان ، والجميع الآن فى إنتظار خليفة نقد الذى سيتولى منصب السكرتير السياسى للحزب فهذا المنصب هو أكثر المناصب فعالية فى التنظيم ، ويتم إختياره من داخل اللجنة المركزية التى تقود عمل الحزب فالكثيرين يظنون أن أختيار خليفة نقد سيتم عبر مؤتمر للحزب ولكن نقد كان سكرتيراً داخل لجنة مركزية وبذلك وبكل هدوء سيتم إختيار الشخص المناسب فى إجتماع اللجنة المركزية ، ومن الأشياء التى لفتت نظري لم يكن هناك أي وجود رسمي للدولة فالمؤتمر الوطنى إكتفي بحضور الأستاذ علي عثمان والدكتور نافع كل بطريقة منفردة فى صيوان العزاء وفى ظنى أن النظام الآن فوجئ بعد أن شاهد هذا الحشد الذى كان به الأطفال والشباب والشابات والنساء وكبار السن والجميع يهتف لكفاح الطبقة العاملة ونضال الشعب السوداني على عكس ماتوقع من أن تكون مراسم التشييع قاصرة على أعضاء الحزب فقط ولن تكون بهذا الحشد العفوي ،


    كيف لا وهو النائب البرلمانى المرشح من منطقة الديم فى الخرطوم وله جماهير كثيرة وهنا المحك والإمتحان الذى سيدخل فيه الحزب الشيوعى فإذا تم إختيار شخص غير مؤهل وليس له قبول جماهيري سيفقد الحزب جماهير كثيرة كانت تدعم الحزب فى الإنتخابات رغم ترديد الكثيرين أن البرنامج المطروح هو الفيصل ولكن على الرغم من صحة هذه المقولة فالشخص أيضاً له تأثيره الخاص على الجماهير عن طريق صفاته وقدراته ومدى قبوله بين الناس فورقة الإمتحان التى أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعى ستحتاج لإجابات منطقية تقنع بها الشعب السودانى عن طريق الخليفة الجديد للسكرتير الراحل نقد على الرغم من يقينى أن كل كوادر هذا الحزب لهم القدرة التى تؤهلهم لقيادة هذا المنصب ولكن كما أسلفت للجماهير رأي خاص سنراه فى مقبل الأيام ..
    مع ودى ..
    الجريدة


    ---------------

    ستظل صفحات تاريخ نضالك شعلة متقدة ايها العبقري الفذ محمد ابراهيم نقد.

    بقلم: مشار كوال أجيط
    الإثنين, 26 آذار/مارس 2012 21:09
    S



    ستظل صفحات تاريخ نضالك وكفاحك النبيل شعلة متقدة ايها العبقري الفذ محمد ابراهيم نقد
    مشار كوال أجيط


    لا شك أن للحزب الشيوعي السوداني صفحة مشرقة ناصعة في مسيرة كفاح ونضال السياسي من اجل الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في السودان .وفي هذا السياق فقد مضي هذا الحزب حثيثا في بلورة منهج التغيير الاجتماعي في السودان وهو ازالة النظام الطبقي الذي ظلت الانظمة الشمولية والدكتاتورية تمارسها حيث قسمت فئات الشعب الي الطبقة البورجوازية التي تستأثر بالسلطة والثروة في السودان

    .والطبقة البولوتاريا المسحوقة(المهمشة)التي تنتج الثروة ولاتملك وهؤلاء هم شرفاء الشعب السوداني الذين ظلوا دوما ينشدون دولة الموسسات حيث استقلال القضاء وسيادة حكم القانون وعلي هذا النحو لم يالو قيادات الحزب الشيوعي السوداني جهدا في في خوض معارك الحرية والكرامة من اجل ارساء اسس ومبادئ حقوق الانسان وفي سياق متصل أن عضوية الحزب الشيوعي قد عرفوا علي مر التاريخ السياسي والاجتماعي بالتجرد ونكران الذات اذ ان هذا الحزب العتيد يمتلك خيرة أبناء وينات الشعب السودان الذين رسموا افاق المجد والشموخ والعزة وعلي ائ فان رحيل المفكر السوداني والعبقري الفذ ورائد الفكر الطموح الاستاذ محمد ابراهيم نقد في هذه اللحظة يعتبر نقطة تحول في السياسية السودانية


    وتجدر الاشارة الي أن الاستاذ نقد كان مورخا وفيلسوفا وسياسيا لا اعتقد أن الزمان قد تجود به في القريب العاجل ومهما يكن من امر فانه يبدو ان الراحل المقيم الاستاذ ابراهيم نقد قد كتب المسكوت عنه في التاريخ السوداني في سفره القيم (علاقات الرق في المجتمع السوداني ) وقد بين في ذلك الدورالذي لعبته البيوتات الكبيرة (المهدويين والمراغنة) في ممارسة تجارة الرقيق والتي تبلورت في المزكرة التي بعث به كل من السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني تلك الرسالة اللعينة للسكرتير المخابرات في الادارة البريطانية وفي فحوي المزكرة بأن لا تتدخل الادارة البريطانية في شأن الرق والارقاء الذين يرزحون بين السلاسل والاطواق في زرائب السيدين .ولعل قيادات الحزب الشيوعي السوداني قد دعوا في وقت مبكر للوحدة الوطنية وجاء تلك في اطروحة الفلسفية لمدرسة الغابة والصحراء وهو مشروع يرسي دعائم الوحدة الوطنية في السودان بيد أن هذا المشروع الوطني الكبير تعرض لهجوم من قبل التيار الاسلاموعروبي والقوي الرجعية التي مثلت الاتجاه الاسلامي حينئذ اذ جاء في نقدهم السياسي والثقافي الهدام أن مدرسة الغابة والصحراء تحجم الدور الاسلامي العربي التوسعي في افريقيا.وفي هذا السياق اتخذ هؤلاء الاسلاموعروبيون منهج الشاعر الجاهلي السمؤل القائل: وننكر أن شئنا علي الناس قولهم ولاينكرون القول حين نقول.

    وعلي ائ فقد ظل هذا التيار الاسلاموعروبي وفقهاء السلطان يصدرون فتاوي تتسم بالجهل وتقوم الكيان الهلامي الذي سمي بهيئة علماء السودان بتكفير الرفاق في الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية والهدف من وراء ذلك هو تحجيم اطروحة تيار الحداثة التي تتبني قيم ومثل الديمقراطية وحقوق الانسان وفيما يبدو زكره في هذا المضمار أن الرفيق الراحل المقيم الاستاذ ابراهيم نقد قد خاض معارك نضاله وكفاحه الحر الشجاع من اجل الكادحين والغلابة في كل ربوع السودان وفي سبيل ذلك تعرض للملاحقة والتنكيل من قبل جماعة المؤتمر الوطني الذين سماهم د/ جون قرنق (طالبان أفريقيا) وهو تلك الدرب الذي استشهد فيه الماضل الكبير عبد الخالق مجحوب وبقية العقد الفريد من رفاق ورفيقات النضال في الحزب الشيوعي السودان احد اكبر الاحزاب علي مستوي افريقيا والوطن العربي ومما لاريب فيه ان كوادر الحزب الشيوعي السوداني يتميزون بسعة الافق والثقافة الغزيرة بالاضافة الي الالتزام السياسي والتنظيمي وهم اقوي عودا واصلب مراسا عند المحن اذ انهم لايتزحزحون عن مواقفهم السياسية في احلك الظروف وقد شهدت اروقة التجمع الوطني الديمقراطي ذلك.جدير بالاشارة أن رحيل الاستاذ محمد ابراهيم نقد في هذه اللحظة أنما هو فاجعة الموت باهل السودان خاصة وبكل دعاة الحرية والخير والانسانية بشكل عام لان الراحل نقد كان يطمح لبناء وطن شامخ وطن عاتي خير ديمقراطي فيه ارادة .سيادة. حرية مكان الفرد تقدم وهو مرفوع الهامة .وعلي هذا النحو أن الاعمال الجليلة التي قدمها الاستاذ محمد ابراهيم ستظل باقية كأن علي الماء نقوش. سيكون ماضيك النبيل ايها الراحل المقيم الاستاذ محمد ابراهيم نقد فخرا لجيلنا وبهذا . يعزي منتدي الراحل يوسف كوه مكي للفكر والثقافة لكل الشعب السوداني عامة وقيادات الحزب الشيوعي السوداني بصورة خاصة علي هذا الفقد الجلل للرحيل الاستاذ محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني


    -------------

    أحرف حـــرة

    نقد.. الدرس الأخير

    عادل ابراهيم حمد


    أحمد الله أن حييت إلى زمن يشيع فيه زعيم الحزب الشيوعي السوداني المعارض عزيزاً مكرماً، وقد نعته رئاسة الجمهورية و وصفته بكل صفات الوطنية الحقة. ونعت كل القوى الفاعلة الأستاذ محمد إبراهيم نقد أي أن الوطن يسير على طريق التعافي السياسي بعد زمان كان الصراع الدامي هو سمة التنافس السياسي الذي يدار بنظرية معسكري الحق المطلق والباطل المطلق التي لا تجعل السياسي إلا قاتلاً أو مقتولاً ولا مساحة لمنطقة وسطى للحوار والتداول والمراجعة.

    وهكذا فإن تراب الوطن الذي يضم اليوم سكرتير الحزب الشيوعي بعد تشييع مهيب يضم أيضاً سكرتير الحزب السابق في قبر مجهول، ويضم في صحراء مجهولة جثمان المفكر الجمهوري محمود محمد طه وأطرافه مكبلة بأثقال الحديد، ودفن الإمام الهادي خلسة، ومات فيه بطل الاستقلال إسماعيل الأزهري سجيناً تتجاهل أجهزة الإعلام الرسمية خبر موته، ومات الشريف حسين في المنفى، ولا يعرف قبر لمحمد صالح عمر، والشفيع، وحسن حسين، ولا ذكر لعشرات الضباط ولا لمئات وآلاف المدنيين من ضحايا الإنقلابات والحروب والنزوح والكروب.

    عل المولى عزّ و جلّ قد جعل كل هؤلاء منارات يضيئون بأرواحهم الطريق نحو آفاق التعافي السياسي الرحبة بعد أن أورثنا الصراع هذا المشهد المأساوي الحزين. و قد ادخر الله تعالى الأستاذ نقد بما حباه من لطف في شخصيته ليجسد المشهد الجديد إيذاناً بعهد جديد فقد كان نقد إنساناً بحق، وما أصعب أن يجعل السياسي مبادئه الإنسانية السامية سلوكاً تلقائياً وأخلاقاً تمشى بين الناس. ولقد أحبه الناس لـ (مباشرته) و بساطته،

    ومثّل خطابه في مناقشة الميزانية في الديمقراطية الثالثة نموذجاً للقرب من نبض الناس العاديين حتى أن الأستاذ عبد اللطيف البوني كتب في عموده (حاطب ليل) أن مواطناً قال عن نقد بعد سماع الخطاب (ده راجل صالح). وكان نقد واثقاً من قدراته الفكرية فلم يتردد فى مراجعة (الحتميات) الماركسية رغم وعورة هذا الجانب. و كان يتمتع بروح شفافة ورؤية فنان فلما سأله صحفي عن (دفء) العلاقات قال نقد: لماذا لا تقول (دعاش) فالدفء مفردة وافدة من بلاد الصقيع. لم تكن مصادفة أن تلتقى كل هذه المشاعر الفياضة والتقدير الخاص عند تشييع نقد، فهو رصيد جمعه الرجل بعد نضال شاق وبشخصية تملؤها روح إنسانية لا تخفى.. محمد إبرهيم نقد.. طبت حياً و ميتاً.

    ----------------



    بقلم: خالد فتحي

    نقد تطلع من شقوق الارض


    هل كان الرفيق محمد إبراهيم نقد يتوقع أن تكون أقداره بذاك السخاء، وأنه سينجو من المطاردة المحمومة التي تلت فشل انقلاب (هاشم العطا) وعودة (نميري) ورفاقه وعلى أعينهم غشاوة الغضب وفي أفئدتهم نار من أحقاد لا تكاد تنطفئ.. وهل كان يعتقد حينئذٍ ورفاقه من بين قتيل ومعتقل أو مطارد بأنه سيعيش ليبني حزبه ويجمع أشتاته بعد أن ضربه أعداؤه في قلبه ضربة ظنوا أنه لن يقوم بعدها.. وهل دار بخلده وقتها أنه سيكتب له النجاة لاسيما وأن حزبه بدا يومها حطاماً وبدا رفاقه كأنهم فلول بعثرتها الصدمة، وهل ظن يومها أنه ناج،
    وانه سيرى أبعد من ذلك إلى أن يرى مصارع خصمه اللدود (نميري) وقد ثارت عاصفة الغضب ضده التي وصلت إلى درجة الخروج عليه بعد التحريض عليه لدرجة الحصار حتى استحكمت حلقات الثورة ضد نظامه ثم هوى به شعبه إلى حيث لا يهوى الطغاة. ترى كيف عاش سكرتير الحزب الشيوعي الراحل تفاصيل تلك الأيام التي (هزت السودان) أوان الانتفاضة والشعب يخرج على مدى عشرة أيام من 26 مارس إلى 6 من أبريل 1985م، عندما أخذت موجات الجماهير تتدفق أكثر وأكثر إلى الشوارع وتدخل في صدام مكشوف وشجاع مع الشرطة وجهاز أمن الدولة الذي واجه المتظاهرين بالرصاص الحي. هل بكى يومها؟ أم سجد لله شكراً؟ أم ردد في سره (يمهل ولا يهمل)؟ أم كانت حاله كحال أبيالطيب المتنبئ وقد نشط رجال (كافور الإخشيدي) في طلبه وقد فرّ خفية من مصر إذ يقول:
    فربّتما شفيت غليل صدري
    ... بسيرٍ أو قناةٍ أو حسام
    وضاقت خطّةٌ فخلصت منها
    ... خلاص الخمر من نسج الفدام
    وهل ساورته الظنون ساعتئذ أنه أقداره ستمنحه فسحة من الوقت قد تزيد عن (41) عاماً يمضي فيها في دروب الحياة لا يلوي على شيء، ثم يأتي ليتوسد الثرى في إغماضة الموت الأخيرة، ينتظر فقط قيام الساعة وقد فعل كل شيء من أجل شعبه ولم يستبق شيئاً.. لقد كان كمعلمه الراحل أمام محكمة (نميري) الصورية عندما سأله (نميري) بصلف ماذا قدمت لشعبك؟ فرد بهدوء الواثق (الوعي ثم الوعي بقدر ما استطعت). وأيام المحنة كتب على (نقد) الاختفاء الطويل الذي أخذه البعض عليه بأنه أدخل الحزب في حالة من البيات الشتوي، لكنه رد عليهم في مقابلة مع صحيفة (الشرق الأوسط) ظهوره المفاجئ في مطلع أبريل 2005 مشيراً إلى أن اختفاءه لم يكن نزوة أو نزهة بل كان قراراً سياسياً.
    (1)
    مقابر (فاروق) هذه بالذات لها ذكريات لا تنسى مع الراحل (محمد إبراهيم نقد) ففي مكان ما من مقابر (فاروق) التي ينتظر أن يتوسد فيها الثرى اليوم، جمع (هاشم العطا) ما تبقى من رجاله في 22 يوليو 1971م على عجل، لكن ليس على خوف في آخر اجتماع لهم وتواصوا بشجاعة الرجال بأن لا يفشي أسرار مافعلوا، وألا يأتوا على ذكر اسم أحد من الضباط أو الجنود الذين شاركوهم الفعل. كما روى د. حسن الجزولي في كتابه الموسوم (عنف البادية .. وقائع الأيام الأخيرة في حياة عبدالخالق محجوب)، «من مبنى القيادة العامة استطاع هاشم العطا الوصول مع بعض رفاقه، إلى مقابر فاروق بالخرطوم , وهناك عقدوا اجتماعا سريعا طلب فيه من المدنيين المغادرة سريعا، على حين وجه العسكريين بتسليم أنفسهم طالباً منهم عدم الكشف عن أسماء أعضاء التنظيم العسكري أو أسماء المشتركين في المحاولة، مهما واجهوا من عنت وقسوة أثناء التحقيق».
    (2)
    لقد كان على نقد أن يتجاسر ويمشي ويصبر على حزبه لأنه هناك شيء يراد، لقد كانت مهمته بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة لأن مهمته كانت أشبه بـ (وظيفة (النول) يمد الخيوط طولا وعرضا ويصنع مساحة من القماش قابلة للنظر وقابلة للفحص وقابلة لاختبار التماسك والمتانة) كما يقول الكاتب الصحفي المصري (محمد حسنين هيكل) في تبيان جهد (روجيه جارودي) المضني في عرضه لأساطير مؤسسة السياسة الإسرائيلية حول المحرقة اليهودية (الهولوكوست). ويتضح مآلات ذاك الجهد الاسطوري في الغبطة التي تلقى بها الرفاق أول منشور للحزب الشيوعي بعد محنة يوليو والتي عبر عنها محجوب شريف بأبياته الشهيرة
    ديل أنحنا
    القالوا فتنا
    وقالوا متنا
    قالوا للناس انتهينا
    لقد تخير الشيوعيون رابعة النهار للإطاحة بحكم النميري وتفادوا الليل بالرغم من أنه موئل الانقلابات العسكرية الكلاسيكية.. وفي هذا تروى حكاية ذائعة الصيت بأن الرئيس الراحل (جعفر نميري) ذهب إلى أحد الشيوخ - وقد كان ولعا بهم وباستشارتهم والإذعان لما يطلبون- ينشد معاونته في السيطرة على مقاليد السلطة.. ووعده الشيخ خيرا وأكد له انه سيقوم بالسهر على السلطة ليلا على أن يقوم نميري بالمحافظة عليها نهارا؛ يعني أن الرئيس والشيخ اقتسما عبء المحافظة على الحكم في قبضة نميري، لكن الانقلاب وقع بالنهار أي ساعة (وردية) نميري.. وبالرغم انه لم يتسنَّ لنا التأكد من صدقية الحكاية الغربية من عدمها لكنها تنبئ أن الانقلاب كان مختلفا في كل تفاصيله منذ البداية وحتى النهاية.
    (3)
    ثمة من يصر على عقد مقارنة بين عبدالخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد باعتبار أن كليهما تولى منصب سكرتارية الحزب الماركسي.. الراصد لمنحنيات الأحداث في ردهات الشيوعي يلحظ بجلاء أن عبدالخالق كان قائداً سرعان ما تحول إلى زعيم وبطريقة أسرع إلى رمز أسطوري وأيقونة للشيوعيين السودانيين الأغلى، وقد زاد من وطأة ذاك الاحساس أن اصطبغت مسيرته بالدم الذي خضب خطاويه الاخيرة إذ نزل متدلياً من حبل المقصلة داخل حجرة الإعدام في سجن كوبر الرهيب في 28 يوليو 1971م لكن البعض لم يقوَ على تصديق أنه مات ومن تلك الاجواء استلهم محجوب شريف أبياته
    طيري يا يمامة
    وغني يا حمامة
    وبلغي اليتامى
    والخائفين ظلاما
    عبد الخالق حي
    وبالسلامة
    ولعل الدليل الأبلغ على سطوة عبدالخالق محجوب ما قام به الجنيد علي عمر كما روى عنه الدكتور (عبدالله علي إبراهيم) ، بأنه طلب من خالد الكد بأن يحمله على سيارته إلى مضارب آل عبد الخالق محجوب بأم درمان، وهناك ترجل الجنيد من ظهر السيارة، وانحنى ليتلقط (فحمة) من قارعة الطريق وكتب على صفحة الحائط الخارجي لمنزل الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي السوداني بعد رحيله المأساوي على أيدي نظام الرئيس جعفر نميري في يوليو 1971م «للمرة الألف حضرنا ولم نجدك»، وبعد أن فعل فعلته تلك عاد للسيارة مرة أخرى وركب بهدوء كأن لم يحدث شيء.
    (4)
    لكن المدافعين عن (نقد وسنينه) يشيرون إلى أن الرجل حافظ على وحدة الحزب بين يدي سلطة عسكرية ناصبته العداء وحاولت تمزيقه شر ممزق، وأيضا بين يدي مجموعة فكرية في الجانب الآخر متملثة في الإسلاميين بأعنف مما كانت أيام (عبدالخالق) لاتفتأ تحرض السلطة والناس عليه ولا تدع سانحة إلا وقامت بـ (شيطنت) أفكاره واتهمت كادراته بالكفر والإلحاد ومناوءة الدين متخذين مقولة ماركس الشهيرة (الدين أفيون الشعوب) حجة على ما يدّعون.
    وفوق هذا وذاك النظرية نفسها بدأت في الاضمحلال والضمور في الداخل والخارج ولم تعد بذات الوهج والقوة التي كانت عليها في القرن الماضي أو أوان (عبدالخالق) على أقل تقدير، لقد أخذت محنة النظرية وغربتها الفكرية تشتد وسط العالم المائج بالمستجدات والمتغيرات، العالم الدائم البحث عن إجابات شافية لتساؤلاته الحيرى.
    ولم تقف الأمور عند ذلك الحد بل تعرضت التجربة الشيوعية بأكملها إلى عوامل التعرية بفعل الفؤوس التي تكاثفت على لحائها السميك يريدون اجتثاثها من الجذور مستغلين عوامل الزلزال الذي وقع بانهيار الاتحاد السوفيتي واختفائه إلى الابد في ديسمبر 1991م.
    ولم يكن على نقد أن يستعيد للتجربة روحها وحسب – بالرغم من ضغوط الداخل والخارج - بل كان عليه فوق ذلك بأن يعر ضها بجاذبية جديدة خاصة وأنها كانت في إدبار وتراجع في أعقاب السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي ـ كما أسلفنا ـ ولعله من هنا بدأت الحركة الدائبة ثم الصدام القوي حول كل شئ داخل الحزب اليساري العتيق بدءً بالاسم والمنهج وليس انتهاءً بالسبيل والرؤية على غرار ما أقدمت عليه الاحزاب الشيوعية بدول أوروبا الشرقية، لكن الرجل أصر بشدة أن يلتزم مكانه رافضا الاستجابة أو الانحناء للعاصفة التي اشتدت بين يدي المؤتمر العام للحزب الذي انعقد في الخرطوم في يناير 2009م وقد استولت مسألة الاسم وتبديله من عدمه على اهتمام واسع بالدرجة التي جعلته يدخل ليكون إحدى القضايا الثماني المطروحة على طاولة المؤتمر الخامس، لكن الراحل قال في كلمته في فاتحة أعمال المؤتمر المار ذكره «إن تغيير اسم الحزب الشيوعي ظل مطروحاً منذ فترة وسيكون مطروحاً وسيحسم بالتصويت الديمقراطي». وأضاف في لهجة عميقة الدلالة «لو سميتو الحزب الاشتراكي الإسلامي برضو الناس ح تقول ديلك الشيوعيين».
    (5)
    من مآثر الراحل انه لم يجتهد في بناء شرعيته بالتنقيب عن دواعي قصور سلفه أو البحث عن طريق مغاير يميزه عن سلفه ذي الضوء الساطع والصوت الأثر على غرار ما فعل كثيرون غيره في التاريخ كأنور السادات مع جمال عبدالناصر أو ليندون جونسون مع كيندي أو حتى هاري ترومان مع فرانكلين روفلت، ويسود اعتقاد واسع بين الناس أن ما سلف ربما يعود لأسباب موضوعية تتمثل في ألا أحد نازع الراحل في الزعامة على الحزب التي تحولت بفعل الزمن والنضالات ضد الديكتاتوريات العسكرية إلى زعامة شبه مقدسة، ثم أسباب شخصية تتمثل في سطوة جينات الوفاء لأسلافه الذين مضوا على الدرب قبله. في تقديمه لكتاب «في فكر محمد إبراهيم نقد» للباحث (نذير جزماتي) يرى المفكر العربي المعروف (محمود أمين العالم) أن محمد إبراهيم نقد عرفه محللا عميقا عارفا بأسرار مختلف حقائق الواقع السوداني والعربي في أنحائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد كان يتابعه بإعجاب شديد في سجون السودان المختلفة أو متخفيا من حكومات البطش والاستبداد مواصلا أينما كان وكيفما كان قيادته للحزب الشيوعي السوداني باعتباره أمينا عاما له، فضلا عن مبادراته المتعددة الرضية لتوحيد وتنشيط مختلف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الحية في السودان من أجل سودان ديمقراطي متحرر ومتقدم. وما يحسب لـ (نقد) أيضا المحاولات الجادة في التأليف، وله العديد من العناوين بينها «قضايا الديمقراطية في السودان» و»حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» و»علاقات الأرض في السودان: هوامش على وثائق تمليك الأرض» و»علاقات الرق في المجتمع السوداني» و»حوار حول الدولة المدنية.»

    (
                  

03-27-2012, 04:34 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    sudansudansudansudansudansudan256.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    نقد و الحزب الشيوعي في التاريخ و الإصلاح
    03-27-2012 03:31 PM

    نقد و الحزب الشيوعي في التاريخ و الإصلاح

    زين العابدين صالح عبد الرحمن
    [email protected]

    غيب الموت السيد محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني, و البلاد في أمس الحاجة إليه, حيث أنها تواجه تحديات داخلية و خارجية, و عدم استقرار سياسي بسب النزاعات في عدد من الأقاليم, إضافة إلي نظام الحزب الواحد المطبق في البلاد لأكثر من عقدين, رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها البلاد بهدف أن تكون التعددية السياسية علي أرضية الديمقراطية هي الحل المقبول لدي الجميع, كما تشكل المخرج الوحيد للبلاد من أزماتها السياسية التي تعيشها. و معلوم أن السيد نقد تسلم قيادة الحزب الشيوعي السوداني عقد حكم الإعدام علي سكرتيره العام عبد الخالق محجوب عقب انقلاب 19 يوليو عام 1971مع عددا من رفاقه.

    كان الحزب الشيوعي يواجه حربا شرسة, بسبب الانشقاق الطولي الذي حدث في الحزب الشيوعي, حيث نصف اللجنة المركزية ذهبت مع الرئيس جعفر محمد نميري, و التي فضلت البقاء مع السلطة, و بقي النصف الأخر متمسكا بالحزب, و في هذا الظرف التاريخي الحرج, تسلم السيد محمد إبراهيم نقد راية القيادة في الحزب الشيوعي السوداني, في الوقت الذي كانت أغلبية القيادات فيما تبقي من المكتب السياسي و اللجنة المركزية بما فيهم نقد مطاردة من قبل السلطات الأمنية للنظام, و من خلال مقر نقد السري أستطاع الرفيق أن يحافظ علي الحزب و يعيد بنائه التنظيمي و تماسكه, و إعادة ترتيب أوراقه السياسية. بسبب أن الحزب كان يواجه معضلتين, الأولي المؤسسات الأمنية للنظام و مراقبتها لكوادر الحزب و عضويته و تحركاتهم. ثانيا التصدي لأفكار المنشقين الشيوعيين, و الذين كانوا بدأوا حملة فكرية ضد الحزب و أفكاره, كان يجب أن يحارب الحزب في اتجاهين, و في نفس الوقت يعيد بناء نفسه في هذه المرحلة التاريخية, و التي أستطاع السيد محمد إبراهيم نقد أن يتجاوزها بنجاح,رغم الحصار الأمني الذي كان مضروبا عليه, و أن يستمر الحزب في إصدار نشراته الداخلية و جريدته " الميدان", لكي تتواصل مع الناس و تحمل رؤية الحزب في القضايا السياسية المطروحة.

    كان الرفيق نقد مخلصا لرفيق دربه السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي السوداني السيد عبد الخالق محجوب في حياته و بعد ممات عبد الخالق, حيث وقف مع السكرتير العام عبد الخالق في كل صراعاته التي كان قد واجهها داخل الحزب, داخليا في قضية السيد عبد الوهاب زين العابدين و السيد عوض عبد الرازق, كان عبد الخالق يعتبرهما من عناصر البرجوازية اليمينية داخل الحزب, و بالتالي عمل الأخير علي إبعادهم من الحزب, ثم جاءت أطروحات الخط الماركسي " المايوي" "نسبة إلي ماو سيتونج الزعيم الشيوعي الصيني", و كانتبقيادة السيد مختار عبيد,و الذين تبنوا الرؤية الماركسية الصينية,و كانوا يعتقدوا أن السودان محتاج إلي عمل عسكري ينطلق من الريف إلي الحضر, و يتبني ثورة ثقافية لإعادة هيكلية الدولة السودانية و ثقافتها السياسية, كان الرفيق نقد ضد هذا التوجه و شكل تحالفا قويا مع السكرتير العام السابق, يساندهم الراحل التجاني الطيب في مواجهة هذه التحديات و التي أطلقوا علي أصحابها "التحريفيين" الذين يحاولون أن يحولوا المسار الفكري للحزب.

    كانت بوادر الانشقاق داخل الحزب الشيوعي السوداني التي حدثت في 1971 قد ظهرت منذ انعقاد مؤتمر الجريف, و الذي عقد عام 1966 , و الذي لم يحضره السكرتير العام للحزب عبد الخالق محجوب, رغم أنه كان من الداعين إليه و مشاركا في تحضيراته, و لكنه لم يحضر المؤتمر, بسبب أنه تعلل الذهاب لحضور مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي, و عندما جاء من الاتحاد السوفيتي الغي كل القرارات التي أتخذها المؤتمر.كان الهدف الأساسي من المؤتمر مناقشة رؤية فكرية طرحت داخل اللجنة المركزية, تنادي بتحويل الحزب الشيوعي إلي حزب طليعي, يهتدي بميثاق اشتراكي و ببرنامج وطني ديمقراطي, و يشكل الشيوعيون القلب الثوري لذلك الحزب, الأمر الذي يجعل للحزب قدرة تكتيكية كبيرة, يستطيع أن يستقطب قطاع كبير من النخب السياسية الجديدة, التي تبنت شعارات أكتوبر الداعية للحرية و الديمقراطية. و يقول عن ذلك التوجه الدكتور فاروق محمد إبراهيم, العضو السابق للجنة المركزية في ذلك الوقت, في مجلة قضايا سودانية و الصادرة في إبريل عام 1994 يقول عن تلك الدعوة ( كانت الدعوة تفتح باب عضوية الحزب أمام عشرات الآلاف من طلائع أكتوبر و الذين اكتسحوا بالحزب الشيوعي دوائر الخريجين و منحوه المرتبة الثانية في دوائر العاصمة القومية و جعلوا منه قوة اجتماعية كبري في الجزيرة) و يضيف قائلا ( كانت الدعوة بميثاق اشتراكي محدد كبديل للماركسية اللينينية يزيح عن كاهل الحزب تهمة الإلحاد اللصيقة بتلك النظرية و شكلت عقبة امام التحاق الكثيرين به و صارت فيما بعد ذريعة لحل الحزب الشيوعي) و بالفعل أجاز المؤتمر الرابع تلك الدعوة و انتخب لجنته المركزية و انتخب عبد الخالق محجوب الغائب سكرتيرا عام للحزب و رغم ذلك كان المؤتمر يشكل تحولا في العقلية داخل الحزب الشيوعي و يوضح قوة المركزية و الصلاحيات التي يتمتع بها الأمين العام.

    في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فوجئ أعضاء المؤتمر بتغيير أسم المؤتمر من المؤتمر الرابع إلي مؤتمر تداولي, علي حسب رغبة السيد الأمين العام للحزب, و ليس قرارا من اللجنة المركزية,و بعد حضور الأمين العام من موسكو الغي كل قرارات المؤتمر, باعتبار أن الدعوة لتغيير الحزب إلي حزب طليعي اشتراكي تعتبر انحرافا يمينيا, تهدف لحل الحزب الشيوعي و هدر تاريخه النضالي, و يقول الدكتور فاروق ( فوجئنا بعد عودة الأمين العام بفترة بالزميلين سليمان حامد و يوسف حسين يدعوان فروع الحزب في مدينة ود مدني و ينقلان فيها عن الأمين العام و المكتب السياسي أن قرار المؤتمر بتحويل الحزب الشيوعي إلأي حزب طليعي انحراف يميني مؤاده حل الحزب الشيوعي و كل الحج التي جاءت في اعداد الشيوعي 126 و 127) و يضيف الدكتور فاروق ( أوضحت للاجتماع الذي شاركت فيه كان عبد الخالق يدعو اللجنة المركزية و يطرح لها هذا الرأي و أن يتبني الدعوة لمؤتمر أخر داخل اللجنة المركزية و يطرح لها هذا الرأي ثم يتم نقض قرارات المؤتمر السابق و لكن بهذا الفعل نحن نتبني نمطا من المركزية المطلقة علوا فيه صوت الأمين العام علي صوت الحزب كله و لا يكون للائحة أي معني) في كل تلك كان السيد نقد واقفا مع الأمين العام, حتى أضطر إخلاصا لعبد الخالق أن يغير بعض مواقفه, لكي تتلاءم مع أطروحات الأمين العام, و تأكيدا لذلك يقول الدكتور فاروق ( دعيت إلي دورة اللجنة المركزية التي انعقدت في ضاحية من ضواحي الخرطوم في نوفمبر 1966. نفس أعضاء اللجنة المركزية الخمسة و الخمسين الذين انتخبهم مؤتمر الجريف تحدث فيها محمد إبراهيم نقد و عمر مصطفي المكي و عزالدين علي عامر و جوزيف قرنق و معاوية إبراهيم و غيرهم و أدانوا القرارات التي اتخذوها بأنفسهم قبل ستة شهور و شكروا الأمين العام علي تصحيح الانحراف اليميني) كان السيد محمد إبراهيم نقد يكن حبا كبيرا للأمين العام عبد الخالق محجوب, لذلك كان أكثر حرصا علي إتباع خطوات الرجل, حتى بعد مماته, حيث أن عملية الدعوة لتغير أسم الحزب, و علي أن تكون الماركسية أحدي مراجعه و ليس المرجعية الوحيدة, كانت قد بدأت منذ أن كان السيد عبد الوهاب زين العابدين أمين عاما, ثم عادت في عام 1966 و تكررت مرة أخري,و أخيرا تجددت الدعوة في ظل قيادة محمد إبراهيم نقد بعد سقوط الاتحادي السوفيتي و هدم حائط برلين, حيث خرجت مجموعة تنادي بذات الدعوة,كان علي رأسها الخاتم عدلان و الحاج وراق و عمر النجيب و خالد الكد و غيرهم من الرفاق,و بسبب ذلك أصدر الحزب الشيوعي مجلة قضايا سودانية, بهدف الحوار حول الفكرة, و قد تعامل معها السيد نقد بذات العقلية التي كان قد تعامل بها في السابق عبد الخالق محجوبمع دعوة الحزب الطليعي, مما يدل علي أن السيد نقد لم يستطيع أن يخرج عن منهج عبد الخالق, رغم غيابه, و ظل محافظا عليه, بذات الفكرة الأولية, دون إحداث تغير رغم التغييرات التي حدث في دول المعسكر الاشتراكي.

    في التحديات الخارجية, كان الحزب الشيوعي يواجه التحولات السياسية و الفكرية التي بدأت تحدث في الأحزاب الشيوعية الأوربية, مثل الحزب الشيوعي الفرنسي و الايطالي و الاسباني و غيرهم,بصمت دون تفاعل مع الأطروحات الفكرية التي خرجت من تلك المؤسسات, و كان الموقف المهمة لتلك الأحزاب أنهم خرجوا من مركزية الحزب الشيوعي السوفيتي, و تبنوا الديمقراطية الليبرالية كنظام للحكم, و قدموا اجتهادات فكرية تزاوج بين الديمقراطية الليبرالية و الماركسية, و لكن الحزب الشيوعي السوداني تمسك بعلاقته المركزية مع موسكو, و ظل حبيسا لها, والأمر الذي أضعف حركة التجديد الفكري داخل الحزب, و التفاعل مع الاجتهادات الفكرية التي تصدر من خلال حركة اليسار الجديدة, و دلالة علي أن الحزب كان متمسكا برؤية موسكو, عندما عاد الأمين العام عبد الخالق محجوب من موسكو عام 1966 و نقض قرارات مؤتمر الجريف, و كان قد شكر في كلمته أمام اجتماع اللجنة المركزية في نوفمبر عام 1966 الرفاق في الاتحاد السوفيتي, و نصائحهم القيمة التي أسدوها لعبد الخالق محجوب خلال زيارته لتصحيح القرارات الإنحرافية, التي تبناها مؤتمر الجريف, و التي جعلت السيد نقد ينقض القرارات التي كان قد اتخذها و وافق عليها.

    كان السيد محمد إبراهيم نقد و رفاقه خاصة المرحوم التجاني الطيب و سليمان حامد و يوسف حسين, يمثلون التيار الاستاليني في الحزب, الرافض لعملية التجديد و التحديث و قبول الديمقراطية و توسيع مواعينها داخل الحزب, بل كانوا من المحافظين المتمسكين بالديمقراطية المركزية, التي تعطي سلطات أوسع للأمين العام, و من ثم المكتب السياسي و اللجنة المركزية, و هذا المنهج يقلل فرص ديمقراطية العضوية,و لا يعطيها مساحة تستطيع أن تقدم فيها رؤيتها حول العديد من القضايا, بل كانت تشكل عائقا رئيسيا أمام إبداعات العضوية, و تقديم اجتهادات تخرج الحزب من العباءات القديمة, و رغم الحبر الكثير الذي أرهق لكي يقدم رؤى تجديدية من خلال الحوار و النقاش إلا إن الخط الاستاليني قد انتصر, و ظل قابضا علي زمام الحزب دون تغيير يذكر. رغم أن السيد نقد كان يعتقد أن البرويسترويكا,كانت استجابة حقيقة لعملية التطور و لكنها تأخرت بيد أن نقد نفسه لم يجعل للبرويستريكا طريقا داخل الحزب الشيوعي حيث يقول في حوار مع مجلة النهج ( البرويسترويكا ثورة ضرورية تأخرت الاستجابة لها, و هذا التأخير أدي لما يسمي بفترة الجمود أو فترة الركود, إنها ثورة جديدة, حلقة من حلقات تطور المجتمع الاشتراكي الذي يحتاج إلي أن ينتقل من مرحلة إلي أخرى من طور إلي أخر ) هذا الحديث عن قضية الديمقراطية و الحرية كان الاعتقاد أن يبادر بها حزب يري في نفسه الحزب الطليعي و لكن ظلت الاستالينية تفرض ذاتها في عهد السيد نقد.

    كان السيد محمد إبراهيم نقد يري أن الإسلام يمثل ركنا من وعي الحركة الجماهيرية السودانية, إن كان في التشريع أو في الثقافة, لذلك لا يستطيع الحزب الشيوعي تجاوزه, حيث قال نقد, لمجلة النهج ( نحن مع أن يكون الإسلام مصدرا من مصادر التشريع ليس فقط في الأحوال الشخصية. و ليس في هذا تنازل للقوي اليمينية بل إدراك لقضية الأصالة و الاستمرار في التطور السياسي, هذه القضايا مجتمعة تشكل محور صراع سياسي و اقتصادي و اجتماعي حول الديمقراطية ) هذه واحدة من التحولات الفكرية, و التي كان يريد من قبل ثلاثة عقود عبد الخالق محجوب أن يجتهد فيها, هي سودنة الماركسية و كيفية التعامل مع المرتكزات العقدية للمجتمع, و هي ذات الفكرة التي جعلت السيد محمد إبراهيم نقد يؤلف كتاب الأرض و الرق في السودان, للبحث في جذور المشكل في السودان, و من خلال البحث التعرف علي الثقافة القانونية و السياسية و الدينية في السودان, كان نقد مهموما بقضية الرق و الأرض باعتبار أنها أحدثت تحولات اجتماعية كبيرة في السودان, و حتى القوي التقليدية, استطاعت أن تقوي ذاتها من خلال الأرض و الاستحواذ علي مساحات واسعة, إلي جانب تحالفها مع القوي الاستعمارية, و التي كانت تبحث عن وريث لها بعد ذهابها, و علاقة الأرض هي التي أثرت علي السياسة في السودان و علي حركة المجتمع و تطوره, لذلك كان الرابط قوي في ذهنية نقد, بين حركة السياسة في السودان و علاقات الأرض و الرق, و التي نشرت ثقافتها الشعبية و الرسمية في أعماق المجتمع, و أصبحت تمثل مركزا أساسيا في عملية التطور السياسي.

    و مفهوم نقد لقضية الديمقراطية في السودان, يعد تحولا أيضا في الذهنية الشيوعية, و تعد واحدة من الاجتهادات التي لم تصرح صراحة عن رفض الصراع الطبقي, و سيادة الطبقة البوليتارية, و لكنها تحدثت عن الديمقراطية الليبرالية, التي يساندها الحزب الشيوعي, و هذا تعد في ذاتها تحول, رغم إن الحزب الشيوعي السوداني في كل أدبياته,و طوال تاريخه لم يتحدث صراحة عن ديكتاتورية الطبقة البوليتارية, و عن سيادتها بحكم الصراع الطبقي الذي سوف تنتصر فيه كما تقول الماركسية, و يرجع ذلك إدراكللشيوعيون السودانيون للواقع الاجتماعي في السودان,و في ذات الوقت يعدفهما سليما, أن الطبقة البوليتارية ضعيفة في السودان بضعف الصناعة في السودان, و ضعف رأس المال الوجه إلي عملية الإنتاج, و هو رأسمال أقرب إلي نمط الإنتاج الأسيوي, و يقول السيد محمد إبراهيم نقد حول قضية الصراع الديمقراطي الليبرالي في السودان (صراع الديمقراطية الليبرالية في السودان, جزء من الصراع الاجتماعي, جزء من صراع الثورة, القوي الشعبية تناضل لاستعادة الحريات كيما تبني تحالفاتها, تبني تنظيماتها, يزداد وعيها, تكتسب من تجربتها الذاتية دروسا جديدة. القوي اليمينية تحاول أن تحد من الاندفاع, و تفرض أشكالا مختلفة لمصادرة الديمقراطية و الحريات, إما عن طريق دكتاتورية مدنية, كأن تفرض الدولة الدينية و الدستور الإسلامي, و تحد من الحريات و تصادرها برغم الشكل البرلماني, أو أن تأتي المؤسسة العسكرية لمصلحة نفس النادي) و هنا نقد رغم تمسكه بثوب اليسار, إلا أنه أكد علي أن الصراع يأخذ بعدا ديمقراطيا مؤسسة علي مفهوم الديمقراطية الليبرالية و هذا رفض غير مباشر لديكتاتورية البوليتاريا التي تعد أحد أعمدت الماركسية و هذه تعد نقلة نوعية في فكر السيد نقد و تراجعا عن الحلف الاستاليني.

    يعد محمد إبراهيم نقد أحد أعمدة الماركسية العربية, الذين كان لهم فضل تأسيس الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي, و تأثروا ببعضهم البعض, إذا لم يكن في الفكر, أنما في البقاء لسنوات طويلة علي قمة أحزابهم, دون أن يفتحوا طريقا إلي الأجيال الجديدة, كانوا متأثرين بإرث الماركسية في الدول الأخرى التي كانت تمجد الأمين العام و تعتقد أن بقاءه يعني الحفاظ علي الحزب و بقائه وسط المجتمع كان منهم خالد بكداش في سوريا و عزيز محمد في العراق و نايف حواتمة في فلسطين, و غيرهم و لكل واحد منهما بصماته في تاريخ الماركسية في الوطن العربي و كان لنقد أيضا تاريخه النضالي في العمل السياسي.
    يعد محمد إبراهيم نقد أحد الأعمدة السياسية الرئيسية للسياسة في السودان, الذين شكلوا الوعي السياسي و الجماهيري, و قدموا اجتهاداتهم الفكرية و التنظيمية, علي المستويين الحزبي و القومي, و ستظل الأجيال السودانية المتعاقبة تتعلم من الإرث الذي خلفه في مسيرتهالتاريخية التي تتجاوز نصف قرن, كان فيها الإيجابي و السلبي و لكنها كلها كانت من أجل الوطن, و قدم نقد ما كان يعتقد أنه صائبا لمصلحة الوطن و المواطنين, ذهب نقد و يديه بيضاء خالية من أية اتهامات في الفساد أو خيانة الوطن و غيرها من المصطلحات التي تطلق الآن لحرق الشخصيات السياسية, ذهب و كان يحلم بوطن ديمقراطي تعددي, يتحاكم فيه الناس لدستوري ديمقراطي, يؤسس علي وفاق وطني, فسخر كل وقته من أجل النضال لهذا الحلم, رحل و ترك حلمه أمانة في أعناق الأجيال الجديدة لكي تحققه, و أيضا قدم اجتهادات في الفكر السياسي و الماركسي يتفق معها الناس أو يختلفوا و لكنه مجمعين علي احترامها و احترام صاحبها رحم الله محمد إبراهيم نقد بقدر ما قدم لوطنه و المواطنين الغلابة و لأهله الصبر و السلوان و يجعل الصبر لرفاق دربه الذين سوف يحملون الراية من بعده و إن لله و إن إليه راجعون.



    0 | 0 | 93



    -----------------

    بلا انحناء

    فاطمة غزالي
    [email protected]

    ما لنا ألاّ نحزن .. (نقد) قصّة نِضال

    ما لنا ألا نحزن وقد عربدت الأقدار فينا، وتواترت أنباء المنية لتُعلن عن رحيل سياسي يُعدُّ قصة نضال في وطن اللا سكون، ما لنا ألا نحترق ألماً حينما نُمسك اليراع لنكتب عن الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في يوم الرحيل.. تساقطت كل الدموع من علٍ وأغرقت الذات السودانية بحزن لا يدرك المنتهى، فقبل أن تبرأ جراح تنزف أخرى.. وقبل أن نكفكف دمعات تسيل دموع عجزت من أن تطفئ لهب الحزن المعتق فينا، ولم يعد انحدار الدمع يعقب راحة.. كل العالم اليوم يصغي لأحزاننا ويترجم النواح الصاخب، والوجع المكتوم بين الشهقات والزفرات الحزانى، العالم اليوم يرصد أقداح الأسى المتراصفة في سراديق العزاء، ويقرأ سر التعاسة في موسم اللا فرح.

    حينما نقولُ نقد سياسي لا كالساسة لا نبالغ في نعته؛ فهو الصّادق مع ذاته وغيره حينما يتخذ موقفاً أو تخرج من بين كلماته الجادة عبارات تحمل بيمنها الشفافية وفي يسارها القناعة بما تحمله من معاني.. نقد لم يكن سياسياً نرجسياً صفوياً يجنح إلى تبرئة الذات من كل ما علق بالثوب السوداني من شوائب سياسية ونهج سالب في إدارة الدولة، وأجمل ما في نقد تَحَرر ذاته من الأنا التي لأزمت كثير من الساسة السودانية إلى درجة لا يرون في المرآة السودانية إلى أنفسهم.

    وسائل الإعلام السودانية والعالمية تشهد لـ(نُقد) بالموضوعية في تناول الأزمة السودانية، ومثلما انتقد الإنقاذ انتقد بعض مواقف المعارضة وهو جزءٌ منها، بل قذف بآراء منتقدة لتجربة حزبه في إطار تقييم وتصحيح مسيرته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. هاجم (نقد) سياسات المركز في كل الحكومات الوطنية عقب الاستقلال.. تمسّك بمواقفه الثابتة تجاه قضايا الهامش، وظلّ يردد طوال أزمة دارفور مقولة "ناس دارفورعرفوا الدولة والحكم غير الآخرين لازم يأخذوا حقوقهم".. حينما أدرك أن موج الإنقاذ الشمولي قد يجتاح سرية نشاطه السياسي اختار باطن الأرض حماية لحزبه.. لا شك في أن (نُقد) وضع بصمات خاصة في مؤتمر جوبا للقوى السياسية بالتفاعل الفكري وإدارة مجرياته.. كان مرحاً في جوبا مع الزملاء في السلطة الرابعة وكانت التعليقات والصور التذكارية مع بعضهم، وحينها تعرفنا أكثر على (نُقد) الإنسان.. لم يكن جافاً كما يبدو للبعض من خلال ردوده الحاسمة على التساؤلات التي تبدو له غبية أو تحمل بعض من الخبث، بل يحمل في دواخله خفة الروح، ربطتني بالأستاذ به علاقة أبوبية طيبة، وكلّما طلبتُ محاورته لم يصدني يوماً فكان حاضراً في إرشيف أغلب الصحف التي عملت بها بعد خروجه من "مخبئه السري" ..وكان معجباً بفكرة صحيفة "الجريدة" فوافق على الفور حينما نسقت للحوار معه وأذكر أني أرهقته في ذلك اليوم لأنّه كان مريضاً، ومشغولاً باجتماعات حزبه وقتذاك إلا أنّه وافق أمام إصراري على موعد الحوار.. وبالرغم من مرضه أصرّ على زيارتي في سجن أمدرمان ونسق مع صديقتي وزميلتي عائشة السماني ردّ اللهُ رغبتها، وحملها رسالة مفادها "قول ليها بكرة جايك عمك نقد واستفيدي من السجن وأقري كتير".. فكانت عائشة نعم الرسول إلا أنّ خروجي سبق زيارته فوصلتني كلماته.. أدْرِكُ جيداً أنّ عائشة ستكون أكثرنا حزناً وألماً على نقد وعلى الشاعر حُمّيد.

    نقد كان فخوراً بهذا الجيل معجباً بتواصله مع العالم الخارجي سياسةً وفناً وثقافةً، واعْتَرَفَ له بميزات لم تتوفر في الأجيال السابقة، ولم نُفاجأ حينما قام حزبه بتكريم شخصي والأستاذات القديرات أمل هباني، ونجلاء سيد أحمد، وهويدة سر الختم احتفالاً باليوم العالمي للمرأة ووضعنا في قائمة رائدات العمل الصّحفي، لأنّه حزبٌ من الأحزاب التي تُدرك دور المرأة في المجتمع.. شكراً وانحاءة لكل الذين يدركون معنىً لهذا الوطن.

    الجريدة

    --------------

    رحيل الزعيم الرمز "محمد اراهيم نقد"
    03-27-2012 07:37 AM

    رحيل الزعيم الرمز"محمد ابراهيم نقد"

    م. عبدالله الاسد/ منتريال كندا
    [email protected]


    سكت اللسان عن الكلام وريشتي وقفت
    ومداد حبري قد تحجر تحت قاع المحبره
    لكن كتبت علي الرمال عريضتي ونقشتها بأصابعي
    وبنودها في الشط شبه مبعثره
    "نقد" رحلت ونحن ننتظر الإشارة منك
    في ليل الضباب ذهبت في صمت ...أفلا ترى!!؟
    كيف الربيع الغض في سودانك المنكوب حان قطافه
    وعدا أخذناه معك ...
    أنا سنحرق في الشوارع بالزهور مجنزره
    كيف ارتحلت!!؟
    وقد اعد عراف النظام رحيله وتذاكره
    ميدان تحرير البلاد زعيمه شمس ستشرق في الثرى
    مليون ميلا لن تباع وتشترى
    "حميد" ذاك الزاهد المعشوق ودع دون ازن يا ترى!! ؟
    فجرا تغيب في الصباح ونحن حول المقبره؟
    لو كان يعرف عن رحيلك يا زعيم المستضعفين لعله
    ما شق شريان الشمال ليعبره
    بلامس يشدو في القرى
    متفائلاً وبعمه عبد الرحيم وصحبهم احيوا الليالي المقمره
    لكن هي الاقدار نجهلها معا
    كم من سنين العمر في حقب الدهور معمره
    “وردي” الذي غنا لشمس الحزب
    للفقراء للبسطاء في سجن الغياهب حولنا
    كل المدافع والبنادق والخناجر مشهره
    يا قامة التاريخ في بلدي وداعا شامخا
    من كل قلب من صميم الذاكرة
    رمزُ لشعبك يا نظيف الكف
    في وطن الفساد الملتحين الخائنين المرتشين
    علي رقاب الناس فيه مسخره
    وغدا وبعد رحيلكم ماذا هنا!!؟
    والدرب شوك والوجوه معفره
    كيف الرحيل وكيف تترك شعبنا
    والظلم يفتك والجمعوع محيره
    كيف الرحيل ونحن بعدك امة منكوبة متنافره
    تركت جنوب بلادها مستهتره
    حكامها خمسون عاما كاملا
    كم بالبنادق والدروع المشرعات
    علي رؤؤس الناس عادوا ألمجزره
    المفسدون المجرمون الفاسقون وحزبهم وسلاحهم
    حمر تجمعوا في غياب القسورة
    غاب "التجاني" قبلكم برحيله
    عقد تبعثر في في غياب الضوء ليلا منه ضاعت جوهره
    حزن رحيلك للبلاد شمالها وجنوبها
    ولماذا نفتقد العقول النيره
    الهم قاتلك الذي لازمته وحملته
    وانت الذي بالهم كنت محذرا
    يبكي الجنوب واهله لرحيلكم
    وتأوهت وبكت اساطيل الحديد بعطبره
    يدك النظيفة بالمبادئ عفةً
    لم يبق مالا في يديك لتخسره
    عجموا كنانة حزبنا ورفاقنا
    وجدوك بين الناس أصلب مكًسَرا


    65535 | 1 |

    0 | 0 |


    يوم مع (نقد) في عزلته!
    ٭ الأستاذة آمال عباس: متعك الله بالصحة والعافية. هذه ذكريات ضمتها بعض اوراقي القديمة، عشتها يومذاك مع الراحل المقيم عبقري السياسة الهرم محمد ابراهيم نقد الذي برحيله قد تنطوي صفحة وضيئة من الحكمة والسماحة ورجاحة العقل- عليه الرحمة.
    في عام 3691م كنت معلماً بمدرسة الدويم الاميرية الوسطى بنات فهى مدرسة متميزة قدوة وانموذج، تستوعب الصفوة من بنات حواء ويختار لها خيرة وأكفأ المعلمين علماً وسلوكاً. كانت الاخت الاستاذة فائزة ابراهيم نقد (شقيقة المرحوم محمد) ضمن هذا العقد الفريد، معلمة لمادة الرياضيات، حتى نبغت فيها، عرفتها بذكائها الفطري المتوقد. تبادل طالباتها الود واللطف كحال معلمي العهد الذهبي للتعليم آنذاك.
    في ظهر يوم حارق غليظ الحرارة، وقف أمام بوابة المدرسة شاب قصير القامة، وسيم، يرتدي زياً بدوياً بالياً رثاً! غطت رأسه عمامة هائلة، وتحمل يده اليمنى عصا غليظة عتيقة مهترئة، وكست لحيته الكثيفة ذرات من الغبار، طلب هذا الشاب من الخفير مقابلة الاستاذة فائزة. جاءني الخفير يحمل الطلب، وكعادتنا يومذاك فإن الضوابط والنظم بالمدرسة تمنع مقابلة معلمة لزائر إلا بحضور المدير أو الوكيل. صحبت الاخت فائزة لمقابلة ذلك الشخص الغريب جاءت فائزة وقد غلب عليها الخوف، وارتعشت اطرافها، ولكن عندما تمعنت في الضيف إنفرجت أساريرها، وتبادلا الود والبسمات الندية، جلسا لساعة كاملة يتبادلان أطراف الحديث الاسري، وأنا كانت تغلب علىَّ الدهشة والارتباك. وبعدها همست فائزة في أذني قائلة لي: دا محمد أخوى! فملأ الرعب جوانحي لأننا نعلم بأن محمد ابراهيم نقد الشيوعي الرقم مطلوب التبليغ والقبض عليه يومذاك في عهد حكومة الفريق ابراهيم عبود عليه الرحمة- يا للمصيبة وماذا أنا فاعل؟ كما طلبت مني فائزة كمان أن يصحبني محمد ليقضي الليلة معي بالمنزل! وافقت على طلبها لأني سوداني وجعلي (قُح) ورغم ما يخبئه القدر لي في تلك الليلة الظلماء القاتمة.
    كان نقد يمشي خلفي حتى وصلت منزلي بينما كان كاهلي مثقلاً بهموم ومخاطر جمة!وكانت تلك أطول مسافة أو مشوار اقطعه رغم قصره! إن مصاحبة رجل كهذا يومذاك تودي الآخرة. نام ضيفي عصر ذلك اليوم بعد أن تناول كسرة بملاح أم رقيقة كطلبه. ولكني لم أذق طعماً للنوم حتى صباح اليوم التالي رغم الانقباض والارهاق الذي حلّ بي! هب محمد نقد عند جنح الليل وجاء لسريري خلسة وقال لى: أحلف صادق أن النوم قد فارقك منذ لقائي بك، ثم غادر منزلي متوجهاً كما ذكر لي لمنزل رفيق دربه الجلال عبد الرحيم - عليه الرحمة- وفي الصباح الباكر وجدته قد ترك لي قصاصة ورق تحت وسادة مرقده الذي آوى اليه، وكتب عليها: أخي حسين: لك شكري وتقديري لكريم الضيافة ومعذرة لما سببته لك من توتر وارتباك ورهبة حتى غاب النعاس عن عينيك طيلة تلك الليلة الطويلة المفزعة. ورغم ذلك فقد ساهمت في عمل وطني شريف ولتنعم بنوم هادئ (بعد مغادرتي) مغموراً بأحلام سعيدة- أخوك- ودون ان يظهر اسمه في ذيل رسالته!
    رحم الله محمد ابراهيم نقد، فهو من السياسيين القلائل الذين لم تبهرهم السلطة، ولم يكن يعرف الوصول للمال. فكان نظيف اليد واللسان. وخرج من هذه الفانية كما دخلها عارياً إلا من العفة، عاش (نقد) في ظروف قاسية قلَّ ان يتحملها آخر، فصار رمزاً ورقماً للعمل في الخفاء، كان سودانياً أصيلاً يعشق تراب وطنه عرف بالجلد والصبر والذكاء ونقاء الذهن وصفاء السريرة. زاهداً إلا من حب وطنه، أخذ النشاط الفكري والسياسي حيزاً من وقته حتى إخترق السقم اللعين جسمه النحيل فأنهكه.
    يا إلهي قد جاءك (نقد) يطلب الرحمة والمغفرة والعفو.. فأغدق عليه من رحمتك ومغفرتك وعفوك. العزاء لاحبائه: سيد وفائزة وسعاد واصدقائه ورفقاء دربه.
    (إنا لله وإنا اليه راجعون)، مع شكري لك أختي آمال لرحابة صدرك.
    حسين الخليفة الحسن
    مستشار وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم



    -----------------
                  

03-28-2012, 04:57 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    اليوم) تجري حواراً ساخناً مع مرشح الحزب الشيوعي لرئاسة الجمهورية محمد ابراهيم نقد
    البشير لن يكتسح الانتخابات فى الجولة الاولى وفكرة مرشح واحد لم تطرح بعد
    سأفوز بالانتخابات الرئاسية وهذا ما سأفعله للشعب السوداني
    لن نقاطع الانتخابات حتى إذا تحققنا من وجود الاساليب الفاسدة وسنكتفي بالشكوى
    اجرته / عفراء الزاكي



    تفاجأ الشارع السياسي السوداني بترشيح زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد لمنصب رئاسة الجمهورية في هذا العمر المتقدم، ويرى البعض ان فرص فوز الحزب في سياق الانتخابات الرئاسية ضعيفة جدا لان الحزب ليس له وجود جماهيري ولكن بالرغم من هذه الملاحظات والاراء بدا الاستاذ محمد ابراهيم نقد واثقا من فوزه بالانتخابات القادمة وقال (الموية تكذب الغطاس).
    (أخبار اليوم) التقت الاستاذ نقد المرشح لانتخابات الرئاسة لتقف معه على برنامجه الانتخابي وماذا سيفعل للشعب السوداني بعد فوزه وايضا ما هي حقيقة معارضة حزبه لفكرة الصادق المهدي .. وحول هذه القضايا واخرى كان حوارنا مع زعيم الشيوعي محمد ابراهيم نقد فإلى نص الحوار ...

    تفاجأ الشارع السوداني بترشيحك للرئاسة وانت في هذه المرحلة المتقدمة من العمر؟
    اولا (كتر خيرك) على الطريقة المؤدبة التي اخبرتيني بها انني رجل عجوز (كتر خيرك وبارك الله فيك) (والفيكي إتعرفت)، وانا لم اسع للترشيح لكن في الحزب تم طرح الفكرة واختاروا ان يرشحوني بهذا المنصب وانا اخذت نصيبي في البرلمانات فشاركت في برلمان 65 وبرلمان بعد الانتفاضة ايضا كنت عضوا فيه وفي اخر برلمان واخر حكومة للصادق المهدي كانت حكومة شاركت فيها كل الاحزاب وكان مقدما لحزبنا معقد في الوزارة ولم اترشح انا بل قمنا بترشيح زميل اخر للوزارة وبالنسبة لي ليس مهما ان اكون وزير أو رئيس وحتى الان لم يحدد انني سأنزل الانتخابات البرلمانية ام لا، وليس هنالك شخص يقوم بترشيح نفسه الا الذين لديهم دوائر تقليدية مثل العمد والمشايخ هؤلاء يكون وضعهم في البرلمان مهم بالنسبة لقبائلهم والمهم انه تم ترشيحي لرئاسة الجمهورية.
    ?{? هل انت راضٍ بهذا الترشيح .. يعني هل هذا ما تريده؟
    اتقصدين ان حزبي يرشحني لمنصب رئاسة الجمهورية واقول لهم لا يعني.
    ?{? لا .. اقصد ايطمع من في عمرك بهذا المنصب؟
    (ضحك طويلاً جداً) ثم قال (يمكن الواحد يموت قبل ما يحس بيها)، (وضحك مرة اخرى) وقال ان اسمي من ضمن المرشحين لرئاسة الجمهورية وسأدخل الانتخابات وان الاعمار بيد الله وهل يمكن ان اكمل المدة ام لا فهذا شئ اخر.
    ?{? ماذا تريد ان تفعل للشعب السوداني إذا فزت بالانتخابات الرئاسية؟
    ان البرامج الانتخابية للمرشحين لن تختلف كثيرا لان هنالك اشياء ملزمة فإذ كنت تريد ان تخاطب المجتمع السوداني لابد ان تلتزم باتفاقية نيفاشا وايضا تتحدث عن سعيك لحل مشكلة دارفور ولترسيخ الحكم الاتحادي بمعنى ان تكون لدى الولايات سلطاتها وبرلمانها وحكومتها وايضا ستتحدث عن الخدمات التي يحتاج لها السودان منذ الاستقلال مثل الصحة والتعليم والاوبئة والطرق والمياه والكهرباء وغيرها من خدمات اما الجانب الاخر فهو المرأة ولابد من مشاركتها في الانتخابات والحكم ولكن حتى الان مشاركتها محددة فكيف نشجعها لتكون مشاركتها كاملة في البرلمان ومجلس الوزراء ورئاسة الدولة فهذه كلها اشياء ديمقراطية توسع المشاركة في الحكم وتطور قدرات المجتمع، وايضا هنالك جانب المناطق المتخلفة ومازالت متخلفة مثل جنوب النيل الازرق ودارفور وكردفان واجزاء من شمال السودان وشرقه فهذه كلها تحتاج لبرامج اكثر تحديدا يعني لا يكفي ازالة التخلف عن الشرق مثلا بالاضافة الى ذلك السياسة الخارجية وفعالية السودان مع دول العالم والمنظمات العالمية والاقليمية العربية الافريقية والاسلامية لابد من تنشيط دور السودان فيها.
    ?{? يعني ليس هنالك فرق إذا صوت المواطن لنقد أو المهدي أو حاتم أو عرمان أو غيرهم من المرشحين طالما ان برامجهم الانتخابية موحدة؟
    ان أي شئ جديد سأضيفه لبرنامج الحزب الشيوعي الانتخابي سيكون في برامج الاحزاب الاخرى وهذا لاننا عملنا مع بعضنا البعض فترة طويلة وكل هذه الاحزاب كانت في تحالف التجمع.
    ?{? ولكن بهذا لن تكون هنالك منافسة بين الاحزاب؟
    لا .. ستكون هنالك منافسة.
    ?{? هذه المنافسة ستقتصر على المؤتمر الوطني والمعارضة، أين المنافسة داخل احزاب المعارضة نفسها من هذا؟
    يا ستي الانصاري يصوت للصادق المهدي سواء كان ببرنامج أو بدون برنامج.
    ?{? بإيجاز ما هو برنامجك الانتخابي؟
    يصعب الحديث المختصر عن البرنامج الانتخابي وايضا الحديث المختصر يمكن ان يدع كل برنامج يشبه الاخر ولكن البرنامج عادة تظهر طبيعته من قراءته متكاملا وبعد ان نكتبه سأرسل لك نسخة منه لتطلعي عليه وتحكمي عليه وبرنامجنا الانتخابي تقوم بعمله لجنة البرنامج.
    ?{? الا ترى ان الوقت قد تأخر لعرض هذا البرنامج على المواطن.
    لا .. فإن الانتخابات في السودان (زي العرس) عندما يقال لك ان (فلان) يريد ان يتزوج، فجأة تجد الناس في اخر اسبوع يقومون بالاعداد له وفي النهاية الزواج سيتم (ثم ضحك).
    ?{? هل تتوقع الفوز؟
    (ضحك وصمت برهة) وقال اجمل شئ في الريف والاقليم عندما تسأل الناس عمن الذي سيفوز يقولون (البيفوز والله يفوز) (وضحك).
    ?{? لكن نحن لا نريد ان تجيب لنا مثل ناس الريف؟
    إذا لم اكن متوقع الفوز لماذا اخوض هذه الانتخابات.
    ?{? واذا لم تفز هل ستقول ان الانتخابات فاقدة الحرية والنزاهة؟
    لماذا ..!! الا إذا كانت هي أصلا ليست حرة ونزيهة ولكنني انا لا اتهم احدا وفي اثناء التسجيل هنالك اتهامات كثيرة اطلقت نحن لم نطلق ولا اتهام واحد الا المخالفات المحددة وهذه قمنا بكتابتها في مذكرات وقدمناها للمفوضية، ولكن الحديث عن ان الانتخابات مزورة تخلق جو غير صحي إذا كانت هذه الاتهامات موجودة وفي الانتخابات سيكون هنالك جانب الفساد يعني شراء الاصوات ونحن سنكون بعيدين من هذا لاننا افقر من الناس الفقراء وبالتالي لن يستطيع ان يتهمنا احد باننا نعطي الناس (قروش عشان يصوتوا لينا).
    ?{? إذا تحققتم من وجود هذا الفساد من قبل المؤتمر الوطني ماذا ستفعلون؟
    تساءل (حنعمل شنو يعني؟).
    ?{? اعني هل يمكن ان تقاطعوا الانتخابات؟
    لماذا .. لا لن نقاطع الانتخابات وان الاساليب الفاسدة تكون موجودة في الانتخابات وفي كل الانتخابات.
    ?{? ولكن هذا لا يدعو لمقاطعتنا للانتخابات واذا وجدنا أي حادث محدد سنشتكي طبعاً.
    ?{? يرى البعض ترشيحك للانتخابات جاء من باب دعم استراتيجية تشتيت الاصوات؟
    لا ابداً .. نحن نشارك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية منذ الخسمينات وهذا ليست اول مرة.
    ?{? إذا لم يحصل البشير على 50% +1 من الاصوات وجرت جولة ثانية.. في رأيك من هو الاقرب لإختيار المعارضة له كمرشح لها؟
    لا استطيع ان احدد الآن.
    ?{? يعني ان فكرة دخول المعارضة بمرشح واحد في الجولة الثانية موجودة؟
    لم تطرح هذه الفكرة ولا من أي حزب من الاحزاب حتى الآن.
    ?{? معطيات كثيرة تشير الى ان البشير يكتسح الانتخابات في الجولة الاولى بنسبة اكثر من 50%+1.. كيف تعلق على ذلك؟
    ان الاحتمال موجود ويمكن ان تقولي لانه رئيس حاكم السودان لمدة عشرين عاماً لكن انا لا اتوقع ان يكتسح عمر البشير الانتخابات من اول جولة ولا أريد ان اقول الا إذا حدث تزوير لان هذا الحديث سيكون سخيفاً واتهام مسبق لا يليق بالرغم من ان كثير من الناس يعتقدون انه إذا فاز من اول جولة فهذا نتاج لتزوير لاننا نرى السخط على حكمه في البلد عامة لذلك لا اتوقع ان يفوز من اول جولة.
    ?{? لماذا؟
    لان المرشحين يغطون كل الخارطة السياسية هذه الاحزاب لديها نفوذ والمؤتمر الوطني ليس سيد الساحة وساد الساحة عندما حظر نشاط الاحزاب الاخرى ولكن بوجود هذه الاحزاب هو ليس سيد الساحة.
    ?{? لماذا لم تتفقوا على مرشح واحد للرئاسة في الفترة السابقة؟
    لا نرى ان هنالك داعٍ لهذا و يمكن ان يأتي بعد الجولة الاولى فإذا تعادلت الاصوات يمكن ان نتفق على مرشح واحد لكي لا نشتت اصواتنا ونحن لم نصل لهذا حتى الان.
    ?{? إذا وصلتم لهذا في اعتقادك من هو المرشح الذي يمكن ان تعتمدوا عليه؟
    لا استطيع ان احدد هذا الآن فإذا فاز البشير وكانت الاحزاب المتبقية خمسة لا استطيع ان احدد واحد منهم ولكن يمكن ان نرتبهم ويمكن ان نقول حزب الامة هو الاول والاتحادي الديمقراطي الثاني والثالث حزب جنوبي والرابع يكون من دارفور اما لخامس يكون الشيوعي أو عبدالعزيز خالد أو غيره وهذه طبعاً مجرد (تخمينات).
    ?{? لماذا عارضتم الصادق المهدي على فكرة تقديم مرشح واحد؟
    هذا غير صحيح والصادق المهدي لم يقل ذلك.
    ?{? الامكانيات المادية والكادر المؤهل للمؤتمر الوطني مع خبرة عشرين عاما في الحكم يجعله صاحب الحظ الاوفر .. كيف ستجابهون هذا التحدي؟
    بما لنا من تجربة ومن خبرة.
    ?{? الحزب الشيوعي حزب صفوي ومنغلق على صفوة من الناس وليس له وجود جماهيري متغلغل في الشارع مما يجعل فرص تحقيق نتيجة مطلوبة ضعيفاً؟
    (الموية تكذب الغطاس) (نشوف النتيجة) ونتفابل بعد فرز الاصوات لنرى ماذا اخذنا في الدوائر المختلفة.
    ?{? هل وجدتم ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات وعدم تزويرها؟
    (ضحك) وقال (الضمان ضمان الله).
    ?{? في رأيك هل البيئة السياسية الحالية مشجعة لاجراء الانتخابات؟
    ان البيئة السياسية يمكن ان تروض لمصلحة الانتخابات، وهي مثل الارض الزراعية التي تعطيك الثمار ولكن في المقابل تريد الحرث والري والاهتمام.
    ?{?هل ترى ان الفترة المحددة للحملة الانتخابية كافية؟
    بتجربة الاحزاب السياسية في الانتخابات المختلفة عادة الاحزاب تكيف نشاطها بحسب المدة الزمنية المطروحة ولم اسمع من قبل ان هنالك حزب طالب تمديد الفترة ولكن وارد خلال الحملة الانتخابية ان تطالب بعض الاحزاب بتمديد هذه الفترة.
    ?{? الحركة الشعبية هددت بمقاطعة الانتخابات البرلمانية إذا لم تحل مشكلة التعداد السكاني .. هل لهذا التهديد ما يبرره في رأيك؟
    اعتقد ان المشكلة التي طرحتها الحركة الشعبية يمكن ان تحل وبدون تأكيد وهذا حديث غير مؤدب لان الحركة حاكمة يعني انها شريك في الحكم ولا يمكن لها بين كل فترة واخرى تقول انا لن اعمل وتهدد وهذا مثل الزوجة التي تخالف زوجها وكل مرة (طلقني .. طلقني) فهكذا لا يمكن ان تستمر الحياة لذلك لابد من (ان يطولوا بالهم شوية) لذلك فان الوضع السياسي غير مريح (واحد يشوت برة القون وواحد يضرب الحكم).
    ?{? يرى الكثيرون ان الانتخابات المقبلة ستكون سلاح ذو حدين اما انتشال البلاد من وحل الازمات أو ادخالها في مسلسل عنف سياسي جديد كما حدث في كينيا وزامبيا وايران .. فما تعليقك؟
    ان ازمات كينيا وزامبيا ازمات مقيمة ليست وليدة الانتخابات يعني هي ازمات في طبيعة الحكم نفسه وكانت ستتفجر والانتخابات واحدة من المناسبات التي فجرتها وهنا توجد ازمة حكم يعني المؤتمر الوطني حاكم وهناك قوى كبيرة جدا معارضة وهذا لن يتغير في الوقت الحاضر ولن نكرر تجربة كينيا وزامبيا والحركة السياسية لها قدرات اوفر واذا هنالك مشكلة ستحدث فإنها ستكون في الجنوب لانهم هناك معتادون على التمرد ولكن الآن الجنوب وجد نوع الحكم الواعد وحكومته موجودة في رئاسة الجمهورية فإذا حدثت خلافات لن تكون مثل السابق فانها ستحدث مستوى الخلافات القبلية داخل الجنوب يعني القبائل الجنوبية ترى ان الدينكا هم المسيطرون وهم مظلومون فهذه حالة قائمة سواء جاءت الانتخابات ام لا وسواء الحركة الشعبية كانت حاكمة ام لا لذلك اعتقد ان الموضوع ليس بهذه البساطة.
    ?{? هل ترى ان تحريك ملف الجنائية في هذا الوقت سيؤثر على عمر البشير كمرشح لرئاسة الجمهوية؟
    من رد فعل الحكومة اعتقد ان لديهم عمل مع الدول الغربية والمحكمة (تحت تحت) يعني يحاولون ان يخففوا الكم وهم التزموا امام العالم بأنهم سيحاكموا ولا يزال موضوع دارفور ازمة ولذلك هم من جانبهم لديهم دبلوماسية لحل هذا الموضوع.

