جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 03:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-15-2011, 08:28 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل


    gili_abd_alrahmansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر د. جيلي عبد الرحمن


    الأصدقاء الأعزاء قراء سودانيزأونلاين..

    مواصلة لسلسلة الملفات التوثيقية عن مبدعينا التي أواصل نشرها من على هذا المنبر العامر، أهدي لكم بسرور عظيم وفخر واعتزاز، هذا الملف الحافل عن شاعرنا وأديبنا الكبير جيلي عبد الرحمن، والذي تشارك بالكتابة فيه نخبة من الأدباء والمبدعين، الذين يلقون الضوء على جوانب مختلفة من حياته وشعره وسيرته الأدبية. كما يتضمن الملف عدداً من القصائد الخالدة للشاعر المبدع، والتي حفرت في ذاكرتنا، وشكلت وجدان جيل، وسيمتد تأثيرها لأجيال لاحقة.

    إن التقدم الذي تم حتى الآن في إعداد هذا العمل الرائع مصدر سعادة غامرة – ليس فقط بالنسبة لي لقيامي بتجميع مواد الملف وتنسيقها – بل أحسبها كذلك بالنسبة لجميع المهتمين بالتوثيق للحركة الأدبية السودانية، والتي يشكل الشاعر د. جيلي عبد الرحمن أحد أعمدتها البارزة. ولا شك أن هذه المواد الثرية ستكون مرضية ومشبعة بشكل خاص لكل من يشاركون جيلي مبادئه والقيم الإنسانية السامية التي عاش من أجلها، وصاغها شعراً صادقاً من ذوب مشاعره.

    جيلي "شاعر متوهج بالأحزان".. هكذا وصفه الأديب المبدع الراحل بروفيسور علي المك.. وقد رأيت أن أصفه بأنه متوهج بالأمل أيضاً.

    ولكي يستبين القراء محتويات الوليمة الدسمة التي هم مدعوون لها، أقدم هنا هذه القائمة من عناوين الموضوعات التي يضمها الملف:

     شاعر متوهج بالأحزان والأمل
    من رواد التنوير: الشاعر جيلي عبد الرحمن

    كان جيلي شاهداً على عصرنا مما جعله نموذجاً للبطل

    بقلم: د.عبدا لقادر الرفاعي


     جيلي والإتحاد السوفييتي

    بقلم: د. عبد القادر الرفاعي


     جيلي عبد الرحمن وتجربة حياته في جمهورية اليمن الديمقراطية

    بقلم: د.عبد القادر الرفاعي


     الثورة في شعر جيلي عبد الرحمن
    دكتور جيلي عبد الرحمن شاعر من النوبة

    بقلم: سيف الدين حسن صالح



     قصيدة عبري
    شعر: جيلي عبد الرحمن


     يهتز الشارع يا يالوركا
    شعر: جيلي عبد الرحمن

     جيلي عبد الرحمن : انطباعات من لقاءات عجلي
    جيلي يعني عندي المثال الحي لارتباط الإبداع مع أحلام الفقراء
    بقلم: د.كامل إبراهيم حسن

     احن إليك يا جيلي !
    شعر: محمد تاج السر


     جيلي كما عرفته
    لم يخلص كما اخلص للشعر .. وكان ابنا حقيقيا لحواري القاهرة
    بقلم:عبد الرحمن الأبنودي

     الجواد والسيف المكسور
    شعر: جيلي عبد الرحمن


     جيلي عبد الرحمن: كالأشجار واقفاً
    أحببته شاعراً قبل أن اعرفه وإنسانا بعد أن عرفته
    بقلم: نجاة عثمان محمد سعيد

     جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والآمال
    جيلى عبد الرحمن :الإنسان .. شاعر الناس
    اختياره لأصدقائه يقوم على حسن الطوية .. لا مال ولاجاه ولا سلطان
    بقلم: د: شريف الدشوني


     جيلي ... الشعر والشاعر
    كان الإحساس بالغربة يملأ كيانه وهو أهم أسباب إبداعه الشعري
    لم أتأثر بقراءة الشعر كما تأثرت بقراءة جيلي لشعره .
    د: فاروق محمد إبراهيم

     قصة قصيدة ثلاث قبرات وطفل للشاعر جيلي عبد الرحمن
    بقلم سيف الدين حسن صالح


     جيلي وهذا الجيل
    الزمن القادم يحمل في رحمه ألف جيلي ليحملوا الراية
    بقلم سلوى غالب


     صفحة الآخر في هوس الشاعر أو الأذى الأكبر ...!
    أ.د. فيصل إبراهيم المقدادي

     حوار لم ينشر مع الشاعر الراحل جيلي عبد الرحمن
    أجرت الحوار: الأستاذة زينب الكردي

     بعيدا عن ثري وطني
    يضج هواك في بدني
    إلى الراحل الحاضر الشاعر جيلي عبد الرحمن
    بقلم: تاج السر خضر عبد العزيز المحامي

     شاعر متوهج بالأحزان والأمل
    محاولة لولوج عالم جيلي عبد الرحمن الروحاني
    بقلم :د.الصادق عوض بشير


     الثورة في شعر جيلي عبد الرحمن
    بقلم: سيف الدين حسن صالح

     جيلي عبد الرحمن ...لمحات من شعره
    الشعر عنده انعكاس للواقع الموضوعي وحركة التطور التاريخي
    بقلم:علم الدين عمر


     رئيس الوزراء يوجه بعلاج الشاعر جيلي عبد الرحمن بالكويت


     بيت الأدباء
    بقلم سيف الدين حسن صالح


     رسالة من جيلي عبد الرحمن إلى د.عبد القادر الرفاعى
    سوف أنازل الأيام حتى اللحظة الأخيرة ولن أقع فريسة الاستلاب


     يوم سنقرؤك أجمل
    كلما انبت أرضا صاغها السجان منفى
    وأصبحت الأشجار أقوى من جور الموت المخيف
    بقلم: فريدة النقاش


     حين استدار الماء للينبوع
    الرجعة لمصادر الحضارة النوبية عند الشاعر جيلي عبد الرحمن
    بقلم: مصعب الصاوي


     والدة الشاعر جيلي عبد الرحمن
    شورة أحمد صالح
    الأم المثالية ورمز العطاء والصبر
    بقلم: (حفيدها)
    سيف الدين حسن صالح


     حين أجهش المذياع ..جيلي قد رحل !!
    ظل جيلي قويا، متماسكا حتى بعد أن فقد بصره قبل رحليه
    بقلم: د.نعمات خضر


     الحريق وأحلام البلابل
    إلى الشهيد عبد الخالق محجوب
    شعر:جيلي عبد الرحمن


    الفداء
    إلى الشهيد الشفيع احمد الشيخ
    شعر: جيلي عبد الرحمن


     البحر والمنفي
    إلى الرفيق الحر السجين
    عبد المجيد شكاك
    شعر: جيلي عبد الرحمن


     الطائف وزهرة الليل
    إلى الشهيد الإنسان حسن الطاهر زروق
    شعر: جيلي عبد الرحمن


     جيلي عبد الرحمن وحركة التجديد الشعر أو: شرف الريادة
    بقلم :أحمد عبد المكرم

    ********


    د. عبد القادر الرفاعي

    يتبع..



