|
إعادة القراءة حول السودان ... منقول
|
.د. مامودو كان ـ أستاذ جامعي [email protected] قرأت مؤخرا في مقال تحت عنوان: " خصوصية السودان في الأمة الإسلامية " في موقع الأخبار، تطرق فيه إلي أقوال الرسول صلي الله عليه و سلم و بعض الصحابة رضوان الله عليهم في حق طائفة السودان كما يقول صاحب المقال ـ و لكن هل السودان طائفة أم هم شعب ، شعوب، مجتمع ، مجتمعات ـ و ان الله سبحانه و تعالي خصهم بأن جعل فيهم أول مملكة آوت الإسلام و المسلمين في وقت كانوا في أمس الحاجة إلي مدّ يد العون فكان لذلك أثره البالغ في نفس رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه مع أنه صلي الله عليه وسلم كان يري في ملك الحبشة آنذاك الأهلية لنصرة الحق وأهله حيث وصفه بالعبد الصالح الذي لا يظلم عنده أحد وكانت سمة تندر في ملوك الأرض حينها، غير ان السؤال الذي يتبادر إلي الذهن مباشرة هو من هم السودان أو من المقصود بالسودان، سواء عند المصادر العربية الوسيطية أو عند العلماء أو غيرهم ممن يستعملون هذه الكلمة أو لنقل المصطلح أو المفهوم؟ و هي أسئلة سنرجع اليها لاحقا ان شاء الله و ما عرف عن السودان من أدوار في الاسلام و لدي الأمة الاسلامية و الذي ما زال موضوعا في سلّة نسيا منسيا و سوء فهم من طرف كثير من قادة الرأي و المختصين في مجالات العلوم الانسانية؟ اذن ما ذا تعني كلمة سودان في القواميس العربية؟ نقتصر علي ما ورد في " لسان العرب " لابن منظور في ان كلمة سود: تعنى السودان و تجمع على سود و سودان، و هنا يمكن أن ينحصر أو يقتصر كلمة السودان علي اللون دون الجنس، و هو ما لا يتفق مع مفهوم السودان المستخدم بشكل عام للدلالة علي جنس بشري بذاته أي بالمفهوم الاجتماعي السوسيولوجي و له خصائصه و ملامحه يختلف عن السودان الذي يشار إليه باللون و لعل ابن خلدون بيّن ذلك عند حديثه عن الأقاليم الجغرافية و تأثير الهواء علي الجسم في كل من كتابيه ( مقدمة ، و العبر )، و السودان كما بينه ابن خلدون أسماء مترادفة على الأمم المتغيّرة بالسواد و إن كان اسم الحبشة مختصّا منهم بمن تجاه مكة و اليمن و الزنج بمن تجاه بحر الهند، و بالتالي يكون كلمة السودان علما خاصا علي من هم في الغرب الاسلامي بمفهومه الواسع الذي يشمل دول إفريقيا جنوب الصحراء الاسلامية من حيث الفضاء و المجال الجغرافي كما ذهب إلي ذلك د. مولاي هاشم العلوي في كتابه ( مجتمع المغرب الاقصي في القرن الرابع الهجري )، و هكذا احتوت كلمة السودان في التعاريف المختلفة معنى اللون و الجنس و دلّت كذلك على التقسيم الحضاري و الفكري بصفة عامة. فالمعروف عن السودان أنهم من الأجناس و الشعوب التي سكنت هذا الربوع من الوطن منذ آلاف السنين قبل الفتوحات الاسلامية و قبل الهجرات العربية إلي جانب البربر و من في ذويهم، فمحاولة حصر كلمة السودان علي سواد البشرة أو تسمية السودان ب " الطائفة " هو جهل للتاريخ، و لا أدل علي ذلك من كون الحراطين و بعض البيضان من ذوي البشرة الأسود لا يسمون سودان و لا بربر بقدر ما يعرفون بالعرب، و عليه لا ينبغي محاولة الطمس و التدليس بكل الوسائل المغرية لتبرير مواقف سياسية ـ اسلاموية، لكسب ودّ المستهدفين بمحاولة التعاطف أو التستر بأقوال و مواقف بقيت بنت عصورها التاريخية الزاهرة، و لم يبقي منها الا جانبها النظري النصي الذي هو إلي يومنا هذا حبيس الكتب و الرفوف، و لا يمكن تطبيقه علي الواقع، و يستحيل كذلك في غياب أي إرادة سياسية و وعي مدني قوي. أما عن كون سودان