    بمناسبة مرور 54 عاما على الاستقلال (اخبار اليوم) تجري حوار ا توثيقيا مع الزعيم الشيوعي محمد ابراهيم نقد
    حق تقرير المصير يشكل عقبة واذا انفصل الجنوب هذه كارثة
    شهدت البلاد عدم استقرار اقتصادي وانهارت الصناعة بعد الاستقلال
    خلال الـ 54 عاما الماضية هاجرت القوى العاملة نتيجة للاعتقالات والتشريد
    اجرته: عفراء الزاكي
    شهدت البلاد هذه الايام حلول الذكرى الرابعة والخمسين للاستقلال المجيد ورغم مظاهر الاحتفاء بهذه المناسبة العظيمة الا ان واقع الحال السياسي والاقتصادي ببلادنا يشير الى ان البلاد مازالت تصارع ترسبات الاستعمار وتداعياته وانعكاساته السالبة وتحاول التحرر من تلك الانعكاسات التي تمثلت في ازمات صارت ملازمة تسرق بهجة الاستقلال حول هذه المعاني اجرت (اخبار اليوم) حوارا مفصلا بمناسبة مرور (54) عاما على جلاء المستعمر البريطاني مع زعيم الحزب الشيوعي الاستاذ محمد ابراهيم نقد فالى نص الحوار
    اعلان الاستقلال
    الاستقلال الوطني من اكبر الاحداث في تاريخ السودان بعد الاحتلال الانجليزي المصري والحكم الثنائي الذي بدأ باتفاقية الحكم الثنائي بين بريطانيا ومصر 1899م او 1898 واتفاقية الحكم الذاتي التي تم توقيعها في القاهرة في فبراير 53 وجاءت الانتخابات واعلن الاستقلال من داخل البرلمان وهذه كانت خطوة كبيرة تخطت بندا في الاتفاقية بان يكون هنالك استفتاء عن الاستقلال او الوحدة ولكن حدث اتفاق بين كل الاحزاب السياسية الداعية للوحدة والداعية للاستقلال واعلن الاستقلال ومن داخل البرلمان وهذا ساعد في عملية الاستقلال لانه كان حوله اجماع وطني وشعبي ومع هذا الاعلان كان هنالك وعد من الاحزاب الشمالية الحاكمة للجنوبيين ونوابهم لذلك وعدتهم الاحزاب ان تنظرفي الحكم الفدرالي بعد الاستقلال ولكن هذا الوعد لم يتحقق لذلك فان التمرد الذي بدا في الجنوب عام 1955 استمر فترة طويلة جدا
    اتفاقية اديس ابابا عام 1972 وفي نوفمبر 1958 حدث انقلاب عبود العسكري وبعد ذلك اتى نميري ليحكم السودان 16 عاما والان الانقاذ عشرون عاما لذلك منذ الاستقلال حتى الان الحكم حكم عسكري ومصادرة الديمقراطية وقد يقال ان الانظمة العسكرية حققت استقرارا وحلت مشكلة الجنوب واحدثت صناعة ولكن الشعب السوداني من الجانب الاخر اقام ثورة اكتوبر ضد عبود في 64 وانتفاضة ابريل ضد حكم نميري وقاوم حكم الانقاذ الذي اضطر ان يقوم بعمل اتفاقيات مع الجنوبيين ففي هذه الفترة المعالم الاساسية فيها هي انقطاع التطور الديمقراطي المستقر الذي يمكن ان يساعد السودان بان يستقل كل موارده ويؤسس سياسة خارجية مستقرة ومتطورة ومواكبة للتطورات السارية في العالم والسودان في هذا الجانب ليس العنزة الفاردة لان الانقلابات العسكرية حدثت في كل الدول الافريقية المجاورة والعربية لذلك عندما نتحدث عن استقلال السودان لا نتحدث عنه كحدث داخلي وانما حدث اجتماعي وسياسي واقتصادي في اطار المنطقة العربية والافريقية وفي اطار الوضع العالمي ففي هذا الجانب مهما كانت السلبيات اعتقد ان الحصيلة النهائية فيها ما هو ايجابي ان الدولة السودانية ما زالت باقية كدولة لم ينقسم منها اي جزء بالرغم من انه امامنا حق تقرير المصير للجنوب فهذه عقبة امامنا واتمنى ان نتخطاها بتصويت الجنوبيين لصالح الوحدة
    خطر الانفصال
    في رأيي اذا افلح التحالف القائم حاليا او الشراكة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في تنفيذ اتفاقية نيفاشا بانضباط واخلاص وموضوعية يمكن ان ينتج الاستفتاء لصالح الوحدة ولكن الخطر قائم ويمكن ان يكون الاستفتاء لصالح الانفصال واعتقد ان الانفصال سيكون كارثة على السودان لان المشكلة هي ليست ان الجنوب يأخذ استقلاله وينفصل ولكن هذا يهز كل الدولة السودانية فهذا من جهة ومن جهة اخرى اذا نظرنا للدول التي حدث فيها انفصال مثل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فحتى الان مشكلة الانفصال هي معضلة بالنسبة لهم وايضا فيتنام الشمالية والجنوبية وهذه المشكلة لم تحل الا بالحرب عندما استطاعت فيتنام الشمالية ان تقوم بطرد الامريكيين من فيتنام الجنوبية وتوحد فيتنام ككل لذلك فان الوحدة تعتمد على الجنوبيين وحدهم ولكن عندما يكون هنالك شخص مثل الطيب مصطفى يصدر صحيفة الانتباهة فهذه ظاهرة سلبية ترجعنا للخلف
    دور السودان في افريقيا
    ان دور السودان في المنطقة الافريقية هو محاز للدول الاتية: وهي مصر / ليبيا/ تشاد/ افريقيا الوسطى/ الكنغو / يوغندا/ كينيا/ اثيوبيا /واريتريا ويتأثر بتطروات الاحداث في هذه الدول بمعنى ان المعارضة السودانية استفادت من الاراضي الاثيوبية والاريترية في صراعها ضد حكومة الانقاذ وفي ايام نميري معارضة الجبهة الوطنية تحركت من الاراضي الليبية ووصلت حتى الخرطوم ودخلت في معركة مع الجيس السوداني وتشاد في صراعاتها الداخلية ينتقل تأثيرها بسرعة جدا الى دارفور وكذلك الكنغو والاريتريين عندما كانوا في السودان حتى حققوا انتصارهم والاثيوبيين كذلك وبالتالي السودان متفاعل مع دول الجوار بصورة متكاملة وهذا استمرار لمعركة الاستغلال وطبيعتها واشكالها
    الوضع الاقتصادي بالسودان
    حتى الان اقتصاد السودان مبني على تصدير المنتجات الزراعية واستيراد اغلب المواد الصناعية والحديثة وحتى الصناعات التي قامت في فترة ما بعد الاستقلال وفي فترة عبود بالذات وكانت في المنطقة الصناعية بحري ومصانع بابنوسة ومصانع النسيج وغيرها في مدني ولكن الصناعة السودانية في الوقت الحالي في حالة انهيار فاذا ذهبنا الى المنطقة الصناعية بحري لن نجد مصنعا واحدا يعمل وفي السابق كانت هذه المصانع تعمل لدرجة ان السكان غرب المنطقة الصناعية كانو يشتكون يوميا من الادخنة التي تخرجها المصانع وهذا اليوم غير موجودة وان الحصيلة الديمقراطية التعددية البرلمانية لم تستقر في السودان بعد الاستقلال والاقتصاد الوطني وقواعده لم يستقر على قاعدة اقتصادية وطنية قائمة على زراعة حديثة وصناعةحديثة وتجارة خارجية تستفيد مما هو متاح في السوق العالمي ونحن نصدر نفس الصادرات القديمة (فول- سمسم- قطن- صمغ) وهذا لا يكفي
    القوى العاملة بعد الاستقلال
    اان القوى العاملة التي تأسست في فترة ما بعد الاستقلال وهي القوى الشابة ولكن نتيجة للحالة السياسية والاعتقالات والتشريد هاجرت والهجرة لا تأتي من فراغ لان هذه القوى تعرضت لتشريد جماعي وضاقت فرص الحياة امامهم لذلك انتشروا في العالم ويندر ان تجد دولة في العالم لا يوجد بها سودانيون في الوقت الحاضر وهنالك كثافة في دول الخليج والسعودية بالذات وايضا في بعض الدول الاوربية واصبح عدد كبير جدا من الاسر السودانية عائش على حوالات ما يأتي من الخارج
    التعليم بعد الاستقلال
    ولكن هذا لا يعني ان نغفل عن بعض التطورات التي حدثت في بعض الجوانب مثل التعليم فقد حدث انتشار له ولكن نسبة الامية ما زالت مرتفعة وهنالك جامعات كثيرة قامت وهذا شئ ايجابي في تطور السودان ولكن بالمقابل جاءت مشكلة خريجي الجامعات وفرص العمل المتاحة لهم
    المرأة في ميادين العمل
    اقتحمت المرأة ميادين العمل بكل اصنافه مثل الزراعة والصناعة والتعليم والسلك الدبلوماسي وايضا المرأة شاركت بفعالية في معركة الاستقلال وايضا شاركت في معركة الديمقراطية ضد الانظمة العسكرية وتعرضت للتشريد والاعتقال والتعذيب والان يوجد لدينا سودان في الداخل وسودان في المهجر وهذه قضية كبيرة والدول التي سبقتنا كونت لها جاليات كبيرة جدا في الخارج مثل العراق ولبنان وامريكا اللاتينية ومشكلة النزوح الجماعي الكبير نحن ايضا عانينا منه كثيرا
    اندلاع مشكلة دارفور
    نتيجة للتخلف المقيم والموروث من زمن الاستعمار في المناطق التقليدية التي لم تشهد تجديدا في حياتها اندلعت مشكلة دارفور من هذا الواقع وتحولت الى مشكلة دولية واصبحت محتلة مساحة في الاعلام العالمي اكثر من القضية الفلسطينية وان دارفور هي ليست مساحة من السودان ولكنها تاريخ وهي كانت سلطنة وكان لديها قانون ومقر حكم وتستقبل الوفود من كل الدول العربية والاسلامية وايضا كان يمر بها الحجاج وكان علي دينار يرسل معهم قوة لحراسة الحجاج الى مكة
    المهدية ودخول المصريين السودان
    عندما اندلعت الثورة المهدية ودخل المصريون السودان والمهدية دخلت العاصمة واسست حكما ما كان على المصريين الا الاستعانة بانجلترا لتعيد فتح السودان حتى وصلنا الى معركة كرري المشهورة لذلك فان الاستعمار لم يدخل السودان بارضاء السودانيين وانما دخل على جثث شهداء الثورة المهدية وهذا معلم بارز جدا ومهم في تاريخ السودان وعندها جاءت انجلترا باسلحتها الحديثة وقد جرب سلاح المكسيم لاول مرة على نطاق الحرب في اهلنا بكرري والمقاومة لم تنته بنهاية المهدية وقائد المهدية الخليفة عبد الله مات مقتولا في ام دبيكرات وكان مضروبا في جبهته وهذا يعني انه كان يحارب وليس هاربا وايضا في الجنوب حدثت مقاومة ضد الانجليز اما في الشرق لم يستطع الانجليز ان يأتوا بالبحر لانهم كانوا يخافون من مقاومة الهدندوة (الفوزي ووزي) والشاعر الانجليزي (كبلنق) كتب قصيدة فيهم وعن مقاومتهم للعدو لذلك فان استقلال السودان اتى نتيجة للنضال والصراع المتواصل من جانب الشعب السوداني ولم يكن مجرد استقلال عبر الاعلان فقط وان ما بعد الاستقلال يحمد للشعب السوداني برغم من الانظمة العسكرية المتتالية انه لم يستكين بل قاوم حكم عبود ونميري وما توصلت له الاتفاقيات اتى نتيجة لصراع سياسي وعسكري سواء من جانب الحركة الشعبية والاحزاب السياسية وقوى المعارضة او النضال العام الذي شارك فيه الناس والاستقلال لم يكن مجرد نزهة او حفلة ولكن كان تضحيات دفع فيها اناس كثيرون الثمن غاليا
    الصحافة بعد الاستقلال
    ان اغلب الصحف السودانية انتشرت بعد الحرب وقبلها كانت توجد النيل وهي تعبر عن الانصار وصوت السودان وتعبر عن الختمية ولكن بوجود مؤتمر الخريجين صدرت صحيفة المؤتمر بعدها السودان الجديد والرأي العام والصراحة وغيرها وجميعها كانت بدرجات متفاوتة مع الحركة الوطنية وبعد الحرب العالمية الثانية انتشرت حركة التحرير الوطني كل العالم وكل المستعمرات وهذا لان رئيس انجلترا ورئيس امريكا قاما بعمل ميثاق اسمه ميثاق الاطلنطي واقرا فيه انه اذا وقفت معهم الشعوب المستعمرة وعدوهم ان ينالوا الاستقلال بعد الحرب وهذا انتزاع لوعد اتى نتيجة معارك ونضال وصراع للذين ضحوا في الحركة الوطنية السودانية وفترة الصراع ضد الاستعمار ادت الى توسيع الحركة الجماهيرية والحركة السياسية مثل النقابات واتحادات الطلبة والنساء والشباب والاندية وكل هذه كانت معالم يقظة بالذاتية السودانية
    انعدام الاستقرار بعد الاستقلال
    دفعنا في الاستقلال ثمنا غاليا ولكن بعد الاستقلال لم يشهد السودان الاستقرار المنشود واعتقد ان الدول الاستعمارية لعبت دورا في هذا الجانب لان الاستعمار الغربي بقيادة امريكا كان هو المعسكر بالاضافة الى الاتحاد السوفيتي لذلك كان الصراع بينهما وكان حدثا يوميا وهذا ادى الى حدوث ضغوط على الدول حديثة الاستقلال فاذا اخذنا مصر مثلا عندما كانت تريد ضم قناة السويس ليكون العائد لمصر وعندما كانت تريد بناء السيد العالي كان البنك الدولي لديه مقترحات والاتحاد السوفيتي لديه ايضا لذلك قامواباخذ العرض السوفيتي لانه الافضل واخذوه في مواجهة حادة جدا مع الاستعمار كلفت مصر حرب 56 عندما هاجمت اسرائيل مصر
    اهتمام الاعلام بمعارك الاستقلال
    اتمنى ان تفسح الصحافة السودانية مساحة اكبر للمعارك الوطنية التي سبقت الاستقلال ودور الاحزاب والنقابات والاتحادات ودور الشخصيات الوطنية ودور الصحافة نفسها لان كل الصحف كانت تتعرض للغرامات والمحاكمات والايقاف والمصادرة لانها كانت تأخذ مواقف ضد الاستعمار ولم تكن مستكينة ومن هنا احيي كل الذين ناضلوا من اجل الاستقلال على اختلاف اتجاهاتهم والان مضى على استقلال السودان قرابة النصف قرن لذلك لابد ان نقوم بجرد حساب وعنده اننا لم نتقدم كثيرا صحيح ان البترول ظهر وهذه نعمة من الله ولكن انهار مشروع الجزيرة والصناعة السودانية واقفة والموجودة الان هي صناعات خفيفة وكان لابد ان تكون في وضع افضل من هذا ولا يكفي ان نقول اننا قبل الاستقلال لم يكن لدينا جامعة والان لدينا ست عشرة جامعة فهذا لا يكفي وكان من الافضل ان تكون لدينا جامعة واحدة ولكن تكون مستوعبة وليس بها مصاريف ويكون بها داخليات والان اصبح التعليم تجارة وهذا شئ سلبي واعتقد ان تحويل التعليم الى تجارة في دولة مستقلة هذه ظاهرة سلبية وحتى المدارس التي اسسها الاستعمار حتى الاستقلال والمدارس التي قامت بتبرعات الناس كانت اكثر من مدارس الحكومة
    «أخبار اليوم» تجرى حوارا شاملا مع رئيس الحزب الشيوعي السودانى محمد ابراهيم نقد
    اتفاقية السلام الشامل لم تدخل التاريخ كنموذج للاتفاقيات
    الحركة الشعبية الآن ليست محتاجة الى الحزب الشيوعي .. حاجتها كانت في البدايات
    (ضربني بكى وسبقني اشتكى) هذا حال السياسة السودانية
    يأتي التدخل الخارجي عندما تضعف الجبهة الداخلية في الاتفاق حول القضايا
    اجرته/ رحاب ابو قودة
    إلتقت (اخبار اليوم) برئيس الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد وقد رد على الاسئلة بمرونة ولباقة ودبلوماسية عالية واظهر تعاونا وتواضعا عرف به وارتبط بسيرته كقيادي ورئيس للحزب الشيوعي السوداني كما لم يبخل علينا باية معلومة تفيد الحوار واكثر الاشياء التي ظهرت على شخصيته ونحن نحاوره روح الدعابة وخفة الظل والاستناد للامثال عندما لا يريد ان يباشر في الرد .. فإلى تفاصيل الحوار..
    ?{? في اطار الازمة في جنوب كردفان آبيي اصبحت آخر مآزق اتفاقية السلام كيف تنظر لهذا الأمر؟
    اعتقد ان كردفان ليس بها ازمة وانما خلاف و(عصلجة) بين الشريكين ، فالشريكين الآن في حالة تصفية حسابات وهذه الحسابات لم تتم في معارك سابقة.
    ?{? ما رأيك للاتفاقية والشريكين ليس على وفاق؟
    اعتقد ان اتفاقية السلام الشامل لم تدخل التاريخ كنموذج للاتفاقيات وقد فشل الطرفان لكن الى الآن يتداولان في الامور .. والامور على الله.
    ?{? انتم متهمون من قبل الوطني بتحريض الحركة الشعبية؟
    اتهامات المؤتمر الوطني للاحزاب المعارضة لا تعني شيئا لان هذه الاتهامات قد تذرع بها قبل الآن وقام بالانقلاب باعتبار ان الاحزاب قد فشلت ، فالمؤتمر الوطني لا يأتي بجديد لذا يجب عليه التواضع لانه لم يكن القوى السياسية الاولى لوضع اتفاقية السلام.
    ?{? اذن ما هي القوى السياسية التي وضعت اتفاقية السلام قبل المؤتمر الوطني؟
    قد حدثت اتفاقات مع الحركة الجنوبية الاولى بعد ثورة اكتوبر وايضا اتفاقيات مايو بالاضافة الى مواثيق واتفاقيات احزاب المعارضة والحركة الشعبية في اسمرا واعتقد ان العلة والمشكلة هي عندما نضع اتفاق لا نتابع هذا الاتفاق بدقة ، فالاتفاق مثل الطفل الصغير يجب الاعتناء بتفاصيله فمن الممكن ان يأتي وقت ويتمرد ، والاتفاق يتمرحل وقد لا نجد استجابة سياسية سريعة لذا يجب ان نضع وضع خاص للظروف والمستجدات والحديث عنها لمواصلة الاتفاقية.
    ?{? وصلتكم بعض الدعاوى من جانب المؤتمر الوطني للمشاركة ولم تلبوا تلك الدعوات بما تبرر ذلك؟
    هناك اشياء ندركها بالتجربة مثل الجدية في الامر.
    ?{? هل تريد القول ان المؤتمر الوطني يرمي الى ظواهر الامور كسياسة دون الجدية؟
    المشكلة هي التنفيذ ، فالمفروض ان تكون هناك لجنة مشتركة يتبعها للتنفيذ ، هذا لم يحدث لكن بعض الاحزاب قد تكون لها اسبابها الخاصة في المشاركة فمثلا السيد محمد عثمان الميرغني ملزم لان حزب مثل الديمقراطي له طوائف واتباع فهو مرغم على تلبية ما يريدون وهو معيار يختلف عن معاييرنا وانا لا ألوم الميرغني او الصادق فالوضع نتفهمه جيدا ، اعتقد ان الصادق سيواجه مشكلة كبيرة في مسألة جبال النوبة لانهم من انصار المهدي لذا يجب ان يدافع عنهم والميرغني مثلا لديه شئ يسمى بدائرة الميرغني فهي مختصة بدفع الدية وعلى ما اذكر في كوبر عندما كان الميرغني معنا في المعتقل لاحظت انه يذهب الى الخارج ويأتي فسألته عن السبب فرد قائلا ان كل مسائل الدية يجب ان يوقع عليها (الميرغني) كإجراء اساس بالاضافة للخلاوى فعليهم تمويلها وترميمها واعتقد ان مسؤوليات الميرغني والمهدي تفوق مسؤولياتنا ، فنحن (لا جدنا النبي ولا المهدي) حزبنا ذو معايير مختلفة ، فللصادق المهدي التزامات كثيرة غير مرئية.
    ?{? ما رأيك في مستقبل السودان؟
    اعتقد ان مستقبل السودان مرهون بارادة الشعب ، بالرغم من تداخل المشاكل وارى ان انفصال الجنوب يجب الا يتحول الى حرب لان مصالح الشمال ومصالح الجنوب تقتضي السلام وقد يشكل نقطة ارتكاز مهمة جدا للمستقبل جانب آخر مهم ، ومن الاشياء التي تشكل خطر على المستقبل وتعد من اهم المشاكل التي تواجه الشعب السوداني مثل دخل المغتربين ، فدخل المغتربين بدأ بالتناقص واسهامهم في الدخل قد اصبح قليلا وهذا طبعا نسبة لظروف اقتصادية وفي حالة كان دخل المغتربين كما كان في السابق بالنسبة لقيمة العمل والتضخم لتقلل ايضا من العائد بالاضافة لما يعانيه المغتربين انفسهم من عوامل كثيرة اهمها القلق على تعليم ابنائهم واين يتعلمون. واذا تعلموا في السودان سيكون ابائهم في الخارج واذا تعلموا في الخارج سيعتادون على الخارج وتتكون شخصيتهم في مكان تعليمهم خارج البلاد وفي كل الحالات ستكون النتيجة سالبة.
    ومن الاشياء المهمة ايضا وقد تؤثر على مستقبل البلاد ، مشكلة الجنوب اتمنى ان تحل هذه المشكلة واتمنى ايضا هدوء الاحوال في دارفور ويجب ان نعيد النظر في مسألة المغتربين بمعنى انه عندما يأتي المغترب الى السودان لا يعامل كتاجر مهربات ويجب الا تجرده الدولة من كل مليم (في النهاية مال المغتربين سيصرف في السودان) ، فالمغترب لن يذهب ، جانب آخر وهو مهم ومن الممتاز ان يكون لدينا في السودان جامعات ومعاهد عليا واعتقد بان هذه المسألة في السابق هي الاماني السودانية القديمة وقد تحققت الآن لكن يجب بداية الارتقاء بالمستوى الاكاديمي في كل الجامعات السودانية وهذا يتطلب الارتقاء اولا بمستوى الاساس كدراسة اولية ، جانب آخر ومهم جدا ان مسألة التعليم هذه تبدو بسيطة لكنها عمليا تأثيرها قد يكون كبيرا جدا بالاضافة الى انها تغير مهم بالنسبة للمجتمع السوداني سواء عبر عنها الناس ام لم يعبروا بصوت عال او دون صوت ، والكثير من العوامل في التحول داخليا وخارجيا ، بالاضافة الى الحرب وعوامل القهر الذي مارسته الانقاذ في بداية حكمها ، كل هذه الاشياء تركت عوامل نفسية أثرت على السياسة السودانية فنحن نحتاج اولا للاعتراف بها لنكون مؤهلين للحل والحد منها لكن اذا حاولنا ان نغطيها وايجاد تبرير لها لن تحل ابدا ولن نتخلص منها ولو بعد حين.
    ?{? في حزبكم شاخت القيادات مما فتح المجال لقيادة الشباب!!
    لا اعتقد انه يوجد موقف بهذا الفهم لكن اصوات الشباب لم تبرز حتى الآن.
    ?{? هل تعني ان كوادركم غير مؤهلة؟
    ابدا لكن لابد للشباب ان يصل الى الهدف بالقناعات والكفاءات ولا يجب ان ندفع به نحن بل يدفع نفسه وحده للامام في نفس الوقت لا نعرضه للتجارب القاسية جدا التي مررنا بها نحن في السابق من سجن الى اعتقال الى اختفاء وهذا الشئ يعتمد لاستقرار الحد الادنى للحركة السياسية في السودان.
    ?{? اتهامكم بتحريض الحركة الشعبية ما تعليقك على هذا الاتهام؟
    الحركة الشعبية الآن ليست محتاجة الى الحزب الشيوعي على الاطلاق قد تكون حاجتها في البدايات او بداية الحركة الشعبية ونحن اعترفنا بحق الجنوب في الانفصال وقد رحبنا بها في الدخول للتجمع الوطني ولم نكن وحدنا كان معنا عدة احزاب مثل الاتحاد الديمقراطي وكان رأينا عند بدايات الحركة انها خطوة جديدة في حركة الجنوب وهي ليست امتداد شامل لجبهة الجنوب.
    ?{? من اجل هذا فقط؟
    وطرحت مشروع السودان الجديد ككل وليس الجنوب فقط ثانيا طرحت التغيير الاجتماعي في كل السودان ثالثا طرحت قضية الجنوب لحلها في اطار حل جميع مشاكل السودان والمناطق المهمشة واعتقد ان هذه النقطة لم تنل رضا الكثير او البعض من الناس لذا سميت بالطابور الخامس نحن ليس الوحيدون لكن كل القوى السياسية تحالفت مع الحركة الشعبية وهذا بعد محادثات نيروبي غيرها ، واصبح بعد ذلك الحركة الشعبية والحركة الاسلامية على وفاق (والبساط احمدي).
    ?{? الآن البساط غير احمدي؟
    انتي لم تتمكني من حضور الحقبة الزمنية التي كانت بين حزب الامة والاتحاد الديمقراطي فدائما كانا دائما في حال المثل الذي يقول (ضربني بكى وسبقني اشتكى) واعتقد ان هذا حال السياسة السودانية.
    ?{? ما رأيك في التدخل الاجنبي الذي نجده في كل صغيرة وكبيرة نواجهها في السودان؟
    هناك فرق بين المساعدات الدولية من هيئة الامم المتحدة او اية دولة بعينها وبين التدخل الذي يأتي يملي سياساته علينا فأي تدخل مثل هذا نحن ضده وضد فرض مصالحه وعادة ما يأتي التدخل الخارجي عندما تضعف الجبهة الداخلية ويأتي ايضا عندما يضعف الاتفاق حول القضايا السياسية ويتعثر ويأخذ فترة زمنية طويلة وعادة ما يأتي التدخل الخارجي في البداية كوسيط لجمع الاطراف ويتمرحل بعد ذلك على حسب الضعف الداخلي لذا يجب ان نقوي جبهتنا الداخلية وهذا يحل مشاكل الاطراف التي معها الخلاف وتتويج العمل بالداخل بكل وجه لنتجنب مثل هذه التدخلات.
    ?{? لكن أغلب المشاكل على حسب المؤتمر الوطني تأتي من جانب الحركة؟
    اذن لماذا لم يتدخل المؤتمر الوطني ليحل هذه المسائل علما بامكانياته.
    ?{? ما هي الفجوة التي بين الواقع المرير والآمال العريضة التي تحتاج الى وقفة جادة ونظرة مدققة بعد الانفصال؟
    قضية الجنوب بعد الانفصال معناها (مع السلامة) ولكن تأتي بعد هذا الانفصال الكثير من التبعيات فمثلا الى اين يذهب الموجودون الآن الى اين؟ الى المعسكرات مع العلم ان من بينهم اسر واطفال وشباب هل تستطيع هذه الشرائح ان تعيش في المعسكرات مثل اللاجئين هذه هي المسائل التي تحتاج الى تفكير دقيق.
    ?{? وماذا عن الحل؟
    الحل يأتي عن طريق المقربين للاحداث والمعاصرين للقضية من خلال العمد والمشايخ والسلاطين والضباط الاداريين القدامى ذوي الاختصاص والسياسيين لن يبرعوا في الحل مثل هؤلاء وفي هذا الحالة سنصل الى النتائج بافضل الطرق.
    ?{? لكن الامل في الحل بعد الانفصال كان كبيراً؟
    هذه ليست المرة الاولى التي تأتي فيها الاحداث بنتيجة غير متوقعة من جانب قطاع الشعب السوداني فمثلا في السابق وقبل الاستقلال كانت الحركة السياسية معسكرين المهم منها معسكر بلادي مع مصر وهي استقلال السودان ، لكن عشية الاستقلال تم الاتفاق بين الطرفين وفاز قرار الاستقلال ولا استطيع الجزم بان التاريخ سيعيد نفسه حرفيا وانما يعيد الحدث المشابه ولكن بظروف جديدة بلاعبين جدد وعلاقات جديدة لا أتوقع اكثر من ذلك ولأن الحركة السياسية لديها من النضج والمرونة ما يجعلها تتخطى هذه المعضلة فنحن مع الواقع وقد اتى الواقع بانفصال الجنوب عن الشمال وفيما يختص بالشمال فهو لم يفقد هويته ولا تاريخه ولم يقذف به ولم يفقد امكانياته وعلاقاته وقدراته وسيواصل مسيرته.
    ?{? ماذا عن دعوة سلفاكير لكم كحركة سياسية للجنوب هل ستلبون هذه الدعوة؟
    وجهت لنا الدعوة نحن والحركة السياسية بصفة عامة ، سنذهب الاسبوع القادم وهي فرصة بلا شك للاتفاق على خطوط عريضة ومبادئ عامة للعلاقة بين الدولتين.
    ?{? مثل ماذا؟
    اولا حسن الجوار وحرية التنقل وحماية الحدود بان يحمي الجنوب حدودنا ونحمي حدودهم ، والتشاور حول القضايا المختلفة من القهر والدمار ومشاكل الطبيعة كفيضانات الخريف ومشاكل اقامة الجنوبيين الموجودين في الشمال وبالمقابل الشماليين الموجودين في الجنوب وقضايا الحركة والحريات.
    ?{? هل سينجح الامر؟
    انا متفائل لان الظروف التي ادت الى كل هذا العناء وهذا الاتفاق سيعطي ايضا قوة دفع لان الحركة السياسية في الشمال والجنوب تتعامل بمسؤولية ولا تتعامل بردود الافعال او الانتخاب بالاضافة لوجود الكثير من القضايا المعلقة مثل الحدود وارى ان الامور يجب ان تحسم بمسؤولية لاجتياز هذا المطب.
    ?{? وماذا عن قضية ابيي؟ ومشكلة الترحال بين القبيلتين؟
    لا توجد قوى في العالم تمنع الرعاة عن مسارهم التاريخي سواء في السودان او غيره لان الرعي اقتصاد ونشاط طبيعي لا بديل له واعتقد ان هذا سيستمر واية محاولة لعرقلة هذا السير ستكون محاولة لكل الترتيبات لم تكن حصرا على المسيرية والدينكا فقط ثانيا ازالة آثار الحرب فقد تركت الحرب آثار هائلة ليس في الثروة الحيوانية فقط بل آثار نفسية ايضا ، لذا يجب ان نضع في الاعتبار القضايا المشتركة التي تشكلت عبر التاريخ فهي تأتي على حساب المواطن في الشمال والجنوب بالاضافة الى علاقة الدولتين يجب الا ندعها لحكومة الجنوب وحكومة الشمال لان هناك حركة سياسية في الجنوب وايضا في الشمال ، هذه الاشياء يمكن ان تكون على صلة وقد تصل الى ادنى من برنامج التعاون واجتياز هذه المرحلة باقل الخسائر الممكنة ودعم ما هو ايجابي للعلاقة بين البلدين هناك مسألة مهمة وهي فرصة ذهبية وتجب مراعاة المسؤولية تجاه الشعب السوداني ويجب الا تخلق منها مزايدة حزبية بل التركيز على الجلوس والمسايسة لحل هذه الازمة.
    وفي هذا اللقاء سنحصر ما تم انجازه بالاضافة الى الشروع في حل بالنسبة للقضايا العالقة.
    ?{? بصراحة يجب الاصلاح بينكم كأحزاب خصوصا مع الوطني وبعدها اصلاح قضية الجنوب والبحث عن حل فيها؟
    المؤتمر الوطني اعتقد انه قد ذل الناس كثيرا فقد عاملهم بقسوة واستكبر عليهم لكن اعتقد ان امامه شيئين اما ان يقول ان الذي حدث قد حدث ويبدأ صفحة جديدة ، اما الشئ الثاني بين المؤتمر الوطني والاحزاب ، فداخل المؤتمر الوطني ايضا توجد مشاكل ، فالمؤتمر الوطني اكثر حزب حكم السودان بعد الانجليز فهناك ايضا عامل اساسي ملاحظ في السنوات العشر الاخيرة هو يقظة الرأي العام ، فالرأي العام متابع جيد للاحداث والديمقراطية والتعددية ومشكلة الجنوب وازمة دارفور وازمة شرق السودان هذه القضايا قد اخذت زمن طويل جدا بالاضافة الى مكوث المجتمع الدولي في السودان بصورة مستمرة ، فيجب وضع حد ونهاية لهذا الامر فلماذا يدخل المجتمع الدولي في مشاكلنا ومن هو اصلا وهو ايضا لا يفوتنا في شئ فبالضرورة يجب ان نصل الى الحلول بأسهل الطرق واشراك كل من له دراية او معرفة او اختصاص بحيث اننا عندما نطرح العلاج يكون مستوف لهذا الاسلوب.
    ?{? بما انكم شاركتم في مفاوضات الدوحة .. ما هو آخر ما توصلت اليه المفاوضات؟
    ملتقى الدوحة ناجح جدا من حيث الاجندة بالاضافة الى الحضور المكثف لدارفور من الداخل والخارج لدارفور وحضور مكثف في الصحافة العربية والاقليمية ايضا كان هناك تكامل معقول بين الجلسات العامة والعمل الاداري وقد تبلورت مطالب اهل دارفور في الآتي:ـ
    اولا تنصيب ابناء دارفور في المناطق المركزية ، ثانيا رئيس الجمهورية يفوض لنائب من دارفور ، ثالثا متابعة مساعدات للمعونات التي يرسلها المجتمع المدني او الدول العربية وان تأتي كاملة غير منقوصة للمواطن والحكام ، هذا ما وصلت اليه الدوحة ومن اكثر الاشياء التي كان يرتكز عليها التفاوض كان مختصرا على قضية دارفور فقط دون التعرض الى اي قضايا خارجية واعتقد ان السودانيين اسهموا اسهام فعال في العلاقة بين جميع الاطراف التي شاركت في هذا التفاوض ، فالعلاقة بينهم كانت مفتوحة ويحفها الوضوح ، جانب آخر ان دارفور مكشوفة على العالم الافريقي فيجب ان نضع في الاعتبار ونرى ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى فيجب الاجتماع بهم في المراحل الاخرى وهذا بالطبع اضافة ايجابية تصب في حل المسائل.

    ------------------

    الوفــاء في ســـرادق العـــزاء : الترابي: نقد كان داعية وهب حياته لفكر إنساني عالمي


    الخرطوم: شوقي عبدالعظيم
    قبل الساعة الثالثة عصراً الموعد المحدد لبداية مراسم تأبين الراحل محمد إبراهيم نقد أو بالأحرى (رفع الفراش) كان الناس وقوفاً، فلم يعد هناك كرسي لجالس، وضاق صيوان العزاء أمس حتى بالواقفين، ودون مبالغة إن لم يكن ذلك الحشد هو الأكبر في هكذا مناسبة، فهو من أضخمها على الإطلاق، المتجمهرون كانوا رجالا ونساء على حد سواء وممثلين لكل الأحزاب والتنظيمات السياسية وممثلين لرئيس دولة جنوب السودان، وكذلك عن الحزب الشيوعي بجنوب السودان، ولا يتبادر لذهنك أن هذا الحضور كله من عضوية الحزب الشيوعي وإن غالبهم كذلك بطبيعة الحال، بيد أن عددا غفيرا كان من تنظيمات سياسية أخرى ومواطنين لا انتماء لهم إلا للوطن، وقطعا أهل الفقيد وزملاؤه وأصدقاؤه.. كان من المقرر أن لا يتجاوز زمن التأبين ساعة ونصف إلا أن الأمر امتده زهاء الأربع ساعات، فكل من حضر أراد أن يقول كلمة وداع ووفاء في حق نقد، وآخر هؤلاء كان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د.حسن عبدالله الترابي الذي قال (بسبب نقد فسرته القرآن الكريم) على الرغم من أن الكلمات تطاولت إلا أن أحدا لم يبرح مكانه ولم تكن هنالك كلمة لم يتأثر بها الحضور ولم يصفقوا لها ويهتفوا خلفها (عاش كفاح الشعب السوداني)
    الحضور الكثيف.. تعبير ورفض
    في كلمة الحزب الشيوعي لتأبين نقد وتقليد رفع الفراش لم يفُت على المتحدث الحضور المهيب. وقال عضو اللجنة المركزية وأحد قيادات الحزب التاريخية يوسف حسين (هذا الحضور الكثيف في رفع الفراش وفي استقبال الجثمان وفي المطار وفي التشييع دلالة من الشعب على تدهور الأوضاع في البلاد ورفضهم للاستبداد والتنكيل). وألمح إلى أن هذه الجماهير يجب أن تدعم أجندة المعارضة، كما أن فيها دلالة أخرى تشير إلى أن موسم الهجرة إلى اليسار قد بدأت.. يوسف أفاض في سيرة نقد وتحدث عنه حديث الصديق العارف، وقال إن نقد هو من أقال عثرة الشيوعيين في 1971 بعد أن بطش النميري بالحزب وعلق قيادته في المشانق، وأولهم سكرتيره العام عبد الخالق محجوب؛ ليتصدى الراحل للمهمة، بينما القدر كان يسوقه للتصدي لها بقية حياته والتي أنفقها كلها في الحزب والشأن العام مفصولا عن الدراسة ومعتقلا ومختفيا تحت الأرض.. ونقد امتهن السياسة وهو دون العشرين ليمضي فيها 60 سنة على الأقل ليكتب اسمه بجدارة جوار غاندي، ومن يوهبون عمرهم للوطن على حد قول متحدث الحزب، وفي خاتمة حديثه أكد أن الحزب سيظل موحدا ملتزما بالخط الثوري.
    الترابي: بسبب نقد فسرت القرآن
    زعيم المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي حضر مبكرا وجلس مستمعا باهتمام لكل ما يقال؛ في شيء من الوفاء للراحل للعلاقة التي تربطه به كما أبان في كلمته. وفي فاتحة حديثه قال «كان الفقيد محباً للخير وكانت له كاريزما عالية داخل الحزب العقائدي وقاد الحزب في ظروف بالغة التعقيد، وكان متمسكاً بمبادئه السياسية». الترابي تنقل بين ما يجمعه ونقد وبين سيرته العامة كما أنه لم يفوِّت الفرصة في تثوير الناس ضد النظام، وأوضح أن العلاقة بينهم بدأت في المرحلة الثانوية بحنتوب وتجاورا في الفصل واجتمعا كذلك في جامعة الخرطوم ليفصل نقد منها ويستغل الطائرة، ويتجه شرقاً إلى الاتحاد السوفيتي وبعده يسافر الترابي إلى الغرب. وتابع الترابي بقوله: خلال الفترة الأخيرة وعقب تجمعهم في قوى المعارضة كان ونقد يتبادلون الزيارات باستمرار وكانوا أقرب لبعضهم وأكثر التصاقا وبالذات في أيام مرضه الأخيرة، وعن شخصية نقد دلف إلى نقطة حساسة وخاصة في لحظات المأتم وهي علاقة نقد بالدين. وقال(الذين يحسبون أن هؤلاء غير مسلمين مخطئون، في إشارة لأعضاء الحزب الشيوعي). وعرض الترابي بالسلفيين عندما قال (ومن يكفرون الناس ينتسبون إلى سالف الحياة ليس إلى قادمها ومستقبلها)، إلا أن ما كشفه أن نقد كان أحد أسبابه في تفسير القرآن حينما حكى أن الراحل كان كثيرا ما يطلب منه كتب تفسير القرآن. وقال (كان كثيرا ما يطلب مني كتب التفسير إلا أنه كان يختار أيسرها وما يتماشى مع الحياة العصرية، وكان هذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى تفسير القرآن).. وتطرق إلى إنسانية الفقيد، وقال: ومهما جانبك الرأي فهو يقاربك في الانسانية وهو سمحا على حد قوله لا تسمع منه نابية، وأضاف انه وخلال فترة لقائه بنقد في سجن كوبر جرى بينهما حوارا عميقا حول تطور الفكر الشيوعي والاسلامي معا، مشيرا إلى أن الشيوعيين ما عرفوا الحرية لنفسهم بل لكل الناس، وكان طيبا منذ أن عرفه في الثانوي لا يعانف أحدا لأنه خالفة الرأي.. وعن الحزب الشويعي وعلاقته قال إن الحزب سيواصل ما بدأه نقد ولن تحدث فيه فتنة، عازيا ذلك للدقة والتنظيم العاليين اللذين يقوم عليهما، بجانب انه حزب لا يقوم على المواريث في إشارة إلى الأحزاب الطائفية، داعيا في الوقت ذاته إلى ألا تحدث فتنة في السودان بسبب الانقسام الحاد الذي يتعرض له بعد أن تقطعت طوائفه وقبائله وأصبح هنالك شد، متعهداً بمواصلة قوى الإجماع خطواتها لإسقاط النظام الحالي الذي قال إنه من تسبب في كل تلك المشكلات، والعمل على توحد القوى السياسية لبناء سودان جديد بعد زوال النظام الحالي وصولاً للحرية والوحدة التي نأمل في عودتها مع الجنوب. وأشار إلى أن علاقة الحزبين الشيوعي والشعبي لا يصدقها أحد لكون أنها شديدة التقارب بسبب أن كلاهما بات يؤمن بالحرية وبسبب تطورات هنا وهناك ساهم فيها الحوار بين الزعيمين نقد والترابي. وفي آخر حديثه أشار إلى أن نقد (داعيا) لأنه وهب حياته للتبشير والدعوة لفكر إنساني عالمي.
    عزاء في كل مكان
    كل ممثل لجهة طلب أن يقول كلمة في حق نقد.. الكل كان يريد أن يقول كلمته ثم يمضي، أولهم كان ممثل دولة الجنوب وزير تعليمها العالي د.بيتر أدوك وممثلو الأحزاب السياسية المختلفة حزب المؤتمر السوداني الذي مثله رئيسه إبراهيم الشيخ، وتحدثت سارة نقدالله عن حزب الأمة، وعدد من الأحزاب الاتحادية، وكذلك حزب البعث العربي الأشتراكي، إلا أن من بين المتحدثين كان ممثل الحزب الشيوعي جنوب السودان جوزيف مادستو الذي أشار إلى أنهم جزء لن يتجزأ من الحزب الشيوعي السوداني، وأنهم دفعوا للانفصال دفعا في إشارة إلى سياسات المؤتمر الوطني. وقال (دفعنا للانفصال، نساء الجنوب كنا يسجننّ مع أطفالهن وتطبق علينا قوانين لا يعرفها ديننا). وطلب مادستو من منظمات المجتمع المدني ومن الحزب الشيوعي الاهتمام بأبناء الجنوب في الشمال، كل من تحدثوا أشاروا إلى أن صيوانات العزاء لا تقتصر على منزل الراحل في ضاحية المعمورة جنوب الخرطوم، فهي تقام في سنار والنيل الأبيض وفي الشمالية وفي دارفور وفي النيل الأزرق وفي الجزيرة، ليس هذا وحسب انما تقام في كثير من مدن العالم في إستراليا وفي لندن وفي أمريكا.. أجمعو من تحدثوا كذلك على أنه كان سمحا خلوقا، وطنيا مبدئيا حد الموت عفيفا وزاهدا لم يخرج من الدنيا بشروا نغير.. إلا أنه خلف تاريخا ومجدا.

    ------------

    نقد.. ( فترت أنا وغلبني)


    الخرطوم: الفاتح عبدالله
    تصوير: إبراهيم حسين
    النعش رقم «236265603»
    كانت الألوان عند اقتراب الساعة الثانية عشرة منتصف ليل أمس بشارع المطار وفي الساحة الخارجية لصالة المغادرة بمطار الخرطوم تتلون بما يقترب من اللون الأحمر.. فيما كانت الدواخل والنفوس يغطيها سواد عظيم وتسكنها موجة حزن مفرط من شدة التعلق بصاحب النعش الذي يحمل الرقم «236265603» قادما من عاصمة الضباب (لندن) على متن طائرة الخطوط البريطانية.
    رحيل محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني لأكثر من أربعين عاماً كان حملاً ثقيلاً على كاهل الشيوعيين والديمقراطيين في ظل الظروف التي تعصف بالبلاد المنكوبة فما أن ينزع نيلها ثوب الحداد حتى تصر عليها الأحزان أن ترتدي ثوبها من جديد وترسم بهذا الحزن أقسى معانيه صورة وإحساساً ويصبح مستنقع الأسى يحف بلادي كالسوار على المعصم.. وكانت الدهشة تبدو واضحة في عيون المسافرين الذين أكثروا من السؤال عن الذي يحدث في مطار الخرطوم عندما احتشد مئات من جماهير الحزب الشيوعي في المطار مشكلين حضوراً بطعم الرحيل في تقاسم مهيب مع التهذيب الطاغي في حضور اللحظة وترقب أبيهم الروحي ومعلمهم الذي درسهم معاني السياسة وسن على أيديهم النضال في العمل السياسي في مسيرة ممتدة بحكمته وطرافته وقوة التماسك التي كان يمتاز بها صاحب النعش الذي حفر على قلوبهم حباً منقطع النظير. جاءوا إليه يرفعون صورته بأياديهم وفي قلبوهم يحفظون معانيه ومبادئه ويترجمون رسالته الأخيرة «سلم وطيد.. وطن مجيد.. فأنا أرقد في كل شبر من بلادي» من أجل هذه المعاني وعلى الرغم من تعديل مواعيد هبوط الطائرة من الثانية صباحاً إلى الرابعة صباحاً كان الصغير قبل الكبير في مطار الخرطوم وكانت النساء والرجال والشباب من الجنسين. نساء الحزب الشيوعي ارتدين الثوب الأبيض النقي ليرسمن للمرأة السودانية بريقها المتوهج رغم تكالب المحن والمصائب، كن يوزعن (بوسترات) ورقية عليها صور الراحل وتضمنت عبارات تحكي عن عظمته وفرادته في آن واحد و(الزملاء) الكبار رفاق الدرب كانوا يسبحون في صمت رهيب لاتأتي من بينه الكلمات، كأن كل واحد منهم كان يسترجع ماضيه وذكرياته مع الرجل وشابات وشباب الحزب أبدعوا في ارتداء الأزياء الحمراء وهم يضعون في رؤوسهم «الطواقي» التي تدفقت إحمراراً يجلس على نسيجها الأخمر الغاني صاحب النعش بابتسامته المعهودة ملوحاً بيده وكأنه كان يودعهم وهم يتحركون في دقة ونظام وكأنهم على دراية بكل ما يمكن أن يقوم به أحدهم ويمسكون العبرة التي وقفت عند مؤخرة الحلوق وتجرعهم الأسى والأحزان وتهزمهم الدموع بإصرارها على الانسياب على خدود كثير منها أسيل مشرق بنداوة الوجد الأحمر، كلهم كانوا يتخذون الصمت حديثا في أغلب الاوقات دون أن ندري بأنها الحيرة من الزمن الذي فرض عليهم فصولا من تراجيديا الاحزان، أو ربما كان تكليفا حزبيا تنزل على كل مديريات الحزب في الخرطوم مكتفيا فقط باللافتات وصورته.. ووسط أجواء الأحزان كانت قيادات الحزب تتخذ ركنا قصيا لمزيد من التشاور والصمت يدوزن على الجميع يتزامن بكاء طبيبة الراحل مع صوت النحاس الذي أرهقه أحد الشباب بالضرب ليرتد حنيناً لنقد أو يجن ولعاً بما مضى وبما يأتي يستشرف رفقاء الشمس أروقته حتى الطبل والنحاس بكى وجلا مشاركا البلاد الأحزان.. والجميع في حالة انتظار حتى تسمرت عقارب الساعة عند الرابعة وعشر دقائق حينها كانت إطارات الطائرة البريطانية تلامس أرضية مدرج مطار الخرطوم وماهي الا دقائق معدودات حتى خرج إلى البهو الفسيح أحب الناس إلى الراحل؛ شقيقته فائزة بصحبة شقيقه عبدالله يجرون أقدامهم من هول الصدمة والرحيل المر.. وفائزة لسان حالها يغني عن كل الاسئلة في هذه اللحظة ويأتي صوتها من بعيد قاطعاً المساحة التي تفصلها وأعضاء الحزب داخل صالة الوصول وتكتفي فقط بتريد عبارة» القامة.. القامة» وتردفها «فترت أنا وغلبني»، حمل النعش على سيارة وسط هتافات نقد القائد ... نقد القائد تقاطعها «لا إله إلا الله» وعندما خرجت السيارة من المطار أمامها عربة الشرطة تحققت عبارة الرجل المشهور التي دونها صاحب النعش على كرتونة مخاطبا القوى المعارضة «حضرنا ولم نجدكم» عندما حضر أمس دون أن يجد أحداً من المعارضة في انتظاره بالمطار، ولكنه وجد موظفي المطار ورجالات الطرق الصوفية ومنظمات المجتمع المدني في انتظاره.. وكعادته أوفي الرجل بوعده، فهو سيدفن في كل شبر من البلاد بل قل في كل قلب نابض بالحرية والعدالة، باحث عن السلام.


    --------------


    نقد.. حكاية (قبرين)


    الخرطوم: مبارك ود السما
    أكرم الفرجابي :
    (1)
    خلاف بين قبرين
    تدافعت الوفود نحو مقابر الفاروق لتشيع الزعيم الوطني الراحل محمد إبراهيم نقد منذ فجر الأمس وتقاطرت كافة ألوان المجتمع السوداني بكافة الأعمار في موكب مهيب يدل على عظمة الراحل ومدى حب الجماهير له.. (الأحداث) رابطت بمقابر فاروق منذ الثامنة من صباح الأمس لتنقل بعضاً مما يحدث هناك وقبل وصول الجثمان نشب خلاف بين الحاضرين حول مكان دفن الراحل حيث وقفت مجموعة حافري القبور بالمقبرة والأخرى انحازت الى أهل ومعارف وأصدقاء الفقيد.. (حافر القبور بمقابر فاروق) ويدعى علي ومعه عابدين درمة أقسموا بالله امام الجميع بأن الراحل أوصاهم بمكان دفنه بحيث يكون قريباً من صديقه الراحل فاروق كدودة.. إلا ان المجموعة الأخرى رأت بأن مكان القبر الذي جهز من قبل (علي ودرمة) ضيق وأن القبر الآخر فيه مساحة واسعة وفي مكان جيد.. وقللوا من صدق حديث الاثنين بشأن وصية الراحل.. وفي نهاية المطاف انصاع الجميع الى دفن الراحل في المكان الذي اختاره ذووه وأصدقاءه في الحزب حيث دفن في الناحية الغربية الجنوبية بدلاً من القبر الذي حفر له في الناحية الشرقية الشمالية.
    (2)
    حفَّار القبور: نقد أوصاني بدفنه بالقرب من فاروق كدودة
    حفّار القبور علي أحمد محمد الذي قام بحفر القبر الأول الذي لم يدفن فيه قال لـ(الأحداث) انا لا اعرف المتوفى معرفة شخصية وأنا ليست لي علاقة بالاحزاب ولا أحمل اي انتماءات سياسية، أنا (بتاع) مقابر (وبس). واذكر في إحدى المرات جاء نقد في العام 2009م وقام بزيارة (فاروق كدودة) ووجدني اقوم برش قبر فاروق وقال لي يا فلان انا كان (مُت) أدفني بالقرب من فاروق.. وأضاف: قلت للراحل لكنني ربما أتوفى قبلك فقال لي اذا حضرت (موتي) اعمل بوصيتي. وانتهى الحديث بيننا عند ذاك الحد.. واردف بالقول: عندما سمعت بوفاته ليلة الخميس الماضي حيث اتصل بي معارفه واخبروني بوفاته, تحركت لإنفاذ وصيته على الفور باعتبار أن وصية الميت واجبة التنفيذ وقمت بتجهيز القبر منذ الأمس – أول أمس.
    وأضاف: «بديت الحفر في الساعة السابعة صباحاً وانتهيت من حفره في الثانية عشرة ظهراً وكان معي افراد من منظمة حسن الخاتمة».. ومضى ليقول: «أنا نفذت الوصية، عملوا بها كان أو لم يعملوا بها فهذا شأنهم في النهاية أنا (خفير) بالمقابر».
    ويقول علي: أنا نفذت الوصية فحسب كما نفذت وصية وردي من قبل عندما أوصاني بأن يدفن بالقرب من يوسف مروي فعملت بوصيته وبالفعل دفن في المكان الذي أوصى به. وقام أهله بنفس الحكاية التي حدثت اليوم مع (نقد) حيث قاموا بالحفر لدفنه في مكان آخر، لكن في النهاية دفن وردي في المكان الذي حدده لي في حياته.
    ويشير علي الى أن الكثيرين يقومون بإعطائه وصايا من هذا النوع قائلاً: أنا في المقابر يتم توصية الأحياء لي بأماكن دفنهم بعد وفاتهم فيقولون لي انا احب فلان أو يقرب لي عندما أتوفى أوصي أن أدفن بجواره وهكذا. وفي أشخاص يبالغوا في وصيتهم ويقولون اذا لم تجد مكان جوار فلان اقسموا لي قبره وأن يكون (ود الأحد) في (مطمورته) هكذا يوصون.
    (3)
    بماذا أوصى نقد (درمة)
    الحانوتي الشهير عابدين درمة أكد لـ(الأحداث) أن الراحل نقد أوصانا في وفاة محمد عبد الحليم وبعد دفنه قال لي ولعوض (اذا انتقلت في أي يوم من الأيام داخل السودان أو خارجه أن توصي بأن تدفنوني بالقرب من فاروق كدودة) مواصلا: فاروق كدودة هو صديق الراحل محمد عبد الحليم.. ومنذ سماعنا لخبر وفاته أتينا الى لمقابر فاروق وجهزنا القبر لتنفيذ وصية (نقد). واضاف: اهله رفضوا دفنه في المكان الذي أوصى به الراحل ونحن في النهاية لا نملك قرار دفنه نحن أوصينا ونفذنا الوصية واينما دفن الرحمة له وأن يتغمده الله بواسع رحمته وان يسكنه الفردوس الأعلى.
    (4)
    رمز الحركة الوطنية
    وفي جانب الحضور الكبير الذي حضر مواراة جثمان نقد الثرى التقت (الأحداث) بالسفير جمال محمد إبراهيم الذي أكد على عظمة الراحل ووطنيته الخالصة وقال: الراحل محمد إبراهيم نقد رمز كبير من رموز الحركة الوطنية قبل أن يكون رمزاً من رموز الحركة السياسية المعاصرة, نقد له تاريخ كبير امتد لعقود كثيرة. نقد في حياته وضع لمسات في الساحة السياسية السودانية غير مسبوقة في النضال السياسي وفي الفكر. نقد رجل مفكر وسياسي جمع بين الاثنين فحقق لنفسه ولبلده الكثير. رحمة الله نقد بقدر ما أعطى لوطنه.
    (5)
    محمد الأمين خليفة: نقد عمل لأجل شعبه
    القيادي بالمؤتمر الشعبي محمد الأمين خليفة بدأ حديثه لـ(الأحداث) بالدعوات الصالحات للراحل محمد إبراهيم نقد قائلا: رحم الله نقد الذي عمل للوطن بإخلاص وبتفان ونكران للذات، ونقد عمل للسودان ولشعبه منذ ولادته الى وفاته.. نقد رجل علم لجمعه قلوب وافكار الناس في حب الاوطان. نحن نعزي اسرته ونعزي الشعب السوداني اجمع بهذا الفقد الجلل. نسأل الله له الرحمة والمغفرة. وإنا لله وإنا اليه راجعون.
    (6)
    ساطع الحاج: لم تغريه السلطة ولا المال
    القيادي بالحزب الناصري المحامي ساطع الحاج ذكر لـ(الأحداث) أن السودان فقد رجلاً من أشجع الرجال واقواهم، رجل كان صادقاً مع نفسه ومع قضيته, نقد عاش اكثر من (80) عاماً قابضاً على جمر القضية لم تغريه سلطة أو جاه أو مال.
    مؤكداً أن نقد ناضل من أجل التحول الديمقراطي الحقيقي وان يكون السودان به تنمية حقيقية مستدامة, وأضاف أن نضال نقد كان يمثل نضال الشعب السوداني بأجمعه والدليل على ذلك حضور الشعب السوداني لتشييع الراحل (نقد). وقال يظل نقد خالداً في ذهن ووجدان الخارطة السياسية السودانية. مضيفا: نعاهد نقد على ان نسير على خطى مبادئه بنفس القوة والحماس والوتيرة التي لم تفتر للحظة واحدة.
    (7)
    كمال عمر: الراحل تتجلى فيه الإنسانية العميقة
    أما الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر فقال لـ(الأحداث) نقد فقد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، مبيناً أنه فقد كبير للساحة السياسية السودانية، لافتاً إلى أنه يمثل تاريخ السودان السياسي وحاضره بكل ما يحمل من معانٍ، واستطاع أن يحتل مركزاً متقدماً جداً جداً في نفوس السياسيين من خلال طرحه الجرئ لقضايا الحرية والديمقراطية والفقراء، مشيراً إلى أنه لعب دوراً كبيراً في تذويب الخلافات التاريخية ما بين اليسار والإسلام هو وصديقه في زمن الدراسة الشيخ حسن الترابي، مردفاً أنهما استطاعا أن ينقلا الصراع الآيديولوجي، مؤكداً أن نقد يمثل واحداً من المؤسسين لتحالف قوى الإجماع الوطني كما أنه احد متبنيي فكرة إسقاط النظام هذه الفكرة التي ستظل - على حد تعبيره - في حدقات العيون، مبيناً أن أمنياته كانت في أن يرى السودان قد تحول إلى الديمقراطية، مشيراً إلى أن لديه تجربة خاصة مع الزعيم الراحل تتجلى فيها الإنسانية العميقة جداً وهي واحدة من الموروثات الإنسانية والسودانية العميقة، لاًفتاً إلى روح الفكاهة والدعابة التي يتمتع بها الراحل.
    (8)
    السفير اليمني بالخرطوم: عزائي لكل السودانيين
    السفير اليمني بالسودان د. صلاح علي أحمد العنسي قال لـ(الأحداث) نحن نشارك في عزاء القمة الوطنية محمد إبراهيم نقد ونعزي الشعب السوداني في رحيله ونتمنى له الجنان وأن يلهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء.
    (9)
    محمد عبد الله الريح: أحد الذين سودنوا الفكر اليساري
    أما الخبير في علم الحيوان البروفيسور محمد عبد الله الريح فقال: نحن في السودان بالرغم من الاختلافات إلا أننا نرى اليوم في تشييع نقد دلالة على تقدير الجميع له. لأنه كان رجلاً لا يملك الفرد إلا ان يحترمه ونقد يجبرك على احترامه حتى اذا كنت مختلفاً معه. وقال التربية السياسية يجب أن تقوم على أساس احترام الغير لأن جيل نقد اعتمد على أسس احترام الغير التي نبعت من السودانيين انفسهم. ونقد واحد من الذين سودنوا الفكر اليساري.
    (10)
    السماني الوسيلة: رحيله عظة لنا
    عضو البرلمان ووزير تنمية الموارد البشرية السابق السماني الوسيلة قال لـ(الأحداث) اليوم يوم آخر من الأيام الحزينة في تاريخ الشعب السوداني اذ يرحل رجل اتصف بصفات جميعها حسنة صدقاً ونكران ذات وتجرد واخلاص فيما يؤمن به وعمل طول حياته كرجل عمل عام.. ونقد اتسم بالصفات الحسنة والالتزام التام, مردفا: ولذلك تشاهد الآن في تشييع (نقد) كل ألوان الشعب السوداني بطوائفه المختلفة وأحزابه جميعهم جاءوا يعزون في الراحل كأنما الفقد فقد واحد فيهم وهو بالفعل الفقد فقد واحد فيهم. وابتهل السماني بالدعاء لنقد وسأل الله أن يغفر له ويرحمه. وقال يجب أن يكون الموت لنا عظة لنا جميعا لأن السودان يحتاج الى أمثال نقد.. رحيله يشكل رسالة فرحيله ليس كرحيل أي فرد عادي وإنما بقاءه سيكون في المبادئ التي التزم بها وظل يناضل من اجلها. رحيله يجب أن يكون عظة وعبرة لنا جميعا وأن تتحد أيادينا لكي نرفع شأن البلد الكبير.. البلد الذي اتسم بصفات كثيرة وخيرات كبيرة. وقال أن نعمل جميعاً وأن نترك الخلاف.
    (11)
    تابيتا بطرس: وننعي فيه دماثة الأخلاق النبيلة
    أما القيادية بالحركة الشعبية ووزيرة الصحة السابقة تابيتا بطرس فقالت لـ(الأحداث) اليوم نعزي الأمة في وفاة زعيم الحزب الشيوعي السوداني الأستاذ محمد إبراهيم نقد وننعي فيه دماثة الأخلاق النبيلة والاهتمام بقضايا الوطن.
    ++++++++++++++
    هوامش على دفتر (الرحيل):
    < شباب الحزب ارتدوا مرايل حمراء وعكفوا على التنظيم وكان كوادر الحزب المناطين بالحماية يشرفون على حركة الموكب وتنظيم الحركة العامة من منزل الراحل الكائن بضاحية الفردوس في ظل غياب ملحوظ لشرطة المرور.
    < تحرك الموكب راجلاً ولم يكن به سوى سيارتين إحداهما تحمل الجثمان والأخرى تسبقه، وسار الموكب الجنائزي على النهج الذي خطط له بشكل منظم ووفقاً للمواقيت المحددة .
    < بالرغم من أن الحضور كان عادياً في دار الحزب إلا المشيعين فوجئوا بحضور ضخم تجاوز الآلاف في مقابر فاروق الذي طوقت عدد من «سيارات» الشرطة الكبيرة، الطرق الرئيسية والجانبية.
    < كرد فعل على الوجود الكثيف للشرطة اندلعت هتافات قوية كان أبرزها:
    عائد عائد يا أكتوبر
    عائد يا أبريل
    الحرية سلام وعدالة
    الثورة خيار الشعب
    ماكا الوليد العاق، لاخنت لا سراق
    < حرص منسوبو الحزب في الولاية على الحضور للوداع الأخير، وأنبأت اللافتات التي حملوها عن المناطق التي قدموا منها كان أبرزها (الحزب الشيوعي جنوب النيل الأزرق). كانت لافتات أخريات تعبر عن مكنون ما يحمل أهلها للراحل محمد إبراهيم نقد (مكانك في قلوب الكادحين).
    < غياب التمثيل الرسمي عن التشييع لافتاً فلم يشاهد وجود رسمي غير ما تمثل في شخص وزير رئاسة الجمهورية بكري حسن صالح ووزيرالعدل السابق عبد الباسط سبدرات الذي شوهد لاحقاً خارج المقابر.
    < حضر كل قادة المعارضة من لدن الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وزعيم المؤتمرالشعبي حسن الترابي كما حضر المشير عبد الرحمن سوار الدهب بجانب بعض قادة حزب الأمة ممن قدم مع الإمام الصادق المهدي ومنهم نائب رئيس حزب الأمة اللواء فضل الله برمة ناصر وعلي السيد المحامي من الاتحاديين.
    والختمية على رأسهم أحد أنجال الميرغني وعدد من الخلفاء،
    ويحيى الحسين وساطع الحاج الذين كانا حضوراً من وقت مبكر
    وكذلك عدد من الجمهوريين من بينهم عبد اللطيف عمر وأسماء محمود محمد طه وآخرين.
    < نحاس الحزب الشيوعي الذي لم يتوقف الذين يقرعونه طيلة المراسم الجنائزية.
    < غطَّت مراسم التشييع عدد من القنوات الفضائية وعدد كبير من الصحفيين، كما قام عدد كبير بالتصوير على الفيديو من موبايلات وكاميرات.
    < صلى على الراحل شيخ الطريقة الإدريسية وفقاً لوصية المرحوم. وكان للحركة الشعبية قطاع الشمال حضور لافت منذ الأول من الأمس بجانب قوى المعارضة.
    < أثناء ساعات مواراة الراحل الثرى، اختلطت عبارات التهليل والتكبير مع (أوراد) الختمية والهتافات السياسية بطريقة لافتة.
    < الهتافات كانت متنوعة وشاركت النساء في التشييع بأعداد كبيرة بجانب حضور كبير للشباب من الجنسين كانوا يوزعون
    أعداداً من صحيفة الميدان الصادرة صباح اليوم بكميات كبيرة
    وغطت صفحتها الأمامية صورة الزعيم الراحل.
    < سار الناس لمسافات طويلة، وجمع كبير دخلوا المقابر من الناحية الشرقية ومن كل الجهات، ولأن الأزدحام واسع أقيمت صلاة الجنازة في الناحية الغربية.
    الهتافات الرئيسية كانت تتكرر مرات ومرات:
    عاش نضال الشعب السوداني
    عاش نضال الحزب الشيوعي
    عاش نضال الطبقة العاملة
    < رغم اختلاط الكل في مكان واحد (الصوفية والسياسيين) ردد الكل ما اختار من كلمات لعيبِّر بها عن الفقد دون أن يزعج أحد الآخر في سماحة وتسامح غمر المكان.
    < بعد مواراة جثمان الفقيد الثرى خاطب يوسف حسين المشيعين وشكر الكل وأثنى على الشعب السوداني، وشكر التنظيمات السياسية. وانصرف الكل بعد تحديد ما تبقَّى من برنامج التشييع.


    الاحداث



    اخبار اليوم
                  

03-28-2012, 10:11 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    رحل نُقد وفي نفسه نَهَم لم يشبع

    عمر العمر

    في شخصية محمد إبراهيم نقد قسمات لا تبدو لمحاتها في أي من مجايليه على المسرح السياسي السوداني. فرادة نقد لا تكمن فقط في انتمائه إلى كوكبة الشيوعيين الروَّاد ممن نذروا أنفسهم لضخ الوعي في جسد الشعب المترهل بالجهل والفاقة.
    تميُّز نقد لا ينحصر كذلك في ذلك الاتساق النفساني والذهني، حيث يغمر فائض قيمة البذل السخي على نكران الذات النادر من أجل المبادئ والقناعات والقضية والوطن.


    عبقرية نقد تجسِّد، بالإضافة إلى ذلك، التمازج الثر بين البساطة والبشاشة والتواضع الجمّ مع الصرامة والجرأة والبسالة. كل من هذه الفضائل تتدفق بتلقائية محببة في الموقف المناسب في الوقت الملائم.
    هكذا يتحدث محمد إبراهيم نقد لغة عامية دارجة مغرقة في البساطة والتبسيط فيكون قريباً من سامعيه على قدر ما هو مقنع. حين تقرأ ما كتب نقد تبهرك جزالة الأسلوب وموسوعية الثقافة وعمق الفكر ونفاذ المعالجة الفلسفية.
    مساهمات محمد إبراهيم نقد الفكرية لا تصدر أحكاماً قاطعة على قدر ما تطرح مزيداً من الأسئلة. هو يحرص على ذلك من أجل التحريض على التفكير والجدل.


    هكذا نفذ محمد إبراهيم نقد إلى قلوب الرفاق خاصة والجماهير عامة، فاستقطب محبة الجميع وإطراءهم. هكذا اكتسب نقد احترام المثقفين فتصدر قائمة الرفاق المتنافسين في دوائر الخريجين على عتبة الديمقراطية الثانية. يومئذٍ لم يكن محمد إبراهيم نقد خطيباً متردداً على المنابر، بل كان أحد السواعد الفاعلة في أروقة الحزب الخلفية.
    قدرات محمد إبراهيم نقد القيادية لا تبرز في نسيج أي من مجايليه في واجهات الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى. الصلابة في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية ليست خاصية نقد وحده داخل الحزب الشيوعي. إدارة الحزب من موقع الاختباء ليست ضريبة اجتماعية باهظة دفعها نقد وحده. ربما يكون نقد - حتى لا نطلق تعميماً مجانباً يظلم ممن هم على قيد الحياة - آخر جيل عملاق من الشيوعيين بادروا إلى نشر أدب حداثي تحوَّل إلى لغة متداولة في الخطاب السياسي العام. هو حتماً ليس آخر العمالقة الروَّاد الذين ابتكروا شبكة حزبية نسجت على منوالها أحزاب أخرى، بما في ذلك الإخوان المسلمون.


    فرادة نقد تأتي في تصديه لقيادة الحزب الخارج من مجزرة ضارية وحملة قمع ومطاردة شرسة وتدمير عشوائي. مجرَّد مهمة إعادة تجميع شظايا الحزب وإعادة بنائه تشكِّل إنجازاً عبقرياً. ذلك عبء تاريخي مكلِّف واجهه نقد من موقعه القيادي بثبات وحكمة وحنكة.
    تلك المهمة فرضت على نُقد وطاقمه القيادي، نَقد مغامرة يوليو مع عدم التبرُّؤ منها. إعادة بناء الحزب فرضت عليه كذلك الاعتراف بالجمود الفكري مع العمل على التحرُّر منه. الحزب لم يكن مثقلاً فقط بخسارته الأرواح التي نُحرت أو انتحرت ونزف الكوادر المعتقلة والمطاردة، بل بالانشقاقات الداخلية على خلفية ثلاثة مفاصل تاريخية.
    خروج الحزب المنهك من مغامرة يوليو أغرى البعض بإحداث صراع داخلي، ربما اكتسى طابع الصراع على السلطة داخل الحزب أكثر من المساهمة في إعادة بنائه تنظيمياً وفكرياً. ذلك الصراع أحدث بدوره انشقاقاً جديداً في بنية الحزب المرهقة.
    أحد أبرز مظاهر الأزمة الناجمة عن الحملة الضارية على الشيوعيين تتبدَّى في غياب الكوادر المسلحة بالعلم والقادرة على إثراء الجانب الفكري داخل الحزب. ذلك التدنِّي التنظيمي والفكري انعكس في نتائج انتخابات الديمقراطية الثالثة.
    تلك الأزمة زادت قتامة إثر صعود القوى المعادية للحزب بكل ظلاميتها الفكرية إلى السلطة. ذلك الصعود كشف تبني »الإخوان المسلمون« تكتيكات الشيوعيين في بناء سلطتهم ومن ثم الإجهاز على معاقلهم على نحو انتقامي.


    انهيار المعسكر الاشتراكي أضاف عبئاً ثقيلاً على كاهل قيادة الحزب الشيوعي السوداني المنهك. انفجار أزمة الامبراطورية السوفيتية أسقط المقولات المركزية في الخطاب السياسي الشيوعي مثل الطبقة العاملة، نظرية الطبقة العاملة وحزب الطبقة العاملة وديكتاتورية البروليتاريا.
    وسط هذه العتمة السياسية الملبَّدة بسحب داخلية وغيوم خارجية توجب على نقد وطاقمه القيادي مواصلة مسيرة تتطلب جهداً تنظيمياً وفكرياً كبيرين.
    على الصعيد الوطني فرضت التطورات الانخراط في تحالف مع القوى السياسية الأخرى على طريق ملغوم بكثير من السلبيات. على هذا الطريق فرض محمد إبراهيم نقد احترامه على قيادات الأحزاب الحليفة. على الرغم من عدم قناعاته بنهج التجمع إلا أنه وجد فيه شراً لا بد منه.
    وسط هذه التضاريس، قاد نقد الحزب إلى مؤتمره الخامس المنتظر منذ سنين عديدة. ذلك إنجاز يكلِّل مسيرة مناضل حذق فن النضال الدءوب الصبور.
    عدم رغبة محمد إبراهيم نقد البقاء في أمانة الحزب عند التئام المؤتمر الخامس ليس سراً. الرجل عقد العزم على التفرُّغ لإشباع نهم الباحث المفكر في شخصيته. ذلك بعد أن أنهكه دور السياسي. خلال مناقشات ثنائية دأب على إتاحة فرصة تداولها معه إبَّان إجازاتي، شدَّد نقد على ذلك العزم. في تلك المناقشات المثارة دوماً على مائدة، تعوَّدت على أن يحيلني نقد إلى شخصيات باعتبارها ذات باع في الموضوع المثار. الرجل لم يكن يزعم لنفسه القول الفصل في كل القضايا. بعض تلك المناقشات جرت على مائدة الصديق كمال الجزولي الثرية بالتنوُّع في المطايب والجدل.


    عشية المؤتمر قدمني نقد إلى وجوه قيادية داخل دار الحزب لم يسبق لي شرف التعرف إليها. بعضهم أشار لمعرفة الاسم استناداً إلى »الحوار الالكتروني« مع نقد، بينما كان تحت الأرض وهو حوار سَبْق.
    بسخريته المعهودة قال نقد ذلك الحوار صنع مجدي الصحافي. رددت عليه بأن المشكلة في الشيوعيين إذ يرون العالم من زاوية الحزب فقط. ثم افترقنا ضاحكين.
    أفضل ما يمكن تقديمه إلى روح نقد من قِبل الزملاء، هو عبور رحيله بأقل كلفة ممكنة من الوقت والجهد على طريق الحفاظ على وحدة الحزب.


    ---------------

    الأربعاء/28 / مارس /2012الرئيسيةآخر الاخبارالاعمدة

    
    في وداع الفقير-الغني.. نُقد!

    طه النعمان


    الاثنين, 26 مارس 2012

    ü غبَّر الآلاف من أبناء السودان صباح أمس أقدامهم وهم يتبعون جنازة محمد إبراهيم نقد، كانت الدموع تترى، والحناجر تخنق بعضها العبرات وبعضها يصدح بالهتاف بحياة الشعب السوداني وكفاح الطبقة العاملة والسلام والتغيير. كانوا يودعون عزيزاً عليهم عاش لهم وبهم منذ ميعة الصبا وحتى الفناء والتلاشي، متصوفاً في خدمتهم بلا من ولا أذى. فلا أقل أن يودعوه بما يليق دون أن يودعوا أحلامهم التي آمن بها وأمضى العمر في خدمتها. فقد صح في نقد قول الفيتوري وحكمته: دنيا.. يملكها من لا يملكها.. أغنى أهليها سادتها الفقراء!

    ü محمد إبراهيم نقد هو آخر العنقود في جيل القادة المؤسسين للحزب الشيوعي السوداني وحركة اليسار العريض، وربما كان أصغر أبناء ذلك الجيل من النجوم السوامق سناً، ولكنه احتل مقعده باكراً بعد عودته من جامعته البلغارية، التي هاجر إليها مضطراً بعد خسارته جامعة الخرطوم بفعل جسارته ونشاطه الباكر. عاد إلى السودان ليكمل ما بدأه وليكون في رفقة عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين ومصطفى محمد صالح والجنيد علي عمر وأحمد شامي ويوسف عبد المجيد وعبده دهب حسنين وأمين حاج الشيخ أبو وكل رموز ذلك العقد الفريد من قادة الحزب واليسار العريض.

    ü كان محمد مشغولاً بقضايا الفكر والتنظيم في بداية عهده بحسبان الخبرة السياسية والتنظيمية التي اكتسبها من دراسته بإحدى البلدان الاشتراكية، وهي خبرة لم تتأت للكثير من رفاقه، الذين درس بعضهم في مصر أو أولئك الذين تلقوا تعليمهم في السودان، وكان بمثابة ساعد أيمن في مجال الفكر والإدارة الحزبية لرفيقه وقائده المباشر عبد الخالق محجوب، الذي كان -كما تناهى إلينا من شهادات الثقاة المطلعين على الحياة الداخلية للحزب- يوليه عناية خاصة لما خبره فيه من التزام صارم بتنفيذ التكاليف وإنجازها على الوجه المطلوب بلا تواكل أو تسويف.

    ü تاريخياً، يمكن القول -بشيء من التحفظ- إن محمد إبراهيم نقد هو الرابع في سلسلة الزعماء الذين تولوا قيادة الحزب الشيوعي الموحد والمنقسم على حد سواء، فذاكرة الحزب تقول إن أول من تولى قيادة الحزب هو الدكتور عبد الوهاب زين العابدين عند أول تشكيله، وخلفه في ذلك الموقع الأستاذ عوض عبد الرازق الذي اختلف وبعض رفاقه من أمثال عبده هب وبدر الدين سليمان وآخرين مع عبد الخالق ومن آزره بعد عودته من مصر ليقع الانقسام الشهير في 1951، بين من عرفوا بـ«البولشفيك» الذين ناصروا عبد الخالق و«المنشفيك» الذين تحالفوا مع عوض عبد الرازق، ولكن عوض وصحبه اختفوا من ساحة العمل السياسي وتلاشى جناحهم سريعاً ليصبح «المركز» الذي يقوده عبد الخالق هو الحزب، ولتتكرس قيادته وزعامته للحزب فكراً وتنظيماً، وليحتل الحزب في عهده مكانته المرموقة في الساحة السياسية كرقم لا يمكن تجاوزه، خصوصاً بعد سيطرته على الحركة النقابية بقيادة قاسم أمين والشفيع أحمد الشيخ وشاكر مرسال رحمهم الله. وإذا كان عبد الخالق قد صعد نجمه من خلال الانتصار في الصراع الداخلي والخلاف حول برنامج الحزب واسمه ووسائل الكفاح التي تمليها مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي، فإن نقد قد جاء إلى قيادة الحزب في أقسى الظروف وأشدها خطراً على الإطلاق، بعد المذبحة الشهيرة التي نفذها نميري وصحبه في قادة الحزب الكبار وضباطه إثر انقلاب 19 يوليو 1971 الذي قاده الرائد هاشم العطا، وبذلك يصح فيه الوصف واللقب الذي درج البعثيون على إضفائه على زعمائهم، لقب «القائد الضرورة»، فإذا كان البعثيون يطلقونه من أجل التبجيل والتعظيم، ففي حالة نقد هو حقيقة كرسها الواقع وصدقتها الظروف التي اضطرته واضطرت حزبه لأن يتولى القيادة. قيادة كان قدرها أن تعيش تحت الأرض وتتوارى عن الأنظار منذ اللحظة الأولى في يوليو 1971 وعلى مدى 14 عاماً حسوماً حتى سقوط نظام جعفر نميري في أبريل 1985، وتكررت حالة الكمون والتخفي أيضاً في عهد «الإنقاذ» بعد مغادرة السجن في 1994 وعلى مدى 11 عاماً أخرى، هذا غير فترات سابقة في عهد عبود ألجأت نقد وكثيرين غيره من كوادر الحزب للعمل السري والاختفاء. ومعاناة الاختفاء والتواري أكبر من مشاق السجن وتباريحه، كما نُقل عن عبد الخالق محجوب.

    ü وإذا ما تجاوزنا الثمن الفادح الذي قدمه رفاقه من المدنيين والعسكريين لقاء ما آمنوا به، وفي مقدمتهم عبد الخالق والشفيع وجوزيف قرنق وهاشم العطا وبابكر النور وفاروق حمد الله، وهو مما لا يمكن تجاوزه طبعاً، فإن نقد قد تقدم في وقت الحظر وتصدى لقيادة حزب جريح يقطر دماً، وكان عليه أن يضمد جراحه ويخضعه لـ«العلاج الطبيعي» حتى يقوى على الوقوف على قدميه مجدداً دون عون من الخارج الذي تبدلت خارطته ووسط حالة «جزر ثوري» وتراجع على المستوى الداخلي، لكنه بذكائه الوقاد ودُربته وحكمته وشجاعته الفائقة استطاع أن ينجز المهمة ويعيد الحزب إلى العمل والتصدي لقضايا الوطن الجوهرية، برغم فقدانه للمد الجماهيري والنقابي العارم والواسع الذي تمتع به في أوقات سابقة قبل انقلاب 19 يوليو المشؤوم. وهذا ما يبوئ نقد مكاناً علياً في تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية محلياً ودولياً.

    ü لن نتحدث عن مساهماته الفكرية، فتلك معروفة تشهد عليها كتبه وكتاباته المنشورة التي عكست قدراته المعرفية والبحثية المتفوقة، ولكن ما يجب التنويه له هو دوره ودور رفاقه السابقين والمجايلين في حركة اليسار السوداني في إزكاء الوعي السياسي بين طوائف الشعب السوداني وطبقاته كافة. وهو دور يمكن الانتباه له وملاحظته عندما تقرأ أو تسمع للآخرين من خارج حركة اليسار أو حتى معارضيها الذين استفادوا أيما فائدة من القدرات التحليلية والاستقرائية التي سادت أوساط اليساريين. وهو وعي تجاوز النخب إلى عامة الشعب ليصل إلى البسطاء من العمال والمزارعين الذين عرفوا وسائل الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم بعد أن أدركوا أبعاد تلك الحقوق ومعنى تلك الحريات، بفعل حالة التضامن والتثاقف التي نشأت وتعمقت بينهم وبين نخب اليسار المنتشرة في المدن والأرياف على مدى عقود متصلة.

    ü صحيح أن دور اليسار السياسي قد مُني بالكثير من النكبات والهزائم، منذ 1971 وما تلاها، لكن بقيت بذرة الوعي ورواسبه قابعة أسفل الكأس، وهي بذرة قابلة للتخصيب والحياة والنماء، لأسباب موضوعية توفرها الظروف في الزمان والمكان المناسبين. فقد سأل جعفر نميري المهتاج والغاضب عبد الخالق محجوب وهو يشرف بنفسه على محاكمته في معسكر الشجرة: ماذا قدمت للشعب السوداني، وفي ذهنه طبعاً بعض إنجازات مايو التنموية، فكان رد عبد الخالق ببساطة: الوعي.. الوعي يا سيدي الرئيس!!

    üالا رحم الله نقد واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أؤلئك رفيقا.

    .
                  

03-28-2012, 04:07 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    front5-2493.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

03-29-2012, 05:39 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    عندما عزفت الجماهير ...لحن الخلود

    د. الشفيع خضر سعيد

    مرت حوافر الزمن على صدره، فرسمت توقيعاتها ألقا وفكرا وحكمة. كان يعرف هدفه في هذه الحياة، يسعى نحوه بثبات وثقة، تدفعه قوة داخلية عظيمة ودفاقة، سر عظمتها وقوتها يكمن في قدرته على العطاء نحو الآخرين، وفي وعيه وقناعته المطلقة بمهمته التاريخية. تلك القناعة التي ظلت تحرره من أي مخاوف، والتي رسخت في دواخله نفورا من كل ما يتعلق بالمطامع الذاتية. كانت عشرة الناس من ضمن أكثر ما ظل يسعى إليه، لذلك بنى خطابه الفذ العميق السلس مستندا عليها، ومستمدا معانيه من أحوال البسطاء وحكاويهم وأحلامهم. رجل كان يؤمن بأن طريق الشعب هو أوسع طريق يسعى إليه أصحاب القضايا الكبرى، فكابد وجاهد لمد أوسع وأقصر الطرق لعلاج أنين الغلابة. رجل له إلتزام شاسع الأطراف، فهو ملتزم تجاه رفع الضيم عن أي سوداني، وملتزم تجاه رفع مستوى الحياة لكل كادحي البلاد، وملتزم تجاه جذوة الفكر، وتجاه العالم، مدافعا، بالفكر والعمل، عن قضايا المهمشين والمقهورين، وضد رأس المال المتوحش العابر للقارات.

    كان يدرك أن الزلازل والمنعطفات الحادة، بالضرورة، ستطرح تحديات فكرية جدية، لا يجدي معها التوليف أو الإستنساخ الفكري، أو البحث عن حلول في خزانة ما. فكان يتصدى لها بقلق المفكر وحنكة القائد السياسي، متجنبا الوقوع في فخ عبادة النص وتقديسه. وكان بذلك يفشي سر عبقرية متناهية الدقة، لها قوة أجنحة تدفعها للتحليق بعيدا في أجواء الفكر، ولها رهافة جذور لا تمنعها أوصالها الرقيقة من الإنغراس عميقا في جوف الأرض. دائما وأبدا، كان يرفض تقديم الأجوبة النهائية القاطعة، أو المعدة سلفا، بل كان يراها حاجزة ومانعة لإندفاع الأفكار. وعندما تقرأ أو تستمع للمناضل محمد إبراهيم نقد، ستكتشف أنك لا تحتاج لبذل أي جهد يذكر، ما دمت متجنبا التسطيح والتبسيط الذي يبتزل عملية المعرفة، لتنتبه، كما إنتبه المفكر المصري الراحل محمود أمين العالم، لتحذيرات نقد الواضحة والصريحة بضرورة التمييز بين ما هو آيديولوجي وما هو علمي،

    ووظيفة كل منها في المجال المعرفي. فالأستاذ نقد، كما أشار أمين العالم عن حق، قام بمتابعة تاريخية تحليلية لمفهوم الآيديولوجيا منذ بداية نشأة المفهوم حتى معالجته الدقيقة عند ماركس وأنجلز اللذين ميزا بوضوح بينه وبين التحديد العلمي، ثم قام بكشف ما وقع من خلط بين الآيديولوجيا والعلم وتأثر الأدبيات السوفييتية عامة بهذا الخلط..(نقد، “في حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية“، دار الفارابي، ص 9، ). في توسيعه للرؤية ومساعدة الناس وأعضاء الحزب على الإبصار، كان الرجل وكأنه يجدد مخاض (نبي) جبران خليل جبران:” إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر. وإذا كنت قد لعنت ذاك الحجر الذي عثرت به في حمى عماوتك، فهل تلعن النجم لو أن رأسك إرتفع حتى إصطدم به في السماء؟ ولكن اليوم الذي تجمع به الحجارة والنجوم على نحو ما يجني الولد زنابق الوادي، آت فريبا، وعند ذاك ستعلم إن جميع هذه الأشياء مفعمة بالطيب والحياة” (جبران، “حديقة النبي“، المكتبة الثقافية، ص 21).

    كنت مقتنعا تماما بأن خطوط المعرفة عند نقد، تتقاطع ليقود بعضها البعض الى النهايات اللائقة بدماغ لا يكف عن التفكير، وبمفكر لا يهاب الطريق الذى يؤدى اليه تفكيره المبنى على منهج متفاعل مع

    كليات العصر وتفاصيله، حتى ولو كانت المحطة الأخيرة في هذا الطريق تدعوه لتغيير شكل محطة البداية. فالأستاذ نقد كان متمسكا، أو مستمسكا كما يفضل هو، بالتجديد. وكانت قناعته، والتي ظل يصرح بها قولا وكتابة، إن “النظرية تبقى علمية ومرشدا، بقدر تقيدها بأصول وقواعد مناهج العلم، فتبادر لاخضاع استنتاجاتها للتجربة، كيما تتجاوز ذاتها، ولا تتعصب لخلاصة ونتيجة ضحدها محك الممارسة أو تجاوزها الواقع، وتفتح ذهنها لمنجزات العلوم الاخرى، ولا تصدر احكاما مطلقة لا تقبل التعديد، وتتضامن مع العقل البشرى بأسلوب الاقناع، لا بسلطان المطلقات” (نقد، المصدر السابق، ص 43-44). وعندما يبحر بك المفكر نقد، سابحا في بحور الجدل، أو محلقا في فضاءاته، يلخص لك سر العلاقة بين المنهج والحقيقة: ” المنهج اداة فى خدمة عقول بشرية، لا مفارقة ولا متسامية، تتفاوت ملكاتها وسعة أفقها وعمق تجربتها ومخزون معرفتها وشفافية حسها فى إستيعاب معطيات عصرها، وتاريخ و مستقبل تلك المعطيات. ولكونه أداة، فالتجديد والتجويد سمة جوهرية ملازمة له، والزام وشرط للعقول التى تستعين به فى بحثها عن الحقيقة، وعن حل لتناقض، وفض لاشكالية. ورغم كل هذا، الحقيقة ليست حكرا على منهج بعينه، فقد تفلت من أمة بأسرها ويكتشفها فرد!” (نقد، المصدر السابق، ص 43).

    أوضاع المناضلين من أعضاء الحزب كانت في صدر أولويات سلم الإهتمامات عند نقد، يهتم بتفاصيل حياتهم الخاصة والعامة، ويبذل جهدا مضاعفا لتقديم كل الممكن لصالح تطوير قدراتهم والرقي بها، ولصالح إستقرار معيشتهم. وكان يغتنم أي فرصة ليسرب تعليقاته الذكية على مشاهد السياسى اليومى، حتى ولو من خلال نافذة تبدو بعيدة، مثلما فعل فى مقدمة حواره الممتع مع المفكر حسين مروة حول بحثه العميق الثري “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية”، والتي يبث فيها القارئ رغبته في مثاقفة حرة وحوار مفتوح، فيأتي صوت القائد المفكر عاليا، ولكن في تواضع العلماء، محددا ما يريد لمشروعه الثقافي الفكري: “إن فات هذه الصفحات ان تكون مادة حوار مع مروة، فلتكن مشروع صفعة على العقلية المريضة الاثمة التى استهدفت دماغه…” (نقد، المصدر السابق، ص 16). في تقديمه لذلك الحوار، أشار نقد إلى أن أحداث الحياة السياسية السودانية ظلت تمسك برقاب بعضها البعض، لتجعل القراءة المنتظمة الجادة منالا عزيزا. ومباشرة إنطلق من هذه الإشارة ليخاطب، منبها، شريحة المتفرغين السياسيين: “فمن مناقب المشتغلين بالسياسة فى السودان، إن لم يكن من مؤهلاتهم، أن يتغذى الواحد منهم من سنامه الثقافى الذى بناه قبل التفرغ لتعاطى شئون السياسة..” (نقد، المصدر السابق، ص 14). وليلسع أدمة الثقافة والمثقفين بوخذة خفيفة، لكنه يخفف أكثر من ألمها، بتبرير وعذر لهم: “وللمرة الثالثة توفر الوقت، إضطرارا، للمطالعة لولا ان المراجع شحت، والمطابع جفت، والمكتبات أجدبت، وغاض الفكر، وإستبدل المثقفون المغتربون، إن عادوا، الكتاب فى أمتعتهم بالضروريات المنقذة للحياة”! (نقد، المصدر السابق، ص 14).

    لم نجلس على مقهى، وطاولة النرد بيننا! ولم تستضفنا المجادلات الخاوية من رهق النتائج! لكن، هي الشوارع غطتنا بقداسة سرها المكشوف، وإستعضنا بالمشي عن كل ما يقعد عن التفكير. ليس عبثيا أن يكون ميدان عبد المنعم بالخرطوم 3، هو محل تلك اللقاءات الراتبة لفترة ما، قبل الإنتقال لموقع آخر. ندور حول الميدان ليدور معنا النقاش في أي من المهام اليومية لحزب بني أساسا على الحركة السريعة وسط الناس لتغيير شكل الحياة ومنازلة الواقع بإعمال الذهن والتفكير. نمشي ويستمع…نمشي ويتكلم…، وعند الجولة الثانية أو الثالثة، يكون اللقاء قد انتهى. الفضاءات المفتوحة على كل الاحتمالات، وحدها كانت قادرة على حماية روح الرفيق الباسل الودود محمد إبراهيم نقد.

    أبلغ أثره علي إستجابته السريعة للحظة، دواعيها وإمكانية تطويعها.. في العام 1988، إتصل بي شخص كان يتبوأ منصبا هاما، وحساسا، في نظام مايو. وقال إنه يملك معلومات هامة لن يبوح بها إلا إلى الاستاذ نقد. أتصلت بنقد، فوافق سريعا، وكان مكان اللقاء منزلي. أبتدأ اللقاء بالمقدمات الأولى، وقبل أن نغرق في التفاصيل غرقنا في الماء! فقد إنهمر المطر غزيرا، وتدافعت المياه إلى داخل صالون المنزل…لنصبح، نحن والمكان، تحت رحمة السيل المندفع من كل الاتجاهات…فقطع السكرتير العام الحديث الهام منزعجا ومنبها إلى خطورة الوضع وضرورة إنقاذ البيت. إتجهنا، الضيف وشخصي، لبحث كيفية تصريف المياه خارج المنزل. لم ينتظرنا نقد، بل ربط جلبابه في وسطه وإنخرط، دون إبطاء، في إخراج المياه من البيت بالجردل متجاهلا كل محاولاتنا، الضيف وشخصي والأسرة، إثنائه عن ذلك!

    ثم…، إمتلأت الشوارع والساحات وفناء المقبرة بالجماهير، لا لتنوح أو لتهتف فحسب، وإنما لترسم لوحة تجمع بين الجماليات البشرية الكاملة، كما كان يراها قدماء اليونان في الآلهة، ولنرى فيها مع هيجل ذلك الجني الأنيس الذي نصادفه في كل مكان، وليمتزج فيها المضمون العقلي مع المجال الإدراكي حتى يصعب علينا، مثلما صعب على ولتر ستيس، أن نميز أحدهما على الآخر…، لوحة رسمت فيها يد الشعب الفنان خطوطاً وأشكالاً، وسكبت فيها روحه وعواطفه ألواناً، وضمنّها عقله قيماً وأفكاراً وأهدافاً، لوحة مرئية مسموعة محسوسة…، تمتزج فيها رايات ومشاعر كل ألوان الطيف السياسي برايات ومشاعر الختمية والأنصار والطرق الصوفية والناس البسطاء اللذين أتوا من كل فج عميق، ليحتضن هذا المزيج المهيب رايات وهتافات وشعارت الشيوعيين ويغسل أحزانهم…..! خرج صوته من فك ذاك الهدوء الأبدي، وإرتفع فوق صوت الأغنية التي صدحت بها جوقة منسجمة تتناغم فيها أهازيج الذكر والمولد والراتب ونداءات التوحيد بلا “إلاه إلا الله” ووفاءات “ماك الوليد العاق لا خنت لا سراق”، فملأت رئتي ترانيم صوته، صداحة وضّاحة: ” فكروا الآن، أيها الرفاق الأحباء، في قلب يحوي قلوبكم جمعاء، في حب يحيط بكل حب يخالجكم، في روح تغلف أرواحكم كلها، في صوت ينطوي على أصواتكم جميعها، في صمت أعمق من كل صمت تمرون به…فكروا في هذا الشعب…في هذا الوطن…في السودان”.

    -------------

    رحيل (نقد)….والواجب المرحلي!
    Wednesday, March 28th, 2012
    مجدي الجزولي ـ السويد

    عمل الاستاذ (محمد ابراهيم نقد) والرعيل الاول من مؤسسي الحزب الشيوعي السوداني، طوال حياتهم، علي وضع منهجين، فكري وعملي، لتنزيل وغرس بذرة الماركسية اللينينية والاشتراكية في السودان، وذلك من خلال تعامل الحزب مع واقع المجتمع السوداني، مراعين في ذلك عادات وتقاليد البلاد والشعب البسيطة. افني الاستاذ (نقد)، من اجل ذلك ثمرة حياتة في عفه، وطهارة، ونقاء سريرة، وصدق منقطع النظير، ولم يطلب من وراء ذلك اي عائدٍ مادي!، جاه كان ام ولد، ويشهد له بذلك جميع معارفة واصدقائه وحتي خصومة السياسين التقليدين والفكريين. اما نجاح هذ الغرس، فقد ظهر دون مواربة، يوم تشيع الزعيم الراحل.. “فالشعب وحده يعرف قادته”!، ومن؟، من بين هؤلاء القادة من يحس بمعاناة هذا الشعب، ويعمل بجد وصدق لرفع الضيم، والهم، والمعاناة عن كاهله، “فلم يشارك في جلده بالسياط كما لم ياكل ماله بالفساد”، بل تفاعل مع قضاياه ومطالبه اليومية فكراً ووجداناً وروحا.ً

    إن الارث الذي تركه الاستاذ (محمد ابراهيم نقد)، كتركة ثقيلة، للحزب الشيوعي السوداني، يتمثل في هول هذا الحزن العميق، الذي يعتصر قلب وتفكير عضويتة، لفقدانهم زعيم وقائد، هم في امس الحاجة لرجاحة عقله وحكمته، “لحلحلة الامور”، خاصةً في هذه اللحظات المفصلية الحرجة في تاريخ الحزب الشيوعي والشعب السوداني، للخروج بالبلاد من مأزقها التاريخي، الذي ادخلته فيها الجبهة الاسلامية، حين اطاح انقلابها العسكري بالحكم الديمقراطي ووئده في عام 1989م، واستولت علي الحكم أكثر من عقدين من الزمان، ادخلت خلالهما البلاد والعباد في “غضب الله”، قسمت البلاد الي دولتين، واشعلت الحروب في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الازرق وجنوب كردفان، وهُجِّر وشُرِّد العباد في أمري، وكجبار، وشرق السودان، و ضرب التهميش حتي تخوم العاصمة القومية.

    الحزب الشيوعي السوداني، مطالب الان، وفي الاساس، بالسيرعلي نفس النهج الذي ابتدعة الاستاذ (نقد) في التعامل مع قضايا الجماهير. “فالجماهير هي التي امرت بذلك يوم خرجت لتوديع قائدها” بذلك الحشد التاريخي الرهيب. فقد عبرت هذه الجماهير، بصدق، عن مدي قبولها لهذا المنهج، الملائم لطبيعتها، والذي قاده الاستاذ (نقد)، بل وابدع فيه بتعاملة مع الجماهير، بتواضع وبساطة وادب عند مخاطبته لها. وبالضرورة لتنفيذ هذا المنهج والسير عليه، يتطلب ايجاد القيادة البديلة. ويجب ان لايكون الهم “من” ولكن “كيفية” تنفيذ المنهج! وليس بالضرورة، بالطبع، ان يكون هذا البديل صورة طبق الاصل، ولكن يجب ان يكون مؤمناً بالمنهج، ومقتنعاً بانه الخيار الافضل في التعامل مع الجماهير والطبقة العاملة السودانية، لتنفيذ مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، وما تقتضيه هذه المرحلة من تنفيذ لشعارات المؤتمر الخامس “تنمية متوازنة، سلم وطيد وديمقراطية راسخة” وهذا مايقود الي وحدة الحزب وتماسكه، الذي يجب ان لا نخاف او نتوجس من تماسكه، فالذي مطلوب من جميع العضوية العمل والاقتناع بالتماسك والوحدة. ومن اجل ذلك يجب العمل والدفع قدما وبكل جدية علي قيام المؤتمر السادس في موعده….ونعم للدعوة بالصوت العالي لبناء الحزب، والعمل علي عودة المبعدين من جسده، كما تقتضي الضرورة المرحلية ايضا، من توسيع، وتعدد مواعين التحالفات الجبهوية لاسقاط النظام وانفاذ مرحلة التغيير، خاصة في اواسط الشباب.

    الا رحم الله الاستاذ (نقد) بقدر ما اعطي دون مقابل. وخلد سيرة ناصعة البياض في تاريخ والسودان.

    عاش نضال الشعب السوداني
    في سرادق عزاء زعيم المناضلين
    Wednesday, March 28th, 2012
    الجماهير:ماك الوليك العاق لاخنت لا سراق

    يوسف حسين ..أمثال نقد لا يموتون ومضى مثلما يمضي أي شيوعي في أداء مهامه صعودا للمنابر أوالمشانق .

    ادوك :ليس هناك رجل قضي كل حياته في النضال والتضحيات مثل أبونا وأستاذنا(نقد)ويجب ان نحول حزننا برجيله الي أعياد.

    إبراهيم الشيخ :نقد رمزنا كما العلم قاتل وناضل من أجل السودان، عاش مطاردا ومختبئا لم يساوم ولم يهادن ولم يكن ابنا عاقا ولاخائن ولا سارق ولا فاسد.

    الخرطوم:حسين سعد

    لم يكن سرادق عزاء السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد بحي الفردوس بالخرطوم يوم الأحد الماضي (حدثا عاديا) وأنما كان حدثا فريدا وتاريخيا وجسدت خيمة العزاء السودان المتعدد والمتنوع حيث كانت هناك العمائم والجلابيب واللبسات الافرنجية وكانت هناك النساء يتقدمن الصفوف ويخاطبن الحضوروالشباب يهتفون عاليا (عاش نضال الحزب الشيوعي وعاش كفاح الطبقة العاملة) وخاطب زعماء الاحزاب وممثلو الهيئات ورجال الدين الإسلامي والمسيحي الحضور معددين مناقب الراحل ومثمنين ادواره الوطنية ومواقفه السياسية في مختلف المراحل التي مرت عليها البلاد،وضاقت (جنبات)الخيمة التي وضعت علي أطرافها مكيفات هواء ضخمة ضاقت بالحضور.الرايات الحمراء كانت ترفرف عاليا وكذلك صوت النحاس .

    وقال الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الأستاذ يوسف حسين

    أن أمثال نقد لا يموتون وقد مضى مثلما يمضي أي شيوعي في أداء مهامه صعودا للمنابر أو المشانق أو توزيع قصيدة فهي مهمة.

    ووصف حسين رفيق دربه وقائده في مدرسة الدفاع عن العمال والمزارعين والكادحين بإنه (عبقري متسامح). وقطع باستمرارية توحد الحزب الشيوعي في النهج الثوري.



    واعتبريوسف حسين الشعارات التي رددتها الجماهير في موكب التشييع والقائلة(حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب) و(وماك الوليك العاق ..لاخنت لاسراق )هي طريق الشعب للخلاص من النظام وإسقاطه.

    النضال مستمر:

    الرسالة الثانية التي أكدها سرادق رحيل نقد كانت قادمة من جنوبنا الحبيب الذي قادته سياسات الانقاذ العرجاء والفاشلة للانفصال وذلك في مشاركة وفد رفيع المستوي من حكومة دولة جنوب السودان برئاسة الدكتور بيتر أدوك وزير التعليم العالي بحكومة الجنوب

    ودعا ادوك الذي هتف عاليا (عاش كفاح الطبقة العاملة )و(عاش نضال الحزب الشيوعي ) دعا جماهير الحزب الشيوعي بتحويل الحزن بفقدان (نقد) الى اعياد لأن نقد في حياته كلها كانت مليئة بالتضحيات وقال انه لا يعتقد أن يكون هناك رجل قضى كل حياته في النضال والتضحيات مثل أبونا وأستاذنا ( نقد). وأزاح أدوك الستار عن حياته السياسية وقال إنه انضم للحزب الشيوعي السوداني عقب احداث 1971، وأوضح الدكتور بيتر ادوك الذي قاطعته الجماهير بالتصفيق الداوي لحديثه أنه لم يخرج من الحزب الشيوعي واعلان انضمامه للحركة الشعبية في الثمانينات من القرن الماضي إلا لرفع النضال من النضال السلمي إلى المسلح، وقال انه لم يخرج من الحزب بل يعتبر نفسه (في إجازة وفي أي وقت نرجع). وقال إن انفصال الجنوب لم يكن من أولوياتنا إلا أن هناك من دفعنا دفعا حتى اختار شعب جنوب السودان الانفصال.