                  

01-15-2011, 08:54 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    شاعر متوهج بالأحزان والأمل
    من رواد التنوير: الشاعر جيلي عبد الرحمن

    كان جيلي شاهداً على عصرنا مما جعله نموذجاً للبطل

    بقلم: د.عبدا لقادر الرفاعي


    image004sudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    اهتمت أجهزة الإعلام (راديو وتلفزيون) لفترة محدودة لم تتعد ثلاث دقائق بوفاة الشاعر جيلي عبدا لرحمن التي حدثت في أغسطس 1990.. نعاه وزير الثقافة والإعلام باقتضاب، وهو اهتمام لم يضاهه إلا اهتمامه السابق بوفاة الشاعر عبد الرحيم أبو ذكرى الذي رحل في يناير1990.

    جيلي وأبو ذكرى يبرزان معاً صورة الإنسان العصري الذي استطاع التجرد من كل أوشاب الأحاسيس المتعصبة، أو النظرات الضيقة أو المنحازة، ولم يعرف عنهما انخراطهما في زفة عابرة، أو اتصفاهما بكبرياء مزيف أو كرامة موهومة. كان شأنهم هو شأن الكتاب والشعراء والمثقفين الذين مابرحوا يدخلون السجون ويقمعون وتقمع حرياتهم ويهددون بالقتل والجوع والبطالة.. وما أكثرهم.. عبر تاريخ وطننا الممتد لعقود مضت. ترى كيف يكون الكاتب والشاعر والفنان شاهداً على عصره؟ عصر العالم الجديد.. وعلى آليات هذا العصر ومعطياته وتقلباته وتحولاته وهو يعيش أحوالاً وحالات من القمع الرسمي والخاص ومن الخوف والاغتراب .. من القلق والجنون والاضطراب.

    وإذا عرف بعض المثقفين والكتاب كيف ينقلبون بين ليلة وضحاها من موقع الاحتجاج والتمرد إلى موقع السلطة والقرار، فإن كثيرين ظلوا داخل الهامش الضئيل الذي وجدوا أنفسهم فيه، وهو هامش يتضاءل من مرحلة إلى أخرى ومن يوم إلى آخر في زمن ملؤه القمع والإحباط واليأس والمقاومة.

    صحيح أن رحيل جيلي عبدا لرحمن قد حدث في زمن الإنقاذ الصعب، لهذا لم يكن لأحد أن يتوقع احتفاء صاخباً برحيله، إذ أن مثل ذلك الاحتفاء جزء من التقاليد الثقافية والاجتماعية الراسخة، وعلامة ظاهرة على إدراك المجتمعات لأهمية الفنون وقيمة التكريم. ولأن اقتصر الاهتمام الرسمي (الحكومة) برحيل جيلي بنعي مقتضب، فقد أقيم حفل التأبين الأول له في سجن كوبر، والآخر بسجن كسلا نفذه المعتقلون، وبثت إذاعة صوت العرب (من القاهرة) سهرة خصصت لجيلي عبد الرحمن نفذتها المذيعة أمينة صبري، وكتبت عنه الصحف في القاهرة وبيروت واليمن والمغرب والجزائر مقالات وأحاديث تحيط الناس بجانب من حياته وشعره ومواقفه الإنسانية.. ولا شك أن تقديم كل ذلك عن جيلي الشاعر والإنسان تأكيد لكل نزعات الخير والجمال التي يحث عليها الفن في جميع أشكاله، وخاصة الشعر الذي يخاطب أرقى ما في الإنسان.

    وبالطبع ليست هنالك جهة موكولة بإحياء ذكرى الشخصيات والحوادث الهامة في وطننا.. فالذي يقوم بذلك في الواقع هو التمسك بالتقاليد وموروثات الشعوب وبإحساس الأفراد بأهمية تذكر الأجيال السابقة وأفعالها والحوادث التي أثرت في حياتنا. إذن ضعف الذاكرة في وطننا لا يرجع إلى تقاليد سالبة أو إلى طبيعة في الشخصية السودانية، بل إلى حالة طارئة من التدهور، مرتبطة بغير شك بالتدهور السياسي الذي نعاني منه قرابة نصف قرن، وما أعقبه من انزواء حضاري وثقافي.

    في الثالثة والعشرين من عمره نشر جيلي عبد الرحمن مجموعة شعرية ( قصائد من السودان) بالاشتراك مع الشاعر تاج السر الحسن، فقوبل شعره باستحسان ونقد موضوعي واحتفاء في الأوساط الفنية والأدبية، وحصل على شهرة خاطفة، وظهر كشخصية لامعة مثيرة للاهتمام؛ فأصبح هو وتاج السر الحسن نجمين متألقين في سماء مصر وصحافتها. وقد تميزت أشعاره بالتطلع إلى الحرية السياسية.. أصيب جيلي بمرض النقرز، مما أثر على مشيته، وعانى بعد ذلك من مرض القلب وضغط الشرايين والسكر، فعانى من جراء كل ذلك عذاباً نفسياً وجسدياً مريراً.

    ظل جيلي عبد الرحمن متنقلاً لا يقر له قرار.. ولد في جزيرة صاي بشمال السودان وانتقل مع أسرته إلى مصر وهو في العاشرة.. وغادر إلى الاتحاد السوفييتي (السابق) عام 1962م، وعمل بعد تخرجه في صحافته العربية، وبالترجمة في داري التقدم ورادوفا.. ترك موسكو في أواخر السبعينيات للعمل محاضراً في كلية الآداب بجامعة عدن، وذهب منها للتدريس بمعهد اللغة والأدب بجامعة الجزائر.. هكذا.. سفر دائم وتنقل متصل وضع خلاله أشهر أشعاره وأجمل أعماله الأدبية التي تصور شخصيته وتجسد أفكاره ونبله وإنسانيته.. لاقت قصائده رواجاً منقطع النظير لما فيها من التصاق بحياة الناس الذين أحبهم، ومشاركة لهم في آلامهم وانتصاراتهم، وكشفاً عن الأمل والكآبة والتمزق في الغربة والتوق إلى ما هو بعيد المنال.