الحبشة و ملكهم أبرهة هم الذين آووا الاسلام و المسلمين في وقت الشدة، و ان الملك أبرهة لا يظلم عنده أحد وقتها كيفما كان الدين الذي يدين به، و ان كان وثنيا، فان تلك الظاهرة بقيت إلي يومنا هذا خير رفيق لهؤلاء السودان و ان اختلفت الأزمنة و الأمكنة و الظروف و البيئة و الفضاء الجغرافي، فلنا في ذلك عبد الله بن ياسين و هو يعرض علي ابوبكر ابن عمر اللجوء إلي السودان المجاورين لهم عند ما ضاق عليهم صنهاجة بسبب تطبيقه للشريعة عليهم، و لكن كيف كان رد ابوبكر ابن عمر؟ و ما كان سيؤول إليه الأمر حالة قبول ابوبكر للمقترح؟؟ مع الأسف ان التاريخ لا يكتب ب " لو "... ربما كان ابن ياسين علي معرفة بان السودان أناس لا يظلم عندهم أحدهم و لا يسمح الملك بذلك إذ كان يتولي بنفسه رد المظالم و تحقيق الحق و لنا في ذلك ما يورده ابن بطوطة ( تحفة النظار ...) عن مالي و ملوكهم بشكل خاص و السودان بشكل عام، و الذي يعتبر من الرحالة العرب القلائل الذي كتبوا عن السودان عن قرب حيث زار السودان الغربي في القرن الرابع عشر الميلادي و قدم معلومات قيمة عنهم و ان كانت في بعضها شيء من المبالغة.. فضلا عن الحسن الوزان ( وصف افريقيا 2ج ) الذي زار السودان الغربي في القرن السادس عشر الميلادي و قدم بدوره معلومات كثيرة لا يستهان بها في دراسة التراث السوداني و ان في بعضها كذلك اضطرابات. و إذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم أشار إلي سادة السودان أمثال بلال و النجاشي و غيرهما فلعل ذلك راجع إلي ما لعبوه من أدوارا مهمة في عهد الرسول صلي الله عليه و سلم و من بعده في عهد صحابته الكرام، و كذلك ظل هذا الدور مستمرا علي مدي التاريخ الاسلامي شرقا و غربا، و من ذلك ما قاموا به في نصر الاسلام و المسلمين في افريقية و دورهم في فتح الأندلس عهد الخليفة يوسف بن تاشفين و ما قدموه من تضحية في تلك المعارك حتي أن الفونسو الاسباني تم طعنه من طرف مقاتل سوداني في جيش يوسف ابن تاشفين بالأندلس و في ذلك لدليل علي استجابتهم العفوية للإسلام السمحاء و تعاليمه، و مع ذلك لا زال ينظر إلي السودان بشكل عام نظرة دونية لدي المسلمين العرب خصوصا، بحيث يمكن ان تصلي في مسجد بجوار أحدهم في الدول العربية و عند خروجكما بالباب يسألك هل أنت مسلم؟ و ما أدريك ما السؤال و ما وراءه من تفاصيل و جزئيات؟ و شخصيا عشت الظاهرة ـ و لست وحدي من عاشها ـ أكثر من مرة في بعض الدول العربية، و لعل المتتبع للأحداث و الأخبار لاحظ و سمع الجدل حول العنصرية ضد السودان في المغرب و تونس و الجزائر و غيرها من الدول ـ حيث تم مناول هذا الموضوع كثيرا في مجلات دولية مثل مجلة " جان أفريك "ـ مع ان هؤلاء السودان في أكثرهم مسلمون، لذلك فالمشكل لا يكمن في الاسلام و النصوص القرآنية بقدر ما يكمن المشكل في المسلمين انفسهم و تأويلاتهم المسيئة علي ذويهم من المسلمين من غير العرب خصوصا و مراعاة مصالحهم الخاصة دون العامة في ظل الأخوة الاسلامية، و لعل الدليل علي ذلك ما هو معروف في تاريخ الامويين و العباسيين و المعاملة الدونية التي كانوا يعاملون بها المسلمون من غير العرب في ظل خلافة الدولتين، و المثال علي ذلك كثير نكتفي بذكر ثورات الموالي و الزنج في تاريخ الخلافة الاسلامية للأسباب ذاتها.... ان شاء الله سنحاول لاحقا الحديث عن أصول و أنساب السودان فتابعونا.... و لا ندعي الحقيقة و لا المعرفة بقدر ما نطرح آراء و أفكار قابلة للنقد و التعديل... و غيرها .... و الله اعلم .
|
|
|
|
|
|