    زعيمنا وقائدنا:

    وعندما قدمت المنصة الخالة فاطمة محجوب عثمان شقيقة الراحل الشهيد عبد الخالق محجوب هتف الحضور (ماشين في السكة نمد ايدينا للجاين) التي ابتدرت حديثها قائلة دمعة حرى في وداع المناضل نقد إلى زعيمنا ومثلنا الأعلى وهو يودعنا في رحلة اللاعودة إننا لفراقك لمحزونون، تظلل على مشاعرنا سحابة قاتمة لكنها لا تحجب رؤيانا عما تركت فينا

    رمز كالعلم:

    وفي الأثناءقال رئيس حزب المؤتمر السوداني الأستاذ إبراهيم الشيخ موجها حديثه للحضور قائلا يا أهل السودان المحتشدين في هذا الصيوان نقد رمزكم كما العلم حمل العبء وقاتل وناضل من أجل السودان، وفدى هذه البلاد مرات ومرات قدم لها أغلى ما يملك انضر سنين عمره وحياته عاش عمره كله مطاردا ومختبئا ومختفيا هنا وهناك لا هم له إلا السودان وأهل السودان

    التغيير قادم :

    الكلمات في تأبين الراحل نقد لم تكن حصرا علي قيادات القوي السياسية وزملاء ورفاق حزبه بل شاركت كافة منظمات المجتمع المدني والطوائف الدينية حيث قال المنسق العام للهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات الدكتور فاروق محمد ابراهيم لا أظن أنني أستطيع أضافة شيئا عن شخص الصديق الرقيق الراحل محمد إبراهيم نقد بأكثر من مشهد استقبال جثمانه في المطار والمسيرة الى داره هنا والى مركز الحزب الشيوعي ثم الى مقابر فاروق وهذا الجمع الحاشد،



    تعازي الجنوب:

    ووسط الأشعار الحماسية والثورية القائلة (بكرة الشمس تسطع والكان بعيد يرجع ونوحد السودان القالوا اتقطع) قدمت المنصة الاستاذجوزيف موديستو القيادي بالحزب الشيوعي بجنوب السودان الذي قال انه قدم حاملا مع تعزية من المواطنين ومن الزملاءفي جنوب السودان الذين اسسوا تنظيما جديدا اسمه الحزب الشيوعي بجنوب السودان تعزية لعائلة الفقيد المناضل الجسور قائدنا حتى الآن محمد إبراهيم نقد، ولأعضاء واصدقاء الحزب الشيوعي السوداني ونقول لكم ان نقد لم يمت لأن النضال لا يموت،

    نقد في قلوبنا:

    وقالت سارة نقد الله في حديثها (نساء ورجال لن ينجبر كسرنا وخاطرنا على رحيل محمد ابراهيم نقد الا بازاحة الطغاة من سدة الحكم)، واضافت ان نقد ضحى بحياته وكل مايملك فى سبيل تحقيق الكرامة والحريات للشعب السودانى

    تضحيات جسام :

    الحركة النقابية كانت حاضرة في تابين قائد وزعيم حزب الطبقة العاملة والعمال والكادحين وقال ممثل التضامن النقابي ورئيس نقابة أساتذة جامعة الخرطوم الدكتوربابكر محمد الحسن إن (نقد) بدأ النضال قبل أن يبلغ العشرين وكان في عمر مبكر مناضلا ملتزما منضويا لتنظيم شديد الانضباط، وأنه كان مشاركا بفعالية تامة في نشاطات الاستنارة والتغيير، وتعرض لأنواع من العنت والعذاب وتعايش مع ثلاثة أنظمة شمولية، تعرض لعذابات الاعتقال والسجن والاختفاء تحت ظروف بالغة التعقيد.

    امتحان عسير:

    من جهته قال الأستاذ عصام عبد الماجد أبو حسبو من الحزب الاتحادي الموحد، هذه مناسبة حزينة تستدعي منا الوقوف اجلالا لرحيل رجل عظيم غاب عنا في وقت نحن أحوج ما نكون إليه،

    الدفاع عن البؤساء

    وبدوره اعتبر السيد ميرغني عبد الرحمن من الحزب الاتحادي الديمقراطي الفقيد نقد بانه السوداني ود البلد البسيط حسن السيرة والسريرة الشجاع المقدام (ركل) زينة الدنيا (المال والبنون) من اجل الوطن والبؤساء والمحرومين



    وفي ذات السياق تحدث الأستاذ سيد أحمد سر الختم عن الحزب الاتحاي الديمقراطي الأصل مندوبا عن السيد محمد عثمان الميرغني، قائلاً :نقف اليوم لتأبين فقيد السودان بأسره وليس الحزب الشيوعي نشهد للفقيد بالعفة في اللسان والفعل والقول والنضال والصمود في وجه التحديات الكبار، وقاد الحزب في أحلك الظروف في مايو وبعده.

    استفتاء شعبي

    وفي المقابل قال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الوطني المهندس يوسف محمد زين هذا اليوم (استفتاء)وأن الحرية التي نضال ومات من اجلها نقد هي (نحن) هذا الحضور النبيل يمثل شرفاء السودان ولا ينبغي له أن ينكسر.

    المزارعون الذين طالما تصدي للدفاع عنهم الفقيد نقد وحمل همومهم في حياته السياسية والفكرية والتنظيمة كانوا حاضرين أيضا في يوم شكره وفي سرادق عزائه وفي تشييعه وقال عبد السلام محمد صالح للمناضل الجسور الراحل محمد ابراهيم نقد اسهامات في العمل وسط المزارعين وطاف على 90% من قرى الجزيرة، وجددصالح مطالبتهم بالغاء قانون سنة 2005

    وفي ذات الاتجاه ذهب القيادي بحزب البعث السوداني، يحيى الحسين قائلا ان الفقيد ليس فقدا للحزب الشيوعي وانما فقد للشعب السوداني ككل، واضاف انه من الرعيل الاول تعامل مع السياسة بجدية وكموقف فكري، وانه يربط العمل بالفكر والفكر بالعمل. واضاف ان ميزاته الشخصية ساعدته في قيادة الشيوعي ، وزاد انه التقاه في السنوات المنصرمة كثيرا والتمس منه حسا انسانيا كبيرا وقدرة هائلة على الدعابة والسخرية.

    داعية انساني

    وفي نهاية التأبين الذي اختتم قبل مغيب الشمس تحدث الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي قائلا في النظام العالمي والوطني ضحايا للاستكبار وعلى الناس أن يعملوا لتحرير أنفسهم من الاستكبار أولا ثم التحرر والحرية، وقد كنت ونقد في شمال السودان جمعتنا المدرسة السودانية التي قدر لها البريطانيون أن تكون بعيدة عن المدن ويعلمون الطلاب بلسانهم الإنجليزي وتقليدهم حتى في الملبس لإخراج جيل جديد واندثار الأجيال القديمة وقدر الله أن أكون ونقد ممن رفض ذلك التطبيع وقد جمعنا هذا الإطار رفضا لإطار الإنجليز الضيق وذهب إلى الشرق من أجل تأسيس إطار جيد يحفظ التوازن في العالم. والتقينا في الجامعة في السنة الأولى ولكنه تعرض لما تعرض له وخرج من جامعة الخرطوم واتجه شرقا وبالرغم من أنني تعلمت غربا فكان بعدنا من أول يوم ليس بالبعد التقليدي. . وجمعتنا مرة أخرى الجمعية التأسيسية لكن فرقتنا مرة أخرى حكومة مايو التي جمعتنا مرة اخري في غرفة واحدة بالسجن كنا نتحاور حوارا عميقا نبدي من خلاله تطورا، الفكر اليساري نفسه بدأ يتطور وتتجلى فيه هذه التطورات وكذلك الفكر الإسلامي الذي ينتسب فيه للسلف المتخلف بدأ كذلك يتطور.
    كلمة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في تأبين فقيد الوطن والشعب والحزب
    Wednesday, March 28th, 2012
    ( ألقاها الزميل يوسف حسين الناطق الرسمي )

    *بداية أقول لك يا رفيقنا العزيز:-

    قد كنت أوثر إن تقول رثائي

    يا منصف الموتي من الأحياء

    لكن قضيت وكل طول سلامة

    قدر وكل منية بقضاء

    *رغم الفقد الجلل، والمصيبة العظيمة، نقول اللهم ألهمنا الصبر. اللهم اجعلنا في زمرة الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.

    *وإذا كان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، الذي كان الفقيد معجباً بأشعاره ،يقول في إحدى قصائده:-

    إذا الشمس غرقت في بحر الغمام

    ومدت على الدنيا موجة ظلام

    وضاع البصر في العيون والبصائر

    وراح الطريق في الخطوط والدوائر

    يا ساير يا داير

    يا أبو المفهوميه، ما عندكش مخرج غير عيون الكلام

    ويقول أيضاً على سبيل توضيح ما يعنيه بعيون الكلام:-

    العمر ماشي وكل ماشي وله مداه

    وكل شئ له بدايته ومنتهاه

    الشعب هو الباقي حيْ

    هو اللكان هو اللجيْ

    طوفان شديد، لكن رشيد، يقدر يعيد صنع الحياة

    والشعب لما يقول يا أصحاب العقول

    لازم نقيف ونحترم صوت الإله

    حقاً لازم نقيف ونحترم صوت الإله، فإرادة الشعب من إرادة الله.

    فما الذي قاله الشعب السوداني ويتطلب استجلاء “مفهوميته” رغم الظلام وطشاش العيون.

    ماهي دلالة الحضور الكثيف، وغير المسبوق بالملايين في سرادق العزاء؟ وفي استقبال الجثمان في المطار؟ وفي تشييع الجثمان لمثواه الأخير بمقابر فاروق بالخرطوم؟

    ما هي الدلالة لهذه المشاركة الواسعة؟

    إن هذا تعبير مكثف لا تخطئه العين عن رفض الجماهير القاطع للأوضاع القائمة في البلاد على مدى 22 عاماً من الإرهاب والفساد والاستبداد. إنه رفض للشمولية ودولة الحزب الواحد . إنه رفض للسياسات الحربية. إنه رفض لدعاوي التكفير والهوس الديني الخارج من تحت عباءة النظام. إنه رفض للدستور الإسلامي الذي خبر الشعب مراميه في عهد الطاغية نميري وفي عهد الإنقاذ. إنه مباركة ودعم وتأييد لتحالف المعارضة وأجندته الوطنية. وحقاً كما تواتر وساد الهتاف في موكب التشييع المهيب:- “الثورة خيار الشعب حرية، سلام، وعدالة”.

    ومن ناحية الحزب الشيوعي، فإن ما سجله الشعب من حضور كثيف في تشييع القائد الخالد نقد، وهو الرمز للحزب الشيوعي ولليسار عموماً، يعبر في جوهره عن انعطاف جماهيري نحو اليسار، إنه موسم الهجرة إلى اليسار. لقد طبت حياً وميتاً يا رفيقنا وقائدنا الملهَم والملهِم.

    *إن ما حدث من حضور مليوني لجماهير الشعب ، يدل على تمسك الشعب بروحه الثورية الوثابة التي تمجد قيم النضال والصمود والتضحية ونكران الذات في خدمة قضايا الوطن والمواطنين. وما شغفت جماهير الشعب والتفت حول القائد نقد إلا لتميزه بهذه الروح الثورية التي تعبر عن ما يجيش في وجدانها وتطلعاتها. إن قناعات شعبنا راسخة بالضرورة الموضوعية للحزب الشيوعي في مسار العمل السياسي والاجتماعي في السودان ،وخاصة ما يتعلق منه بنصرة قضايا الكادحين والمهمشين والذود عنها في هذا المسار.

    صحيح إن الحزب الشيوعي تحكمه المؤسسية في تنظيمه. ولكن جماهير الشعب في العادة تربط المؤسسة بربانها وحادي ركبها. القائد بالنسبة للجماهير هو الرمز والعنوان. الجماهير تقول الحزب الشيوعي وتعني محمد إبراهيم نقد، وتقول محمد إبراهيم نقد ونعني الحزب الشيوعي.

    والواقع إن هذه ليست المرة الأولي التي تمنح فيها روح الشعب الوثابة المصادمة، شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية وكل الأوراق الثبوتيه النضالية للحزب الشيوعي. فمنذ ما قبل الاستقلال ألقى الحزب الشيوعي بثقله في معارك تكوين الحركة النقابية للعمال والمزارعين، ووقف إلى جانب مزارعي جودة في معركتهم ضد أصحاب المشاريع الزراعية الخاصة ودولتهم. وبأثر ذلك تواترت الأشعار والهتافات التي تعبر عن المضمون الطبقي لرسالة الحزب الشيوعي، على شاكلة:-

    يا عمال هللّوا ، ويا زراع كبروا ، في جودة تاني ما في خطر ، الحزب الشيوعي ظهر.

    وطل الحزب الشيوعي مثابراً على الدوام في الدفاع عن حقوق الكاحين والأهالي الغبش والمهمشين في كل أنحاء الوطن.

    *نم هادئاً يا رفيقنا العزيز وقائدنا محمد إبراهيم نقد فان المبادئ السامية التي بشرت بها ، وإن الراية التي رفعت لواءها ستظل عالية خفاقة ترفرف في سماوات السودان ترشد الأجيال جيلاً بعد جيل، وتلهم شباب وشابات السودان إلى طريق النضال السوي من أجل رفعة وتقدم وإزدهار السودان.

    *إن شعب السودان قد اقتنع ، استناداً إلى تجاربه الخاصة عبر السنوات، بجدوى وفائدة ما ظللت تبشر به يا رفيقنا العزيز مع رفاقك في الحزب الشيوعي، وبخاصة:-

    *الديمقراطية مفتاح الحل

    *دولة المواطنة المدنية والدستور الديمقراطي وهو العقد الاجتماعي الذي يجب إن يتوافق عليه كل أهل السودان.

    *الإقرار بواقع التعدد والتنوع القائم في السودان عرقياً ودينياً وثقافياً

    *الأقلية والأغلبية معيار سياسي لا ينسحب على قضايا العقيدة والفكر والتوجه الحضاري.

    *الاستفادة من المقاصد الكلية للأديان في دعوتها للحق والعدل والحرية.

    *التمسك بوحدة قوي المعارضة وجبهاتها النضالية الواسعة، وفق ما يتطلبه واقع التعدد. وقد ظل هذا هو السر الدفين وراء استجلاب النصر لأهداف وقضايا شعب السودان منذ خراب سوبا وقيام السلطنة الزرقاء بعد تحالف الفونج والعبدلاب. وكذلك انتصار الثورة المهدية التي حافظ قائدها الإمام العظيم محمد أحمد المهدي على استقلالية كل راياتها في إطار تحالف جبهوي عريض يوَحد القبائل والطرق الصوفية وقدماء المحاربين في الجيوش شبة النظامية.

    كما ظل التحالف الجبهوي الواسع طريق شعب السودان وقواه السياسية في معارك الاستقلال وثورة أكتوبر والانتفاضة ومقاومة شمولية الإنقاذ.

    *كان فقيدنا يؤكد دائماً أن حزبنا يهتدي بالمنهج الجدلي الماركسي، وأنه حزب يرفض الجمود والانغلاق، وأنه منفتح على مختلف المدارس الفكرية والاتجاهات الأخرى، وأنه يؤصل لطروحاته من واقع السودان وتراثه، وأنه حزب سياسي بين أحزاب السودان يقوم على أساس برنامج سياسي للتغيير الاجتماعي والنهضة الوطنية الديمقراطية، وأنه يناضل ضد الإرهاب كفكر وكممارسة ويلتزم بالتداول الديمقراطي للسلطة.

    *وعلى المستوى الشخصي يا رفيقنا وقائدنا، سجَّل لك شعب السودان ثباتك على المبدأ رغم البطش والملاحقة على أيدي أعداء الشعب والأنظمة الشمولية.

    وقد شمل هذا الفصل من الدراسة الجامعية، وإسقاط عضويتك كنائب في البرلمان مع رفاقك الآخرين، ولجوءك الاضطراري بقرار من الحزب للاختفاء طويل الأمد لمواصلة المسيرة.

    *وكان تواتر الاضطهاد والعسف على الشيوعيين قد دفع الصحفي الاتحادي المرموق، علي حامد، للمطالبة بوضع حد لملاحقة الشيوعيين، فهم أهل فكر ورأي ولهم تأثيرهم الواضح بين الجماهير. وأكد علي حامد أن طريق الملاحقة لن يجدي فتيلاً معهم. فهم لو كانوا جبلاً لكان قد أنهد بعد قوانين النشاط الهدام والجمعيات المحظورة ومؤامرة حل الحزب الشيوعي والمحاكم العسكرية والسجون والمعتقلات. ماذا تريدون منهم بعد كل هذا. ولعل لسان حال الصحفي علي حامد كان يكرر ما قاله من قبل خليل فرح الذي غنى لعِزة السودان وعَزة السودان:

    أكلوا حقوقنا، وزردوا حلوقنا، ديل عايزين دمانا تسيل!

    *لقد واصل فقيد البلاد على مدى 60 عاماً مسيرته النضالية ولم يحد أبداً عن الالتزام جانب الشعب والكادحين بصفة خاصة. كان عطاؤه ممتداً على كافة المستويات : فكرياً وسياسياً وتنظيمياً. ومن بين أعماله البارزة:-

    - الديمقراطية وإنقاذ الوطن

    - الدولة المدنية

    - علاقات الرق في السودان

    - علاقات الأرض في السودان

    *وإذا كان من يواصل النضال بتجرد ونكران ذات، لعدة سنوات يوصف بالصامد والمثابر والثابت على المبدأ، فما بالك بمن يناضل على مدى 60 عاماً وفي كل الجبهات والميادين حتى آخر أيام حياته دون أن تلين له قناة.

    إن هذه هي العبقرية في أسمى معانيها وتجلياتها.

    وإذا كان الشاعر أحمد محمد صالح قد قال في إحدى قصائده:-

    العبقرية لن تحلق في السماء بغير عِمد

    العبقرية لن تنال المجد عفواً دون قصد

    فما أكثر العِمد والمقاصد في السيرة الذاتية لخالد الذكر محمد إبراهيم نقد. لقد كان الفقيد بحق تجسيداً لروح الشعب السوداني العبقرية التي تحف بها الحكمة وسداد الرأي والتسامح وقبول الآخر المختلف من كل جانب. وهذا هو السر وراء ارتباط الفقيد بوشائج قوية وعرى وثقى مع مختلف ألوان الطيف السياسي السوداني. لقد كانت خطوط اتصالاته مفتوحة دائماً. وظل تواصله الإنساني مع الجميع في كل الظروف حتى عندما يكون مختفياً. وقد كان كل هذا كسباً ورصيداً للحزب الشيوعي يفخر ويعتز به.

    *ومن أبرز جوانب عطاء فقيد الوطن والشعب والحزب، إعادة تجميع وتنظيم صفوف الحزب بعد ردة يوليو 1971 الدموية. وقد ساهم الحزب الشيوعي استناداً إلى ذلك في مسار التراكم النضالي الذي أفضى لانتفاضة مارس/ أبريل 1985 ونهاية حكم الفرد واستعادة الديمقراطية.

    *وأسهم الفقيد مع رفاقه في أن يظل الحزب الشيوعي موحداً ومواظباً على نهجه الثوري، بما رفع من درجة إسهامه في خدمة قضايا الوطن والشعب والكادحين.

    كما أسهم الفقيد في التحضير لمؤتمرات الحزب بما في ذلك المؤتمر الخامس قبل ثلاثة أعوام.

    *يا أرض الوطن، يا أمه العزيزة، بالروح العزيزة، ختالك ركيزة، دايماً باقية ليك:-

    الحزب الشيوعي.

    نعلن الآن أمامكم ، وبالصوت العالي الجهير، أن الحزب الشيوعي سيظل باقياً وموحداً ومترسماً خطى ذات النهج الثوري لسكرتيره الراحل محمدإبراهيم نقد وهذه هي الرسالة التي كرس لها الزعيم نقد كل حياته.

    لقد قالها الفقيد مراراً وتكراراً في وجه الطغاة ، كل الطغاة:-

    نحن لا نعرف درباً غير هذا في الحياة، ومضي مثلما يمضي شيوعي لتنفيذ مهمة

    إنها دوماً مهمة

    ربما كانت لتوزيع بيان أو جريدة

    ربما كانت قصيدة

    إنها دوماً مهمة

    ربما كانت صموداً في الخنادق

    ربما كانت صعوداً للمشانق

    إنها دوماً مهمة.

    *نم هادئاً يا رفيقنا العزيز، فأمثالك لا يموتون.

    فهم البذرة والزهرة في أرض الفداء

    وهم الساحل والبحر وشعر الشعراء

    كلما أظلم ليل فجر السودان في محنته نهر ضياء

    كلما طل دمٌ أينع بستان وثار الفقراء

    وطن حر وشعب صامد في كبرياء

    لم يلن في قبضة الجلاد

    أو أيدي الوحوش الجبناء

    علم الفاشست في تاريخه

    كيف يموتون ويمضون هباء

    العصابات التي تطفو على السطح فقاعات هواء ستولى مثلما جاءت ويبقى الكادحون الأمناء يبذرون الأرض بالورد ويبنون منارات هناء

    *ليت من يبكي عيه ويواسي الثائرين

    مد للحزب يديه لنبيد الغاصبين

    فقد سقطت الرايات الزائفة للشمولية والاستبداد والفساد والتوجه الحضاري الأحادي. وبقيت عالية ترفرف راية الشعب، راية تحالف المعارضة، وراية الحزب الشيوعي بألوانها الطبقية المميزة.

    والثورة خيار الشعب

    حرية سلام وعدالة


    -----------------

    في موكب مهيب.. الجماهير: شيوعيين شيوعيات ..لن ننساك يا نقد؟
    Updated On Mar 25th, 2012

    ** عرمان: نقد زاهد وناسك ومتصوف في محراب الإنسانية أزمنة طويلة عمل وتمنى الخير للفقراء والمحرومين والغلابى من بنات وابناء شعبنا ودخل الى الدنيا فقيرا وخرج منها فقيرا كما يقول المتصوفة..



    ** الأطفال الذين كانوا حضوراً في ذاك اليوم لم (ينوموا قط ولم يغشاهم النعاس) وإنما كانوا يهتفون أيضاً وهم يركضون خلف السيارات التي أغلقت شارع المطار قبالة النادي الكاثوليكي



    الخرطوم: حسين سعد

    قبيل بزوغ فجر أمس الأحد موعد ملامسة الطائرة التي كانت تحمل في جوفها جثمان (زعيم المناضلين) والسكرتير العام للحزب الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد ،كانت حركة الطيران والمودعين والمستقبلين عادية (مثل كل يوم) لكن التدافع الجماهيري (التاريخي) لقيادات الحزب الشيوعي ولجنته المركزية والنساء والكوادر الوسيطة والشبابية والأطفال بجانب جماهير القوي السياسية الأخرى. كان محل أعجاب لكثير من الحضور الذين لم يخفوا سرورهم بالتدافع الشبابي والنوعي لمناشط وفعاليات حزب حاربته الشمولية والطغاة بلا هوادة واغتالت قياداته وشردتهم وأعدمتهم وأغلقت دوره، لكنه خرج حزبا عصيا علي الانكسار والخضوع وتصدت قيادته التي يمثل القائد الفقيد (نقد) رأس الرمح في إعادة تنظيم الحزب عقب مجزرة الشجرة في السبعينات من القرن الماضي أبان حكومة الديكتاتور نميري، التي واجه شهداء الحزب الشيوعي رصاصها بصدور عارية وببسالة لم تعرف الخيانة والانهزام حتي قال شاعر الشعب محجوب شريف (ماشفتوا ود الزين الكان وحيد أمو/ قالولو ناسك وين/ قالولو ناسك كم ورينا شان تسلم).. ثم محجوب شريف أيضا في رثاء القائد العمالي الشفيع أحمد الشيخ (الشفيع يا فاطمه حي سكتيها القالت أحي).. وأيضاً الشريف المحجوب في الشهيد والمفكر عبدالخالق محجوب: (صدقنى أنا لقيتو امبارح/ لا بحلم كنت ولا سارح/ كان باسم وشامخ كالعادة/ نفس الخطوات البمشيها/ نفس الكلمات الوقادة/ الى ان تنتهي بقوله/ اعدامنا بتقصد اعدام؟/ الموت لو شنقا حتى الموت/ ما هو الموت/ الشعب بقرر مين الميت والعايش مين/ ما ني الوليد العاق.. لا خنتّ لا سراق/ والعسكري الفراق … بين قلبك الساساق/ وبيني هو البندم.. والدايرو ما بنتم).


    نمد أيدينا للجايين:

    أما الباحة الخارجية لمطار الخرطوم شهدت دوي صوت النحاس ورفرفت في سمائه بيارق الحزب الشيوعي الحمراء واللافتات التي كتب عليها (ماشين في السكة نمد أيدينا للجايين) و(حنبنيهوالبنحلم بيهو يوماتي) وهتافات أيضا علي شاكلة (حرية سلام وعدالة)، لكن حضور وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان بلافتاتهم وهتافاتهم المعروفة (أسبيلا وياي) كان محل حفاوة قيادات وكوادر الحزب الشيوعي حيث صافح المهندس صديق يوسف والدكتور الشفيع خضر وغيرهم وفد الحركة الشعبية الذي ضم بعض القيادات، والطلاب الحركة الشعبية بالجامعات الذين حضروا باكرا وظلوا متواجدين حتي وصول الجثمان ومغادرته للمطارالي المنزل ثم من هناك الي المركز العام بالخرطوم (2) ومنها الي مقابر فاروق حيث حيا طلاب الحركة الشعبية وقيادتها زعيم الحزب الشيوعي بملصقاتهم ولافتاتهم وهم يقول له: (وداعا أيها القائد الوطني والمفكر والمثقف القومي) و(ستظل أفكارك متقدة من أجل التغيير). أيضا شكل توافد الصحفيين حضوراً لافتا في هذا اليوم التاريخي للمفكر العظيم حيث كانت كاميراتهم وأقلامهم ومكرفوناتهم تدون كل شي في رحيل القائد الضخم (نقد) الذي قدم للشعب السوداني التنوير والثقافة والفكر وحب الوطن والانحياز للمقهورين، وأمام البوابة الرئيسية للدخول الي صالة كبار الزوار تدافع الصحفيين للدخول لكن السلطات المختصة منعت الصحفيين الذين يحملون بطاقة اتحاد الصحفيين من الدخول لكنها عادت _اي_ السلطات المختصة بالسماح للصحفيين بالدخول بعد تسجيل بياناتهم والصحف التي يعملون بها، عدم الاعتراف ببطاقة اتحاد الصحفيين دفعت بعضهم بالقول (علي الاتحاد ان يبل بطاقته ويشرب مويتها) وداخل مدرج المطار ووسط هدير ماكينة الطائرة الضخمة القادمة من بريطانيا والتي كانت تحمل في جوفها (نعش) زعيم حزب الطبقة العاملة عانق عبد الله شقيق الراحل أهله وتلاميذ شقيقه ورفاق دربه بحزن مكتوم وكذلك فعل الدكتورمحمد سليمان لكن المرأة العظيمة والشجاعة فائزة نقد احتضنت المستقبلين بالبكا والنواح وعندما قال لها بعضهم لماذا البكا يا فائزة ردت قائلة (رحيل محمد وجعني وغلبني).



    رحيل فاجع:

    فائزة ليست وحدها من بكت (نقد) بل بكته جموع الشعب السوداني والعمال والمزارعين والشباب والمقهورين والسياسيين وتلاميذه أيضا. ووسط هتافات (عاش نضال الحزب الشيوعي وحزب الطبقة العاملة) و(خالد.. خالد وقائد قائد يا نقد) شقت سيارة النعش التي كنت علي ظهرها مرافقا أهل المفكر الكبير والزميل حسن وراق بالميدان شقت السيارة طريقها وسط بصعوبة حيث كان سائقها يتوقف أحيانا من شدة الازدحام والجماهير وهتافاتهم الثورية التي شقت صمت ليل الخرطوم الحزين علي رحيل زعيم المناضلين.

    الأطفال الذين كانوا حضورا في ذاك اليوم لم (ينوموا قط ولم يغشاهم النعاس) وإنما كانوا يهتفون أيضا وهم يركضون خلف السيارات التي أغلقت شارع المطار قبالة النادي الكاثلوكي وصبغته باللون الأحمر للافتات والرايات وسط هتافات (شيوعيين.. شيوعيين) حيث ظلت الجماهير تهتف حتي وصول الموكب المهيب الي حي الفردوس، وهناك التقط الحضور أنفاسهم وتناول بعضهم كوبا دافئا من الشاي، أستعداد لاستصحاب (المفكر) الي المركز العام لكن هذه الرحلة هي الأخيرة لـ(نقد) حيث حضر الي المركز العام لكنه لم يتمكن من حضور اجتماع طاري للمكتب السياسي اواللجنة المركزية (جسديا) لكنه سيكون موجودا مع الرفاق (روحاً وفكراً ونضالاً)، ومن المركز العام للحزب الشيوعي خرجت الجماهير التي انضمت لها جموع أخري قادمة من مناطق مختلفة من العاصمة والأقاليم خاصة الجزيرة التي قابلت بعض قيادات تحالف المزارعين الذين ذكروا في حديثهم معي أمس أنهم (قدموا) هذا الصباح من الجزيرة للمشاركة في ألقاء النظرة الأخيرة لكنهم هذه المرة كانوا راجلين من المركز العام الي مقابر فاروق وفي شارع محمد نجيب أغلقته الجماهير تماما وهي تواصل ذات الهتافات لكنها بأكثر قوة وبالها المواطنون والموظفون الذين اطل بعضهم من شرفات مكاتبهم . وهم يلوحون بعلاما ت النصر وبعضهم بالدموع الغزيرة علي رحيل المفكر وزعيم حزب الطبقة العاملة. وفي مقابر فاروق حيث وري الجسد الطاهر وزعيم المناضلين ونصير الكادحين والغلابة انضمت الطرق الصوفية بنوباتها وإعلامها وهم يرددون(الله.. الله.. الله) حيث كان هناك الختمية والأنصار والأقباط والكاثوليك وأنصار السنة المحمدية وغيرهم من الطوائف.وبمثلما وصف غالبية السياسيين والصحفيين (نقد) بأنه مفكر ضخم وقائد وطني غيور وصادق ومناضل ومتواضع قالوا انه أيضا يمتلك روح الدعابة والنكتة وخفة الدم والمرح والتسامح والاستماع الي الآخر.

    رحيل (نقد) الداوي دفع احدي المنقبات وهي حضرت متأخرة عقب انفضاض الموكب وتوجه الجماهير الي الفردوس حضرت الي مباني صحيفة الميدان وقدمت التعازي الي أسرة الصحيفة والي الشعب السوداني وأعضاء وقيادات الحزب الشيوعي في رحيل الزعيم.

    محراب الشعب:

    وفي نعي له بعنوان(نقد:الفناء في محراب الشعب وسباق المسافات الطويلة) قال الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان: رحلوا تباعاً، محمد وردي، محمد الحسن سالم حميد، ومحمد ابراهيم نقد، القادمون من الشمس مملكة الضياء، والنور والخير في الاصل ياتى من عيون الأوفياء، رحلوا وكاني بهم على موعد مشترك نحو رحلة أخرى عند مليك رحيم . ثلاثتهم (محمد ومحمد ومحمد) احبوا السودان مليون ميل بالتمام والكمال وبالاخوة الشريفة، واتت الرياح بعكس ما اشتهت أنفسهم وسفنهم، وكانوا أبناء سرحته الذين غنوا له ولشعوبه جميعا وقد خلقوا من اجل التعارف . أحبوا السودان بأقوى يقين وأزهى حماس وخدموه بكل ما ملكوا من مواهب وحواس، وطاقات وقد عرف ملاك الموت كيف ينتقي أقمار باهرات ونفوس عامرة وزاخرة بحب السودان.

    وتابع (نحن مانزال نكابد رحيل (حميد) ونخوض في بحر فجيعته ويعتصرنا الم غياب صديقنا وأخانا الذي لم تلده امنا محمد الحسن سالم مع ضوء النهار واذا بالاستاذ محمد ابراهيم نقد يتوارى عند مدن الضباب). ووصف عرمان محمد ابراهيم نقد بانه زاهد وناسك ومتصوف في محراب الإنسانية أزمنة طويلة عمل وتمنى الخير للفقراء والمحرومين والغلابة من بنات وابناء شعبنا ودخل الى الدنيا فقيرا وخرج منها فقيرا كما يقول المتصوفة الا من محبة شعبه وعارفي فضله وكان مدرسة خرجت أجيال عديدة ومتواضعا حد التواضع وسريع البديهة خفيف الظل حاضر النكتة.

    وقال ان محمد ابراهيم نقد مفكر خلف بصماته الخاصة واسهاماته في نضال حركة التقدم الاجتماعي في السودان وهو من عصر مجموعة نادرة من المناضلين في سباق المسافات الطويلة لم يتسرب اليأس لنفوسهم منذ أن تسرب الوعي لعقولهم على الرغم من طول المسافة والطريق، ولم يبدلوا تبديلا، في بدايات نضالهم كانوا غرباء وطوبى للغرباء، اعطوا زهرة شبابهم وكامل حياتهم على وجه البسيطة واهدوها لشعبنا دون من او أذى وبذا استحقوا احترام كل المناضلين من مختلف المدارس الوطنية. والاجيال القادمة ستجد في نموذجهم درسا ممتازا في معاني التضحية والفداء والوفاء والانحياز الى صف الفقراء، ودوما فان رايات العدالة الاجتماعية هى انبل الرايات ظلا وتستحق البسالة والتضحية، كما ان الحياة دون قضية لعنة. وان عمر الانسان فسحة قصيرة وعلينا ان نترك الحياة افضل مما وجدناها، مهما طالت المسافات وتباعدت الطرق.

    يمكن القول بكل ثقة واطمئنان ان الاستاذ محمد ابراهيم نقد لم يشارك في جلد الشعب بالسياط كما لم ياكل مال الشعب بالفساد، وحظي بالاعجاب وحقق رصيد عند سودانين كثر لايتفقون مع حزبه ولكن كانت له القدرة على مد حبال الوصل معهم وتلك والله مهارة.

    وردد في البدء والختام أصالة عن نفسي ونيابة عن الحركة الشعبية ورئيسها مالك عقار ونائب الرئيس عبدالعزيز ادم الحلو نتوجه بالتعازي الحارة لأهله ونخص أسرته التى لم تبخل عليه بالمؤازرة طوال حياته نساء ورجال وتعازينا لحزبه الشيوعي والى أصدقائه ولنعمل معا من اجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام الدائم والتنمية المستدامة، وحق الآخرين في أن يكونوا آخرين، وتوحيد السودان شمالا وجنوبا وحدة بين دولتين مستقلتين . ولنعمل معا من اجل سودان جديد.


    -------------

    للبلد المزيد…
    فقدان الساحة السودانية لمناضل جسور من أجل الديمقراطية
    Wednesday, March 28th, 2012
    بقلم: همد كل (*)

    ما أقسى أن تناضل من أجل الديمقراطية وتجد نفسك مطاردا وهاربا في المنافي أو مختفيا ومنفيا داخل الوطن. كان هذا قدر القوى الوطنية الديمقراطية السودانية وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي السوداني.

    ناضل مع كل القوى الوطنية من أجل استقلال السودان من الاستعمار البريطاني. الحزب الشيوعي السوداني جزءا من النسيج الوطني لا يمكن أن يكابر عليه أحد، ناضل بعد الاستقلال من أجل إرساء الديمقراطية، ووقف ضد القبلية والجهوية، سعى من أجل إشعار المواطن أن مصلحته ليس في نزعات واقع التخلف، بل الانتماء إلى طبقته ليحقق من خلالها مصالحه، فبنى اتحاد عمال قوي وراسخ، الاتحاد النسائي السوداني، اتحاد الشباب، اتحاد المزارعين، نقابات لكل أصحاب المهن الفئوية وغيرها، وفي المجال الثقافي ساهم في المسرح والموسيقى. وفي وقت مبكر ومع القوى الوطنية الديمقراطية نادى في مؤتمر المائدة المستديرة بقيام حكم لا مركزي وحتى لا تتهمش الأطراف ويُمزق السودان.

    مآسي السودان تنبع وباستمرار من الانقلابات العسكرية، كان العسكر يجهضون التطور الديمقراطي،

    ناضل الحزب الشيوعي مع القوى الأخرى من أجل إسقاط حكم (عبود) وكان أكتوبر المجيد.

    جاء انقلاب جعفر نميري حاملا شعارات تقدمية، ونادى بقيام الاتحاد الاشتراكي، وحاول أن يغري الحزب الشيوعي السوداني، لكن موقف المغفور له عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي كان واضحا وعرض على نميري قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية تشارك فيها كل القوى الوطنية الديمقراطية السودانية، وقال لجعفر نميري إن الحزب ليس على استعداد للذوبان في الاتحاد الاشتراكي، ليس هذا فحسب بل أن الحزب الشيوعي في الأصل كان ضد الانقلابات العسكرية، حتى هاشم العطا وانقلابه ورط فيه الحزب الشيوعي بدليل أن عبد الخالق محجوب قبل انقلاب هاشم العطا بشهور قليلة كان قد إلتقى بعضوين من القيادة العامة لجبهة التحرير الارترية وهما المغفور له عبد الله إدريس وتسفاي تخلي، كان اللقاء في حي (بيت المال) بامدرمان تحدث معهما كثيرا، لكن ما يهم أنه أكد أن أي انقلاب قادم لن يكون في مصلحة القوى الديمقراطية في السودان، بل كان يؤمن إسقاط نظام نميري عبر الشارع السوداني.

    عبد الخالق محجوب قال لعضوي القيادة العامة: إننا بصدد تقييم موقفنا السابق من جبهة التحرير الارترية، وإننا الآن ننظر لهذا التنظيم إنه تنظيما وطنيا وسنسانده. لكنه قال:( نخشى إن قوى وتيارات عديدة داخل الجيش السوداني تسعى للإطاحة بنظام نميري، ونحن لسنا مع الانقلابات العسكرية) كان هذا اللقاء قبل انقلاب هاشم العطا بشهرين تقريبا في العام 1971م.

    الحزب الشيوعي السوداني واجه انقساما عموديا في العام 1970م في بدايات انقلاب جعفر نميري، ثم جاءت الطامة الكبرى مع انقلاب هاشم العطا حيث اعدم عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب، الشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد نقابات العمال وجوزيف قرنق عضو اللجنة المركزية، اعتقلت بعضا من قياداته ولجأ البعض الآخر، وظلت مخابرات جعفر نميري تطارد أعضاء الحزب، كانت تلك ضربة قوية وموجعة وجهت للحزب لكن قواعده وبعض من قياداته ظلت متماسكة وعملت في حدود ما هو متوفر من أجل بقاء وصمود هذا الحزب، هنا في هذا الظرف الصعب تأكدت قيادة محمد إبراهيم نقد للحزب، عمل في الخفاء في ظل ظروف يصعب وصفها، كان قائدا صلبا تحدى نظام جعفر نميري بذكاء وبسالة. العسكر أعداء للديمقراطية، يحدثون انقلابا على النظام الديمقراطي ويعلنون عبر الإذاعة والتلفاز بيان رقم (1) متضمن تعابير براقة وينكلون بالقوى الديمقراطية، وأول ما يمتازون به هو تطوير أجهزة المخابرات والأمن لتحصى أنفاس الناس وتفتح السجون أبوابها لتلتهم كل من يعارضهم، ثم يتراجعون تحت تبريرات تثبت زيف انقلابهم ويتعاملون مع القوى التي انقلبوا عليها والتي وصفوها وأدانوها بأبشع التهم.

    سهل أن تنقلب وتجمع من حولك حاشية تبرر لك كل ما تفعله، ليس صعبا أن تبني أجهزة أمن ومخابرات لتحمي نظامك، لكن من الصعب إدارة دولة، بناء الدولة ليست شعارات براقة هو بناء أمة وبناء اقتصاد، ليس بالعسكر يطور البلد ولا الأمن، بل بالعلم والمعرفة، بخبراء وطنين يسهرون من أجل الارتقاء بالوطن في دولة القانون في ظل الديمقراطية وفي ظل احترام الرأي والرأي الآخر.

    رأيت أول مرة الفقيد محمد إبراهيم نقد في الربع الخير من العام 1967م في مكتب المحامي مرغني النصري في المبنى المقابل لمبنى البرلمان السوداني السابق.

    لم التقي به ثانية، لكني كنت أعرف من سماع لبعض العارفين إن الرجل رفض الخروج من السودان وأصر أن يناضل من داخله.

    في حديث جرى بيني وبين المغفور له السيد محمد سعيد ناود حكى لي قصة طريفة عن هذا المناضل قال لي:( في إحدى الأيام وأنا في الخرطوم وحكم الانقاذ في أشده ـ والحديث لمحمد سعيد ـ جاءني شخص أعرفه من الحزب الشيوعي وقال لي: إن السيد محمد إبراهيم نقد يطلب مقابلتك، فقلت له متى قال لي غدا وحدد لي الزمان والمكان، وبالفعل حضرت وفي ذهني إني ساقابل محمد إبراهيم نقد تحت الأرض كما كان يشاع، وبالفعل جاءني الشخص وأخذني بعربته، وبعد مشوار ليس طويلا للغاية توقف بي وقال: انزل هنا. وتركني وذهب بعربته، كان المكان سوق للماشية وهو مغبر، ودخلت السوق وبدأت أسير بين المواشي وصراخها وأنا في حيرة من أمري جاءني شخص مغبر، وقال لي أنت تريد شراء ماشية؟ وأضاف تعال معي أنا انتقي لك أحسن الماشية، وأنا في حيرتي وهو ممسك بيدي تحركت معه إلى أن وصلنا طرف السوق، وهنا دخل بي في بيت عادي جدا، وقفل وراءه الباب وقال لي أهلا يا أخونا محمد سعيد، وهنا تنبهت وركزت في وجهه وعرفته إنه محمد إبراهيم نقد.

    ربما أطلت الوصف على القارئ لكننا أمام شخصية قيادية صلبة عاش متخفيا فترة حكم عبود، وحكم جعفر نميرى وجزء من حكم نظام الانقاذ.

    مثقف واسع الاطلاع قرأت له باعجاب كتابه:( حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) وهو يعلق على كتاب الكاتب اللبناني حسين مروة بنفس العنوان. حتى فترة الانفراج ظل هذا الرجل يعيش عيشة البسطاء ووهب كل عمره من أجل السودان مدافعا عن الديمقراطية وحرية الإنسان السوداني. رحم الله المناضل محمد إبراهيم نقد.

    أتقدم بأحر التعازي وصادق المواساة لقيادة وقواعد الحزب الشيوعي السوداني، خاصة والشعب السوداني عامة.

    لندن- 24 مارس 2012م

    (*) دبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي اريتري مقيم في بريطانيا.


    الميدان
                  

03-29-2012, 10:58 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    sudansudansudansudansudansudan258.jpg Hosting at Sudaneseonline.com







    رحل نُقد وفي نفسه نَهَم لم يشبع ..

    بقلم: عمر العمر
    الأربعاء, 28 آذار/مارس 2012 18:18
    Share


    [email protected]

    في شخصية محمد إبراهيم نقد قسمات لا تبدو لمحاتها في أي من مجايليه على المسرح السياسي السوداني. فرادة نقد لا تكمن فقط في انتمائه إلى كوكبة الشيوعيين الروَّاد ممن نذروا أنفسهم لضخ الوعي في جسد الشعب المترهل بالجهل والفاقة.
    تميُّز نقد لا ينحصر كذلك في ذلك الاتساق النفساني والذهني، حيث يغمر فائض قيمة البذل السخي على نكران الذات النادر من أجل المبادئ والقناعات والقضية والوطن.
    عبقرية نقد تجسِّد، بالإضافة إلى ذلك، التمازج الثر بين البساطة والبشاشة والتواضع الجمّ مع الصرامة والجرأة والبسالة. كل من هذه الفضائل تتدفق بتلقائية محببة في الموقف المناسب في الوقت الملائم.
    هكذا يتحدث محمد إبراهيم نقد لغة عامية دارجة مغرقة في البساطة والتبسيط فيكون قريباً من سامعيه على قدر ما هو مقنع. حين تقرأ ما كتب نقد تبهرك جزالة الأسلوب وموسوعية الثقافة وعمق الفكر ونفاذ المعالجة الفلسفية.
    مساهمات محمد إبراهيم نقد الفكرية لا تصدر أحكاماً قاطعة على قدر ما تطرح مزيداً من الأسئلة. هو يحرص على ذلك من أجل التحريض على التفكير والجدل.
    هكذا نفذ محمد إبراهيم نقد إلى قلوب الرفاق خاصة والجماهير عامة، فاستقطب محبة الجميع وإطراءهم. هكذا اكتسب نقد احترام المثقفين فتصدر قائمة الرفاق المتنافسين في دوائر الخريجين على عتبة الديمقراطية الثانية. يومئذٍ لم يكن محمد إبراهيم نقد خطيباً متردداً على المنابر، بل كان أحد السواعد الفاعلة في أروقة الحزب الخلفية.
    قدرات محمد إبراهيم نقد القيادية لا تبرز في نسيج أي من مجايليه في واجهات الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى. الصلابة في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية ليست خاصية نقد وحده داخل الحزب الشيوعي. إدارة الحزب من موقع الاختباء ليست ضريبة اجتماعية باهظة دفعها نقد وحده. ربما يكون نقد - حتى لا نطلق تعميماً مجانباً يظلم ممن هم على قيد الحياة - آخر جيل عملاق من الشيوعيين بادروا إلى نشر أدب حداثي تحوَّل إلى لغة متداولة في الخطاب السياسي العام. هو حتماً ليس آخر العمالقة الروَّاد الذين ابتكروا شبكة حزبية نسجت على منوالها أحزاب أخرى، بما في ذلك الإخوان المسلمون.
    فرادة نقد تأتي في تصديه لقيادة الحزب الخارج من مجزرة ضارية وحملة قمع ومطاردة شرسة وتدمير عشوائي. مجرَّد مهمة إعادة تجميع شظايا الحزب وإعادة بنائه تشكِّل إنجازاً عبقرياً. ذلك عبء تاريخي مكلِّف واجهه نقد من موقعه القيادي بثبات وحكمة وحنكة.
    تلك المهمة فرضت على نُقد وطاقمه القيادي، نَقد مغامرة يوليو مع عدم التبرُّؤ منها. إعادة بناء الحزب فرضت عليه كذلك الاعتراف بالجمود الفكري مع العمل على التحرُّر منه. الحزب لم يكن مثقلاً فقط بخسارته الأرواح التي نُحرت أو انتحرت ونزف الكوادر المعتقلة والمطاردة، بل بالانشقاقات الداخلية على خلفية ثلاثة مفاصل تاريخية.
    خروج الحزب المنهك من مغامرة يوليو أغرى البعض بإحداث صراع داخلي، ربما اكتسى طابع الصراع على السلطة داخل الحزب أكثر من المساهمة في إعادة بنائه تنظيمياً وفكرياً. ذلك الصراع أحدث بدوره انشقاقاً جديداً في بنية الحزب المرهقة.
    أحد أبرز مظاهر الأزمة الناجمة عن الحملة الضارية على الشيوعيين تتبدَّى في غياب الكوادر المسلحة بالعلم والقادرة على إثراء الجانب الفكري داخل الحزب. ذلك التدنِّي التنظيمي والفكري انعكس في نتائج انتخابات الديمقراطية الثالثة.
    تلك الأزمة زادت قتامة إثر صعود القوى المعادية للحزب بكل ظلاميتها الفكرية إلى السلطة. ذلك الصعود كشف تبني الإخوان المسلمون " تكتيكات الشيوعيين في بناء سلطتهم ومن ثم الإجهاز على معاقلهم على نحو انتقام "
    انهيار المعسكر الاشتراكي أضاف عبئاً ثقيلاً على كاهل قيادة الحزب الشيوعي السوداني المنهك. انفجار أزمة الامبراطورية السوفيتية أسقط المقولات المركزية في الخطاب السياسي الشيوعي مثل الطبقة العاملة، نظرية الطبقة العاملة وحزب الطبقة العاملة وديكتاتورية البروليتاريا.
    وسط هذه العتمة السياسية الملبَّدة بسحب داخلية وغيوم خارجية توجب على نقد وطاقمه القيادي مواصلة مسيرة تتطلب جهداً تنظيمياً وفكرياً كبيرين.
    على الصعيد الوطني فرضت التطورات الانخراط في تحالف مع القوى السياسية الأخرى على طريق ملغوم بكثير من السلبيات. على هذا الطريق فرض محمد إبراهيم نقد احترامه على قيادات الأحزاب الحليفة. على الرغم من عدم قناعاته بنهج التجمع إلا أنه وجد فيه شراً لا بد منه.
    وسط هذه التضاريس، قاد نقد الحزب إلى مؤتمره الخامس المنتظر منذ سنين عديدة. ذلك إنجاز يكلِّل مسيرة مناضل حذق فن النضال الدؤوب الصبور.
    عدم رغبة محمد إبراهيم نقد البقاء في أمانة الحزب عند التئام المؤتمر الخامس ليس سراً. الرجل عقد العزم على التفرُّغ لإشباع نهم الباحث المفكر في شخصيته. ذلك بعد أن أنهكه دور السياسي. خلال مناقشات ثنائية دأب على إتاحة فرصة تداولها معه إبَّان إجازاتي، شدَّد نقد على ذلك العزم. في تلك المناقشات المثارة دوماً على مائدة، تعوَّدت على أن يحيلني نقد إلى شخصيات باعتبارها ذات باع في الموضوع المثار. الرجل لم يكن يزعم لنفسه القول الفصل في كل القضايا. بعض تلك المناقشات جرت على مائدة الصديق كمال الجزولي الثرية بالتنوُّع في المطايب والجدل.
    عشية المؤتمر قدمني نقد إلى وجوه قيادية داخل دار الحزب لم يسبق لي شرف التعرف إليها. بعضهم أشار لمعرفة الاسم استناداً إلى الحوار الالكتروني " مع نقد، بينما كان تحت الأرض وهو حوار سَبْق"
    بسخريته المعهودة قال نقد ذلك الحوار صنع مجدي الصحافي. رددت عليه بأن المشكلة في الشيوعيين إذ يرون العالم من زاوية الحزب فقط. ثم افترقنا ضاحكين.
    أفضل ما يمكن تقديمه إلى روح نقد من قِبل الزملاء، هو عبور رحيله بأقل كلفة ممكنة من الوقت والجهد على طريق الحفاظ على وحدة الحزب.

                  

03-29-2012, 03:53 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    نقد.. هزّيت البلد من اليمن للشام
    عبد الله الحاج القطيني :



    حينما توفي عرفات محمد عبد الله الذي أسس مجلة الفجر في الثلاثينيات من القرن الماضي، كتبت تلك المجلة بتاريخ 22/7 /1936م تقول: «بقلوب مكلومة وانفس محزونة تنعي مجلة الفجر للامة السودانية الكريمة ابنها البر وخادمها الامين المرحوم عرفات محمد عبد الله الذي لحق بالرفيق الأعلى في الصباح الباكر من هذا اليوم». وتقدم المجلة في ما بعد وصفا لمشاهد التشييع: « وما كاد النعي يصل الي ايدي الناس الا وانهالت الوفود الي دار الفقيد، ولا غرابة فذاك فقد امة باسرها، وكم من دموع أريقت يوم ذاك، وكم من قلوب قطّعت، ورأينا امة تسير وراء النعش، ورأينا الدموع تنحدر، وسمعنا الأنّات تتحشرج في الصدور، وبأيدينا اودعنا القبر من كنا نعزّه على الدمقس والحرير، واهلنا التراب على من كنا نرجو ان نهيل عليه أكاليل الغار وهو يحرز انتصاراً بعد انتصار».

    وبعد مرور ستة وسبعون عاما على ذلك الحدث في مساء الخميس 23 ديسمبر 2012م، وما أن علمت جماهير الشعب السوداني بوفاة الاستاذ محمد ابراهيم نقد، حتى تقاطرت دموعها على دور الحزب على امتداد السودان، وتناسى الجميع خلافاتهم السياسية، وقدموا التعازي لبعضهم البعض في رمز الحكمة والفصاحة والزهد الذي اجتمعت فيه فصاحة حسان وحكمة لقمان وزهد ابن ادهم، فرح ود تكتوك حلال المشبوك زمانه الأستاذ محمد ابراهيم نقد الذي وصفه احد أئمة المساجد في عطبرة بأنه ليس فقدا للسودان وحده ولكنه فقد للقارة الافريقية بأسرها. الاستاذ نقد صاحب الفصاحة والبيان والذي ما ان تتذكره الا ويخطر ببالك إسماعيل صاحب الربابة الذي يوصف في طبقات ود ضيف الله بانه حين يجيء بربابته التي عرف بها يضرب عليها «كل ضربة لها نغمة يفيق بها المجنون وتذهل منها العقول وتطرب لها الحيوانات والجمادات».


    ويخطر على بالك فارلماس في الاسطورة السودانية الشهيرة «سالف وحمر» الذي يصفه الراوي بأنه كان «ينتقي كلماته كما ينتقي الصائغ الذهب النظيف، ويختار الكلمة الحلوة ويربطها بأختها ربطاً وتحدث في النفس الاثر الذي يريده، كانت كلماته تنزل على النفوس مثل الرذاذ على أرض عطشى، والغريب العجيب أن الناس كانوا يشمون رائحة الزهور التي كان يصفها في قصته».
    ولعل الحكمة التي اتفق الجميع على وصف الاستاذ نقد بها هي التي دفعته لإنجاز كتابه «علاقة الرق في المجتمع السوداني»، حيث يحدثنا في مقدمة ذلك الكتاب: «رغبة جامحة ومقيمة أشبه بهاجس تسكن الخاطر سنوات وعقود بمزيد من المعرفة بسودان 1500 ــ 1900م، عصر التشكل والتكوين، تأسيس دولة الفونج ــ العبدلاب وهزيمة المهدية ثورة ودولة، وما اكثر ما تكثفت الرغبة والهاجس في سؤال: أيّ مؤثرات وعوامل ومؤسسات أسهمت في كيمياء ذلك التشكل والتكوين؟».


    ونجد الحكمة تلازم كل صفحة من صفحات ذلك الكتاب، فنجده يتحدث عن مشكلة الجنوب التي تمنى ألا يحضر يوم انفصاله، فيقول «وتفاقمت أزمة المجتمع السوداني عما عرف وحصر آنذاك في مشكلة الجنوب، ليصبح أزمة ومشكلة السودان بكلياته، هويته، وحدته، نظام حكمه، ثروته، ثقافته، مكانته في العالم المعاصر. وتراكمت عليه مخلفّات الماضي بكل ثقلها رواسب وافرازات الامس واليوم في الحاضر اللئيم وشمخ التحدي واستأسد وبات على ابناء السودان ان يواجهوا التحدي بذات الشموخ والجسارة ــ ابناء السودان من حيث هم كذلك أحفاد الزبير وأحفاد من استرقهم الزبير، مواطنين آباء تجمعهم وتوحدهم مواطنة لا يحدّ منها ولا ينتقص فيها فارق عرق او جنس او دين، لا يستشعرون مذلة من انكسار الرقيق ولا مكرمة من زهو المالك.. يعقدون خناصرهم لتحرير الانسان السوداني من عقده ورواسبه، يردون اغترابه الجسدي واستلابه الروحي.. يصارعون حتى يصرعوا مخلفات الماضي في العنجهية وفي مركب النقص، في المباهاة بالحسب وفي الحقد والانتقام المؤجل، في النسيان المخضر المريح، في الذاكرة القلقة الواخزة، في الاستعلاء، في الاحتقار المكتوم، في الوقار المنافق، وفي الاستهتار الصلف، في الثقة الزائفة وفي الشك المرتاب.. تلك مهمة جيل، جيل معطاء، يحمل الرسالة عن وعي بثقلها لا ظلوماً ولا جهولاً».


    أقول تدافعنا من كل انحاء السودان نحو دار ذلك الفصيح الزاهد الحكيم، وذلك البدر الذي افتقدناه في ليالينا المظلمة، وساعة وصول الجثمان وإدخاله في تلك العامر بتلك الأسرة العظيمة، تجمع العشرات حاسري الجبين حول الجثمان، وعبر الكل بطريقته عن حزنه فتعالت صيحات بعض النساء بالحي ووب، وسالت دموع بعض الرجال ــ و كنت منهم ــ وأخذ البعض في تلاوة القرآن والتسبيح، وإن أنس لا أنس تلك المرأة العظيمة ابنة اخت الاستاذ نقد د. هدى عبد الله الطاهر التي أخال أن مهيرة بت عبود وبت مسيمس وشغبة المرغمابية ورقية شقيقة عبد القادر ود حبوبة، كلفنّها فوقفت أمام رأس الفقيد الأستاذ نقد وهي تعدد:
    محمد زينة الرجال
    محمد سمح الخصال
    محمد مليت الدفتر
    محمد رهبت العسكر
    محمد ما خان
    محمد ما لان
    محمد رمز السودان
    الله .. يا الرأي السديد
    يا حليل الانضباط
    يا حليل الالتزام
    يا حليل السهل الممتنع
    سألني أحد الأصدقاء: عليك الله منذ أن عُرف أدب المناحة في السودان، هل هنالك من وصف بأنه السهل الممتنع؟

    --------------

    نُقد قامة الوطن والأمنيات

    اخلاص نمر

    ٭ برحيل (نقد) فقدت الساحة السياسية في السودان رجلا اتسم بالحكمة والجدية في طي الخلافات وبوعي وادراك للنهايات عبر ممرات سلمية تقود لأمن مستدام في وطن باتت تتقاذفه امواج الشقاق وترتفع فيه اصوات النداء والتعبئة للحرب.. ورغم الجراح ظل (نقد) ممسكا براية الدفاع عن الحقوق والمواطنة والحريات الاساسية بلا تمييز جهوي او عرقي او قبلي.
    ٭ ترجل (نقد) عن فرسه وهو الفارس الذي قبض على رسن سكرتارية الحزب زمنا رغم المنعطفات التي مرّ بها الحزب وخروج بعضهم عن (الطاعة) في البيت الاول وبناء ثان بهيكل مستمد من المعمار الاول مع (تحديث) في اوجه البناء واللون..
    ٭ كان (نقد) وطنيا حد السربلة بالوطن ان جاز التعبير واجه التحديات والازمات و(الملاحقات) حتى لا يذرف المواطن لاحقا الدمع عند اشلائه التي بدأت بخطوة انفصال الجنوب قبل عام وتترصد به الحروب والتعبئة والاستنفار الآن، وتدور بأهله الدوائر وتتكالب عليهم المعاناة التي سلبت وجه الكرم السوداني فانكمشت العطايا وجرى الدمع رغم المحاذير..
    ٭ كان الراحل يجيد الصمت حد الكلام ويجيد الكلام حد الصمت. لم تفلت منه شاردة الا وكان قادرا على اعادتها لملفات الطرح القومي برؤى ديمقراطية تثبت لكل طيف سياسي وفرد حقه في تشكيل مسيرة الوطن من خلال بناء دستور يحترم الجميع ويستوعب تعدد وجهات النظر، ويدعو للتعايش بسلام ومحبة في الارض .. الرمز .. التي يبقى ويظل المواطن (ملحها).
    ٭ غادر (نقد) والوطن يصطرع حول النفط والحريات الاربع بين مؤمن بها وكافر ورابح وخاسر وعاقل وآخر عقله مسافر و(راكب موجة) لم تغادر مربع العناد والتمسك به الى الآخر.
    ٭ وداعا لرجل بحجم وطن قبض على قضيته بأصابع من حديد رغم نيرانها الحارقة.. لم يبدل مواقفه ولم تلن قناته في أحلك اللحظات، بل ظل ملهما لرفاقه بالمضي في الطريق مهما كان مظلما حتى بلوغ الضوء ولو طال السفر وتمددت المسافات..
    ٭ سيظل مكانه خاليا كزعيم (وفاقي) سعى وما زال حتى آخر لحظة في حياته من اجل سودان ينعم بالحرية والصفاء والسلام والرخاء، وفوق كل هذا احترام المواطن.. القيمة القومية والانسانية الحقة.. وداعا نقد..
    همسة:
    ونعترك قرب ساعة كبيرة..
    ونأمل في السلام..
    لكننا نمارس العناد والرفض ..
    ونكتم الآهات ..
    حتى تحصدنا الحروب
                  

03-30-2012, 11:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)





    موت نقد .. وانهيار الآلة الإعلامية الصدئة لتجار الدين!! ..

    بقلم: إبراهيم الكرسني
    الخميس, 29 آذار/مارس 2012 11:19



    فى البدء لابد من تقديم واجب العزاء الحار لأسرة الراحل الكبير، وزملاؤه فى الحزب الشيوعي السوداني، وأصدقاؤه الكثر، والى كافة كادحي ومهمشي السودان، فى جميع أطرافه، الذى أفني حياته كلها فى دفاعا عن حقوقهم المسلوبة وكرامتهم المهدورة، فى هذا الفقد الجلل. لقد فقد السودان بموت المناضل محمد إبراهيم نقد أحد أبنائه البررة الذى جمع عدة صفات من النادر أن تجتمع فى شخص واحد فهو قائد سياسي، وزعيم وطني،وكادر قيادي، ومفكر، وباحث جاد، وكاتب، وناشط فى منظمات المجتمع المدني. لكل ذلك يعتبر فقده خسارة جسيمة من الصعوبة أن تعوض، وبالأخص فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ شعبنا الذى أكثر ما يكون حوجة لأمثال هذا الرجل الفذ، ليعمل مع بقية القيادات الوطنية لإخراج البلاد من عنق الزجاجة الذى أدخلها فيه تجار الدين من مهووسي الإنقاذ و أبالستها.


    إن عظمة هذا الرجل تجسدها إنجازاته العديدة على جميع المستويات والتى لا تخطئها إلا الأعين المصابة بالحول السياسي، أو النفوس ذات الغرض، لأنه قد شهد عليها أعداء الفقيد السياسيين قبل أصدقائه. وقد شهد عليها موكب جنازته الى مثواه الأخير بمقابر فاروق. ذلك الموكب المهيب الذى لا يمكن وصفه سوي ب"موكب الإجماع الوطني". بل فى حقيقة الأمر فقد كان ذلك الموكب أكبر من ذلك بكثير حيث أن مفهوم الإجماع الوطني أضيق من أن يعبر عنه. إن مفهوم الإجماع الوطني ذو دلالة سياسية واضحة تعبر عن توافق عدد من القوى السياسية على رؤية مستقبلية موحدة يتم على إثرها معالجة أمهات القضايا التى تواجه الشعب والوطن.
    لكن الحضور الكثيف والنوعي الذى ميز موكب جنازة المرحوم نقد قد شكل علامة فارقة حتى فى مواكب تشييع الزعماء، سواء كانوا سياسيين أو من رجالات الدين والطرق الصوفية. إن هذا الموكب لم يقتصر حضوره على قيادة وأعضاء الحزب الشيوعي، الذى كان يتزعمه الفقيد الراحل، ولا حتى على أصدقائه من الديوقراطيين أو قوي التقدم فى البلاد، ولا حتى قادة الأحزاب السياسية، الحاكمة منها و المعارضة فى البلاد فقط، ولكنه تجاوزها كما ونوعا حيث تقدمه رجالات الدين والطرق الصوفية.


    لقد شارك فى تشييع المرحوم نقد رجالات الطرق الصوفية من الأنصار والختمية والأدارسة وأزرق طيبة وغيرهم من بقية رجال الطرق الصوفية المحترمين. بل إن من أم المصلين على جنازة المرحوم نقد هو الشيخ الإدريسي نفسه، أطال الهن فى عمره وأبقاه. إن لهذه المشاركة دلالاتها الفكرية والفلسفية والسياسية العميقة. إنني أعتقد أن موكب تشييع المرحوم نقد قد كان إضافة حقيقة لإرثه السياسي لا تقل كما أو نوعا عن مساهماته العديدة والمتعددة التى أثري بها مختلف مناحي الحياة فى السودان، وذلك لسبب بسيط وهو دحض الإفتراءات والأكاذيب و الصفات والنعوت التى كانت تطلقها الآلة الإعلامية الصدئة لتجار الدين وتلصقها بالتقدميين والديمقراطيين عموما، و الشيوعيين على وجه الخصوص، وأخص منها صفة الإلحاد التى علقت حتى بأذهان أطفال السودان من كثرة تكرارها.


    إن تجار الدين عموما، وأخص منهم الإخوان المسلمين، قد إتخذوا الكذب الصراح كمنهج وإستراتيجية لمحاربة خصومهم الفكريين والسياسيين، وليس مقارعة الحجة بالحجة، أو دحض الأفكار، أو حتى مجرد ذكر الحقائق المجردة فى صراعهم معهم. إن تحري الصدق والمصداقية أبعد ما يكون عن منهج وفلسفة تجار الدين ومجموعات الهوس الديني. بل إن تاريخهم ومستقبلهم السياسي كله يتوقف على مدى براعتهم فى إرهاب خصومهم السياسيين، وإبتزازهم بإسم الدين، وتوجيه خطابهم الإعلامي نحو البسطاء من بنات وأبناء شعبنا الأبي، المتدين بالفطرة، والذى لا ولن يشك ولو للحظة واحدة فى مصداقية من يبدو أمامه وكأنه من جيل الصحابة، من شدة تجويده ل"عدة الشغل"، من صلاة، ومسبحة تتدلى فى يده، وغرة تتصدر جبينه، لتلويث عقولهم بما تنتجه تلك الآلة الإعلامية النتنة من أكاذيب.

    لقد برع تجار الدين تماما فى بلوغ أهدافهم التى إختطوها لتشويه سمعة التقدميين والشيوعيين. فما ذكرت كلمة شيوعية إلا وإقترن معها صفة الإلحاد، وكأن كارل ماركس نفسه لم يوظف عبقريته الفذة سوى لدحض وجود الذات الإلهية. أكاد أجزم بأن تجار الدين لم يقرأوا حرفا واحدا من مساهمات ماركس فى مختلف المجالات، وبالأخص فى الفلسفة، أو الإجتماع، أو علم الإقتصاد السياسي. ولكنهم لخصوا جهد ذلك الرجل فى كلمة واحدة هي الإلحاد... فتأمل!! يا لبؤس الفلسفة، ويا لبؤس من يزعمون أنهم فى زمرة المفكرين!
    لقد أصبح الإلحاد عندهم صنوا للشيوعية ، وليس للماركسية، لأنهم لا يدركون حقيقة ما هو الفرق بينهما! لذلك لم إندهش مطلقا حينما إعتلي ذلك الإمام المعتوه منبر أحد مساجد حي الديوم العريق ليفتي بإلحاد نقد وعدم جواز دفنه فى مقابر المسلمين، لأنه خريج هذه المدرسة البائسة فلسفة وممارسة. لكن الرد على زعمه قد جاءه وقتيا من أحد المصلين الشجعان الذى إنبرى له ليس ليوضح له خطل موقفه من الناحيتين الإجتماعية والسياسية فقط، بل خطله حتى من الناحية الفقهية والدينية البحتة ليشكك بذلك حتى فى قدراته العقلية التى لا تؤهله لإمامة المصلين.


    لكن الرد على تجار الدين عموما، وعلى هذا الإمام المعتوه على وجه الخصوص، قد شكله عمليا موكب تشييع جنازة المرحوم نقد الذى جمع جميع رجالات الدين والطرق الصوفية، إلا من كان على شاكلة هذا الإمام المعتوه، بالإضافة الى إمامة الشيخ الإدريسي بنفسه لصلاة الجنازة، كما أسلفنا.
    إن هذه الموكب المهيب قد شكل بداية النهاية لزعم تجار الدين بإلحادية الشيوعيين التى ظل يكررها إعلامهم الصدئ لأكثر من ستين عاما من الزمان. وقد أبطل مفعول كل "جبخانتهم" التى كانوا يفرغونها فى عقول البسطاء من أفراد الشعب السوداني عن إلحاد الشيوعيين، وبالأخص بين شبابه من الجنسين. إنهم يعلمون يقينا بأنه لا توجد فقرة واحدة فى دستور الحزب الشيوعي، أو لوائحه، تنص على وجوب الإلحاد كشرط للإنضمام الى صفوفه. بل إنهم يعلمون يقينا بأن ذلك الدستور، وتلك اللوائح، تفرض على من ينتمي الى الحزب الشيوعي ضرورة إحترام جميع الأديان السماوية، وبالأخص الدين الإسلامي الحنيف، وكريم المعتقدات، وتعنبرها شرطا لازما لكل من يود الإنضمام الى صفوفه.


    لكن متذ متى كان يبحث تجار الدين عن الحقيقة؟ بل منذ متى كان "هؤلاء الناس" يتميزون بأدب الخصومة فى الفكر، أو عدم الفجور فى العداء السياسي؟ ألم يكفروا من قبل، ولا يزالوا، شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه، و إختصروا جميع مساهماته الفكرية فى أنه قد زعم بأن الصلاة قد رفعت عنه، هو بالتالي لا يصلي. أكاد أجزم بأن من أفتى بذلك من تجار الدين لم يقرأ مؤلفات الشهيد محمود. إذ كيف يعقل أن يدعوا رجلا الناس الى ترك الصلاة وهو مؤلف كتاب، "نعلموا كيف تصلون"؟! لكنها طريقة تجار الدين فى إدارة صراعهم مع خصومهم الفكريين والسياسيين. طريقة "لا تقربوا الصلاة"!!
    ولكن يبقى السؤال: هل سيتوقف تجار الدين عن نعت التقدميين والشيوعييين السودانيين بالإلحاد بعد أن صلى على جثمان المرحوم نقد الطاهر معظم رجالات الدين و الطرق الصوفية، وأمهم الشيخ الجليل الإدريسي بنفسه، ودفن فى مقابر المسلمين؟


    إن الفطرة السليمة والعقل السليم يقولان بأن "هؤلاء الناس" سيرعوون عن هذا الفجور فى الخصومة، وسيعودون الى رشدهم بعد هذا الموكب الجنائزي المهيب الذى تقدمه رجالات الطرق الصوفية. لكن التجربة علمتنا بأنهم دائما يفوقون سوء الظن العريض، كما قال فى حقهم قبل عقود شهيد الفكر. لذلك لابد من إستغلال هذا الموكب المهيب من جميع قوى الإستنارة فى البلاد، بما فى ذلك رجالات الدين والطرق الصوفية، لهدم الآلة الإعلامية الكاذبة لتجار الدين، ووقفها عند حدها من الإستهتار بتعاليم الدين الإسلامي، أو إستغلاله لتحقيق مآرب دنيوية رخيصة.
    ألا رحم الله الأستاذ محمد إبراهيم نقد رحمة واسعة، وأحسن إليه بقدر ما قدم لشعبه وبلاده من أعمال جليلة، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأدخله فى زمرة الصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا. فقد دخل الى هذه الدنيا طاهرا عفيف البد واللسان، وخرج منها كما دخلها، لا يملك سوى الإيمان العميق بقضايا الكادحين من بنات وأبناء شعبه، التى بذل الغالي والنفيس دفاعا عنها الى أن ودع دنيانا الفانية. اللهم آآآآمين.
    29/3/2012م



    استراحة
    نقد و الرفاق
    عادل الشوية

    ان كنت قد التقيت به فذلك يوم مشهود ولكن من على البعد.. في ندوة ايام انتخابات 1985 .. نقد يتحدث والشيوعيون الذين فوق الارض وتحتها قد ظهروا وهو اسطورة الاختفاء والاختباء وحكاياتها العجيبة التي يصدقها الناس ويتداولونها كأن الرجل صاحب معجزة في زمن انتهت فيه المعجزات .. وقيل انه حضر (سماية ) ابنه الوليد رغم أن نقد ليس لديه ولد واحتفالية حنتوب مع النميري.. ومرات شاهدوه كمساريا في بصات الديم القديمة التي عصا (الجربوكس) فيها تمتد من السائق الى الكنبة(الطيش) ومرة حطابي واخرى في القطينة يشارك في مناسبة زواج .. وهكذا اسطورة الراحل محمد ابراهيم نقد الذي كان يصلي الفجر في جامع سيدي الشيخ قريب الله والعصر في احد مساجد الخرطوم.. واجهزة النميري تجوب القرى والبوادي وتقتلها بحثا عنه.
    نقد المفكر غاب عن الجيل الجديد ولم تظهر افكاره مع انحسار المد الشيوعي وان بقى على رأس الهرم يؤكد تمسكه بشيوعية سودانية لو عاشها اهل النظرية في روسيا لبقي الحزب الشيوعي يصارع الغرب ويرميه على قمقم النسيان.
    وتحدث الآخرون عن نقد الذي حينما سئل ذات مرة ان كان يصلي او لا حينما بدأت حملة الانتخابات على رئاسة الجمهورية التي كان احد المرشحين لها.. وما كان السائل يدرك ان نقد كان ملتزما وعفيف اليد واللسان.. وقد حرم جيل من ادراك ان الرجل الخلوق والشجاع هو سوداني اصيل منضبط مع قيم وعادات مجتمعه كانضباط عقارب الساعة مع الزمن.. ويوم تلك الندوة التي مضى عليها اكثر من ربع قرن ورغم ما بيني والشيوعية اكتشفت ان الفارق بينه والرفاق قرون من معرفة الشيوعية فكرا وفكرة.. وتتحسر على زمان فيه العمالقة من السياسيين وهم يديرون لعبة السياسة .. ويعرفون من اين تأتي الأهداف ومن هو الذي يسجلها في مرمى الخصم الذي حينما يكون الظرف او المناسبة اجتماعيا تراهم يذوبون في احضان بعض بالود سواء أكانوا امة او اتحاديين او شيوعيين او اخوان مسلمين وجلسة ما احلاها تضم على صينية الشاي الازهري والمحجوب وعبدالله خليل وعبد الخالق محجوب .. ولكن تحت قبة البرلمان وفي التنافس بين احزابهم(الحشاش يملا شبكتو).
    ذلك شأن ، والآخر في رحيل نقد انه جمع رفاق المعاش الشيوعي من الذين اختاروه طوعا او للصالح العام او ببلوغ السن القانونية..ورفاق اليوم الذين لا يعرفون من الشيوعية إلا اللون الأحمر.

    0000000000000000000000000


    رحيل (نقد)….والواجب المرحلي!
    Wednesday, March 28th, 2012
    مجدي الجزولي ـ السويد

    عمل الاستاذ (محمد ابراهيم نقد) والرعيل الاول من مؤسسي الحزب الشيوعي السوداني، طوال حياتهم، علي وضع منهجين، فكري وعملي، لتنزيل وغرس بذرة الماركسية اللينينية والاشتراكية في السودان، وذلك من خلال تعامل الحزب مع واقع المجتمع السوداني، مراعين في ذلك عادات وتقاليد البلاد والشعب البسيطة. افني الاستاذ (نقد)، من اجل ذلك ثمرة حياتة في عفه، وطهارة، ونقاء سريرة، وصدق منقطع النظير، ولم يطلب من وراء ذلك اي عائدٍ مادي!، جاه كان ام ولد، ويشهد له بذلك جميع معارفة واصدقائه وحتي خصومة السياسين التقليدين والفكريين. اما نجاح هذ الغرس، فقد ظهر دون مواربة، يوم تشيع الزعيم الراحل.. “فالشعب وحده يعرف قادته”!، ومن؟، من بين هؤلاء القادة من يحس بمعاناة هذا الشعب، ويعمل بجد وصدق لرفع الضيم، والهم، والمعاناة عن كاهله، “فلم يشارك في جلده بالسياط كما لم ياكل ماله بالفساد”، بل تفاعل مع قضاياه ومطالبه اليومية فكراً ووجداناً وروحا.ً

    إن الارث الذي تركه الاستاذ (محمد ابراهيم نقد)، كتركة ثقيلة، للحزب الشيوعي السوداني، يتمثل في هول هذا الحزن العميق، الذي يعتصر قلب وتفكير عضويتة، لفقدانهم زعيم وقائد، هم في امس الحاجة لرجاحة عقله وحكمته، “لحلحلة الامور”، خاصةً في هذه اللحظات المفصلية الحرجة في تاريخ الحزب الشيوعي والشعب السوداني، للخروج بالبلاد من مأزقها التاريخي، الذي ادخلته فيها الجبهة الاسلامية، حين اطاح انقلابها العسكري بالحكم الديمقراطي ووئده في عام 1989م، واستولت علي الحكم أكثر من عقدين من الزمان، ادخلت خلالهما البلاد والعباد في “غضب الله”، قسمت البلاد الي دولتين، واشعلت الحروب في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الازرق وجنوب كردفان، وهُجِّر وشُرِّد العباد في أمري، وكجبار، وشرق السودان، و ضرب التهميش حتي تخوم العاصمة القومية.

    الحزب الشيوعي السوداني، مطالب الان، وفي الاساس، بالسيرعلي نفس النهج الذي ابتدعة الاستاذ (نقد) في التعامل مع قضايا الجماهير. “فالجماهير هي التي امرت بذلك يوم خرجت لتوديع قائدها” بذلك الحشد التاريخي الرهيب. فقد عبرت هذه الجماهير، بصدق، عن مدي قبولها لهذا المنهج، الملائم لطبيعتها، والذي قاده الاستاذ (نقد)، بل وابدع فيه بتعاملة مع الجماهير، بتواضع وبساطة وادب عند مخاطبته لها. وبالضرورة لتنفيذ هذا المنهج والسير عليه، يتطلب ايجاد القيادة البديلة. ويجب ان لايكون الهم “من” ولكن “كيفية” تنفيذ المنهج! وليس بالضرورة، بالطبع، ان يكون هذا البديل صورة طبق الاصل، ولكن يجب ان يكون مؤمناً بالمنهج، ومقتنعاً بانه الخيار الافضل في التعامل مع الجماهير والطبقة العاملة السودانية، لتنفيذ مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، وما تقتضيه هذه المرحلة من تنفيذ لشعارات المؤتمر الخامس “تنمية متوازنة، سلم وطيد وديمقراطية راسخة” وهذا مايقود الي وحدة الحزب وتماسكه، الذي يجب ان لا نخاف او نتوجس من تماسكه، فالذي مطلوب من جميع العضوية العمل والاقتناع بالتماسك والوحدة. ومن اجل ذلك يجب العمل والدفع قدما وبكل جدية علي قيام المؤتمر السادس في موعده….ونعم للدعوة بالصوت العالي لبناء الحزب، والعمل علي عودة المبعدين من جسده، كما تقتضي الضرورة المرحلية ايضا، من توسيع، وتعدد مواعين التحالفات الجبهوية لاسقاط النظام وانفاذ مرحلة التغيير، خاصة في اواسط الشباب.

    الا رحم الله الاستاذ (نقد) بقدر ما اعطي دون مقابل. وخلد سيرة ناصعة البياض في تاريخ والسودان.

    عاش نضال الشعب السوداني
    في سرادق عزاء زعيم المناضلين
    Wednesday, March 28th, 2012
    الجماهير:ماك الوليك العاق لاخنت لا سراق

    يوسف حسين ..أمثال نقد لا يموتون ومضى مثلما يمضي أي شيوعي في أداء مهامه صعودا للمنابر أوالمشانق .

    ادوك :ليس هناك رجل قضي كل حياته في النضال والتضحيات مثل أبونا وأستاذنا(نقد)ويجب ان نحول حزننا برجيله الي أعياد.

    إبراهيم الشيخ :نقد رمزنا كما العلم قاتل وناضل من أجل السودان، عاش مطاردا ومختبئا لم يساوم ولم يهادن ولم يكن ابنا عاقا ولاخائن ولا سارق ولا فاسد.

    الخرطوم:حسين سعد

    لم يكن سرادق عزاء السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد بحي الفردوس بالخرطوم يوم الأحد الماضي (حدثا عاديا) وأنما كان حدثا فريدا وتاريخيا وجسدت خيمة العزاء السودان المتعدد والمتنوع حيث كانت هناك العمائم والجلابيب واللبسات الافرنجية وكانت هناك النساء يتقدمن الصفوف ويخاطبن الحضوروالشباب يهتفون عاليا (عاش نضال الحزب الشيوعي وعاش كفاح الطبقة العاملة) وخاطب زعماء الاحزاب وممثلو الهيئات ورجال الدين الإسلامي والمسيحي الحضور معددين مناقب الراحل ومثمنين ادواره الوطنية ومواقفه السياسية في مختلف المراحل التي مرت عليها البلاد،وضاقت (جنبات)الخيمة التي وضعت علي أطرافها مكيفات هواء ضخمة ضاقت بالحضور.الرايات الحمراء كانت ترفرف عاليا وكذلك صوت النحاس .

    وقال الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الأستاذ يوسف حسين

    أن أمثال نقد لا يموتون وقد مضى مثلما يمضي أي شيوعي في أداء مهامه صعودا للمنابر أو المشانق أو توزيع قصيدة فهي مهمة.

    ووصف حسين رفيق دربه وقائده في مدرسة الدفاع عن العمال والمزارعين والكادحين بإنه (عبقري متسامح). وقطع باستمرارية توحد الحزب الشيوعي في النهج الثوري.



    واعتبريوسف حسين الشعارات التي رددتها الجماهير في موكب التشييع والقائلة(حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب) و(وماك الوليك العاق ..لاخنت لاسراق )هي طريق الشعب للخلاص من النظام وإسقاطه.

    النضال مستمر:

    الرسالة الثانية التي أكدها سرادق رحيل نقد كانت قادمة من جنوبنا الحبيب الذي قادته سياسات الانقاذ العرجاء والفاشلة للانفصال وذلك في مشاركة وفد رفيع المستوي من حكومة دولة جنوب السودان برئاسة الدكتور بيتر أدوك وزير التعليم العالي بحكومة الجنوب

    ودعا ادوك الذي هتف عاليا (عاش كفاح الطبقة العاملة )و(عاش نضال الحزب الشيوعي ) دعا جماهير الحزب الشيوعي بتحويل الحزن بفقدان (نقد) الى اعياد لأن نقد في حياته كلها كانت مليئة بالتضحيات وقال انه لا يعتقد أن يكون هناك رجل قضى كل حياته في النضال والتضحيات مثل أبونا وأستاذنا ( نقد). وأزاح أدوك الستار عن حياته السياسية وقال إنه انضم للحزب الشيوعي السوداني عقب احداث 1971، وأوضح الدكتور بيتر ادوك الذي قاطعته الجماهير بالتصفيق الداوي لحديثه أنه لم يخرج من الحزب الشيوعي واعلان انضمامه للحركة الشعبية في الثمانينات من القرن الماضي إلا لرفع النضال من النضال السلمي إلى المسلح، وقال انه لم يخرج من الحزب بل يعتبر نفسه (في إجازة وفي أي وقت نرجع). وقال إن انفصال الجنوب لم يكن من أولوياتنا إلا أن هناك من دفعنا دفعا حتى اختار شعب جنوب السودان الانفصال.

    زعيمنا وقائدنا:

    وعندما قدمت المنصة الخالة فاطمة محجوب عثمان شقيقة الراحل الشهيد عبد الخالق محجوب هتف الحضور (ماشين في السكة نمد ايدينا للجاين) التي ابتدرت حديثها قائلة دمعة حرى في وداع المناضل نقد إلى زعيمنا ومثلنا الأعلى وهو يودعنا في رحلة اللاعودة إننا لفراقك لمحزونون، تظلل على مشاعرنا سحابة قاتمة لكنها لا تحجب رؤيانا عما تركت فينا

    رمز كالعلم:

    وفي الأثناءقال رئيس حزب المؤتمر السوداني الأستاذ إبراهيم الشيخ موجها حديثه للحضور قائلا يا أهل السودان المحتشدين في هذا الصيوان نقد رمزكم كما العلم حمل العبء وقاتل وناضل من أجل السودان، وفدى هذه البلاد مرات ومرات قدم لها أغلى ما يملك انضر سنين عمره وحياته عاش عمره كله مطاردا ومختبئا ومختفيا هنا وهناك لا هم له إلا السودان وأهل السودان

    التغيير قادم :

    الكلمات في تأبين الراحل نقد لم تكن حصرا علي قيادات القوي السياسية وزملاء ورفاق حزبه بل شاركت كافة منظمات المجتمع المدني والطوائف الدينية حيث قال المنسق العام للهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات الدكتور فاروق محمد ابراهيم لا أظن أنني أستطيع أضافة شيئا عن شخص الصديق الرقيق الراحل محمد إبراهيم نقد بأكثر من مشهد استقبال جثمانه في المطار والمسيرة الى داره هنا والى مركز الحزب الشيوعي ثم الى مقابر فاروق وهذا الجمع الحاشد،



    تعازي الجنوب:

    ووسط الأشعار الحماسية والثورية القائلة (بكرة الشمس تسطع والكان بعيد يرجع ونوحد السودان القالوا اتقطع) قدمت المنصة الاستاذجوزيف موديستو القيادي بالحزب الشيوعي بجنوب السودان الذي قال انه قدم حاملا مع تعزية من المواطنين ومن الزملاءفي جنوب السودان الذين اسسوا تنظيما جديدا اسمه الحزب الشيوعي بجنوب السودان تعزية لعائلة الفقيد المناضل الجسور قائدنا حتى الآن محمد إبراهيم نقد، ولأعضاء واصدقاء الحزب الشيوعي السوداني ونقول لكم ان نقد لم يمت لأن النضال لا يموت،

    نقد في قلوبنا:

    وقالت سارة نقد الله في حديثها (نساء ورجال لن ينجبر كسرنا وخاطرنا على رحيل محمد ابراهيم نقد الا بازاحة الطغاة من سدة الحكم)، واضافت ان نقد ضحى بحياته وكل مايملك فى سبيل تحقيق الكرامة والحريات للشعب السودانى

    تضحيات جسام :

    الحركة النقابية كانت حاضرة في تابين قائد وزعيم حزب الطبقة العاملة والعمال والكادحين وقال ممثل التضامن النقابي ورئيس نقابة أساتذة جامعة الخرطوم الدكتوربابكر محمد الحسن إن (نقد) بدأ النضال قبل أن يبلغ العشرين وكان في عمر مبكر مناضلا ملتزما منضويا لتنظيم شديد الانضباط، وأنه كان مشاركا بفعالية تامة في نشاطات الاستنارة والتغيير، وتعرض لأنواع من العنت والعذاب وتعايش مع ثلاثة أنظمة شمولية، تعرض لعذابات الاعتقال والسجن والاختفاء تحت ظروف بالغة التعقيد.

    امتحان عسير:

    من جهته قال الأستاذ عصام عبد الماجد أبو حسبو من الحزب الاتحادي الموحد، هذه مناسبة حزينة تستدعي منا الوقوف اجلالا لرحيل رجل عظيم غاب عنا في وقت نحن أحوج ما نكون إليه،

    الدفاع عن البؤساء

    وبدوره اعتبر السيد ميرغني عبد الرحمن من الحزب الاتحادي الديمقراطي الفقيد نقد بانه السوداني ود البلد البسيط حسن السيرة والسريرة الشجاع المقدام (ركل) زينة الدنيا (المال والبنون) من اجل الوطن والبؤساء والمحرومين



    وفي ذات السياق تحدث الأستاذ سيد أحمد سر الختم عن الحزب الاتحاي الديمقراطي الأصل مندوبا عن السيد محمد عثمان الميرغني، قائلاً :نقف اليوم لتأبين فقيد السودان بأسره وليس الحزب الشيوعي نشهد للفقيد بالعفة في اللسان والفعل والقول والنضال والصمود في وجه التحديات الكبار، وقاد الحزب في أحلك الظروف في مايو وبعده.

    استفتاء شعبي

    وفي المقابل قال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الوطني المهندس يوسف محمد زين هذا اليوم (استفتاء)وأن الحرية التي نضال ومات من اجلها نقد هي (نحن) هذا الحضور النبيل يمثل شرفاء السودان ولا ينبغي له أن ينكسر.

    المزارعون الذين طالما تصدي للدفاع عنهم الفقيد نقد وحمل همومهم في حياته السياسية والفكرية والتنظيمة كانوا حاضرين أيضا في يوم شكره وفي سرادق عزائه وفي تشييعه وقال عبد السلام محمد صالح للمناضل الجسور الراحل محمد ابراهيم نقد اسهامات في العمل وسط المزارعين وطاف على 90% من قرى الجزيرة، وجددصالح مطالبتهم بالغاء قانون سنة 2005

    وفي ذات الاتجاه ذهب القيادي بحزب البعث السوداني، يحيى الحسين قائلا ان الفقيد ليس فقدا للحزب الشيوعي وانما فقد للشعب السوداني ككل، واضاف انه من الرعيل الاول تعامل مع السياسة بجدية وكموقف فكري، وانه يربط العمل بالفكر والفكر بالعمل. واضاف ان ميزاته الشخصية ساعدته في قيادة الشيوعي ، وزاد انه التقاه في السنوات المنصرمة كثيرا والتمس منه حسا انسانيا كبيرا وقدرة هائلة على الدعابة والسخرية.