    كان جيلي شاهداً على عصرنا مما جعله نموذجاً للبطل الذي يعي قسوة الحياة وفسادها مثل إدراكه لبهائها وجمالها وآمالها العراض. وفى هذا كان شأنه شأن الشعراء والأدباء عامة في عصره، إذ كان الشاعر الذي يعيش الصدمة ويحياها..صدمة فجيعته في أهله ووطنه الذي تصور أو أوحت له أفكاره بذلك بأن الأبرياء والمناضلين الذين تاقوا لحياة تليق بالإنسان قد واجهوا العسف والتعذيب والعزلة. هكذا كان جيلي عبد الرحمن سباقاً في النبوءة والمعرفة والصمود في زمن لا تكفيه حكمة الشعر ولا صمود الشاعر.


    يتبع..
                  

01-16-2011, 10:20 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل
    جيلي عبد الرحمن:الإنسان.. شاعر الناس
    اختياره لأصدقائه يقوم على حسن الطوية.. لا مال ولاجاه ولا سلطان

    بقلم: د: شريف الدشوني


    gili_abd_alrahmansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    المرة الأولى التي ازور فيها جيلي واراه عيانا كانت منتصف السبعينات في شقته المتواضعة في موسكو لفترة جد وجيزة.ازدادت المعرفة عندما زرت عدن بدعوة من وزارة التعليم عام 1983ان أسعفتني الذاكرة أخذت أوراق جيلي إلى جامعة الجزائر التي كنت بها..تحديدا للصديق د:ابو العيد دودو عميد كلية الآداب وقتها. د:ابو العيد أديب وشاعر جزائري مرموق، دمث الأخلاق حلو المعشر.ولا أنسى هنا صديقنا المشترك الشاعر العراقي د.محمد الأعرجي . هذا أيضا رجل ودود يحب الجواهري وجيلي. جمعت الظروف أربعتنا مرارا في مدينة الجزائر..شعراء ثلاثة، ومن يجيد الاستماع في شخصي.مكثت مع جيلي في الجزائر (العاصمة) فترة امتدت ثلاث سنوات تقريبا، نكاد لا نفترق الا ساعات العمل.. خاصة وأن كلية الاقتصاد تجاور كلية الآداب. وعندما كنس الشعب السوداني ذاك الطاغية نميري ونظامه البغيض، أنهيت بعد لأي ومشادة عقدي مع جامعة الجزائر عائدا إلى ربوع بلادي بعد غيبة امتدت خمسة عشر عاما، يدفعني تفاؤل منحوس أرعن رماني في ما أنا فيه الآن. أثار رحيلي المفاجئ من الجزائر في جيلي شتى مشاعر حزن الفراق والحنين والوحدة. لحظة المغادرة أدمعت أعيننا. كانت الغربة تزلزل مشاعره الدقيقة، تحسها في أكله ومنامه ولعلها المصادر التي أججت وحركت كوامن الإبداع فيه كان جيلي إنسانا بكل ما تحمل جوامع هذه الكلمة الفريدة.إذ ساعدك الحظ أن تكون من بين أصدقائه الأقربين - ونفسي تزعم ذلك - يذكرك دوما بطريقة ما، كاملة العفوية لا إشارة فيها البتة نبل وصفاء سريرته قول هاملت لصديقه هوارشيو القيم عوز الفقير:

    وهل اطمع في ترقيه منك، أنت الذي لا مال لديك سوى حسن الطوية، لا مالك ولا كسائك ؟ وهل يبقى تملق الفقير؟ لا، إنما دع اللسان المحلى يلحس فوارق الأبهة حيثما الكسب الرخيص يلحق بالنفاق، أتسمع منذ أن أضحت نفسي الأبية سيدة في اختيارها عليمة بالتمييز بين الرجال، اصطفتك أنت لها هكذا كان جيلي، يتعامل مع فرز وتحليل وتقييم مفردات علاقاته الاجتماعية مثل الطوية، اللسان المحلى، الكسب الرخيص اللاحق بالنفاق، النفس الأبية، سيدة اختيارها، العملية بالتمييز بين الرجال وعلم الفراسة.. الخ مقتربا بذلك من دواخل النفس البشرية بعدها يتخذ قراره المعين، متفاديا من غد يجلب التعاسة والتوتر والنوم ومتحابا من هو خير من بنى البشر. الجار قبل الدار.

    كان هاملت أميرا من سلالة الملوك والأكابر وجيلي حر النفس كريمها كهاملت، خالي الوفاق تماما صفر اليدين. والعائلة لم يكن أمامها طريق لتناول القديد ولا حتى الكشري.

    نبل جيلي يأتي من افتخاره بهذه الحقيقة ودفاعه المتجرد عن المهلهلين، والمستضعفين وأهل الحاجة، التائهين في القفار الظلامية الزائفة التي حلت بهم هكذا يرسم جيلي حال هؤلاء في تفاؤل ينمو ويزدهر بالانتصار المرتقب:

    حارتنا مخبوءة في حي عابدين

    تطاولت بيوتها كأنها قلاع

    وسدت الأضواء عن أبنائها الجياع

    والزهور.. والحياة. .

    فاغرورقت في شجوها وشوقها الحزين

    نوافذ كأنها ضلوع ميتين.

    وبابها عجوز.

    وفوق عتمة الجدار

    صحيفة مغروسة في كومة الغبار

    تآكلت حروفها لكنها تضوع

    (زهرة الربيع)

    وحين عاد كالأسى الرجال

    أقدامهم معروقة...وصمتهم سعال

    وفى الغناء حول القصر الكبير

    تكوم الرعاع.. وأخوة جياع

    يسعلون.. يضحكون ...

    قهقهة (الشغيلة) المحنية الظهور

    محمومة الصدور

    ترن كالصخور.. في مصنع يدور

    تنور النشيد ...

    شوارع المدينة المخضوبة البيوت بالدخان والزيوت

    نعيش في أعماقها، نعيش لا نموت

    هاجر جيلي وابتعد مجبرا إلى حين بعد أن رأى انعدام القيم الأخلاقية والمبادئ العامة التي تنظم حياة الناس وضياع المعنى في اللامعنى لينتهي الأمر إلى انقلاب في المعايير التي لا تستقيم الحياة بدونه من هنا جاء تمرد جيلي النبيل.

    وخف بالجهل أقوام فبلغهم

    منازلا بسناء العز تلتفع.

    اختيار جيلي لأصدقائه يقوم على حسن الطوية، لا مال ولاجاه ولا سلطان هكذا جاءت تضحياته التي لاتحد ومجالس أنسه اللطيفة البريئة (لطعامك وكسائك ؟ وهل من يبغى تملك الفقير ؟) . مرض النقرس يأتي كما يقال من الإسراف في أكل اللحوم. ولكن جيلي يطرح النكتة حتى على نفسه: يا شريف (بالمصرية)، ياخى الوجبات الثلاث - إن وجدت - كانت فولا وطعمية .. ثم يسخر:صحن الفول تحول بقدرة قادر إلى طبق تئن أطرافه من قطع الكستوليتا.

    يتفوق جيلي الشاعر الإنسان على أكبر محترفي الاتجاه الصوفي في الزهد والترفع عن الصغائر في نفس راضية مرضية.لجيلي كف صغرت من االدنيا، مبغضا لواجهات الدنيا، زاهدا فيها، مزدريا لطلابها اللاهثين وراء سرابها..لم يستطع شاعرنا الكبير ممارسة حياة غير تلك التي اختارها وكان يؤمن بها...
    نفس كبيرة لا تحمل منة من احد، نفس أبت أن تبيع إبداعها من العلم والمعرفة والفن مقابل إغراءات مهما كان المردود المادي منها عاليا...ألا يطوف أمامك شيء من روح أبى العلاء المعرى ؟ أين جيلي وأين منه تنابلة السلطان ؟ والثمن الذي دفعه جيلي، سيد القريض عن طيب خاطر، كان غاليا..شظف في المكان والملبس والفراش.

    غني من الآداب، لكنني إذا نظرت فما في كفى غير الأنامل.

    في كل الأوقات – فرحها وكئيبها – لجيلي قدرة طبيعية عفوية على القلوب الناس لتتسع فيها دوائر الخير والحب والجمال التي لا تنتهي.. عندما يثير غضب جيلي أحد الأصدقاء لا يرد - في رده أحيانا - بشراسة، مدفوعا ببراءة أولياء الله.
    ولكنه غداً ينسى كل شيء .. أنك واجد قلبا كبيرا ملؤه التسامح المطلق...شيمة حب لا تعرف الخداع أو الضغينة. كان لهذا الشاعر (المنجذب) قلب طفل ودفاع كحد السيف يستخلص حقائقه من واقعه بالفكر وتمحيص الأشياء.

    أستميح القارئ عذرا أن ألخص هذه الكلمات البسيطة المكثفة في قول شكسبير على لسان هاملت:

    والإنسان ما أروع صنعه، وما أنبله عقلا ، وما أقصى حدود قدرته ومواهبه في الشكل بالملائكة في الإدراك.. ما أشبهه بالملائكة في الإدراك.. ما أشبهه بالآلهة.. إنه زينة الدنيا، ومثل الحيوانات الأكمل.

    هل يبتعد جيلي كثيراً عن ذلك ؟ قصدت بهذا التساؤل الأخير ليس بالطبع التالية أو التنزيه الكامل . ما قصدت هو الإطار الإنساني الذي يتحرك فيه جيلي وينشط ويتفاعل في داخله ويتعامل مع نفسه ومع الآخرين.

    وأنا أهم بوضع القلم إذ فجاءة أتمثل رثاء الشاعر الإنجليزي البارز نيرسى شلي لصديقه الشاعر كيتس الذي رحل عن دنيانا في عز شبابه: يا أيها الطفل الرضيع الوديع، لم كبرت بالرحيل عن عالم الأحياء ولقد كنت بين الأحياء أجدرهم بالحياة؟ لم خرجت إلى التنين الجائع وتحديته في عرينه؟ بقبضتك الضعيفة هذه يا ذا القلب الجسور؟

    وقفت أمام أعدائك برمحك القتَال في كل نزال ؟

    أنضجتك الحياة حتى اكتمل هلالك بدرا لفر أمامك أولئك الوحوش الذين يعيشون في الأرض كما تفر الوعول الشاردة أمام ليث هصور.

    وأخيرا كما يتساءل أحد العلماء:
    أكان لابد لمثله أن يموت الآن على الأقل ؟
    وماذا لو تخطته المنية إلى غيره من أعداء الحياة؟ أم هو الموت نقادا يختار الجياد؟
    حقا انك لعاجز عن استيفاء شخصية جيلي مهما كان قدر العبقرية لديك.
    فقدناك يا جيلي كثيرا.نم أيها المسجى في عظمة نفسك..
    وحتى اللقاء.
                  

01-16-2011, 11:30 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    بكثير من الحزن اكتب عن جيلي عبد الرحمن

    بقلم د. عبد القادر الرفاعي

    gili_abd_alrahmansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن

    أتملاه إذا ما الشوق يهطل في دمائي

    يختلي اليتم ويجفل

    في ارتعاش الأرصفة

    أتملاه مسجلا احد الاستثناءات في حياتي التي ما فنئت بها مشروعات الشمولية وعجزها، جيلي عبد الرحمن الذي رأي حزنا كثيرا ودما كثيراً.. وظل يقاوم حتى آخر قطرة من دمه متسائلا لماذا كل هذا؟ كان جيلي بالنسبة لي هدنة من حروبنا وانتصاراتنا وهزائمنا في الزمن الشمولي... هذه الرهافة الإنسانية التي تشع من جيلي، الأكثر ذكاء من إسراء النصح شعرا أو هتافا. تركت صداقة جيلي عبد الرحمن وإخاؤه أرق الأثر في نفسي... جيلي الذي غمرني وسواي – رغم هموم وآلامه – بدفء القلب الأخوي الصافي وهو المعذب بأحزان حائط مبكي الرفاق والأصدقاء والجيران والأهل والنوبة المرهف دونما لافتات إعلانية الرقيق بلا عود وناي.. العازف علي أصابع بيانو الأمل .. جيلي أيها الحبيب...قربني أليك.. انك بوجه واحد وليس لك وجه آخر.. جيلي.. اخي، صداقتك اسمها الوفاء علي مر الزمن.. جيلي أخي.. سهرنا كثيراً وتسامرنا وتحادثنا طويلاً سافرنا إلى صوفيا ووارسو وبراغ وبودابست وعدن وأثينا ثم عدنا لموسكو القريبة إلى الأفئدة وما تزال.. لكن اللقاء الأخير كان في الوطن... عفت ما يجري في الوطن.. عفت الصراع بين الشعب وبين الثروات المتناسلة والبطر المخيف.. جيلي .. أصدقاؤك ورفاقك هم.. هم أكثر ودا وثباتا كالنجمة القطبية أصدقاؤك هم هم، فهل أسرعت أم أبطأوا في اللقاء جيلي عبد الرحمن وداعاً.. وداعاً إلى اللقاء..
    وسلام عليك في الخالدين.
    ****

    هدراً نموت علي دماء الشمس، كالجرذان عفوها التراب !

    ما عاد فارسك المحلق فوق صهوات الجياد

    وكأنه تل من النيران تركض في الوهاد

    مستصرخا تاجوج يا قمريتي فتردد الأصداء.. جوج!