    داعية انساني

    وفي نهاية التأبين الذي اختتم قبل مغيب الشمس تحدث الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي قائلا في النظام العالمي والوطني ضحايا للاستكبار وعلى الناس أن يعملوا لتحرير أنفسهم من الاستكبار أولا ثم التحرر والحرية، وقد كنت ونقد في شمال السودان جمعتنا المدرسة السودانية التي قدر لها البريطانيون أن تكون بعيدة عن المدن ويعلمون الطلاب بلسانهم الإنجليزي وتقليدهم حتى في الملبس لإخراج جيل جديد واندثار الأجيال القديمة وقدر الله أن أكون ونقد ممن رفض ذلك التطبيع وقد جمعنا هذا الإطار رفضا لإطار الإنجليز الضيق وذهب إلى الشرق من أجل تأسيس إطار جيد يحفظ التوازن في العالم. والتقينا في الجامعة في السنة الأولى ولكنه تعرض لما تعرض له وخرج من جامعة الخرطوم واتجه شرقا وبالرغم من أنني تعلمت غربا فكان بعدنا من أول يوم ليس بالبعد التقليدي. . وجمعتنا مرة أخرى الجمعية التأسيسية لكن فرقتنا مرة أخرى حكومة مايو التي جمعتنا مرة اخري في غرفة واحدة بالسجن كنا نتحاور حوارا عميقا نبدي من خلاله تطورا، الفكر اليساري نفسه بدأ يتطور وتتجلى فيه هذه التطورات وكذلك الفكر الإسلامي الذي ينتسب فيه للسلف المتخلف بدأ كذلك يتطور.
    كلمة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في تأبين فقيد الوطن والشعب والحزب
    Wednesday, March 28th, 2012
    ( ألقاها الزميل يوسف حسين الناطق الرسمي )

    *بداية أقول لك يا رفيقنا العزيز:-

    قد كنت أوثر إن تقول رثائي

    يا منصف الموتي من الأحياء

    لكن قضيت وكل طول سلامة

    قدر وكل منية بقضاء

    *رغم الفقد الجلل، والمصيبة العظيمة، نقول اللهم ألهمنا الصبر. اللهم اجعلنا في زمرة الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.

    *وإذا كان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، الذي كان الفقيد معجباً بأشعاره ،يقول في إحدى قصائده:-

    إذا الشمس غرقت في بحر الغمام

    ومدت على الدنيا موجة ظلام

    وضاع البصر في العيون والبصائر

    وراح الطريق في الخطوط والدوائر

    يا ساير يا داير

    يا أبو المفهوميه، ما عندكش مخرج غير عيون الكلام

    ويقول أيضاً على سبيل توضيح ما يعنيه بعيون الكلام:-

    العمر ماشي وكل ماشي وله مداه

    وكل شئ له بدايته ومنتهاه

    الشعب هو الباقي حيْ

    هو اللكان هو اللجيْ

    طوفان شديد، لكن رشيد، يقدر يعيد صنع الحياة

    والشعب لما يقول يا أصحاب العقول

    لازم نقيف ونحترم صوت الإله

    حقاً لازم نقيف ونحترم صوت الإله، فإرادة الشعب من إرادة الله.

    فما الذي قاله الشعب السوداني ويتطلب استجلاء “مفهوميته” رغم الظلام وطشاش العيون.

    ماهي دلالة الحضور الكثيف، وغير المسبوق بالملايين في سرادق العزاء؟ وفي استقبال الجثمان في المطار؟ وفي تشييع الجثمان لمثواه الأخير بمقابر فاروق بالخرطوم؟

    ما هي الدلالة لهذه المشاركة الواسعة؟

    إن هذا تعبير مكثف لا تخطئه العين عن رفض الجماهير القاطع للأوضاع القائمة في البلاد على مدى 22 عاماً من الإرهاب والفساد والاستبداد. إنه رفض للشمولية ودولة الحزب الواحد . إنه رفض للسياسات الحربية. إنه رفض لدعاوي التكفير والهوس الديني الخارج من تحت عباءة النظام. إنه رفض للدستور الإسلامي الذي خبر الشعب مراميه في عهد الطاغية نميري وفي عهد الإنقاذ. إنه مباركة ودعم وتأييد لتحالف المعارضة وأجندته الوطنية. وحقاً كما تواتر وساد الهتاف في موكب التشييع المهيب:- “الثورة خيار الشعب حرية، سلام، وعدالة”.

    ومن ناحية الحزب الشيوعي، فإن ما سجله الشعب من حضور كثيف في تشييع القائد الخالد نقد، وهو الرمز للحزب الشيوعي ولليسار عموماً، يعبر في جوهره عن انعطاف جماهيري نحو اليسار، إنه موسم الهجرة إلى اليسار. لقد طبت حياً وميتاً يا رفيقنا وقائدنا الملهَم والملهِم.

    *إن ما حدث من حضور مليوني لجماهير الشعب ، يدل على تمسك الشعب بروحه الثورية الوثابة التي تمجد قيم النضال والصمود والتضحية ونكران الذات في خدمة قضايا الوطن والمواطنين. وما شغفت جماهير الشعب والتفت حول القائد نقد إلا لتميزه بهذه الروح الثورية التي تعبر عن ما يجيش في وجدانها وتطلعاتها. إن قناعات شعبنا راسخة بالضرورة الموضوعية للحزب الشيوعي في مسار العمل السياسي والاجتماعي في السودان ،وخاصة ما يتعلق منه بنصرة قضايا الكادحين والمهمشين والذود عنها في هذا المسار.

    صحيح إن الحزب الشيوعي تحكمه المؤسسية في تنظيمه. ولكن جماهير الشعب في العادة تربط المؤسسة بربانها وحادي ركبها. القائد بالنسبة للجماهير هو الرمز والعنوان. الجماهير تقول الحزب الشيوعي وتعني محمد إبراهيم نقد، وتقول محمد إبراهيم نقد ونعني الحزب الشيوعي.

    والواقع إن هذه ليست المرة الأولي التي تمنح فيها روح الشعب الوثابة المصادمة، شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية وكل الأوراق الثبوتيه النضالية للحزب الشيوعي. فمنذ ما قبل الاستقلال ألقى الحزب الشيوعي بثقله في معارك تكوين الحركة النقابية للعمال والمزارعين، ووقف إلى جانب مزارعي جودة في معركتهم ضد أصحاب المشاريع الزراعية الخاصة ودولتهم. وبأثر ذلك تواترت الأشعار والهتافات التي تعبر عن المضمون الطبقي لرسالة الحزب الشيوعي، على شاكلة:-

    يا عمال هللّوا ، ويا زراع كبروا ، في جودة تاني ما في خطر ، الحزب الشيوعي ظهر.

    وطل الحزب الشيوعي مثابراً على الدوام في الدفاع عن حقوق الكاحين والأهالي الغبش والمهمشين في كل أنحاء الوطن.

    *نم هادئاً يا رفيقنا العزيز وقائدنا محمد إبراهيم نقد فان المبادئ السامية التي بشرت بها ، وإن الراية التي رفعت لواءها ستظل عالية خفاقة ترفرف في سماوات السودان ترشد الأجيال جيلاً بعد جيل، وتلهم شباب وشابات السودان إلى طريق النضال السوي من أجل رفعة وتقدم وإزدهار السودان.

    *إن شعب السودان قد اقتنع ، استناداً إلى تجاربه الخاصة عبر السنوات، بجدوى وفائدة ما ظللت تبشر به يا رفيقنا العزيز مع رفاقك في الحزب الشيوعي، وبخاصة:-

    *الديمقراطية مفتاح الحل

    *دولة المواطنة المدنية والدستور الديمقراطي وهو العقد الاجتماعي الذي يجب إن يتوافق عليه كل أهل السودان.

    *الإقرار بواقع التعدد والتنوع القائم في السودان عرقياً ودينياً وثقافياً

    *الأقلية والأغلبية معيار سياسي لا ينسحب على قضايا العقيدة والفكر والتوجه الحضاري.

    *الاستفادة من المقاصد الكلية للأديان في دعوتها للحق والعدل والحرية.

    *التمسك بوحدة قوي المعارضة وجبهاتها النضالية الواسعة، وفق ما يتطلبه واقع التعدد. وقد ظل هذا هو السر الدفين وراء استجلاب النصر لأهداف وقضايا شعب السودان منذ خراب سوبا وقيام السلطنة الزرقاء بعد تحالف الفونج والعبدلاب. وكذلك انتصار الثورة المهدية التي حافظ قائدها الإمام العظيم محمد أحمد المهدي على استقلالية كل راياتها في إطار تحالف جبهوي عريض يوَحد القبائل والطرق الصوفية وقدماء المحاربين في الجيوش شبة النظامية.

    كما ظل التحالف الجبهوي الواسع طريق شعب السودان وقواه السياسية في معارك الاستقلال وثورة أكتوبر والانتفاضة ومقاومة شمولية الإنقاذ.

    *كان فقيدنا يؤكد دائماً أن حزبنا يهتدي بالمنهج الجدلي الماركسي، وأنه حزب يرفض الجمود والانغلاق، وأنه منفتح على مختلف المدارس الفكرية والاتجاهات الأخرى، وأنه يؤصل لطروحاته من واقع السودان وتراثه، وأنه حزب سياسي بين أحزاب السودان يقوم على أساس برنامج سياسي للتغيير الاجتماعي والنهضة الوطنية الديمقراطية، وأنه يناضل ضد الإرهاب كفكر وكممارسة ويلتزم بالتداول الديمقراطي للسلطة.

    *وعلى المستوى الشخصي يا رفيقنا وقائدنا، سجَّل لك شعب السودان ثباتك على المبدأ رغم البطش والملاحقة على أيدي أعداء الشعب والأنظمة الشمولية.

    وقد شمل هذا الفصل من الدراسة الجامعية، وإسقاط عضويتك كنائب في البرلمان مع رفاقك الآخرين، ولجوءك الاضطراري بقرار من الحزب للاختفاء طويل الأمد لمواصلة المسيرة.

    *وكان تواتر الاضطهاد والعسف على الشيوعيين قد دفع الصحفي الاتحادي المرموق، علي حامد، للمطالبة بوضع حد لملاحقة الشيوعيين، فهم أهل فكر ورأي ولهم تأثيرهم الواضح بين الجماهير. وأكد علي حامد أن طريق الملاحقة لن يجدي فتيلاً معهم. فهم لو كانوا جبلاً لكان قد أنهد بعد قوانين النشاط الهدام والجمعيات المحظورة ومؤامرة حل الحزب الشيوعي والمحاكم العسكرية والسجون والمعتقلات. ماذا تريدون منهم بعد كل هذا. ولعل لسان حال الصحفي علي حامد كان يكرر ما قاله من قبل خليل فرح الذي غنى لعِزة السودان وعَزة السودان:

    أكلوا حقوقنا، وزردوا حلوقنا، ديل عايزين دمانا تسيل!

    *لقد واصل فقيد البلاد على مدى 60 عاماً مسيرته النضالية ولم يحد أبداً عن الالتزام جانب الشعب والكادحين بصفة خاصة. كان عطاؤه ممتداً على كافة المستويات : فكرياً وسياسياً وتنظيمياً. ومن بين أعماله البارزة:-

    - الديمقراطية وإنقاذ الوطن

    - الدولة المدنية

    - علاقات الرق في السودان

    - علاقات الأرض في السودان

    *وإذا كان من يواصل النضال بتجرد ونكران ذات، لعدة سنوات يوصف بالصامد والمثابر والثابت على المبدأ، فما بالك بمن يناضل على مدى 60 عاماً وفي كل الجبهات والميادين حتى آخر أيام حياته دون أن تلين له قناة.

    إن هذه هي العبقرية في أسمى معانيها وتجلياتها.

    وإذا كان الشاعر أحمد محمد صالح قد قال في إحدى قصائده:-

    العبقرية لن تحلق في السماء بغير عِمد

    العبقرية لن تنال المجد عفواً دون قصد

    فما أكثر العِمد والمقاصد في السيرة الذاتية لخالد الذكر محمد إبراهيم نقد. لقد كان الفقيد بحق تجسيداً لروح الشعب السوداني العبقرية التي تحف بها الحكمة وسداد الرأي والتسامح وقبول الآخر المختلف من كل جانب. وهذا هو السر وراء ارتباط الفقيد بوشائج قوية وعرى وثقى مع مختلف ألوان الطيف السياسي السوداني. لقد كانت خطوط اتصالاته مفتوحة دائماً. وظل تواصله الإنساني مع الجميع في كل الظروف حتى عندما يكون مختفياً. وقد كان كل هذا كسباً ورصيداً للحزب الشيوعي يفخر ويعتز به.

    *ومن أبرز جوانب عطاء فقيد الوطن والشعب والحزب، إعادة تجميع وتنظيم صفوف الحزب بعد ردة يوليو 1971 الدموية. وقد ساهم الحزب الشيوعي استناداً إلى ذلك في مسار التراكم النضالي الذي أفضى لانتفاضة مارس/ أبريل 1985 ونهاية حكم الفرد واستعادة الديمقراطية.

    *وأسهم الفقيد مع رفاقه في أن يظل الحزب الشيوعي موحداً ومواظباً على نهجه الثوري، بما رفع من درجة إسهامه في خدمة قضايا الوطن والشعب والكادحين.

    كما أسهم الفقيد في التحضير لمؤتمرات الحزب بما في ذلك المؤتمر الخامس قبل ثلاثة أعوام.

    *يا أرض الوطن، يا أمه العزيزة، بالروح العزيزة، ختالك ركيزة، دايماً باقية ليك:-

    الحزب الشيوعي.

    نعلن الآن أمامكم ، وبالصوت العالي الجهير، أن الحزب الشيوعي سيظل باقياً وموحداً ومترسماً خطى ذات النهج الثوري لسكرتيره الراحل محمدإبراهيم نقد وهذه هي الرسالة التي كرس لها الزعيم نقد كل حياته.

    لقد قالها الفقيد مراراً وتكراراً في وجه الطغاة ، كل الطغاة:-

    نحن لا نعرف درباً غير هذا في الحياة، ومضي مثلما يمضي شيوعي لتنفيذ مهمة

    إنها دوماً مهمة

    ربما كانت لتوزيع بيان أو جريدة

    ربما كانت قصيدة

    إنها دوماً مهمة

    ربما كانت صموداً في الخنادق

    ربما كانت صعوداً للمشانق

    إنها دوماً مهمة.

    *نم هادئاً يا رفيقنا العزيز، فأمثالك لا يموتون.

    فهم البذرة والزهرة في أرض الفداء

    وهم الساحل والبحر وشعر الشعراء

    كلما أظلم ليل فجر السودان في محنته نهر ضياء

    كلما طل دمٌ أينع بستان وثار الفقراء

    وطن حر وشعب صامد في كبرياء

    لم يلن في قبضة الجلاد

    أو أيدي الوحوش الجبناء

    علم الفاشست في تاريخه

    كيف يموتون ويمضون هباء

    العصابات التي تطفو على السطح فقاعات هواء ستولى مثلما جاءت ويبقى الكادحون الأمناء يبذرون الأرض بالورد ويبنون منارات هناء

    *ليت من يبكي عيه ويواسي الثائرين

    مد للحزب يديه لنبيد الغاصبين

    فقد سقطت الرايات الزائفة للشمولية والاستبداد والفساد والتوجه الحضاري الأحادي. وبقيت عالية ترفرف راية الشعب، راية تحالف المعارضة، وراية الحزب الشيوعي بألوانها الطبقية المميزة.

    والثورة خيار الشعب

    حرية سلام وعدالة


    الميدان

                  

03-30-2012, 07:16 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    12
    لروح فقيد الشعب السوداني الأستاذ/ محمد إبراهيم نقد:



    مرفوع الهامة يمشي

    منتصب القامة يمشي

    صاعداً إلى عليائه نجماً تلألأ بين جنبات الثرى

    ضمه عشقاً تراب بلادي

    خالداً فينا

    نيلاً ونخيلاً وجبالاً

    وصموداً وجسارة

    متمدداً بطول وعرض بلادي

    من الشمال إلى الجنوب

    من الشرق إلى الغرب

    يا راحلاً نحو الغياب

    يا أيها البطل النبيل

    رافعاً رايته وعياً وشموخاً ونقاء

    موقداً شمعته في ظلام القهر

    نبراساً وحقيقة

    للكادحين ملح الأرض عاش

    من أجل الحرية عاش

    من أجل الحرية شهيد

    وهتاف الطليعة ليشق السماء:

    ما هنت يا سوداننا

    يوماً علينا

    بالذي أصبح شمس في يدينا

    تعدو به الريح فتختال الهويني يا بلادي

    من كل قلب يا بلادي

    صرخة فاجعة للوداع

    يا أبانا

    يا أخانا

    يا معلماً وقائداً

    إنسان أنت بحق

    فكراً ونضال

    زهداً وتواضع


    يا أيها الناسك في محراب هذا الوطن الجليل

    يا واضعاً بصمتك في تاريخنا الثوري

    وأنت تهتف نحن أبناؤك في الفرح الجميل

    نحن أبناؤك في الحزن النبيل

    ليغني لك شعبي مثل

    تهراقا والمهدي والمك نمر

    وعلي عبد اللطيف وعبد الخالق محجوب ومحمود محمد طه

    لشموس أضاءت طريقنا

    وأعلت هتافنا وشعارنا

    عاش نضال الشعب السوداني.


    عمر سيد أحمد عبد الرحيم

    الخرطوم في 24/12/
                  

03-30-2012, 08:18 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    في بانوراما الرحيل!!
    Wednesday, March 28th, 2012
    شباب التغيير، ياهو ديل !!


    حسن وراق


    § في تشييع الرفيق المناضل نقد مرت بخاطري الذكري الاولي لتأبين الراحل مصطفي سيداحمد التي كانت في الحصاحيصا . جموع وحشود ضخمة من الشباب احتلوا المدينة اتوا من كل فج عميق والانقاذ في قمة جبروتها ، اندهش رئيس الحركة الاسلامية واحد اركان النظام الشيخ السماني حسين الذي سألني ( من أين اتي هؤلاء ؟) فقلت له ( وهل اجبتم علي ذات السئوال عندما ساله الطيب صالح ؟) تردد ذات السؤال يوم موكب التشييع من قبل الذين ظنوا انهم (إنتهوا ) من الشباب لعقدين ويزيد ( غسلوا ادمغتهم ) وتمكنوا منهم بالمخدرات والانحراف والهيافة وشغلوهم بالفارغة والمقدودة ليرتعبوا يوم التشييع من شباب الثورة القادمة وطولوا بالكم انتو شفتوا حاجة !!

    مشاعر ماشعرش بالتشييع!!

    § لم تجد صحفية ( الاهرام ) ما تقوله عن موكب التشييع سوي انتقاد لجنتة المنظمة فقط لان الجماهير كانت تهتف و تردد شعاراتها ، ارادت تلك الصحفية ان (توهم) القارئ وكأن اللجنة الحزبية المنظمة عمدت علي استغلال المناسبة والصحفية المحترمة لم تطلع علي البيان الصحفي الذي عمم قبل يوم من الموكب حول خط سيره والتشديد علي ضرورة أن يكون صامتا بالاضافة الي طوافها وتهدئة الجماهير ومطالبتها لهم بالصمت ولكن تلك الجموع البشرية ( المنفعلة) التي شاهدناه لا يمكن اعتراضها أو منعها او توجيهها ولن ينج من يعترض مجري السيل . تحية خاصة الي شرطة السودان في العاصمة بكل وحداتها وهي تقوم بواجبها خير قيام في حراسة موكب التشييع المنضبط ، المنظم والذي لم ترصد فيه اي خروقات ولا تجاوزات او حتي تفلتات أو هفوات .

    إنه يكذب ولا يتجمل !!

    § في الإحتفال الخطابي بسرادق العزاء عقب التشييع ، كان حديث الاستاذ ساطع محمد الحاج كالعادة حماسيا الي درجة انه قال ” نحمد الله أن لقي الاستاذ نقد ربه في لندن حتي لا يجد أهل النظام فيه فرصة (ليتقولوا) عليه ما قاله (وزيرهم )عن وردي ” . اعتاد بعض ( الموتورين ) من ( أتباع) الحكومة ( تصيد ) مناسبات الحزن ليجملوا (قبحهم ) ويروجوا لحديث ( إفك ) و إدعاء باطل ظل يردده (أحدهم ) بأنه يحتفظ بوصية المناضل نقد وكأن الرفيق نقد مقطوع من شجرة لا أهل ولا حزب له ، ليودعه وصيته وفي يوم التشييع ، تبين إفك الكذاب الاشر .

    كلما اوقدوها حربا..رطّبوا !!

    § اخيرا نجح دعاة الحرب أن يضعوا البلاد في حالة مواجهة مع ابناء السودان الواحد بعد أن عملوا علي فصل جنوبه رافضين حتي مجرد ان يقوم رئيس الجمهورية بزيارة لتحسين العلاقات مع الجنوب ، أشاعوا المخاوف ليس حرصا علي الرئيس ولكن ( كل ######ا يهوهو حرصا علي ضنبو). قبل أن نخوض الحرب القادمة يحق لنا أن نسأل، لماذا الحرب؟ وكيف تمول ؟ والبلاد تمر بأزمة مالية واقتصادية وغلاء طاحن . دعاة الحرب ادمنوا الحديث من قصورهم المنيفة وابراجهم العالية ومكاتبهم المريحة يوقدون نار الحروب ولايخوضونها ولا يدفعون حتي بأبنائهم في (مؤخرة) صفوفها ، أصبحوا جميعا اثرياء حروب بعد أن ادمنوا الرقص في( أعراس) الشهداء .

    من أجل حواشات رئاسية !!

    § تساءل السيد رئيس الجمهورية عند افتتاحه طلمبات بيارة سوبا قائلا ( أين الازمة ) مطالبا بتقديم دليل واحد علي انهيار الاقتصاد بعد أن أكد أن مزرعته ( 8 فدان ) عائدها اضعاف ما يتقاضاه من الحكومة فاذا علمنا بأن راتب الرئيس غير المخصصات والامتيازات حوالي 8 الف جنيه فلنفترض ان الضعف هو 15 الف في الشهر باعتبار ان مزرعته لاتعطش لحظة ويقوم عليها مشرفين مختصين علي مدار اليوم ولا تعرف التقاوي المضروبة او الاسمدة الكيمائية النافذة ولا تتعرض للجبايات الرسمية ضرائب وزكاة ونفايات وشيكان او الجانبية من مرحمة وميمنة ودمغة جريح ونقابة معلمين ودعم طلاب ومنتجاتها عضوية للصادر فقط والعاملين (عليها ) لا يتجرأ احد ان يطالب الرئيس بسلفية أو راتب فإذا عممت تجربة حواشة الرئيس علي بقية حواشات الجزيرة وقتها سوف يكون العائد أضعاف مضاعفة و لن توجد ازمة علي الإطلاق .

    ديل أنحنا القالوا متنا !!



    § احدهم جاء أول مرة الي العاصمة في اجازة مع اسرته بعد رحيل وردي وحميد وأخيرا الاستاذ نقد سأل أحد العابرين عن أحسن مكان في العاصمة يذهب اليه ؟ أجابه علي الفور بدون تردد “ يا أبوووي البلد الآن ما فيها أحسن من المقابر ” . هذه رسالة لا تحمل نظرة سوداوية تشاؤمية محبطة كما يتبادر الي الذهن بقدر ما فيها من تحريض علي الحياة بتحدي الموت و الانسان لن يعيش ابد الدهر وأن ابن آدم مهما طالت سلامته يوما علي آلة حدباء محمول .في يوم تشييع الرفيق نقد مر بخاطري طابور من شهداء الحزب يتقدمهم الرفيق عبدالخالق محجوب وهم يستقبلون بالهتاف والاعلام الحمراء أيضا قدوم الفارس محمد ابراهيم نقد الذي أدي دوره ببسالة وأكمل الرسالة وختمها بالنصر ليسلم الامانة الي (قيادتنا الجماعية ) التي ستواصل المسيرة من أجل سودان أعزّ مكان .
                  

04-01-2012, 09:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)



    محمد إبراهيم نُقِدْ
    03-31-2012 12:49 PM

    محمد إبراهيم نُقِدْ

    د.حسن مدن

    أتى محمد إبراهيم نقد لقيادة اليسار السوداني بعد أن صعد رفيقه عبدالخالق محجوب إلى المشنقة التي نصبها الديكتاتور الراحل جعفر النميري. عبقري الرواية السودانية والعربية الطيب صالح وصف محجوب بأنه من أذكى السودانيين. مازالت في ذهني صورته في الجريدة وهو خارج من قاعة المحكمة التي حكم قاضيها عليه بالإعدام شنقاً، وحوله تحلق الصحافيون. كان في قميصٍ أنيق، رمادي اللون، وعلى محياه ابتسامة ساحرة وهو يحادث رحال الصحافة، لم يبدو أبداً كرجل ذاهب إلى الموت، إنما إلى الخلود! يومها كتب الزعيم الوطني اللبناني كمال جنبلاط مقالة على صدر»النهار» البيروتية استفظع فيها جُرم نميري، متسائلا كيف جرؤ أن ينصب المشنقة لعبدالخالق محجوب ورفاقه، وفي مقدمتهم الشفيع الشيخ، كان محجوب يبذر أفكار التقدم والعدالة في أراضي السودان،

    وكان الشفيع الشيخ، الآتي من صفوف عمال السكك الحديدية، يُدرب العمال على تشكيل النقابات والدفاع عن حقوقهم. رحل نُقد بعد حياة امتدت اثنين وثمانين عاماً، لم يبارح فيها القيم التي آمن بها وكرس عمره من أجلها، كما لم يبارح خلالها السودان إلا نادراً، فإضافة إلى سنوات سجنه المتفرقة، أمضى سنوات طوال متخفياً عن الأعين، يقود العمل الحزبي من مخابئه المتعددة، عدا سنوات معدودات من الانفراجات السياسية في تاريخ السودان الحديث أدى فيها مهامه بصورة علنية. دَرس الفلسفة، ولكنه لم يحقق حُلمه بأن يُدَّرسها لطلبة جامعة الخرطوم، حيث تفرغ للعمل الحزبي وتحمل مشقاته. اتسم بالكثير من سمات سلفه عبدالخالق محجوب: سعة الأفق، والانفتاح على الآخرين، والمعرفة عميقة بتاريخ ونفسية ومزاج السودانيين، ومثل محجوب عمل على توطين الماركسية في البيئة السودانية، وفي تجديدها. استطاع الجمع بين مَلكاته كمُنظم وقائد حزبي وبين قدراته كباحث، حيث أصدر العديد من المؤلفات منها: «قضايا الديمقراطية في السودان»، «حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» وهو كتاب سجالي مع المؤلف الشهير للراحل حسين مروة الذي يحمل العنوان نفسه، كما صدرت له مؤلفات: «مبادئ موجهة لتجديد البرنامج»،

    «علاقات الأرض في السودان: هوامش علي وثائق تمليك الأرض»، «علاقات الرق في المجتمع السوداني»، «متغيرات العصر». وهي كلها عناوين تدل على ما أولاه من عناية قصوى بمعرفة تاريخ وراهن السودان، لا من أجل المعرفة المجردة وحدها، وإنما بما يساعد على توظيف هذه المعرفة في انجاز مشروع التغيير الذي آمن به، كأنه بذلك ينطلق من الفكرة الشهيرة لكارل ماركس ضمن أطروحاته حول فيورباخ: «كانت مهمة الفلاسفة حتى الآن تفسير العالم. ولكن المطلوب الآن تغييره». التغيير الذي حلم به نقد، وقبله عبدالخالق محجوب مازالت دونه برازخ يجب عبورها، خاصة بعد أن اختطف السودان من الديكتاتوريات على تلاوينها المختلفة، التي أودت بالبلد إلى ما بتنا شهوداً عليه: التقسيم والتراجع عن منجزات الاستقلال، وعن روح التسامح والحوار التي طبعت أهل السودان. لكن ميراث محجوب ونُقد يظل مضيئاً في وجدان السودانيين وضمائرهم، وتلك ليست شهادة مريدي هذا الميراث وصُناعه، وإنما أيضاً حتى أولئك الذين اختلفوا مع الرجل.

    الايام البجرينية


    3 | 0 |

    ----------------
    محمد إبراهيم نــقد زعـيماً تاريخــياً ومــفكـراً
    03-31-2012 12:47 PM

    محمد إبراهيم نــقد زعـيماً تاريخــياً ومــفكـراً

    فهد المضحكي


    لم يكن محمد ابراهيم نقد، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني الذي رحل عن عمر ناهز 82 عاماً مناضلاً عادياً بل كان زعيماً تاريخياً ومفكراً من مؤلفاته «قضايا الديمقراطية في السودان» و»حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية» و»علاقات الارض في السودان: هوامش على وثقائق تملك الارض» و»علاقات الرق في المجتمع السوداني» و»حوار حول الدولة المدنية». نقد، الذي كان ملتزماً فكراً وممارسة بحزبه الشيوعي الذي ارتبط به عام 1949 قضى قرابة الثلاثين عاماً من عمره في المخابئ ابان الحقب الدكتاتورية المتعاقبة على السودان. كانت حياته سلسلة متصلة بالنضال الوطني والقومي والاممي، وفي عام 1971 أعدم الطاغية الديكتاتور جعفر النميري الضابط الوطني هاشم العطا وقادة الحزب وعلى رأسهم المناضل السكرتير العام للحزب الزعيم عبدالخالق محجوب والقائد النقابي الشفيع احمد الشيخ،

    ومنذ ذلك الحين تولى نقد سكرتارية الحزب وطوال 14 عاماً اضطر فيها الى العمل متخفياً ادار شؤون الحزب في احلك الظروف السياسية. واذا ما معنا النظر في اهم اعماله النظرية والفكرية فإن «حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية» يأتي في مقدمتها. في عام 1992 كتب المفكر محمود امين العالم عن هذا الإصدار وفي مقدمته اشار كانت مفاجأة مدهشة سارّة، ان أتبيّن بهذا الكتاب، جانباً جديداً بالغ الغنى والخصوبة للمناضل الكبير «محمد ابراهيم نقد» كنت اعرفه محلّلاً عميقاً عارفاً بأسرار مختلف حقائق الواقع السوداني والعربي في انحائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكنت أتابعه بإعجاب شديد في سجون السودان المختلفة، او متخفياً من حكومات البطش والاستبداد مواصلاً اينما كان وكيفما كان قيادته للحزب الشيوعي السوداني، باعتباره اميناً عاماً له فضلاً عن مبادراته المتعددة الرصينة لتوحيد وتنشيط مختلف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الحيّة في السودان، من اجل سودان ديمقراطي متحرر متقدم.

    ولعلي التقيت به لقاءً سريعاً في زيادة خاطفة للسودان منذ سنوات استشعرت فيها بشخصيته الدمثة وتألقه الذهني على اني – اعترف – لم أكن اتوقع ان يكون وراء هذا كله هذا المفكر الكبير الذي يستوعب استيعاباً نقدياً عميقاً القضايا الاساسية للفلسفة الغربية والفلسفة العربية الاسلامية على السواء، ويرى «العالم» ان الجانب الفكري لنقد يتثمل في هذا الكتاب الذي يحاور فيه باقتدار فكر الشهيد «حسين مروه» حول بعض ما جاء في كتابه الموسوعي «النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية»، وباختصار كتاب نقد يصدر في جوهرة عن تقدير عميق للجهد الابداعي الكبير لكتاب حسين مروه ولما حققه من إضاءة موضوعية لتاريخ الفلسفة العربية الاسلامية منذ نشأتها الاولى، وعبر تجلياتها المختلفة مستنداً في هذا الى المنهج الجدلي ولما اتاحته هذه الاضاءة التاريخية من اضافة فلسفية الى هذا التاريخ نفسه.

    ومن هنا، فالمفكر نقد ينعش معرفتنا بهذا الصنيع الفكري الكبير الذي خلفه لنا حسين مروه بتناوله النقدي لبعض جوانبه بما لا يقلل من تقديره لهذا الصنيع. ومن ابرز مظاهر هذا النقد – وفق منظور العالم – يتعلق بالجانب المنهجي اي يقدم بوعي عميق ورحابة افق حقيقة المنهج الجدلي في مواجهة العديد من التشويهات التي تعرض ويتعرض لها عند بعض الكتاب والباحثين!! ونقد في هذا الكتاب ينأى بالفكر الفلسفي عن ان يقتصر على صيغة اصطلاحية محددة، كما يرفض ان يتم حصر تاريخه واحتباسه في تحقيب معيّن مفروض عليه من خارجه، ولهذا هو يتبين ان القول بمرحلة «ما قبل النظر الفلسفي التي يقصد بها كتاب حسين مروه المرحلة الجاهلية الاولى، وجزءاً من المرحلة الجاهلية الثانية من تاريخنا العربي يُغفل عما كان هناك من نظر فلسفي في تلك المراحل الاولى كذلك وهو نظر فلسفي له خصوصيته التي لا ينبغي هدرها باسم تعريفات توفيقية تجعل من العقل اليوناني –

    الروماني المصدر الوحيد الاول للفكر الفلسفي الانساني أو تقصر دلالات الفلسفة على مفاهيم وتصورات ومناهج محددة، فهناك في تلك المرحلة التي تسمى ما قبل النظر الفلسفي ممارسات ذهنية سابقة متبلورة في رؤى ومفاهيم وصراعات فكرية لا سبيل الى انكارها او تجاهلها وهنا – كما يؤكد العالم – يسعى «محمد ابراهيم نقد» الى تخليص دراسة العقل العربي من ذلك التحقيب التاريخي الذي يجرّد العقل قدرته على النظر الفلسفي في التاريخ القديم. وعلى هذا الاساسي لا بد التمييز بين ما هو ايديولوجي وما هو علمي. ويتابع العالم هذا الكتاب – على صغره – يفتح صفحة جديدة من الحوار النقدي الخصب في فكرنا العربي الاسلامي المعاصر. وأتمنى ان يكون هذا الكتاب بداية لإضافات فلسفية اخرى تكون استكمالاً للمشروع العظيم الذي انجز جانباً كبيراً منه الشهيد حسين مروه،

    وفي مقابل ذلك يقول نقد: ان فات هذه الصفحات ان تكون مادة حوار مع مروة فلتكن مشروع صفعة على العقلية المريضة الآثمة التي استهدفت دماغه فأرسلت من اطلق عليه الرصاص واغتاله لأنها ادركت – في ظلاميتها – خطورة ومضاد سلاح الفلسفة العربية الاسلامية في معركة العقل والعقلانية في حاضر ومستقبل المجتمعات العربية والاسلامية. خلال العام الحالي فقد الحزب الشيوعي السوداني ثلاثة من اعضائه (الفنان محمد وردي، الشاعر محمد سالم حميد ثم أخيراً المفكر محمد ابراهيم نقد)، وهو خسارة كبيرة للشعب السوداني والقوى الديمقراطية والفكر التحرري التقدمي. وفي وداع المناضل والمفكر نقد هتفت شبيبة الحزب: إننا على الدرب سائرون، وأن كفاح الطبقة العاملة سيعيش الى الأبد


    اليام البحرينية



    1 | 0 |

    ---------------------


    نقد: (سلام وطيد.. وطن مجيد)
    03-31-2012 12:54 PM

    نقد: (سلام وطيد.. وطن مجيد)

    عبدالله آدم خاطر:

    تحت رايات الصوفية وطبولها، وبسَمْتْ طائفتي الختمية والأنصار وأعلامهما، ورفرفة علمي السودان الطارف والتالد، وبشعارات القوى الاجتماعية لتيار اليسار ويافطاته سار الراحل محمد ابراهيم نقد محمولاً على الأعناق في موكب مهيب، بطرقات حي الخرطوم (2)، حي شركاء الاستقلال من المهنيين الذين اشتغلوا بقضايا الرأي العام، من أمثال ابراهيم أحمد، محمد أحمد محجوب، أحمد خير، نصر الحاج علي، إبراهيم المفتي، وغيرهم. طاف الموكب كل الطرقات المؤدية الى ترب فاروق المقابل الجغرافي لحي العمارات غرباً، أما المقابر فقد جمعت الرجال والنساء من كل الأطراف وكل التنوع السوداني سياسياً ومدنياً، وبعضهم كان يشنج بالبكاء، خاصة قدامى (الرفاق) الذين رأوا في حياة نقد بينهم طعماً خاصاً، وأسلوب حياة جديرة بالاهتمام والتطوير.
    كان حملة النعش ومن كانوا بالمقابر ومن أراحوا الجثمان في آخر مراقد الدنيا، كانوا يجهرون بالصلوات والدعاء والنحيب والخطاب المؤيد لحسن خاتمة الراحل سياسياً واجتماعياً، وكانوا حقاً بمظهر المدنية وسلوك الاستنارة وقبول الفراق كأمر حتم، فيما كانت الهتافات في غيرما صخب أو مماحقة تؤكد أن ثمة ضرورة لدورة جديدة من الحياة السياسية في البلاد. كانت الرؤى واضحة والكلمات معبرة، والسمت العام حضاري، مما سهل الأمر على قوات الأمن والشرطة مراقبة الأوضاع في غيرما حماس لاختلاق مواقف معادية، هذا فضلاً عن أن ليس هناك من تطوع أمامها باستفزاز.
    (2)
    كنت شاهداً قريباً من مشهد إيداع الجثمان مرقده. كانت الأصوات تعلو بالدعاء وطبول الصوفية وهي تبارك رحيل نقد الإنسان المطمئن، وتحولت المناسبة من المشاركة في وداع زعيم سياسي مرموق وإنسان رفيع المواهب، الى حالة من الرغبة في تفسير المناخ الروحي الذي ساد المكان: أهي رضا الوالدين.. أم صدق النوايا في خدمة الوطن دون مقابل شخصي؟. أم هي جميعاً بتفاصيل وروايات مختلفة؟.
    من بين تلك الروايات قصة حكاها لي قبل أعوام أحد مواطنيه من مدينة القطينة، كان حاضراً وشاهداً على ما جرى. كانوا خروجا من مسجد المدينة وبينهم نقد، عندما برز أحد المواطنين ووجه حديثه الى نقد ذاكراً أن له ابناً قد حصل على الشهادة السودانية ويود أن يكون ضمن قائمة المبعوثين الى الاتحاد السوفيتي للدراسة، وأضاف (منها يمكن يبقى ليكم كادر). رد نقد (حكاية الكادر دي خليها.. بس الولد خليهو يتعلم عشان ينفعك بعدين بالمصاريف). مثل هذه الحكايات يلتقي فيها معه الراحل الشريف حسين وربما غيرهما من قادتنا السياسيين، على أن بعضهم يملك قدرة العطف على الأفراد ولكنه عطف قد لا يخلو من جنحة الاستغلال السياسي.
    أثناء انتظار وصول الجثمان للمقابر، كنا نتحدث ثلة من الناس حول مزايا الراحل ومساهماته وفيض شعوره بالتواضع الإنساني، دونما تخلي عن دهاء السياسي فيه، حتى عندما وصل الجثمان محطته الأخيرة، وأخذت الألسن تعلو بالدعوات المرققة للعواطف والمدرة للدموع، تسارع اليقين إلى وجداني بأن رضا والديه وخاصة أمه ربما كانت أولى مداخله لقبول الحقيقة والتواضع لها وحب الآخرين والقبول بهم. بدا لي أيضاً أن عاطفة الحب الأسري الذي عاشه الراحل ربما كانت أيضاً احد مفاتيح صبره على النضال غير المتكافئ في ميادين خصومة واضحة المعالم، وهكذا كلما التقى سعاد شقيقته والمحاضرة بجامعة الأحفاد للبنات أسألها عنه، فلا تملك الحديث عنه الا كملك خاص تعيش خصوصية علاقتها به، ولعل تلك الخصوصية في العلاقة معه هي التي جعلت المشيعين كل على حده يعتقد صادقاً أنه فقد شخصاً قريباً منه، وربما صديقاً له وان اختلفت دروب الوصول الى حقائق الحياة الماثلة.
    (3)
    عاش نقد في جيل يستحق التقدير، ويستحق الدراسة والاهتمام أيضاً، وتجربة جيله هي التي أعطت استقلال البلاد الزخم والنضارة، وهي تجربة أبرزت تطلعات الشعب السوداني في الاستقلال والكرامة، بيد ان مأساة جيله برغم قدراته كانت مناهجه في العمل العام، فقد كانت دائما مختلف على جدواها. إن مدارس حنتوب ووادي سيدنا وخورطقت هي التي عُجمت فيها أعواد الشباب في جيل نقد، من القادرين على العطاء ليتسلموا رايات القيادة فيما بعد. كان من بين زملائه في حنتوب عبد الله زكريا، حسن الترابي، إبراهيم منعم منصور، أحمد دريج وجعفر نميري، وموسى عوض بلال وغيرهم، لقد كان بوسع ذلك الجيل إذا ما بدأ قيادته للبلاد بمفاتيح الواقع السوداني المتنوع، ربما وصلت البلاد إلى غير ما هي عليه الآن، من عنت متعدد الأوجه، ولكن الإنسان ابن بيئته. عاش هؤلاء جميعاً في بيئة ما بعد الحرب العالمية عندما تقاسم الحلفاء المنتصرون سلطة إدارة العالم في مؤتمر يالطا في البحر الأبيض المتوسط، حيث أصبح العالم مقسوماً إلى معسكرين ما بين الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي والرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وانحاز معظم جيل نقد الى الشيوعية باعتبار أن بلادنا كانت ترزح تحت نير الاستعمار البغيض يومئذ.
    بجيل نقد احتدم الصراع في السياسة السودانية على قاعدة المبادئ، ولعل الذي ميز نقد من بين زملائه الشيوعيين وغيرهم من العقائديين، انه ظل على مبادئه الى يوم وفاته دون جمود، وظل يطور ذاته الحزبية من خلال منظومات ومنابر اليسار العريض خاصة في المجالات الاقتصادية الاجتماعية والثقافية. من بين أكبر مساهمات تيار اليسار، ان جاءت منه المبادرة بالقول ان داء السودان العضال في انعدام التنمية في كل أجزائه.
    بتلك الخلفية لم يكن مدهشاً أن تواصلت خطوط التحالفات السياسية للحزب الشيوعي مع قوى الريف أيا كانت قواعد الأخيرة الحزبية أو القبلية أو الطائفية. لعله من عبقرية نقد أن أدرك وأكد ألا تناقض بين الدين والتنمية، فسعى الى فتح آفاق الحوار بين حزبه والأحزاب التي اعتمدت العمل السياسي على قاعدة الدين، خاصة حزب الأمة بواجهاته المختلفة والحركة الاسلامية بشقيها الشعبي والوطني. كذلك ساهم مع آخرين لعل من أبرزهم كامل محجوب في فتح الطريق أمام قوى الريف للتعبير عن ذاتها الثقافية وتطلعاتها الاجتماعية الاقتصادية أياً كانت توجهاتها وممارساتها الدينية، وذلك بالمساندة السياسية للمبادرات، وإن ظلت قوى الريف في مراحل مختلفة في تاريخ تطورها السياسي تعبر عن عدم ترحيبها بمساهمات الشيوعيين خاصة قبل النزاعات المسلحة في كل الريف السوداني، والتي بذل نقد جهداً كبيراً للتحذير من انفجارها عندما كان زعيماً للمعارضة الديمقراطية في الجمعية التأسيسية بعد الانتفاضة.
    كانت تطورات الأحداث واضحة، ولكن الفرق كان كبيراً بينه وبين منافسيه في الحركة الاسلامية، بينما تعلم نقد كثيراً من تجربة إنقلاب 1971م واتخذ لنفسه وحزبه أسلوب التنوير السياسي، اتجه زملاؤه في الحركة الإسلامية الى اعتماد أسلوب التعبئة السياسية التي قادتها الى الانقلاب العسكري، والعزلة تم التراجع، وهكذا لم يكن مدهشاً أن التقت كل الرايات السياسية على قبره، ومنابر تأبينه، واعتمدت وصيته (سلام وطيد.. وطن مجيد) والتي رفعها بعضهم على بطاقات ورقية كبيرة وهم يتجولون بين الناس في المقابر.
    (4)
    وجدت نفسي في مرحلة الاختيار ضمن المنتمين الى تيار الفيدرالية وتضامن قوى الريف بشعار (التنمية من الواقع الثقافي). في بعض مراحل مسيرة التضامن طلبنا الى قادة الحزب الشيوعي الا يشغلوا منابرهم الإعلامية بأخبار التضامن، إذ كان ذلك برأي التضامن أفضل أسلوب للتعاون من أجل المستقبل، لأن البديل لذلك اضطرار التضامن لبذل الجهد والوقت لتأكيد الا علاقة له بالحزب الشيوعي. لقد كان لحكمة قادة الحزب دوراً بارزاً في الاحتفاظ باستقلالية تجربة التضامن وضمان تقديمه مبادرات تصب في خدمة القضية السودانية في جذورها، خاصة في السعي الحثيث لتأهيل عاصمة الوطن لاستيعاب مزايا المواطنة واللامركزية والتنمية المتوازنة والعلاقات الخارجية خادمة للتنمية وحسن الجوار والسلام.. الخ.


    في ذلك السياق وبعد الانتفاضة وشبح المجاعة أخذت تتراجع عن غرب السودان عامة ودارفور خاصة، التقيت نقد مصادفة في الفندق الكبير (سابقاً). سألني في رغبة عما اذا كان مناسباً ان يساهم الحزب الشيوعي في جلب إغاثات إنسانية لدارفور من الاتحاد السوفيتي؟ بعد ان شكرته أخبرته أن دارفور اخذت تتعافى من شبح الجوع، ولكن من أجل ألا يحدث لحزبه تعقيدات في دارفور بسبب التنافس الحزبي اقترحت عليه عدم وصول اغاثة من الإتحاد السوفيتي بمبادرة الحزب. بقبول نقد للمقترح والعمل به تعزز عندي جدية الحزب الشيوعي في التعاون على أساس تنموي، على الأقل في حالة دارفور، وهكذا عندما وقع ما كنا نحذره من نزاع مسلح بتأثير أطراف قومية ومشاركتها، وضع نقد نفسه وحزبه في خدمة العملية السلمية لدارفور في خانة المسهلين في الداخل أو الخارج بما في ذلك مشاورات الدوحة. لم يكن نقد طرفاً في النزاع في أي مرحلة من مراحل النزاع الذي هز الضمير الدولي بانتهاكات حقوق الانسان والتي ماتزال ذيولها تحت المعالجة الانسانية والادارية والقانونية بوثيقة الدوحة.


    كنت دائم الحذر في حواراتي مع قادة اليسار، بيد أني ونقد التقينا متجاورين في طائرة أقلت مجموعة الى الدمازين تلبية لدعوة وجهها مالك عقار قبل أن يصبح والياً للنيل الأزرق احتفالاً بمناصرة أهل النيل الازرق لدارفور، وقد احتشد الناس وأمضينا نهارنا معاً وعدنا بذات الطائرة للخرطوم. كان ضمن حوارتنا في ذلك اليوم الخريفي (يوليو 2007) ان ذكرت له تحفظ تضامن قوى الريف من الشيوعيين لأنهم يؤمنون باللامركزية الثقافية ولكنهم مع الفكر المركزي سياسياً وتنظيمياً، أما تعقيبه فقد جاء واضحاً (شوف انحنا في الحزب الشيوعي تجاوزنا تلك المعضلة، نؤمن اليوم باللامركزية الثقافية والسياسية معاً، وإذا لينين ذاتو قام من قبرو انحنا ما حنرجع عن الوصلنا ليهو دا)، وذلك ما أخذ به الحزب الشيوعي السوفيتي في اعترافه بالفيدرالية في حالة نزاع ايرلندا كما وردت في أدبيات الشيوعية العالمية.
    (5)
    لقد فقدت قوى الريف بموت نقد نصيراً لقضايا اللامركزية الثقافية السياسية في سياق سقوط المركزية المتلاحق والمستمر في نظمها الفكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية، كما فقدته أسرته الصغيرة والممتدة في القطينة بالنيل الأبيض والمحس، وأيضاً فقدته جماهير دائرته في الديوم بالخرطوم، بل وفقده مواطنوه أهل السودان خاصة عارفي أفضاله الانسانية، سائلين الله تعالى أن يشمله بفيض رحمته ولطفه ويكتبه من أهل السعد... آمين.


    65535 | 0 |


    ----------------

    دلالات التشييع المهيب للاستاذ نقد
    03-31-2012 10:19 AM

    دلالات التشييع المهيب للاستاذ نقد

    بقلم: تاج السر عثمان

    *التشييع المهيب للاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني الذي ضم الالاف عكس التقدير العميق الذي تكنه جماهير الشعب السوداني لفقيد البلاد. عكس الحضور وفود الحكومات والاحزاب من شتي انحاء العالم والقوي السياسية والحركات بالداخل ومنظمات المجتمع المدني ومشايخ الطرق الصوفية والأخوة المسيحيين..الخ. كما بذل الصحفيون والكتاب والاعلاميون جهدا مقدرا في تغطية الحدث من خلال الكتابات في الصحف الورقية والالكترونية والفضائيات، اضافة الي كلمات السياسيين واصدقاء الفقيد ومندوب الأسرة في رفع الفراش والتي عددت مآثر ومناقب الفقيد. وعكس موكب التشييع الجهد الكبير الذي قامت به اللجنة المنظمة وفروع الحزب والفنانين النشكيليين الذين سهروا الليالي من اجل انجاز الشعارات المعبرة، اضافة للتبرعات السخية من أعضاء الحزب والاصدقاء التي غطت تكاليف المأتم وموكب التشييع الذي كان مثلا يحتذي به في الانضباط والهدؤ، اضافة لتعاون الشرطة في تأمين مسار الموكب ، والجهد الكبير الذي قام به موظفو المطار في تأمين تسليم الجثمان للجنة المنظمة المكونة من الأسرة والحزب.

    لقد اكدت الحشود التي تمت في المطار وفي المقابر وسرادقات العزاء في داخل وخارج السودان، أن جماهير شعبنا لاتنسي قادتها السياسيين الذي كرّسوا كل حياتهم ووقتهم وطاقاتهم لخدمة البلاد ، ولاسيما أن الاستاذ نقد قد ضرب بسهم وافر في ذلك، كما وضح من سيرة حياته ونضاله وأعماله. وأن الجماهير تحترم الذين يستميتون في الدفاع عن مبادئهم ومثلهم العليا حتي الرمق الأخير. وستظل سيرة الاستاذ نقد العطرة نبراسا ومرشدا في الوطنية السودانية ومكارم الأخلاق ، ونكران الذات، وكما أشارت الهتافات في التشييع " ماشين في السكة نمد من سيرتك للجايين"، " ماك الوليد العاق .. لاخنت لاسراق."، "عاش نضال الشعب السوداني"، " عاش نضال الحزب الشيوعي" ، وهي هتافات عزيزة علي السودانيين تمجد نضالهم والدور الذي لعبه الحزب الشيوعي في ادخال الوعي والدفاع عن مصالح الكادحين، والاصرار علي التمسك بالمبادئ والقيم الرفيعة ، والنزاهة وطهارة اليد، وعدم الثراء من مال الدولة. مما يلقي اعباء كبيرة علي الحزب الشيوعي لتعويض الخسارة والنضال جنبا الي جنب مع قوي المعارضة من اجل اسقاط النظام وانتزاع الديمقراطية ودستور ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية، و وحرية الضمير والمعتقد وعدم استغلال الدين في السياسة، ووقف الحرب وتحسين الأوضاع المعيشية، والحل الشامل والعادل لقضايا دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وابيي ، وحل القضايا العالقة مع دولة الجنوب وتحسين العلاقة معها علي أساس حسن الجوار وفتح الطريق لاعادة توحيد البلاد علي أساس دولة المواطنة التي تسع الجميع.

    *وكان من اللافت للنظر في موكب التشييع الحضور الكبير للشباب من الجنسين ، والحضور الكبير للنساء في المقابر، والصلاة علي الفقيد جنبا الي جنب مع الرجل مما يؤكد انتزاع المساواة بين المرأة والرجل في هذا الجانب.

    *اما فيما يحتص بمن سيكون السكرتير السياسي فسوف يحسم في دورة قادمة للجنة المركزية. وليس صحيحا ماورد في صحيفة "الأحداث" الصادرة بتاريخ: 27/3/ 2012م حول صراعات دائرة حول هذا الموضوع بين الشباب والحرس القديم حول خلافة نقد.وهدف اعداء الحزب الشيوعي واضح هو اثارة البلبلة داخل الحزب، علما بان الحزب يقوم علي المؤسسية وسوف يتم اختيار السكرتير السياسي بهدؤ وبدون عجلة في الوقت المناسب. والجوهري في هذا الموضوع تمسك قواعد الحزب بمبادئ الحزب التي أكد عليها المؤتمر الخامس حول طبيعة الحزب الطبقية المنحازة للطبقة العاملة والكادحين، والتمسك بالماركسية كمنهج منفتح علي منجزات الفكر الانساني وكل ماهو ايجابي واصيل في قيم وتراث الشعب السوداني، والتمسك بخط الحزب الهادف الي اسقاط النظام وانتزاع الديمقراطية التي تفتح الطريق لانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي.

    لقد ترك فقيد البلاد الاستاذ نقد سيرة عطرة ومبادئ وقيّم رفيعة، وكانت له اسهامات سياسية وفكرية ستظل تنير الطريق لشبابنا المتطلع الي الغد المشرق. اسهم الفقيد في ربط الفكر الماركسي بالواقع السوداني، ورفض النقل الأعمي لتجارب الآخرين، وحاول سبر كنه التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للسودان في العصور الوسطي كما وضح من مؤلفيه" علاقات الأرض في السودان"، وعلاقات الرق في المجتمع"، وحاول استخلاص خصوصية نظامي الرق والاقطاع في تلك الفترة بعيدا عن النقل الأعمي لانظمة الرق والاقطاع في التاريخ الأوربي. كما استنبط مفهوم " الدولة المدنية الديمقراطية" استنادا علي خصوصية المجتمع السوداني، كما اوضح ذلك في مؤلفه" حوار حول الدولة المدنية ".

    كما دافع الاستاذ نقد عن الديمقراطية، وأشار الي الدور الذي لعبته البورجوازية الصاعدة ومنجزاتها في الديمقراطية الليبرالية، وومنجزاتها في تأكيد حقوق الانسان واحترام حكم القانون، وأن انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي لاينسخ منجزات الديمقراطية الليبرالية، ولكن يجب البناء من فوق هذه المنجزات واستكمالها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن الوصول الي النظام الوطني الديمقراطي والاشتراكية يمكن أن يتم بطرق ديمقراطي جماهيري تعددي.

    لقد اكدت تجربة التشييع المهيب للاستاذ نقد أن الجماهير بمختلف الوان طيفها السياسي والديني تحترم الحزب الشيوعي وتقدر نضاله، وتحترم القيادات التي تتمسك بمبادئها الي النهاية. واكدت مدي وفاء شعبنا له وتقديره لجلائل أعمال الاستاذ نقد، وأنه فعلا طاب حيا وميتا، وستظل ذكراه والمبادئ التي ناضل من أجلها خالدة وعطرة
    ----------------------------



    نقد على دروب المجد خطّ مساره ابراهيم بخيت
    03-31-2012 12:41 PM

    نقد على دروب المجد خطّ مساره

    ابراهيم بخيت
    [email protected]



    أصدقكم لم أستطع حينها. و ها قد مضى اكثر من اسبوع على الرحيل المر . حقا لم أستطع كما أستطاع غيرى كثيرون كتبوا حكوا قالوا ما قال و ما لم يقل قالوا عنه و فيه و فى من حوله و من خلفه و من يقف معه فى ذات الطابور الطويل من ليالى المنافى و المخابى و السجون و المعتقلات . هل إستضافت نقد بيوت الاشباح ؟ حكوا عنه ما فعل و ما لم يفعل و ما ينوى فعله . و لكننى لم أستطع و الحزن الممض يمسك القلب و العقل و القلم ، يحبس الكلام و يرخى للعويل اللجام .

    لم أستطع ، بل سرت سرت سرت , صرخت صرخت صرخت ،هتفت هتفت هتفت . لم استطع البكاء . أهذا يكفى ؟ أيكفى المسير وراء النعش الذى يحمل من لا يشبهه أحد . أكنت الوحيد الذى سار و صرخ وهتف ثم بكى , أكنت ابكى الذى شرّف النعش بمرقده أم ياترى بكيت فيه وطنا تسلل منه ابنائه قسرا الى المنافى البعيدة او الى الغربة المذلة ،أم الى القنجرة الممحية للهوية و الوجدان ؟ أم ابكى وطنا يغادر خلصائه و افذاذه و متيمى حبه جماعات و افرادا تباعا و فى عجلة الى حيث لا عودة . لم يك فقدا كما يفقد الناس احبابهم او اشيائهم او اعزائهم . لكنه بكاء فقد لا يوصف او يقال او يحكى عنه . انه الفقد الذى لم تترجمه النائحات الثاكلات بالصوت او العبرات ، و لم يعبر عنه المعبرون المفوهون باللسان او البيان . و لم تسطره الاقلام البارعات فى الايادى المتمرسة . و لا عرف الباكون من اين يأتيهم البكاء الذى يهزم دموع الرجال و يطلق العويل ،فيتلفتون بحثا عن المشاركة او التخفى ، فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيئ . و سبحانه الذى اعطى الساهرون القدرة على هزيمة الارتخاء والاصرار على السهر أطفالا نساءا رجالا شابات وشباب و من كل الالوان التى لم يحظ بها الطيف و لا عرفتها فسيفساء السياسة فى المطار مرابطون . و منح السائرين القدرة على السير و الصارخين الصوت المجلجل ، و الهاتفين صوغ العبارات المملوئة حزنا و عزما وعهدا و صمودا و هزيم ، واعطى الباكيات النواح الذى هزّ الاعطاف و الحنايا و تغلغل بين الحشى و الكبد ،

    و سبحان الذى أجاز لدموع الرجال ان تنهمر جهرا و سرا ,وكشف عنهم غطاء التجمل بالصبر فأباحوا لرجولتهم ما ظلوا يضنون به ردحا طويلا من اعمارهم .لم اذهب لميدان ابوجنزير و لم ألتقط كرتونة او فحمة لأكتب حرفا مما قالوه لم اكتب ( حضرت ولم أجدكم ) يشهد الله ان هذا ما قاله لى و أنا وهو نشرب الماء من ذلك المبرد الواقع خلف مكتب الاستقبال بالمركز العام للحزب . فمن الذى صنع هذه الصنيعة البلهاء نكاية فى المعارضة؟ إنهم هم الذين لا يحبون سوى ما إكتنزوا وبأقلام الصحفيين الكتبة. وهم اولئك الذين صنعوا وصدقوا الفرية دون تمحيص . فأعجزتهم سيرته وتاريخه و مساره عن النيل منه معارضا ليتخذوا منه لافتة للاستهانة بالمعارضة . حين خطّ المجد فى الارض دروبا، كان هو اول السائرين عليه ، و حين عرفت البشرية معنى المحبة و الوفاء و الاخلاص و الوله بالاوطان كان هو من اخلص المعتنقين لهذه الخصال ، و من اثبت الثابتين على المبادئ الراسخة و القناعات المؤصلة .يتوه التائهون ابدا عن دروب الشعب و الحق و الجمال . يهاجرون دوما الى الاقاصى و الدوانى من دنيانا الدنية ،و يقف وحده ينظر و يتأمل فى حكمة الخالق الذى جعل من خلقه ما لا اخلاق و لا قيم و لا دين لهم . يحبسون عن خلق الله ما احلّه عليهم وجعل لهم لسانا وعقلا ودينا و اسكنهم وطنا احبهم و احبوه – فالقلب يدب مطرح ما يحب – و نقد اخلص فى حبه للوطن . يهاجر المهاجرون المعارضون و يبقى نقد فى الوطن و يبقى الوطن مصونا فى حناياه ،

    لم تهتز له قناعة و لا لانت قناته أمام الفظاعة . شهد فى حياته الحياة تجرى سهلة رغدة للذين طأطاوا الرؤوس واحنوا الجباه و قالوا تلك عاصفة دعوها تمر فما مرّت العاصفة و ما لانت قناة نقد . انكسر الرجال و مالوا إلى من عنده المال . و ذهبوا الى من عنده الذهب ، فما مالت رغائبه و لا زاغت له عين عن درب الوطن الحلم ،الوطن الممكن الوطن والمصاب بكل بلية و بلاوى متجددة . فى ساعات و ايام و اسابيع و شهور و سنوات و ثوانى التيه الطويلة و المتطاولة ظل نقد تقابة متقدة تضئ ولاصقا قويا حين انهمر مطر الغضب الاعمى فكان نقد العضوية و القيادة و الفروع و الفراكشن والولايات و الاتحادات و النقابات و فى قلب المظاهرات ، كان نقد الحزب . يهرطق المرطقون بما لا اصل له من دين او خلق او تقاليد سودانية و يظل يبتسم لهم حبا و عجبا فى اولئك الذين لا يرون بعيونهم المدلهمات الداهمة و القادمة و الدين المستهدف من بين صفوف من يدّعون السير على نهجه وصيانته . يتعبدون على محراب عنصرية لا مرئية و شيفونية لا يعترف بها الاصائل – عربى انت ؟ لا . من بلاد الزنج ؟ لا . من انت ؟ انا محمد ابراهيم نقد . اتعرف ما معنى نقد ؟ اتدرى ما تأصيل اسم محمد ؟ و من هو ابراهيم ؟ و ما فى الجبة الا الوطن . و ما فى القلب الا الوطن الماضى والوطن الحاضر والوطن المستقبل و ما قد كان و ما هو كائن و ما سيرجع لحاله و يكون . وطن حدادى مدادى يستظل بظله اهله عربا عاربة او مستعربة او عابرة و افارقة لا تفارقهم النفوس الرضية المطمئنة و هم السود الذين اخذ منهم الوصف اسما فكان السودان الوطن الواحد .

    فجعنا برحيل الابنوس عن غابة النخيل و ها ترزؤنا الرزايا برحيل الشعراء المفوهين القابضين على جمر البسطاء و المغنين الشادين بلاهبات الاناشيد – فى حضرة جلالك يطيب الجلوس مهذب امامك يكون الكلام - يا ضلنا المشرور على مساحة الوطن , أشمالى انت ؟ لا . أجنوبى انت ؟ لا. أغربى او غرّابى او غرباوى انت ؟ لا. أشرقى ام بجاوى ام هدندوى انت ؟ لا . فمن تكون ؟ أنا منكم و فيكم و إليكم و معكم أصلى بلسان ، و اغنى بألسن . نخلة و ابنوسة شيوعى سودانى لم ادنس دينى بادران دنيتى ، و لم اتظاهر بعبادتى ، و ما شقوا صدرى و لكنهم تغابوا عن سجاياي و سيرتى .أعمل للإنسان بالعقل و القلم و البيان عبر الزمان و كل المكان و الامكنة الممكنة و المحبوسة بين الامانى و الامنيات النظيفة المغسولة بماء الوطن الواحد الحدادى مدادى . أنا محمد ابراهيم نقد من مواليد القطينة . لم رحلت يا محمد يا محمود السجايا عنا و نحن فى الفرقة و الشتات يخيم علينا الضباب . ( ضل و لا بندفن ) أكذّابون من قالوا عنه كل ذلك القول االجميل ؟ أمنافقون من وصفوه بكل الاوصاف السودانية النقية ؟ أمخادعون من رأوا فيه مثالا للرجل الصالح ؟ من اين و كيف استمد نقد كل تلك الطاقة المغنطيسية التى جذبت اليه الاضداد فتصالحت و تلاحمت حيث جنازته ( ضل و لا بندفن ) نحن جينا .. ونحنا جينا ..
    ديل أنحنا القالو فتنا ..
    وقالوا متنا..
    وقالوا للناس انتهينا..
    نحنا جينا..
    .....................
    جينا زى ما كنا حضنك... يحتوينا
    لما فارسك فينا هبَّ..
    وعبَّ حجرك بالمحبة .. وبالأماني..
    صحى نار الثورة تاني..
    وجانا داخل..
    زي شعاع الشمس من كل المداخل..
    جانا داخل..
    خت من فوق كتفك ايده..
    هز بالمنشور وبشر..
    إقتباس
    ( لقد اكدت تجربة التشييع المهيب للاستاذ نقد أن الجماهير بمختلف الوان طيفها السياسي والديني تحترم الحزب الشيوعي وتقدر نضاله، وتحترم القيادات التي تتمسك بمبادئها الي النهاية. واكدت مدي وفاء شعبنا له وتقديره لجلائل أعمال الاستاذ نقد، وأنه فعلا طاب حيا وميتا، وستظل ذكراه والمبادئ التي ناضل من أجلها خالدة وعطرة. )
    [email protected]




                  

04-01-2012, 08:32 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    04f6efde44f74d1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com







    الشيوعي دكتور محمد سليمان محمد
    Updated On Mar 31st, 2012



    ** قال لي ممثل المؤتمر الوطني في لندن : كان نقد رجلا عظيما فقلت له: نعم، كان نقد وطنيا عظيما،ولكنه كان أيضا شيوعيا عظيما، والعبقرية أن تكون الإثنين معاً.

    ** نقد رجل متعدد القدرات وهو شيوعي قيادي مجتهد ونشط ومقبول لدى القاعدة والقيادة.

    ** نقد كتب البيان الأول بعد هزيمة يوليو 1971.

    ** قال لي قبل أيام من رحيله أنا ما عاوز( نفخة ).


    حوار: كمال كرار – نبوية سرالختم

    هكذا عرف لنا نفسه قائلا: من مواليد حي العرب أم درمان مايو1938 والدي كان تاجرا بسوق أم درمان، والدتي آمنه حاج علي غندور من العبابدة، لكن في الأصل بجاوية ووالدي جعفري ونحن خليط من النوبة والبجا وعدد من السودانيين خليط من ذلك. كان سكرتير اتحاد طلاب وادي سيدنا الثانوية فصل منها بجانب علي الحاج الذي كان نائباً له ورئيس الإتحاد علي خليفة. عمل متطوعاً في إتحاد الشباب السوداني، إلتقى ولأول مرة بالراحل محمد إبراهيم نقد بعد عودته من الدراسة ببلغاريا. ساهم بالتحضير لمهرجان الشباب بموسكو .درس بألمانيا بعد ان تخصص في الفيزياء الكيميائية ، شغل منصب في اللجنة التنفيذية لإتحاد نقابات المعلمين السودانيين وكان مسؤولاً عن الدراسات التربوية ورشح ليكون وزيراً للتعليم في حكومة يوليو 1971 ( هاشم العطا ) تعرض للسجن والإعتقال مرات عديدة وفي مدد متفاوتة قبل وبعد أن غير نظام نميري الإعتقال التحفظي للشيوعيين إلى إعتقال مفتوح.

    هو الدكتور محمد سليمان محمد والذي صحب الراحل محمد إبراهيم نقد في محطات كثيرة، وكان مصاحباً له في لحظاته الأخيرة، وهو الذي رُشح ليتحدث عن الراحل قبل أيام من وفاته في حفل خيري أقامته الأحزاب الديمقراطية في لندن ، وقد جاء مع جثمان الراحل إلتقيناه قبل رجوعه لندن بأيام وكان لنا معه هذا الحوار:

    ** متى بدأت علاقتك بالراحل محمد إبراهيم نقد؟

    سنة 1957 كنت سكرتير اتحاد طلاب مدرسة خور طقت الثانوية فصلنا من المدرسة ومنعنا من دخول المدارس الثانوية وحتى الجلوس لإمتحان الشهادة . بدأنا نحضر لشهادة أكسفورد وعملت كمتطوع مع إتحاد الشباب السوادني وكنت مكلفا برسائل بالمراسلة مع اتحاد الشباب العالمي والمراسلة كانت تتم على وتيرة عالية. لأننا كنا بنحضر لمهرجان موسكو للشباب عام1957 حضّرنا لوفد السودان مامشيت معاهم لانو مسكت المكتب لحدي ما جو راجعين. امتحنت لشهادة أكسفورد ونجحت، وفي الوقت داك جاء نقد من بلغاريا وإتعرفت بيهو حين جاء مكتب إتحاد الشباب السوداني وسألتو حتعمل شنو قال : حأشتغل محترف ودا بداية معرفتي بيهو.

    ** حدثنا عن الراحل المقيم نقد من واقع معرفتك به والتي إمتدت كل هذه السنوات ؟

    قبل أن أتحدث عنه لابد وأن أعلق على ماجاء في الصحف عقب رحيله شكر مبالغ فيه علي شاكلة عظيم ووطني ورجل منغمس في الدين وأيضاً صوفي وهناك من قال أنه كان دائماً يفلت من الناس ليذهب إلى تجمعات الصوفية ، كأنهم عايزين يسحبوا منو صفة إنو شيوعي ، ولكنه شيوعي عظيم ومخلص وبهذه الصفة أصبح السكرتير السياسي للحزب لـمدة42 عاماً.

    وأذكر في يوم الجمعة قبل الماضي اقمنا عزاءا كبيرا في فندق من أفخم فنادق لندن ولأن معظم الناس ذهبوا لأداء صلاة الجنازة تطوعت أن أقف أمام القاعة لإستقبال الضيوف الأجانب وجدت ثلاثة أشخاص في مدخل القاعة وسلمت عليهم ووقفت في إنتظار المعزين فجاء واحد منهم وعرف نفسو بإنو مندور المهدي وأنه قد جاء من حزب المؤتمر الوطني ليعزي لأن نقد كان رجلا عظيما، فشكرته على عزائه الشخصي والعام وقلت له: نعم كان نقد رجلا عظيما، ولكنه شيوعيا عظيما والعبقرية أن تكون الاثنين فسكت عن الكلام المباح وانصرف.

    ** إذن حدثنا عنه؟

    نقد رجل متعدد القدرات وهو شيوعي قيادي مجتهد ونشط ومقبول لدى القاعدة والقيادة وهو مفكر شيوعي له العشرات إن لم تكن المئات من المساهمات الفكرية في العمل السياسي للحزب، في نفس الوقت كان مفكرا وباحثا يقضي وقتا كبيرا في الكتابة والبحث، وتعليقه الناقد على كتاب: (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) يريك تنوع إهتماماته الفكرية سواء كانت فلسفة اقتصادية. وكذلك قضايا الأرض والرق في تاريخ وحاضر السودان.

    كانت لديه قدرة خطابية عظيمة ومدهشة، الناس لمن كان الناس تسمع بأن نقد حيتكلم في الميدان الشرقي أو غيرو كانوا بيجوا بالآلاف لأنو كان بيتكلم بلغة بسيطة بيفهموها وبيعالج قضايا تهمهم ويطرح حلولا للخروج من الأزمات ويقول دا كلو بشكل لطيف وجذاب. نقد كان يحترم القارئ والمستمع. نقد كان يحضر لمساهماته الخطابية، في اليوم الأول للمؤتمر الخامس وقف في قاعة الصداقة وتكلم حديثا عميقا للغاية جذابا وطريفا والقاعة كانت تضج بالآلاف صمتوا ينصتون لكل كلمة يقولها فقد كان يحضر ويرتب نفسه هذا لأن نقد كان يحترم الجماهير التي سيتحدث لها وعندو قدرة على تقديم حديثه بشكل جذاب يبدو كأنه جاء عفو الخاطر وهو ليس كذلك.

    ** وماذا عن الجانب الإجتماعي ؟

    شخصية نقد الإجتماعية وسط أهله شخصية محترمة ومحبوبة، ويعرف يتعامل مع الأطفال والشباب والكبار كل بطريقته، كان يلجأ لهم في الملمات وفي عام 1971 بعد الضربة لجأ لهم لم يخيبوا ظنه على الإطلاق هذه جوانب لا تغطي شخصيته، وهي متداخلة وتثري بعضها البعض فهو الخطيب الذي يخطب، والكاتب الذي يكتب، والباحث الذي يبحث هو نقد بكل هذه القدرات المتداخلة التي تدعم بعضها البعض. كنا كحزب شيوعي محظوظين إنو سكرتيرنا الأول عبد الخالق محجوب كان يجمع هذه الصفات بدرجات مختلفة من الإمكانات وكذلك سكرتيرنا الثاني. نقد أيضاً لطيف وظريف وكانت له قدرة على الغناء بصوت مقبول إن لم يكن جيدا. زول مرح وطريف وخفيف الظل ممكن تشوفو في أوضاع مختلفة تشوفو في لحظات ونسة وضحك وتشوفوا في السياسة ومرة في الفكر والكتابة والإنتاج الفكري، زول متنوع القدرات نحن نفتكر إنو الحظ أسعدنا أن يمتلك عبد الخالق محجوب تلك القدرات المتنوعة العظيمة، ويأتي محمد إبراهيم نقد ويستلم القيادة من بعده وفي أصعب الظروف التي كنا نحتاج فيها لوجود عبد الخالق فغطى مكانه تماما بقدراته المتنوعة العظيمة.ً

    ** كيف ذلك؟

    كان عبد الخالق سكرتير سياسي للحزب لمدة (25) عام ونقد(42) عام وعبد الخالق لم يمكث في العمل السري وقتا طويلا، لكن نقد قضى 31 عاما من عمره تحت الأرض أي أكثر من ثلثي عمره كسكرتير، عندما حدثت هزيمة يوليو وجد نفسه مع عدد قليل من الزملاء والزميلات ونفر من الديمقراطيين بعد إن استطاع نميري اعتقال معظم الشيوعيين وجهاز أمنه كان عندو معلومات ضافية عن الحزب، لكن نقد بدأ في تجميع الحزب مباشرة مع العدد القليل المتبقي، لقد استطاع أن يتحرك في ظل تلك الظروف السيئة للغاية.

    ** كيف تم إختياره ولم يكن من المؤسسين الأوائل للحزب ؟

    نعم لم يكن نقد من الجيل المؤسس للحزب الشيوعي الذي قاد صراع المؤتمر الثاني وإنقسام 1952، لكنه كان أفضل الزملاء الكانو في المقدمة وإتضح ذلك في إختيار الكل له وكان اختيارا موفقا وأستطاع أن يملأ فارق الـ(10) سنوات بينه وبين الجيل الأول بجدارة، إن نقد وعبد الخالق والشفيع وقاسم وإبراهيم زكريا كانوا في وضع واحد ورغم السنوات استطاع نقد أن يجعل الناس ما يميزوا إن كان من الجيل الأول أم لا، لكنه أصبح منه.

    ** كيف جمع الشيوعيين من جديد في ظل هذا الإستهداف ؟

    بالبيان الأول بعد الهزيمة والذي صاغه محمد إبراهيم نقد وكان محتواه صريحا ومتماسكا وينظر بتفاؤل للمستقبل صياغة أثارت مشاعر الناس إيجاباً وكل الناس في المعتقلات في كوبر وغيرها قرأوا البيان فرفع رؤوسهم وألهمهم شجاعة وجلدا وأصروا لابد من إسقاط هذا النظام وبدأوا يفكروا بطريقة إيجابية البيان دا زي أخدهم من هوة عميقة إلى النور إن جاز الإستخدام لهذا التعبير فعلاً كانوا كذلك وغنى شعراؤهم بثقة وعزيمة ويمكن مراجعة أشعار محجوب شريف والتي لحن بعضها الفنان محمد وردي في المعتقل ولقد ساد في المعتقلات جو مغاير تماماً لما كان قبل البيان الأول وقلنا كلنا(ود مليم عملا) نقد فعلاً كما يقول عدد من الصحفيين كان رجل زاهدا ومتواضعا وبسيطا، لم يكن زاهدا بمعنى أنه لم يكن يعرف إغراء الدنيا والإستحواذ على المال والأرض والعربات الفارهة زيو زي أي شخص قرر إنو حياتو تكون مبنية على الضرورات البسيطة وضع نفسو في صراع فأمه لم تلده متواضعاً، لكنه قرر أن يتغلب على كل المشاعر التي تجعل وتدعو كل إنسان أن يكون ثري الملبس ويملك مسكنا مريحا، أن الطمأنينة في الملكية المادية، فهذه ضرورة حياتية، لكن هنالك القليل ممن يستطيعون التغلب عليها داخل أنفسهم، وأستطاع نقد أن يفعل ذلك بجهد كبير لم يأتي ذلك عفو الخاطر،لكن بإصرار منه.

    ** حدثنا عن لمحات مميزة لشخصيته التي تعرفت عليها عن قرب في تلك الأوقات العصيبة؟

    نقد كان ليهو ميزات عديدة كنت بمشي ليهو في مكان الإختباء وأوديه لمكان إجتماع أو أي مكان مكان آخر وكنت أحاول أن أدعوه بعدها لعشاء فاخر ولكن كان دائما يوجهني لد كان فوال بيقول عندو فول كويس وفي النهاية بنشتري ساندوتش فول، وكان في كل منطقة بيعرف مكان فول جيد، وكان بيحاول ما يرهق الزميل المعاه، وأذكر إنو لمن جانا في لندن الديمقراطيين والأحزاب هناك قرروا يعملوا حفلة غنائية ساهرة ودخلها يكون كمساهمة في علاجه، وقالوا لينا نقد: (ما حقكم براكم) وفعلاً ساهموا بمبلغ محترم من المال وطلبوا مني أتكلم في بداية الحفل عنو، مشيت لنقد في البيت وكان المرض قد أرهقه، فكان يجد صعوبة في التعرف على الزائرين رغم ذلك كان يرحب بهم بحماس ويسألهم عن حالهم وحال أسرهم وكان يقول الوضع في السودان معقد وأحياناً يساهم ويقول: نحن محتاجين لشغل كتيير، ورغم أني ما كنت متوقع يجاوب على سؤالي قلت ليهو: (بكرة حأتكلم عنك (45) دقيقة، الناس عاملين حفلة عشانك ). قال لي: (ما عايز نفخة). فعلا حياتو كلها ماكان عايز نفخة.

    من السودان كان بكتب لي وريقات صغيرة تحوي كلمات بسيطة : جيب لي كتاب كدا وكدا .. كيف الأسرة تحياتي، كان دائماً بشتغل بالقصاصات ولايحب الإطالة عايز الحاجات تكون واضحة ومرتبه الناس. لقد وصل نقد إلى ما وصل إليه عبر تقلبه على كل عيوبه التي أحس بها طيلة سنوات احترافه العمل السياسي.

    ** سألناه كيف؟

    أفتكر العبقرية تكلمت عنها في الأول هي نتاج صراع مستمر مع الذات عشان يكون بسيط لازم يصارع نفسو عشان يكتب لازم يتوازن ويتأكد من دقة وصحة الكلام المكتوب دا كلو جهد كبير. نقد تحمل مسؤوليات كبيرة جدا،ً وكنا نحن سعيدين ومحظوظين ولازلنا وفي تلك الظروف الصعبة أن يكون لدينا هذا الرجل الذي يستطيع أن يلزم نفسه بما لايلزم به أحد، ولقد لاحظت إن نقد تعتريه بعض الأحيان لحظات ضيق وتزمر من السياسة لكن العظمة في تخطي هذا البواعث القوية الكامنة في كل إنسان والكامنة في نقد أيضا. ألزم نقد نفسه بالنمو المتواصل: أن يكون سكرتيرا ناجحا، وكذلك باحثا صارما ودقيقا أن يكون دائما مفيدا للآخر.

    سئل الموسيقار الألماني آبسلر ماذا تود أن تكون؟ فقال: في شبابي كنت أود أن أكون رجلا عظيما، والآن أود أن أكون رجل مفيد. يعني نقد لنفسو ما في داعي تبقى زول عظيم أبقى زول مفيد، وفي سكتو يصبح رجلا مفيدا وأصبح رجلا عظيما، ودي جدلية شخصيته.

    ** كيف ترى واقع الحال بعد رحيل نقد ومايمكن أن يسير عليه الحزب ؟

    أن نكون متحدين تماما،ً سائرون في نفس الإتجاه الذي خطاه نقد في الحزب هو وزملاؤه، لقد وصلنا بفضله لمرحلة إنو الناس يقبلونا من دون الإشارات الخفية الكانت زمان بسبب ما ادعاه عنا الأخوان المسلمون والرجعيون من صورة مشوهة عن الشيوعيين، كما إن وفاة نقد خلت الناس يتكلموا عنو بنفس كويس كسبنا منه. حتى في موته دفعنا نقد إلى الأمام وعلينا أن نقتنص ذلك، ولكن يحدث هذا لابد أن نكون متحدين والتطور يقتضي وجود حراك فكري وهذا لايمكن أن يتم الا في ظل الوحدة والجدل الفكري والحراك جدل نحن عارفنو ومدركنو وحقو نحققو في حياتنا الحزبية.

    ** كلمة أخيرة

    أخيراً يجب أن نشكر نقد فقد تحمل مسؤولية الحزب في أصعب الظروف شكراً له لأنه اتاح للحزب الشيوعي أن يكون حزبا سودانيا وشيوعيا أصيلا، شكرا له على خطبه الرائعة وتحمله لنا وحياته الثرية والغنية شكرا لنقد على 54 عاما من الاحتراف و(42)عاما منها في قيادة الحزب و(31)عاما من العمل السري أو تحت الأرض كما يقولون. شكرا له على مودته وحسن عطائه الذي بذله في سخاء وتواضع جم. شكرا لك يا نقد على إنسانيتك الجمة، وشجاعتك الذكية وعلى سنوات طوال من العطاء والعفة والبساطة، كم كنت ثريا.




    كيف رسم الاستاذ نقد قدوة القيادة ؟
    Saturday, March 31st, 2012
    مديحة عبد الله



    الموت والولادة والمرض ….امور تعتبر من طبيعة الاشياء فى الحياة ’ لكن موت زعيم او قائد امر يقف الناس حياله للتأمل ’ لان هناك من يتم تشييعهم بمشاعر الغضب والكره والحقد بينما يحظى البعض بالتقدير والاحترام ’ وليس من الضرورى ان يجمع الناس على حب قائد ما او ان يتم الاتفاق معه فيما يطرح من اراء او مواقف ’ لكن المهم هو التقدير والاحترام ’ والشعور بان هذا القائد يمثل المعانى العالية التى تلهم لمجابهة مصاعب الحياة والتمسك بالمبادئ .


    حديث التقدير والاحترام انطبق على الاستاذ نقد بنسبة كاملة ’ لاننا فى السودان كنا فى امس الحاجة لشخصية سياسية تعرف ماذا تقول وكيف ’ وزادت حاجتنا فى زمن الاسفاف وانحطاط الخطاب السياسى ’ وتأرجح المواقف ’ والجبن والخداع الذى يمارسه البعض من القيادات التى تظن انها تملك القدرة على القيادة بفضل وراثة تاريخية او ميزات قبلية اومالية ’ فى هذا الزمن الصعب الذى نمر به كبلد وكشعب برز الاستأذ نقد كنموذج لقائد سياسى محترم ’ واكيد ان كل الذين حضروا التشييع من الرجال والنساء والاطفال لا يتفقون مع الطرح السياسى للحزب الشيوعى ’ لكن الاستأذ نقد مثل امامهم النموذج والقدوة التى يتطلعون اليها بتقدير ’ وهذا هو المهم ’ وهذا هو الامر الذى يبعث على تماسك الشعوب حينما تحيط بها العتمة من كل صوب وعندما تحاصرها المشاكل من كل ناحية.


    ذكر د محمد سليمان فى حوار منشور فى جزء اخر من هذه الصحيفة مقولة فى غاية العمق وهو يتحدث عن الاستأذ نقد ’ قال انه لم يولد من بطن امه متواضعا او يملك القدرة الفذة على القيادة لكنه اكتسب ذلك بالمران الشاق مع النفس والتى كابدها حتى لم يعد هناك فاصلا بين ماهو خاص وماهو عام ’ ولا اعتقد ان كل النماذج السياسية وحتى ترتقى لمستوى القدوة ان تبلغ قدرة الاستأ ذ نقد وقسوته على نفسه ’ لكن المطلوب مراجعة النفس على الدوام بحيث تتسق الاقوال مع الافعال حيث الوصول لمستوى التصالح مع النفس ……شعب السودان بحسه الذكى ادرك قيمة الاستأذ نقد وشعر بفداحة موته …..وتلك رسالة واضحة الدلالة لمن يهاترون ……


    فوق الحزن والرحيل النبيل
    Saturday, March 31st, 2012

    عبد القادر ارفاعى

    (( نقد! موكب مهيب، كم وكيف، رجالاً ونساءاً، صبياناً وصبايا، بكل ألوان الطيف وقياداته الوطنية، شمالاً وجنوباً. واريناه الثرى ترفرف فوق قبره أعلام السودان، جديدة وقديمة، وأعلام ولافتات الحزب الشيوعي السوداني، صلى عليه السادة الادارسة، بصحبة أوراد وأذكار الأنصار والختمية وشعارات وأناشيد وهتافات الحزب الشيوعي والديمقراطيين والوطنيين السودانيين. حقيقة اجتمع فيه مالم يجتمع لغيره، عاش ومات علما،ً وكنموذج للإنسان السوداني)).
    لابد أن أقول للقارئ الكريم إن المادة أعلاه هي في الواقع رسالة بعثها إلى صديقي عبد اللطيف الصغير وهي كما نرى مفعمة بكثير من الصدق والعاطفة. ونهدف من إدراجها أن نقول: إن محاولة صديقي فيها استيحاء لعباراته، ومحاولة في نفس الوقت لندائها الكامن، ومحاولة لنزع ما هو أكثر من اللازم(عاطفياً) و (شخصياً) و(سياسياً) عن العبرة في عهد الرحيل الباهر لنقد – عسى أن يتبقى منها فقط لماهو لازم لإدراك مقاصدها. لعل أولي الأمر منا عن طريق إدراك المقاصد يستطيعون فتح الطريق المسدودة أو فتح بعضها، أو لعلهم يستطيعون تجاوز المغلق والمستعصي في الأزمة الوطنية. لقد كان بالأمس وداعنا لنقد باهراً، كان رمزاً، كان لحناً عبقرياً … ولولا إنه غادرنا، لعددناه عرساً له ولشعبنا، مناسبة وذكرى وطنية. ورغم بشراه لنا طوال عمره المنير مبشراً بالتغيير الاجتماعي الذي تفتحت له فرص الصياغة الجديدة، فلماذا تعثرت الخطى مع المنافسة الشديدة على كرسي الحكم وطيلسانه. ثابر نقد في المرحلة التالية للاستقلال أن يصنع شعبنا دولته لنفسه، وأن يحقق ذاته وأمنه ومستقبله في إطارها، إلا أن تلك المرحلة قد وصلت بالكل إلى اقتناع بأن الأجزاء المتفرقة ليست بديلاً عن شكل من أشكال وحدة شعبنا عملاً ومصيرا. إذن، فالوحدة التي انفجرت في وداع نقد، هل كان على شعبنا لينتظرها فقط حتى يزور نوابغنا المقابرا؟ هل كتب على شعبنا أن تتقابل القوى السياسية في منحنى تتقابل فيه وتتصادم ولتتفرق أيدي سبأ… نزعات وتوجهات تختلف أسبابها باختلاف المصالح والرؤى وشهوات الحكم وأماني الزعامة والرغبات الزائلة.

    اذا كنا قد توحدنا بالأمس في وداع محمد إبراهيم نقد، فلماذا قد تهدم وطننا وشاهت سحنته، واكفهرت محنته؟؟؟ في وداع نقد دروس وعبرات وعبرة، وشعبنا في قلبه غصة واحباط وأحزان وفوضى، فلماذا لم تستوعب نخبنا مآثر نقد على التبشير به والدفاع عنه؟ لماذا امتدت الحلقات الشريرة الحافلة باللحظات الحرجة، بينما أحوال شعبنا في حال تردٍ وازدياد وقاسى ليستحيل إلى دولتين؟ ثلث السودان جرى تلاشيه، بينما يتشرد ثلثاه في التيه والظلام إننا ننعي إلى شعبنا العظيم – محمد إبراهيم نقد –

    في رحيل الشيوعيين الأماجد (1/3)
    Updated On Mar 31st, 2012

    صديق عبد الهادي [email protected]

    إنه ليس من المستبعد أن تكون قد اصابت تلك الحالة الكثير من الذين يكتبون، وليس بالضرورة أن يكونوا ممنْ يكثرون الكتابة. والحالة المعنية هي الرغبة في إرجاء الكتابة، وبدونما سببٍ معلوم، ولو كان الظرف لا يستدعي ذلك الإرجاء الغامض!!!. ولكنه على أية حال يحدث.

    وككل السودانيين أحزنني رحيل الفنان الوطني والشيوعي الأغر “محمد عثمان وردي”، بل وهدَّ تماسكي، وفي ذلك أعلم يقين العلم بأنني لستُ وحدي. ولكني إستسلمتُ لرغبة إرجاء الكتابة في ذلك الحدث أو المصاب الجلل، وبالرغم من إلحاحها. وبالقطع كثيرون غيري فعلوا كذلك، أي أرجأوا الكتابة ليداهمنا جميعاً الرحيل الصاعق للشيوعي والشاعر الوطني الأشم “محمدحسن سالم حميد”!!!. مثلي وكثيرون قد يكون أن رأوا ترك فسحة للحزن لكي يأخذ دورته ، إلا إن ذلك لم يتحقق هو الآخر، ليفجع الوطن، كل الوطن، برحيل القائد الشيوعي الفذ ” محمد إبراهيم نقد”. ويا له من فقد!!!.

    ففي فترة وجيزة تراكمتْ خسائر الوطن وإتسعتْ رقعة احزانه!!!.


    وهل من بعد ذلك يمكن أن يقال بألا هناك سببٌ غامض لذلك العزوف الغامض؟!!!.

    إنه وعلى جانبٍ خاص، ما لفَّ الحزن كامل الحزب الشيوعي السوداني، ومنذ يوليو 1971م، مثلما لفه خلال الشهور القليلة المنصرمة الفائتة، إذ غيّبَ الموت أربعة من رموزه الشعبية الشواهق، ليس على مستوى الحزب، وإنما على المستوى الوطني، الأستاذ التيجاني الطيب، الفنان والمبدع الأستاذ محمد وردي، الشاعر والمبدع الأستاذ محمد حسن حُميد واخيراً القائد الوطني الأستاذ محمد إبراهيم نقد، السكرتير السياسي للحزب. وقد شهدت على عِظم الفقد مواكب الوداع غير المسبوقة والتلقائية التي نظمها شعب السودان تعبيراً عن الحب والوفاء.

    أنتج السودان وعبر تاريخه العامر عدداً كبيراً من المغنيين الشوامخ الذين صاغوا وأثروا وجدانه، ولكن سيظل الراحل محمد وردي الأبرز من بينهم، وذلك لا لسببٍ سوى إنه جعل ذلك الوجدان يقف على ساقين من تهذيبٍ للعاطفة وتعزيزٍ للحس الوطني. ولقد دفع وردي بالكلمة أو المفردة الشعرية في مدارج المعنى ومن خلال أدائه، دفع بها إلى سموٍ عالٍ. إنه وبقدر ما كان نوبياً أنفاً، فقد كان سودانياً مشبوباً بحب الوطن.

    كنتُ دائماً أميل إلى إستثارة زميلتنا في العمل “سميرة حامد” قريبة الراحل، ولما لها من علاقة ودودة به، كنت اقول لها بأن الناس يقولون بأن وردي لا يجيد التحدث باللغة النوبية!!!. فكانت لا تتوانى في القول وفيما هو أقرب للغضب “ما فيش حد بيتكلم اللغة النوبية زي وردي، هو المرجع الأول، وأنا بقول كدا لأنو أنا اللي بعدو في اللغة النوبية”. أما زميلنا “نور الدين” أو “نوري”، فأنني لم أجد من يجيد أو يدمن الاستمتاع بالاستماع لـ “وردي” مثله، فلقد كان وعلى حد القول السائر”يصوم ويفطر” على “وردي”!!!، كما وإنه كان دائم الطرب بتلك الأسطورة التي تكاد أن توازي اليقين الأصم والقائلة، بأنه ما من أحدٍ إستطاع الوصول إلى تلك “الواحة” النائية والكائنة في قلب الصحراء وفي أرض النوبة، وأكل من “عشبها السحري” الخاص سوى “خليل فرح” و”محمد وردي”، وقد كان ذلك هو السر الكامن وراء إبداعهما!!!. على أية حال، فلو أرهف المرء السمع لـ “الحزن القديم” ولـ “عزة في هواك” قد لا يجد مناصاً في شأن هذه السطورة سوى القول: “ولربما”!!!.

    حينما إختار “وردي” المنفى، وفي تلك الفترة المظلمة من تاريخ الوطن بعد 1989م، مثله وعدد كبير من السودانيين الذين نجوا من محرقة “بيوت الأشباح” التي إلتهمت خيرة أبناء الوطن من أمثال “الدكتور علي فضل” وصحبه، قدِم الراحل “وردي” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فاستقبله السودانيون وغير السودانيين بدفئٍ واحتفاء. فأينما حلَّ كان ينقل الوطن ،الوطن، أي الوطن غير الرسمي ذلك المعروض في الدهاليز السرية والمسوم “للمقايضة”!!!.

    كان “وردي” فناناً سودانياً معروفاً، ولقد كان صديقي “نافي” الذي ينحدر من قبائل الطوارق في النيجر، لا يمل ترديد قوله بأنه إن كنت تريد أن تعرف وردي فعليك أن تسمع أغنية “القمر بوبا”، وكيف يؤديها الطوارق وباللغة الامازيغية في النيجر!!!.

    إن “محمد وردي” فنانٌ ضخم ومبدعٌ ملتزم، تحدثتْ عن رحيله كبرى وسائل الإعلام في العالم. ولقد قالت عنه جريدة “الواشنطن بوست” الامريكية والواسعة الانتشار، إنه كان نوبياً وسودانياً وحدوياً، ورمزاً يسارياً محبوباً ومؤثر.

    إن رحيل الفنان “وردي” ليمثل خسارة فادحة للإبداع وللوطن. وليس هناك أبلغ مما نطق به المبدع “محمدية” في رحيل “وردي” حين قال، وبألمٍ بائن، “لقد صمتَ الغناء”…وبالفعل لقد “صمتَ الغناء” وإلى حينٍ قد يطول، إلا أن هذا الوطن الولود فمثلما انجب “الخليل” و”وردي” سينجب “خليلاً” آخراً و”وردياً” آخراً، وبالقطع، سيأكلان من نفس “عشب العشق الساحر” ومن “واحة هذه الوطن”، وكما فعلها، حقيقةً، الأولان من قبل، وإن تأسطرتْ في الخيال الشعبي.


    الميدان

    (عدل بواسطة الكيك on 04-01-2012, 08:42 PM)

                  

04-02-2012, 03:46 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    في رحيل النبلاء الثلاثة

    حيدر ابراهيم علي
    04-02-2012 03:44 PM
    في رحيل النبلاء الثلاثة

    حيدر ابراهيم علي


    تري الوجودية أن عظمة الإنسان تكمن في أنه الكائن الوحيد الذي يعلم جيدا أنه ميت لامحالة ومع ذلك يعيش الحياة بكل متعها وعذاباتها،نجاحاتها وخيباتها،ومع ذلك يتصرف وكأنه يعيش أبدا ولن يموت في أي لحظة.وتبدأ من الميلاد الذي لم يختره الإنسان ولم يطلبه، معركة بين رؤيتين أو نهجين؛الأول يؤمن بان هذه الحياة تستحق أن تعاش ويجب أن نتركها حين نغادرها في حالة أفضل مما كانت عليه حين جئنا إليها.والثاني، يري في هذه الدنيا متاعا للغرور أو" المتغتي بيها عريان"، او دار فناء تمثل محطة سفر فقط لدار البقاء.
    الفئة الأولي تصنع الحياة وتنتجها،والثانية تستهلك الحياة وهي نفسها التي عبر عنها الشاعر(صلاح عبدالصبور) بقوله:
    أنا رجعت من بحار الموت دون موت
    حين أتاني الموت، لم يجد لديّ ما يميته،
    وعدت دون موت
    أنا الذي أحيا بلا أبعاد
    أنا الذي أحيا بلا آماد
    أنا الذي أحيا بلا ظل .. ولا صليب

    هؤلاء من نقول عنهم:ليس من مات واستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء.وهؤلاء كثر لا وجود أو أثر لهم إلا في سجلات التعداد السكاني.فهو يثقل الأرض، ويسد فضاءها،ألم يقل الشاعر(حسونة):يمشن القمصان بال ناس)؟وقد يكون هؤلاء من صناعي الموت، سواءا فعليا بقتل الآخرين فيزيقيا أو بجعل حياتهم بائسة وكئيبة بتجفيف وتحريم كل منابع البهجة والفرح علي العالمين.أما علي الضفة الاخري من الوجود الحي،فهناك من يجهد نفسه ويجتهد ليجعل هذه الدنيا أجمل وأزهر.
    يهزم صناع الحياة الموت وهم الخالدون بالمنجز والابداع الذي تركوه خلفهم،وعلي رأس وسائلهم الفنون،ألم يقل فيهم(محمود درويش) ويقارع نيابة عنهم الموت:
    هزمتك يا موت، الفنون جميعها هزمتك، يا موت الأغاني في بلاد الرافدين، مسلة المصري، مقبرة الفراعنة، النقوش على حجارة معبد هزمتك وانتصرت
    وأفلت من كمائنك
    الخلود ...
    فاصنع بنا واصنع بنفسك ماتريد.
    ويمارس – ببراعة –حيلة هزيمة الموت بأكثر من طريقة، فهذه القصيدة تنضم للمسلات،والنقوش،والاغاني الخالدة التي لن يدفنها الزمن ولن يمشي فوقها الدهر بحذائه التتري.أما الحيلة الأقوي فهي أنسنة الموت أي التعاطي معه كإنسان عادي،ويعابثه بأن يطلب منه أن يفعل بنفسه بما يفعل بنا، طالما غافله خلود الفن وهرب من كمائنه ،فهو لم يعد مطلق القدرة لا يأتيه الباطل من أي جهة.اضفي علي الموت صفات ضعف الإنسان،وفي هذه القصيدة نزع الرهبة والغموض والقدرة المطلقة وأنه فعّال لما يريد.ويطلب من الموت أن يكون قدر هويته وصورته:البطش والإحاطة..يخاطبه بثقة رغم أنه عند الحافة، ويجعل منه كائنا عاديا، ولا يظهر له الجزع والاضطراب واللوعة:-
    ايها الموت انتظرني خارج الأرض
    انتظرني في بلادك، ريثما أنهي
    حديثا عابرا مع ما تبقي من حياتي
    وهو يرفض الموت الفجاءة أو أن تكون المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرم! ليتها كانت هكذا لاستفاد من صدفة الخطأ.ولكن يسعي للموت الجميل النبيل الخالي من الخبث والغدر،موت الشاعر المبدع،الخالق الذي يقتطع من رصيد الموت من الافناء والعدم والمحو:-

    كن كالحُبِّ عاصفةً على شجر ، ولا
    تجلس على العتبات كالشحَّاذ أو جابي
    الضرائبِ . لا تكن شُرطيّ سَيْرٍ في
    الشوارع . كن قويّاً ، ناصعَ الفولاذ ، واخلَعْ عنك أَقنعةَ
    الثعالب . كُنْ فروسياً ، بهياً ، كامل الضربات .

    ******
    يتحايل صانعو الحياة ومحبو الفرح علي الدهر بتعطيل عجلة الزمن رمزيا
    ومجازا، بالفصل بين الروح والجسد.تقادم العمر يقربنا من أفق الموت،وهنا نتحدث عن الروح الشابة التي لا ينالها الهرم ولا الضعف.رغم أننا قد نشكو من خذلان الجسد،حيث تكون الروح وثّابة وفوّارة، ولكن الجسد المنهك بجرها الي الأرض.وهذه الروح دائمة الشباب هازمة للموت حقيقة أو وهما.ويبث المتنبي الطمأنينة في صناع الحياة اصحاب النفوس عابرة الزمن والاهوال:-
    وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه
    ولو أن ما في الوجه منه حراب
    يغيّر مني الدهر ما شاء غيرها
    وابلغ أقصي العمر وهي كعاب

    احيانا نريد أن نتصور أن الزمن قد تغير أو شاخ،لذلك عندما نتحدث
    عن " الزمن الجميل" ننظر خلفنا ونهرع الي كهف الماضي،ونتمسح بثوب النوستالجيا العاري مثل لباس الفرعون، فهو لا يقينا من عواصف الواقع.ومن الغريب أن يعيدنا المتفائل الأعظم( إيليا أبوماضي)الي الواقع الخشن،منبها الا نقول شاخ الزمان فإنه لا يهرم.
    يذهب خيال المحبين للحياة أو الخائفين من الموت بعيدا في تناول الموت ومداعبته كأنهم لن يلتقيا.وهناك حكاية الروائي الروسي الشهير(تولستوي) والذي كان
    يقول بأنه مؤمن بحتمية الموت وأن كل نفس ذائقة الموت،وأنه مهما طالت سلامته سيحمل علي آلة حدباء.ورغم هذا اليقين، كان يقول بأن الله صانع المعجزات،والقادر علي فعل كل شئ يمكن أن يمنح شخصا ما الخلود أي يستثنئ فردا ؛ وقد يكون هو هذا الشخص المحظوظ!ولكنه عاش 82 عاما(1828-1910)،وحين قرر ترك الحياة وأن يلج عالم الزهد تاركا الاملاك والعائلة، توفي. لأنه هو الذي كان يقول يجب أن نحيا حياتنا بأقصى وأعمق ما نستطيع وأن نجعل الدنيا نعيما لأبناء البشر ونتحمل وحدنا المسئولية بدلا من القاءها على قوى غيبية، ولهذا طردته الكنيسة.ومات قبل أن يموت حين ركل الحياة التي أحبها.
    تذكرني فكرة الاستثناء حوارا كان يدور دائما مع(العم يونس الدسوقي)وينتهي نفس.تبدأ الونسة بالشعر وتنتهي به،وفي الوسط السياسة :سودانية ومصرية وعربية ودولية.ونكسر رتابة الموضوع بحديث في الفنون واخبار العلوم الجديدة متعمدا أن ألمح بأن المستقبل أفضل والدنيا ليست غزة ودارفور فقط.وأعدد له بعض ما نشر من اكتشافات في الكمبيوتر والأدوية والجراحة .إذ به يرفع شفته اليسري شمالا ويميلها الي
    أعلي قليلا،مباغتا بسؤال جاد:-
    - لقو حاجة للموت؟
    وابهت وأرد: طبعا لا
    يرد سريعا:- مافيش فائدة. وأصل الكلمة عنده ليس سعد زغلول،ولكن التاجر الاغريقي(خريستو)في تندلتي أو كوستي – لا اتذكر،حين يقولون له:ياخواجة بقيت غني.فيرد: موت في فائدة ما في.
    ونخرج قليلا عن الموت ولكن (المتنبي) يرجعنا اليه محاولا أن يعيده الي العادية كما حاول(درويش) ويردد عمك(يونس):-

    لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلي أرواحنا سبلا

    وكالعادة لابد من الاشتجار خاصة حين أصر علي أن سببا كان من الممكن أن تكون أفضل من سبلا، لو كانت القافية مختلفة، ويزجرني: كملت خمجك كلو كمان داير تصلح المتنبي! ويبدأ الجدل حول المعني.والحقيقة هذه من أفضل حيل الموت،التعود والتجريب وأن تري الموت في الأقربين والاحباء وعندما يأتيك لن يكون غريبا أو مخيفا أو شاذا فقد عرفته في فقد الأحبة.وفي نفس المعني،قال أبوتمام:-

    لو جاء مرتاد المنية لم يجد إلا الفراق علي النفوس دليلا

    *******
    نجد قمة الاستهتار بالموت في رواية الكاتب البرتغالي(ساراماغو ) بعنوان"إنقطاعات الموت» تنطلق من فكرة أنه في بلد متخيل، يتوقف الموت فجأة عن حصد الارواح. وانطلاقاً من وضع الخلود العابر هذا،تنقلب الامور رأسا علي عقب وتعم الفوضي ولا يستمتع الناس بنعمة الخلود.ويشرح المؤلف في مقابلة صحفية، يقول: "ـالموت تجارة كبيرة وهذه التجارة ليست نظيفة دائماً، على الرغم من أن ذلك ليس الموضوع الرئيس للرواية، إن اختفى الموت فجأة، وإذا توقف الموت عن حصد الارواح، فإن أناساً كثيرين سيدخلون في حالة من الرعب: مؤسسات دفن الموتى، شركات التأمين، دور العجزة.. وذلك من دون الحديث عن الدولة، التي لن تعرف كيف تدفع المعاشات." والأهم من ذلك اختلال القيم والقوانين:تختفي جرائم القتل،ولايجد الشباب فرصا للعمل فلا أحد يموت أو ينزل المعاش لعدم وجود سن محددة للعمل،ومشكلة السكن.ويواصل:"من الأفضل التفكير بأن الموت ليس كياناً ولا سيدة تنتظرنا هناك في الخارج، وإنما هو موجود بداخلنا وأن كل واحد يحمله في الداخل وعندما يتفق الجسد والموت، ينتهي كل شيء." ويختم قائلا:- .
    "الأفضل عدم تخيل تلك الشيخوخة المتطرفة والأفضل هو التفكير بأن الموت لا يمثل أي عمل بطولي، وإنما أمر من أكثر الأمور اعتيادية".ففي الرواية يعود الموت،بعد أن كثرت المشاكل، في هيئة إمرأة كما تقوم بارسال إنذار مسبقا يخبر فيه الشخص بموعد قبض روحه.وهنا يسترد الموت هيبته ورعبه.
    ومن أمثلة التلاعب بالموت وعدم احترام هيبته، موقف بطل رواية:"الغريب"للكاتب الفرنسي(البير كامو) المدعو(ميرسو)فقد ودّع أمه المتوفاة سريعا،ليذهب مع صديقته للسينما.
    ومن المشاهد التي لا تنسي وترمز لاستمرار الفرح رغم أنف الموت،منظر الفنان(الكحلاوي) عند ما وقف عند قبر زميله الفنان(ابراهيم الكاشف)ليصدح باغنية:
    " وداعا روضتي الغناء". واتذكر وفاة التشكيلي السوري المولد والفلسطيني الهوية(برهان كركوتلي)في المانيا عام2005 حين طلب أن يشيّع بالدبكة والرقص في المقابر،وقد حدث.
    تكثر الحيل والمراوغات قبال الموت،وتتعدد أشكالها وأساليبها.ففي حالات تكون المواجهة غير واردة بل يكفي تعظيم وتمجيد الميت لكي نقول للموت:لم تفعل شيئا فصيدك الذي تفرح به مازال موجودا معنا بأعماله ولم يتغير منه غير قناع ومكان.فقد ظلت المراثي والمناحات تثبّت هذا الخلود والوجود الجديد.وبالتأكيد يفيض غيظ الموت، حين يسمع نائحة تعدد فضائل راحل مؤكدة أن الحجارة تبكيه بينما مآقي الموت جافة:-
    تبكيك الجوامع اللاتبنت ضناقيل

    لقراية العلم وكلمة التهليل

    ولم يقصّر(شيخ العرب)في تقريع الموت،حين أخبر بموت أحد اصدقائه الاعزاء،حين قال سريعا: أمانه الموت ما اتلوم(رواية د.عبدالسلام نورالدين).

    *******
    هذا المقال يقع ضمن حيل التقليل من مرارة الموت التي تعلق في الحلق
    مثل طعم الرماد، حين ننطق الكلمة.فقد رحل عنّا دفعة واحدة ثلاثة من أندر نبلاء الوطن العظام:وردي،حميد،نقد.ورغم وقع الحزن المهول علي القلوب،إلا أنه لا خوفا عليهم ولا هم يحزنون.فهم من طلائع هزيمة الموت،ألم يبشرهم(درويش):هزمتك ياموت الفنون جميعها؟ والثلاثة الراحلون فنانون مجيدون كل في مجاله.
    وردي فنان النغم والطرب،زرياب بلاد النوبة الذي جاء بصوت ريّان ومترع بالحنان ورقة قوية محيّرة.صوت مصقول ومتمرن كأنه لم يتوقف عن الغناء منذ الأسرة الخامسة والعشرين بعد أن غني في نجوم الغد أمام بيعانخي.وعاش معتزا بنفسه وممتنا للقدر الذي جعل منه غنّاي بكل المعني الايجابي للتروبادور وليس الصائع.يلبس اغلب السودانيين قناعا زائفا للتواضع،ورغم فضائل التواضع إلا أنه في كثير الاحيان مجرد تمثيل مبتدئين.ولأنهم لا يعرفون كيف يكون الاعتزاز بالنفس وتقدير الموهبة الذاتية،رموه بتهمة الغرور والتعالي.ولأنه صادق وسط منافقين طالته تهمة "المساخة" و"البياخة" من الافندية المستظرفين المتملقين.فقد كان ينطبق عليه الشعار الصعب:يقول كما يفكر،ويفعل ما يقول.
    قبل (وردي)التحدي لأن أدرك أنه جاء في زمان غير الوقت الصوفي
    الملائم له،ولكن لم يجزع ولم يتراجع،بل غني بصوت كأجراس الكنائس:-
    اتحداك بيك الزمن الجائر
    وهو الذي أقسم قبل ذلك القسم الغليظ:-
    وحيات الايام الجائرة وظالمة
    بالفعل كانت أيامه جائرة وظالمة،ألم يزج به في هذه الايام- هو ومحمد الامين
    في السجن؟ ياضياع وطن يسجن ويجلد الفنانين في الساحات العامة،فهو وطن بلا مستقبل لأنه يقمع الفرح ويجلد الجمال.وأبي جور الزمن إلا أن يرافقه حتي بعد الموت.فقد أصر الجلادون وطاردوه الي المنافي سنوات عدة، ألا أن يتقدموا – وبكل وقاحة والبرود الجيني فيهم- الصلاة علي جثمانه الطاهر.وهذا بالضبط نكد الدنيا عينه أن تري العدو يفرض نفسه صديقا.
    أما فنان الشعر(حميد) فلأنه ايضا يقف يسارا فقد كان من الطبيعي أن يشارك(وردي)في تحدي الزمن الجائر والإيمان الذي لا يتزعزع بالمستقبل.ويقول مالك الحروف ومطوع الكلم:-
    وين عادك هارب من بكرة
    وخطو التاريخ البتقدم
    رغما من عنت الايام
    والزمن الجهجاه الفاجع
    وهو يتمني ويري القادم في موقع آخر:-
    يغشاك نعاس في ضل رمي
    تختاك هضاريب الصعب
    كربة ليالي المًظلمة
    عكس(حميد)نظريات علم الإجتماع التي تقول بحتمية الهجرة من الريف الي المدينة،ولكنه أبي إلا أن تهاجر اللغة والشعر من المدينة الي الريف.وأجبر أهل المدينة مع كل حذلقتهم وتهكمهم من الريف علي أن يعوجوا ألسنتهم ويكسروا الحروف غير القابلة(وبالمناسبة استطاع وردي بقوة الغنا أن يجعل المكسور منصوبا ولم تحتج احد حتي عبدالله الطيب،فهذا سلطان آخر.فقد ردد –وحفظها الجميع: في مكانا ما مكانك).فقد قال نقاد من السلف أن الكلمات أو بالاصح المعاني ملقاة علي قارعة الطريق ومهمة الشعراء المبدعين أن يحولوها الي خريدة وقصيدة وشعر.ووجد(حميد) الكلمات ملقاة في طين(نوري) فجعل منها درر الكلام والغنا.وكان كلام ساكت فجعل منه كلاما ناطقا بل وكأنه يخرج من مزمار داؤد أو ممزوجا بقيثارة(أورفيوس).التقط
    (حميد) الكلمات المهملة ونفخ في روحها بحمولة تعبيرية حلقت بها في سماء شعر جديد ماقاله زول وقد يقوله وراه بشر.ويذكر هذا باسطورة(بيجماليون)التي صارت لاحقا فيلم:سيدتي الجميلة.فقد جعل عالم الصوتيات من الفتاة(الشماشية) سيدة مجتمع مخملي.وهذا ما فعله(حميد)مع الكلمات العامية أو الشايقية،فقد غسل شعرها بالشامبو وقطع أظافرها الطويلة المتسخة وطلاها بالمانكير ورش تحت ابطيها روائح كريستيان ديور،ولم تعد فقط بت العرب النوبية.(جملة اعتراضية:احيانا تبدو لي كل المدن نساءا- وبالمناسبة أري الخرطوم مثل بائعات اللبن القادمات من أطرافها حيث يختبئ جمال فطري غير مذوّق يحتاج فقط الي حمّام وشجر وبعض زهور).ويملك(حميد) سحر أن تحول أنامله كل كلمة من حديد أو صفيح الي ذهب-كما تقول الاسطورة..
    سيظل(حميد) يتجدد مع كل قصيدة تغني أو تتلي بعد غيابه،ويكون تموز او ادونيس أو ايزيس أو النعمان، في بلاد لا تعرف الربيع في الاغنيات والقصائد.
    أما الفنان الثالث والذي تهزمه فنونه الموت،فميدانه غير الشعر والموسيقي والغناء ويبدو بعيدا: السياسة.ولكنه في الحقيقة في قلب الفن، أليس نحن الذي نعرّف السياسة بأنها فن الممكن؟فقد أجاد فن الممكن خاصة وهو ينطلق من فلسفة تجمع بين الشئ ونقيضه لتأتي من ذلك بالمركب والذي في حقيقته غير الاثنين.فالمتناقضان لا يتجاوران يتصارعان ويظهر الجديد الذي قد ينكر نسبه لا للشئ ولا نقيضه.وهذه الجموع المتباينة والمتناقضة ليس دليلا علي براقماتية أو وسطية أو توفيقية-تلفيقية، ولكن دليل دامغ علي اجادة فن الممكن الذي يجمع المتناقضات.ولا أريد أن اعيد ما قلته في(التيجاني الطيب) ولكن جيلهم كان جيل القطيعة الصعبة مع التقليدية والمحافظة والتاريخ الرصاصي الثقل الذي يجذبك الي القاع.تصور أن تعلن شيوعيتك قبل أكثر من نصف في بلد يسمي السودان؟ وفيه حتي الآن من يعالج بالقرآن ومن يدعو الي الاستعانة بالجن المسلم في التنمية وهو استاذ جامعي وفي الاحصاء.فقد كان مثل ذلك أقرب الي رحلات (كولمبوس)و(ماجلان) واكتشاف القطب الشمالي أو منابع النيل.وقد مرّنه العمل الحزبي علي تمييع قسوة الموت حين مارس عملية الاختفاء وهي بعض من محو الذات أو علي الأقل عدم عيش الحياة العادية والروتينية.هذه حياة موازية تماما وهي تتعب الموت حين يجئ:حاجاته قليلة وليس لديه ما يخاف عليه.
    أمضي(نقد) حياته وكأنه قد استمع لنداء(نيتشة): عش في خطر! وعاش ملاحقا أو معتقلا أو مطرودا من برلمان الطائفية وجراء الهوس الديني.وبالفعل السودان بلاد المتناقضات أو البلاد التي ضحك فيها القدر – كما يقول عنوان كتاب(انتوني مان).أن فيعيش الشيوعيون الزهد والتقشف والعفة بينما يغرق أغلب الإسلامويون في مستنقع الفساد والترف رغم ادعاءاتهم بأن الجنة في انتظارهم.ويصر البعض، بكثير من سوء الأدب علي توزيع: صكوك الغفران، والجثمان مسجي، فيأتي من يتحدث عن ايمان(نقد) وصلاته وصيامه وقيامه،وطلب أن يصلي عليه فلان أو علان.وقد استفزني هذا الحديث لأن صاحبه لا يستطيع أن ينفي أو يثبت. وفي ذلك انتهاك لقدسية الموت وجلال الوضع.فهذه أمور تترك لصاحب وهي من شوؤن الروح:فهي من أمر ربك.ألم يعثروا علي الحديث:-" أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، و إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النـار حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنه فيدخلها".

    ختاما
    الحزن علي النبلاء لابد أن يكون من معدنهم أي نبيلا وفروسيا لا تسكب
    فيه الدموع ولا نبدي الجزع ولا الولولة والهلع.الوفلء والتكريم يكون بتحقيق أحلامهم وانجاز آمالهم ووعودهم،لكي تقر أرواحهم التي اتعبت الاجسام بسبب المرام العظيم. الم يظل (وردي) يردد:حنبنيهو البنحلم بيه يوماتي..وطن شامخ ديمقراطي!كما كان(حميد)ينتظر:
    متين إيد الغبش تتمد
    لاقدام... ولاقدام
    تتش عين الظلام بالضو
    تفرهد شتلة لا هدام
    ولافيضا يفوت الحد
    أما الفنان الثالث(نقد) فقد ظل حتي بلغ من العمر عتيا،يتوكأ علي عصاه،ثم
    يحضر ولا يجد أحدا.
    الوصية واضحة:أن نكرمهم بأن نسرع في بناء الوطن الحر الديمقراطي بدءا باسقاط النظام اللقيط –العيب.وهذا شرطه وحدة الشرفاء الوطنين، وقد زاد حزني حين قرأت نصوص النعي المنشورة: تنعي الجبهة ال...ينعي تحالف...ينعي منبر ...ينعي ائتلاف...لماذا هذه القوائم الطويلة من التشرذم؟ وحتام هذا العجز عن الوحدة والعمل معا؟ إن تكريم النبلاءوالوفاء ليس بالتسابق علي كثرة بياناتكم بل بجلوسكم معا والاتفاق علي تشكيل جبهة واحدة- وهذا ما سيفرح(نقد)ويعيده الي فجر الاستقلال،وهي:
    الجبهة المعادية للإستعمار...السوداني!

    ssc_sudan@yahoo,com

    1 | 0 | 300

    ------------------
    جاء يوم شكرك يا نقد

    محمد عيسى عليو


    لا أدعي أي معرفة بالأستاذ الكبير الفقيد محمد ابراهيم نقد، فقد كنا في أجيال وأفكار وجغرافية مختلفة، الا ان هموم الوطن قد قاربت بيننا والحكمة المهدوية تقول المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن، وها هي المحن قد قاربت بيننا والأستاذ الفقيد نقد، فهيئة جمع الصف الوطني التي أُنشئت في اواسط عام 7002م والتي ترأسها المشير عبد الرحمن سوار الذهب، كنت أحد نوابه ومن الذين يسيرون دولاب العمل بوضوح خلال سنتين وهي عمر الهيئة ثم قبرت بفعل فاعل لأنها كانت لا ترضي هوى متنفذين في الحكومة، وبالطبع كانت ترضى هوى الوطن والمواطنين.. والفرق كبير


    لقد التقينا بكثيرين من قيادات العمل السياسي وأذكر منهم الآتي، السيد رئيس الجمهورية، السيد الصادق المهدي، السيد احمد الميرغني. الأستاذ محمد ابراهيم نقد، الشيخ محمد هاشم الهدية، الدكتور حسن عبد الله الترابي، السيد مني اركو مناوي، العميد عبد العزيز خالد، الأستاذ ساطع الحاج، الدكتور علي الريح السنهوري، الزهاوي ابراهيم مالك، المهندس اسحق آدم بشير، الدكتور أحمد بلال، الأستاذ تجاني مصطفى، «حزب البعث» وليس تجاني مصطفى عضو حزب المؤتمر الوطني، وقد قابلنا الكثيرين من الصف الثاني من قيادات هذه الاحزاب والمجموعات. كما قام وفد من الهيئة بزيارة السيد محمد عثمان الميرغني بالمدينة المنورة ووفد آخر لزيارة دارفور ومكث هناك ثلاثة أيام و«الدنيا رمضان». ووفد ثالث الى دولة اريتريا وتشرفت برئاسته وتمت مقابلة الرئيس الاريتري اسياسي افورقي، حيث سهل لنا لقاء ناجح جداً مع قادة الحركات الدارفورية المسلحة التي لم توقع على اتفاق أبوجا وهي :


    حركة تحرير السودان ويمثلها عبد الواحد محمد نور، وحركة العدل والمساواة ويمثلها عبد العزيز عشر شقيق الراحل د. خليل ابراهيم، والذي يقبع الآن في سجن كوبر، وجبهة الخلاص ويمثلها الأستاذ أحمد ابراهيم دريج، وآخرين كثر من قادة الحركات العسكرية كأحمد بخيت والسياسيين كدكتور شريف حرير، هذه هي الظروف التي جمعتنا بالأستاذ الفقيد نقد فقد إدلهمت الخطوب بالوطن وكان لا بد من التنادي لانقاذه فهؤلاء الذين اجتمعنا بهم جميعاً كان نقد يتقدم غالبيتهم بفكره الثاقب وبعده القومي، وبعده عن التشنج مع التواضع الجم، وعدم تضخيم الذات، لم يكلفنا الكثير من اللت والعجن، والتلاعب بالالفاظ والادعاء بصنع الخوارق، والايحاء بالاهميات،

    كنت أتوقع وحسب التاريخ السابق الذي شهد صراعاً بين الاسلاميين والشيوعيين أن إقناع نقد بالتوجه الوطني الذي سيجمعه بالاسلاميين سيكون أمراً شبه مستحيل، ولكن فاجأنا الأستاذ المرحوم نقد بتفهمه لتحديات الوطن، بل أضاف أفكاراً نيرة استفدنا منها استفادة كبيرة، ولم يكلفنا الأستاذ نقد غير اجتماعين حتى اتفق معنا هو وقيادات حزبه على كل الاجندة الوطنية، ولكم ان تعلموا ان آخرين من قيادات العمل الوطني كلفونا لادارة أكثر من ستة اجتماعات معهم، حتى وصلوا معنا الى اتفاق على الاجندة الوطنية، ولكي نمتحن صدق النوايا رأينا أن نجمع كل هؤلاء في منزل المشير سوار الذهب، وكنا أكثر تخوفاً من غياب الأستاذ نقد، ولكنه فاجأنا بحضوره المبكر جداً، مما أراح ضمائرنا وأثلج صدورنا وأزاح هواجسنا وهمومنا، وكان معه الدكتور الشفيع خضر أتمنى له مستقبلاً طيباً في الحزب حيث كان قريباً من الأستاذ نقد.
    وبعد نهاية عشاء العمل الذي تشرف بحضوره السيد رئيس الجمهورية والسيد أحمد الميرغني، ود. حسن الترابي، والسيد الصادق، والاستاذ نقد، والشيخ الهدية، والدكتور السنهوري والدكتور آدم مادبو، كان من نصيبي أن أودع الأستاذ نقد ومعه الدكتور الشفيع حتى اوصلتهما الى سيارتهما، فسألني الأستاذ نقد عن معنى عليُّو فقلت زي نُقد يا أستاذ فكلنا عرب استعجموا، وعجم استعربوا وهذا هو السودان، فضحكنا، ولكن قلت له ربما الاسم يرجع لعلي، كأن نقول عليٌ بن أبي طالب، فهنا تحدث الأستاذ نقد وبشهادة الأخ الشفيع خضر بتأثر شديد جداً عن علي بن ابي طالب وقال بالحرف الواحد، والله (البقت) على علي بن ابي طالب، لو فزعونا نحن السودانيين ومعانا شيوعيتنا ديل لو نركب الطرور لنصرنا علي بن ابي طالب، فتأثرت جداً بهذا الكلام وودعتهما بسرعة والدموع فاضت دون ان ادري حتى داريتها بكمي وأنا في طريقي لباب منزل سوار الذهب مرة أخرى لنودع الضيوف الباقين. وما كان تأثري إلا للإيمانيات العميقة السرية في وجدان نقد والتي لم نكن نعرفها من قبل.


    الموقف الآخر لي مع الأستاذ نقد، كان في يوليو من العام الماضي ونحن في طائرة اليونميد متوجهين للدوحة لحضور توقيع اتفاق الدوحة وقبله حضور مؤتمر أهل المصلحة حيث دُعيَ له قادة الأحزاب ومن ضمنهم كان الأستاذ نقد، فقد تجولت في الطائرة حتى وقعت عيني على الأستاذ نقد وسط العشرات من أبناء دارفور فأسرعت نحوه وسلمت عليه، فقال لي أنت عارف الآن أنا بفكر في شنو؟ قلت لا أدري، قال لي كم ساعة نحن الآن في السماء؟ قلت حوالي ثلاث ساعات قال لي رغم بعد هذه المسافات، كيف الجماعة ديل وصلوا الاسلام حتى عندنا في زمان الجمال داك، فقلت له: تلك قدرة الله. هذه الايمانيات شهدتها بنفسي وتجربة عشتها مع الأستاذ نقد، وكما يقول أهلنا هو الآن قابل ربه وأنا مقابل الهوى، لقد حكيت هذه المواقف الايمانية للأستاذ نقد للدكتور آدم مادبو، وزير الدفاع السابق في الديمقراطية الثانية، فقد قال لي د. مادبو، انه وبعد انقلاب مايو تم اعتقال قيادات العمل السياسي وقد كان نقد من بينهم، فشهد له مادبو بالاستقامة في الصلاة، وقال انه رجل صبور يتمتع بسرعة البديهة والنكات الجميلة والصبر عند الشدائد.


    أما من جانب رئاسته لحزبه، فقد جعله حزباً سودانياً بحق حيث ائتلف مع الأحزاب الوطنية، وأصبح جزءاً من المواطنة، وما ذلك الا لمرونة الأستاذ نقد، وحسن ادارته، وعندما عقد مؤتمر حزبه الاخير وقف ضد تغيير اسمه ولكنه قال خلو العنوان، انتو اشتغلوا، وهذا وحده يؤكد ثقة الرجل في العمل وليس العنوان، كم من أناس يكتبون العظيم من المفردات ويعملون بعكسها تماماً، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب قارئ للقرآن يلعنه، لان القرآن يلعن آكل الربا، والزاني وشارب الخمر وآكل اموال الناس بالباطل ونفس الذي يفعل هذه الافاعيل يقرأ القرآن ليل نهار.
    معظم الأحزاب السودانية حاولت ان تغير من اسمائها القديمة، الحزب الاتحادي كان الوطني الاتحادي، حزب الشعب الديمقراطي واخيراً الاتحادي الديمقراطي، هل غير ذلك من برامجه من شيء، جبهة الميثاق، الاخوان المسلمون، الجبهة الاسلامية حزب المؤتمر الوطني، هل غير ذلك من فعل وسلوك الاسلاميين بشيء، حزب الأمة حاول رئيسه تغيير اسمه في المؤتمر التأسيسي 68م ولكن الاعضاء رفضوا، ولكن رغم ذلك اضاف إليه كلمة «قومي»، هل غير ذلك من سياسات الحزب من شيء، فالاستاذ نقد كان رجلاً واقعياً، واثقاً من نفسه معتداً بها، لولا هذه الصفات لكان أول المتنازلين من عنوان الشيوعية للهجمة الشرسة التي واجهها حزبه. لقد فقدت البلاد ركيزة اساسية من ركائز الوطن، نقد، أحبتي لم يخرج من وطنه في أحلك الظروف، ولم يبعه بدراهم محدودة، ولم يلهث وراء الشركات والمنظمات الفكرية الخارجية لتمول نشاطه، حتى لا يكون اسيراً لديهم.
    حزنت لفراق نقد، ولكن حزنت أكثر عندما تكاسلت ولم أعقد معه مقابلة لبحث أهمني جداً وهو تقلبات الادارة الأهلية من جراء القرارات السياسية، والأستاذ نقد وحزبه ليسا ببعيدين عن حل الادارة الاهلية، ولقد تحدثت مع الأستاذ المحامي صالح محمود أحد أعضاء الحزب الشيوعي البارزين في هذا الخصوص وقال لي الأستاذ نقد دائماً يكون موجوداً في دار الحزب، ومع مشغوليات الدنيا الكثيرة لم أستطع الذهاب اليه حتى علمت أنه ذهب الى بريطانيا مستشفياً، والله قلت في نفسي لعلي لا أقابل هذا الأستاذ أبداً، وهذا ما حصل، ونحن نقبر الأستاذ نقد في مقابر فاروق حتى تذكرت قول الرئيس السنغالي ليوبولد سنقور، هو الرئيس المحرر للسنغال ومعروف انه بالاضافة الى انه سياسي محنك وحاكم عادل، كان شاعراً وفيلسوفاً، هذا الرجل المسيحي تدرج بالسنغال حتى شبت فيها الديمقراطية على رجليها ومن ثم سلمها لعبده ضيوف المسلم السني، متى كان الدين عائقاً بين الشعوب التي يجمعها الهم الوطني، والاستقرار، ورفاهية الشعوب والعدالة،

    تذكرت قول هذا العبقري عندما قال عندما يموت شيخ افريقي كبير أحس أن مكتبة عظيمة قد احترقت، فكذلك موت نقد بالنسبة لنا بالاضافة للبعد الوطني، فإن البعد المعرفي قد فقد قامة، ودفنت أسرار عظيمة معه، وللاسف كعادة السودانيين الذين لم يكتبوا مذكراتهم، واذا كتبوها سيحرقون منها فصول الخذلان والعمالة والارتزاق والجبن عند الذين ساروا معهم في هذا الدرب، وهذا ما يفتقده المؤرخون في البحث عن حقائق الماضي لهذه البلاد، فالذئب يدعي انه الأسد، والاسد رابض في عرينه لا يهمه خارجها الا اذا جاء وقت الملمات، وقتئذ يختفي الذئاب وكأنهم في حالة ممات، لذلك أخشى ان لا يكون الأستاذ نقد قد كتب مذكراته واذا كتبها أرجو أن لا تكون شحيحة من الأسرار، وأكرر كعادة السودانيين لا أعتقد أن نقد سيكون أفضل من غيره في فقه السترة، رحم الله الأستاذ نقد رحمة واسعة، لقد قابل ربه لا شيء لديه إلا كفنه الذي قطعاً سيكون الذي دفع قيمته غيره، جاءه بلسان رطب لم نسمع قط أن نقد تفوه على رؤوس الاشهاد بكلمة نابية إساءة لجهة دينية أو سياسية كما يفعل بعض المسلمين السودانيين الذين يقرأون الحديث النبوي القائل (وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)، وهذا الذي نجا منه نقد.
    التلوث البحري..من المسؤول ؟


    من الواضح ان قضية التلوث البحري الذي غطى قبل ايام مساحات واسعة من سواحل البحر الاحمر جنوب منطقة هوشيري آخذة في التطور بعد ان قام عدد من الصيادين المتضررين بفتح بلاغات ضد الجهات المختصة، ويقول الشاب حسن بعلاب القيادي المعروف واحد اصحاب مصائد الاسماك انه ابلغ نيابة ولاية البحر الاحمر بالحادثة وطالب الجهات المتسببة في التلوث بالتعويض عما لحق به من ضرر وكذلك فعل احد صيادي منطقة هوشيري بعد ان فشل في ابعاد كتل الطبقات الزيتية السوداء عن شباك الصيد ما ادى الى تمزقها واتلافها التلف
    الكامل وبعد ان ظهرت على جسده اعراض مرض جلدي غريب .
    اذن هنالك تلوث بحري ما يزال مجهول المصدر رغم انه تمدد على مساحات مائية واسعة جنوب ميناء بشائر تو ولم تصدر الجهات المختصة في المصلحة البحرية ووزارة السياحة والبيئة وغيرها من الجهات ذات الصلة بياناً شافياً يميط اللثام عن اسباب التلوث وهنالك مواطنون اكارم تضرروا وقرروا اللجوء الى
    المحاكم لمواجهة وحش البحار المسمى بالتلوث وبالتالي يتوجب على الجميع العمل على كشف الحقائق حول اسباب التلوث ويتوجب على الجهات المعنية ان تسارع بعد اكتشاف الاسباب الى العمل دون تكرار حدوث التلوث مرة اخريى حفاظاً على انسان المنطقة وعلى البيئة الصحية وعلى كنوزنا المدخورة في اعماق البحار وترقد مطمئنة تنتظر السواعد الفتية وأبناء المستقبل .


    ان التلوث البحري قد ينجم عن حادثة طبيعية حينما تنفجر لا قدر الله السفن الناقلة للنفط بفعل فاعل او ربما تقوم بعض السفن بدلق حمولتها من النفط لمختلف الاسباب او ربما ينجم التلوث عن فعل فاعل ويكون جريمة مع سبق الاصرار والترصد ولذلك صاغ العالم قوانين للسلامة البحرية يتحاكم اليها جميع الفرقاء في هذا الخصوص ومن الواضح ان صيادي منطقة هوشيري جنوب بورتسودان يعرفون حقوقهم كاملة ولذلك فتحوا البلاغات لدى النيابة المختصة ودخلت القضية بهذا الاجراء الى حيز التقاضي ولن يكون ثمة عمل بعدها الا الخلوص الى حكم المحكمة او التراضي على تسوية مجزية .
    بيد ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو ما دور الجهات المختصة ؟ وما هو دور منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية البيئة ؟ وقبل ان تتطور المسألة لتصبح قضية ( إتحادية ) ماهو دور وزارة السياحة والبيئة بولاية البحر الاحمر والتي يتولاها عن حزب مؤتمر البجا الزميل المناضل عبدالله كنة ؟ ان وزارة كنة تبقى هي صاحبة المسؤولية الكبرى في معالجة فضيحة التلوث البحري واستكشاف اسبابه ومعالجة آثاره المضرة بالانسان والبيئة وبموقف السياحة في ولاية البحر الاحمر خصوصاً بعد الزخم الاعلامي الذي بثته حكومة الولاية بشأن الجذب السياحي ، ان صناعة النجاح عملية متكاملة وترتبط كافة عناصرها ببعضها البعض .


    وعوضاً عن الاضرار التي لحقت بالمواطنين وبالبيئة جراء التلوث فإن ضرراً كبيراً اصاب السياسة العامة للدولة بحيث تجد الحكومة نفسها مجبرة على اصدار بيان شافي وواضح عن سبب التلوث وإلا فإن التحليلات والتكهنات ستسير باتجاه تجريم الحكومة بأنها تتواطأ مع بعض الشركات الاجنبية وتسمح لها بتلويث مياه البحر الأحمر قبالة الشواطئ السودانية نظير ( جعل ) معين واجرة مقبوضة وهو ما يعتبر عملاً غير اخلاقي يضاف الى كتاب الحكومة السودانية في هذا الخصوص .. نسأل الله السلامة .

    (
                  

04-04-2012, 08:52 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    ونعانق أجنحة الطير!!!

    علمتنا هكذا الباب يدخلنا

    إلى خيمتك في النعيم

    استلمنا الخريطة يا صاحبي

    لقد غربتنا الأماني وحالفنا المستحيل

    تأكد بأنك ما زلت

    تصدح فينا صباحاً صباح

    أرضاً سلاح..

    نخلي الحرابة نجيك سالمين

    وطلب الحق هو دينك

    ودين التائهين

    تأكد بأنك شديد لضديد

    تبق أكسجين

    فحي عليك مقاماً وحين

    مشيت لي صحابك

    وراك سبت بابك مُشرع وحيْ

    دخلناك نفكر في حضرة جنابك…

    شنو البعد موتك

    بيطرح جوابك على ها السؤال اللي كان سر عذابك

    يابا الجوامع هيل منو؟ يابا المدارس حقتو؟

    تفكر في غير ،،،وناسي اغترابك

    عثمان بشرى

    23/3/
    2012

    --------------


    الحزن: رثاء محمد إبراهيم نقد
    Updated On Apr 2nd, 2012

    الشاعر/ عباس عبد الملك المشرف


    يا قلب يا مسكين صف الحزن صفين

    والقمري صار أتنين…أصلوا الشيوعي حنين

    طبع اليساري أمين

    رحل البحل الدين

    رجلاً بكفي العين

    صف الحزن صفين…نور القمر نورين


    حزنك خرج من وين

    وردي ونقد صامتين

    للسكة كوم جاهزين

    فينا الشفيع والزين

    هاك زهرة الياسمين

    صف الحزن صفين نار النضال نارين

    نزف البلد دمين

    كل الشباب صامتين

    لا سادة لا خائنين

    صابرين وما هينين

    شمس الكفاح شمسين

    الشيخ رطن بالدين

    تكفير باسم الدين

    والليل حليف الصين

    يسرق باسم الدين قايل كلاشو الشين

    يقتل باسم الدين

    والله الحساب بعدين

    صف الحزن صفين رحل نقد لي وين

    محتار أقبل وين

    خلاني في الستين

    والحشد نمرة اثنين

    هدا الأرض هدين

    صف الحزن صفين

    هم البلد همين

    أصلوا الشيوعي حنين

    طبع اليساري أمين

    دخل السجن كمين


    وحدة ولام أمنين

    يا قلب يا مسكين صف الحزن صفين
                  

04-06-2012, 10:06 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    نقد مفترق الصمت ...والكلام
    د. فضل الله أحمد عبد الله:
    وقال «أدونيس»
    «أجمل ما تكون
    أن تكون مفترقاً للصمت والكلام
    يكون فيك أوّل الكلام آخر الكلام»
    وقال أحمد بن الحاج أبو علي «كاتب الشونة» في تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية، في ترجمة الفقيه علي بقادي بالقول:
    «ومات في تلك السنة العالم الرباني، والغوث الفرداني الذي اشتهر بالتوحيد في زمانه، وفاق من قبله وفي أوانه، الفقيه «علي بقادي» رحمه الله، وهو ذو باع طويل في هذا الفن وقد ضربت إليه أكباد الإبل من كل فج، وقد رثاه ابنه العلامة إبراهيم بقصيدة:
    «الحكم لله كلّ غيرهُ فاني
    وفي المنايا عِظاتُ كلّ ولهان
    يا تائهاً غافلاً والموت يطلبه
    أقصر عناك فللمنون عينان
    وهذه الدارُ لا شبه يقاربها
    إلا سراب بدا في ظهر قِيعانِ
    سحارة الطرف ترمي في لواحظها
    سمية الصِّلِّ لا راق ولا دان
    كم أظهرت فرحاً في طيّهِ حَزَن
    وما استحت واحداً في العصر رباني»
    في ضوء ذلك المعنى، أو تلك الصورة ذاتها، وجدّتُ فيها ذاكرة، أو خاطرة وأنا أقف بين آلاف الناس في صباح يوم الأحد 25 مارس 2012م بمقابر فاروق في موكب تشييع جثمان أحد أركان الفكر السياسي السوداني الأستاذ محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني.
    ولا أعدو الحقيقة إذا قلت إن ما شاهدته يوم ذاك في تشييع جنازة «نٌقد» قد جاوزت صورته الإنسانية أو لامست حدود العرفانية في الشعور والمعنى.
    كتل بشرية كأنها السحب تركض، أو «الرياح فوق أمواج الغيوم مسرعة» حسب تعبيرات شاعرنا «محمد الفيتوري»..
    إذ ترتطم الأقدام بالأقدام، وتلتقي الكتوف بالكتوف «والعمائم البيضاء والرايات والطبول، والبوقات» في مشهد يُعدّ أُمْثُولةٌ في معجم الوفاء ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان؛ الذي ظل محمد إبراهيم نقد يمثل رمزاً من رموزها وداعية من دعاتها القلائل في السودان والذين طوّعوا تناقضات ومناقضات الحياة السياسية السودانية، مخرجاً للناس جليل الأفعال وجميل الأقوال.
    فالقراءة المؤوّلة لتلك «الصورة المشهدية» التي شكّل أبعادها الناس في مراسم دفن زعيم الحزب الشيوعي السوداني «نقد»، وهم في المقابر بكل ما يحملون من شارات متنوعة الدلالات، ومتعددة المفاهيم والتصورات، متوحدين في مشاعرهم ومكنونات نفوسهم إنما يعني ذلك في تقديري إلى القيمة العليا في شخصية محمد إبراهيم نقد عندهم، لا في معنى إنسانيته التي جسدها في حياته (قولا وفعلاً) فحسب، بل في أصالته السودانية الذي اجترح لها المعاني والتصورات والأقوال، بعفة في اللسان أولاً، فلم يكن بذاءً ولا لعاناً، بقدر ما مشى بين الناس بوقار مهيب في السلوك، ورشد سياسي في التعامل مع القضايا الوطنية قليل جداً من يماثله – مقابلة أو مناظرة – في اتجاهات النبل والعرفان الذي ارتقى إليها «نقد» مرتقىً يصعب ارتقاء الكثيرين إليها في مشهدنا السياسي السوداني المعيشي.
    أقول هذا، وفي تأملي الكلي للمشهد، وأنا أقف على قاعدة فكرية مناقضة في أصولها ومفارقة لمنظورات محمد إبراهيم نقد الفلسفية. غير أن نبل هذا الرجل الآسر في شخصيته وما ينطوي عليه من معاني قد استنهض كل علامات التقدير والاحترام عندي، وإلى النظر إليه كحالة تستوجب المرء أن يقف أمام منجزه الفكري وتصوراته الذهنية في المسألة السودانية بقدر كبير من التجرد فلم يجد المرء عنده غير المتفق وهذا لعمري هو الصبو إلى الوصال الوطني في أقصى حدوده الممكنة.
    فإن إجراء أي قدر من التحليل المنهجي في مكتوبات وأدبيات الأستاذ محمد إبراهيم نقد، الفكرية والعملية لا يمكن تغييب الحقائق الكبرى التي تشهد له أنه على معرفة عميقة بالأبعاد الحضارية والثقافية للسودان؛ وعارف بالعناصر المكونة له، والخصائص المميزة في إنسانه.
    وهي المعرفة التي استند عليها وتوسل بها في إنتاج تصوراته الكلية الشاملة في الأزمة السودانية.
    ومن يقف عند كتابه: «علاقات الأرض في السودان» - على سبيل المثال – والذي كتبه في سجن كوبر 1990م كما أشار في تقديمه، يجد المرء موقع الكتاب في غاية الأهمية لمن أراد أن يميز نفسه بالحضور في ملعب الحياة السودانية على تعدد مستوياته السياسي أو الثقافي والاجتماعي الاقتصادي.
    يحمل الكتاب قارئه بمنهج باحث عبر خطٍّ متصل على هامش وثائق تمليك الأرض في استجلاء وكشف يعمل على استيعاب علاقات الأرض كما صاغتها وقننتها وثائق الفونج والعبدلاب ووثائق الفور ومنشورات المهدي، في إزاحة للحجب أو الغامض في الاجتماعي السياسي في مسألة الدولة واشتراطاتها الباطنية.
    فقد استنتج الأستاذ محمد إبراهيم نقد أفكار وتصورات مضيئة من خلال قراءته لوثائق علاقات الأرض في السودان.
    كما وقف «نقد» عند مأثورات الإمام المهدي، وأنتج نصاً آخراً فيه تفسيره الخاص للإمام محمد أحمد المهدي قائلاً فيه:
    «مأثورات موحية، موجزة العبارة، حادة التعبير كصلصلة الجرس، حتى لتبدو وكأنها شعارات ملصقات أو هتافات مسيرة، بمزاج عصرنا السياسي، وفي ثناياها ترتسم ملامح المهدي الثائر، القائد السياسي، رجل الدولة، المصلح الاجتماعي، استوعب واقع سودان التركية، تجاسر على تحديه وجعل أعاليه سافله، وسلّ يده عن خنوع المؤسسة السلفية لسلطان المسلمين الجائر في الباب العالي والقلعة، وضرب في بيداء الاجتهاد قبل النص وبعده، ليعيد لبسطاء المؤمنين المسحوقين حقهم السليب، وكرامتهم المهدرة وحالفه التوفيق في اختيار الوتر والصوت الملائم لمخاطبة وجدان وإسلام الفطرة، المتجاوب والمستجيب طرباً وانجذاباً وغرقاً لصادح الثورة والإصلاح رؤاه للعدالة مستمدة من الكتاب والسنة».
    بذلك القول وقف محمد إبراهيم نقد في مأثورات الإمام محمد أحمد المهدي، في لغة سردية تصف حقيقة الثورة المهدية، كاشفاً مساحات يصعب تقديرها لاكتناه بواطن الفعل المهدوي باتجاهات جرأة الذهن في عصر السلفية الآسن – حسب قوله وما كان اكتشافه كشفاً وإشراقاً غيبياً، إنما إدراك واستيعاب لواقع سودان التركية. وفارق العهد، البيئة، سبل كسب العيش، وبقية العوامل التي تباعد بين الواقع وقروحه وقبحه.
    ومن منجزات محمد إبراهيم نقد الفكرية العلمية في اتجاهات الدراسات السودانية والتي تؤكد نبوغه في المسألة السودانية وطول باعه في الشأن السوداني هو كتابه «علاقات الرق في المجتمع السوداني» وهو الكتاب الذي قال عنه الأديب محمد المكي إبراهيم: «غزارة ومصداقية في المعلومة والحدث، اختزال في زمن الاطلاع».
    وبهذا وغيره من الأطروحات النظرية التي قدمها محمد إبراهيم نقد في مشروع الفكر السوداني، يمكن القول أنه من القيادات السياسية المتميزة العطاء والنموذج المماثل للحكمة وجمال الإنسانية في تطلعها إلى ما هو أفضل. فقد ظل «نقد» وأغلب عمره السياسي ما بين أسوار السجون، أو متخفياً تحت الأرض، إلا أنه استطاع أن يستثمر كل ظروف أيام العسر هذه بأن ينتج فكراً وأدباً على مستوياته النظرية والتطبيقية ظاهرة بارقة للعيان. يتجلى فيها العمق والوضوح في الرؤية.
                  

04-07-2012, 11:37 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    ورحل نقد مانديلا السودان

    بقلم بروفيسور محمد زين العابدين عثمان –

    جامعة الزعيم الأزهرى
    منذ 8 ساعة 26 دقيقة


    ان الحديث عن قمة سامقة فى محيطنا السياسى والثقافى والفكرى كالمرحوم الأستاذ محمد أبراهيم نقد لجد صعب والكلمات ستكون عصية لتجرى جرى المداد لأن الكلمات التى تختارها لتتحدث عن المغفور له بأذن الله تتقاصر عن التعبير عن المكنون والمشاعر لهذا الفقد الجلل الذى اصاب الأمة السودانية لأن نقد ليس ملكاً للحزب الشيوعى أو ملكاً لأسرة بل هه ملك ألأمة السودانية كلها ولأن الفقيد نقد تتجمع فيه ########م وشوارد الكلم وتتمثل فيه كل سمات السودانى الأصيل فهو ذلك الشفيف عفيف اليد واللسان ثاقب الفكر هادئ الطبع وموطأ الأكناف.

    كان أول لقاء لى بالمرحوم الأستاذ نقد فى شهر أغسطس عام 1985م بعد أنتفاضة ابريل المجيدة بمنزل الأستاذة فاطمة احمد أبراهيم بأم درمان العباسية أتيتها فى أمر خاص بأخى وأنا أتأهب للسفر الى المملكة المتحدة للألتحاق بجامعة نيوكاسل للتحضير لدرجة الماجستير. و عندما عرفته الأستاذة فاطمة بي قال لى لماذا رفضت أن تتولى حقيبة وزارة الزراعة الأتحادية التى رشحك حزبك لتتولاها؟ فقلت له أن عام واحد كوزير لا يساعد فى أن تخلق ثورة أو تغييراً جذرياً فى القطاع الزراعى بشفيه النباتى والحيوانى وما هى الا حكومة ووزارة ترتيب أوضاع فى فترة أنتقالية لحين قيام حكومة منتخبة من البرلمان، هذا غير أنى أحمل قبولاً من جامعة نيوكاسل للتحضير لدرجة الماجستير والتأهيل العلمى عندى أو بالنسبة لى يسبق العمل كوزير. ولقد أستحسن الأستاذ نقد وجهة نظرى وقال لى من يأخذون خيار التأهيل على السلطة نادرون ولعل هذا يكون ديدنك فى مستقبل حياتك.

    لم ألتق بالأستاذ نقد بعد ذلك الا فى العام الماضى بعد أن علمت بمرضه فصرت أعوده بين الفينة والأخرى فى منزل أخته وأتجاذب معه أطراف الحديث وأستغربت عندما قال لى أنه قد قرأ كل المقالات التى كتبتها بالصحف وأنه لم يربط بينى وبين الشخص الذى التقاه عام 1985م بمنزل الأستاذة فاطمة أحمد أبراهيم . وقال لى الآن علمت أن مثل هذه الجرأة فى الصدح بالرأى لا تكون الا من حلاوى وقد عرفنا ذلك عند عمك المرحوم الأمين محمد الأمين رئيش أتحاد مزارعى الجزيرة والمناقل وقال لى أن أهلك الحلاوين أول من أنشأوا خلية للحزب الشيوعى بالسودان، بل أن الرفيق كامل محجوب قد أستوطن ديار الحلاوين فى تفرغه للحزب الشيوعى بيم مزارعى الجزيرة والمناقل. وقال لى أن الحلاويين دائماً مع التغيير والتجديد والثورة والتحديث وتمتلئ روحهم بالثورة وما عبد القادر ود حبوبة الا مثالاً ونبراساً للروح الثورية التى تتغمس الحلاويين.

    فى حوارى الفكرى والسياسى مع الأستاذ نقد وجدته يحمل فكراً تجديدياً فى الفكر الماركشى الأشتراكى وتطويعه بما يتلاءم والواقع السودانى والعربى والأسلامى. فقد تغير رأيه فى دور الدين فى المجتمع السودانى وحتى فى الدولة السودانية ويبقى الضابط عنده هو عدم ايتغلال هذا الدين فى السلطة والسياسة والسبيل الوحيد لكبح استغلال الدين هو الديمقراطية بكل ما تحمل الكلمة من معان. وقد تغير أيضاً فكره فى الديمقراطية المركزية الى الديمقراطية الليبرالية التعددية وضرب لى مثلاً أن حزب العمال البريطانى قد قام بتحسين وجه النظام الراسمالى دون الغائه وذلك بأضافة مضامين النظام الأشتراكى المتمثل فى الضمان الأجتماعى وريادة القطاع العام دونما تغول على القطاع الخاص وأتباع النظام الأقتصادى الحر وصار نظاماً يحتذى للأشتراكية الديمقراطية التى تبنتها معظم دول أوروبا الغربية.

    لقد كان الأستاذ نقد فى حواره معى أكثر تركيزاً على دور الحزب الأتحادى الديمقراطى فى الحياة السياسية السودانية وقال لى أن الضمان الوحيد لأستمرار الحريات والديمقراطية هو أن يكون حزبكم واحداً موحداً وقوياص وفاعلاً لأنه الحزب الوحيد الذى تحت ظله تنداح الحريات وتجد الديمقراطية الأرض الممهدة لتنضج بالممارسة. وأدهشنى عندما قال لى أنه هو والمرحوم عبد الخالق محجوب قد قادا معركة شرسة ضد عوض عبد الرازق عندما نادى بدمج الحزب الشيوعى فى حزب الوسط الوطنى الأتحادى لخلق الأستقرار السياسى. وقال لى أنهم قاما بأتهامه بالبرجوازية الصغيرة الطقيلية ولكن دلت التجارب أن عوض عبد الرازق قد كان متقدماً فى رؤياه من الجميع فى الحزب الشيوعى. وقال لى لو طرحت هذه الفكرة الآن فى أوساط الشيوعيين لن تجد من يعارضها ولكن لا سبيل لطرحها والحزب الأتحادى يعانى من الكثير من نقاط الضعف أولها تشرذمه وأنقساماته وهيمنة الطائفية على مقدراته ونموئه الديمقراطى الطبيعى. ولقد حثنى الأستاذ نقد على الصبر على طريق الأصلاح لأن الأنقسام لا يصب الا فى معين ومصلحة أعداء الحرية والديمقراطية وهم فى الحزب الشيوعى سيدعمون ويشجعون اى مجموعة فى الحزب التحادى تعمل لوحدة الحزب وأصلاحه لأن المرحلة لا تتحمل أنقسامات وأنما تتطلب تشابك الأيدى وربط الطروف.

    ان الذى يجلس للأستاذ نقد لا يمل حديثه ولا يحب ان يبتعد عنه قيد أنملة وذلك لهدوئه الذى لا يشوبه ضعف وسلاسة منطقه وأفكاره المرتبة ويأسرك بحججه القوية وقد ملك البيان مما يسهل عليك متابعته، بل أنك عندما تهم بالخروج من عنده تجد نفسك قد حفظت كل كلمة قالها وما تخطو منه خطوة مودعاً الا تجد نفسك أنك تتمنى الرجوع اليه فهو الذى لا يكل ولا يمل.

    لقد تصدى المرحوم الأستاذ نقد لقيادة الحزب الشيوعى فى ظروف غير طبيعية وفى أحلك الظروف بعد مجذرة يوليو 1971م والدماء تشيل تملآ الشوارع بدماء الشيوعيين وعندما أنتخبته اللجنة المركزية سكرتيراً عاماً للحزب خلفاً لشهيد الوطن عبد الخالق محجوب لم يرتجف أو يتململ أو يتتعتع وقبل التكليف بكل الشجاعة المعهودة فيه ولم يطلب مهلة للتفكير او المشورة وبعدها مباشرة وبكل النفس الشفيفة طلب من زوجته أن يفترقا رأفة بها ورحمة بها ولئلا يحملها ما لا طاقة لها به وهو سيختفى تحت الأرض. وقد قرر أن يتزوج القضية ووهب نفسه راضياً مرضياً من أجل ما يؤمن به من مبادئ وافكار وأختفى تحت الأرض طيلة فترة حكم نميرى وليردفها بفترة حكم الأنقاذوصار مسجوناً بأختياره وفى هذا قد فاق نلسون منديلا رمز النضال الأفريقى ولم يعش كما عاش مانديلا ليرى حصاد نضاله. والأنسان لا يعلم مرارة الأنعزال والحبس وما تفعله فى النفس والجسم الا الذى قد جرب ذلك. ولقد تزوج الفقيد نقد القضية الوطنية فكانت له الزوج والولد الى أن لاقى ربه راضياً مرضياص وقد كان تشييعه استفتاءاً حقيقياً لحب بنى سعبه له.

    ان موت الأستاذ نقد ليس كموت أحد من الرجال وأنما هو موت أمة وليس لنا من سبيل لتمجيده الا بأقتفاء أثره ولا بد أذا أردنا أن نخلق سوداناً جديداً يسع كل أهل السودان بكل مكوناته وشعوبه الا أن نعكف على كتابه " علاقات الرق فى السودان " ونتمعن ما يبر غوره فى هذه العلاقات بين الشعوب السودانبة لنخلق مجتمعاً سودانياً معافاً من التركات المثقلة لعلاقات الرق فى مجتمعنا.

    الا رحم الله الستاذ نقد رحمة واسعة ونسأله أن يسكنه فسيح جناته وأن ينزله منزلة الصديقين والشهداء بقدر ما قدم لوطنه وشعبه. اللهم ان عبدك نقد قد أتاك ونحن اهل السودان جميعاً ربضين عنه فأرضى عنه برضائنا عنه وأحعل ما قدمه لنا فى ميزان حسناته وه قطعاً مرجحة سبيله الى عالى جنانك.

    -----------------


    وداعاً نقد: وداعاً أيها الحبيب ..
    بقلم: د. جعفر كرار أحمد
    الجمعة, 06 نيسان/أبريل 2012 13:39
    Share

    Gaafar Ahmed [[email protected]]د. جعفر كرار أحمد

    جامعة الدراسات الدوليةشنغهاي-الصين



    ترعرعنا في قرية صغيرة على ضفاف النهر إسمها الداخلة، كان السودان في ذلك الوقت بلداً واعداً وكان الناس وادعين . وكان ذلك الحي القرية يضم أعداداً لا بأس بها من عضوية الحزب الشيوعي ومؤيديه النشطين في المجالات الثقافية والرياضية والإنسانية . وكانت أكثر لحظات طفولتنا إثارة عندما تصل الحي "كوامر" البوليس السياسي لإعتقال بعض أهلنا وجيراننا من الشيوعيين، وكنا نحن الصغار نزاحم الكبارلنسجل في ذاكرتنا الصغيرة لحظات إعتقالهم ونكون حاضرين عند عودتهم إلى الحي بعد فترات إعتقال تطول أو تقصر للسلام والتحية والتضامن ، نسترق السمع لقصصهم وحديثهم الذي لم يترسخ منه في وجداننا سوى النضال ضد الظلم والقهر وهذا بربى يكفي . وعلى بعد أمتار قليلة من منازلنا الممتلئة بنسح الميدان السرية ومنشورات الحركة النقابية، كان مسجد العمدة السرور السافلاوي ينادي للصلاة فنلبي، وعند العصر كان بعضنا يحث الخطى لدار الشيخ الجليل (ود نوا وي) لنتلقى بعضاً من علوم القرآن والدين .


    وكنا لا نرى تنافضاً بين كل هذا . في هذه الأجواء سمعنا عن عبد الخالق محجوب، ومحمد إبراهيم نقد والحاج عبد الرحمن والتجاني الطيب وغيرهم ورسمنا لهم صوراً مختلفة عن الآخرين في مخيلاتنا . وكان والدي يحرص على أن نقرأ له الميدان ونشرات الحزب وبيانات الحركة العمالية وهناك نتعرف أكثر على هذه الشخصيات . وأذكر وكنت ربما في الثامنة من عمري عندما رافقت أمي إلى ميدان المولد بمدينة عطبرة لنستمع لليلة سياسية يخاطبها الأستاذ محمد إبراهيم نقد . وهناك رأيت أكبر تجمع بشري سجلته ذاكرتي حتى ذلك الوقت، وما أن أستوى الزعيم على خشية المسرح الذي أعده عمال السكة حديد لهذه المناسبة حتى أطلقت والدتي زغرودة شقت ذلك الصمت تحية لقائدها، وذلك وسط أندهاشي ولم أجد ما إتضامن به مع تحية أمي سوى التصفيق . إن زغاريد النساء في المجتمعات التي جئت منها تطلق فقط عند إستقبال فارس منتصر ، أو شيخ ذو تقدير رفيع أو زعيم كبير، وكان محمد إبراهيم نقد كل هؤلاء عند أمي وكثيرات مثلها . لقد كان هذا القائد يعبر عن آمالها وآحلامها في الحرية والإنعتاق والغد الأفضل . لقد كانت الساحة يومذاك ممتلئة بالنساء اللواتي شاركنها الزغاريد، وبالعمال الذين لم يملوا الهتاف "عاش نضال الطبقة العاملة" وبالمزارعين الذين جاءوا ليستمعوا للقائد من أم الطيور، وبرير، والعكد والباوقة وغيرها .
    ثم سمعت بالزعيم نقد مرة أخرى ووالدي وبعض الجيران يلتفون حول المذياع الذي كان ينقل كغراب الشؤوم أنباء إعدامات قادة الحزب الشيوعي في يوليو 1971، ثم يتوقف المذياع ليعلن أن محمد إبراهيم نقد لا يزال هارباً، فيتنفس أبي الصعداء ويحمد الهي كثيراً على نجاة الزعيم من موجة الإعدامات ثم يلتقت للذين حوله ويقول " ما بلموا فيه تاني" ولم يلموا . وظللنا نسمع به طوال طفولتنا وبعض صبانا حتى رأيته مرة ثانية في الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم يبشر شعبنا بغد أفضل بعد إنهيار الدكتاتورية العسكرية الثانية. ليختفى ثانية عندما سحقت دبابات الحركة الإسلامية الديمراطية الثالثة .



    لقد عكس موكب التشييع المهيب التقدير الكبير الذي يكنه شعبنا لهذا الزعيم التاريخي . لقد جاءوا بمئات الآلاف من مختلف الفئات والأديان والإتجاهات الفكرية صوفيين إشتركوا معه في الزهد ، وشيوعيين شاركوه معاركة، وقساوسة ودعوه بالترانيم فالمجد لله في الأعالي وعلى الوطن السلام وبالناس المسرة، لقد إمتلئت ميادين التشييع بالرآيات الحمراء ورآيات الأنصار والختمية ورآيات الحركة الشعبية لتحرير السودان ، لقد إزدحمت الآفاق برآيات الطرق الصوفية والقبائل، وهكذا كان تنوع الرآيات قبل أكثر من مئة عام عندما شيع السودانيون قائدهم التأريخي محمد أحمد المهدي، وما أشبه اليوم بالبارحة . نعم ليس كل الذين رفعوا الرآيات الحمر وشارات الحزب الشيوعي السوداني أعضاء في هذا الحزب، لكنهم إختاروا في يوم التقدير هذا أن يرفعوا رآيات الزعيم الذي أحبهم وأحبوه ورآيات الحزب الذي ظل يقاتل من أجلهم لأكثر من نصف قرن . لقد كان رحيل نقد فرصة سانحة لشعبنا ليظهر تقديره لنضالات الحزب الشيوعي السوداني وإحترامه له .


    إنه معدن هذا الشعب الأصيل والمستنير، لقد جاءوا بأديان شتى وسحنات شتى ليمشوا مع الزعيم في مشواره الأخير لقد رصدنا كيف أن أبناء جنوب السوان القديم الذين تجبرهم قوى الهوس على الرحيل كانوا حاضرين في وداع الزعيم والمفكر الذي أسهم في تعميق رؤى حزبه العاقلة لحل مسالة الجنوب قبل أن تسبقه طيور الظلام إلى تمزيق الوطن . لقد جاءوا من مختلف الأعمار فأمتلئت مآقي الشيوعيين بالدموع بعضها حزناً على قائدهم وبعضها تأثراً لرؤيتهم كيف جاء شعبهم ليحتفى بزعيمهم في يومه الأخير كل هذا الأحتفاء . لقد جاءوا شعباً كاملاً حافياً وباكياً مهللاً ومكبراً وهاتفاً حيث إختلطت رأيات الختمية والأنصار ورآيات الحركات الصوفية، مع أعلام الحركة الشعبية لتحرير السودان، برآيات لا نعرفها مع رآيات الحركة الشيوعية السودانية . هتافات ودعاء ، وتراتيل الكتاب المقدس،


    ها هم السودانيون جميعاً جاءوا ليلقوا نظرة الوداع الأخيرة على قديسهم وهو مختف وسطهم للمرة الأخيرة . كان الزعيم الكبير يعلم أنهم سوف يأتون ليخفوه وسطهم عند إختفائه الأخير، ألم يقل كلما أعادته نضالات شعبياً إلى سطح الوطن (كنت مختفياً وسط شعبي ) ها هم قد خرجوا بمئات الآلوف لوداع أصلب معارضي الإنقاذ ، وكان بعض قادة حزب المؤتمر الوطني السيئ الصيت يتهكمون على المعارضة السودانية بانها غير قادرة مجتمعة علي حشد بضعة آلاف من مؤيديها في الميادين . وها هم جاءوا بمئات الآلاف يستظلون برآيات حزب وزعيم معارض . جاءوا ليقولوا لدعاة دولة الحزب إن شعبنا بخير . لقد قضى الزعيم عمره يدعوا إلى توحيد القوى الوطنية والديمقراطية والأحزاب السياسية وقوى التغيير في جبهة واحدة كشرط أساسي من شروط الإنتصار في معركة إسترداد الديمقراطية وبناء دولة الوطن . وها هو يجمعهم في رحلته الأخيرة رآيات شتى وقبائل شتى ليذكرهم قبل إختفائه الأخير أن إتحادهم ممكن وأن قوتهم لا تقهر .
    هذا هو شعبنا
    هذا هو الحزب الشيوعي السوداني
    وداعاً نقذ
    وداعاً أيها الحبيبJoomla Templates and Joomla Extensions by ZooTemplate.
                  

04-08-2012, 09:50 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    ا محمد ابراهيم نقد: رائداً من رواد التنوير
    Updated On Apr 5th, 2012

    حوارات وافكار

    بقلم:د.عبدالقادر الرفاعي

    اننا اليوم، ومنذ رحيل الشاهق محمد ابراهيم نقد، نتحدث كثيراً في الصحف والاذاعات والقنوات والمجالس عن صفات هذا الرجل المنير نقد، وهذا امر جدير بالتحية والتقدير، واتمني ان ينتقل بعضه او كله من خانة الوصف والاعجاب والرثاء والحزن، الي خانة المشاركة في تطويره وتعميره. نقول هذا ونحن مدركون اهمية ان لا يتوقف في حدود شكل علوي نخبوي فيكون انتشاره محدوداً ومحاصراً في اطار حرارة الحدث ليتلاشي بعد ذلك ثم يطويه النسيان.


    رحيل محمد ابراهيم نقد يقع بالدقة في الوقت الذي تتفاقم فيه الازمات الناجمة عن التخلف الاجتماعي ويتفكك في الزمن الذي تتفكك فيه المشروعات الاقتصادية التي بناها الشعب السوداني بعرقه وتضحياته، وتزداد فيه سيطرت المصالح الرأس مالية العالمية والطفيلية المحلية علي اقتصادنا الوطني، فضلاً عن تفت تراب الوطن بالاندثار والتلاشي مع تفاقم الاتجاهات التي اللاعقلانية المتعصبة وصعود الثقافة المسطحة والمبتذلة وتهديد ثقافتنا الوطنية مع تدني الخدمات التعليمية والصحية واستشراء الفساد والعنف الاجتماعيين، وفقدان الرؤية الموضوعية للعالم وسيادة روح الاستهلاك والتنافس الفردي من اجل الربح السريع مع افتقار الوطن الي خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الي غير ذلك.


    وحتي لا تضيع مأثرة السودانيين الذين كتبوا المراثي والخطب عن نقد وشخصيته الفذة، وحتي لا تتحول قدرة اولئك علي تشكيل تلك الرؤية عن ذلك القائد الوطني وتمشي بعيداً دون ان يأخذوا الحقيقة والتاريخ بعين الاعتبار، ودون ان يخافول الوقوع او تجرفهم العطافة الي قاع الاحزان فقط، وحتي لا تزول اللوحات التي رسموها عنه، وحتي تستمر باقية ملامح ذلك الرجل الثائر علي التخلف والظلام والموت، والمؤمن بالتجديد والتغيير، والثائر علي كل ما تناقض مع العصر او تخلف عنه، بحيث لا يعود الرجل – ذلك الاعصار السياسي والفكري والادبي – وتلك الثورة علي التقوقع والتحجر رقماً من الارقام في اطار كنا وكان، فاننا نقول ان رحيله له نبراس للمستقبل وامآله الكبار.

    ريادة محمد ابراهيم نقد حياة ملئية بالحياة، فيها الكثير من لغة الحياة ومن لغة معاناة القلب البشري ووحشة الطريق وقلة الزاد، كتاباته في الثقافة والادب لا يمكن وضعها في باب الرؤية الفنية، بل في ابواب اخري انسانية وتقدمية ولتأكيد نزعته الانسانية ووقوفه في صف التقدم ثم ان محمد ابراهيم نقد سيرة واضحة متكاملة لشخص كان بيننا بالامس القريب وليس عبارة عن مخطوط مهلهل الصفحات، كلماته غير مقروءة. بالطبع من حق كل جيل ان يقرأ الماضب قراءة جديدة او قراءة مغايرة لاجيال سابقة، ولكن ليس من حق اي جيل ان يقلب الحقائق او ان يسخر هذه القراءة لخدمة اهداف لا تمت بصلة الي القيم التي عاش من اجلها، وشرط القراءة الجديدة هو ان تكون مسلحة بسيف نقدي وبمنهج علمي يعلي راية الحقيقة علي آية راية سواها، وفي آية حال فان نقد ليس شخصية ملتبسة وهو علي تقاطع الطريق بين السودان القديم والسودان الحديث لافتة تقدمية تشير الي المستقبل.


    --------------------

    رسالة نُقد من مثواه الاخير ..

    بقلم: مازن عبدالرحمن
    السبت, 07 نيسان/أبريل 2012 11:35
    Share



    رسالة من المرجوم محمد إبراهيم نُقد

    الشعب السوداني الذي أعشق

    الزملاء والزميلات الاماجد...

    السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته...

    أشكركم جداً علي تفاعلكم مع موتي الي هذا الحد, وقد فرحت جداً والشعب السوداني يقف بجانبي في هذه اللحظات الصعبة التي أقف فيها بين يدي الموال عز وجل, فقد دعمني الشعب الابي في لندن عندما فارقت روحي في مستشفي سانت ميري وصلَوا علي وأخلصوا في عزائي, الا أنني تفاجأت بالموكب الضخم لوفاتي,كنت لا أحلم بموت كهذا من قبل أن يتم تشييعي بهذه الطريقة, وبين الفنية والاخري وأنا داخل تابوتي وأنتم تهتفون وتدعون المولي عز وجل أن يغفر لي كُنت أبتسم لكم وأحييكم ولكنكم لاترونني أنا فقط من يراكم, حتي أنني قهقهت بصوت عالي خِفت علي نفسي أن أفسد ذلك الموكب الضخم, وفرحت جداً عندما عمل أهل بيتي وصيتي بأن يصلي علي روحي شيخ الطريقة الادريسية, وأنا كما تعلمون قرأت الخلوة واحفظ الكثير من القران ومعجب جداً بتسامح الصوفية فهم اهلنا ويتقاسمون معنا نحن اليساريون حياة التقشف, لقد أمضيت سنيناً عدداً في السجون والمنافي والاختفاء ولم تزيدني هذه الفترات الا ثباتاً علي مواقفي وحُباً لهذا الشعب الكريم, اقول الكريم لأنه معطاء ومحب وعطوف, وأنا اذ اكتب لكم من منزلتي الجديدة من داخل قبري لوصف الحالة الجميلة التي اعيش فيها الان ولكن كتبت لاشكركم وأكمل باقي حديث الذي لم أكمله معكم وإن كان حديثي معكم لم ولن ينتهي ولكن ساحاول جاهداً ان الخص بعضه في هذا الخطاب.

    أولاً ياشعبي الكريم لقد أذاقوك السياسيين مر التجارب وهم قطعاً يحاولون لان يضعوا بصماتهم في إنمائك وتطويرك, ولكن ذي مابيقولو أهلنا (جا يكحلا عماها) فهم فقط بشعارات خالية من مضامين إنسانية أستبسلوا في تقديم نمازج لم تقدم حلولاً لازمات الوطن المستعصية,وأنا بالطبع أحد الذين مارسوا السياسة في تلك الحقب,الا انني ورغم كل هذا لم أجد من يكره هذا الشعب سوي الانتهازية من ابنائكم الذين لم يتشربوا ولم يتأدبوا بأدبكم,وشاعوا أسلحة الفساد والافساد وناطحوا الدنيا الفانية وكثيرون منهم ترك ماجمع من ثروة ولم يستمتع بها, منهم من أسس الشركات وامتلك العمارات والسيارات والنساء ولكنه تركها في النهاية ومضي الي حال سبيله إذ دوام الحال من المحال, ولكن هذا لايعني أن السياسيين لم يخلصوا لك ولم يحبوك فقد احبوك جداً وهم كُثر ولامجال هنا الي ذكرهم, ولكن هم ايضاً حتي يفصلوا بيننا نحن الشيوعيين وبينك إستخدموا أسلحة الدعاية الدينية الرخيصة وهم حينما عملوا ذلك ليس حرصاً علي الدين أو غيره ولكن ولانهم فاشلون في مقارعتنا الحُجة بالحُجة,وضعوا ترسانات من القوانين الامنية والدينية تُحذر من نشاطنا وكل هذا للحد من حُبنا اليك,

    والوقوف ضدنا تلك مرحلة قد خلت, وأتمني وأنا داخل قبري أن تختفي وأن نجعل مواعين الصراع الفكري بيننا اكثر اتساعاً حتي نترك مساحة للافكار أن تتبلور وتتصاهر وبذلك يمكننا أن نخلق من السودان بلداً اخر غير سودان الجراحات هذا, ولكن ذلك الا عبر الحُب ذلك الحُب الذي منحتوني له وأنا اودعكم الي مثواي الاخير, وأنا اكتب اليك لأنني أعلم صبرك ووفاءك وحبك لهذا الوطن, فوصيتي لك أيها الشعب أن تواجه قدرك وتعمل علي تغيير واقعك لانك أنت سيد الحقيقة والحقيقة وحدها, وبعد كل هذه التجارب ستنضج الحركة السياسية السودانية أكثر, ولن يستطيع أحدهم أن يخادعك مجدداً لانك تحمل من الوعي مايُمكنك من إختيار خياراتك بدقة, ولاتستمع الي هطرقات الشعارات ويتوبيا الدنيا الفاضلة التي يصدروها فاملاء رئتيك بهواء الديمقراطية وقاتل من أجلها فإنها الطريق الوحيد لتقدمك, واخيراً وليس أخراً لأننا حتماً سنلتقي, وبالسودانية كدة العفو والعافية.

    الزملاء والزميلات...

    تحية نضالية اليكم وأنتم تخطُون دروب النضال الوعرة, وتدفعون من وقتكم ومالكم لتقدًم السوادن, أعلم يارفاقي أن اختياركم لحزبنا لم ياتِ من فراغ وأنكم تؤمنون حد الايمان بالاشتراكية باعتبارها الطريق الوحيد لتخليص العالم والانسانية من شرورها, وأعلم العنت والمشقة التي لاقيتموها في سبيل ذلك من فصل وتشريد وإعتقال ومنكم من عرض نفسه للخطر من أجل ان اظل أمن ومستخبي لمواصلة المهام الحزبية ولازالت الاجيال تتعاقب علي حزبنا فبفضلكم استمر الجُهد وأنتم حينما تصفونني بأنني الوحيد الذي حافظ علي الحزب فإنكم تضغطون علي الحقيقة وتجلعون مني رجلُ اسطوري ,بالرغم من أنني إنسان بسيط ليس أكثر, فالكثيرون غيري قدموا وحافظوا وربما يتفوقون عليَ في ذلك , فالنوثق لمجهودات الاخرين ايضاً فحزبنا ليس حزب الفرد , وحزبنا حزب المجموعة وكل له دوره في الدفع به الي الامام,هذا من ناحية ومن ناحية أخري فأعلم أن قيادتي في الفترة الاخيرة قد وهنت بفعل المرض وأن الكثيرون ايضاً كانوا غير راضين عن أشياء كثيرة منها تحالفنا مع المؤتمر الشعبي, ولكنني فعلت ذلك بوعي وحرص شديدين وقصدت به إذالة الاحتقانات التي تسيطر علي الحالة السياسية,


    بين الاسلاميين والشيوعيين فقد إكتوينا من بعضنا بعضاً ولم يتقدم السودان بل لم نحافظ علي وحدته , فلقد كنت أنظر بأننا يمكننا أن نخرج من هذا المطب بالعمل المشترك ولن تتم إذالة هذه الاحتقانات الا بأن نعمل سوياً وقد تتزكرون في ندواتي التي قدمتها بدار حزب الامة وميدان الازهري بامدرمان دعوتي للاحزاب السياسية, والقوة العسكرية في الجنوب والجبال والغرب والنيل الازرق بأن انضموا الي ركب القوي السياسية, وأنني موقن تمام الايقان بأن الحركة السياسية الان تطورت بفعل الازمات التي لاحقت السودان وتبقي وصيتي بأن تستمروا في العمل الوطني الدؤوب مع بقية القوي السياسية الاخري الحادبة علي مصلحته, وفي مقدمتهم الرفاق في حزب البعث, وايضاً لفترات طويلة لم نصطحبهم في تحالفاتنا السياسية بالرغم من أنهم اصدق واكثر وعياً بمتلطبات المرحلة ويتفقون معنا في الكثير من الرؤي, أما بقية الاحزاب فإنها تلتقي معنا في الديمقراطية كبرنامج حد أدني وهو كفيل بتحالفاتنا معهم, نعلم تاريخهم وإجهاضهم للديمقراطيات السابقة وتمركزهم حول مصالحهم, ولكن اذا أستدعينا المستقبل أمامنايمكننا أن نلتقي, شيء أخر لاتبادلو الانتهازيين السوء بالسوء فنحن قبل أن نكون حركة سياسية نحن حزب للتغيير الاجتماعي والتغيير ليس فقط للجماهير ولكن ايضاً للاحزاب التي نعمل معها,فهي تؤثر فينا ونؤثر فيهم بحجم تفاعلاتنامع بعضنا البعض, يجب أن نعلي من قيمة التسامح بيننا حتي نرتقي.

    أما فيما يخص الصراع الفكري الحزبي أولا كنت لاتمني أن تكون مساهماتي أكبر وأعمق من التي لديكم ولكن فلنفتح هذا الباب مشرعاً لكل الاراء, ولأنني اؤمن بأن الحقيقة بنت الجدل ادعوكم لذلك, يجب أن ننظر للاشياء من عدة زوايا تطورنا سيكون في نقدها لا التسليم لها, مجمل الفكر الماركسي جيداً في تعاطيه مع الظواهر ولكن لايمكننا أن نقول أن بوابة الفكر الانساني قد اغلقت بالماركسية يجب أن تنهلوا من العلوم الاخري, تجارب الشعوب, جعل هذه النظرية مطاطية كفيل بتقدمنا المحافظة عليها بجمود نصوصها سيؤخرنا ويجعل منا كهنة وحراساً للنصوص, افتحوا هذا الباب كبيراً علي كل المستويات, من الافضل أن تكون لكم بصمتكم السودانية الخاصة بهذا الفكر الانساني الرفيع وكل التجارب التي ستأتي ستضيف عليه صورة أبهي اذا تعاملت معه بقانون المرونة الفيزيائي.

    الناشطات والناشطين بمجال المجتمع المدني, اقصد بهم الحزبيين معنا وغيرهم, اولا النظرية الماركسية لها رؤية واضحة فيما يخص تقدم المراة الاجتماعي, ولقد قرأت لبعض المدارس النسوية الجديدة التي تناصب الرجل العداء من أجل تطورها, هذا غير محمود وغير جيد, لأن الرجل لايتطور الا من خلال المحافظة علي علاقته الجدلية بالمرأة والعكس,محاولة إقصاء اي الاطراف لن يفيد البشرية في شيء الرجل الحالي الذي تناصبه هذه المدارس العداء,ايضاً تنطلق مدارسكم من زوايا فلسفية عدمية أو فالنقل عاطفية انطباعية, إذ أن الرجل بسلوكه الحالي وتعجرفه هو ايضاً ضحية هذه الصور, فنحن لسنا في صراع لتبادل الادوار بقدرما نحن في صراع لحدوث المساواة الاجتماعية وهذه تجدونها بعمق في البرنامج التحرري للماركسية في نظرتها للمراة والرجل والدور الذي يجب أن يقوموا به, وكما قلت سابقاً أن طريق التغيير الاجتماعي عن طريق الحُب أهون وأسهل من طُرق العداء والخصام , العلاقة بين الرجل والمراة في مجتمعنا خصيصاً تحتاج الي تغييرات كبيرة وإن كنت اري ديمومة هذه التغييرات تتقدم الي الامام بشكل أفضل فنحن عشنا في أزمان كانت المرأة تُحرم من حقها في التعليم فقط لانها أنثي, الموجود الان تقدم نسعي لتجويده وتحسينه لا القفز عليه, شيء أخر ارفعوا همة نظرة الماركسية للمرأة بشكل عام, وهذا هو مخرجكم, لاتتركوا منظماتكم ولكن ايضا لاتهملوا الماركسية.