    والأرض كانت في هجير الجدب تسهد بالمروج

    وسيوفهم كالصخر غطته الثلوج

    أنا هاهنا غي عودتي الظمأى علي غبش المساء

    بيتي سرير فارغ قنديله زيت يضاء

    عريان ها أنا بلا سيف يطيش ولا حراب

    لاشيء في داري سوي قلب، وقافية، كتاب

    حمي النهار وحلم معتوهين في الأرض الخراب

    ماتوا وعشنا عبر أسوار النهار

    نجتر أوهاما بلا جدوى .. سقطنا في الدمار

    وأنا أعود كفارس يجتاز عتمات المضيق

    لا كسرة في الدار، لا قلب يحن ولا صديق!

    أحبيبتي عيناك سيفي حين تنشب مخلبيها في الدماء

    هذي الحياة تصب أقداح الكآبة في المساء

    وتصير لا معني، ولا أفقا يثير

    أقبيلتي كانوا هنا أحباب كوكبنا الصغير

    درعي وقوسي فالشوارع واجمات كالقبور

    حتى أبي طحنته أضراس المدينة

    في عامه السبعين يشفي للقيمات المهينة

    عريان ها أنا ذا بلا سيف يطيش ولا فخار

    وقبيلتي عيناك موج فيهما يبكي الكنار

    إن كان ينصب في شوارعنا قتيل

    في عينه الخضراء يا عيني تناوحت الحقول

    ونحيب (دوبيت) يغني الهجر والأيام غول

    تاجوج أيامي فتانا الشوق يصحو في الأصيل

    فنهارنا زيت وأزميل ، تعاسات ، ذهول !

    من أين للحب المرجى أن يجئ

    وعلي العيون غمامة تبكي وأشواق تضئ

    وجوادنا المسكين يكبو فوق أشلاء النهار

    عريان ها أنا ذا بلا سيف يطيش ولا فخار

    وقبيلتي عيناك موج فيهما يبكي الكنار

    (إحدى قصائد الشاعر جيلي عبد الرحمن)
                  

01-16-2011, 07:02 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    قصيدة عبري
    شعر: جيلي عبد الرحمن

    image004sudan1sudan1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    هذه القصيدة تحمل قدرا كبيرا من الحنين للقرية النوبية ممثلة في عبري الرمز. ألفها شاعرنا جيلي عبد الرحمن ونشرها عام 1953م في الصحف المصرية. ووجدت رواجا كبيرا. وقد ضمنها ديوانه الأول "قصائد من السودان" الذي أصدره مع رفيقه الأستاذ الشاعر تاج السر الحسن.

    *********


    أحن إليك ياعبري حنينا ماج في صدري

    وأذكر عهدك البسام عهد الظل في عمري

    تطوف بخاطري الذكرى من الأعماق من غوري

    وتبدو في بهاتتها كطيف خالد يسري

    عليه غلالة سوداء ذابت في رؤى الفجر

    طيوف لست أنساها ورب يعافها غيري

    أنا ظمآن ياعبري إلى الأمواه والطير

    إلى كثبانك الغرقى هناك بحافة النهر

    يذهبها سنا الشمس بأكوام من التبر

    ونخلك رامق النظرات ملء السفح والجسر

    يطل على ربى النيل ويحمل أطيب التمر

    غذاء دائم حلو لنا في البرد والحر

    وأطباق مبعثرة على أكواخك السمر

    تلألأ مثل آمال نمت في جدبه القفر

    وخلف جبالك الثكلى عتاة الجن والشر

    والغاز ..... تحير عالم الفكر

    تخوفني بها أمي تقول طويلة الشعر

    وأرجلها من الطين وأعينها من الجمر

    وساقية مرنحة تجرجرها قوى الثور

    تدلت أذنه تعبا من الإنهاك والسير

    ويمشى خلفه الفلاح وهو مقوس الظهر

    تغيم بعينه الدنيا ويلعن ذلة الفقر

    وتجثم خلفها الأخرى وتشكو قسوة الهجر

    أجل قد ماتت الأبقار والمحصول لايغري

    ونجري نحن أغرارا ونلقي الطوب في البئر

    ونبني كوخنا المختار بالطين وبالصخر

    فمأدبة بلا خبز وزيجات بلا مهر

    ويوم غرقت في النهر وأختي ولولت تجرى

    وصاح الناس من هول وماج الجمع في ذعر

    وأنقذني من الموت فتى قد هاله أمري


    أكلنا لحم تمساح وذقنا أرنب البر

    وعيشا قد عرفناه حثالات من البر

    نجهز ذبحة الضان لعيد الفطر والنحر

    فنشبع فيهما لحما ونعطي البعض للغير


    أنا ظمآن يا قلبي إلى صاي إلى عبري

    إلى عنزاتي الصغرى إلى ليلاتي الغر

    أقضيها بلا قيد مع الأطفال والبدر

    سذاجات وأخيلة تظللها يد الطهر

    نشاوى مثل أسماك تعوم برائق النهر

    حنيني جارف عات برغم المسلك الوعر

    تراثي كيف أنساه وقد أودعته عبري


    ********


    رحم الله شاعرنا جيلي الذي مضى وهو يمني النفس بالعودة إلى قريته ويغني :

    وإنا سنرجع يا صاي يوما نعمر أكواخنا والدروب

    ***************
                  

01-16-2011, 07:58 PM

احمد الامين احمد
<aاحمد الامين احمد
تاريخ التسجيل: 08-06-2006
مجموع المشاركات: 4782

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    تحية للمزيد من الإحالات:
    1- دراسة عن شعر جيلى عبدالرحمن كتبها الشاعر محمد عبدالحى ومنشورة بمجلة كلية الاداب -جامعة الخرطوم...
    2- مقال عن جيلى عبدالرحمن كتبه الدكتور عبدالسلام نور الدين.
    3- قصيدة فى رثاء جيلى عبدالرحمن كتب شاعر واكاديمى عراقى عمل مع جيلى فترة بجامعة جزائرية والقصيدة منشورة فى ديوان لهذا الشاعر وهو مقيم بلندن ويعمل بالملحقية الثقافية السعودية هناك...
    4- كتاب " جيلى عبدالرحمن شاعر الوقت فى سياق أخر-- مجموعة مقالات ودراسات - تحرير الشاعر إلياس فتح الرحمن صدر عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة فى التسعينات ...
                  

01-16-2011, 08:06 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: احمد الامين احمد)

                  

01-16-2011, 08:20 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    الصديق العزيز دكتور عبدالقادر الرفاعي
    تحية طيبة

    زمن لم نتهاتف .... أتمني أن تكون بخير وصحة .....
    سعدت جدا بهذه الطلة .... في رحاب الشاعر المتوهج بالأحزان والأمل (جيلي عبدالرحمن)

    * حتما سنكون من المتابعين لهذا الخيط الهام.
                  