    الطلاب..نبض الشارع وثيمومتر الاوطان تحياتي لكم ولقد رأيتكم في وفاة شاعرنا الكبير الانسان (حميد) وأنتم تهتفون بأشعاره وياله من وفاء كم تمنيت أن اشارككم تلك اللحظة وأنا اقاتل الموت بعاصمة الضباب لندن,مافعلتموه مع حميد لايحدث الا في الروايات القديمة أن تقرأ شعراً بالمقابر,يالها من لوحة رسمتموها بدقة, أنتم من تنبهوننا الي أوطاننا حينما تضن بنا, أنتم من قاتل الديكتاتوريات بينما نحن في الاختباء والسجون, بفضلكم نمت الحركة السياسية, يحزنني أن تتحول الجامعات الي ساحات للمعارك, أعلم من هم الخطائون, ولكن أحاول في كتابتي هذه أن ابث اليكم خلاصة تجاربي في العمل السياسي لأنكم أنتم مستقبل السودان, لاتبادلوهم السؤ كونوا اكثر حكمةً منهم, قاتلوهم فكرياً وليس بدنياً, لاتخلقوا لهم فرصة ليحولوا ساحة القتال من الفكر الي البدن, طولوا أنفاسكم, فأنتم المعنين بالتغيير, الدماء الحارة لديكم وجهوها في الاتجاه الفكري الصحيح, قاتلوا الانحراف بالوعي واشهروا سكاكين المعرفة في كل الانحاء, أحملو البوسترات والاوراق الي صحفكم بدلاً من السيخ, روضوا عضلات كوادركم التامينية, لتصبح حاملة للهم الثوري والتغيير الاجتماعي, وإن قتلوا احداً فيكم شهروا بهم وأعفوا عنهم , فمثل هؤلاء لايُقتلون بالدم, ولكن نقتلهم بسكاكين الفكر وفؤوس المعرفة, وتسامح البسطاء لقنوهم دروساً في حُب الاوطان حتماً ستنجحون في ذلك.

    كثر الحديث في الفترة التي سبقت موتي داخل الحزب حول التغيير في تركيبة الطبقة العاملة وغيره وأن الحزب معظم عضويته اصبحت من البرجوازية الصغيرة, بالقطع هذه ليست النهاية وأنتم تشاهدون بأن اعينكم ماحاق بالنقابات والمؤسسات العمالية, ولكن تغيير هذه التركيبة هو من تغيير الطبيعة الاقتصادية للدولة لتتحول من قطاع استهلاكي الي قطاع انتاجي, فلقد اصبحنا بفعل عبدالرحيم حمدي مجتمعا مستهلكاً للمنتجات والمعرفة, تغيير هذه الطبيعة تبقي من أول الاهتمامات لتغيير التركيبة الطبقية ومحاولة إعدادها بشكل جيد, لا اريد من هذه النقطة أن تبقي صداعاً حزبياً تجاوزوها الي الامام بإختيار سكرتيركم الجديد, إنتخبوا من تروه مناسباً ليس بالضروي أن يكون له عطاء فكري أو متحصلاً علي شهادات عليا في مجال ما, المهم أن يتم اختياره وفقاً لامانته وحرصه علي المصالح الحزبية ولاتساع افقه ايضاً ونظرته الثاقبة للاشياء, وهذه قد تتوفر في أناس كثيرون كان بإمكاني أن اشير اليهم ولكن وحدكم ستدركونهم الان أو في مستقبل الايام.

    وصيتي الاخيرة أن تتحقق الوحدة بين الشمال والجنوب من جديد, وأن نقدم افضل ماعندنا لشعب الجنوب الذي ذاق مرارات التعايش معنا بفعل الحكومات التي تفتقد الافق الوطني, وصيتي للحركات العسكرية في الجبال والجنوب أ تنهضوا لمقاتلة الحكومات المستبدة نضالاً سلمياً حتي نحافظ علي أدب الثورات عندنا, شلالات الدماء ستغير الواقع ولكن ستكون ضريبتها غالية سيدفع أرواحها أبرياء, ساكون متابعُ معكم حالات البلاد ضنكها وإنشراحها وساهتف لكم من تُربة فاروق حينما تنتصر ثورتكم, لن تسمعوني ولكني أسمعكم ولكم من جزيل الشكر.

    محمد ابراهيم نقد

    مقابر فاروق

                  

04-11-2012, 10:22 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    في رحيل نقد : إعمل لوطنك كأنك تموت غدا ..

    بقلم: عزالعرب حمدالنيل
    الثلاثاء, 10 نيسان/أبريل 2012 20:25
    Share


    [email protected]

    لم يكن ذلك ضربا من الأساطير أو الأحاجي الضاربة في التواريخ البعيدة أن يري الناظر تلك الجموع من الشعب السوداني تشيع الزعيم الراحل محمد إبراهيم نقد ،فقد كانت تلك الجموع تمثل أجيالا متتالية منها من لم ير الفقيد إلا لماما ومنها من سمع عنه في وسائل الإعلام المختلفة و منها من ينتظر مسارات جديدة لفتح جديد كان من الممكن أن يسمح له بأن يأكل الطعام و يمشي في الأسواق بكامل المعني دون ان يتحفظ في الإفصاح عن الكيفية التي يختبئ بها تحت الأرض بعيدا عن مراصد عسس الأنظمة الشمولية منفقا في ذلك نصف عمره السياسي دون حاجة لهذا السلوك الذي ارتبط بشخصيته دون سائر الساسة لظروف تتعلق بالحزب راح في ركابها من راح و للحقيقة لم يتبق من المعاصرين إلّاه .


    كان حديث البروفيسور عبدالله حمدنا الله عن الفقيد يوم وفاته حديثا مهما تنبع أهميته في أنها شهادة ساعة الرحيل من خارج " الحوش السياسي " علي الرغم من أن" الحوش" الذي ينتمي إليه البروف أوسع إناء لو كان العود مستقيما في بلادنا . قال البروف إن حب نقد لوطنه ينبع من محبته لوطنه الصغير في القطينة وقد كان ذلك مدخلا مناسبا للعطاء في ميدان السياسة بل هو باب في الكياسة إذ إن ّ محبة الأهل والأقارب و عامة المواطنين للعامل في ميدان العمل العام تجعله يتفاني في خدمتهم ولذلك لن يكون بدعا أن تتسع هذه الدائرة كلما اتسعت الرؤية لأولئك المنتمين لمنظومة فكرية ما و قد بلغ هذا المدخل مبلغا عند نقد وانتهي عند " أنه يعرف كل سكان القطينة" كما ذكر البروف.
    لم تمنع سنين التخفّي الطويلة محمد إبراهيم نقد من أن يمارس رياضة

    المشي " مُدلِجا " و قد كان صادفه ذات يوم منزل المرحوم بابكر كرار أحد قادة الحركة الإسلامية الراحلين و لكنه كان قبل ذلك زميل دراسة لنقد بل هو الذي دعا نقد للانضمام للحركة الإسلامية في سنوات الطلب في مدرسة حنتوب الثانوية – قرأ نقد اللافتة المعلّقة في الباب ثمّ طرقه ليُلقي التحية علي أسرة كرار ويزيد " ابوكم لم يمت" في إشارة أن الأعمال تبقي في الحياة و إن رحلت الأجساد و فاضت الأرواح يريد البروف أن يدعنا نتأمل كيف يكون التسامح بعيدا عن الفجور في الخصومة و أن هناك مساحة من الود تكفي لتجسير هوّات الخلاف والاختلاف و ما أكثرها . لم تقتل يد مايو الباطشة المساحات الخضراء في نفس الرجل فأقبل علي الدنيا بعقل و قلب مفتوحين علي الجميع دون تمييز للقريبين علي الأباعد الذين يجلسون علي الضفة الأخري بل لم تجرف سنين الإنقاذ التي من لم يمت فيها بالسيف مات بغيره ذلك الغطاء الأخلاقي السميك الذي يحول دون نفاذ الأمراض التي دخلت علينا بعد ان أصبحت الأموال عندنا " بالكراتين و الشوّالات" مثلما اصبح الفساد عندنا ضربا من ضروب الفهلوة و الفلاح.
    كان التشييع معرضا لألوان الطيف السياسي والفكري و الاجتماعي والرياضي وترافق في المسير شعار " عاش كفاح الطبقة العاملة" مع علو الأصوات بالتهليل و التكبير و مثل ذلك كان الأطفال والصبيان والشباب والكهول والشيوخ و لم يغب النساء عن إحياء سنة " كنت نهيتكم عن زيارة القبور أمّا الآن فزوروها" نساء بعضهن من جيل الفقيد – وتغلّب المرضي علي مرضهم متنادين يتدافعون في عجلات تعين علي زحف كبر السن والمرض – هكذا تكون الزعامة وهكذا يكون القادة الكبار.


    ما حدث ان الأصل في كل هذا التقدير رغم الاختلاف الفكري و الآيديولوجي ما تمثله الراحل من سلوك علي المستوي الشخصي وكذلك السياسي ، رأي المشيّعون في الفقيد من كان يعبّر عنهم و يكون لسان حالهم – إذ يرون أنه ليس بالضرورة أن يعبّر عن تطلعاتهم في برنامج الحزب و مرتكزاته الفكرية و يكفي أن يتمثلها رسالة لنشاطه السياسي و يمشي بها بين الناس و لن أكون مبالغا إن قلت :إن هناك كثيرا من المشيّعين الناشطين في أحزاب سوي الحزب الشيوعي يرون في نقد الأقرب إليهم من زعمائهم الذين تربّعوا علي هذه العروش "الهاوية" بوضع اليد .
    هذا المحفل الحزائني بهذه الصورة التي تمّت وبشكل عفوي يفجّر أكبر الأسئلة التي ترتبط بالحالة الوطنية التي يقف فيها الوطن في مرحلة متقدمة من الصعود إلي الهاوية و في كل ناحية " جرح يطل" ، تخرج الحرب لسانها مع الذين لم ينعم الله عليهم بمحبة السلام ويطرق التطرف الأبواب و النوافذ وتضيق دائرة التسامح:
    فلتكن يا بحر
    بحرا للبحار التي تنضح
    سلما دون من
    عاشت الأرض لنا لافتة
    ولأعداء العصافير كفن
    السؤال : هل بعد كل هذا التدافع و التنادي بهذه الصورة العفوية تستطيل اسوار الحزبية لتقف حائلا دون مولد وعاء وطني ديمقراطي يمنع ما تبقي من الوطن أن يتبدد؟ و هل تضاءلت قامة الساسة والزعماء وقصرت من نيل صفة القومية بحيث تخلع تلك الثياب لأجل هذه الغاية الكبري؟
    في ظني أن تشييع محمد إبراهيم نقد كان باعثا للتأمل في الحالة الوطنية من كل القوي دون الالتفات لتلك الترهات التي تتحدث عن كفره وتحريم دفنه في مقابر المسلمين فتلك دعاوي قادة التطرف الديني الذين رعتهم الانقاذ وكفلتهم وظلوا منتظرين انفصال الجنوب ظنا منهم ان " الديار " بعد ذلك ما هي إلا قبلة للمسلمين . وهذا موضوع بل هو مبحث كبير أسهم بقدر وافر في الكارثة فهذا مدعاة "الاستنفار " لو كانوا يعلمون- يتطلب ذلك كسر كل القيود التي تسجن العقل في حالة الحزبية الراهنة دون انفتاح .
    و هناك من يصنّفون في دوائر الحاكمين تمتلئ بهم قاعات مراكز الدراسات الحكومية و شبه الحكومية يتحدثون عن الدولة الوظيفية والرسالية وما يسمونه في قاموسهم ب" مراجعات الإسلاميين" وضرورة الانفتاح لا يجاوز مثل هذا الحديث تراقيهم ولا يؤثر ذلك في الدوائر النافذة لأن الحاكمية في هذه المرحلة "ملك عضود" لنفر آخرين لا يضعون اعتبارا لمثل هذه الرؤي والأفكار و ما علي هؤلاء " المفكرين" إلا تلقي رواتبهم المتعددة عبر أكثر من نافذة و حسب.


    نعي كثيرون محمد إبراهيم نقد في أكثر من مقال أو عمود صحفي وكان أكثرهم لا ينتمون لليسار السوداني أو الحزب الشيوعي معدّدين مآثره و دوره في إثراء الساحة السياسية فكريا ودوره النضالي والوطني والإنساني و في ذاك نوع من الوفاء وحفظ الحقوق و هذا في حد ذاته يمثّل حالة نادرة تؤكد زعامته و تبعث ذلك السؤال الذي استنكره الدكتور عبدالله بولا علي الطيب صالح طيّب الله ثراه : من أين أتي هؤلاء بل من هم هؤلاء؟ ، و إن استمرت وتائر الغلو والتطرف في بلادنا بالصورة التي نري أخشي أن يأتي علينا يوم نقول فيه " يا حليل هؤلاء"!


    ----------------

    دفـقــة حـزن على عـاشــق الوطـن

    نفيسة احمد الامين


    في رحاب الله يا محمد.. يا عاشق الوطن، يا علماً خفاقاً في ساحات النضال الوطني، يا متيماً بحب البسطاء والمقهورين، يا صابراً على جراحات الزمن الغائرة، يا قوى العزم والارادة والشكيمة، يا متجاوزاً لساقط القول والفعل، يا شامخاً وسمحاً ومتسامحاً.


    سعيت جادة لوداعك قبل مغادرتك الوطن للعلاج فلم أوفق، وحاولت كثيراً سماع صوتك عبر الهاتف وأنت بلندن لأطمئن على صحتك وكذلك لم أوفق... وكنت أمني النفس بلقائك مهنئة ببلوغ العافية وسلامة العودة للوطن ولكن خالق الكون كان له قضاء آخر ونحن بقضائه مؤمنون فلا حول ولا قوة إلا بالله.


    عرفتك يا محمد عن قرب منذ النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وأنا نسبياً حديثة عهد بالحياة الزوجية في صحبة زوجي الراحل كمال الدين عثمان لتلقي العلم والتخصص بعاصمة الضباب لندن... التقيتك لأول مرة مع زوجي والقطار يسير بنا الهوينا مبطئاً على أنغام الموسيقى ثم متوقفاً في محطة وارسو عاصمة بولندا وأنت ورفاقك تستقبلون وفود الشباب القادمة في هذا القطار من غرب أوربا للمشاركة في مهرجان الشباب العالمي في صيف 1955م - وكنت السودانية الوحيدة في ذلك القطار. والتقينا مرة أخرى في صيف 1957م للمشاركة في مهرجان الشباب العالمي بموسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي آنذاك، والحديث عن تلك المؤتمرات شأن آخر. ثم بعدها استقبلناك زائراً كريماً مرحباً بك في لندن وقضيت معنا أياماً لا تنسى.
    ولقاءات بلاد الغربة خاصة في ذلك الزمان تكشف عن معادن الرجال وما أروع معدنك يا محمد، فقد وجدتك أصيلاً (ود بلد وأخو بنات) معتزاً وفخوراً بسودانيتك محباً لوطنك وأسرتك ومتعلقاً بها، شغوفاً بحب والدتك. المرأة في نظرك مخلوق رائع حباها خالق الكون بسر الوجود.. وهي بالنسبة إليك الأم والأخت والزوجة والابنة (وبت الفريق) وزميلة الدراسة والعمل، ورفيقة دروب النضال الشائكة الوعرة، لها في الحياة حقوق انسانية وعليها واجبات مثلها مثل الرجل.


    وجدتك يا محمد خلوقاً حلو المعشر.. شاباً فتياً محتشماً جوهراً ومظهراً.. كريماً شهماً مقداماً ودوداً بشوشاً مرحاً حاضر المزحة اللطيفة الهادفة الساخرة أحياناً... وجدتك مولعاً بالثقافة والمعارف الانسانية... مبدعاً متميزاً... الابداع يجري في عروقك ويتخلل مساماتك وتعتبره وقوداً دافعاً للحراك المجتمعي في جميع المجالات ومنقياً للنفس البشرية من نزاعات الشرور والآثام، وهو وسيلة فاعلة للتواصل بين شعوب العالم، وخلاصة القول أصبحت يا محمد معرفتي بك اضافة عظيمة ثرة لرصيدي في العلاقات الانسانية وهو أعظم رصيد اعتز به والفضل في ذلك يرجع بعد الله إلى زوجي الراحل فقد كنت عزيزاً لديه.
    ودارت عجلة الزمن والتقينا مرة أخرى في السودان في ظروف متقلبة ومتباينة ونشأت بين أسرتينا علاقة أخوية انسانية متجردة، ولكنك كنت بكل أسف في أغلب تلك الفترات الوطنية مغيباً إما في المعتقل أو في المنفى الاجباري الاختياري وكنت أطمئن على أحوالك من أسرتك الكريمة وقد تألمت كثيراً لما كنت تعانيه وتكابده بسبب البعد عن والدتك الحبيبة التي أقعدها المرض تماماً لزمن طويل.


    وسارت الأيام وسعدنا بخروجك للحياة العامة مرة أخرى من منفاك الذي طال أمده وبمشاركاتك الوطنية المرموقة بكل قيمك ومثلك في علاقاتك الانسانية وروحك العالية وطيبتك وحسن معشرك... ورغم قسوة الأيام وتقدم العمر ظللت أنت أنت محمد بكل دواخلك النقية الرائعة، لم تتصرف قط بردة الفعل حيال من ظلموك أو تجنوا عليك لم تحقد ولم تعادِ ولم تخاصم من اختلفوا معك سياسياً لأنك لم تختلف معهم انسانياً فما أعظمك يا انسان.
    لقد تركت معاناتك المتواصلة بصماتها فقط على صحتك البدنية الغالية فرحلت عن دنيانا الفانية في هدوء يا عاشق الوطن ويا رمز الانسانية وتركتنا مع الأحداث الوطنية والعالمية كمن يحارب تحت سماء مكشوفة والله وحده يعلم ما تخبئ الأيام القادمات... رحلت يا محمد ولم تترك مالاً ولا عقاراً... لا أرصدة ولا مزارع ولا مصانع ولا مؤسسات ولا... ولا... ولكنك تركت إرثاً عظيماً من الخلق الرفيع والنضال الوطني والتضحيات والصبر على المكاره وكذلك من فنون التعامل مع بني البشر بكل أنواعهم وقطاعاتهم... تركت دروساً قيمة للأجيال القادمة... جعل الله ما قدمته وكل ما قاسيته وعانيته في ميزان حسناتك.


    رحمك الله يا عاشق الوطن بقدر ما كافحت وعانيت وبقدر ما أعطيت وأفنيت، وبقدر ما أسعدت وأرضيت، وأنزل على قبرك الطاهر شآبيب رحمته الواسعة، وبوأك مكاناً علياً في جنات الخلد والرضوان، وألزم الجميع في فقدك الصبر والثبات على اليقين والايمان.
    «إنا لله وإنا إليه راجعون»
    وإنا بقضائه وقدره راضون..
                  

04-12-2012, 07:38 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    ذكرياتى مع نقد/شوقى ملاسى المحامى 6
    منذ 1 ساعة
    حجم الخط:
    SudaneseOnline: سودانيزاونلاين
    فوجئت بالامس وانا بللمنتعج الصحى الذى دخلته بخبر وفاة صديفى المرحوم نقد وكان

    النبا مفاجاة بحق فقد كان بالامس فى زيارتى الاين محمد عثمان ممثل الحزب

    الشيوعى بانجلترا وقد طماننى على صحة نقد

    تذكرت ايام الصبا بمدرسة حنتوب وذلك العصر الذى كنت عائدا من مدنى وانا فى حالة من التعب و قد حاولت تسلق القيف العالى وكنت اسقط كلما صعدت فامتلات بالطين فوجدت الاخ نقد وهو يمارس هوايته(حامل راية)

    فاخذ بيدى ووجهنى الى داخليتى الزبير وعندما اقتربت من باب الداخلية رايت المستر ب م هولت مدرس التاريخ

    والمؤرخ المشهور قادما نحوى فاسرعت بالفرار واخفاء ملابسى المطينة وانتقالى الى عنبر اخر

    واقولها بلا خشية لقد كنت عضوا بالمنظمة الديمقراطية التى كانت تتولى قيادة العمل السياسى فى المدارس وقد ضمنى اليها الاخ ثلاجة (عبدالوهاب سليمان اخو احمد سليمان) ويقودنا نقد ومن اعضائها الدكتور ابن مدنى والذى اصبح دكتور السفارة السودانية بالقاهرة بابكر عبدالرازق

    ومرت الايام لاكتشف ان الحزب الشيوعى يقف وراء هذة المنظمة وان نقد شيوعى وكان اختلافى معها لاختلاف

    الموقف من الاديان

    ومرت الايام لالتقى بنقد فى اجتماعات تجيهزمايو لاعلان الاتحاد الاشتراكى السودانى كتنظيم فرد بدعوة من المرحوم عمر حاج موسى لكل الاحزاب العربية اليسارية

    وتعددت اللقاءات وكان اخر لقاء بمنزل الاستاذة سعاد ابراهيم احمد وقد حكيت قصته كاملة فى مذكراتى (اوراق سودانية ) ولقد حاول احد الشيوعيين الطعن فيها واؤكد صحة ما جاء بالمذكرات ولم يصدر اى تكذيب شخصى

    من المرحوم

    وعندما سكنت بلندن فؤجئت بالاخ نقد يطلب زيارتى بالمنزل وهو فى طريقه من كوبا عائدا الى الخرطوم وفعلا قام بالزيارة ورددتها عند زيارتى للخرطوم وتحدثنا عن كل شىء بما فى ذلك اين اخطانا



    شوقى ملاسى المحامى 6-3-2011


    --------------

    في السودان.. الألوف يصلون على جثمان نقد
    04-11-2012 12:48 PM

    في السودان.. الألوف يصلون على جثمان نقد

    عبد اللطيف البوني

    في يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1965 خرج القطب الشيوعي محمد إبراهيم نقد من الجمعية التأسيسية (البرلمان) مطرودا مع سبعة آخرين من حزبه، لأن الجمعية أقرت حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه بحجة أنه يناقض الفطرة الدينية ويصادم العقيدة الإسلامية وليس له تربة ينغرس فيها في بيئة السودان المسلمة.

    حدث هذا إثر حديث لطالب بمعهد المعلمين العالي أساء فيه لشرف زوجات النبي الكريم عليه أفضل السلام وأتم التسليم، وهذا الطالب (شوقي محمد علي) افتخر بشيوعيته، رغم أن الحزب أنكر عضويته. وكان الدكتور حسن عبد الله الترابي أمين جبهة الميثاق الإسلامي من الدافعين بشدة وعلى الصعيد السياسي والتشريعي لحل الحزب الشيوعي وتحريم نشاطه، رغم اعترافه بأن دستور الحزب الشيوعي السوداني لا يدعو لمحاربة الأديان ولا يخاصم الدين الإسلامي، إلا أن النظرية الشيوعية في أصلها تقوم على الإلحاد. السيد الصادق المهدي لم يكن بعيدا عن حل الحزب الشيوعي السوادني، ويكفي أنه رفض حكم المحكمة الدستورية التي أفتت بعدم دستورية حل الحزب عندما كان رئيسا للوزراء.


    في يوم الأحد 20 مارس/آذار 2012 وقف الدكتور حسن الترابي والسيد الصادق المهدي وكبار رجالات الدولة ومشايخ الطرق الصوفية ومعهم الآلاف المؤلفة من السودانيين يصلون على جثمان محمد إبراهيم نقد الذي ظل سكرتيرا للحزب الشيوعي لأكثر من 40 عاما من الزمان، فما الذي تغير أثناء هذه المدة الزمنية التي تقع بين طرده من الجمعية التأسيسية بالحجة المذكورة أعلاه ثم الصلاة عليه في مقابر فاروق؟ ليس هذا فحسب بل الدولة ذات المشروع الحضاري الإسلامي ممثلة في رئاسة الجمهورية وأجهزتها والصحف السودانية عدته فقيدا قوميا ونعته كما تنعى أي سياسي سوداني كبير ذاكرة محاسنة ودماثة خلقه ومختتمة نعيها بالدعاء بأن ينزل الله شآبيب رحمته على قبره لدرجة أن إمام مسجد حي الديم بالخرطوم عندما حاول الاعتراض على تفاعل الدولة والمجتمع مع رحيل نقد بذلك الشكل انقض عليه المصلون خلفه رافضين مقاله.

    من المؤكد أن الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 1965 إلى مارس/آذار 2012 شهدت الكثير من الأحداث والنوازل العالمية والإقليمية والمحلية أفرزت تفاعلات سياسية جعلت نظرة الحزب الشيوعي لنفسه ونظرة المجتمع السياسي له متغيرة إن لم نقل متطوره، ولكن هذا لا يمنعنا من القول إن الحزب الشيوعي السوداني منذ نشأته كانت نظرته للأديان عامة والدين الإسلامي خاصة مختلفة عما جاء في صلب النظرية الشيوعية للأديان التي مرجعتيها المادية الجدلية لكارل ماركس.

    فالحزب الشيوعي حزب علماني دون شك، لأنه ينادي بفصل الدين عن الدولة، ولكنه في الوقت نفسه لا يعادي الأديان ولديه نظرة إيجابية تجاه الدين الإسلامي، باعتبار أنه يموج بالأفكار التي تدعو للعدالة الاجتماعية والمساواة ولكنه يرى إبعاد الدين عن السياسة، لأن في ذلك إثارة لطوائف ومذاهب أخرى، لذلك اعتمد الاشتراكية العلمية في أيديولوجيته التي أقام عليها نشاطه.

    لقد انتبه الحزب الشيوعي لمسألة الدين منذ نشأته، إذ جاء في دستوره:
    - الأديان لعبت دورا هاما في تحقيق رغبة تعاون الإنسان مع أخيه الإنسان في كبح جماح روح الشر، والدين الإسلامي خاصة قد وحد الجماهير في كفاحها ضد الطغاة وأعطى الكادحين ثقة في أنفسهم, واستنادا إلى الثقافة الإسلامية استطاع ابن خلدون في مقدمته أن يكتشف سر تطور الأمم في الصراع بين القديم والحديث وبين الأغنياء والفقراء، وبذلك اختط السبيل لعلم الاجتماع الحديث الذي أصبح علما كاملا هو الاشتراكية العلمية, فالنظام الاشتراكي الذي ندعو له يقوم على احترام عقائد الإنسان التي لا يمكن ممارستها في ظلال الحرمان, فالاشتراكية ليست ضد الدين وكذلك لا يمكن تطبيقها تعاليم جامدة بل وفق ظروف البلد المعين, لا بد من الاشتراكية العلمية ولا يمكن التحدث بالاشتراكية ورفض الشيوعية في الوقت نفسه. ا. هـ. (انظر دستور الحزب الشيوعي السوداني).
    رغم هذا النص الواضح لم يطور الحزب الشيوعي موقفه من الدين، إذ لم يبتدع نظرية تجعله مستلهما للعقيدة أو الفكر الإسلامي، إنما اكتفى بإظهار احترامه للدين الإسلامي مع المناداة بإبعاده عن السياسة والدولة خاصة بالطريقة التي تطرحها جماعة الإسلامي السياسي, بيد أن الأهم أن الحزب اهتم كثيرا بسلوك عضويته في المجتمع السوداني، فكان مركزا على ضرورة ظهورهم بمظهر الذي يحترم الثقافة الإسلامية ويلزم العضوية بممارسة حياتها الاجتماعية في إطار الثقافة الإسلامية السائدة لدرجة أن بعض المسلمين في السودان كفروا أخرين يرفعون شعارات إسلامية.


    فمثلا غلاة السلفيين يكفرون المتصوفة وكذا يفعل غلاة المتصوفة (إن كان في الصوفية غلاة) تجاه السلفيين، كما تم تكفير الأستاذ محمود محمد طه، بينما لم تقم أي جهة قضائية أو مجتمعية بتكفير الحزب الشيوعي كحزب أو أفراد، فقد ظلوا مندمجين في المجتمع في أفراحهم وأتراحهم وكل ممارساتهم الاجتماعية.

    رغم كل الذي تقدم لم يترك الصراع والمنافسة السياسية الحزب الشيوعي يهنأ بموقفه المحايد من الدين الذي يقوم على إبعاده من السياسة واحترامه طقسيا, فالدولة الاستعمارية أصدرت قانون محاربة النشاط الهدام (1954) لوقف الزحف السياسي للحزب الشيوعي على نقابات العمال واتحادات الطلاب وروابط الموظفين وكل تجمعات القوى الحديثة, ثم جاءت حادثة معهد المعلمين العالي التي أدت إلى حل الحزب الشيوعي (نوفمبر/تشرين الثاني 1965) وطرد نوابه من البرلمان الأمر المشار إليه في بداية هذا المقال، ولكن في الحالتين التشريعيتين لم يقم أحد بتكفير أعضاء الحزب الشيوعي أو القول بخروج منسوبي الحزب من الملة مما يشي بأن التضييق على الحزب منطلقه سياسي أكثر منه ديني.

    ويكفي أن نذكر هنا أن الطامة الكبرى التي حلت بالحزب الشيوعي السوداني وأودت بقادته الكبار مدنيين وعسكريين إثر انقلاب يوليو/تموز1971 جاءت في وقت يسيطر فيه اليسار على مقاليد الحكم، وكانت كل الجماعات الإسلامية الحديثة منها والتقليدية مبعدة إبعادا تاما عن السلطة، بعبارة أوضح ما حل بالحزب وقلل فعاليته السياسية جاء من اليسار غير الماركسي.

    بعد أحداث يوليو/تموز 1971 التي تولى إثرها الأستاذ محمد إبراهيم نقد منصب سكرتير الحزب الشيوعي وظل فيه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى في مارس/آذار المنصرم وكانت سنوات اختفائه أكثر من سنوات ظهوره، وظل الحزب فيها ينشط في مجال التحالفات السياسية ويندر أن يبادر أو ينفرد بنشاط كما كان يفعل قبل ذلك التاريخ.

    كما أن المتغيرات العالمية، ولعل أهمها نهاية المعسكر الشرقي وتشرذم الاتحاد السوفياتي مركز الشيوعية العالمية، ألقت بظلالها على كل الأحزاب الشيوعية في العالم وعلى الصعيد الإقليمي الأنظمة التي كانت تنتهج نهجا اشتراكيا غير شيوعي انزوت هي الأخرى أو غيرت توجهها, وعلى الصعيد المحلي اعتلت الإنقاذ بتوجهها الإسلامي المعلن سدة الحكم في السودان، وكان الحزب الشيوعي غريمها التقليدي ومنافسها وسط القطاعات الحديثة تحت مرمى نيرانها, فتلقى منها ضربات واختراقات ولم يشفع له ضعفه العام، ومع كل ذلك ظل الحزب الشيوعي موجودا في الساحة متحالفا مع آخرين ومنفردا بدرجة أقل.
    الأستاذ محمد إبراهيم رجل له أسلوبه القيادي الخاص وكارزيميته التي تميزه عن القادة الآخرين وجعلت منه رمزا سياسيا مرموقا، فعلى الصعيد الحزب استطاع أن يحفظ للحزب الشيوعي بقاءه العضوي، رغم كل المدلهمات التي أشرنا إليها آنفا، كما أن تضحياته المتمثلة في اختفائه الطويل أكسبته احتراما خارج نطاق حزبه, هذا بالإضافة إلى أن البساطة التي يتحلى بها في لغته التي يشرح بها مواقف حزبه السياسية والبساطة في مظهره وحراكه الاجتماعي المكثف خارج الإطار الحزبي منحته تقديرا اجتماعيا يندر أن يحظى به زعيم سياسي من جيله, كل هذا يفسر لنا جزئيا الحزن الذي عم البلاد برحيله ثم التشييع المهيب الذي حظي به وتأبينه الذي أمه كل قادة الطيف السياسي.

    نعم مهابة الموت وجلاله ويقينيته يمكن أن تنسي ما كان قبله، ولكن تعديد مآثر الفقيد من كل الذين نعوه كتابة أو خطابة تؤكد أن كسب الراحل الفردي كان كبيرا ومقدرا.

    في تقديري أن التحدي الذي يواجه الحزب الشيوعي السوداني بعد التظاهرة الصادقة التي صاحبت رحيل سكرتيره هو كيف يمكن أن يحول هذا الرصيد العاطفي المرتبط بشخص الزعيم الراحل إلى رصيد سياسي يمكنه من التجذر في التربة السودانية المسلمة التي زادت نسبة الإسلام فيها بعد انفصال الجنوب.

    فإذا تركنا مسألة اسم الحزب جانبا فالحزب مطلوب منه أن يردم المسافة بين السلوك الذي يفرضه على عضويته وفكره السياسي، بمعنى أن نجاحه في حمل عضويته على احترام الثقافة السائدة لا بد من أن يصاحبه عمل فكري على الصعيد السياسي، أي يطور موقفه من علمانية الدولة وفي الفكر الإسلامي الحديث رحابة لهذا الأمر أكثر من أي وقت مضي.

    بعبارة جامعة نود القول إنه على الحزب ألا يكتفي بفكرة إبعاد الدين عن السياسة والدولة، وبالتالي يكف الحزب عن أي دراسة عميقة للفكر الإسلامي تدعم موقفه أيا كان, فالمطلوب منه إيجابية التعاطي مع الأبعاد الدينية في السياسة والمجتمع السوداني عقيدة وفكرا وثقافة لا بل وشعائر (ليس طقوسا).

    المصدر:الجزيرة


    --------------

    نُقد … بعيون كمال الجزولي (1 ـ 3)
    April 11, 2012
    … حوار- بهرام عبد المنعم – تصوير علم الهُدى حامد

    (جاءنا مرة في البيت، بادي الإرهاق، يتصبب عرقاً، والوقت منتصف الظهيرة، والدنيا صيف، والحر شديد، فوقف مُتكئاً على الباب، قبل أن يدخل، وطلب، بلسان طبشوري، أن نلحقه بكوز ماء مثلج، وعندما أسـرع أولادي به إليه اجترعه، نفرة واحدة، كاتماً أنفاسه حتى آخر قطرة، وما لبث أن وضع الكوز عنه، وهو يلهث، ويمط الحروف مطاً قائلاً: “لا إله إلا الله .. محمد رسول الله”. فجأة انتبه، فالتفت إلـىَّ قائلاً: “بالله شوف .. نتشهد فـي اليوم الواحد ألف مرة .. وبرضو يقولوا ليك ملحدين”، فانفجرنا جميعاً بضحك مجلجل!!!)

    الجزئية أعلاه إفادة صغيرة من إفادات الأستاذ كمال الجزولي لـــ(الأهرام اليوم) أنارت الغُرف المُظلمة في شخصية سكرتير الحزب الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد… مُحدثنا ليس غريباً على بُكاء من رحلوا من رفاقه في الحزب الشيوعي، فقد اتكأ يوماً على “قوسه” وبكى الذين مضوا في خضم يوليو 1971م، وأهداهم رائعته الباذخة “طبلان وإحدى وعشرون طلقة لـــ(19) يوليو” … وها هو اليوم وقد جلس إلى الصحيفة في مسامرة حول نُقد وكادت أن تطفر من أعينه الدمع، كأن لسان حاله يقول:” يا حُزن مالك دعني، أما كفاك عذابي”.

    * هل مات الأستاذ نقد؟
    إن كان ما تعنيه فناء الخلايا الذي لا بد أن يحيق يوماً بأي جسد حي، فلا جدال فـي أن ذلك قد حدث لنقد كما يحدث لكل الناس، طال الزمن أم قصر؛ لكن نقد، من الزاوية المعنوية، لم يمت، ولن يموت؛ ولا أقول هذا من باب الحماسة اللفظية، فالرجل فعلاً سيبقى حياً فـي إرث الحكمة والاستنارة الذي تركه، ﻻ للحزب الشيوعي وحده، وإنما للأجيال القادمة من السودانيين قاطبة، أولاداً وبنات، ليس فـي السياسة فقط، أو الفكر فحسب، وإنما، أيضاً، وفـي المقام الأول، فـي أفق القيمة الإنسانية.
    * كيف كان نقد الإنسان؟!
    فوق كاريزميته التي بوّأته مكانته العلية في قيادة الحزب الشيوعي والحركة الوطنية، كان إنساناً شفافاً يتلألأ بقدر عظيم من المعني الإنساني الرفيع. كان يغالي فـي بغضه، لا لـ(الملكية الخاصة) فحسب، بل وحتى (الملكية الشخصية) المقبولة ماركسياً. كان يحب أن يهدي أشياءه على بكرة أبيها، ولا يطيق أن يحتفظ لنفسه بشئ أبداً. الساعة التي أضعها في يدي الآن هدية منه، وعندما أهديته، بالمقابل، ساعة جيب سارع إلى إهدائها هي الأخرى. بعث إليه أمين مكي، مرة، عن طريقي، بباقة قمصان أنيقة من غزة، فأهداها كلها! كان بلا شبيه، تقريباً، علـى هذا الصعيد!
    من ناحية أخرى كان يكفيك، ببساطة، لكي تلمس طاقة الحنان التي كانت تفيض بها نفسه الكبيرة، أن تسمعه يحدثك، هاشاً، وعيناه تبرقان بذلك الشغف العجيب، عن بعض الأماكن، كالقطينة أو حلفا أو مدني، أو يذكر، بتقدير كبير، أصدقاء له من غمار الناس علـى عهدي الطفولة والصبا الباكر، أو يجتر ذكريات بعيدة، سواء مع أهله، وبالأخص أخوات وخالات وعمات كان يترفق بهن، ويعطف عليهن، وقد بكينه بدمع الدم، أو مع زملاء قدامى يناضلون بتواضع جم فـي قواعد الحزب؛ وأزيدك من الشعر بيتاً: نقد، علـى مبدئيته الصارمة، لم تكن له، مع أحد من الناس، عداوة لأسباب خاصة، مطلقاً، ولم يكن يبغض إنساناً، قط، فـي المستوى الشخصـي، ولا حتى جعفر نميري الذي بقي يطارده بالموت طوال أنضـر سنوات عمره!
    …………….؟
    عندما توفي أحمد سليمان، مثلاً، سمعت بذلك أول المساء، فهاتفت نقد أنقل إليه الخبر، ومعلوم، بالطبع، أن المرحوم أحمد كان ضالعاً، فكرياً وسياسياً، في انقسام الحزب الأشهر مطلع سبعينات القرن الماضـي؛ مع ذلك لمست حزناً صادقاً عليه لدى نقد الذي طلب مني، علـى الفور، أن انتظرهما، هو وشقيقه سيّد، لنذهب معاً للمشاركة فـي التشييع.
    في منطقة أبوروف، ذلك المساء، كانت الكهرباء مقطوعة، والظلام دامساً، ورغم ذلك أحسن صديقنا القديم عثمان النصيري استقبالنا، ودل علينا الأقارب الآخرين فهبوا يتلقون منا العزاء، وإن هي إلا لحظات حتى انساب الخبر إلـى داخل الدار، فخرجت إلينا السيدة نعيمة بابكر، أرملة المتوفي، فـي جمع من نساء العائلة، يتلقين العزاء من نقد ومرافقيه؛ ثم مشينا خلف الجثمان إلـى مقابر أحمد شـرفي، فكان الناس يتزاحمون لتحية نقد ومصافحته، ولسان حالهم يقول: (عشت أيها الرجل الكبير)! كان الجميع منفعلين بذلك المعنى الإنساني العظيم، حين يهون، فـي مشهد الموت، كل خلاف مهما كان، ولا يعود حاضـراً، ساعتئذٍ، سوى فداحة الفقد، وحسن الاستغفار، والترحم.
    وعلى شدة الصراعات السياسية التي خاضها نقد فإنك لن تجد من يقول لك إنه سمعه، يوماً، أو رآه يسب إنساناً، مثلاً، أو يتجهمه، لسبب شخصي، رغم أن تلك الانفعالات، في رأيي، قد تمثل، أحياناً، تنفيساً تلقائياً مشـروعاً عما يعتمل فـي الصدر من مشاعر ضاغطة تكاد تشقه نصفين! كما وأن ثمة، فـي هذه الحياة، من يستحقون، بالفعل، تفجير شئ من هذه الانفعالات فـي وجوههم، خصوصاً لما يتسم به سلوكهم من وضاعة وكذب ورياء ونفاق! سوى أن نقد، برغم شدة مقته لهذه المثالب، لا يستوقفه شئ منها إلا حين يمس قيمة من قيم العمل العام، أما إذا مسته فـي المستوى الشخصـي، فقد كان يمر بها مرور الكرام، ويضـرب عن أصحابها صفحاً جميلاً هو إلـى التجاهل أقرب، خصوصاً من كان يتعمد الإساءة إليه وإيذاءه وتجريحه! كان حمولاً، صبوراً، يستعين علـى المكاره بحكمة مشهودة فـي تفجير طرائف يعممها فتهدي، ولا يخصصها فتؤذي!
    هل معنى ذلك أنه لم يكن لديه رأي سالب في أحد؟
    قطعاً ﻻ، فمجال السياسة نفسه الذي سلخ فيه عمراً بأكمله، هو، بطبيعته، مجال صـراعات. ونقد بشـر وليس ملاكاً، ولذا كان لديه، بطبيعة الحال، رأي فـي كثيرين، وفي كثيرات، وفـي أمور شتى. كل ما أعنيه أنه كان دائم النأي بنفسه عن الاشتغال بالفارغة! كان يزعجه، مثلاً، الابتذال حد إثارة إحساسه بأقصـى درجات القرف! مع ذلك كان يغالب النفس، ويأخذها بالشدة والمراقبة الصـارمة، فلا يغادر جانب الموضوعية أو عفة اللسان، قط، فـي تعبيره عن وجهة نظره، مما ظل ينأى به عن غث القول، دون تفريط فـي قيمة النقد الصـريح والمبدئي، بعيداً عن المجاملات الفجة والترضيات المجانية؛ علـى أنه كان، مع ذلك، وفـي قرارة نفسه، أميل ما يكون إلـى مزاج العفو دون إهدار للحق، وأبعد ما يكون عن مشاعر الثأر بلا تفريط فـي العدل، ولعل هذا ما يفسـر حماسته الكبري لفكرة “العدالة الانتقالية” المفضية، حال اكتمال أشـراطها، وعلـى رأسها الكشف عن “الحقيقة” وإشاعتها، إلـى تطييب النفوس، وإبراء الجراح، وإفساح المجال، من ثم، للتسويات والمصالحات التاريخية التي تفتح الأبواب علـى مصاريعها أمام إعادة صياغة الدولة والمجتمع بشكل إيجابي؛ وليس صدفة أنه دعا إلـى ذلك، بوجه مخصوص، ضمن خطابه التاريخي أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحزب الخامس!
    * ما أكثر ما كان يشغل ذهن نقد المناضل والمفكر والقائد السياسي؟
    كانت لديه دائماً، حياتان: إحداهما “تحت اﻷرض”، حسب المسكوكة الشعبية الرائجة، وذلك كلما حزب أمر الشمولية، واضطره للاختفاء اضطراراً، لا اختياراً كما يشيع البعض تنطعاً! ولأن حياة “المخابئ السياسية” عادة ما تكون محفوفة بالمخاطر، فإن أكثر ما كان يشغله، فـي هذه الناحية، هو صون أسـرار الاختفاء، وعدم السماح لكائن من كان بالاقتراب منها! جهة واحدة كانت، بطبيعة الحال، تشكل، افتراضاً، الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة الصارمة، هي الجهة الحزبية المعنية بتأمينه!
    بعد وقت قصير من عودتي من الاتحاد السوفيتي عام 1973م، تم تكوين المكتب المركزي للفنانين والأدباء الشيوعيين، والذي ألحقتُ به تحت المسئولية السياسية المباشـرة للزميل الصديق عبد الله علـي إبراهيم. ومن ثم بدأت علاقتنا بنقد الذي وجدته شديد الاهتمام بذلك المكتب، والإسهام فـي عمله. ولأسباب تأمينية كان يواصلنا، في الغالب، عبر عبد الله الذي كان “موظفاً” فـي الحزب، أي عضواً فـي حلقة كادره من القياديين المتفرغين للعمل “تحت الأرض”، أو “الأفندية المضادين” بمصطلح عبد الله نفسه! كان نقد يبعث إلينا بملاحظاته كتابة، فـي قصاصات ورقية متناهية الصغر، وهي العادة التي لازمته لاحقاً حتى فـي ظروف العلن! وكنا نحاوره بذات الطريقة. كان أكثر ما يبهرني فـي تلك الملاحظات، ليس فقط عمقها المعرفـي والأيديولوجي، أو دقة إلمامها بقضايا الفن والأدب، وإنما الطاقة التي كان يبذلها الزميل “الخير” أو “عبد الرحمن”، وتلك بعض الأسماء الحركية التي كان الراحل يتكنى بها فـي مختلف الفترات، وذلك فـي حمله لهموم هذه الجبهة، وسط كل مشاغله الأخرى، ودأبه علـى العناية بمن كان يسميهم، تحبباً، “قَبور المبدعين” ـ بفتح القاف ـ أي أولئك الذين لم تقو أجنحتهم، بعد، علـى الطيران البعيد؛ وكان يبذل تلك الطاقة، ويحمل تلك الهموم، ويبدي تلك العناية، مع أن ظروفه كانت، في مجملها، غير مواتية، ومشاغله بالغة الخطورة فـي قيادة معارك الحزب الجريئة مع سلطة مايو، والعهد كان لما يزل قريباً بيوليو 1971م، وما أدراك ما يوليو 1971م، وطيوف أجساد الرجال القتلـى، من قادة الحزب والحركة العمالية والضباط الأحرار، إما مدلاة تتأرجح علـى أعواد المشانق، أو مثقوبة بالرصاص يعبرها الهواء، كالغرابيل، فـي ساحات الإعدام الحربي! مع كل تلك المخاطر كان الراحل، وهو الرأس الأول المطلوب للإعدام، يخصص جزءاً من وقته الثمين ليعالج معنا، بجدية تامة، قضايا الإبداع والمبدعين!
    الحياة الأخرى التي عرفتها لنقد كانت في العلن، حيث أتيح لـي، بعد انتفاضة أبريل 1985م، وكذلك خلال السنوات الماضية، أن أقترب منه أكثر، عبر محاورات حزبية وديموقراطية عميقة ومباشـرة بمشاركة آخرين، على عدة جبهات فكرية. وكان ذلك علـى فترتين: أولاهما علـى أيام الديموقراطية الثالثة، وما أقصـرها، وقد كان الراحل يعتبرها، دائماً، محض “استراحة محارب”، فلم يغفل، لحظة، عن الانشغال بتهيئة نفسه، والحزب من خلفه، لجولة جديدة من المعارك مع شمولية كان يراها قادمة من وراء الحجب، ولطالما نبّه إليها، وحذر منها، ملتزماً في ذلك بوسائل وأساليب العمل السياسـي وحدها، وقد أسمع لو نادى حياً! أما الفترة الأخرى فقد انقسمت، بدورها، إلـى فترتين: أولاهما هي التي قضاها فـي الإقامة الجبرية، تحت حراسة فيالق الأمن، منذ خروجه من السجن عام 1990م، وإلـى حين عودته .. “فـي غفلة رقيبه” إلـى “باطن الأرض” عام 1994م، رغم أن قرار الحزب كان يقضـي بعدم اختفائه حال وقوع أي انقلاب، حتى لو أدى ذلك إلـى اعتقاله لبعض الوقت، وهذا ما يفسـر كونه الوحيد بين القادة السياسيين الذي وجده رجال الأمن بانتظارهم، فجر الثلاثين من يونيو، وحقيبته جاهزة للمعتقل! وما السبب، كما قال لـي، فـي اضطراره للعودة إلـى “تحت الأرض”، خلافاً للمتفق عليه، سوى حالة الخطر القصوى التي هددت بها تحركات المرحوم الخاتم عدلان، أوان ذاك، وحدة الحزب وتماسكه التنظيمي! أما الفترة الثانية فقد أعقبت قرار اللجنة المركزية، فـي عقابيل توقيع اتفاقية السلام في 9 يناير 2005م، بإنهاء اختفائه، تاركة له أن يقرر وحده تاريخ وطريقة تنفيذ ذلك القرار؛ وقد اختار بالفعل ملابسات صدور الدستور الانتقالي في مايو 2005م تاريخاً للخروج إلى العلن.
    من جهة أخرى كان الراحل العزيز مشغولاً دائماً، وعلى نحو مخصوص، وفـي كل الظروف، بتلمّس الآفاق المتاحة لتطوير موقف الحزب من موضوعتي “الدين” و”الديموقراطية”، بالذات، ومن زاوية سودانوية محضة، ارتقاءً بالنهج الذي أرساه الشهيد عبد الخالق فـي “الماركسية وقضايا الثورة السودانية” عام 1967م، فضلاً عن الوجهة التي اختطتها اللجنة المركزية، فـي عامي 1977م ـ 1978م، عبر وثيقتيها التاريخيتين: “الديموقراطية مفتاح الحل”، و”جبهة للديموقراطية وإنقاذ الوطن”، واللتين أسهم الراحل بقدح معلـى فـي صياغة أفكارهما الأساسية؛ كما تسطع فـي الذاكرة، أيضاً، عودة الراحل للانشغال، تحت أكثر الظروف تعقيداً، بحل المشكلات التي جابهت مكتب الأدباء والفنانين قبل وبعد الانتفاضة، وكذلك بعد نيفاشا. لقد ظل نقد، حتى آخر نفس فـي صدره، وآخر نبضة فـي قلبه، شديد الثقة فـي الدور الذي يلعبه الإبداع فـي بلورة الوعي الثوري، ودفع الجماهير باتجاه فعل التغيير؛ وللعجب، فقد عاد هذا الإبداع، عند وفاته، ليلعب دوراً تعبوياً ثورياً مشهوداً فـي مهرجان تشييعه هو نفسه إلـى مثواه الأخير .. فتأمل!
                  

04-15-2012, 04:36 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)


    وَرَحَلَ نُقُد: أنضَرُ الأشجَارِ السُودانيَّةِ في بُستانِ اليَسَارِ الماركسي! ..

    بقلم: كمال الجزولي


    السبت, 14 نيسان/أبريل 2012 08:02


    (نصٌّ محوَّل من حوار صحفيًّ إلى مقالة)

    (1)
    إنْ كان ما يعنيه الموت هو فناء الخلايا الذي لا بُدَّ أن يحيق يوماً ما بأيِّ جسد حي، فلا جدال فـي أن ذلك قد حدث، بالعاصمة البريطانيَّة، لمحمد إبراهيم نُقُد، السكرتير العام للحزب الشِّيوعي السُّوداني، بعد ظهيرة الثاني والعشرين من مارس 2012م، مثلما يحدث لكلِّ الناس، بإرادة الله التي لا رادَّ لها، طال الزمن أم قصُـر.


    ورغم أنه لم يرحل بغتة، بل هيَّأنا لذلك تماماً، إلا أنني أكذب، قطعاً، إن قلت إنني تجاوزت الصَّدمة، أو إن بمستطاعي تجاوزها فـي المستقبل القريب. إن بعض الفقد يُتْمٌ، ونُقُد، بالنسبة لـي، لم يكن فقط قائدي السِّياسي والفكري الذي لطالما تشـرَّفت، علـى مدى سنوات طوال، بالاصطفاف فـي النضال خلفه كواحد من عشرات الآلاف من الزملاء، بل كان أكثر من أخ أكبر، وأكثر من وليٍّ حميم، جمعتنا ذكريات كثيرة، مع أصدقاء مشتركين أوقن تماماً أن الأحياء منهم يقاسمونني، ولا بُدَّ، شجن الرحيل، وفداحة الخطب، ومرارة الإحساس الشَّخصـي بالفقد، ويدركون، بوجه خاص، أطال اللـه أعمارهم، معنى كل حرف أذرفه، هنا، فـي ذكراه العطرة، وفي سيرته النضرة، علـى نواقص العبارة، وعلـى قصور التَّعبير، بمثل ما ذرفت من دمع ربما لم أكن لأتصوَّر فـي أيِّ يوم أن بمقدوري أن أذرفه؛ جعل اللـه البركة فيهم، وفينا، وفـي أهله، وفـي الحزب، وفـي السُّودان، ونسأله، جلَّ وعلا، أن يتغمَّده برحمته، وأن يلهمنا الصبر من بعده.


    لكن نُقُد، من الناحية المعنويَّة، لم يمُت، ولن يموت، وما تلك محض حماسة لفظيَّة؛ فالرَّاحلون يخلدون بطيِّب الذكرى وجليل الأعمال، لذا، سيبقى الرَّاحل العزيز حيَّاً فـي إرث الحكمة والاستنارة الهائل الذي تركه، لا للحزب الشِّيوعي السُّوداني وحده، ولا للحركة الشِّيوعيَّة الإقليميَّة والعالميَّة فحسب، بل وللأجيال القادمة من السُّودانيين قاطبة، أولاداً وبنات، ليس فـي السِّياسة أو الفكر فقط، وإنما، أيضاً، وربَّما قبل كلِّ شئ .. فـي أفق القيمة الإنسانيِّة.
    لقد كان، فوق كاريزميته التي بوَّأته مكانة عليَّة فـي قيادة الحزب والحركة الوطنيَّة، إنساناً بسيطاً، شفافاً، يتلألأ بقدر عظيم من المعني الإنساني الرفيع. كان يغالي فـي بغضه، لا لـ "الملكيَّة الخاصَّة" فحسب، بل وحتى "الملكيَّة الشَّخصيَّة" المقبولة ماركسيَّاً! كان يحبُّ أن يهدي أشياءه على بكرة أبيها، ولا يطيق أن يحتفظ لنفسه بشئ أبداً! أهداني، مرَّة، ساعة يد، وعندما أهديته، بالمقابل، ساعة جيب سارع إلى إهدائها هي الأخرى. وبعث إليه أمين مكي، عن طريقي، بباقة قمصان أنيقة من غزة، فأهداها كلَّها! ولدى زياراته الرَّسميَّة لبعض البلدان تغدق عليه الهدايا، فلا يهدأ له بال، عند عودته، حتى يوزِّعها جميعاً .. وهكذا! كان بلا شبيه، تقريباً، علـى هذا الصعيد!


    كانت نفسه الكبيرة تذخر بفيض دافق من الرِّقة والحنان؛ وكان يكفيك، كي تلمس شيئاً من ذلك، أن تسمعه يحدثك، هاشاً، وعيناه تبرقان بذلك الشَّغف العجيب، عن بعض الأماكن، كالقطينة أو حلفا أو مدني أو حنتوب، أو يذكر، بتقدير كبير، أصدقاء له من غمار الناس علـى عهدي الطفولة والصِّبا الباكر، أو يجترُّ ذكريات بعيدة، سواء مع أهله، وفيهم، بالأخص، أخوات وخالات وعمات كان يترفق بهنَّ، ويعطف عليهنَّ، وقد بكينه بدمع الدَّم، أو مع زملاء قدامى يناضلون بتواضع جمٍّ، كما الجنود المجهولون، فـي قواعد الحزب. وقد يندهش الكثيرون إذا عرفوا أنه، علـى مبدئيته الصَّارمة، لم تكن له، مع أحد من الناس، عداوة لأسباب خاصَّة، مطلقاً، ولم يكن يبغض إنساناً، قط، فـي المستوى الشَّخصـي .. ولا حتى جعفر نميري الذي بقي يطارده بالموت طوال أنضـر سنوات عمره!
    هاتفته، ذات مساء، أنقل إليه خبر وفاة أحمد سليمان المحامي، ومعلوم، بالطبع، أن المرحوم أحمد كان ضالعاً، فكريَّاً وسياسيَّاً، في الانقسام الأشهر الذي كشف ظهر الشيوعيين، أواخر ستينات ومطالع سبعينات القرن الماضـي؛ مع ذلك لمست حزناً صادقاً عليه لدى نُقُد الذي طلب مني، علـى الفور، أن انتظرهما، هو وشقيقه سيِّد، لنذهب معاً للمشاركة فـي التشييع! وفي منطقة أبوروف، حيث منزل المرحوم أحمد، كانت الكهرباء مقطوعة، ذلك المساء، والظلام دامساً، لكن صديقنا القديم عثمان النصيري، صهر المرحوم أحمد، ما لبث أن تعرَّف علينا، فأحسن استقبالنا، ودلَّ علينا الأقارب الآخرين فهبُّوا يتلقون عزاءنا، وإنْ هي إلا لحظات حتى انساب الخبر إلـى داخل الدار، فخرجت إلينا السَّيِّدة نعيمة بابكر، أرملة المتوفي وابنة عمه، فـي جمع من نساء العائلة، يتلقين، بدورهنَّ، العزاء من نُقُد ومرافقيه؛ ثم مشينا خلف الجُّثمان إلـى مقابر أحمد شـرفي، فكان الناس يتزاحمون لتحية نُقُد ومصافحته، ولسان حالهم يقول: "عشت أيَّها الرَّجل الكبير"! كان الجَّميع منفعلين بذلك المعنى الإنسانيِّ العظيم، الموقر، بوجهٍ خاصٍّ لدى شعوبنا بمختلف قبائلها وتكويناتها القوميَّة، حين يهون، فـي مشهد الموت، كلُّ خلاف دنيويٍّ مهما كان، ولا يعود حاضـراً، ساعتئذٍ، سوى فداحة الفقد، وحسن الاستغفار، والترحم.


    وعلى شدة الصراعات السياسية التي خاضها نُقُد فإنك لن تجد من يقول لك إنه سمعه، يوماً، أو رآه يعنِّف إنساناً، مثلاً، أو يتجهَّمه، لسبب شخصي، رغم أن تلك الانفعالات، فـي رأيي، قد تمثل، أحياناً، تنفيساً تلقائيَّاً مشـروعاً عما يعتمل فـي الصَّدر من مشاعر ضاغطة تكاد تشقه نصفين! كما وأن ثمَّة، فـي هذه الحياة، من يستحقون، بالفعل، تفجير شئ من هذه الانفعالات فـي وجوههم، خصوصاً لما يتَّسم به سلوكهم من وضاعة وكذب ورياء ونفاق! سوى أن نُقُد، برغم شدَّة مقته لمثل هذه المثالب، كان لا يكاد يستوقفه شئ منها إلا حين كان يمسُّ قيمة من قيم العمل العام، أما ما كان يمسُّه فـي المستوى الشخصـي، فإنه سرعان ما كان يتجاوزه، ويمرُّ به مرور الكرام، بل ويضـرب عن سفالات أصحابه صفحاً جميلاً هو إلـى التجاهل أقرب، خصوصاً من كان يتعمد منهم الإساءة إليه وإيذاءه وتجريحه! كان حمولاً، صبوراً، جلداً، يستعين علـى المكاره بحكمة مشهودة فـي تفجير طرائف يعممها فتهدي، ولا يخصصها فتؤذي!


    على أن شيئاً من ذلك كلِّه لا يعني، البتّة، أنه لم يكن لديه رأي سالب فـي أحد، فمجال السِّياسة نفسه الذي سلخ فيه عمراً بأكمله، هو، بطبيعته، مجال صـراعات تكاد لا تهدأ. ونقد بشـر وليس ملاكاً. لذا كان لديه، بطبيعة الحال، رأيه السَّالب فـي كثيرين، وفـي كثيرات، وفـي أمور شتَّى! مع ذلك، كان دائم النَّأي بنفسه عن الاشتغال بالفارغة! كان يزعجه، مثلاً، الابتذال حدَّ إثارة إحساسه بأقصـى درجات القرف! لكنه كان يغالب النفس، ويأخذها بالشِّدة والمراقبة الصـَّارمة، فلا يغادر جانب الموضوعيَّة أو عِفَّة اللسان، قط، فـي تعبيره عن وجهة نظره، مما ظلَّ ينأى به عن غثِّ القول، دون تفريط فـي قيمة النَّقد الصـَّريح والمبدئي، بعيداً عن المجاملات الفجَّة والترضيات المجَّانيَّة؛ علـى أنه كان أميل ما يكون، فـي العمل العام، إلـى مزاج العفو دون إهدار للحقِّ، وأبعد ما يكون عن مشاعر الثأر بلا تفريط فـي العدل، ولعلَّ هذا ما يفسـِّر حماسته الكبري لفكرة "العدالة الانتقاليَّة" المفضية، حال اكتمال أشـراطها، وعلـى رأسها الكشف عن "الحقيقة" وإشاعتها، إلـى تطييب النفوس، وإبراء الجِّراح، وإفساح المجال، من ثمَّ، للتَّسويات والمصالحات التَّاريخيَّة التي من شأنها فتح الأبواب علـى مصاريعها أمام إعادة صياغة الدَّولة والمجتمع بشكل إيجابي؛ وليس صدفة أنه خصَّ دعوته إلـى ذلك بجانب غير يسير من خطابه الشهير أمام الجَّلسة الافتتاحيَّة لمؤتمر الحزب الخامس!

    (2)
    وعلى كثرة ما كان يتَّسم به الرَّاحل العزيز من صفاتٍ طيِّبة، فإن المُرونة ونفاذ البصيرة تكادان تشكلان السِّمَتَين الأكثر بروزاً في شخصيَّته .. كان مرناً جدَّاً لدرجة أن طرفيه قد يلتقيان .. دون أن ينكسـر قط! وكانت له بصيرة نافذة بشكل مدهش، وربما يكفي أن نذكر دعوته الباكرة إلـى "مشاكوس أهلـي" حول دارفور، والتي كان قد طرحها في أوَّل وآخر حوار له في ظروف اختفائه، وكان أجراه معه الأستاذ عمر العمر لصحيفة "البيان" الإماراتية، وذلك عقب توقيع بروتوكول مشاكوس عام 2002م، في وقت لم يكن أحد قد انتبه بعد لوجيب الجلجلة فـي دارفور، والذي ما لبث أن استحال إلى حريق شامل، بعد وقت قصير من جرس الإنذار ذاك الذي أهمِل للأسف!
    كانت لديه، دائماً، حياتان: إحداهما "تحت اﻷرض"، حسب المسكوكة الشَّعبيَّة الرَّائجة، وذلك كلما حزب أمر الشُّموليَّة، واضطره للاختفاء اضطراراً، لا اختياراً كما يشيع البعض تنطعاً! ولأن حياة "المخابئ السِّياسيَّة" عادةً ما تكون محفوفةً بالمخاطر، فإن أكثر ما كان يشغله، فـي هذه الناحية، هو صون أسـرار الاختفاء، وعدم السَّماح لكائن من كان بالاقتراب منها! جهة واحدة كانت، بطبيعة الحال، تشكل، افتراضاً، الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة الصَّارمة، هي الجهة الحزبيَّة الموكل إليها أمر تأمينه!


    بعد وقت قصير من عودتي من الدِّراسة في الاتحاد السُّوفيتي عام 1973م، تمَّ تكوين المكتب المركزي للفنَّانين والأدباء الشِّيوعيين، فألحقتُ به تحت المسئوليَّة السِّياسيَّة المباشـرة للزميل الصديق عبد الله علـي إبراهيم. ومن ثمَّ بدأت علاقتي بنُقُد الذي وجدته شديد الاهتمام بذلك المكتب، وبالإسهام فـي عمله. ولأسباب تأمينيَّة كان يواصلنا، في الغالب، عبر عبد الله الذي كان "موظفاً" فـي الحزب، ضمن حلقة الكادر المتفرِّغة للعمل "تحت الأرض"، أو "الأفنديَّة المضادين" بمصطلح عبد اللـه نفسه! كان نُقُد يبعث إلينا بملاحظاته كتابة، فـي قصاصات ورقيَّة متناهية الصِّغر، وهي العادة التي لازمته، لاحقاً، حتى فـي ظروف العلن! ولئن كنا نخصُّه هو بالذكر، هنا، فإن هذه العادة قد لازمت، في الواقع، كلَّ الكادر السِّري للحزب على مدى عشـرات السِّنين؛ ولو أن كلَّ الناس اقتصدوا فـي استخدام الورق كما ظل يفعل هؤلاء، لحُفظت غابات كثيرة حول العالم!


    كنا نحاوره، ونعقب على ملاحظاته، بذات الطريقة. وكان أكثر ما يبهرني فـي تلك الملاحظات، ليس فقط عمقها المعرفـي والأيديولوجي، أو دقة إلمامها بقضايا الفنِّ والأدب، وإنما الطاقة التي كان يبذلها الزميل "الخير" أو "عبد الرحمن"، وتلك بعض الأسماء الحركيَّة التي كان الرَّاحل يتكنَّى بها فـي مختلف الفترات، وذلك فـي حمله لهموم هذه الجَّبهة، وسط كلِّ مشاغله الأخرى، ودأبه علـى العناية بمن كان يسمِّيهم، تحبباً، "قَبور المبدعين" ـ بفتح القاف ـ أي أولئك الذين لم تقو أجنحتهم، بعد، علـى الطيران البعيد؛ وكان يبذل تلك الطاقة، ويحمل تلك الهموم، ويبدي تلك العناية، مع أن ظروفه كانت، في مجملها، غير مواتية، ومشاغله بالغة الخطورة فـي قيادة معارك الحزب الجريئة مع سلطة مايو، والعهد كان لما يزل قريباً بيوليو 1971م، وما أدراك ما يوليو 1971م، وطيوف أجساد الرِّجال القتلـى، من قادة الحزب والحركة العماليَّة والضباط الأحرار، إما مدلاة تتأرجح علـى أعواد المشانق، أو مثقوبة بالرصاص يعبرها الهواء، كالغرابيل، فـي ساحات الإعدام الحربي! مع ذلك، كان الرَّاحل، وهو الرَّأس الأوَّل المطلوب للإعدام، يخصِّص جزءاً من وقته الثمين ليعالج معنا، بجديَّة تامَّة، قضايا الإبداع والمبدعين!
    كان الرَّاحل العزيز مشغولاً، دائماً، وعلى نحو مخصوص، وفـي كل الظروف، بفتح آفاق جديدة لتطوير موقف الحزب من موضوعتي "الدِّين" و"الدِّيموقراطيَّة"، بالذات، من زاوية سودانويَّة محضة، ارتقاءً بالنَّهج الذي كان أرساه الشَّهيد عبد الخالق فـي "الماركسيَّة وقضايا الثورة السُّودانيَّة" عام 1967م، فضلاً عن الوجهة التي اختطتها اللجنة المركزيَّة، فـي عامي 1977م ـ 1978م، عبر وثيقتيها التاريخيَّتين: "الدِّيموقراطيَّة مفتاح الحل"، و"جبهة للدِّيموقراطيَّة وإنقاذ الوطن"، واللتين أسهم الرَّاحل بقدح معلـَّى فـي صياغة أفكارهما الأساسيَّة. كما تسطع فـي الذاكرة، أيضاً، عودة الرَّاحل للانشغال، تحت أكثر الظروف تعقيداً، بحلِّ المشكلات التي جابهت مكتب الأدباء والفنَّانين، قبل وبعد الانتفاضة، وكذلك فـي عقابيل نيفاشا. لقد ظل نُقُد، حتى آخر نفس فـي صدره، وآخر نبضة فـي قلبه، شديد الثقة فـي الدور الذي يلعبه الإبداع فـي بلورة الوعي الثوري، ودفع الجَّماهير باتجاه فعل التَّغيير؛ وللعجب، فقد عاد هذا الإبداع، عند وفاته، ليلعب دوراً تعبويَّاً ثوريَّاً مشهوداً فـي مهرجان تشييعه هو نفسه إلـى مثواه الأخير .. فتأمَّل!


    الحياة الأخرى التي عرفتها لنُقُد كانت في العلن، حيث أتيح لـي، بعد انتفاضة أبريل 1985م، وكذلك خلال السنوات الماضية، أن أقترب منه أكثر، عبر محاورات حزبيَّة وديموقراطيَّة عميقة ومباشـرة بمشاركة آخرين، على عدَّة جبهات فكريَّة. وكان ذلك علـى فترتين: أولاهما علـى أيَّام الدِّيموقراطيَّة الثالثة، وما أقصـرها، وقد كان الراحَّل يعتبرها، دائماً، محض "استراحة محارب"، فلم يغفل، لحظة، عن الانشغال بتهيئة نفسه، والحزب من خلفه، لجولة جديدة من المعارك مع شموليَّة كان يراها قادمة من وراء الحُجُب، ولطالما نبَّه إليها، وحذر منها، ملتزماً في ذلك بوسائل وأساليب العمل السِّياسـي وحدها .. وقد أسمع لو نادى حيَّاً! أما الفترة الأخرى فقد انقسمت، بدورها، إلـى فترتين: أولاهما هي التي قضاها فـي الإقامة الجَّبريَّة، تحت حراسة فيالق الأمن، منذ خروجه من السجن عام 1990م، وإلـى حين عودته .. "فـي غفلة رقيبه" إلـى "تحت الأرض" عام 1994م، رغم أن قرار الحزب كان يقضـي بعدم اختفائه حال وقوع أيِّ انقلاب، حتى لو أدَّى ذلك إلـى اعتقاله لبعض الوقت، وهذا ما يفسـِّر كونه الوحيد بين القادة السياسيين الذي وجده رجال الأمن بانتظارهم، فجر الثلاثين من يونيو، وحقيبته جاهزة للمعتقل! وما السبب، كما قال لـي، فـي اضطراره للعودة إلـى "تحت الأرض"، خلافاً للمتفق عليه، سوى حالة الخطر القصوى التي هددت بها تحركات المرحوم الخاتم عدلان، أوان ذاك، وحدة الحزب وتماسكه التنظيمي! أما الفترة الثانية فقد أعقبت قرار اللجنة المركزيَّة الصادر في دورة انعقادها بتاريخ يناير 2005م، فـي عقابيل توقيع اتفاقيَّة السَّلام في 9 يناير من ذلك العام، بإنهاء اختفائه، تاركة له وحده أن يقرر متى وكيف ينفذ ذلك القرار. وقد اختار بالفعل ملابسات صدور الدُّستور الانتقالي فـي مايو 2005م تاريخاً للخروج إلى العلن.


    هذه الواقعة تستدعي إلى الذِّهن ما كان "أشيع" عن خرافة "زيارة مفاجئة" قام بها الفريقان قوش وعطا لمخبئه هي التي أنهت اختفاءه! سوى أن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه هو من حدَّد بنفسه، وبمحض إرادته، تاريخ وطريقة تنفيذ قرار الحزب بإنهاء اختفائه، بل وشـرع، فعليَّاً، فـي تنفيذ خروجه التَّدريجي إلـى العلن، خلال الثلث الأول من 2005م، عبر تحرُّكات كان يقوم بها في وضح النَّهار، وفـي ظروف المتغيِّرات التي رتبتها نيفاشا.
    لم يكن من غير المتوقع، بطبيعة الحال، أن تلفت تلك التحرَّكات العلنيَّة أنظار عامة الناس، وبالضـرورة أنظار الأمن أيضاً، حيث أضحى محل استفهام كبير المنزل الذي كان هو فـي حالة انتقال علني منه إلـى بيت اﻷسرة، فكان أن هرع إلـيه تيم من الأمن، أبلغ لاحقاً إلـى قمَّة الجهاز، ليخفّ إلـى هناك أيضاً الفريقان قوش وعطا، تصحبهما كاميرات التلفزة، بغرض الإيحاء بأن الأمن قد اكتشف مخبأ الرجل، فسجل "زيارة" له وُصفت، ضمن "شهادة زور" الأجهزة الإعلاميَّة، بأنها كانت "مفاجئة"!
    لكن ذلك لم يكن صحيحاً، البتة، فلا نُقُد كان مختبئاً، وقتها، ولا المكان نفسه عاد مخبأ، أصلاً، منذ شـروع الرَّاحل العزيز فـي تنفيذ انتقاله منه إلـى منزل الأسـرة. وربما كان أبلغ دليل علـى ذلك أنه، عندما لاحظ الجَّلبة التي أثارتها عناصر الأمن حول ذلك المنزل، قبيل وصول السَّيدين قوش وعطا، خرج يخاطبهم قائلاً:
    ـ "يا جماعة ما في لزوم لكل الضَّجة دي؟! أنا نُقُد سكرتير الحزب الشِّيوعي .. كنت مختفي وهسِّي ما مختفي"!
    ولو أن السَّيدين قوش وعطا تأخرا ساعتين فقط، لكانا اضطرا لأن يكتبا علـى الباب الخارجي عبارة "حضـرنا ولم نجدكم"، لسبب بسيط هو أن عملية نقل آخر دفعة من متعلقات نُقُد وكتبه من ذلك المنزل كانت ستكون، وقتها، قد اكتملت، وما كانت، بالتالي، ستعود به حاجة للرجوع، مرَّة أخرى، إلـى ذلك المكان!
    إن أكثر ما يحيِّرني، حقاً، هو إبقاء قيادة الحزب هذه الحقيقة طيَّ الكتمان، طوال السَّنوات الماضية، ونهباً، بالتالي، للمغالطات والتزوير، بل والطمس، فـي نهاية المطاف، تاركة الأمن يرتع فـي مراعي "نصـره" المجانيِّ غير المستحقِّ ذاك!



    (4)
    عبارة "حضرنا ولم نجدكم" نسبت، صحفيَّاً، إلى نُقُد، بمناسبة أنه كان الوحيد من بين زعماء أحزاب المعارضة الذي وصل، في الموعد المضروب بالضبط، إلـى ميدان أبو جنزير، بوسط الخرطوم، للمشاركة فـي قيادة مظاهرة ضد النظام كانت حددتها تلك اﻷحزاب نفسها، فـي أحد أيام العام 2011م، وبعد أن طال انتظاره لحضور بقية الزعماء بلا جدوى، تناقلت الصحف، في اليوم التالي، صورة له، حاملاً لافتة كتبت عليها تلك العبارة! وبصـرف النظر عما إذا كانت الصورة واقعيَّة أم افتراضيَّة، فإنها تذكر بما عرف عن نُقُد من قدرات مشهودة فـي مزج آراءه بقدر وافر من الطرافة الذكيَّة!
    في مطار الخرطوم، ونحن بانتظار وصول جثمانه فـجر ذلك الأحد الحزين، الخامس والعشـرين من مارس 2012م، همس صديقي محمد المهدي عبد الوهاب فـي أذني، ونحن نتعانق ونكاد نشرق بالدمع السخين:
    ـ "كان يَودُّك كثيراً، يا كمال، ويذكرك، دائماً، بالخير، وقد قال لـي، مرة، عندما أخبرته بأنني ذاهب إليك: أوع تكون من نوع الناس البيمشوا ليهو يزعلوه ويرجعوا زعلانين منّو"!
    فانخرطنا في الضَّحك، للغرابة، وسط دموعنا المدرارة! هكذا كان نُقُد، دائماً، ابن طرفة بامتياز، يتتبَّع المفارقة، ويستلها من حيث لا يتوقع أحد، ومن بين أكثر المواقف والأحاديث جديَّة.
    جاءنا، مرَّة، في البيت، بادي الإرهاق، يتصبَّب عرقاً، والوقت منتصف الظهيرة، والدنيا صيف، والحرُّ شديد، فوقف متكئاً على الباب، قبل أن يدخل، وطلب، بلسان طبشوري، أن نلحقه بكوز ماء مثلج، وعندما أسـرع أولادي به إليه اجترعه، نفرةً واحدةً، كاتِماً أنفاسه حتى آخر قطرة، ووضع الكوز عنه، وهو يلهث، ويمط الحروف مطاً قائلاً:
    ـ "لا إله إلا الله .. محمد رسول الله"
    ثم ما لبث أن انتبه، فجأة، فالتفت إلـىَّ قائلاً:
    ـ "بالله شوف ياخينا .. نتشهد فـي اليوم الواحد ألف مرة .. وبرضو يقولوا ليك .. ملحدين"!
    فانفجرنا جميعاً بضحك مجلجل!

    (5)
    فـي كتابي "الشِّيوعيون والدِّيموقراطيَّة فـي السُّودان" ألمحت إلى أن مسألة الدِّين هي واحدة من أعقد المعضلات التي تجابه الحزب؛ وفي كتابي الآخر الموسوم بـ "عتود الدولة: ثوابت الدِّين أم مُتحرِّكات التَّديُّن"، عرضت، باستفاضة، لمسألة الموقف من الدِّين في فكر وبرنامج الحزب الشِّيوعي "السُّوداني"، في المستوى المؤسِّسي الرَّسمي، كما فـي المستوى العقدي للشِّيوعي "السُّوداني" المتوسِّط reasonable communist. وقد يلزمني أن أنوِّه، هنا، بأنني وضعت كلا هذين الكتابين بتحريض وإلهام مباشـرين من الرَّاحل العزيز. لكنني، فـي الحقيقة، وبالنسبة لموضوعة الدِّين، لم أكشف عن جديد، بقدر ما حاولت أن أعمِّق رؤية سبقني إلـى التعبير عنها الكثير من قادة ورموز الحزب، كحسن الطاهر وفاطمة أحمد والرشيد نايل والقدَّال، كما عالجها، باﻷخص، الشَّهيد عبد الخالق عام 1967م، وأنْ أؤكد على أنَّ الشِّيوعيين "السُّودانيين" ليست لديهم، فـي هذا الشَّأن، عصا مرفوعة وعصا مدفونة، وأنَّ ما يراه الناس منهم فـي العلن هو ذات ما يمارسون داخل حزبهم؛ فمهما نقبت فـي أدبيَّاتهم، منذ الحلقات الماركسيَّة الأولـى مع نهايات الحرب الثانية، قبل التأسيس الرَّسمي لحزبهم صيف 1946م، فإنك لن تجد أثراً ولو طفيفاً لأي إلحاد؛ بل، علـى العكس، ستجد نقداً صـريحاً، فـي ذلك الوقت الباكر، لتبنِّي الإلحاد فـي التجربة السُّوفيتيَّة، ويمكن لمن شاء التماس خبر هذا النقد ضمن رسالة محمد نوري الأمين للدُّكتوراه.


    الشَّاهد .. ليس ثمَّة إلحاد داخل الحزب، ونظريَّة الإلحاد نفسها تكاد تكون أكثر الجوانب التي لم يحفل بها الشِّيوعيون السُّودانيُّون فـي الماركسيَّة، لا فـي المستوى المؤسَّسـي ولا فـي المستوى الشَّخصـي لدى أغلبيَّتهم السَّاحقة. صحيح أن الحزب لا يتدخل في تديُّن أعضائه، تماماً كسائر مؤسَّسات المجتمع المدني، فهو رابطة نضاليَّة اختياريَّة بين أناس تجمع بينهم رؤية عامَّة مشتركة للوطن وشعوبه ومستقبل التَّساكن بينها علـى أصعدة الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتَّنوع الدِّيني والإثني واللغوي وما إلـى ذلك، تأسيساً علـى نهج من العدالة الاجتماعيَّة التي تستهدف الارتقاء إلى الاشتراكيَّة؛ أما في ما عدا ذلك فإن توقير الدِّين واجب لدى الشِّيوعيين؛ وقد تصـرَّمت عهود طوال مذ أضحت هذه الحقيقة "فولكلوراً" شائعاً، وصار معلوماً للجَّميع، إلا من أبى واستكبر لأغراض سياسيَّة ضيِّقة، أن لدينا فـي الحزب، مثلنا مثل سائر الأحزاب السِّياسيَّة، أعضاء مسلمين قد لا يكونون ملتزمين بعباداتهم كما ينبغي؛ غير أن ذلك ليس مدعاة لرميهم بالإلحاد ضربة لازب، كما وأن سببه ليس وجودهم فـي الحزب، فلدينا أيضاً، وفـي نفس الوقت، من أصغر الفروع إلى قمَّة اللجنة المركزيَّة والمكتب السِّياسـي، من توقف الاجتماعات لتمكينهم من أداء الصَّلوات، ومن يحجُّون إلـى بيت الله الحرام، ومن يرتِّلون القرآن بأصوات حسنة، ومن يرعون مساجد ابتنتها أسـرهم، وهلمجرّا. ذلكم هو الحزب الذي كان يقوده نُقُد، والذي قاده، قبله، الشَّهيد عبد الخالق، وقد قلنا هذا الكلام، بدل المرَّة ألف مرَّة .. لكن من يسمع ومن يعقل؟!
    والحقيقة أننا لا نحتاج، في هذا الجَّانب، لدعاية سياسيَّة، بقدر ما نحتاج لمنازلة فكريَّة صارمة؛ فالذين يرمُون الشِّيوعيين السُّودانيين بالإلحاد، كبُرت كلمة تخرج من أفواهِهم، لا يهمُّهم، فـي الواقع، الذَّود عن حياض الدِّين، كما يزعمون، بل الذَّود، فحسب، عن مصالح اقتصاديَّة تخصُّهم، ومواقع سياسيَّة يتشبَّثون بها مخلباً ونابا! إنهم يخوضون حرباً شرسة ضد الحزب لا لأنهم موقنون، في قرارة أنفسهم، بإلحاده، بل لأن سياساته تهِّدد هذه المصالح والمواقع؛ لذا تراهم لا يتورعون عن استخدام أي سلاح فـي هذه الحرب، بما فـي ذلك الدِّين الذي يستغلونه كأبشع ما يكون الاستغلال لخداع جماهير الفقراء، بتصوير الحزب، في أوساطها، كحزب معادٍ للدِّين، وسوقها، من ثمَّ، كالقطيع فـي اتجاه مضاد لمصالحها الاجتماعيَّة والوطنيَّة! لقد أضحت تلك المسألة مفضوحة إلى حد كبير عبر مسالك الصـراع المحتدم فـي بلادنا منذ الاستقلال.


    مؤخَّراً جرت محاولات متهافتة لدمغ نُقُد، شخصيَّاً، بالإلحاد، حتى بعد وفاته! وتلك محض شنشنة مكشوفة، وتخرُّص ######## سببه المباشر، في رأيي، أن البعض أفزعهم مشهد التشييع المهيب وغير المسبوق الذي أحاطت به الجَّماهير جثمانه، بمن فيهم الجَّماهير المسلمة! وبالحق، لو أن القمر ينشقُّ لموت إنسان، أو تحترق الشمس حدَّ التفحُّم، أو تنقذف حمم البراكين من جوف الجبال الرَّاسيات، أو تزلزل الأرض زلزالها، وتخرج الأرض أثقالها، وتميد، كترب الجروف الرَّخو، تحت الأقدام، لوقع ذلك كله ساعة دوَّى النبأ المروِّع، ينقل نعيب البوم ونعيق الغربان نذير شؤمه الكالح، كما سجم الدَّواك، عبر المحيطات والغابات والصحاري، من العاصمة البريطانيَّة إلـى السودانيين حيثما كانوا، أن اسمعوا وعوا .. لقد كتب علـى وطنكم المرزوء، أصلاً، بالفقد الجَّلل، وبالموت الكثيف، أن يفتقر، منذ الآن أيضاً، ضغثاً علـى إبالة، إلـى أحد أبرز حكمائه، قاطبة، وأشجع فرسانه طرَّاً، وأصلب قادته بلا منازع!
    هو الفزع والرُّعب، إذن، من ذلك الإجماع على الرَّاحل العزيز، ما دفع المتخرِّصين إلـى تخرُّصهم، وإلا فإن نُقُد لم يكن مُلحداً علـى الإطلاق، بل كان، على العكس، متديِّناً بالفطرة! وليت أئمَّة الفتنة هؤلاء، ممن يكفِّرونه بجهالة، ويكفِّرون الشِّيوعيين السُّودانيين عامة، يدركون القدر من الغبن الذي يستشعره من يُرمى بالكفر وهو ليس بكافر، أو حتى بالمجاهرة بالمعاصـي وهو ليس كذلك! وتحضـرني، بهذه المناسبة، حكاية مهمَّة، والكلام يجرُّ الكلام، فرغم أن الرَّاحل كان، فـي العادة، ممهولاً، وذا بال طويل جدَّاً، إلا أنه بدا، ذات مرَّة، رغم الهدوء الظاهري، مستفَزَّاً وغاضباً إلـى أقصـى حد؛ وذلك عندما استضافته قناة النِّيل الأزرق كمرشَّح لرئاسة الجُّمهوريَّة، فانبرى له صحافي غِر يسأله، بكل قلة حياء، إن كان يصلِّي! فما كان منه إلا أن أجابه فوراً، وسط دهشةِ الجَّميع: "أنا الآن لا أصلِّي"! بعدها بيوم أو يومين عبَّرت له عن دهشتي لردِّ فعله الحادِّ علـى غير العادة، فقال: "يا أخي ماذا تتوقع منِّي عندما أرى صبيَّاً كان يمكن أن تلده ابنة لـي فـي آخر بطونها، وهو يحاول أن ينصب لـي محكمة تفتيش بعد كل هذا العمر! لقد كنت مدركاً أن البرنامج مبثوث علـى الهواء مباشـرة، فرغبت أن أعطيه درساً علـى رؤوس الأشهاد بأنني لا أخاف ممن يحاول التفتيش فـي ضميري، فإذا كان يريد تلك الإجابة بالذات فليأخذها، ولينظر إن كان الناس يصدِّقون"!
    فـي ما بعد، لاحظت، بالفعل، أن المسلمين السُّودانيين العاديين تحلوا، إزاء تلك الواقعة، بقدر عال من الذكاء جعلهم يتفهمون ردَّ فعل نُقُد، ويقدِّرون دواعي غضبته، الأمر الذي عصمهم من أن يأخذوا إجابته الغاضبة تلك علـى وجهها الحَرفيِّ المباشر، بل لعلَّ ذلك الصحافي الغِر نفسه بات خجلاً من سؤاله الأخرق!


    ولكم ماثلت كلمة نُقُد فـي واقعة التلفزيون تلك، كلمته القديمة التي كان ألقاها أمام الجمعيَّة التأسيسيَّة، يوم أقدمت، بفرية الإلحاد، علـى تعديل الدستور، عام 1965م، لحلِّ الحزب، وطرد نوَّابه منها، وكان هو أحدهم، حيث قال: "لسنا ملحدين، ولا نقول ذلك عن خوف، فلم نتعلم الخوف فـي الماضـي، ولسنا مستعدِّين لتعلمه الآن"!
    كثيرون تساءلوا، يوم التشييع، عن علاقة نُقُد بالطريقة الإدريسيَّة، علـى خلفيَّة إمامة أحد سادتهم الصلاة علـى جنازته. لقد كانت تلك، في الحقيقة، بعض وصيَّته لشقيقته فائزة وشقيقه عبد الله، عندما أحس بدنوِّ الأجل فـي لندن. وقد لا يعلم الكثيرون ثلاثة أمور بالغة الأهميَّة فـي توضيح هذه المسألة: أولها أن علاقة الرَّاحل بالسَّادة الأدارسة هي بعض إرث عائلته، فاسم شقيقه "سيِّد"، مثلاً، هو "سيِّد أحمد نُقُد"، تيمُّناً بالسَّيِّد أحمد الإدريسـي؛ وكان الرَّاحل يوقر ذلك الإرث، فيحرِّص علـى علائقه تلك بالسَّادة الأدارسة الذين كانوا يبادلونه محبَّة خالصة؛ وأذكر أنه عرَّفني بالمرحوم الدُّكتور عبد العال الإدريسـي، اختصاصـي الأمراض النفسيَّة والعقليَّة، عندما احتجت لاستشارته فـي بعض شأن مهني، قبل أن يشقّ علـي نبأ مصـرعه الفاجع فـي حادث حركة مشؤوم بطريق بحر ابيض؛ أما الأمر الآخر فهو أن علاقات الراحل تلك بالسادة الأدارسة لم تنقطع حتى وهو علـى شفا الموت بلندن، فقد كان خطه الهاتفي مع السَّيِّد المجدِّد الإدريسـي، بالذات، ساخناً طوال الوقت، وكان الأخير يسأل مطوَّلاً عن صحَّته، وكان الرَّاحل يطيبُ نفساً بذلك الاهتمام؛ وقد انتدب السَّادة الأدارسة الدُّكتور التَّازي الإدريسـي ليصلِّي عليه تنفيذاً لوصيَّته. وأما الأمر الثالث فهو أن الرَّاحل كان، حتى وفاته، منشغلاً بوضع مؤلَّف ضخم فـي التصوُّف السُّوداني؛ وعندما كنا نفكر سويَّاً فـي إنشاء مركز للدِّراسات والبُحوث، بعد أن يفرغ هو نهائيَّاً من عمله كسكرتير عام للحزب، وفق ما كان يعتزم قبل المؤتمر الخامس، كان يقول لـي متحسِّباً: "أبعدني فقط عن أي شأن إداري ريثما أكمل كتابي عن التصوّف فـي السُّودان".
    اهتمام الراحل بالتصوُّف كان نابعاً من اهتمامه الأصيل بحقائق الحياة السُّودانية الواقعيُّة، لا المتوهَّمة، والتي كانت أجندته المستقبليَّة تشمل الكثير منها، في إطار انشغاله العام بالتطبيق الخلاق للماركسيَّة علـى واقع بلادنا؛ وغاية أملـي أن يسهُل العثور علـى تلك المخطوطة القيِّمة، ليُعهد بها إلـى مختصين أمناء يعكفون علـى تحرير الأجزاء المكتملة منها وإصدارها.

    (6)
    كانت لنُقُد، خارج العمل السِّياسـي المباشر، اهتمامات أخرى كثيرة، فـي حالي الخفاء والعلن، فهو لم يكن أبداً إنساناً ذا بُعد واحد؛ كان يعشق "البستنة"، مثلاً، وقد اتخذ فـي كل مسكن حلّ به، ولو لبعض الوقت، بستاناً صغيراً، يحيطه ببضع شجيرات، وينمِّي فيه بعض الأزاهير، ويحدِّد حوافه بالنَّعناع عميق الخضـرة، أو الرَّيحان فوَّاح الرَّائحة؛ ولأنَّه لم يكن نؤوم ضحى، فقد كان يستقطع من صباحاته الباكرة وقتاً معلوماً يقضيه، إلـى جانب القراءة والكتابة، فـي تعهُّد تلك البساتين بالعناية تشذيباً وسقيا، وقد قال لي، مرة، إن ذلك يعينه على التركيز.


    وأذكر، علـى أيام الديموقراطيَّة الثالثة (1985 ـ 1989م)، أنني كثيراً ما كان يحلو لي أن أزوره فـي تلك الصَّباحات الباكرة، أشـرب معه القهوة على حافة بستانه الصغير النَّضير، وأمتع النفس بمؤانسة ذات مذاق خاص؛ وكان مما يضاعف المتعة أن ألفى معه صديقنا المشترك المرحوم علـي المك، ولك أن تتصور ما كان يدور فـي تلك الجلسات من مؤانسات عفويَّة شائقة. وكان كلا الرَّجلين عاشقاً شغوفاً للغناء السُّوداني، ليس تلقياً فحسب، وإنما أداءً أيضاً، ومن لم يسمعهما يترنَّمان بـ "غضبك جميل زي بسمتك"، سواء فـي الصَّباحات الباكرة، أو المساءات الرَّائقة، فقد فاته، بالحقِّ، شئ كثير، عليهما رحمة الله ورضوانه؛ وبوقوع انقلاب يونيو، ورحيل علـي المك، ثمَّ رحيل نُقُد مؤخَّراً، لم يتبقَّ من تلك الأشياء الصغيرة العزيزة سوى طيِّب الذكرى.
    إلى ذلك كان نُقُد قارئاً ومنتجاً دؤوباً فـي مختلف حقول المعرفة، خصوصاً الفلسفة والاقتصاد والتَّاريخ والاجتماع والأدب والمسـرح وعلم الثورة، وله من ثمرات إنتاجه الكثير، أبرزها مؤلفاته فـي واقع الهمِّ السُّوداني، كالرِّق، والدِّيموقراطيَّة، والدَّولة المدنيَّة، ومتغيِّرات العصـر، وعلاقات الأرض، فضلاً عن محاورته العميقة للشَّهيد حسين مروة حول النَّزعات المادِّيَّة في الفلسفة العربيَّة الإسلاميَّة؛ حيث لم ينزع، فـي أيٍّ من هذه الأعمال، إلـى دارج القول أو مكروره، بل زانها برصين الفكر وطارفه، إلـى نصاعة الدِّيباجة، وطلاوة العبارة، وسداد المصطلح، استخداماً وسكَّاً.


    كان نُقُد، أيضاً، محبَّاً للشِّعر، ويقيني أنه لو لم تشغله هموم القيادة السِّياسيَّة اليوميَّة لكان شاعراً لا يُجارى، ودونك شواهد كثر من صياغاته التي تتخلل شعريَّتها حتى أسلوبه العلمي! وكانت لديه آراء نقديَّة مدهشة في الإبداع، عموماً، يؤسِّسها على الفلسفة وعلم الجمال، كما كانت له ذائقة فنيَّة رائعة. وكان ملمَّاً بحركة الغناء فـي السُّودان، وإلـى حدٍّ كبير بحركة التَّشكيل، كما كان مستوعباً لمساحات واسعة من القصيدة الجَّاهليَّة، واﻷمويَّة، والعبَّاسيَّة، والأندلسيَّة، والشِّعر الأجنبي، والسُّوداني. لم يكن يتحيَّز إلى مغنٍّ بعينه، وإنما كانت تطربه، بذات القدر، أغنيات لمغنين كثر، من كرومة وسـرور والأمين برهان والكاشف، إلـى وردي وعركي ومصطفى سيد احمد وعصام محمد نور؛ كما لم يكن منحازاً لشاعر محدَّد، بل كان يتذوق الفيتوري وشكسبير وصلاح أحمد إبراهيم وعالم عباس وهاشم صديق، مثلما يتذوق برشت ومحجوب شـريف والعباس بن الأحنف ومحمود درويش وحميدة أبو عشـر. وبمناسبة صلاح أذكر، اجتماعيَّاً، أن نُقُد بادر بزيارته في بيته، للتحيَّة والمجاملة، عند عودته من المنفى عقب الانتفاضة، مما أثار دهشة كثيرين لِما كان بين صلاح والحزب من خصومة مشهودة، علـى أن ذلك كان نُقُد .. وكفى!
    اللافت أنه، على ما كان لديه، فـي الإبداع، من نظر متقدِّم، كان يتجنَّب أن يصدر، فـي هذا المجال، عن تنظير علني، حذر أن يُحسب ذلك موقفاً حزبيَّاً رسميَّاً بسبب الثقل الذي كان يمثله فـي قبَّة سنام المؤسَّسة! ولعله، فـي هذا، كان يقتفي أثر الثلاثي ماركس وإنجلز ولينين، وباﻷخص ماركس الذي لطالما اعتذر، حتى وفاته، من أنه لم يستطع أن يتوفر علـى مؤلَّف جامع مانع فـي الظاهرة الإبداعيَّة يوازي مؤلَّفه العبقريَّ "رأس المال" في الاقتصاد؛ والحمد لله أنه لم يفعل .. على أن ذلك أمر آخر!

    (7)
    ربما خطر للبعض أن رحيل وردي، وحمّيد، ونُقُد، علـى التوالي، أي المغنِّي، والشَّاعر، والقائد المفكر، خلال فترة زمنيَّة متناهية القِصَـر، هو نذير شؤم على السُّودان والسُّودانيين. وفـي كتابه "عصـر البطولة فـي سنَّار" أشار جي سبولدنق إشارة مشابهة إلى أن رحيل أبرز رموز البلد يكون، فـي العادة، نذيراً بزوال "الدَّولة"، وذهاب ريحها، وربما قال "السلطة"! ولا بُدَّ أن تلك الإشارة قد قفزت، لدى توالي هذا الرحيل مؤخَّراً، إلي أذهان الكثيرين ممَّن كانوا مطلعين عليها! لكنني أعدُّها، علـى أيَّة حال، مجرَّد أسطرة للواقع قد تصلح كاستجابة لضرورة الفنيَّة، أو كمحض إلهام برواية عبقريَّة من سنخ الواقعيَّة السِّحريَّة!
    أما في ما يتصل بأثر هذا الرحيل الفاجع بالنِّسبة للشِّيوعيين، خصوصاً، فإنهم مطالبون، في بعض أقدار تكبُّدهم ما هو فوق طاقة البشـر أحياناً، بالتعالي على جراحاتهم، وبالمزيد من التماسك والصمود!
    في السَّاعات الأولى من صباح الأحد الذي شيَّعنا فيه نُقُد إلـى مثواه الأخير، وبينما كنَّا نعبر بالجثمان شوارع الخرطوم التي اكتست بلون الفجيعة، من المطار، إلـى البيت، إلـى مركز الحزب، إلـى مقابر فاروق، سألني بعض مراسلي الصُّحف والإذاعات والقنوات الفضائيَّة عن رأيي فـي ما لمسوا من غلبةٍ لعنصر الشَّباب على ذلك المشهد، سواء من الناحية العدديَّة، أو من زاوية طغيان لافتاتهم وأهازيجهم وذائقتهم ومزاجهم العام، فقلت إنني لا أنظر للقيادة السِّياسيَّة كظاهرة بيولوجيَّة، لكن الحزب الشِّيوعي، رغم مرارة الفقد، كائن حي محكوم بدورات تجدُّد لا تتقدَّم أوانها ولا تتأخَّر عنه؛ وكلُّ ذي بصيرة يستطيع أن يلمس، الآن، تهيُّؤ جميع الظروف الموضوعيَّة لدورة تجدُّد قادمة لا محالة، وبقى أن يتهيأ الظرف الذاتي الملائم لهذه الولادة الجديدة بعقل ماركسـي جمعي مستنير، وإلا فإن الوقوف فـي وجه هذه الضـرورة الموضوعيَّة سيكون أشبه بخراقة الوعل الذي كسـر قرنيه وهو يحاول أن يناطح صخرة ليوهنها!

    (8)
    ظلت المرأة في حياة نُقُد، طوال السنوات الأربعين الماضية، هي الأم والأخت والزميلة والخالات والعمات وغيرهنَّ ممن سبق أن أشـرت إلـى ترفقه بهنَّ وإعزازهنَّ له. أما الحبُّ فقيمة كان يحرص على كتمانها، ويكاد لا يندُّ شئ من مرائيها لديه، إلا من بين طوايا التَّضحية، فالمرأة الحبيبة والزوجة باب تتجلـى فيه تضحية نُقُد كما لا تتجلَّى فـي أيِّ باب آخر! إن اللحظة التي وقع فيها اختيار رفاقه فـي اللجنة المركزية عليه ليخلف الشهيد عبد الخالق فـي خندق الحزب الأمامي، ودماء يوليو الساخنة لما تزل، بعد، تغرغر فـي شوارع المدينة، كانت هي ذات اللحظة التي اتخذ فيها قراره الصَّعب بإنهاء مؤسَّسة زواجه، الأمر الذي نفذه بعد فترة قصيرة من ذلك! حدثني، مرَّة، قائلاً، ببساطة أنسه المعهودة: "سألت نفسـي سؤالاً واحداً: أتراني كفؤاً بما يكفي لحمل المسئولَّية التي كان يحملها عبد الخالق؟! وعندما أجبت بالإيجاب لم أتردَّد فـي قبول التكليف فوراً، دون أن أفكر مرَّتين؛ غير أنني أحسست، فـي نفس الوقت، بأنني لا أستطيع أن أظلم زوجة وربما أطفالاً قادمين بأن أفرض عليهم حياة أنا نفسي لا أعلم ما يكون مصيرها فـي الساعة القادمة"!
    كانت تلك من المرات النادرة التي كان الراحل العزيز يستجيب فيها للطرق على ذلك الموضوع! أما فـي العادة، فقد كان يحرف الحديث إلى أية ناحية أخرى، أو يستعين عليك، إن أنت ألححت عليه، بطرائف لا ينضب معينها! قال لـي، مرة، بعد الانتفاضة، وقد وجدني ألحُّ عليه ليتزوج حتى لا يظلم نفسه أكثر مما فعل: "ألا تعرف ما قال الإمام السهروردي فـي هذا الشأن"؟! قلت: "لا"، فقال: "من أراد الله به خيراً لم يبتله بأهل ولا ولد"! فضحكنا كثيراً، وأدركت أنه إنما قال ذلك فقط ليصـرفني عن الأمر، فقد كنت أعلم مدى أشواقه لحياة اﻷسرة، ومدى حبه للأطفال!

    (9)
    مصادر شتى تضافرت لتمدَّ نُقُد بقوَّة الشكيمة، وفضيلة الصبر، وطاقة التحمُّل للمكاره؛ أهمها، أولاً، يقين الاعتقاد فـي المبدأ، ورسوخ قيمة الاستمساك به؛ وثمة، ثانياً، النشأة فـي بيئة أهله الأنصار الأشدَّاء الذين ما نزحوا، أصلاً، من حفير مَشُّو في أقصى الشَّمال إلـى منطقة القِطينة علـى ضفاف "بحر ابيض"، إلا للِّحاق بالإمام الثَّائر محمَّد احمد المهدي عليه السَّلام، والالتحاق بجيشه، وهم قوم ليس فـي عيش أغلبهم لين يُبطر، ولا فـي أنفسهم خنوع يدفع إلى البهرجة يوم الدُّواس؛ لكن شيئاً من ذلك لم يسِمَهم بأيِّ قدر من القسوة أو غلظة الطبع، ففيهم، علـى العكس، من الرقة والحنان كثير؛ وثمة، ثالثاً، سيرة البسالة في التاريخ، والتي لطالما كانت تعطر وجدانه بعطرها الشفيف، بدءاً من بسالات المسلمين الأوائل، وتضحياتهم الملهمة، قبل أن تصير القلة كثرة، و .. "أحد أحد"، و"صبراً آل ياسـر"، وإلـى بسالات رموز حركات التحرُّر الوطني السُّودانيَّة، والإقليميَّة، والعالميَّة، وكذا بسالات الشِّيوعيين "ملح الأرض" الذين ظلوا "قوتاً للخناجر"، عبر تاريخ وضئ من النضال الشريف الصَّامد، كلما وحيثما غرز أحدهم فأساً في بقعة ما وقال هذه ملكي وحدي!
    ومع أنه كان يتربَّع على قمة قيادة الحزب الشِّيوعي السُّوداني الذي شاع وصفه، لدى دوائر سياسيَّة وصحفيَّة واسعة، في الدَّاخل والخارج، بأنه الأضخم فـي الشـَّرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن شيمته كانت، دائماً، التَّواضع والبساطة؛ وكانت تلك بعض عناصر العبقريَّة والفرادة فـي شخصيَّته، وقد أجملها الإمام الصَّادق المهدي، في كلمته التي ألقاها على حافة قبر الرَّاحل العزيز عقب دفنه، بقوله إن شخصيَّة نُقُد ظلت تعكس قيمة "الارتفاع بالاتِّضاع"، ونادى بجعل هذه القيمة عنواناً لتشييعه وتأبينه؛ كما ظلَّ الرَّاحل العزيز، طوال سنوات عمره التي وهبها لوطنه وحزبه، يجسِّد، عمليَّاً، وبحق، قول الفيتوري: "أدنى ما فينا قد يعلونا يا ياقوت .. فكن الأدنى تكن الأعلى فينا"!
    تبقى أن نقول كلمتين عن وصف الحزب الشِّيوعي السُّوداني بأنه "الأضخم" في المنطقة، فهو ممَّا يستوجب التَّصحيح، ولو من باب الوفاء لذكرى نُقُد نفسه الذي كان يقول، كلما سمع هذا الوصف، إنه غير صحيح البتة؛ فحزبنا صغير، ويعمل بإمكانات فـي غاية التَّواضع؛ وربَّما كانت تلك، في الواقع، هي مأثرته الكبرى، حيث أنه، بهذا الصِغَر وتواضُع الإمكانات، استطاع أن يحافظ علـى وجوده، ويبقي صامداً يؤدِّي رسالته، ويناضل وسط شعبه، برغم كلِّ الاستهداف الدَّاخلي والخارجي الذي تعرض له منذ تأسيسه في منتصف أربعينات القرن الماضـي. أما حقيقة هذا الوصف التَّهويلي فيجدر التماسها ضمن لعبة كان يمارسها كلٌّ من النميري والمخابرات الأمريكيَّة علـى بعضهما البعض: النميري كان يستخدم، من جانبه، هذا الوصف "ليعظِّم أجره" لدى اﻷمريكان بزعم أنه يقوم عنهم بجهد عظيم فـي سياق الحرب الباردة أوان ذاك! واﻷمريكان كانوا يستخدمون، بدورهم، نفس الوصف ليكرِّسوا النميري فـي خدمتهم المستديمة تحت حالة شعور ضاغط بالرعب من الشِّيوعيين ظلَّ منغرساً فـي قلبه، يسحق أعصابه، ويزلزل كيانه، منذ ما بعد ظهيرة التاسع عشـر من يوليو عام 1971م، وحتى أطاحت الجَّماهير العزلاء بنظامه فـي أبريل عام 1985م!

    (10)
    رحل نُقُد، ولن نستطيع، حتى لو مكثنا نتحدث عنه أياماً بلياليها، أن نحيط بكلِّ شمائله العالية، إذ الكلام، في باب سيرته العطرة، كله خواء؛ فمَن لنا بكلمات تكفي ولو لسوق بضع جذاذات من مساهماته الفارهة، دَعْ بياناً يفي بأقلِّ القليل من تمجيده الذي هو بعضُ حقِّه المستحقِّ، أو يوفيه شيئاً من شكر جاء يومه، كما فـي بعض مأثورات أهلنا مستعربي السُّودان؟!
    نعم، رحل نُقُد، والموت حقٌّ، دون أن يرى أمنيته الكبرى تتحقق بأن ترفرف رايات الاشتراكيَّة منتصـرة بالدِّيموقراطيَّة التَّعدُّديَّة، وبالاختيار الشَّعبي الحُرِّ، كمنهج حياة وحكم فـي السُّودان؛ وبرحيله تفتقد بلادنا الحكمة في غير ما ادِّعاء، والسَّماحة فـي أرقى تمظهراتها، وأنضـر الأشجار السُّودانيَّة فـي بستان اليسار الماركسي!
    ***

    Kamal Elgizouli [[email protected]
                  

04-17-2012, 09:42 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    نقد واقع الماركسيين أم واقع نقد؟
    04-17-2012 09:01 AM

    نقد واقع الماركسيين أم واقع نقد؟

    صلاح شعيب
    [email protected]

    ا

    أثناء السنوات الأخيرة من عمره بذلت محاولات ناقدة لمقولات الراحل محمد إبراهيم نقد. وما من شك أن تلك المقولات التي كان يطلقها زعيم الحزب الشيوعي السابق، على سجيته، تحرض على المراجعة الفكرية الموضوعية، وإعمال النظر بمنهج غير المنهج التوفيقي الذي كان يفكر به الراحل. وربما أن العامل الذي سرع من وتيرة ذلك البذل النقدي الموجه لعقل، وشخصية، نقد هو وجود منابر وموصلات إعلامية طليقة، ما كانت متاحة في السابق لمراجعة الحزب العتيق، بل ومراجعة مجمل إخفاقات تجربة الحياة السودانية، بما فيها من رؤى دينية، وسياسات حكومية، وأنساق آيديولوجية، إلخ.
    من حيث المبدأ، مطلوب ذلك النقد السياسي الذي أملته أهمية التجذير لنقد إصلاحي لعموم التفكير السوداني القيادي، ولإعادة نقد الأطر، والمرجعيات، التي تقولبه، وكذلك إصلاح ما ترتب عليه هذا التفكير من أزمات وجودية، وخيبات وطنية، وإحباطات فردية.
    الحقيقة أنه ما للنقد من حائل يحوله دون البروز في زمن يتحرر فيه العقل الإنساني من بعض عقابيل الوهم الراسخ. كذلك ما من منجاة، أصلا، من مسائلة شجاعة للطواطم الفكرية، والتابوهات العقدية، والكهنوت القديم، في ظل توفر حواضن إعلامية حرة تبلغ مادة النقد إلى أقصى مداءاتها. وفي ظل إنتشار المعارف التي تستنير للناس ما يعتمه المتآمرون على العقل الحر.
    إن ذلك النقد، والذي شمل أيضا قيادات الحزب الشيوعي العتيق، وتكتيكاتهم، وتكنيكاتهم، الإستراتيجية والمرحلية، عمق عمليا مرحلة جديدة في الفعل السياسي ربما لم يعها جيل نقد بالحد المطلوب في تفاصيلها الأعمق. نقول هذا خصوصا وأن هذه المرحلة فرضت على جيل ما بعد الإستقلال من الآباء وضوحا، لا إلتباسا، في الرؤى، وشكلا من الجسارة السياسية في منازلة القوى التقليدية التي أقعدت بالجيل المعاصر. ولعل هذا الجيل الذين شجب بعض مقولات نقد، وغير نقد، يحمل عقلا متحمسا إزاء عقل القادة الأبوي الذي أملت عليه الظروف والتجربة الإنحناء، تكتيكا، أمام عواصف الغابة والصحراء.


    وربما ـ من جهة أخرى ـ كان إنحناء هؤلاء القادة قد جاء تكتيكيا لكونهم لم يجدوا من حولهم الكادر الشاب المنظم الذي يصبر معهم على قساوة ظروف الداخل. وبالتالي ما كان أمام نقد، إذا صح إنحناءه أمام عواصف البنية الفوقية، إلا تكذيب التوقعات الكبيرة التي يضعها الناس قبالة القادة الكبار موقفا، وتاريخا، وعزما. وللزعيم نقد من نضالاته ضد ترهات التركة السودانية المثقلة ما يجعلنا نضعه في مقدمة الوطنيين الشرفاء الذين أنجبتهم الظاهرة السياسية ما بعد الاستقلال. وحقا إذا قورنت سيرة نقد بسير كثيرين يلعلعون الآن في فسيفساء المشهد السياسي من اليمين، واليسار، والوسط، لفاقهم بصدقه مهما رأى من رأي جلب إليه التعنيف.


    ولكن المهم أن كل الذي كتب عن نقد، قدحا، وذما، يستدعي حوارا نائيا عن الشخصنة، ومقتربا من مراجعة دور الاشخاص السياسيين في علاقتهم بالزعامة. وإذا كان هؤلاء الأشخاص المطلوب التحاور معهم يتبنون منهجا نقديا، تقدميا، في قراءة الواقع السوداني فإن هذا الحوار وجب أن يكون مضاعفا، وينبغي أن يتمظهر أكثر وضوحا، وصراحة، لبذل المعرفة التي ينادي اليساريون بتوطينها في لجة العتمة المجتمعية. ومن هذه الزاوية ينبغي أن تشمل تجربة المراجعة الفكرية كل إرث اليسار السياسي، وتشجيع نشطاء الكتابة، ورواد المنتديات، لا صدهم، عن تناول هذه المسيرة بالنقد البناء المتصل. النقد الذي يتقصى غاياته عبر حرية التناول، وعبر تعاليه على كل فرد متعال. التعالي بحكم الموقع، أو بحكم الخرق الذاتي الذي ينتاب بعض الأفراد.
    فالشئ الذي أقعد بالأحزاب الطائفية دون تجديد أفكارها، وزعاماتها، هو إلتفاف قادتها، ومناصريهم، على النقد الذاتي. وبهذه الكيفية ليس أمام اليسار السوداني إلا وضع كامل تجربته الطويلة في التعامل مع مجريات الواقع السياسي على موازيين المراجعة النقدية، ولا نظن أن حرث الحزب الشيوعي ـ نظريا وتطبيقيا ـ إلا بحاجة إلى التداول بحثا عن ثمة أخطاء، وإيجابيات، ونقاط قوة وضعف. وكذلك الحاجة قصوى لمراجعة إرث الزعماء، والقادة، الذين شكلوا الكيفية التي بدا عليها الحزب الآن، وهو كما نعلم حزب رائد في الدعوة للتغيير، وله حظ معتبر ـ بالمقابل ـ في نقد طبيعة التفكير والواقع السودانيين.
    إن اليسارالسوداني، والذي كان نقد إبرز قادته نضالا، ومسؤولية، يعاني الآن تراجعا أمام نهوض قوى سلفية إحتلت معاقله التي تمثلت في دور العلم، والنقابات، والخدمة العامة. فضلا عن ذلك فإن عاملي بروز الإتجاهات الإثنية بشكل سافر في العمل السياسي، وهجرة كوادر الحزب الوسيطة التي إنتشرت في بقاع الأرض، تضافرا ليكونا خصما على حركة الزعيم نقد، وقادة الحزب الشيوعي، وسائر قوى اليسار، وبعض نشطاء قوى اليمين الذين يديرون معركتهم مع النظام الآخذ بتلابيب المبادرات في جبهات العمل السياسي، والإجتماعي، والإقتصاد، إلخ.


    ولذلك لا يمكن دراسة حالة القيادة الشيوعية أثناء تزعم نقد، وبعد وفاته، دون التطرق ــ موضوعيا ــ إلى ثقل هذه الحالة السياسية الضاغطة على قادة الحزب وكوادره، نفسيا، وإقتصاديا، وإجتماعيا، هذا في وقت تتهدم فيه كل البنى المجتمعية وينقاد أفرادها بالداخل نحو قوى التخلف اليميني التي ربطت دورة إقتصاد كل من هو بالداخل بإقتصادها الطفيلي. وفي وقت، أيضا، مثل إنفصال الجنوب ضربة لرهان الحزب على أبقاء الصراع آيديولوجيا، وما تبع هذا الإنفصال - الإستقلال من إنهزام لمجهودات الحزب الباكرة في التنبه لأثر خطورة العمل الجهوي على إستراتيجياته.


    ومع ذلك فإن المسؤولية الملقاة على كاهل قادة الحزب الشيوعي ليس من باب أولوياتها إحلال المرحوم نقد بكاريزما أخرى أكثر تفانيا فحسب، وإنما كذلك الأخذ بعين الإعتبار الكتابات الناقدة لتجربة الحزب المبثوثة في منابر كثيرة، والدعوة إلى حوار ثقافي حول مستقبل تجربة الحزب، على أن يشارك فيه من هم خارج الحزب أيضا، هؤلاء الحميميون بالتجربة، والذين ربما يعالجون ــ نظريا وبشكل مختلف ــ هذا الضعف المسبب الذي إعترى منهج الحزب، وفحوى حراكه، وعزم قياداته.


                  

04-22-2012, 04:33 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    نُقُدْ .. للسودان والكادحين حتى الرمق الاخير ..

    بقلم: عمر جعفر السَّوْري
    السبت, 21 نيسان/أبريل 2012 11:28




    عــفو الخاطــر:


    فجأة و البوم ينعق ...
    و الشيوعيون لمّا ينعم الاحباب منهم بالتحايا
    بعد طول السجن، في غاب الحديد؛
    الشيوعيون ملح الأرض،
    قوت للخناجر
    و العســـاكر ...
    يشربون الخمر في ساح الشهيد
    علي عبد القيوم

    في الربع الأول من العام 1970 انعقدت في مبنى البرلمان بالخرطوم ندوة الربيع الثانية للاشتراكيين العرب... و الاخيرة حتى اشعار آخر. التأمت الندوة الأولى في الجزائر عشية حرب 5 يونيو/حزيران 1967، و كان نجمها الساطع و القامة الباسقة فيها الشهيد عبدالخالق محجوب، الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني وقتذاك. و في تلك الندوة تعرف العرب على نوع آخر من الشيوعيين غير الذي عرفوه في بلدانهم.

    تولى اعداد ندوة الخرطوم و استضافها د. منصور خالد، وزير الشباب في حكومة انقلاب 25 مايو/أيار الأولى. كان الوزير قد قذف حجراً في مياه النخبة الراكدة قبل عامين من ذلك التاريخ حينما نشرت له صحيفة الايام سلسلة من المقالات تحت عنوان "حوار مع الصفوة". جاء الوزير عبر "الأيام" ليذكرهم بنفسه؛ إذ نسي الناس المحرر الشاب الذي عمل تحت رئاسة جعفر السّوْري في صحيفة الجمهورية، فأطل عليهم من جريدة الايام بعد سنين عددا ليثير زوبعة أخذت كثيرين على حين غرة، كما أخذت حيزاً واسعاً من أمسيات أطياف اليسار و اليمين السودانيين في سهراتهم الليلية و الاسبوعية بحدائق المقرن و الموردة والريفيرا والجندول والقرشي و غيرها من مخابئ "الافندية" المعتمة في العاصمة المثلثة، و في الأقاليم. وحدهم الشيوعيون و غالبية أنصارهم لاذوا بدورهم أو ببيوت العازبين منهم. لكن السجال في المنازل غير السجال في الحدائق، حدثاً و منطقاً و احتداما، إذ لم يكن الشيوعيون و "الديموقراطيون" معنيين بذاك الحوار مع الصفوة، بقدر ما أدهشتهم قليلاً إطلالة الكاتب. فالأمر الجلل الذي تفجر يومذاك، بُعيد ملهاة/مأساة حل الحزب الشيوعي، مسّ السودان و وحدته و نسيجه و مستقبله قلباّ و قالباً، كما سينسحب على رزق الناس و طرق حياتهم و عيشهم. كانت نذر الجمهورية الرئاسية و الدستور الإسلامي تتلبد سحبها فوق البلاد. كانت الطبقة العاملة، في خضم هذا الصراع، غير معنية بالصفوة و "خمجها"، تجتهد للدفاع عن مطالبها النقابية و عن مستقبل السودان السياسي الذي قد تدفع ثمن اختطافه غالياً، و قد حدث! عبّر العمال عن ذلك بمسيرات 20 أغسطس/آب 1968 العارمة، و ما تلاها من فعاليات.

    حضر ندوة الخرطوم يومئذِ نجوم اليسار العربي و منظمات المقاومة الفلسطينية التي استولت على المشهد كله بعد هزيمة 1967. من بين هؤلاء النجوم كان كمال بيك جنبلاط، وزير داخلية لبنان الذي لم يمض على تسلمه الحقيبة الوزارية غير أشهر قليلة أخرج خلالها، و بعد جلوسه على كرسي الوزارة بأسبوع أو نحو ذلك، الحزب الشيوعي اللبناني و حزب البعث و الناصريين و منظمة العمل الشيوعي و غير ذلك من تنظيمات اليسار اللبنانية من مخابئها الرطبة المظلمة الى الهواء الطلق و النور و ذلك بقرار شرّع به عملهم السياسي و رخصّ لهم الوجود علانية، رغم أنف المكتب الثاني Deuxième Bureau (جهاز استخبارات الجيش)، الذي شكل قوة قهر و جبروت ابان رئاسة اللواء فؤاد شهاب و خليفته الرئيس شارل الحلو، الذي سار على نهج الشهابية، حذو النعل بالنعل، لا يحيد عنها قيد أنملة. كانت تلك الاحزاب ممنوعة من العمل وفق قانون صارم الى أن جاء رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي و زعيم طائفة الموحدين الدروز ليجلس على رأس وزارة الداخلية اللبنانية في حكومة الرئيس رشيد كرامي الثامنة التي تشكلت في أواخر عهد شارل الحلو، و القتال مستعر بين المقاومة الفلسطينية و الجيش اللبناني قبيل "اتفاق القاهرة" الشهير الذي ما انفك يثير الخلاف الى اليوم بين اللبنانيين و الفلسطينيين و يهدد السلام الهش القائم بينهم.

    افتتحت الندوة مساء، و في صبيحة اليوم التالي رأس جلسة العمل فاروق القدومي (أبو اللطف)، أحد القادة المؤسسين لحركة فتح و العمل الفدائي الفلسطيني. كلمة الوزير منصور خالد التي افتتح بها الندوة أثارت لغطاً بين المشاركين و المدعوين من النظارة الجالسين في شرفات مبنى الجمعية التأسيسية المنحلة. جاء الرد عليها سريعاً من ممثلي اليسار السوداني و أولهم الشيوعيين. دعا فاروق القدومي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، محمد ابراهيم نُقُدْ، الى القاء كلمته، لكنه نطق الاسم بتحريف طفيف اذ قال محمد ابراهيم نَقْد، فانفجر السودانيون ضحكاً أربك القدومي و أثار دهشة العرب ، حتى عُرف السبب. نسب القدومي هذا الرجل النحيل الى النقود أياً كان نوعها أو الى الانتقاد كيفما أتى. الا ان تصحيح الاسم و الصفة جاء سريعاً بعد أن همس أحدهم في أذن القدومي بما يجب أن يقول. لم يبال نُقد بالخطأ الذي وقع فيه نجم من نجوم الكفاح المسلح لمع مؤخراً، و هو صاحب الباع الطويل في الكفاح السياسي، بل طواه بدعابة لاذعة: " ليس لنا نَقد نعطيه كما لغيرنا من المناضلين، فليتهم يقتسموا معنا، و سأرضى حينئذِ بالاسم الجديد!" كانت كلمة نُـقـد ضافية نأت بعيداً عن الاستعراض و التقعر الذي حاول غير مشارك الاستعانة بهما طوال جلسات الندوة لإخفاء عجزه عن بيان المعنى، والافصاح عن ضحالة الفكر و فساده. لكن في تلك الايام كانت اللغة المبهمة داء المتثاقفين و انصاف المتعلمين في أرجاء الوطن العربي كله، هؤلاء الذين قرأوا كتابين مترجمين ترجمة سيئة بلغة ركيكة تداخلت فيها الكلمات و اختلطت السطور، مما برأ و استبرأ منه الشيوعيون السودانيون.

    هل كانت تلك الكلمة هي التي ألهبت الخلاف بين العقيد جعفر نميري و بعض رهطه من جهة و بين عموم أطراف اليسار و الشيوعيين خصوصاً من جهة أخرى، و هل هي التي أبرزته من خلف الستار و دفعت به الى خشبة المسرح السياسي، ثم من بعد ذلك قادت سلطة مايو/أيار الى العنف الدموي الاعمى و الى توطيد أركان السلطة المستبدة الغاشمة؟ ذلك من بين الاسئلة الكثيرة عما جرى في 19 يوليو/تموز 1971 و ما تلاه و لم تلق اجابة شافية، حتى اليوم. و رغم ذلك أدرك محمد ابراهيم نُقد، و هو قد أمسك بمقود الربان في قمرة القبطان، بعد اغتيال عبدالخالق محجوب، زعيم الحزب ذي الشخصية الساحرة، أن عنف السلطة الأهوج لا يُرد عليه بالعنف؛ فإن ذلك سيدخلهم في قلب عاصفة الانتقام الحزبي و الشخصي لتدور بهم الزوبعة ثم تدخلهم اتون بركان متفجر، و سيحرفهم عن مقاصد النضال الشرعية لبناء سودان جديد يقوم على العدل و المساواة و الحرية و الرفاه: "وطن حر و شعب سعيد"، كما يقول الشيوعيون العراقيون. أدرك أن عليه العمل بهمة و دأب، بعد هذه الضربة القاصمة، لبناء حزب جماهيري يناضل في سبيل الديموقراطية، حتى لو كان النضال يجري في ظروف و بشروط غير ديموقراطية. كان يعرف ان السودانيين ليسوا في حاجة الى حزب طليعي ينوب عنهم لتغيير الاوضاع بالعنف، بل بالنضال السياسي المشروع - إن أمكن – إذ إن على السودانيين أنفسهم بجميع فئاتهم و انتمائهم و مجموعاتهم القومية national groups أن يغيروا الاوضاع من خلال أو بمساعدة حزب جماهيري يكون مرتبطاً بهم مثلما هم مرتبطين به. هل استطاع هذا العابد المتبتل في محراب الكفاح أن يدرك مقصده أم عاجلته المنية و هو على مسافة من تلك الاهداف؟ قد يستطيع الحزب الشيوعي الاجابة عن ذلك السؤال، لكن السودانيين كافة هم الاقدر على ذلك و الاجدر به، و قد أصبح العنف اليوم هو ديدن الناس و سمة المرحلة الصعبة و الداء المتوطن المزمن المنتشر في جسد البلاد و الشعب و الامة، و هو يسبح في بحور من الدماء!

    كان نُقد قادراً على تبيّن مواضع أقدامه، مدركاً لحجمه دون خداع للنفس أو تسول عاطفة جماهيرية سرعان ما تذهب جفاء. فبعد سقوط الحقبة النميرية و بداية عهد الديموقراطية الثالثة لم يتوان – و هو يخطب في ليلة سياسية ضمته الى سياسيين آخرين بينهم الحاج محمد أحمد مضوي - عن الاعتراف بأن الحزب الشيوعي السوداني ليس أكبر الاحزاب الشيوعية في أفريقيا و العالم العربي (كما يردد البعض بعفوية أو بغرض مريض متآمر من البعض الآخر)، فأين هو من الحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا على سبيل المثال؟ تلك فضيلة ما بعدها فضيلة، أن تعرف موضعك و تتحرى مكانك و تدرك حجمك!

    منذ منتصف ستينيات القرن الماضي أصبح للثورة الإرترية حضور ملحوظ في السودان، كما أصبح لها علاقات واسعة بالقوى السياسية و النقابية السودانية، و رجال الفكر و الصحافة، الا الحزب الشيوعي الذي كان متوجساً منها. لذلك النفور أسباب عددا تخص الشيوعيين السودانيين أنفسهم و أخرى كثيرة لها صلة بالاتحاد السوفيتي و علاقاته بإثيوبيا و مصالحة في منطقة القرن الافريقي، و رؤيته الاستراتيجية العالمية:

    كان الاتحاد السوفيتي - و ما زالت وريثته روسيا - تنظر الى اثيوبيا على انها الركيزة الأساس في بناء مصالحها السياسية و الامنية و الاقتصادية في هذه البقعة من العالم، فهي القاعدة الاهم في زاوية المثلث المضطرب جنوباً، ذلك المثلث الذي يمتد من بعد الأناضول الى سواحل الاطلسي و يهبط الى بحر العرب و المحيط الهندي. و مساحة اثيوبيا و عدد سكانها و جيرانها يقتضون تفضيل الانحياز إليها اذا ما جاء وقت الاختيار، و هو ما حدث ابان الحرب الاثيوبية- الصومالية، و قبل ذلك الرضا بقرار الامم المتحدة رقم 390 (أ) – 5 الذي ضم إرتريا فدرالياً الى اثيوبيا بما يؤدي فيما بعد الى الضم الكامل و الالحاق بالإمبراطورية؛ و هو القرار الذي وصفه مندوب الاتحاد السوفيتي يومئذِ، اندريه قروميكو (و ما أدراك ما أندريه قروميكو)، بأنه زواج كاثوليكي بالإكراه لن يحقق الامن و السلام في المنطقة. ثم ان حاكم البلاد بلا منازع في ذلك الوقت هو أحد أبطال الحرب ضد الفاشية، الامبراطور هيلي سيلاسي، الذي حذر من خطرها في خطابه الشهير أمام عصبة الامم قبيل الحرب العالمية الثانية، فصمّت اروبا اذانها عن صرخته المدويّة مثلما ادار العالم "الحر" له ظهره. هو رفيق نضال اذن! و حينما سدد الامبراطور ثمن القرار الفدرالي للولايات المتحدة الاميركية بقاعدة كانيو العسكرية و هي في ذات الوقت قاعدة اتصالات كانت الاكبر خارج الولايات المتحدة، لم يهمل الاتحاد السوفيتي فمنحه الاذن بإقامة واحد من اكبر مراكز الثقافة السوفيتية في عاصمته أديس ابابا، دون حظر على توزيع المطبوعات الماركسية، و صور لينين، و بيارق المطرقة و المنجل، و تنظيم الندوات و الاحتفالات و عرض الشرائط السينمائية؛، كما لجأ اليه لبناء مصفاة تكرير النفط في ميناء عصب، جنوبي إرتريا. هل كان هنالك غيرها في أفريقيا؟ مصفاة للنفط يشتغل فيها العمال و يُبتعثون للتدرب في حقول النفط السوفيتية و مصافيها، ستؤسس قاعدة عمالية مستنيرة، لا محالة، في بلد يحكمه الاقطاع و الاكليروس، ثم تأتي الأرثدوكسية كضمير مستتر تقديره لدى صناع القرار! كان ثعلب السياسية الافريقية يعرف كيف تؤتى أُكلها كل حين، فقد بادر بالاعتراف بالصين الشعبية، في زمن كان ذلك كفر بواح عند حلفائه في الغرب. جرى ذلك يوم علم أن الصين قد أقامت صلات مع الثورة الإرترية و دربت لهم خمسة مقاتلين، بينهم رئيس إرتريا الحالي، أسياس أفورقي.

    أما تلك الاسباب التي تخص الشيوعيين السودانيين أنفسهم و التي حدت بهم الى التحفظ عن أية علاقة بالثورة الإرترية فقد نتجت عن رؤيتهم اندفاع الاخوان المسلمين في السودان الي احتضانها، و البعثيين في سوريا الى مدها بالعون و الدعم و المساعدة و السلاح، مع شبهة تأييد بعض دول الخليج لها. كانت دلائل ذلك تتمثل في أن الخطيبين الدائمين في احتفالات ذكرى اندلاع الثورة الإرترية التي تقام في نادي طلاب جامعة الخرطوم هما الشيخ الصادق عبدالله عبد الماجد، قطب حركة الاخوان المسلمين، و جبهة الميثاق الاسلامي الابرز بعد زعيمها، د. حسن عبدالله الترابي، و الصحافي عبد الله محمد أحمد، رئيس تحرير جريدة "الامة"، الناطقة بلسان حزب طائفة الانصار المهدوية؛ و كانت تربطه علائق وشيجة بالإخوان المسلمين، ثم يأتي من بعد ذلك ممثلو حزب الشعب الديموقراطي، الذراع السياسية لطائفة الختمية و التي يطلق عليها أيضا الطائفة الميرغنية، و غيرهم.

    ربما بددت نظرة أعمق لهؤلاء الخطباء و علاقتهم العاطفية أولاً بإرتريا، قبل الدوافع السياسية، ذلك التوجس و ربما خففت كثيراً من حذرهم، إذ أن للشيخ الصادق صلة قربى بسودانيين استوطنوا تلك البلاد و آخرين ولدوا بها و اختاروها مقراً و مستقراً. فقد فر بعض السودانيين ممن نجوا من مذبحة المتمة (كتلة المتمة) في العام 1897 التي أبادت سكان البلدة و قتلت زعيم الجعلييين، عبدالله ود سعد، بعد خلاف مع خليفة المهدي، عبدالله التعايشي، و دفعت بهم الى أقصى شرق إرتريا حيث سكنوا مدينة مصوع و ضواحيها على ساحل البحر الاحمر؛ و لموزع البريد الأميري على ظهور الهجن و شاعر الدوبيت، ابراهيم ود الفراش، قصائد و حكايات عن مصوع و اسمرا، و غيرهما، كما كانت له قضايا عدلية و محاكمات فيها. من بين هؤلاء الناس الذين استقرا بها أقرباء للشيخ الصادق ظلوا على صلة وثيقة به، منهم والدة كاتب مسرحي سوداني شهير مقتدر. بل كان كثير من الإرتريين ذوي الاصول السودانية يزورونه و يلجؤون الي حي الدومة بودنوباوي في امدرمان إذا ما دعتهم الحاجة الى طلب العون، و ينسحب هذا القول على الصحافي و السياسي و الوزير و السفير عبدالله محمد أحمد. و معروف عن السودانيين أن العاطفة قد تحكم مواقفهم السياسية و تتحكم بها.

    أما المراغنة فقد توزعوا بين السودان و إرتريا، فكما أسسوا للطريقة و الطائفة في السودان، وطدوا لها في تلك البلاد، فكانت الطريقة الأكبر هناك و الاكثر نفوذاُ بدون منازع من بين طوائف المسلمين و طرقهم الصوفية. و لعل مما يثير الانتباه و يلفت النظر الى أحوال الطريقة في ذلك البلد، هو رئاسة امرأة لها لأول و آخر مرة حتى الان. فقد خلفت الشريفة علوية الحربية والدها السيد محمد هاشم الميرغني. لم يكن للشريفة علوية نفوذً ديني فقط، بل لعبت أدواراُ سياسية و اجتماعية مختلفة في حقبة هي الاكثر دقة من تاريخ المنطقة المعاصر، من بين تلك الظروف الدقيقة اندفاع قوات موسليني نحو الحبشة و احتلالها، و احتلال مدينة و منطقة كسلا في السودان. لم تكتف علوية الحربية برئاسة الطريقة الختمية فحسب، بل تولت مقاليد الجمعية الخيرية الاسلامية التي ترعى شؤون المسلمين جميعاً و المهاجرين العرب قاطبة في إرتريا بعد أن اختلف المسلمون و المقيمون العرب حول قيادة نجيب يوسف جنبلاط. لذلك كانت علاقة الثورة الإرترية بختمية السودان و حزبهم السياسي هو من طبائع الأمور، التي لا تستدعي حذراً أو نفورا من بقية القوى السياسية.

    هذا الحذر و النفور لم يمنع الطرفين من تلمس الطريق نحو حوار يزيل الالتباس. حاول الإرتريون في البداية فتح نافذة تطل عليه عن طريق الكاتب الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد، و لكنه كان الحصان الخاسر في هذا الشوط، إذ أن علاقاته مع اليسار عموماً و الشيوعيين خصوصاً اكتنفتها الشكوك. كان لنُقد هنا دور حاسم في وضع أسس العلاقات بين الثورة الإرترية و الحزب الشيوعي السوداني، فجرى اختيار "صلاح الزملاء" ليصبح قناة الاتصال و الحوار بين الفريقين. سُمى هذا المهندس الذي كان يعمل بإدارة التنظيم في مديرية الخرطوم بصلاح الزملاء بسبب وزنه الزائد و لتكراره كلمة زميل لمن يعرف و من لا يعرف، فالجميع عنده شيوعيون أو قابلون على أن يصبحوا أعضاء في الحزب فيما بعد، فغلب عليه الاسم حتى نسي الناس اسم أبيه و كنيته. و رغم زيادة الوزن هذه كان صلاح رشيق الحركة لا يهدأ، خفيف الظل، سريع البديهة. كنت و الزميل صديق محيسي نستمتع بتجاذب أطراف الحديث معه و سماع تعليقاته اللاذعة حول ما كان يجري يومئذٍ في السودان، و عن انقسامات في داخل الحزب الشيوعي ذاته و الحركة الشيوعية العالمية، و ذلك وقوفاً تحت ظلال عمارة أبي العلا التي كان صديّق يسكن فيها و كان مكتبي في رويتر بها، أما ادارة التنظيم فقد كانت عبر الشارع. كان صلاح الزملاء بجسده الممتلئ يصطدم بنا في غدوه و رواحه.

    أما الإرتريون فقد اختاروا عضو المجلس الاعلى لجبهة التحرير الإرترية، سيد أحمد محمد هاشم، بوجهه الذي تزينه شلوخ ثلاث على كل خد من خديه، و زين العابدين يسن شيخ الدين، مسؤول الاعلام في القيادة العامة لجيش التحرير الإرترية. يتحدر سيد أحمد هاشم ممثل الثورة في أنحاء السودان كله، من قرية سبدرات التي تقع على مرمى حجر من مدينة كسلا السودانية، كما يأتي الزين يسن من بلدة "علي قِدِر" الحدودية أيضاً، و هي مركز زراعة القطن في إرتريا، و ما تشكله من تشابه مع مناطق زراعة القطن في منطقة الجزيرة بالسودان، ودلتا نهر طوكر في شرقه خصوصاً. و فوق ذلك ترعرع الزين في شرقي السودان و درس هناك ثم تخرج من جامعة الخرطوم أيام ثورة أكتوبر/تشرين الاول 1964، فخالط فصائل اليسار السوداني و حفظ نصوص الماركسية اللينينية عن ظهر قلب. كان المحاوران الإرتريان هما "عز الطلب" لمن أراد الوصول الى علاقة مثمرة مع الطرف الآخر. و قد تابع نُقد تفاصيل ذلك الحوار، حتى أرتقى به الى مستويات أعلى من ذلك فيما بعد، ليتصل الى حوار مع الاتحاد السوفيتي و الدول الاشتراكية، حاول نائف حواتمة أن يقطف ثماره، و تلك قصة أخرى!

    لعل أمير الشعراء، أحمد شــوقي، استشرف المستقبل، لتصدق على محمد ابراهيم نقد، حينما أنشد في رثائه شاعر النيل، حافظ ابراهيم:

    يا مانح السودان شرخ شبابه و وليه في السلم و الهيجاء
    لما نزلت على خمائله ثــوى نبع البيان وراء نبع المــاء
    قلدته السيف الحسام و زدته قلماً كصدر الصعدة الســمراء
    قلم جرى الحقب الطوال فما جرى يوماً بفاحشة و لا بهجاء

    omer elsouri [[email protected]]
                  

04-26-2012, 05:48 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)






    محضر سرقة «نور العين»!
    الأحد, 01 أبريل 2012
    معاوية يس

    المتسلَِّطُون لا يَطْرِفُ لهم جفن حين يُقْدِمون، من خلال مواعين التنفيذ وآليات البطش التي يسخرونها لمصلحتهم، على سرقة الأنسام والبسمات ونور العين من عباد لله لا يشكَّلون تهديداً يذكر عليهم. وكنت قد رُضْتُ نفسي على التعامل مع كل النازلات التي تستهدفني من عند البشر، باعتبار أن جلدي أضحى «تخيناً»، ولم يعد يؤلمني أن تخرشني أشواك المؤامرات وشَكَّات دبابيس خَبَثِ التسلط.

    لا أريد أن أعترف بأني قد وهن العظم مني، وبأن تكالب المرض عليَّ سيدفعني إلى تغيير المسار الذي أسلكه، لأتبنى هدفاً غير ما قصدته، وأمقت خاطراً يراودني أحياناً بأني أخوض حرباً خاسرة من أجل رفعة وطن أتشرف بأنه أنجبني وفتح لي آفاق العبور من المحلية إلى العالمية من كل بواباتها، وأقنع نفسي بأني ربما خسرت معركة أو معارك عدة، وهي سُنَّة الحياة الماضية في الناس أجمعين، كبارهم وصغارهم، ساداتٍ ورعية، وقد تبلى منهم الأبدان وينتقلون إلى الرفيق الأعلى من دون أن تنمو البذور التي كدوا حياتهم كلها من أجل غرسها وإنباتها. والموت هو مصيرنا جميعاً، وهو عينُ الحق.

    بيد أن ما يثير عجبي ودهشتي ليس الضيق الذي يلحق بي من جراء تصرفات المتسلّطين بحقي، في مسعى تتعدد أساليبه، وتتلوى طرقه، وتتغيّر أدواته لحملي على إعادة سيف القلم إلى غمده. لا أفهم بتاتاً كيف يجدون متسعاً لاستقصادي وقد منحتهم الدنيا وغلظة قلوبهم القدرة على اغتصاب ما يريدون نواله، وكيف تصوِّر لهم عقولهم أن من شأن كلمة، عبارة، جملة، مقالة أن تهدد بقاء حاكم، أو تقصَّر عمر نظام متسلّط؟!أعرف أن ذلك الاستهداف نابع من شعور المتسلِّطين بأن كل جهد فكري إنما يهدف إلى توعية المحكومين بحقوقهم المسلوبة، وهو عمل سيؤدي - في المحصلة - إلى حضهم على الثورة. سمها ما شئت: ثورة، تمرداً، عصياناً. لكنك ستسمعها عند أبواق التسلّط: مروقاً، غدراً، خيانة للوطن، استعداءً للأجانب، واستقواءً بالدخلاء، وهي - في نهاية المطاف - «التوصيفات» القديمة نفسها في علب جديدة: تآمر، عدوان، تخريب، تدمير لمكتسبات الشعب!

    والمعادلة ليست عادلة بتاتاً... رب القلم يشهر هذا السلاح وحده بوجه متسلّطين يستأثرون بالسلطة والمال وترسانة ضخمة من الأسلحة. رب القلم يكافح جورهم وطغيانهم بمقالاته فحسب، ويذهب لينام قرير العين من انعدام همّ وخز الضمير، وسرقة قوت العباد، وتدمير مستقبل الصغار، فيما يجرد له المتسلّطون جيشاً من القوانين الظالمة والقلوب المفطورة على ارتكاب أبشع الجرائم، فهم إن لم يسجنوه أو ينفوه بقوانينهم تلك، لن يرتدعوا عن التخطيط لتصفيته وسحله، إنهم يحشدون كل الموارد المالية والتعبوية لترويج سياساتهم وأكاذيبهم ومخططاتهم وصفقاتهم وجرائمهم الدموية، أما صاحب القلم المستقل الذي لا يسنده حزب ولا طائفة ولا قبيلة فلا يكلّ عن ترديد الآية الكريمة «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، وحتى لو كان الموتُ غَدْراً مكتوباً عليه لإخراس قلمه وسرقة نعمة الحياة منه، فإن السيف لن يعود إلى جفيره، لأن أفكار «الشهيد» ستبقى حيّة في نفوس المستضعفين المضطهدين الفقراء الذين ظل طوال حياته، وفي كل مقالاته، يفخر بالانتماء إليهم، ويجهد نفسه في البحث عن مخرج يذيقهم طعم انتفاء الحرمان، وانقطاع الذل، واندياح الحلم بوطن بلا أسوار، وهواء خالٍ من الأضغان والنفوس المريضة.

    صحيح أن كثيرين من رموز جيلنا سلموا الوديعة إلى رب العزة والجلال من دون أن يكلل سعيهم بالنجاح في تحقُّق ما نذروا حياتهم له. وبالأمس القريب رحل الفنان الذي كان «العود» كما دبابة بين يديه، محمد وردي، وتبعه السياسي المفكر المرهف الحس، زعيم الحزب الشيوعي السوداني، محمد إبراهيم نقد، وشاعر الفقراء والبسطاء محمد الحسن سالم حميد... مضوا في سبيل الأولين والآخرين قبل أن تنبت الوردة التي غرسوها في حديقة النضال السوداني من أجل وطن تحكمه الديموقراطية، ويسوده العدل والخُلق السامي النبيل. لكن عزاءنا وعزاءهم أن السودانيين بأطيافهم كافة نهضوا لمواصلة سقيا تربة تلك الأفكار، والاستمرار في استصلاح بقية أرض الحديقة حتى يثمر نضالهم ورداً ونخلاتٍ وأشجاراً، ترتوي جذورها بأفكار أولئك الأعزاء الراحلين، وتطاول أغصانها الأفق حرية ومساواة ووحدة واستلهاماً لتراث العمل الجمعي الجاد من أجل تطوير الوطن وتقدمه.

    المتسلّطون لا يريدون قلماً يفتح مسامات الوعي لدى الجماهير، إنهم يريدون قلماً يكتب فحسب بحبر النميمة، وفساد التلميع، وفضيحة تزوير الحقيقة. يريدون أقلاماً تكتب لهم كل صباح كم هم عادلون ومُنْجِزُون ومُنْصِفُون وجميلون وأتقياء وأنقياء. ليسوا هم بحاجة إلى أقلام تفجعهم بالحقيقة، وبخطل سياساتهم، وببشاعة ما يرتكبونه من انتهاكات وجرائم بحق الوطن وأبنائه، وهم مستعدون لاستخدام كل أدوات المكر والإجرام لإسكات تلك الأقلام... بالمال يعرضون شراءها... بالهبات يسعون لكسر سِنَنِها... باليد الغليظة يحاولون إراقة حبرها على قارعة الطريق. وأصحاب الأقلام الشريفة، وهم كثر، عدد الرمل والحصي والتراب، يرون أنهم إنما سخَّرتهم الإرادة الإلهية لأداء رسالة نبيلة، وأن تحقيقها ليس رهناً بمناصب يُخدَّرون بها، ولا بدراهم تُكْسَر بها أعينهم، ولا بهراوات تُجلد بها إراداتهم. لقد نبعوا أصلاً من صفوف الفقراء ولن يضيرهم أن يموتوا فقراء، بل أغنياء بتعففهم، وبما تبثه كتاباتهم من أفكار وأحلام ورؤى.

    تلك لمحات فحسب من حكاية الفئة الشريفة من أرباب القلم مع المتسلّطين. تتكرر على مرّ العصور في كل أرجاء العالم، ويبقى الحق والخير والأخلاق، ويبقى حلمهم بالانتصار على الشر والتسلّط والظلم، وتبقى في نفَسِ كل كلمة تكتبها أقلامهم نبرةُ التحدي بمواجهة المتسلّطين، بجيوشهم وأسلحتهم وطواغيتهم الأمنية، بقلم ومحبرة فحسب... لا، بل بفكرة ينزف بها ذلك القلم. صيحة حق تحضُّ من يصيخون السمع على أن يغيّروا ما بأنفسهم حتى يعينهم الله على تغيير ما هم فيه من حال، وهي حكاية لا تنتهي حتى لو وَهَنَ العظم من رب القلم، ولو ذهب إلى دار الخلود.

    * صحافي من أسرة «الحياة».

    --------------------

    رحيل مباغت : ما أعظم الفقد والفاجعة !
    April 24, 2012

    فيصل الباقر

    منذ رحيله المباغت ، ولن أقول المفاجىء ، إعترتنى – ومازالت – حالة شعوريّة يصعب وصفها وتصويرها أو تجسيدها أو شرحها . دعنى أسمّيها مجازاً ” الحالة النقديّة “. لقد شقّ على نفسى النعى وأصابنى فى مقتل خبر ” يوم شكر” نقد !.ضربنى الخبر كالصاعقة – تماماً – فتيبّست فى كبدى أحرف الكتابة النديّة.وكاد دم البيان والإبانة أن يتجمّد فى عروقى من هول الفاجعة و الكارثة . وبالفعل فقد أصبح فعل الكتابة والتبيان – وما زال – عصّى علىً وعلى قلمى وقلبى المكلوم منذ صدمة رحيل أستاذنا التجانى الطيّب ، ليلحقه نقد . فما أعظم الفاجعة !.

    كتب كثيرون يمجّدون سيرته العظيمة الخالدة ، بما يستحق . يذكرون أفضاله وفضائله ومحاسنه و حسناته. ولن أستطيع أن أضيف – وإن أردت – شيئاً فى هذا الباب الوفير .ولكنّنى أشعر أنّ الواجب يحتّم أن أضيف فقرة أو فقرتين فى كتاب سيرة هذا الرجل الوضيىء ، حسن الفعل والقول والمعشر والسيرة والسريرة ، لنتأسّى بها ونتعلّم منها . ولتبقى مآثره بيننا ذكرى عطرة وعظة و ” زاد ” للقادة القادمين من المعلوم ،لا المجهول لمواصلة المشوار فى طريق خدمة الشعب والوطن. ويقينى أنّ “حوّاء” الحزب الشيوعى السودانى ولّادة !.

    ظلّ الأستاذ محمد إبراهيم نقد وهو السكرتير السياسى للحزب – وهو فى قلب صعوبات الإختفاء- مهتمّاً بصحيفة الحزب ( الميدان ) ولسان حاله وأحواله فى السر و العلن. مشاركاً فى تحرير الميدان (السرّية ) و متابعاً دقيقاً وحصيفاً لكل ما يكتب فيها و يصدر عنها . وحريصاً على سلامة خطّها السياسى والإعلامى و التحريرى . ولكم كانت تصلنا بإنتظام – فى فريق الميدان السريّة – تعليقاته اللّماحة وملاحظاته الدقيقة الذكيّة .كان قائداً ديمقراطيّاً يوجّه و يقترح ولا “يأمر “. يرسل الخبر المكتمل والصحيح والتعليق الحصيف . ويصر – دوماً- علينا على معاملة رسائله بذات المنهج الذى تتعامل به هيئة التحرير مع رسائل كافة أعضاء وهيئات الحزب وحلقات قرّاء وأصدقاء الميدان. يقبل (التكليفات ) التى تصله من هيئة التحرير وينفّذها بصرامة وبروح الزمالة الحقّة والسرعة والدّقة المطلوبة . فهو مدرك لدور الصحافة فى التنوير والتثويروالتغيير.وله تقدير خاص للصحافة الملتزمة والمقاتلة والصادقة والمصادمة .ولهذا لم يكن مفاجئاً أن خصّ الصحفيين الشرفاء بالتحيّة فى كلمة إفتاح المؤتمر الخامس بقوله : ” التحيّة للصحافيين الذين إستلّوا أقلامهم دفاعاً عن شرف الكلمة ” .

    مأثرة من مآثره وخصلة من خصائله الوفاء لأهل البذل والعطاء. فقد ظلّ – وبقى – وفيّاً لدم شهداء الحزب و وصاياهم . وحريصاً على رعاية أسرهم ( بقدر المستطاع ) .كما ظلّ وفيّاً و ممتنّاً لكل الأسر والبيوت التى إستضافته واستضافت (الكادر المختفى ) فى كل سنوات ( التخفّى و الإختفاء القسرى ). ويكفى أنّه القائل فى مفتتح المؤتمر الخامس : ” التحيّة للأسر التى فتحت لنا قلوبها قبل دورها ، فآوتنا طيلة سنى الدكتاتوريات “. و لو كان بيننا – اليوم – لجدّد ذات التحية والشكر والثناء لتلك الأسر الباسلة . ولهذا أشعر بمسئولية شخصيّة أن أعزّى فى فقده الكبير كل أهل كل البيوت التى ” إستضافت ” الضيف النبيل ( الخير ) ولاحقاً ( عبدالرحمن ) . فقد عاشرهم و ” مالحهم ” و ظلّ حريصاً على إحترام خصوصيتهم وحرمة منازلهم .وبقى أميناً ومحافظاً على أسرار البيوت التى سكنها. فليتقبّلوا منّا أصدق التعازى والعزاء. وقد رآهم الناس سائرين مكلومين بين الجموع فى موكب التشييع و ظلّوا ” عاصرين البرش ” فى بيت العزاء، يتقبّلون العزاء ، فهم بحق و حقيقة جزء أصيل من أسرته الكبيرة.فالفقد فقدهم وفقدنا أجمعين !.

    غادر الإستاذ محمد إبراهيم نقد – السكرتير السياسى للحزب الشيوعى – تاركاً لنا وللأجيال القادمة أعظم الخصال التى قلّ ما تجتمع فى عقل وقلب وروح إنسان واحد !. ترك لنا تراثاً خيّراً وإرثاً عظيماً فى الوضوح و الشفافية والأدب والتواضع الجم . كما ترك لنا كنزاً كبيراً فى المعرفة والفكر وحسن القيادة والتدبير وسلامة التفكير ..والنبوغ الذى لا يعرف ” الأنا “. ترك لنا فضائلاً جمّة منها الثبات على المبدأ والقدرة على اتّخاذ الموقف الصحيح . والإستعداد للإعتذار عن الخطأ وبالصوت العالى المسموع. كما ترك لنا إرثاً عظيماً فى الشرف والعفّة فى القول والفعل .وإحترام الإختلاف و مشروعيته . والنأى عن الغلو فى الخصومة والعفو عند المقدرة .بفقده يفتقد الوطن الحكمة فى أروع و أنبل معانيها . فما أعظم الفقد و الفاجعة !

    --------------------

    نقد رائد الاعتدال في فكر اليسار السوداني الأحد, 25 مارس 2012 15:37 .قرشي عوض
    كاتب صحفي سوداني
    الموت كما قال د. منصور خالد "الموت حق ويحدث لكل إنسان وفي أية لحظة لكن رحيل إنسان مثل نقد برمزيته ومكانته لاشك أن له أثراً كبيراً على الواقع السياسي في السودان".

    ذلك الأثر يحدده التوم إبراهيم النتيفة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الحاجة إلى نقد في وقت لا تزال فيه جراح الوطن غائرة تسيل منها الدماء، والسودان في لحظة أسوأ من تلك التي نلنا فيها استقلالنا.

    مرونة في السياسة
    فقد مرت كل تلك السنين، بحسب النتيفة، والقوى الرجعية هي ذاتها بنفس سماتها بالرغم من أنها تلبس لكل حالة لبوسها من أجل خداع الشعب، ففي الوقت الذي أخفى فيه الموت (نقد) مازالت البلاد ترزح تحت ظل ديكتاتورية ممسكة بأعنة الحكم، ومسخرة جهاز الدولة لمصالحها، جاعلة من الدين ستاراً.

    لكن العزاء، كما يشير إليه النتيفة، يكمن في أن القوى الوطنية والديمقراطية قد شحذت أسلحتها وأعلنت المقاومة وحددت ميدان المعركة لإسقاط النظام.

    ؛؛؛
    رحيل نقد يأتي خصماً على الاعتدال والمرونة في السياسة السودانية، باعتبار أن تلك الميزات تأتي في الطليعة من تفكير الرجل السياسي
    ؛؛؛
    الكثيرون في سرادق العزاء ينظرون إلى تأثير رحيل نقد من غير الزاوية التي اختارها النتيفة، وإن لم تكن بعيدة عنها، فهم يرون أن رحيله يأتي خصماً على الاعتدال والمرونة في السياسة السودانية، باعتبار أن تلك الميزات تأتي في الطليعة من تفكير الرجل السياسي.

    فمن غير صفة النضال يرى د. بابكر محمد الحسن أن له رؤى فكرية ومن غير تمييع للخط النضالي العام تتسم بالمرونة والفراسة مضافاً إليه أنه رجل مؤمن بسياسة النفس الطويل ولا يستعجل الأشياء بنفس انتحاري إلى جانب أنه يتسم بالقبول من مختلف القوى السياسية.


    ويضيف د. بابكر أن رجلاً بهذه الصفات إضافة إلى تاريخه النضالي المشهود والعذابات التي مر بها منذ صغره وفي شبابه وكهولته لاشك أن رحيله سيترك فراغاً محسوساً وملموساً. وبما أن الحياة سننها مبنية على الاستمرارية نأمل أن يتحمل الناس الصدمة الكبيرة ويسيروا على الخط النضالي الهادف إلى استقرار البلاد وإشاعة الديمقراطية وكفالة الحريات.


    نقد المتسامح
    كما يرى الشاعر عبد الله شابو أن أجمل ما عرفه عن الرجل هو تسامحه وظرفه وكان يتعامل مع مخالفيه الرأي ببراح واسع وقد لطّف كثيراً من الأجواء في الصراعات بالنكتة، وكانت له صداقات حتى مع مخالفيه الرأي وهو غير مشتط.

    ويشير شابو الذي تربطه علاقة أسرية بالرجل وهو ابن خالته إلى أن نقد عرف بتلك الصفات الأصيلة في شخصيته حتى داخل محيطه الأسري، وقد عرف بين أهله وذويه بجمال السلوك وطيب الخلق.


    ويقول السر عثمان (بابو) القيادي بالحزب الشيوعي إن (نقد) من القادة المتوازنين وكان يخلق توازناً في السياسة السودانية، وفي الحزب، وهو رجل مباديء كرس كل حياته للحزب والفكر الماركسي ومن الذين ربطوا الماركسية والشيوعية بالواقع السوداني وأثروا تأثيراً كبيراً في السياسة السودانية والفكر السوداني.

    ويلفت (بابو) الانتباه إلى علاقة السمات المذكورة عن الرجل بتفكيره السياسي مما يدل على أنها ليست عابرة أو تأتي عفو الخاطر، فالأستاذ نقد، بحسب السر، يتميز بالصلابة الفكرية وروح الدعابة والنكتة وهو خطيب مفوه وقد أثر في أجيال مختلفة وكسب احترام كل القوى السياسية بمختلف ألوانها.

    وهو من الذين رسخوا مفهوم الديمقراطية ورفض التكتيك الانقلابي في الوصول إلى السلطة منذ دورة اللجنة المركزية في أغسطس 1977م والتي كانت بعنوان الديمقراطية مفتاح الحل للأزمة السياسية ومنذ ذلك الوقت طرح مفهوم الوصول إلى السلطة عبر الديمقراطية والتعددية والنضال الجماهيري.

    اهتمام بالتصوف
    كما أن نقد من الذين ساهموا في تأكيد استقلالية الحزب الشيوعي عن كل الأحزاب الشيوعية في العالم، وأكد أن نظام الحزب الواحد ليس هو النظام الأمثل وأن تجربة الاتحاد السوفيتي التي تم فيها اتخاذ الإلحاد سياسة رسمية للدولة لا تناسب واقع السودان الذي يشكل الدين فيه جزء من التكوين النفسي والثقافي للسوادنيين وطرحت في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني حرية الضمير والاعتقاد واحترام الأديان.

    ؛؛؛
    نقد أضاف للمكتبة السودانية على نهج الاعتدال والتوازن كتابه "علاقات الرق في المجتمع السوداني" وكتاب مباديء موجهة لتجديد البرنامج وغيرها
    ؛؛؛

    كما أن نقد من الذين رفضوا نقل التجارب الشيوعية بطريقة عمياء مثل التجربة الصينية وطرح الإضراب السياسي في مواجهة الكفاح المسلح منذ أغسطس 1961م، كما رفض التجربة المصرية بحل الحزب الشيوعي ودمجه في تنظيم السلطة، وهو من الذين دافعوا عن وحدة الحزب وثباته الفكري.

    كما خلف نقد تراثاً فكرياً وسياسياً سيكون ملكاً لكل أهل السودان، فعلى نهج الاعتدال والتوازن أضاف للمكتبة السودانية مثل كتابه (علاقات الرق في المجتمع السوداني)، وحوار حول النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية لحسين مروة وقضية الديمقراطية في السودان وكتاب مباديء موجهة لتجديد البرنامج.

    وكان الراحل مهتماً بالتصوف الإسلامي من الجانب الفلسفي وله مؤلفات في ذلك لم تنشر وقد قام بترجمة كتاب عن الثورة المهدية في السودان للكاتب الروسي (سمير نوف).


    رجل بهذا الالتزام الفكري والسياسي والخلقي بقيمة الاعتدال يرى صالح محمود القيادي بالحزب والناشط في جبهة محامي دارفور أن غيابه يأتي في لحظة يعلم الرأي العام السوداني والإقليمي والدولي أن قضايا السودان تحتاج للحوار عبر الاعتراف بحقائق التنوع والمظالم والتهميش.


    قضايا دارفور
    تلك القضايا التي كان لنقد منها موقف مبدئي وتاريخي منذ مؤتمر المائدة المستديرة وله كتاباته التي تؤكد فكرته المبدئية حول كل ما قيل وكان له رأي حول الحروب الدائرة في كل الاتجاهات وقضايا التهميش في الشمالية والمشاكل التي تحدث في الوسط والجزيرة وحق الشعب في التمتع بالحرية والكرامة الإنسانية وأن تكون المواطنة هي أساس الحقوق.


    وقد ظل نقد يقف مع القضايا العادلة لأهل دارفور وسافر إلى دارفور ودخل المعسكرات وشارك النازحين في محنتهم المتطاولة. ويشير صالح إلى أنه حينما سافر لحضور مؤتمر الدوحة ركب في الكراسي العادية وليس الكراسي الخاصة ونزل في الفندق الذي نزلت فيه وفود دارفور من المجتمع المدني والناس وقد رفض طلب وزارة الخارجية القطرية بالنزول في فندق ريتس الذي أعطوه فيه جناحاً خاصاً لأنه اختار أن يكون مع وفود دارفور وقد قدم رؤية مستنيرة في المؤتمر.


    وبرحيله يرى صالح فقد الشعب السوداني أحد أبرز القادة السياسيين وستفقده منابر الفكر والاستنارة في الداخل وفي المحيط الإقليمي والدولي.


    ويبدو أن صفة التواضع تأتي في المقدمة من طريقة ممارسته للسياسة وللحياة العادية لدرجة أنه قد لاحظها آخرون مثل صالح محمود حيث يراه د. الطيب ابراهيم كامل أنه رجل متواضع ومتصالح مع نفسه والآخرين، وقد كان سودانياً حتى النخاع ورغم ثقافته الجمة إلا أن بها تلك النكهة السودانية التي تميزها.


    فاجعة للوسط السياسي
    ويقول الطيب إبراهيم إنه كان يزورني في المنزل أيام الاختفاء في عهد الرئيس نميري مع د. محمد سليمان، وكان لا يأكل غير الفول بالشمار والزيت أو بيضة مسلوقة. والحديث عن نقد يتشعب حتى يكاد ينفلت لكنه يجتمع حول القيمة الرئيسية التي يتميز بها ويحتاجها الواقع السوداني بشدة.

    ؛؛؛
    نقد ظل يقف مع القضايا العادلة لأهل دارفور وسافر إلى دارفور ودخل المعسكرات وشارك النازحين في محنتهم المتطاولة
    ؛؛؛
    حيث يرى كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي أن غياب قائد معتدل صاحب فكرة وفاقية عالية القيمة في زمن التشرذم والتعصب لها تأثيرها البالغ لأن مثل هذا الغياب يمكن أن يقود إلى التطرف والتعصب، لكن عمر يعتقد وكما يحلو للزملاء تسميته أن (البابا) ترك إرثاً من المعاني بيننا في تحالف المعارضة لا يمكن أن يندثر في غيابه ولكن تبقى الحقيقة وهي أن رحيل (نقد) يعد فاجعة للوسط السياسي قاطبة ويثير تساؤلاً كبيراً إلى متى سيظل هذا الجرح الغائر ينزف.

    ويجيب عمر بأن الحل يكمن في السير على المباديء والهوادي التي ظلت عاملاً مشتركاً في حركتنا السياسية نحو التغيير الشامل.


    لكن رغم أن الحاجة لنقد مازالت ماسة شاءت إرادة الله أن يستريح الجسد المنهك من طول المعاناة أو كما يقول هو نفسه من "السك والجري عبر رحلة من النضال موغلة في الزمن".


    تاريخ نضالي عريق
    وبحسب السر عثمان أن الرجل فصل عام 1952م من جامعة الخرطوم لنشاطه وأكمل تعليمه في صوفيا بدولة بلغاريا وتخرج من جامعاتها بدرجة الماجستير في الفلسفة، وعاد إلى السودان عام 1958م وكان من المفترض أن يعمل أستاذاً للفلسفة بجامعة الخرطوم لكنه آثر التفرغ للعمل السياسي واختفى منذ انقلاب عبود بعد إطلاق سراحه مع الشهيد قاسم أمين وآخرين وظل مختفياً لفترة (6) سنوات.


    وفي عام 1960م تم تصعيده للجنة المركزية للحزب وأمسك بمسؤولية العمل الثقافي ثم اللجنة الاقتصادية والعلاقات الخارجية وكان مسؤولاً عن مجلة الشيوعي والشباب والطلاب وكان المسؤول السياسي لمديرية الخرطوم في الستينيات كما عمل مسؤولاً سياسياً لمنطقة الجزيرة.

    وفي المؤتمر الرابع في أكتوبر عام 1967م تم انتخابه عضواً في اللجنة المركزية وواصل نشاطه في عضوية اللجنة المركزية حتى يوليو 1971م وبعد إعدام عبد الخالق تم اختياره سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي خلفاً للشهيد عبد الخالق وظل مختفياً منذ يوليو 1971م حتى قيام انتفاضة مارس أبريل عام 1985م. وتم انتخابه عام 1965م عن دوائر الخريجين كما تم انتخابه عام 1986م عن دائرة الديم والعمارات الجغرافية. ثم اعتقل في الفترة من 1989م وحتى 1992م ثم اختفى مرة أخرى منذ عام 1994م حتى اتفاقية نيفاشا عام 2005م.


    وظل نقد يعمل في المقاومة المدنية منذ ذاك التاريخ حتى غيبه الموت يوم الخميس في مدينة الضباب العاصمة البريطانية. بعد أن جعل تلك النكهة السودانية التي قدم بها الماركسية والشيوعية كما أشار إلى ذلك كل من السر عثمان ود. الطيب إبراهيم كامل تسري في جسد الحزب الشيوعي لدرجة ضرب النحاس في سرادق العزاء كما تفعل كل المجموعات السكانية حين تدوس المهانة حماها أو تفجع برحيل رجل بقامة نقد.


    النقابي علي عسيلات صاحب فكرة أن يكون للحزب الشيوعي نحاس يضرب عند الشدائد والمحن، كما أخبرني القائد النقابي عبد الوهاب متى وقام بجمع التبرعات، لذلك يقول "عسيلات" إن النحاس ثقافة أفريقية عربية وهو هجين الطبول الأفريقية والنحاس العربي والتركي وهو لغة القبيلة والجماعة تتنادى به للأفراح والأتراح لكن غالباً النحاس لا يضرب إلا لاستقبال أو وداع زعيم في حالة السفر أو الوفاة ونحن نحزن لوفاة رفيقنا العزيز محمد إبراهيم نقد ونستخدم لغة التواصل الحزينة عبر النحاس لنعلن للعالم ولأبناء شعبنا بأنه قد رحل اليوم زعيم.



    شبكة الشروق


    .
                  

04-30-2012, 10:14 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)

    ذ يا وطن عند الشدائد
    أو
    ويتقاصر المقال في مقام من لهم في خدمة الشعب عرق ( الجزء الاول(
    د. محمد عثمان الجعلي
    )دبي ابريل 2012(
    ([email protected] )
    )رسالة عزاء تسلم ليد عبد القادر الرفاعي ومحمد طه القدال وعبرهما لمن يهمه الأمر ويحزنه(
    "أنها الكائنات استضافتك في خدرها
    قمُر العشيةٍ يصطفيك
    وتحتويك لدى البكور
    خيوط فجر وشًحتك بضوئها
    شمسُ النهارٍ على جبينك لؤلؤة
    وعلى ذراعك يستريح النيلُ
    من عنت المسيرة في الهجير
    من يا ترى يبكى لديك عليك
    من؟
    من يعزي فيك ....منْ ؟
    من يا ترى يبكي لديك ....عليك....من؟"
    )الراحل على عبد القيوم: من يعزي فيك من؟: ديوان الخيل والحواجز(
    ما بعد الفاتحة:
    "هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ
    معجزةً تطهّرُنا بها
    وبها تُخَلِّصُ أرضَنا
    من رجْسِها
    حتى تصالحَنا السماءُ
    وتزدَهِي الأرضُ المواتْ؟
    علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
    فنّ النّهوضِ من الجراحْ""
    )عالم عباس(
    رحل الفنان الموسيقار محمد عثمان وردي ولحقه سريعا إلى دار الخلود الشاعر محمد الحسن سالم حميد والسياسي المفكر محمد إبراهيم نقد... ثلاث ايقونات إبداعية ورموز فكرية وتمائم إنسانية عظيمة أثرت العقل والوجدان السوداني وجاهدت (كل في ما يحسنه) في تطوير الوعي الجمعي والحس الإبداعي لأهل السودان..القواسم المشتركة بينهم كثيرة متعددة ليس أهمها على الإطلاق تلك التصنيفات الساذجة للبشر يمينا ويسارا.. ليس من بينها (ولا تهمنا مثقال ذرة) مربعات ودوائر التنميط والتسكين السياسي للمبدعين عبر الأطر الحزبية والمواعين الأيدلوجية ..ما يجمعهم كان أكبر من ذلك كثيرا وأعمق وأشمل..يجمعهم الحب الجارف للسودان بشرا وأديما وقضايا..تجمعهم إنسانية شفيفة..تجمعهم الهمة العالية واحترام الذات الذي لا يعرف حدودا ..تجمعهم عزيمة لا تلين في الدفاع عن الموقف ..يجمعهم إيمان مطلق بتجويد المنجز واستدامة العطاء...يجمع بينهم ويميزهم الأمتلاء بقيم الغبش وغمار الناس من الترابلة والرعاة والفعلة والبسطاء ...قيم الأنفة والشموخ والعزة والكبرياء ...قيم كانت وبقيت فيهم لم تربكها أو تزلزلها سلطنة المجد أو أغواء الشهرة أو أضواء النجاحات المتوالية ...قدرات على التوزان الإنساني الاخلاقي لا يحسنها ولا يقدر علي الإمساك الواعي بلجام جموحها وهواها إلا المعدودين من البشر الأسوياء... رحلوا جماعة وبلادنا تعيش الخطر المحدق في ان تكون أو لا تكون ...رحلوا جماعة وتركوا خلفهم بلاد تنتاشها شرور الدنيا ومكائد ابنائها ...رحلوا تباعا وكأني بهم في رحيلهم يستعيرون ويستعيدون ابيات سيدنا أبي الطيب المتنبيء الخالدات:
    سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها فيما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ
    ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ
    وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَهُ في غَيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ
    أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ
    غادروا الفانية رهطا يهزج بحب الوطن الذي هو من الإيمان.. غادروا وطنا كان لهم في خدمته عرق وبذل...في مواكب تشييعهم تنادى اهل السودان جميعهم ...الاحزان وحدها هي من يعجم أعواد أهل السودان ويختبرها..الاحزان وحدها هي مجمرة الروح السودانية الحقة ..عند رحيل من لهم في خدمة الشعب عرق خرج الناس ...تنوع البشر واختلاف اللهجات والسحنات والاعراق والمنابت والتوجهات السياسية تلاشت تماما ..تماما تماما .. من بين دموع الرجال ونواح الثاكلات وزفرات المحزونين تلاقت كل مراثي و"مناحات" الغبش من كل مكان ... تلاقت في سيمفونية اسيفة ، حزينة بالغة الأسي.. من بين إرزام نحاس الحزن وآهات الفجيعة أكاد اسمع أميمة الخليل ومارسيل خليفة وهما يرددان بصوت خفيض محزون وقلب منقبض مكدود شعر طلال حيدر في من "لبسوا الكفافي ومشوا":
    "لبسوا الكفافي ومشوا
    وما عرفت مين هن..
    ماعاد رح يرجعوا
    ياقلب حاج تعن
    لاحصان جايب حدا
    ولا سرج عم بيرن"
    بكل كوفيات المجد والفخار والعز مشى وردي وحميد ونقد ...ولكننا ، خلافا لفرسان طلال حيدر، نعرف من هم ...هم، بالمختصر المفيد ،من لهم في خدمة الشعب عرق ...هم من عناهم صلاح احمد إبراهيم في "نحن والردى"... هم من قال قائلهم وهو من الصادقين بأذن الله:
    "ما انحنتْ قاماتُنا من حِمْلِ أثقال الرزايا
    فلنا في حَلكِ الأهوالِ مَسْرى
    وطُرُق
    نترك الدنيا وفي ذاكرةِِ الدنيا لنا ذِكرُ ُ وذكرى
    من فِعالٍ وخلُق
    ولنا إرثُ من الحكمة والحِلم وحُبِ الآخرين
    وولاءُ حينما يكذبُ أهليه الأمين
    ولنا في خدمة الشعب عَرَق"
    يشهد الله، فالق الحب والنوى ورافع السماء دون عمد، أنهم كانوا كذلك ...جِّملوا حياتنا بعطاء العقل المستنير وبألوان الغناء الراقي والنشيد ..ذلك كان عند اقبال الدنيا ...وحين أدبرت الأيام علمِّوا الناس معاني البذل والتضحية والعشم والامل.. صحيح أنهم رحلوا عن فانية حيث "لا حصان جايب حدا ولا سرج عم بيرن".ولكنهم سيبقون طويلا طويلا في ذاكرة الامة ووجدان الشعب.. سيبقون ما حنت ورقاء على فنن الوطن وما شُد وتر صبابة في قيثارة تناجي المحبوب والمرغوب ناسا وديارا واوطانا واماني ...سيبقون في ذاكرة الامة ما صدعت بكلمة الحق وصوته ألسنة أقوام نذرت نفسها لمداواة علل الوطن وتضميد جراحاته.
    الحزن القديم: "نورا ست الزمزمية" في زي زرقاء اليمامة:
    الرؤيويون لهم قدرات الإنذار المبكر والإستشعار عن بعد.. وانا اطالع بعض شعر حميد توقفت عند ابيات في إلياذته "نادوس" ..أبيات تنضح إستشرافا ونبوءة ...فيها رؤية الفقد الوشيك ... أبيات من "الفلاش فورورد" ...أبيات تحدثنا عن الحال والمآل والناس يتدافعون تجاه "########ات" البنداري وفاروق ...في ابيات حميد من كان يناجي من؟..كانت "نورا" ست الزمزمية" هي الأعلى صوتا وهي تناجي الراحلين إلى دار الخلود :
    "الحال وراك كيفن تسر
    باقيلك إنتي بلاك في زين
    ما إتهشَّم إبريق الرضا
    خنست نسيمات السمح
    والبسمة زي حبة قمح
    لفحه وطفر طيراً كتُر
    أورث عصافيري الضنا
    يبس غناها مع الفجر ؟؟
    إلا ان بعض أعذب الشعر اصدقه ... فشعر الصادقين صادق ....بلاكم ما في زين.. شعر فيه رجاءات الناس وظلاماتهم ..آمالهم وشكواهم ......فيه اشواقهم وعذاباتهم ...شعر فيه التضاد القاتل بين الزين والرضا والسمح والقمح والعصافير والفجر من جانب ...وفيه التهشم والخنس واللفحة والضنا واليباس من الجانب الآخر ...ولكن كيف يتاتي الزين يا نورا؟... فأباريق الرضا قد تهشمت ونسيمات السمح قد خنست وحبة القمح قد لفحها الطير وفر ...كيف يمكن للحال أن يسر؟؟.
    البلاد ومآلها في فقد من لهم في خدمة الشعب عرق تحكي عنها نورا ست الزمزمية..في مشهد نوراني كامل البهاء والصفاء ...في إطار روحي عظيم تصف نورا الفقد الكبير ... عند الفقد والجلاجل والنوازل يبحث الناس عن الملاذات الآمنة ...البحث عن المدد وعن السند وعن المتكأ ..في حجر البتول ..في سماحة السيد المسيح ...في شفاعة سيدي أبي عبد الله الحسين ...في الأضرحة والقباب والمآذن...تحكي كل المشهد نورا ست الزمزمية بلسان ذرب وبيان خلب وقلب روحٍ شربت من سلسبيل ماء الحضرة دناً في أثر كأس:

    عانيت وراكي جنس عنا
    بوّغ سهادي كرو النجوم
    خطو المواويل إرتعش
    حرّس عصاتي بنات نعش
    دومست فوق حِجر البتول
    هلوست بي صلب المسيح
    دروش شردت من الضريح
    شويمت بي ظلم الحسين
    أومت عليْ كم ميضنة
    (حميد : نادوس)
    رحلوا ...رحل محمد عثمان وردي بعد نقش بديع على جدارية الوطن والانتماء والعاطفة.. أجيال من ابناء السودان تخرجوا من مدرسة وردي للغناء والنشيد والموسيقى..غناء للوطن وللحبيبة ..غناء نظيف في المبنى والمعنى ...غناء لم تلوثه مفردات هابطة ولا نغمات نشاز...غني للخير والحب والجمال كما ينبغى للغناء ان يكون ....محمد عثمان وردي علم الناس معنى احترام الفنان لنفسه ولفنه وإبداعه ..يختلف الناس حول وردي نعم ولم لا؟...يحترمونه جميعا؟ نعم.
    حميد لا يشبه أحدا ولا احد يشبهه.. حميد هو أبو ذر غفاري الشعر ...فرادة في كل شيء ..قاموس شعري جديد تماما ...تراكيب عجائبية ومشاهد يصعب عليك أن تتخيلها حتى وانت تسمعها:
    مرة شافت في رؤاها طيرة تأكل في جناها
    حيطة تتمغى وتفلع في قفا الزول البناها
    اتسعت عيون أهل الخرطوم وعموم البنادر وهم يسمعون "كلام الجن" هذا قبل ان يرقصوا عليه على انغام عقد الجلاد غناءً يأتيهم سائغا سلسلا يخرجه التربال العبقري حميد من بين طين سواقي نوري وسراب صحراء بيوضة وحجارة سلوم الصلدة ...حميد وشعره افتتنان مجنون بالشعب والغلابة و"شفع العرب التعابى"...صوره الشعرية قيض لها المولى قنديلا بهيا آخر ...ثنائي مصطفي سيداحمد وحميد اجترح مشروعا للغناء للوطن تجاوبت معه افئدة قطاعات واسعة من شباب أهل السودان...مشروعهما فيه شيء من مشاريع وردي وخليل أفندي فرح ولكن إضافتهما كانت اوضح ...رحل القنديل أولا وتبعه طبيقه بعد أن ترك بصمات لا تزول على قماشة الإبداع الوطني.