01-16-2011, 08:21 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    sudansudansudansudansudansudansudan18.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    بقلم: الحسن هاشم

    في الوقت الذي يحتفل فيه الحزب الشيوعي بميلاده في السادس عشر من أغسطس من عام 1946م، لا ينسى ذكرى رحيل الشاعر جيلي عبد الرحمن الذي رحل عام 1990م في أغسطس فيه بمصر، لا في وطنه الذي أحبَّه وأنشد فيه أروع قصائده منذ أن كان شاباً يافعاً عام 1953م، حين نظم قصيدته عن مدينته التي رأى فيها النور (عبري). ولد شاعرنا الراحل بجزيرة صاي بمنطقة عبري عام 1931م، ورحل لمصر وعمره تسع مع والدته حيث كان يعمل والده، ودرس هناك وتخرج من الازهر الشريف. للراحل ديوانين هما (قصائد من السودان) الذي طبع بالقاهرة عام 1956م بالإشتراك مع صديقه الشاعر تاج السر الحسن، ثم ديوان (الجواد والسيف المكسور) الذي يقول فيه:

    ماعاد فاسك المعلَّق فوق صهوات الجياد

    وكأنَّه تلٌّ من النيران تركض في الوهاد

    مستصرخاً تاجوج ياقمريتي

    فتردد الأصداء جوج

    والارض كانت في هجير الجدب تسهد بالمروج

    وسيوفهم كالصخر غطته الثلوج

    قام راحلنا بترجمة الكثير عن الادب الروسي وله دراسة عن الاديب السوداني الراحل الطيب صالح، حيث كان جيلي ناقداً بارعاً أيضاً. وغنى جيلي بهموم القارة الافريقية وشبَّه مأساة إنسانها بمأساة ضحايا هيروشيما، حين قال:

    هيروشيما على صدر أفريقيا

    قد لاحت أضواء المرفأ

    لم يبق سوى بعض صخور

    سيق الأطفال الى سجن أورندي

    رقصت نار في أكواخ الزاندي

    يا أفريقيا..

    وغنى جيلي غارسيا لوركا الاسباني وذكرى إستشهاده على يد الجلاد فرانكو، كما غنى للأمل والمستقبل، وغنى لبيئته الاولى في (قصائد من السودان):

    وساقية مرتجة تجرجرها قوى الثور

    وتجثم خلفها الأخرى وتشكو قسوة الهجر

    أجل قد ماتت الأبقار والمحصول لا يغري

    ونجري نحن أغراراً ونلقى الطوب في البئر

    ونبني كوخنا المختار بالطين وبالصخر

    فمأدبة بلا خبز وزيجات بلا مهر

    حمل راحلنا السودان في كل المرافيء التي حط فيها فيها من روسيا شمالاً واليمن جنوباً والجزائر غرباً ومصر وسطاً، وكل هذه الدول وغيرها لم تنسه يوم أقعده المرض بمستشفى (ناصر للكلى) بمصر، ويومها رفع جيلي وسادته وأخرج عشرات الخطابات والشيكات قائلاً لي: “يا إبني أنا في هذه اللحظة أبحث عن وطني وعن شعبي الذي قدمت بإسمه ما قدمت لكل الشعوب” وكان خطابه لرئيس الوزراء بواسطة إتحاد الكتاب السودانيين عام 1987م، تقريباً.

    جريدة الميدان
                  

01-17-2011, 08:07 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)


    جيلي والإتحاد السوفييتي

    بقلم الدكتور: عبد القادر الرفاعي


    sudansudansudansudansudan41.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    حينما كان جيلي يقترب من عامه الثامن والخمسين، كان يمشى بخطى حثيثة نحو الرحيل الأبدي.. وحين أسلم الروح كانت الأنظمة الاشتراكية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. سقط جدار برلين وتبدلت الأحوال في تشيكوسلوفاكيا وتوالت الانهيارات حتى بلغت الاتحاد السوفييتي. وبرحيله أضحى كل شيء (ثنائية وفاة جيلي ونهاية المعسكر الأشتراكى)، ومنذ زمن بعيد مجرد ذكرى تنتمي إلى عالم مضى، ومجرد رمز لعالم كان من الواضح أنه يقترب إلى يوم رحيله وأنه على وشك أن يولي الأدبار، ربما إلى حين يطول أو قد يقصر. ومهما كان الأمر فإن جيلي لم يتوقع-حسب علمي- أن نتائج سياسات إعادة البناء (البيروسترويكا ) والشفافية (قلاسنوست) سوف تودي بمعسكر الاشتراكية والسلام والتقدم الاجتماعي.. جيلي عبد الرحمن الذي في الأصل من أسرة بسيطة، اشتهر عدد كبير منها بالهجرة شمالاً إلى مصر، كان من الطبيعي له - حيث تفتح على الوعي الاجتماعي في زمن كانت تسوده شتى أنواع النضال- أن ينتمي إلى معسكر الاشتراكية.

    لم يتخل جيلي منذ ذلك الحين عن مبادئه وتأييد التجربة الاشتراكية، وخاصة في الاتحاد السوفييتي الذي لم يكن يوجد فيه فقير واحد أو جائع أو مشرد أو أمي.. البلد الذي ارتاد الفضاء وتمددت أفكاره إلى آفاق بعيدة، حتى وأن كانت عيوب التطبيق والانتهاكات، مما دفعه لاتخاذ مواقف ناقدة ورافضة لضيق نطاق الحرية الشخصية والفساد وتخلف الصناعة الخفيفة وتدني عائد الناتج القومي للمواطنين الذين يصنعون، وذهاب القسم الأكبر لسباق التسلح وحماية أنظمة معادية لشعوبها تسترت بشعارات الاشتراكية والعدالة.. ومن ذلك موقفه الناقد لتدخل حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا عام 1968، وكذلك رفضه التدخل العسكري في أفغانستان عام 1979 فضلاً عن حماسه لفتح النوافذ للتلاقح مع أفكارا لشيوعية الأوروبية.

    لقد كان من العسير على جيلي عبد الرحمن أن يقف موقفاً معادياً للاتحاد السوفييتي الذي ارتبط به دائماً، وأمن له الدراسة والمأوى وكثيراً من الجوانب الروحية والمعرفة والثقافة حين اضطر للعيش فيه بعد نيل السودان لاستقلاله في الوقت الذي سدت أمامه بوابات وطنه بسبب الانقلابات العسكرية المتعاقبة، مما زاد من بقائه خارج السودان قرابة ثلاثة عقود. والحقيقة أن ما يشاع عن نبوءة جيلي بتلاشي الاتحاد السوفييتي ليس صحيحاً، فقد وضع جيلي كل آملة في أن تسفر سياسات إعادة البناء والشفافية إلى تدعيم الاشتراكية – اشتراكية منقاة مما شاب التطبيق (Purified Socialism )؛ وحين تمكن منه الداء ودنت منيته كانت الأمور في المعسكر الاشتراكي قد وصلت إلى نهايتها.. تحديداً مع رحيل جيلي عبد الرحمن. ومن هنا رمز جيلي بذلك، معبراً عن حماس شبابه ونضالات حياته وشعره ثم رحيله أخيراً عن المصير الذي عاشته الاشتراكية في القرن العشرين.
                  

01-17-2011, 11:03 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    يهتز الشارع يا لوركا
    شعر: جيلي عبد الرحمن


    federico_garcia_lorcasudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر لوركا



    اليوم رمادي أجرد

    فالسحب تنيخ على أفق مدينتنا والمغرب مربد

    ماذا تلد الهرة سوداء الأبوين سوى هر أسود؟

    فاحمل يا (سيزيف) الصخرة

    دارت ساقية الحزن المرة

    هذي مئذنة ترمق نهر النيل

    يكسوها ظل الشمس الغارب

    ذكرى تنبشها ؟ لاشيء على جسر الماضي الشاحب

    لا جدوى ! أبواق تعوي حمحمة الخيل !

    يا صوت الأرض الريفية

    كيف ركضت .. صهلت على هذا السيل؟

    الشارع يهتز كأن خطاه الوتر المشدود

    لوركا يا كبدي .. ماذا قلت عن الأيام السود؟

    افتح عينيك ولا تسرح .. كدت تبعثر حلوى عرق اليوم

    أنى لا أقصد .. عفوا لوركا عفوا !

    يهتز الشارع مثل دمائك في غرناطة

    والأوتار تشد نياطه !

    كم غنيت الحرية والموت

    فالحرية تلد الفرحة للناس

    والموت رقاد لا نمة فيه ولا صوت

    ما أعمق هذا الإحساس

    إن لاح جناز قد هرول في صمت للقبر

    وارتاع الناس على الإفريز بكوا من غير دموع

    فليرحمه الله

    ثم انسابوا في موجات النهر

    ماذا تصنع يا لوركاي؟

    هل بحت أصوات الناي؟

    والتفت أحراش خريف مسنون النظرة كالموت

    لا نمة فيه ولا صوت

    قالتها عارية الصدر

    في لفظ مرتعد كالطفل المعروق

    ياعيني كان عريسا

    ما انطفأت شمعات العرس المشنوق

    مازال المخدع رفاف العطر

    فليرحمه الله

    صوت في الضجة تاه

    طق طق طق .. طوق

    خيل مذياع بوق

    هبني يا لوركا الشعر

    ملحمة مثل عروس الدم

    تنضو عن هذا الهم

    ترميني في أودية أخرى

    ماذا أبصر؟ مئذنة غرقى في نهر الليل

    أعلى ما في قريتنا مئذنة المسجد

    جدي كان ينادي فيها الفجر

    تصحو الديكة إن أذن يصحو الطير؟

    فليرحمه الله

    جدي جمجمة ملقاة فى جوف القبر

    ما احتفلت مركبة الفجر بها لما خلتها ملقاة

    وامتص الدود العينين

    حتى شعر اللحية .. حتى الرسغين !

    والموت رقاد لا نمة فيه ولا صوت

    لوركا يا من أعجزت الموت

    جدي فلاح من حلفا

    لم ينهر يوما ضيفا

    يهوى الأرض يضمدها بالعينين إذا أغفى

    لما مات انتحبت قريته بللت التربة صيفا

    كانوا ألفا ..

    حتى شتلات النخل انتحبت والشاطىء يالوركا أصغى ..

    يقتات الكسرة ما اشتاقت رئتاه التبغا

    روحي مثل شجيرة حناء

    جامدة من غير دماء

    ماذا تجدي أشعار الخنساء؟

    ماذا تجدي يالوركاي؟

    يهتز الشارع مازال أصما

    الأعمى يقتاد الاعمى

    وامراة هلكى تتصابى

    هل تحيي الأصباغ شبابا ؟

    يا اصحابى أني موثق

    مدوا أيديكم قولوا كيف الحال ؟!

    هذا شيخ يجثو فوق عصاه

    فى لحيته .. حتى الشارب .. ياالله !

    فى مشيته جدي .. ياجدي

    ماذا يا ولدي؟

    عانق أحزاني وامسح خوفي

    لاتربت بالكفين على كتفي

    هذا لا يكفي

    - لا قوة إلا بالله -

    لوركا يا من أعجزت الموت

    أني أعجز عن كلمة

    لما ساقوك إلى الأجمة

    كان سكوتك أبقى ماقلت

    هب لى شيئا يا لوركاي ..

    يمشي فى أوصال الناي

    يهتف أن أحيا ..

    من كتاب جيلى عبد الرحمن .. شاعر الوقت فى سياق آخر
                  

01-17-2011, 07:04 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    Quote: كان جيلي شاهداً على عصرنا مما جعله نموذجاً للبطل الذي يعي قسوة الحياة وفسادها مثل إدراكه لبهائها وجمالها وآمالها العراض. وفى هذا كان شأنه شأن الشعراء والأدباء عامة في عصره، إذ كان الشاعر الذي يعيش الصدمة ويحياها..صدمة فجيعته في أهله ووطنه الذي تصور أو أوحت له أفكاره بذلك بأن الأبرياء والمناضلين الذين تاقوا لحياة تليق بالإنسان قد واجهوا العسف والتعذيب والعزلة. هكذا كان جيلي عبد الرحمن سباقاً في النبوءة والمعرفة والصمود في زمن لا تكفيه حكمة الشعر ولا صمود الشاعر.



    التحيه والاجلاال للاجيال التى حملت الرايه
    وحافظت عليها مرفوعه وسط كل الظروف والازمان
    التحيه لك دكتور عبد القادر
                  

01-17-2011, 10:42 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    كان الإحساس بالغربة يملأ كيانه وهو أهم أسباب إبداعه الشعري
    لم أتأثر بقراءة الشعر كما تأثرت بقراءة جيلي لشعره

    د: فاروق محمد إبراهيم

    DSC01099sudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    د. فاروق محمد إبراهيم


    التقيت جيلي أول مرة في أواخر السبعينيات في عدن حينما جاء ليعمل بها أستاذا للأدب العربي في الجامعة.
    كنت سبقته إليها ببضع سنوات عملت خلالها مديرا لأحد المشاريع الزراعية فيها.. تصادف أن جاء معي إلى عدن في نفس الوقت الصديق تاج السر الحسن.
    التحق جيلي بنفس الوظيفة التي كان يشغلها تاج السر الذي عاد إلى السودان ليشغل وظيفة في وزارة التربية بالخرطوم.