    ومن ثم رحل محمد إبراهيم نقد ...ترجل الفارس الثمانيني بعد ان ضحى بحياة كاملة مقابل تنوير ابناء الشعب السوداني وتوعيتهم وتعليمهم أصول الفداء وقواعد الوفاء وفنون العطاء...نقد تجاوز مجايليه من القادة السياسيين بمسألتين ارتبطتا بالسلوك والمنهج...سلوكا أخذ نفسه بشدة المتصوفة زهدا ونكرانا للذات...منهجا عكف على تطوير ذاته دفعا لمقولاته ورفدا لمعينات التوعية السياسية فأنجز اعمالا فكرية عالية القيمة ...على مستوى الفعل السياسي تحول الرجل في حياته لأسطورة ...لقد استقر في يقيني أن المهر الذي قايض به الشعب السوداني استيلاء العسكر (بمختلف منطلقاتهم السياسية) على السلطة كان اختفاء نقد ..ثلاث مرات حكموا ..ثلاث مرات أختفي...سحر الرجل انه طور العلاقة الطردية الموجبة المنتجة بين مدد اختفائه ودرجات عطائه وبذله الفكري وإثرائه التوعوي...المئات من أقرانه من اهل السياسة عاشوا العلن الفاضح الذي طابقه وكان عنوانه الابرز الاختفاء الفكرى والخواء الإنساني .. حياته كانت اختفاء في علن الحضور الواعي ..اختفى طويلا فتذكره الناس دوما ...أكرمه المولى بالحكمة ووهبه حب الناس في وقت عزت فيه الفطنة وندرت الحكمة وتقاتل الناس على حطام الزائلة...حياة محمد إبراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني صفحة من صفحات النفح الصوفي ولا ريب...بذل لم يتوقف في سبيل الإنسان السوداني، طهارة عليا في اليد وعفة لا مثيل لها في اللسان... شخصية نقد السياسية تجذرت سلوكياتها في مصالحة النفس وترويضها وحثها على مكارم الاخلاق ...أحبه أهل السودان لأنه كان مرآة صادقة لما يتمنونه في زعمائهم بساطة ،صدقا وإنسانية وشهامة ورجولة وفكرا مستنيرا مع روح للدعابة موزونة تماما.
    وردي وحميد ونقد "لبسوا الكفافي ومشوا"...مشوا إلى باحات المجد وساحات الخلود ...مشوا ليحتلوا مكانهم اللائق في ذاكرة الامة وفي وجدان شعب السوداني الوفي الخلاق ..التحقوا بأرتال من ابناء الشعب الشرفاء الذين ما هانت بلادهم يوما عليهم وما هانوا عليها يوما.
    محمد عثمان وردي: في تجسير ثنائية العاطفي والوطني:
    "عزه في الفؤاد سحرك حلال
    ونار هواك شفاء وتيهك دلال
    ودمعي في هواك حلو كالزلال
    تزيدي كل يوم عظمة ازداد جلال"
    (خليل أفندي فرح)
    "يا جميلة
    ومستحيلة
    أنت دايماً زي سحابة
    الريح تعجل بي رحيلها
    عيوني في الدمعات وحيلة
    اسمحيلا تتشوف عيونك
    أسمحيلا
    أنا لا الصبر قادر علي
    ولا عندي حيلة"
    (محجوب شريف)
    ستون عاما زاهرة ومحمد عثمان وردي ذلك الهرم النوبي الشامخ يعطر سماوات السودان إبداعا غنائيا متفردا وأصيلا...ستة عقود كاملة ليست "هينة ولا لينة" بحساب الازمنة وأحداث الدنيا... لتقدير عطاء الرجل الباذخ وتثمينه على الوجه الواجب علينا ان نتذكر أنه منذ العام الذي اعتمدت فيه لجنة الألحان والأصوات الجديدة صوته (1957) (وكانت اللجنة تتكون من عبد الرحمن الخانجي نائب مراقب الإذاعة وخاطر أبو بكر مساعد المراقب والمذيع على شمو كما حدثنا الدكتور الطاهر إبراهيم في كتابه: انا امدرمان) جرت مياه كثيرة بل شلالات مياه عظيمة تحت جسور العالم .. في عام إجازة صوته في الإذاعة السودانية كانت عائلة بن لادن السعودية تحتفل بميلاد ابنها أسامة... واسرة قرضاي الافغانية تحتفل بمولد ابنها حامد (الرئيس الحالي)...ذات عام 1957 شهد ميلاد الروائي الكبير علاء الأسواني صاحب "عمارة يعقوبيان " و"شيكاغو" وغيرها ..كما شهد ميلاد المطرب العراقي كاظم الساهر....سنة بداية وردي شهدت وفاة آغا خان الثالث وسراج منير وعلي الكسار ونيكوس كازانتزاكيس وهمفري بوجارت....البير كامو صاحب "الغريب" و"الطاعون" نال جائزة نوبل للآداب ذلك العام.. في الوقت الذي كان فيه العالم يمور بمثل هذه الأحداث كان محمد عثمان وردي يفرد أشرعته للإبحار في عالم الفن وكان السودان موعود بنوع مختلف من الغناء والمغنيين ..دخل وردي ساحة المغنى السوداني واعتلى درجها وبقي فيها سامقاً ليترك آثارا على سوح الغناء السوداني كتلك التي تركها زرياب على الموسيقى العربية سواء في الموصل او بغداد أو قرطبة ...كزرياب أحدث وردي نقلة في كل شيء.. عند تدوين تاريخ الغناء السوداني سيكتب المختصون أنه في عام 1957 دخل المغنى السوداني الحقبة الوردية.
    في حياته، وفي إطار مشروع توثيقي بإشراف الدكتور عبد القادر الرفاعي، كتبت مقالا مطولا عن محمد عثمان وردي مستعرضا إضافاته لمجمل المشهد الإبداعي (الغنائي) السوداني...المقال جاء بعنوان "منمنمتان على جدارية محمد عثمان وردي"...في المنمنمة الاولى سعيت لتسليط الضوء على بعض أبرز إضافاته لخارطة الغناء العاطفي أما في الثانية فقد كان التركيز على إضافاته لكراسة ونوتة الغناء الوطني.
    لعل مثل هذا التصنيف الذي اتبعته في العمل السابق عانى ما تعانيه كافة ألوان التصنيفات من خلل المنهج الذي يصاحب مشروعات النمذجة... فالتداخل بين المكونين الوطني والعاطفي عند وردي ادق من ان يفصله حتى مشرط جراح ماهر والشواهد على ذلك كثيرة فإذا نظرت إلى عمل كبير مثل "بناديها" كيف لنا أن نصنف هذا المنجز الإبداعي الضخم؟ .. هذا غناء للحبيبة وللوطن ولكل معنى إنساني كبير... حقيقة الامر إن مثل هذا التزاوج لم يجترحه وردي ففي عشرينيات القرن الماضي زاوج خليل افندي بين الحبيبة والوطن في أبدع وابهي صور هذا التزاوج حين صدح ب"عزه في هواك" ..."عزة" في هواك ظلت الاغنية الوطنية الاولى في السودان ..بل أن أسم "عزة" ارتبط عند السودانيين بمعاني الوطنية والعزة بشكل غير مسبوق في معاني ودلالات الاغاني.. "عزة" هي المقابل السوداني لنشيد المارسليز الذي أنشده الثوار الفرنسيون في عام 1789 وظل رمزا لفرنسا الحرة منذ ذلك الحين ....عزة لم تكن وحيدة خليل أفندي في التزاوج بين الحبيبة والوطن إّذ ان "فلق الصباح" لها ذات السمة والخصوصية... في كتابته عن أناشيد الحرب أشار خالد القشطيني إلى ان الجنود البريطانيين كانوا اثناء الحرب العالمية الاولى يغنون للحبيبة وهم يدافعون عن الوطن:
    "إنه لطريق طويل طويل إلى تبريري
    طريق طويل لنسير
    وداعا يا ساحة بيكادلي وليستر سكوير
    فأمامي طريق طويل لتبريري
    ولكن حبيبتي تنتظرني هناك
    أجمل فتاة هناك"
    وأشار القشطيني كذلك إلى أغنية الحرب الألمانية «ليلي مالين» التي شاعت في الحرب العالمية الثانية بعد أن غنتها سارة لينر، معبودة هتلر والحزب النازي. الأغنية تتغنى بجمال الحبيبة ليلي مالين وهي تجلس وتنتظر عودة حبيبها الجندي من الجبهة. غناها عساكر الفايمارت في مسيراتهم واكتساحهم عموم أوروبا.
    إذن خليل افندي كان طليعيا رائداً في المزاوجة بين العاطفي والوطني ...محمد وردي سار على طريقة الخليل وهو يصدح بأغاني من طبقة "بناديها" و"جميلة ومستحيلة" ...هذه أمثلة واضحة وبهية للغناء للوطن وللحبيبة ..هذا هو الغناء الأسمى... من غير عمر الطيب الدوش يمكن ان ينادي الوطن الحبيبة ...إنه لا يناديها فقط بل "يعزم كُلّ زول يرتاح على ضحكة عيون فيها"...من أراد ان يغني للحبيبة أو للوطن فليغن بمثل هذا او يدع الحبيبة والوطن وشأنهما.
    لمحمد وردي أوليات عديدة صنعت منه فنان مختلفا ، متميزا ومغايرا ... هذه الاوليات كثيرة ومتعددة ولكننا نوجزها في أربع ..أولها التزامه بمواقفه ورؤاه كمحدد لتوجهاته الفنية وثاني الاولويات تتعلق بريادته للتجديد في الغناء السوداني كلمة ولحنا ...الأولية الثالثة تتمحور حول توسيعه لمعنى وافق التغني للوطن ، والرابعة اوليته في تحديد العلاقة بين الفنان وجمهوره...في السطور التالية نلقى نظرة عين طائر خاطفة على بعض سمات ودلالات اوليات محمد عثمان وردي.
    إن أبرز هذه الأوليات تتمثل في التزامه الدائم بالتعبير عما يحسه كشخص مستنير من خلال ادواته الإبداعية كمغن... وردي لا يختار ولا يغني إلا في إطار رؤاه هو وقناعاته هو ...لم تجبره سلطة ولا شهوة ولا حاجة للتغني بما لا يدخل في قناعاته....على هذا الصعيد تميز الرجل بالتزامه الاخلاقى تجاه مواقفه رغم معرفته الواعية والمسبقة بنتائج هذه المواقف .. أفكاره ورؤاه ومواقفه المبدئية من قضايا الديموقراطية والحرية أدخلته في مواجهات عنيفة مع السلطات العسكرية التي حكمت السودان في حقب تاريخية مختلفة فلم يتنازل أو يتراجع أو يهادن...عناده وشجاعته وعلنية مواقفه جلبت عليه السجون والمنافي والحرمان ولكنها بالمقابل أكسبته احترام الناس والأهم أنها كرست لديه احترامه ذاته ...أحبه الناس لانه قدم مواقفه الفكرية على مكاسبه الذاتية ...عارض التهجير القسري لأهله وعارض نظام جعفر النميري بعد ان نكص على عهوده وعلى شعاراته التي كان وردي في طليعة حداتها والمبشرين بوعودها..عارض نظام الإنقاذ...عاش المنافي القاسية في قارات الدنيا ولكنه ظل مع الناس يؤنس وحدتهم ويحدو قوافل آمالهم في واقع افضل ومستقبل ازهر.
    من أوليات وردي سعيه الدؤوب لتطوير المغنى السوداني من حيث الكلمات والموسيقى..ولعل وجود مجموعة متميزة من مثقفي السودان حوله قد ساعدت كثيرا في ترقية ذائقة وردي الشعرية وتطوير قدراته على انتقاء واختيار أعمال متميزة ومن مدارس شعرية مختلفة .. وردي تمرس في تطوير عمله وظل خط بيان إبداعه يسجل تصاعدا متواليا في الكم والنوعية مع إتقان متزايد للمنتج ...وردي تطور من "الليلة يا سمراء" و"أسمر اللونا" مرورا إلى مدرسة خليل أحمد في "يا طير يا طاير" وظل يجود أدواته حتى خرج للناس ب "المستحيل" وتصاعدت وتائر الإتقان ليبلغ ذراها في "الطير المهاجر" والتي لم يتوقف بعدها.... إن "المستحيل" لإسماعيل حسن كانت فتحا في موسيقى الاغنية السودانية أما "الطير المهاجر" فقد كانت استشرافا آخر واقتاحاما للتجويد في عوالم الموسيقى .. إن إلتحاق وردي بمعهد الموسيقى كان امراً له دلالاته الكبيرة على صعيد اهمية طلب العلم والإستزادة منه مهما بلغ المبدع من مكانة وشهرة ومهما حقق من نجاح اعتمادا على المواهب الفطرية..ورغم انه لم يكمل دراسته بالمعهد إلا ان وردي أسدى خدمة جليلة للمعهد الناشيء ولعل وجوده كان حافزا ودافعا للعديد من الفنانين للإلتحاق بالمعهد ....من حيث إختياراته الشعرية خرج وردي من عباءة إسماعيل حسن التي تدثر بها زمنا في فترة رومانسية الغناء السوداني ...دخل مرحلة الواقعية الشعرية... غنى لصلاح احمد إبراهيم وعمر الطيب الدوش وعلى عبد القيوم ومحجوب شريف ...غني للحلنقي وابو قطاطي والتجاني سعيد وابي أمنة حامد وغيرهم...بعض أغنيات وردي مثلت علامات فارقة في عالم الغناء السوداني......وردي غني أطيافا من الغناء المختلف في مبناه وموسيقاه ولكن يجتمع في إجادته وتجديده ..من "قلت أرحل" و"من غير ميعاد" إلى "عصافير الخريف" إلى "الحزن القديم" ألى "الود" للدوش ...غناء من الطراز الرفيع ...محمد وردي لا يتعامل مع فنه إلا بالجدية اللازمة لذا نادرا ما يخرج على الناس بعمل قليل القيمة او الأثر.
    من اوليات وردي كذلك انه ساهم في تحويل الغناء للوطن من مناسبة احتفالية موقوته بزمن وتواريخ معينة إلى حالة وجدانية دائمة الحضور والفعالية .. وقوف وردي على أي مسرح يعني الغناء للحبيبة او للوطن ..هما سيان عنده وعند جمهوره..."الاكتوبريات" ويا شعبا لهبك ثوريتك" و"أصبح الصبح" لم تكن اغاني وطنية تبث للمناسبات ولكنها لحون على الشفاه كل الوقت وفي كل الازمات والمواقف.. ولعل مما ساهم في إدغام الوطني بالعاطفي عند وردي وجمهوره أن وردي ابن السياسة ...جاءت أنطلاقته الفنية قبيل أول انقلاب عسكري شهده السودان في نوفمبر 1958...هلل له مع قطاعات من الشعب ..كان شابا يافعا منفعلا ...خدعته ،كغيره، المارشات العسكرية والصفوف المتناسقة للعسكر فظن خيرا في صلاح حكهم ورشادهم للبلاد عوضا عن الهرج الذي ساد في اعقاب مناورات حكومة السيدين وما شاب الحياة السياسية من انفلات حينها... ومن ثم انقلب عليهم حين انقلبوا على أهله في حلفا استعداد لبناء السد العالي قبل ان ينقلبوا على حرية وديموقراطية أهل السودان بالكامل ..الشاب الذي عاش تقلب الامزجة السياسية حينها كان قد تشرب ،مع جيله، أجواء مؤتمر باندونق .. شعارات عدم الإنحياز...تشرب من مقولات وآراء نهرو وتيتو وعبد الناصر وسيدي الأزهري إسماعيل... شهد تمرد الماو ماو وكنياتا ونكروما وسيكتوري وتوم موبيا ورشيدي كاواوا يدخلون زمرة قادة أفريقيا الجديدة ...شهد التحول الإشتراكي على يد عبد الناصر ...عوالم جديدة وتطلعات جديدة وشباب في مثل سنه يحلمون مع كمال عبد الحليم بآفاق جديدة إذ ينشد ويرددون خلفه:
    "دع سمائي فسمائي محرقه
    دع قنالي فمياهي مغرقه
    واحذر الارض فارضي صاعقه
    هذه ارضي انا وابي ضحي هنا
    وابي قال لنا مزقوا اعدائنا
    انا شعب وفدائي وثوره
    ودم يصنع للانسان فجره
    ترتوي ارضي به من كل قطره
    وستبقي مصر حره مصر حره"
    دخل وردي عالم السياسة ولم يخرج منه أبداً ....ظل مذاك وطنيا صميما يدافع عن قيم الديموقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية.
    من أوليات وردي أنه علم الناس معنى الإستماع المحترم ...وردي استفاد من تجربته المهنية السابقة كمعلم في تنظيم العلاقة بينه والجمهور ..ولعل حفلات وردي أكثر الحفلات انضباطا في السلوك ..أنه لا يحرم جمهوره من التعبير عن مشاعرهم ولكنه تعبير منضبط في حضرة الأستاذ ...المسافة بينه والجمهور محسوبة بدقة ومهارة شديدتين دون تفريط ولا إفراط ...أحب الناس وردي في هذه الناحية لأنهم يعرفون جيدا الفرق بين الادعاء الاجوف والغرور وبين الاعتداد بالنفس والثقة الناجمه عن معرفة مقدار الذات ومقادير الناس في إطار علاقة سوية متوازنة...بل لعل وردي هو المبدع السوداني الوحيد الذي يعشقه الناس لصراحته الشديدة ولا يعدونها من ضروب الترجسية المؤذية أو "القرضمة" (الكرضمة! حسب تعبير استاذنا حيدر إبراهيم).
    واخيرا فإن محمد عثمان وردى المولود في قرية صواردة جنوب مدينة عبرى بشمال السودان قد خلف مآثر وآثارا خالدة على مجمل المشهد الإبداعي السوداني منذ ميلاده في 19 يوليو 1932 وحتى رحيله في 18 فبراير 2012 .. كان وردي موجودا وبقوة طيلة حياته الغنية الخصبة المنتجة ...كان فنانا نادرا وإستثنائيا ...حتى تواريخ ميلاده ووفاته ليست عادية ..ولادة في ذات تاريخ انقلاب مشهور ووفاة في ذات تاريخ وفاة العبقري الآخر الطيب صالح...ليس هناك شيء عادي بشأن وردي كان استثنائيا في كل شيء.















    يا وطن عند الشدائد (2(
    أو
    ويتقاصر المقال في مقام من لهم في خدمة الشعب عرق ( الجزء الثاني)
    د. محمد عثمان الجعلي
    )دبي ابريل 2012(
    ([email protected] )
    )رسالة عزاء تسلم ليد عبد القادر الرفاعي ومحمد طه القدال وعبرهما لمن يهمه الأمر ويحزنه(
    "أنها الكائنات استضافتك في خدرها
    قمُر العشيةٍ يصطفيك
    وتحتويك لدى البكور
    خيوط فجر وشًحتك بضوئها
    شمسُ النهارٍ على جبينك لؤلؤة
    وعلى ذراعك يستريح النيلُ
    من عنت المسيرة في الهجير
    من يا ترى يبكى لديك عليك
    من؟
    من يعزي فيك ....منْ ؟
    من يا ترى يبكي لديك ....عليك....من؟"
    (الراحل على عبد القيوم: من يعزي فيك من؟: ديوان الخيل والحواجز)

    الشعر العامي كفعل إبداعي متجاوز: التروبادور حميد حين يغني
    مفيش في الأغاني كده ومش كده
    تفرقنا عن بعض بالشكل ده
    يا مصر اللي جايبة الشجر من زمان
    وشايلة الضفاير على البرتقان
    وقبل الأوان اللي قبل الأوان
    بتحييني أنفاسك المسعده
    مفيش في الأغاني كده ومش كده
    تفرقنا عن بعض بالشكل ده
    )فؤاد حداد : في حب مصر(
    بآكِراً تعلمتْ آنهُ كيّ تصِلّ إلىّ آلنبع عليّكْ
    مِثلّ آسمآكْ آلسلموُنْ ، آنْ تسبح عكسْ آلتيآرّفإنه لآ يجريّ مع آلتيآرْ آلآ آلسمكْ الميت
    )آحلآمْ مُستغآنِميّ(
    ظل شعر العامية في السودان حتى العقود القليلة الماضية هو شعر الهامش المنسي ..كان شعر المناسبات المحلية والجهوية التي تحفظها الاجيال مشافهة.. أهل المركز والحواضر والبنادر كان يأتيهم شعر "الضهاري" والأرياف في المواسم مع منتجات الفصول والدورات الزراعية الإنتاجية ...مع "مقاطف" و"قفاف" التمر والسمن البلدي والكركدي والقضيم والقمح والدخن وكل منتج حسب أقاليم السودان كانت تأتيهم مربعات الشعر والدوبيت وأغاني المناسبات مشافهة....ولقد ظل الشعر الغنائي المتجذر في اللهجات المحلية يرتبط إعلاميا بالبرامج المتخصصة كبرنامج "ربوع السودان" أو "مجادعة بالدوبيت" أو برنامج شيخنا الراحل الطيب محمد الطيب "صور شعبية"..كان أهل البندر يتعاملون مع هذه اللهجات المحلية الجهوية كأشياء متحفية...بل كانت عند جماعات منهم أداة ومادة للبرامج الكوميدية (تور الجر وود حامد الغرباوي وأدروب) ..ومن ثم جاء نجباء الأمة ...لم يأتوا من فراغ ..تناسلوا من عبقريات محلية لم يكتب لها الذيوع والإنتشار..جاء كل منهم محتقبا ذخيرته ومواهبه وحين واتت الظروف وتهيأت جاءوا من الأطراف وهبطوا المدن والبنادر...جاء شاش و"فنجان جبنة بي شمالو" ..جاء أهل كردفان بالكمبلا وإيقاعات المردوم والجراري والجابودي وام بلينة السنوسي وإبراهيم موسى أبا واخوانه..وجاء الحاردلو سيداحمد ومحمد طه القدال ومحمد بادي وأزهري محمد على ومحمد الحسن سالم حميد وأخوانهم ...ومن المهم الإشارة إلى ان مد الشعر بالعامية في السودان استفاد كثيرا مما جرى في الشقيقة مصر حيث سادت اشعار سيد حجاب والأبنودي واحمد فؤاد نجم التي خرجت من عباءة صلاح جاهين وفؤاد حداد والتي كانت بدورها قد وردت حوض مشروع بيرم التونسي.
    صوت الشعر العامي لم يأخذ صورته الراهنة إلا في ظل معطيات جديدة ومختلفة تماما..لقد ضرب إعصار التغيير كافة مناحي الحياة السودانية في العقود القليلة الماضية..إن الحروب والتغيرات المناخية وما ادت إليه من جفاف وتصحر والازمات السياسية وغياب التنمية الاقتصادية المتوزانة كانت كلها عوامل أدت إلى تغييرات جذرية في بنية وسلوك الدولة السودانية وأهلها... إن التحول الكبير في البنية والتركيبة الاقتصادية والإجتماعية للدولة التي تآمر على إرباكها وخلخلتها الاستحداث (المتعجل وغير المدروس) لما يسمى باقتصاد السوق الحر وما ارتبط به ، وادى إليه، من فساد غير مسبوق نتج عنه نزوح هائل ومتواتر بإتجاه المدينة المتعبة والمتردية الخدمات أصلاً.. ..لقد تريفت المدينة ...الملايين التي زحفت على البنادر كانت تبحث عن حقها في الحياة ...لقد ضاعت الأغلبية شقاءً وفقرا ومسغبة وراحت تبحث عن من يبث شكواها ويقيل عثرتها..كانوا يبحثون عن من يعبر عنهم بلسانهم ...يبحثون عن من ينشد الناس كما محمد ود الرضي في العشرينات"الاهلية كملت" ...يبحثون عن من يقول "يا بو مروة"..ولم يخذلهم أيناؤهم ...كانوا هناك في الموعد ...قدال وحميد واخوانهم ..صوت الغلابة والمنكسرين يأسون جراحهم ويشدون عضدهم ويبشروهم بالمستقبل ..شعراء الأمل حين تدلهم الخطوب وحداة قوافل الرجاء حين يشتد الجوع ويعم المرض وينتشر الجهل...يبشرون امة عظيمة وشعب أبي ابت عليه حكوماته واهل سياسته إلا ان يذل في أمنه وعيشه وصحته... حزن الامة على فقد صوت كصوت حميد كبير بحجم آمالها في أن يغنيها ، مع إخوانه، مواويل الصبر والجلد والصمود ويبشرها بقرب الخلاص ..غاب الحادي وتكاثرت الرزايا إذ ضاع لسان "السرة بت عوض الكريم" وغاب من يكتب خطابات"ست الدار بت جابر".
    حميد هو خلاصة ثقافة الشايقية المنفتحة على كل التجارب الوطنية والإنسانية ..في شعره حلاوة تمور المنطقة من بركاوي وقنديل وودلقاي ومدين ومشرق ... مفرداته خليط من الأثر القرآني للخلاوي والمدائح..ايقاعات شعره متموسقة مع الدليب ومتوافقة مع ضربات النوبة المميزة في حلقات وحضرات السادة الصوفية ورنة الطار و"الشتيم" في حلقات الذكر... فيه نفس ود حليب وحاج الماحي..حياته حياة صوفي من النساك وأهل الزهد ..حياته حياة من كُشف لهم السر فاستبانوا المسألة ..تمسك بالبساطة الطبيعية إذ لم تخدعه الزائلة ببريقها الزائف ..صالح نفسه على يقينياته في الناس والمحبة فتيقن وأحبه الناس.. عاش لاهله وفي اوساطهم ومنهم استقى صوره الشعرية ..لم يهوم في عوالم الخيال الناهد للصورة الاكمل ولا الحياة الامثل ...بحث في شعره عن الحياة الممكنة للغبش من حوله .. أوقف شعره على حياتهم وقضاياهم:
    "غنيتك البارح براي
    إنصلبطوا التانين غناي
    والليلي بتواتاك شعر
    دونو إنعتاقك أو فناي"
    حميد في استخدامه الكلمة سلاحا فاتكا في وجه الظلم والإستبداد لم يكن وحيدا كان يعبر بلسان مدرسة إنسانية عريقة التزمت جانب شعوبها المقهورة ودافعت عنه بسلاح الكلمة...عندما أطاح الجنرال بينوشيه بالحكومة الاشتراكية المنتخبة ديمقراطياً في تشيلي في أوائل السبعينات وقتلوا الرئيس سلفادور أليندي، هجم الجنود على بيت الشاعر بابلو نيرودا وعندما سألهم ماذا يريدون أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح فأجابهم الشاعر أن الشعر هو سلاحه الوحيد( السيرة الذاتية للشاعر "أشهد أنني قد عشت").
    كنيرودا وأمثاله من الرواد استخدم حميد أدواته الشعرية الناضجة والمفعمة بكل الحس الشعبي الموروث لإقتلاع حقوق أهله من بين براثن الطواغيت في أي زي تدثروا وتحت أي إهاب مثلوا ادوارهم...خاطبهم بمفردات اختيرت بعناية من القاموس اللغوي الذي كان مطيتهم للسطو على السلطة والإحتيال على الناس ..خاطبهم باللغة القرانية التي تقشعر لها أبدان المرجفين والدجالين:
    تَربت يداك
    تربت يداك
    تبّت يدا كلِ الذين
    تغامزوا..وتلامزوا..وتهامزوا
    وتقززوا
    فتلذذوا
    من فيه جرحك يا وطن؟
    حميد شاعر الإبحار ضد التيار في كل شيء .. ضد تيار الهجرة من الريف للمدينة وهو العائد للريف بعد التمدن...ضد تيار المركزية الإعلامية وقد فرض على الآلة الإعلامية الجري خلفه وملاحقته في نوري ..ضد تيار استسهال القاموس الشعري والعيش على حواشي اللغة الميتة فعمل على تطوير قاموسه الشعري الخاص بعد أن أعمل جهده في البحث في كنوز ومناجم اللغة العامية.. فصلته الدولة من وظيفته ولم تكن تعلم انها قد حررته من إسار وربقة الوظيفة العمومية وما تجلبه على صاحبها من ذل وإسترقاق فعمل شاعرا ومزارعا حرا طليقا...حميد السابح كأسماك السالمون (كما في حديث مستغانمي) ظل يسبح عكس التيار وضد التيار السائد ...هل كان صاحب اللافتات أحمد مطر يعنيه وهو يكتب "ضد التيار":
    "في طوفـانِ الشّرفِ العاهِـرِ
    والمجـدِ العالـي المُنهـارْ
    أحضُـنُ ذنـبي
    بِيـَدَيْ قلـبي
    وأُقبّـلُ عاري مُغتَبِطـاً
    لوقوفـي ضِـدَّ التّيـارْ
    أصـرُخُ : يا تيّـارُ تقـدّمْ
    لنْ أهتَـزَّ ،ولـنْ أنهـارْ
    بلْ سَتُضارُ بيَ ألا وضـار
    يا تيّـارُ تقـدّم ضِـدّي
    لستُ لوَحـد ي
    فأنا .. عِنـدي!
    أنَا قبلـي أقبلتُ بوعْـدي!
    وسأبقى أبعَـدَ مِنْ بعـدي!
    مادمـتُ جميـعَ الأحـرارْ
    )احمد مطر: ضد التيار(
    عبقرية أهل الإبداع (بمختلف ضروبه) أنهم استطاعوا ترميز التجارب الإنسانية في مختلف تجلياتها عبر شخصيات خيالية أكسبوها بقدراتهم الإبداعية لحما ودماً وعواطفا وسلوكا فأستوت تمشي على قدمين بين الناس وكأنها جزء أصيل منهم ..يحيون حياتهم ويعبرون عنهم ...إن شخصيات مثل "سي السيد" عند نجيب محفوظ و"مصطفى سعيد" عند الطيب صالح و"دون كيشوت" عند سيرفانتس و"حراجي القط" عند الأبنودي و"حسن الوزان –الغرناطي-" عند امين معلوف و"زوربا" عند نيكوس كازانتزاكيس بل إن أسماء قرى ومواقع جغرافية مثل قرية" ماكوندو" عند ماركيز و"ود حامد " عند الطيب صالح كل هذه أمثلة قليلة جدا على قدرات المبدعين المذهلة على تطوير وبث الروح في شخصيات ومواقع خيالية لتكتسب أدميتها وحياتها على أيديهم... يقول إدريس جماع :
    "خُلقت طينة الأسى وغشتها نار وجد فأصبحت صلصالا
    ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة البؤس شاعرا مثّالا"

    حميد ينتمي لمثل هؤلاء الجبابرة الأفذاذ...تصاوير حميد الشعرية للبشر أضحت عند قطاعات واسعة من أهل السودان شخوصا حياتية تمشي على قدمين.."عم عبد الرحيم" و"السرة بت عوض الكريم" و"نورا" "ست الدار بت احمد"..لا أحد يقتنع بأنهم شخصيات على دفاتر الشعر..هؤلاء بشر سودانيون في بيتنا وبيتك وبيت الآخر....لو أردنا وصف المرأة السودانية العظيمة لما احتجنا لغير ابيات قليلة الكلمات عظيمة المعاني والدلالات من عبقري مثل حميد ليقول لنا عنها وهو يصف السرة بت عوض الكريم:
    "مرأة من صميم
    ضَهَر الغلابى
    الماب تنكِّس رأسه
    غير ساعة الصلاة
    أو ترمي تيراب
    في التراب
    أو تستشِف
    وجهَ الأديم"
    أما ست الدار بت أحمد جابر فإن رسائلها من نوري السوق لزوجها الزين ود حامد عبر عنوانه: الخرطوم، الخرطوم بحري، كشك الشعلة فإنها تعتبر تحفة في أدب الرسائل صاحب المضامين العميقة في التوعية السياسية وفي الوقوف في وجه المحن والرزايا..عمق المضامين التي اشتملت عليها الرسائل بين ست الدار وزوجها أنها تجاوزت الهموم المعاشية الحياتية العادية إلى قضايا البلاد دون تنطع ودون تجاوز للواقع المرير وربط عبقري بين الهم الفردي والهم الجماعي..إرادة المرأة السودانية العظيمة ودورها الكبير في المجتمع مثلته "السرة بت عوض الكريم" وست الدار بت احمد جابر على وجه تتقاصر عنه وتخجل منه ورش العمل والندوات والمحاضرات والمسيرات المليونية الإحتفالية الموسمية الممجدة للمرأة ..استمع معي ،والاك المولى بالعافية،لإمراة من غمار أهل السودان كالسرة بت احمد وهي تكتب من نوري لزوجها العامل المقهور في كل شيء بالخرطوم البحرية..خرج من السجن الذي دخله وهو يبحث عن حقه ليبقى عاطلا بالخرطوم ...انظر إلى الرجاحة والشورة والدعوة للعودة للجذور:
    بس يا الزين كان درت مشورتي
    اصلو كتالك ياهو كتالك
    تجي مندلي
    الواطة تراها
    وبي جاي جاي .. بندبر حالك
    ما الحيكومة الضاقت دمك
    عينا محل قبلت قبالك
    شورتك عندك
    عندك شورتك
    والببقالك .. الببقالك
    التمرات بعناها آ الزين
    خفنا السوس ونزالة السوق
    مبعوتالك عشرة جنيه
    والأشواق من هنا لا عندك"
    عم عبد الرحيم هو الحالة النموذجية ل"الزول السوداني" ...بلاد عظيمة وأمة عريقة..كان لأهلها آمال عريضة في حياة حرة مستقرة ذات خير ونماء ثم "تسلط "على البلاد ابناؤها فأحالوا آمالهم سرابا وخيرهم وزادهم فقرا ومسغبة ...اهترأت خارطتهم ولم تزل إرتدادات زلزال فقدان الجنوب تضرب أطرافها...هاجر أبناؤها وتشتتوا في أصقاع الدنيا ينشدون مجرد العيش الكريم بعد ان كانت بلادهم مأوى وملاذ الآخرين ...عم عبد الرحيم نموذج التضاد بين الرغبات والقدرات ..بين العوز والحاجة وما هو متاح لسدهما ..عم عبد الرحيم لم تقتله قاطرة السكك الحديدية بل قتلته حكومات لم تراع حقوقه:
    حكومات تجى...وحكومات تغور
    تحكم بالحجى...بالدجل الكجور
    ومرة العسكرى...كسار الجبور
    يوم باسم النبى...تحكمك القبور
    تعرف يا صبى...مرة تلف تدور
    ولا تقول برى..او تحرق بخور
    هم يا الفنجرى..يا الجرف الصبور
    كل السقتو مات ...باقى على التمور
    وارضك راقدة بور...لا تيراب وصل..لا بابور يدور
    لا تيراب وصل ولا بابور يدور..قصة عم عبد الرحيم..قصة السودان..نقطة.
    ومن ثم رحل حميد المولود في عام 1956 وكان قد تلقي تعليمه الأولي والأوسط بمدينة نوري والثانوي بمدرسة عطبرة الشعبية الثانوية..عمل في هيئة الموانىء البحرية بين عامي 1978و1992 ..توفي إثر حادث سير عند الكيلو "167" في طريق "شريان الشمال" في طريقه من نوري إلى الخرطوم في يوم الثلاثاء 20 مارس 2012. رحل حميد عن 56 عاما وترك أرثا إنسانيا عظيما ...له أربع مجموعات شعرية وهي "مصابيح السما" و"نورا والحلم المدردح" و"تفاصيل ماحدث" و"ارضا سلاح"...بعض قصائده أضحت علامات بارزة في ساحة الإبداع الشعري السوداني وأهمها:"حجر الدغش"، "نورا"، و"ست الدار" و"عم عبدالرحيم"، و"عمنا الحاج ودعجبنا" و"ياتو وطن" و"من حقي أغني" و"الضو وجهجهة التساب" و"لبن الطيور".
    رحل المبدع العبقري وهو يغني للمحبة والخير والجمال والسلام..يغني و"يقوقي" مع الحمام" أبيضا نقيا رحل ..مع الحمام رحل وهو يغني:
    "غلابه وأمان مو الطيابة
    ضكارى بصارى وكرام
    حباب الحبان في بابه
    وتدخلوا عليّ الحرام
    فقارى ولكن غنايا
    غنايا بهذا الغمام
    بهذا النيل كم تغايا
    وتيرابا نرميهو قام"
    محمد إبراهيم نقد: أعلن الحضور الفاعل في زمن الأختفاء
    "اليومُ أحداً
    كانَ اليومُ أحداً
    ساقوني خارجَ حبسي تحتَ الشمس.
    لأولِ مرةٍ .. ذاك اليوم
    ولأولِ مرةٍ في حياتي
    مذهولاً كيفَ أن السماء بعيدة جداً
    و زرقاء جداً
    وعريضةٌ جداً
    كنتُ ساكناًً
    ثم جلستُ على الأرضِِ خاشعاً
    أسندتُ ظهري على الجدار.
    لم أتدحرج في التيار تلك اللحظة
    تلك اللحظة .. لم أفكر بالحرية .. أو بزوجتي
    الأرض والشمس وأنا
    وكفاني"
    (ناظم حكمت)
    "بالليل وشيك فوق التدويرة هويني مشيك
    الراكب الكيك داخل في مجالك خبرو ركيك"
    (العارف بالله الشيخ عبد الرحيم البرعي: القوم بتجيك)
    في منتصف التسعينات وفي زيارة لسوريا دخلت مكتبة ميسلون الواقعة امام فندق الشام ..الآف الكتب والمصنفات في تلك المكتبة الوارفة ... كتب لعرب قدماء ومحدثين ..كتب مترجمة ..كتاب أثر كتاب ومجلد يحتضن مجلدا ..وانا اقلب بعض تلك الكتب والأسفار والإصدارات توقفت فجأة أمام كتاب صغير الحجم ..ترددت وقرات العنوان وأسم المؤلف مرتين ثم عاودت القراءة ...حين تاكدت صحت عاليا دون قصد ولا اردايا :"الله يفتح عليك يا نقد دنيا وآخرة"... احسست بزهو عجيب ولولا الخوف من الرمي بالعتة وزوال العقل لصحت في زوار المكتبة: "نقد هذا سوداني..هو زعيم الحزب الشيوعي السوداني.. يعيش تحت الأرض لثالث مرة ولكنها يقرأ ويبدع ويكتب"...ذاك كان كتابه المهم رغم صغر حجمه "حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" لمؤلفة العلاّمة حسين مروة.
    من دلائل احترام وتقدير الشعب السوداني لنقد أن الناس في حالته تحديدا كانت تتعامل معه على مستويين مختلفين تماما ..في المستوى الاول هناك نقد زعيم الحزب العقائدي والذي يبقى محل نظر وتقييم المهتمين بالشأن السياسي حيث يقاس أداؤه ويحكم عليه بأداء حزبه شأنه في ذلك شأن غيره من زعماء الاحزاب السياسية الاخرى لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ..المستوى الآخر لتعامل قطاعات واسعة من ابناء الشعب السوداني مع نقد كانت من خلال النظر إليه كقائد وزعيم وطني له إسهاماته الوطنية ومواقفه الفكرية ..زعيم له كاريزميته وسماته الشخصية التي امتد إثرها من الحيز الحزبي الضيق إلى رحاب الوطن الاوسع والأشمل ...على هذا المستوى تاتي كتابتنا عن محمد إبراهيم نقد كتنويري طليعي وكقائد وطني أعطى بلاده كل ما يمكن للإنسان ان يقدمه ..حياته كاملة غير منقوصة...محمد إبراهيم نقد ودوره في قضايا الحزب الشيوعي السوداني أمر يهم حزبه وجماعته ولكن الرجل كان يعمل في إطار آفاق أرحب وأوسع ولذا كان تقدير أعماله كبيراً في اوساط قطاعات وجماعات تتجاوز كبيرا وكثيرا نطاقه الحزبي وحيزه الأيديولوجي..نقد المختفى عن الحياة العامة في السودان لأكثر من ثلاث عقود استثمر هذا الوقت فيما ينفع البلاد والعباد فرفد الفكر السياسي السوداني بأعمال هامة تتصل بجوهر قضايا السودان المفصلية.
    وجوه نقد الزعيم السياسي الوطني متعددة ولعل ابرزها ثلاثة وجوه... الوجه الاول وجه البطل صاحب المباديء والثبات ...الوجه الثاني وجه المفكر الطليعي العابر للأزمنة والمكان والقضايا....الوجه الثالث وجه الإنسان السوداني المتحضر سلوكا وأدبا....ثلاث وجوه حببت الرجل للبسطاء من أبناء الشعب السوداني ومتعلميه سواء بسواء...حظي ببالغ احترام الناس وتقديرهم ..أحبوه لزهده وبساطته التي اخذت من بساطة أهل السودان...في نقد وأمثاله تتبدى واضحة جلية حقيقة أن عظمة الإنسان تكمن في بساطته ومنظومته القيمية وإنسانيته.
    في الوجه الاول نطالع محمد إبراهيم نقد سيزيف الحركة الشيوعية السودانية ...ناء بحمل صخرة عذاباتها إذ تسنم قيادتها في اعقاب مذبحة يوليو 1971...إنقلاب هاشم العطا وما تلاه من احداث في بيت الضيافة ومعسكر المدرعات بالشجرة هي من أيام السودان السوداء حقا ..أطماع السلطة أضاعت بعض أنبل واخلص شباب اهل السودان ...ولا تزال بعض الاحداث المصاحبة لتلك الفترة العصيبة من تاريخ السودان في طي الكتمان وفي أضابير الصندوق الاسود لتلك المرحلة ..مجازر دموية لم يعرف الصراع على السلطة في السودان مثيلا لها في عنفها...كان قدر نقد ان يتولى زعامة حزب تم تهشيمه بعنف وقسوة بالغتين ..كان عليه تضميد الجراحات وما اكثرها وأشدها وكان عليه إصلاح العطب وما اعمقه وأقساه وكل ذلك التضميد والإصلاح كان مطلوبا في ظروف لم تكن مواتية حتى لبقائه على قيد الحياة دع عنك محاولة لملمة اطراف حزب تمزق أشلاء ...وقف نقد ولسان حاله يحدو كما كل "رادود" كربلائي محزون مكدود:
    "وقعتم وسط أسقام الحياة
    هكذا ما بين أفعال الطغاة
    نور عيني كيف تمضي اليوم عني
    ولقد حام الردى بالقرب مني
    ولقد هدَّ الأسى والضيم ركني
    ولقد صار لدى الطغيان شأني"
    (الرادود سيد محمد العوادي ينشد شعر الشهيد على الرماحي في مناقب سيدي أبي عبد الله الحسين في صحن المسجد الكبير في النجف)
    بشهادة رفاقه وجماعته (بل والمنصفين من مراقبي المشهد السياسي السوداني) استطاع الرجل في ظل ما صورنا من ملابسات سالبة ومظلمة ان يلملم أطراف حزب تشتت عضويته بين المقابر والسجون والمنافي والمخابيء ...لملم أطراف جماعة ضربت من قبل بعض أبنائها فكان الضرب أوجع والحزن أعمق... ثبت نقد كأبطال أسبرطة القديمة وهو يحمي من تبقي من جماعته بالتدبير والتدبر.
    الوجه الثاني للرجل هو وجه المفكر ... في هذا الوجه تتجلى إضافات نقد الحقيقية للفكر السوداني والإنساني.. نقد رفد المكتبة السودانية بالعديد من الاسفار المتميزة والفريدة في بابها...من أبرز مؤلفاته حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية"، و"علاقات الارض في السودان: هوامش على وثقائق تملك الارض" و"علاقات الرق في المجتمع السوداني" و"قضايا الديمقراطية في السودان " حوار حول الدولة المدنية" هذا بالإضافة إلى العديد من الاعمال الفكرية المتصلة بقضايا حزبه.
    إضافات نقد الفكرية هي التي جعلته في مكانة متقدمة ورفيعة في الذاكرة الجماعية لأهل السودان...القضايا التي تناولها محمد إبراهيم نقد بالدراسة والتحليل كانت في مجملها قضايا حيوية تتصل بالمشكل السوداني الأولى والازلي...أربع قضايا محورية شغلت الرجل فتعامل معها تعامل كل مفكر مستنير مقتدر. قضايا الدين والأرض وملكيتها والرق والديموقراطية هي ، او ينبغي ان تكون، الهموم الاساسية لكل من يعمل بالسياسة في بلد كالسودان..أغلب رصفائه من السياسيين تعاموا مع هذه القضايا واخواتها اما بالسكوت عنها وغض الطرف عنها ( كقضية الرق مثلا) أو بالتعامل معها على أساس إنها من المسلمات التي لا يجوز التعامل معها بحسبانها من القضايا التي اوصدت أبواب الإجتهاد في حقها (وهذا باب في الإحتيال والتحايل معروف ومجرب)...نقد السياسي خالف مجايلية وشمر عن ساعد الجد وهو يبحث وينقب في الأضابير ويدرس ويحلل خلفيات وعلاقات الأرض والرق والإسلام والشيوعية والتصوف وقضايا الديموقراطية والدولة المدنية...هذا إبحار في لجج عميقة لا يقدر عليه إلا "الرواويس" العتاة ...هذه قضايا شائكة يتحاشاها أهل الفكر والسياسة ابتغاء النجاة من وخيم النتائج ومن وبال المساءلة ...نقد غير!!!..أبحر غير هَّياب ولا وجل ..عندما يمنحك المنان رجاحة العقل وميزان التفكير السوى لا خوف عليك من شطط مغالطات أنصاف المتعلمين ولا من معاظلة أهل اللجاجة وقصيري النظر والتدبر.
    ما يلفت النظر حقا في القضايا الفلسفية والفكرية الرفيعة التي عالجها الرجل انها كانت أيضا في صلب أجندة العمل السياسي السوداني...ولعل قضايا السودان المركزية لم تعاني من شيء مقدار معاناتها من غياب الأطر الفكرية الناضجة القادرة على طرح هذه القضايا بموضوعية وحيدة ووفق منهج علمي ينأي عن المؤثرات العقائدية والجهوية والقبلية والعرقية وحتى الشخصية...إن قضايا الأرض وملكيتها وقضايا الرق ظلت من القضايا المسكوت عنها عمدا من قبل أصحاب المصلحة في ديمومة العلاقات التي تشكلت تاريخيا وغير الراغبين في فتح أبواب جهنم...من ناحية ثانية تظل قضايا علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالمجتمع من القضايا التي ظلت النخب والقيادات تتعمد إفالها وتحاشيها ..محمد إبراهيم نقد لم يدعي فصل مقال في ما طرحه من آراء ومقولات بشان القضايا التي تصدت لها أعماله الفكرية ولكن هذا ليس مهما المهم، بل الثابت حقيقة، انه القى بحجر هائل في بركة الحياة السياسية الفكرية الراكدة...في ظل اجواء ديموقراطية ومعافاة كان من الممكن لمثل أطروحات نقد أن تجد حظها في التداول والنقاش ...إن التحاور البناء والموضوعي كان، وسيظل، سبيل اهل السودان الوحيد لمواجهة إشكالياتهم المعقدة والمزمنة والبحث عن حلول ناجزة لها.
    إن المقام الحالي لا يستهدف سوى الإشارة العابرة للقيمة الفكرية العالية لأطروحات الرجل وسنكتفى بالقليل مما هو متاح من كتابة بشأنها على سبيل المثال لا الحصر ونركز على عملين من أعماله وهما "حوار النزعات المادية" وكتاب علاقات الأرض.
    في معرض تناوله لعمل نقد "حوار حول النزعات المادية" كتب رشيد الخيون ان الرَّجل ،إلى جانب أنه كان كائناً حزبياً يُجيد التخفي بقدرات مذهلة ،كان كاتباً ومثقفاً راقياً في شؤون الفكر والفلسفة، وعلى وجه الخصوص في الفلسفة الإسلامية"...وفي معرض حديثه عن ذات الكتاب استعاد الكاتب البحريني فهد المضحكي التعليق المطول لمحمود امين العالم في مقدمة كتاب نقد حيث قال العالم عن الكتاب والكاتب :"كانت مفاجأة مدهشة سارّة، ان أتبيّن بهذا الكتاب، جانباً جديداً بالغ الغنى والخصوبة للمناضل الكبير "محمد ابراهيم نقد" كنت اعرفه محلّلاً عميقاً عارفاً بأسرار مختلف حقائق الواقع السوداني والعربي في انحائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكنت أتابعه بإعجاب شديد في سجون السودان المختلفة، او متخفياً من حكومات البطش والاستبداد مواصلاً اينما كان وكيفما كان قيادته للحزب الشيوعي السوداني، باعتباره اميناً عاماً له فضلاً عن مبادراته المتعددة الرصينة لتوحيد وتنشيط مختلف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الحيّة في السودان، من اجل سودان ديمقراطي متحرر متقدم. ولعلي التقيت به لقاءً سريعاً في زيارة خاطفة للسودان منذ سنوات استشعرت فيها بشخصيته الدمثة وتألقه الذهني على اني – اعترف – لم أكن اتوقع ان يكون وراء هذا كله هذا المفكر الكبير الذي يستوعب استيعاباً نقدياً عميقاً القضايا الاساسية للفلسفة الغربية والفلسفة العربية الاسلامية على السواء".
    في تقديمه لكتاب "علاقات الأرض" كتب نقد:"لعلاقات الأرض السائدة في سودان اليوم تاريخ وسيرة ذاتية لا يستقيم اختزالها في القرن المتسارع الى نهايته، وفي سجلات الحكم الثنائي 1898، ولعلاقات الارض هذه مستقبل لن يتيسر استشرافه دون استيعاب ماضيها، فكيف تشكلت وتخلقت علاقات أرض سودان ما قبل الفتح، المهدية، والتركية، السلطنة الزرقاء، الفور، المسبعات، تقلي، الممالك، المسيحية في المقرة وعلوة، وما تفردت به مروى احدى أمهات حضارات النيل وافريقيا، سؤال يلح على الخاطر، ينضح، ينوسر كالدمل المحتقن"...وعن ظروف كتابته قال:" في ضيافة كوبر عميد سلك السجون السودانية واصطحاب ما شح وقل من المصادر والمراجع صيغت هوامش وتعليقات، بحثا عن اليقين في اجابة على السؤال الملحاح"...هذه هي هموم المفكر والقضايا التي يعيش من أجلها..ملكية الأرض وما ينبي عليها من علاقات اقتصادية واجتماعية لا يتنبه لاهمية دراستها سوى النابهين من طبقة نقد.

    بالإضافة إلى كتبه المشار إليها راجعت الصفحة الفرعية للراحل نقد على موقع "الحوار المتمدن" حيث وقفت على العديد من الاعمال الفكرية الاخرى ولعل اهمها معالجته لمسألة " كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الاشتراكية".. وورقة بعنوان "حل أزمة السودان يتمثل في دولة مدنية"..وأخرى بشان ماهية ودور منظمات المجتمع المدني في السودان. في السطور التالية نوجز أبرز مضامين ودلالات هذه الاوراق.
    في ورقته الموسومة :"كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الاشتراكية؟" يقترح نقد إن الانعتاق من قيد الجمود يعني الدراسة الناقدة للفكر الاشتراكي منذ نشأته – قبل الماركسية وما عاصرها وما تلاها من إسهام مفكرين كثر، كان أبرزهم لينين كمفكر وقائد ثورة ورجل دولة، وما تسهم به مدارس اشتراكية معاصرة متعددة المشارب والرؤى"...خلص نقد إلى ان مقاصده من إعداد الورقة لا تنحصر فقط "في الدراسة الناقدة لماضي الفكر الاشتراكي على ضوء التجارب الاشتراكية، بل تتجاوزه نحو امتلاك معرفة أفضل بحاضره وإضافة معرفة جديدة لتشكيل مستقبله وتجديد رؤاه وآفاقه، بترقية مناهجه وآلياته وإشكالياته، بما يؤهله لاستيعاب معطيات العلم ومستجدات العصر". ويرى نقد "إننا لا نضيف جديداً حين نعيد ونؤكد العلاقة العضوية الوثيقة بين الفكر الاشتراكي وحركة العاملين والدفاع عن مصالح العاملين والكادحين والمسحوقين في النضال السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن أجل أن يتحرر الإنسان من الاستغلال والعوز والحاجة والاستلاب، وأن ما يحقق ذاته وانسانيته، إنتاجاً وإبداعاً ومسئولية تضامنية عن مصير المجتمع الإنساني".
    وفي عمل فكري عميق بعنوان:"حل أزمة السودان يتمثل في دولة مدنية" أشار نقد إلى أن "تصنيف الدولة (دينية ـ علمانية ـ مدنية) لايعفينا من تطوير ثقافتنا ومعرفتنا بنظرية الدولة، في حد ذاتها، كظاهرة تاريخية اجتماعية، بدلا من القناعة الكسولة بتوصيفها او تصنيفها. ولعل افضل مدخل يتناسب وقدراتنا النظرية الاولية والمتواضعة، ان نبدأ بدراسة الدولة السودانية ونشأتها وأطوار تجلياتها المتعاقبة، دون ان نحشرها قسرا في قوالب وأطوار الدولة الاوروبية الحديثة (القرون الوسطى، عصر النهضة، عصر التنوير، ثم الثورة البرجوازية).. الخ لا ننفي او ننسخ ما هو عام في ظاهرة الدولة في تاريخ المجتمع الانساني، لكن لكل دولة ما هو خاص تنفرد به، وواجبنا ان نستخلص تفرد وخصوصية الدولة السودانية، ولا نحولها الى مسرح تستعاد عليه مسرحية الدولة الاوروبية، مأساة كانت ام ملهاة وفق تفسير كارل ماركس للقول الشائع: التاريخ يعيد نفسه؟!"
    من أبرز إضافات محمد إبراهيم نقد الفكرية مراجعته لدور منظمات المجتمع المدني من خلال عمله الموسوم:"المجتمع المدني العربي يواجه خطر التحول إلى شاهد زور".. في هذا العمل تحديدا تتجلى ليس فقط روح المفكر بل روح الباحث الساخر القادر على الربط بين الظواهر ببساطة عميقة وبسخرية عالية .. السؤال المحوري للعمل هو ماهية هذه المنظمات وطريقة تكوينها وهل هي منظمات تهدف لخدمة قضايا المجتمع ام للاسترزاق؟. .لتقريب المصطلح للأذهان يستعيد نقد ملهاة "البرجوازي النبيل"للكاتب الفرنسي الساخر، موليير ("مستجد النعمة" بتعريب نقد)...باختصار يقول نقد" اغتنى المسيو جوردان، بطل الملهاة، ولامس المجتمع المخملي للنبلاء وعلية القوم والاثرياء، وريحانة مجالسهم من أدباء وشعراء، فانبهر بأحاديثهم وذرابة السنتهم وسلاسة مصطلحاتهم العصية على قاموسه العامي العاجز عن مجاراتهم. فاستأجر معلماً ـ معادل «مؤدب الامير» في تراث الارستقراطية العربية الاسلامية، او "مثقفاتيا".. وكان الدرس الاول: يصنف الادب الى نثر وشعر، وما لا ينضوي تحت لواء الشعر فهو نثر! فانفجر مستجد النعمة ضاحكاً في حبور طفولي، حتى ألجمت الدهشة لسان الاستاذ، ثم افاق من دهشته وسأل تلميذه عن دافع الضحك، فأجاب: ما كنت اعلم انني ظللت طوال حياتي اتحدث نثراً، حتى عندما طلبت من خادمي ان يحضر لي حذائي"...هنا تنتهي قصة مسيو جوردان ويبدأ نقد مقارنة واقع مصطلح المجتمع المدني في السودان ..يقول نقد:" ظللنا ولما يزيد على نصف قرن نتداول مصطلحات: الجمعيات الادبية، الاندية الرياضية الثقافية الاجتماعية، اندية الخريجين، اندية العمال، الاحزاب السياسية. الحركة النقابية......... اللجان القومية للتضامن مع شعب مصر، كينيا...الروابط الادبية في عطبرة وسنار وكوستي والابيض.... التجمع النقابي، التجمع الوطني الديمقراطي، مجالس الآباء والأمهات، الروابط القبلية والاقليمية، تضامن قوى الريف، اتحاد الكتاب، الجمعيات الخيرية. لكنا تمايزنا عن مستجد النعمة، كوننا لم تحوينا دهشة ولم يشل تفكيرنا ارتباك، عندما قيل لنا: مصطلحاتكم على تكاثرها يحيطها ويؤطرها مفهوم او مصطلح المجتمع المدني، والمنظمات الطوعية ـ بين حاصرتين ـ غير الحكومية!".
    الوجه الثالث لنقد هو الوجه الإنساني ولعله سيد الوجوه الثلاثة وأعلاها رتبة عند أهل السودان ..هذا رجل حباه المنان محبة الناس الخالصة المجانية لوجه الله العفو الكريم ..أكرمه المولى بخصال المحبة أدبا ووقارا واحتراما وزانه بعقل راجح ..وطد الرجل أركان مواهبه ومزاياه فتثقف وثقف ..تعلم وعلم ..علم سر البشر وعلوم التواصل فظل بين الناس علما شاهقا "انواره آخذة بدون سلوك" .
    ملابسات حياته ووفاته كانت شهادة عليا للرجل ولعظمة الشعب السوداني في آن معاً...كانت اختبارا لوفاء أهل السودان لأبنائهم المخلصين الصادقين وحنوهم عليهم واعتزازهم بهم .. حياة نقد التي كان نصفها في التخفي من أنظمة البطش لا شك عندي مطلقا أنها عاشت ظروف إنكشاف المخبأ والتعرف على المختفي مهما بلغت مهارة الإخفاء وحيطة التخفى...أكثر من ثلاثين عاما عاشها الرجل متخفيا عن عين رقيب باطش غادر كان لابد ان يحتاج خلالها الرجل لكل ما يحتاجه كل البشر من خدمات صحية ورعاية طبية وخدمات إنسانية تواصلا مع الاهل والأسرة والناس عموما في السراء والضراء ...لاشك ان رفاقه قد بذلوا طاقات جبارة لحفظ الرجل وتلبية متطلبات التخفي ولكن مما لا شك فيه أيضا ان غيرهم أيضا قد بذل ما في وسعهم للتأكد من حماية الرجل بعيداً عن الأجهزة الامنية المطاردة له .. ولله در رجال ونساء من اهل السودان فيهم من طبب وفيه من خاط الملابس وفيهم من زين وفيهم من آنس الوحشة وفيهم من زود بالمعرفة ..فيهم من عرفوا مخبأ الرجل إن مصادفة او وشاية ولكنهم رجال ونساء السودان ...عرفوا فكتموا ولم تكن معرفة مجانية ولا كتمانا مجانيا..كان الثمن غاليا والجزاء والعقاب وبيلا ولكنهم رجال ونساء أهل السودان حين يأمنون وحين يؤتمنون ...كانوا يدركون تماما ان الرجل كان متخفيا بسببهم لا بسبب قضايا ذاتية وكانوا موقنين بصدق الرجل وحب الرجل للسودان فكانوا نعم المعين وكانوا نعم الرجال والنساء.
    ملابسات وفاة الرجل كانت شهادة أخرى لهذا الشعب العبقري ...رنة حزن عميقة عمت أغلب بيوت اهل السودان إذ الناعي ينعي نقد.. حزن حقيقي أمسك بتلابيب بشر غالبيتهم لا يعرفون إلا الصورة العامة للرجل ..حزن عميق وأسى بالغ غشى اهل السودان على رجل يعرفونه في الأطر العامة كرجل عام ولكن خصوصية الواشجة نبعت من إيمان الناس بصدق نقد وتجرده وإنسانيته وزهده وإخلاصه لمبدأ إسعاد الشعب السوداني ...أهل السودان هؤلاء الذين يعانون شظف العيش وقساوة الدنيا حباهم المنان بالاكباد الرطبة ورغد الاخلاق ومعرفة أقدار الرجال ...شعب قادر على التمييز بين الحقيقي والمصطنع وبين الزعيم والمتزاعم وبين الشواهين الحرة وبغاث الطير...شعب لا تخدعه المظاهر ولا الجاه المستعار المسروق من دمائهم ..لا تخدعه الكلمات الفارغة ولا المواعظ المعلبة ...يميزون حقا وصدقا بين الصادقين والكاذبين ...خرجوا يودعون نقد دون استنفار إلإ من الضمائر ودون إعلام إلا من الذات المقدرة لدور الرجل والمثمنة لتضحياته من اجلهم ..قدروا عطاء الرجل وتضحياته فخرجوا جميعا في فقد زعيم أدخروه لحوالك الأيام ومدلهمات الخطوب..يحتاجونه عقلا راجحا ورايا متوزانا إذ تاهت الخطي وتشعبت الدروب.. في مثل رحيل نقد يضرب النحاس وترفع نساء السودان أصواتهن الباكية وهن يمنحن نقد...ولصاحت صائحتهن محاكية بنونة وهي ترثي عمارة ود المك:
    ما هو الفافنوس
    ما هو القليد البوص
    كوفيتك الخودة أم عصا بولاد
    درعك في أم لهيب زي الشمس وقاد
    سيفك من سقايتو استعجب الحداد
    قارحك غير شكال ما بقربو الشداد
    تقول السيرة الذاتية للراحل محمد ابراهيم نقد المولود بمدينة القطينة 1930م انه تلقى تعليمه الاولى والوسطى بالعديد من مدن وتلقى تعليمه الثانوى بحنتوب الثانوية وأكمل دراسته الجامعية ببراغ.
    اختفى لمباشرة مهام العمل السياسي السري بعد الإطاحة بالنظام الديمقراطي في 17 نوفمبر 1958م واعتقل لمدة عام....أنتخب عضواً بالبرلمان عن دوائر الخريجين فى عام 1965م مرشحاً عن الحزب الشيوعي. ولم يكمل الدورة نسبة لصدور قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان.... أصبح سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي السوداني عقب اغتيال عبد الخالق محجوب فى عام 1971م ثم اختفى من نظام مايوحتى انتفاضة ابريل 1985م... انتخب عضواً بالبرلمان عن الحزب الشيوعى السودانى عام 1986. وظل يباشر مهام العمل النيابي والسياسي حتى يونيو 1989م ... باشر العمل السياسي حتى انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب الشيوعي السوداني في يناير 2009م حيث تم انتخابه سكرتيراً سياسياً للحزب الشيوعي.
    رفع المقال:
    رحل وردي وحميد ونقد بعد عطاء مجيد وبذل كبير على مختلف الصعد الإبداعية الفكرية والسياسية والفنية ..رحلوا وتركوا لنا تراثا إنسانيا ضخما وكبيرا ...إن تمجيد ذكراهم تستوجب الحرص على دعم مشاريعهم الفكرية والإبداعية والعمل على إستمراريتها ..لقد خلفوا لنا مشروعات إبداعية فريدة ومتميزة تحتاج للتطوير وللإستكمال ..وككل مشروع نهضوى وطني تبقى هذه المشروعات (كما قال حميد) مشروعات مفتوحة على المستقبل لا قدسية فيها لمن أرسوا دعائمها ولا حجر على من يريد الإضافة عليها سواء شرطين أساسيين وهما أصالة الإضافة وابتغاء وجه الله والوطن .. رحل الأماجد واحتلوا ما يليق بعطائهم وبذلهم في ذاكرة الامة التي تنظر للمستقبل الأزهر والامل الانضر وهي تردد مع محمود درويش "وعود من العاصفة" :
    و ليكن ..
    لا بدّ لي أن أرفض الموت
    و أن أحرق دمع الأغنيات الراعفه
    و أعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
    فإذا كنت أغني للفرح
    خلف أجفان العيون الخائفة
    فلأنّ العاصفة
    وعدتني بنبيذ.. و بأنخاب جديده
    و بأقواس قزح
    و لأن العاصفة
    كنست صوت العصافير ############ه
    و الغصون المستعارة
    عن جذوع الشجرات الواقفه.
    و ليكن..
    لا بدّ لي أن أتباهى، بك، يا جرح المدينة
    أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
    يعبس الشارع في وجهي
    فتحميني من الظل و نظرات الضغينة
    سأغني للفرح
    خلف أجفان العيون الخائفة
    منذ هبت، في بلادي، العاصفة
                  

05-03-2012, 04:22 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ابراهيم نقد ..ابوالوطنية السودانية ..الرجل العفيف النظيف ..و (Re: الكيك)



    عن نقد والحزب الشيوعي ومرحلة ما بعد نقد ..
    بقلم: محمد محمود
    الثلاثاء, 01 أيار/مايو 2012 18:34


    في يوم عيد العمال: أربعون يوما على رحيله:عن نقد والحزب الشيوعي ومرحلة ما بعد نقد
    محمد محمود (*)

    (1)
    كان محمد إبراهيم نقد نسيجا التأمت في حبكه خيوط كثيرة. لاشك أن أقوى هذه الخيوط كان خيط الحلم الشيوعي الذي ما لبث أن أصبح وترا انشدّت حوله معزوفة حياته. انجذب نقد منذ شبابه الباكر لأعظم حلم تفتّق عنه الخيال الاجتماعي الإنساني: الحلم بمجتمع تزول فيه كل أشكال القهر، وتختفي فيه الملكية الخاصة، وتنمحي فيه الطبقات، وتتلاشى الدولة. والحلم بالشيوعية حلم قديم سابق على ماركس، إلا أن نقد انجذب لهذا الحلم في صيغته الماركسية-اللينينة التي عملت على جذب الشيوعية من منطقة الحلم والمثال لواقع الناس عبر نضالهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي اليومي والدؤوب الذي يفكك مجتمعات الرأسمالية وما قبل الرأسمالية ليضعها في درب الاشتراكية ثم ينقلها وئيدا للشيوعية. وهكذا رأى الشيوعيون أنفسهم طليعة مجتمع جديد وقوة دافعة تعيد صياغة تاريخ البشرية في إطار حتمية تاريخية تقود في نهاية المطاف للشيوعية. لم يمتليء نقد بالحلم فقط وإنما امتلأ أيضا برسالة الحلم أو الجانب العملي الذي يطمح لتحويل الحلم لواقع يعيشه الناس، وهكذا وعندما فرغ من تعليمه الجامعي في صوفيا (بلغاريا) كان قد اتخذ قراره بأن يكرّس حياته لتحقيق الحلم الذي سكن جوانحه، وتفرّغ للعمل السياسي، ومنذ لحظتها لم يلتفت للوراء كما يقول التعبير الإنجليزي.

    (2)
    ولكن الحلم الشيوعي في السودان (وباقي العالم العربي والإسلامي) كان (وما زال) يواجهه ويعارضه حلم آخر هو الحلم الإسلامي، حلم بعث دولة محمد ومجتمع محمد، وهو حلم يمقت الشيوعية ويحتفي بالملكية الخاصة ويرى الانقسام الطبقي ترتيبا إلهيا طبيعيا، وهو حلم جسّده سياسيا في السودان فكر وتنظيم الإخوان المسلمين (عبر تجلياته الأسمائية المختلفة). ولقد اصطدم الحلمان في نوفمبر 1965 عندما نجح الإسلاميون بقيادة حسن الترابي في استصدار قرار من الجمعية التأسيسية بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه: حسن الطاهر زروق، وعز الدين علي عامر، ومحمد أبراهيم نقد، وعمر مصطفى المكي، والرشيد نايل، وعبد الرحمن الوسيلة، وجوزيف قرنق، والطاهر عبد الباسط. ولقد استغل الإسلاميون تعليق طالب معهد المعلمين العالي شوقي محمد علي في ندوة عن عائشة وحديث الإفك ليلهبوا مشاعر الآلاف الذين خرجوا مطالبين بحلّ الحزب الشيوعي. وهكذا انتصر الحلم الآتي من القرن السابع على حلم القرن العشرين، وهو انتصار لم يكن مجرد فلتة تاريخية أفرزها واقع السودان وإنما كان تعبيرا باكرا عن موجة صعود إسلامي كاسح ما لبثت أن تعزّزت وأطبقت على الكثير من بلاد العالمين العربي والإسلامي، وما زلنا نعيش في ظلها في بدايات القرن الواحد والعشرين.

    (3)
    إلا أن واقع صراع سودان ما بعد ثورة أكتوبر كان أيضا واقع صراع القوى الحديثة المدينية والقوى التقليدية ذات الوزن الريفي بالدرجة الأولى (التي مثلتها معاقل الختمية والأنصار). ورغم أن حركة الإخوان المسلمين كانت حركة مدينية وتحمل بعض سمات الحداثة إلا أن الحزب الشيوعي وقوى اليسار كانت (ولا تزال) هي الممثلة لتيار الحداثة والقوى الحديثة بامتياز. ورغم صدمة حلّ الحزب الشيوعي فإن هذه القوى لم تكن قد فقدت زخمها الثوري وثقتها بنفسها، وهكذا ما لبثت أن انقلبت على تحالف الأحزاب التقليدية ونفّذت انقلاب حركة مايو 1969، والذي شرع في بداياته في تنفيذ أكثر برنامج جذري ويساري في التاريخ المعاصر للسودان. وما لبثت تطورات الأحداث أن حوّلت سلطة مايو لأكبر كارثة على الحزب الشيوعي عندما حاول حسم خلافاته معها بإزاحتها من السلطة، فقام هاشم العطا بانقلابه في يوليو 1971، لتؤدي تلك المغامرة لمجزرة راح ضحيتها رؤوس الانقلاب من العسكريين وعبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق. وكانت دماء الشيوعيين هي ما عمّد به نظام سلطة مايو نفسه ليلقي بنفسه في أحضان اليمين ويتحالف مع الحزبين التقليديين (الأمة والاتحادي) والإسلاميين وينتهى به المطاف لتعميد آخر بالدم عندما شرع في بتر أطراف المواطنين وأعلن انحيازه للشريعة وبعثه لنظام الإسلام.

    (4)
    وهكذا تسنّم نقد قيادة الحزب وأصبح سكرتيره العام في ظل أدقّ ظرف في تاريخه ومعاول سلطة مايو تعمل على تصفيته ومحوه من الوجود. كانت مهمة نقد العسيرة هي العمل على تأمين الآلة الحزبية وحفظ الحزب من التفكك والانهيار في وجه ضربات النظام. وارتفع نقد لمستوى مسئوليته وكان رجل اللحظة التاريخية بما ملك من صفات الانضباط والصبر والمثابرة والمرونة وسعة الفكر والخيال. لاشك أن نجاح نقد والتجاني الطيب وباقي كوادر الحزب الشيوعي في الاختفاء في ظل قمع نظام مايو (وقمع نظام الإسلاميين الحالي) شهادة ليست فقط على تماسك الحزب الشيوعي ومراسته وصلابة عوده وإنما أيضا على شجاعة وصلابة الأفراد العاديين والأسر العادية التي شاركت في استضافة الشيوعيين وتأمينهم رغم المخاطر والعسف الذي كان من الممكن أن يتعرضوا له. لقد استطاع الحزب الشيوعي أن ينتصر في معركة بقائه لأنه حزب قريب من قلب الجماهير ونبض مصالحها الحقيقية، ولم تذهب تضحيات الشيوعيين من سجن واعتقال وتشريد سدى.
    وعندما هبّ الشعب هبته الكبرى في مارس / إبريل 1985 وحقق حلمه الأكتوبري بالإزاحة السلمية لنظام عسكري (ربيعنا الذي لا يذكر المعلقون اليوم ريادته) خرج الحزب الشيوعي للعلن وقد استعاد شرعيته ومكانته الأدبية وشيئا من وزنه السياسي. وإن كان جو ما بعد أكتوبر 1964 هو جو انعطاف يساري فإن جو ما بعد ابريل 1985 كان جو انعطاف يميني وإسلامي شهد صعود الإسلاميين ليصبحوا القوة البرلمانية الثالثة بعد الحزبين التقليديين وشهد مشاركة الإسلاميين في الحكومة واتخاذ القرار. ولقد نصّب الإسلاميون في فترة الديمقراطية الثالثة أنفسهم حرّاسا على أسوأ مظهرين لتركة نظام مايو وهما عقوبات الشريعة والحرب الأهلية في الجنوب (التي انفجرت مرة ثانية واستعرّ أوارها بعد انهيار الإنجاز الكبير لاتفاقية أديس أببا). وعندما اتضح للإسلاميين أن درب الديمقراطية سيؤدي للتخلّص من هذه التركة ولفظها انقلبوا على النظام الذي أتاح لهم المشاركة في السلطة وأدخلوا البلاد في حمام الدم الذي ما زلنا نعيشه.

    (5)
    وكان عام 1989 عام كارثتين كبيرتين بالنسبة للحزب الشيوعي. كانت الكارثة الأولى كارثة محلية وهي انقلاب الإسلاميين في يونيو الذي أتى بأبشع نظام عسكري في تاريخ السودان المعاصر إلى يومنا هذا. أما الكارثة الثانية فكانت عالمية وهي تصدّع وانهيار أنظمة شرق أوربا الشيوعية والاتحاد السوفيتي، وبالتالي سقوط الشيوعية بصيغتها السوفيتية التي كان الحزب الشيوعي مرتبطا بها ومنحازا لها.
    تحالف الحزب الشيوعي عقب الانقلاب مباشرة مع حزب الأمة والحزب الاتحادي والحركة الشعبية لتحرير السودان وقوى أخرى فكوّنوا التجمع الوطني الديمقراطي الذي شكّل المعارضة الرسمية للنظام. ولقد تضعضع التجمع عندما تبنت الحركة الشعبية خطا انعزاليا وقررت أن تتفاوض منفردة مع النظام، وهي المفاوضات التي أدت لتوقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005 ومهّدت الطريق للانفصال. ورغم جذرية خطاب الحزب الشيوعي إلا أن مواقفه كانت مواقف توافقية سايرت مواقف الأحزاب التقليدية في التجمع، وهكذا دخل ثلاثة من قيادييه هم فاطمة أحمد إبراهيم وسليمان حامد وصالح محمود في "برلمان الفترة الانتقالية".
    لم يزلزل انهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعيين السودانيين مثلما زلزل الشيوعيين في بلاد أخرى مثل إيطاليا مثلا حيث قرر المؤتمر العشرين لحزبهم في بداية 1991 حلّ الحزب بصورة رسمية وتكوين حزب جديد أصبح يعرف فيما بعد باسم الحزب الديمقراطي، إلا أن أقلية خرجت عن هذا الإجماع وأصرّت على التمسك بالاسم القديم. وفي حالة الشيوعيين السودانيين فإن خروج الخاتم عدلان المبكر من الحزب وتكوينه للحركة السودانية للديمقراطية والتقدم (حق) لم يجذب إلا عددا محدودا، وعندما انعقد المؤتمر الخامس في يناير 2009 فإن الاجماع انعقد على التمسك باسم الحزب.

    (6)
    إن موت نقد يجب، في تقديرنا، أن يمثل نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ليس للشيوعيين السودانيين وحدهم وإنما لكافة قوى اليسار السوداني.
    إن إنجاز نقد الأساسي على مستوى الحزب الشيوعي كان هو الحفاظ على تماسك حزبه وضمان وجوده وفاعليته في ظل تآمر داخلي وخارجي مستمر على هذا الوجود. وإنجاز نقد الأساسي الآخر الذي يمس كل السودانيين كان انفتاحه على خطاب الديمقراطية وتبنيه المخلص له، وهو خطاب طالما تذبذب الشيوعيون بإزائه في الماضي بحكم تأثير الإيديلوجية السوفيتية المعادية للديمقراطية. والحزب الشيوعي يجسّد اليوم اجتماع ستة عناصر تجعله حزبا فريدا بإزاء باقي الأحزاب السودانية وهي إيمانه بالديمقراطية، وانحيازه للاشتراكية، ورفضه للعنف، وعلمانيته، وقوميته التي تجعله مفتوحا لكل السودانيين، وتساوي كل السودانيين في إطاره. وحتى لا يلتبس معنى ما نقول فإن حكمنا هذا يشترط اجتماع كل هذه العناصر وليس توفّر هذا العنصر أو ذاك.

    (7)
    إلا أن مرحلة ما بعد نقد تحمل في تقديرنا التحدي الأكبر الذي يواجه الشيوعيين السودانيين ونعني بذلك العمل على إنشاء وعاء أكبر يجمع كل قوى اليسار والتقدم، إذ أن اليسار السوداني العريض هو القوة السياسية الوحيدة التي من الممكن أن تجسّد العناصر الستة التي أشرنا لها في الفقرة السابقة. لقد ظل الشيوعيون منذ الستينات يعانون من انفصام لا مبرر له، فهم يطرحون أنفسهم على مستوى الحركة الطلابية كجبهة ديمقراطية تسع الشيوعيين وغير الشيوعيين بينما يطرحون أنفسهم على مستوى الشارع والجماهير كحزب شيوعي (يهتدي بهدي الماركسية اللينينية). هذا هو في تقديرنا خطأ الحزب الشيوعي الأصيل للعمل وسط الجماهير والذي أتاح لليمين السوداني، خاصة في مظهره الإسلامي، فرصة ذهبية للنيل من قضية التقدم وتعطيلها.
    إن للشيوعيين الحق، كل الحق، أن يحتفظوا بحزبهم وهويتهم التاريخية لو شاءوا، إلا أن تحديات المرحلة التي نعيشها تستوجب تمديد صيغة الجبهة الديمقراطية لتصبح هي الصيغة المطروحة على مستوى التوجه للجماهير والعمل وسطها. ولعل الشيوعيين السودانيين يستفيدون من تجربة الشيوعيين الفرنسيين الذين دخلوا في تحالف عريض مع الإشتراكيين والمنظمات النقابية والشبابية وكوّنوا جبهة اليسار التي أصبح مرشحها ، جان لوك ملنشون، من أقوى الأصوات وأميزها في المعركة الرئاسية الحالية. لقد استطاعت هذه الجبهة ببرنامجها الجذري والمنسجم مع طموحات التغيير أن تصل لقطاعات عريضة من العمال والشباب وتجذبهم، وهي قطاعات ما كان من الممكن للشيوعيين أن يصلوا إليها ويجذبونها لو عملوا على انفراد.
    وفي تقديرنا أن صيغة الوعاء الكبير هي الصيغة الوحيدة التي من الممكن أن تحوّل اليسار السوداني لقوة سياسية ذات وزن سياسي وجماهيري حقيقي وقدرة حقيقية على المشاركة الفاعلة للتحويل السلمي لمجريات الأمور، وأن الحزب الشيوعي سيفرّط تفريطا كبيرا في واجبه التاريخي إن لم يتبنّى هذه الصيغة ويلقي بثقله السياسي والمعنوي وراءها.


    (*)
    باحث أكاديمي ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان (تحت التأسيس)
    Amin Mukhtar [[email protected]]


    ---------------------
    في الذكري الأربعين لرحيل نُقد ..
    بقلم: حامد بشري
    الأربعاء, 02 أيار/مايو 2012 07:01
    Share

    كان محمداً محموداً من بني وطنه . ذا عطاء فكري مُتميز، أتفق معه الناس أو أختلفوا . أجمعوا أنه كان لا يضغن حقداً ولا كراهية ً لإحدٍ ، عامر القلب بحب الناس ، يلقاك دائماً مُبتسماً حتي في أحلك الظروف وما أكثرها في الأرض التي آوته وحضنته أيام الديكتاتوريات . مُتواضعاً ذا ذهن متوقد عفيف اليد واللسان . ملبسه بسيط وكذلك مأكله ومشربه . عشق القراءة والتبغ وكانا يلازمانه حتي في أيام مرضه أضافة لرياضة المشي التي كان يمارسها سنين الإختفاء . كان مُحباً لكرة القدم يشاهدها علي التلفاز أن وجد لذلك الوقت ، حافظاً لغناء الحقيبة ومحباً لمصطفي سيد أحمد وفي بعض الأوقات يجود بالعزف والغناء لمحبيه. وعلي الرغم من أنه ترأس المكتب الأقتصادي للحزب وكثيراً ما كان يتحدث عن ميزان المدفوعات وسعر الصرف والسعر الموازي وديون السودان الخارجية والتضخم وسياسات البنك الدولي ، أضافة الي أسهامته النظرية والعملية في سبيل معالجة أزمة السودان الأقتصادية ،علاوة علي إطلاعه المنتظم للأيكونمومست الإ أنه من المفارقات لم يحمل يوماً محفظة ولم أشاهده يتعامل بالنقد وربما لم يدخل في حياته مِصرفاً ولم يعرف الي الصرافة سبيلا . كان صوفياً ولا غرابة أن صلي عليه وشيعه أخوانه في الطرق الصوفية وللكثيرين كان محمداً شيخ طريقة .

    روت لي شقيقتي التي تسكن بألقرب من مقابر فاروق أنها لم تر يوماً في حياتها مثل هذا التشيع . كل السودان كان حاضراً في يوم الأحد 25 مارس . الجميع بكي محمداً . الأعمي حمل المكسح . حضروا جميعاً لإلقاء النظرة الأخيرة علي جثمانه . لم يكن الفقد لآل نقد أو الشيوعيين أو القطيناب الذين بكوه بالدمع السخي وأنما كان فقداً لوطن جريح فقد ثلاثة محاميد في وقت متقارب كان يحملهم وسيظلوا في حداقات عيونيه. وحقيقة لا تدري نفسٍ بأي أرضٍ تموت . لا عجب أن يخرج الشعب السوداني لوداع معشوقه السياسي ود ملين الذي كان صادقاً في وعده ودعوته . دخل الي الدنيا فقيراً وخرج منها فقيراً كمهدي الله . وقف مع قضايا المسحوقين والمهمشين ، كان يعلم معاناتهم ويعيشها وحينما تُتاح له فرصة التحدث بإسمهم سواء أكان ذلك في برلمان أو ندوة أو محفل أعلامي تجده يحكي عن مشاكلهم بلغة بسيطة مُبسطة ساعدت في تقريب المسافات بين قطاعاته المختلفة يفهمها السياسين ويهضمها عامة الناس . كان يحكي عن الكسرة والملاح والفتريتا والويكة . يحدثك عن الزراعة والري والكديب وأب عشرين والحساب المشترك والسافل والصعيد . وإذا حكي عن الصناعة يتحدث عن قانون الأستثمار ومدخلات الإنتاج وأهمية دعم السلع المُنتجة محلياً ومشاكل الطاقة والوقود . مع كل هذا لم يكن يحسب أو يدعي أن رأي حزبه هو الأول والأخير وعَكس ذلك في إسهامه في وثيقتي " جبهة للديمقراطية وأنقاذ الوطن " و " الديمقراطية مفتاح الحل " . وحقيقة كان محمداً أحد حكماء السياسة السودانية وكان ناصحاً للعدو والصديق

    الفارس نُقد

    علي أيام ديكتاتورية نميري وصلتنا في الحلقة الحزبية بقطاع عشرين رسالة شفهية تخطرنا بأن الأجتماع القادم سيحضره زميل من المركز . وفي يوم الأجتماع وفي الساعة المحددة طرق شخص الباب وأصطحبته الي داخل المنزل وكنا نسير جنباً الي جنب متجهين الي الغرفة التي ينعقد فيها الأجتماع . لم نتمكن من رؤية بعضنا لعدم وجود إضاءة في المكان الذي يفصل ما بين الباب الخارجي وغرفة الأجتماع . وعند ولوجنا الي الغرفة تمكنت من رؤية الشخص الذي كان يرافقني ولم أتبينه علي الحال . كان يرتدي عراقي وسروال من الدمورية ويلتحف عمامة . مظهره يوحي وكأنه من مواطني الحي . وعندما أزاح العمة بانت ملامح وجهه وأذا به الزميل عبدالرحمن . وحينما أُتيحت له فرصة الحديث ، أخرج مقصوصة ورقية صغيرة كان يضعها ما بين صندوق سجائر البنسون والسلفان الذي يكسي الصندوق . خلق علاقة وطيدة بينه وبين معشوقه السجائر ووجهها في الوجهة الأمثل للتأمين . إلي هنا والقصة عادية ، السكرتير العام في طواف علي الهيئات الحزبية المختلفة . وقبل نهاية الإجتماع طلب مني أن أرافقه إلي الخارج . سرنا حوالي الدقيقة أو الدقيقتين إلي المكان المحدد الذي يفترض أن يكون به شخص وسيارة في إنتظاره . وحينما لم نجد الشخص المُكلف بالأنتظار ، طلب مني الزميل عبدالرحمن الرجوع الي الأجتماع وتركه لوحده . في اليوم التالي وبعد حضوري من العمل وجدت زملاء من المديرية بأنتظاري أمام المنزل. وبعد التحايا وُجهتُ بإستفسار عن مكان تواجد السكرتير العام ؟ ومواصلة للسؤال عَقب السائل أن الزميل عبدالرحمن لم يبتْ ليلته في المكان المحدد له وبالمعلومات المتوفرة بأني آخر من كان معه علي أن أوضح الملابسات التي فارقت فيها الزميل . وعندما لم يجد السائل ما يشفي غليله أنقلبت العاصمة في ذلك اليوم رأساً علي عقب تبحث عن السكرتير العام . لاحقاً أتضح أن الشخص المُكلف بترحيله وفي أثناء أنتظاره للزميل عبدالرحمن تعرض لمضايقات من شباب الحي وأعتقدوا أنه يريد التحرش بحسناوات المنطقة أضافة الي أن الزميل عبدالرحمن أسهب في لقائه معنا ولم يخرج في الوقت المحدد فما كان من الزميل المرافق الأ وأن غادر المكان علي حسب ما تقتضيه التوجيهات التأمينية الصارمة . وحينما لم يجد نقد مرافقه ما كان منه الإ أن تحرك راجلاً من المنطقة التي أنعقد فيها الأجتماع العباسية أمدرمان الي أمبدة حيث يسكن صديق له . في ذلك الوقت لم تك هنالك وسائل أتصال كما هي عليه اليوم ولا توجد هواتف نقالة . لك أن تتخيل حجم مخاطرة زميل مختفي في الذهاب الي منزل شخص بدون إخطار وبدون ما يؤكد ضمان وجود صاحب المنزل . لم تقف المخاطرة في هذا الحد . زمان هذه الحادثة في السبعينات من القرن الماضي . أمبدة لم تكن كما هي عليه الآن ولم تعبد الشوارع ولم تضاء . السير فيها ليلاً يُعد من المخاطر . رجل مطلوب من كل أجهزة نميري يخرج ذاهباً من أمدرمان الي أمبدة في ليلٍ بهيم حوالي الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً لا يمتشق سلاحاً ولا يحمل سكيناً تحسباً لمصائب الدهر يقطع الفيافي ما بين العرضة وأمبدة في منطقة تعد مرتعاً للرباطين والهمباته هذه شجاعة وفراسة تستحق أن تُروي .

    وبحق نقد فارس ، حكي لي صديق آخر أن نقد حضر أجتماعاً بأمتداد ناصر وبعد أن أنفض سامر الأجتماع خرج المدعون من المنزل وعند خروجهم كان هنالك مواطن لا يعرفه أحد تعطلت سيارته وطلب منهم مساعدته في تحريك سيارته ( يا أبو مُروْه) . فما كان من نُقد الأ أن شمر عن جلبابه وتقدم الرفاق وبدأ في دفع السيارة مع صاحبها . وروي آخر أنه كان مُكلف بتحريك نُقد وعند وصلهم الي كبري النيل الأبيض أتضح أن القوات النظامية تجري تفتيشاً في مدخل الكبري عندها بدأ الشخص في الأرتباك فما كان من عبدالرحمن الأ أن تحول من شخصٍ مطارد الي شخص آخر يهدئ من روعة مرافقه ويبث في روحه الطمأنينة . وروي آخر أن نُقد كان من ضمن حضور زواج الدكتورة فاطمة بابكر والدكتور محمد سليمان . في مقام ذكر هذه الأساطير من الفروسية يطيب لي أن أشهد بشجاعة زميل آخر كنت بالقرب منه ورحل عنا . اللهم أرحم الزميل الجزولي سعيد . أتمني أن نشهد اليوم الذي نُخلد فيه ذكري هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطن أفضل .

    اللقاء الثاني الذي تم بيننا كان بموسكو بعد الأنتفاضة حينما حضر اليها ليشارك في المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الذي أُعلنت فيه سياسات (البروسترويكا والقلاسنست ). في ذلك المؤتمر أُنتخب نُقد لكي يلقي الكلمة نيابة عن الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية . نأمل أن يتمكن الشيوعيون السودانيون من الحصول علي هذه المساهمة وحفظها .

    كلما تُتاح لي فرصة العودة الي السودان أحمل معي كتاباً أو كتابين هدية للزميل عبدالرحمن . هذه العرف النبيل غرسته فينا الزميلة سعاد أبراهيم أحمد . التقيتها للمرة الأولي في مدينة لندن عام 1980 وهي في قمة نشاطها تركض من متجر الي آخر تغتني الكتب والدوريات المختلفة وعند سؤالي لها مستفسراًً ردت بأنها أعتادت أن تصطحب معها بعض الكتب كلما عادت الي السودان لتهديها الي عبدالله علي إبراهيم . قبل عامين عندما زرت السودان قررت أن أستبدل هدية الكتب بالمعشوق الآخر التبغ . وفي مركز الحزب قدمت له السجائر الذي وجد رضاءً وأستحساناً منه ومعاتبة من قبل الزملاء الآخرين علي أهداء ما يضر بالصحة .

    في ديسمبر/يناير من هذا العام كنت في زيارة للسودان وعندما علمت بوعكته زرته مع صديقنا المشترك دكتورمصطفي حينها لم أجد بالقرب منه أحد معشوقيه كما كانت العادة وكان هذا بمثابة أنذار مبكر لي بأن صحته مُعتلة . وعملياً كان نُقد مضرباً عن الطعام والشراب الأ أن مصطفي نجح في أرغامه علي تجرع نصف كوبٍ من العصير وكان هذا في حد ذاته إنجاز . في ذلك اليوم ونحن ضيوف بمقامه حضر لزيارته العم الدكتور موسي عبدالله حامد بصحبة أبنه عبدالله وحينها لم أكن قد زرت بعد أهلي وعشيرتي فشعرت بحرج داخلي . ألم أذكر في السابق أن هذا الرجل شيخ طريقة وله حوارييه . حضر موسي يحمل معه كتابه الأخير (أيام الجامعة ) مع أهداء لنُقد . حكي موسي لنقد أن بالكتاب في الصفحة الثامنة عشر ذكرٌ للقطينة عندما زاره عام 1958 ووجد معه أحمد سليمان ضيفاً عليه .
    وبعد حوالي الأسبوعين ذهبت لوداعه ووجدته في حالة أحسن كثيراً من سابقتها كان يشاهد التلفاز أضافة الي أنه شارك الصديق الدكتور حسن محمد أحمد التدخين . خرجت منه علي قناعة تامة بأني سأراه ثانية الأ أن حدثي خاب وأخذ صاحب الوديعة وديعته .
    رحمك الله يا محمدأ والزمنا الصبر بفقدك ونتمني أن نصطف ونسير خلف أرثك الذي خلفته لنا . اللهم أجعل الجنة مثواك .

    30 أبريل 2012

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de