    وصلتني من جيلي رسالة رقيقة قبل مجيئه إلى عدن أرسلها لي أخي سليمان محمد إبراهيم الذي كان وقتها يدرس الإخراج السينمائي بموسكو ابلغني جيلي عن عزمه المجيء إلى عدن والعمل بجامعتها. كانت تربطه بسليمان علاقة حميمة ودودة .وكان سليمان يكن له تقديرا ومحبة عظيمة .

    كان أبرز الشعراء الشباب التقدميين في سودان الخمسينيات صلاح أحمد إبراهيم وشيبون .كانا صنوين لجيلي وتاج السر ورفيقيهما في مصر.

    ولما كنت في بعثة دراسية في بريطانيا منذ منتصف الخمسينيات فانه لم تتوفر لي فرصة التعرف على جيلي ،(الذي كان في سني) ولا على شعره ،كانت أول معرفة لي بشعر جيلي عن طريق صديق صحفي – إذاعي صومالي كان يراسل هيئة الإذاعة البريطانية . خفيف الظل واسع الثقافة والاطلاع .اسمه عبد السلام .كان يعمل ويعيش في لندن .من عبد السلام عرفت عن تلك المقالة الشهيرة بعنوان "أربعة شعراء شبان سود ينتزعون لواء الشعر العربي"، التي لم تتوفر لي فرصة قراءتها في حينها .كان المرحوم عبد السلام يقول لي مداعبا إن هؤلاء الشباب سود لكنهم ليسوا سودانيين .

    وكان ممكناً أن يكونوا صوماليين ثم يواصل ضاحكا :الفيتوري ليبي ، تشادي ،جيلي ومحي الدين فارس وتاج السر نوبيون ، مصريون. ومن عبد السلام تحصلت على نسخة من "قصائد من السودان" لأول مرة.
    خلت عند لقائي الأول بجيلي في عدن مع جمهرة من المستقبلين ،وبعد أمسيتنا الأولى مع رهط من الأصدقاء، أن معرفتي به لن تتجاوز المجاملات السطحية أبدا. خلفيتانا كانتا مختلفتين تماما . أهله ظلت هجرتهم التقليدية من الجزيرة صاي إلى مصر شمالا، وأهلي هاجرو قبل أكثر من ثلاثمائة عام من الجزيرة مكن القريبة من صاي إلى توتي والجريف وبرى وشمبات والعيلفون جنوبا .جيلي تلقى تعليما دينيا تقليديا أزهريا في مصر، وانأ تلقيت إفرنجيا غردونيا في السودان .جيلي ولى وجهه شرقا للتخصص في الآداب في معهد جوركي بموسكو وانأ وليت وجهي غربا للتخصص في العلوم بالكلية الامبريالية في لندن . توهمت فيه ظلما بعض سلبيات مدرسي اللغة العربية والدين الأزهريين والدرعميين في المدارس الثانوية السودانية.. تلك السلبيات التي ربما لم تكن تحيزا مبينا في تعليمنا الفردوي وثقافتنا المنشطرة ..وبدت لي في حديثه مسحة من الصلابة النمطية الشيوعية التي لم تكن لي أبدا. ومضى أكثر من عام لم نلتق فيه إلا لماما .
    لكن كل ذلك الجليد ذاب في لحظة حينما توفر أن سهرنا سويا يوما وتجاذبنا الحديث. إن جيلي الحيي يخفي – تواضعا – قدرا مهولا من الرقة والعذوبة والمشاعر الإنسانية النبيلة الصادقة خلف ذلك القناع الاصطناعي الزائف من الصلابة النمطية الشيوعية..

    ولا يمكن لاشى قدر من الجليد مهما تراكم إلا أن يذوب حينما يلقى جيلي شعره بنفسه. الكثيرون يجيدون إلقاء الشعر وشعرهم على وجه الخصوص، وأميزهم الفيتوري، لكنني لم أتأثر قط بإلقاء شعري كما تأثرت بإلقاء جيلي لشعره ، صادق وعميق ، جهوري ونافذ .

    كأنه كان يستوحي شعره ويلقيه أول مرة. وكأن ذلك الإلقاء كان الإلقاء الأخير في حياته . وكأنك تستمع إلى أم كلثوم تغنى الإطلال وهذه ليلتي لك وحدك.. كان رائعا في إلقائه لعبري ، وشجرة اللالوب ، وذكريات عن عزيزة وصوتها ولأطفال حارة الربيع ، والعريس وطحالب القاع ورثاء محمد المهدي المجذوب ، ولوركا والجواد والسيف المكسور.. لكنه فاق حد الروعة وهو يلقى قصيدة العائد وعلى غير عادته حكى لي ظرفها.فقد هرع إلى الاتحاد السوفيتي عقب الثورة آلاف الثوريين الرومانسيين من جون ريد الأمريكي صاحب عشرة أيام هزت العالم (وقد أنقذه التيفوس من مصير ذلك العائد)، إلى غيره من الأمريكان البيض والسود ، والأوربيين والآسيويين وغيرهم ممن تخلوا عن جنسياتهم ووهبوا أنفسهم لوطن الاشتراكية واتخذوا من المواطنة السوفيتية هوية لهم ، وبين هؤلاء صديق من أصدقائه المصريين كان يعمل في إذاعة موسكو، لفقت له اتهامات أيام الهوس الستاليني، فقضى شطرا من حياته في القولاق وسمح له بزيارة مصر على أيام عبد الناصر كمواطن سوفيتي ، لكن طلبه باسترداد جنسيته المصرية والبقاء في مصر رفض .. وجده جيلي ميتا في شقته المغلقة في احد ليالي شتاء موسكو، انقضى عليه يومان ولم يدر به احد.. أسبل جيلي عينيه وأسجى جسده، وقبل جبهته، وغطاه واستوحى وهو أمام الجسد المسجى قصيدته العائد:

    على التلال لا تلوحوا .
    العائد الأشلاء في دروبكم يصوح .
    وظله على الرمال غائر مقيح .
    وخطوه مرنح
    على التلال لا تلوحوا
    الصمت قد ينهار حين يبدو الشبح
    جسوا معي أنقاضه ،وطوقوا أساه
    من مات يا أحبتي عليه رحمة الإله
    عزاؤنا المكتوب في الجباه
    ونظرة كسيرة في غربة الحياة
    وعودة أسيانة لم يحتضنها الفرح
    بيوتكم تطل ...تستفيق
    خياله النحيل في سباتها العميق.
    كالشط في رؤى الغريق
    ترى تزال تذكر الشقوق ؟
    خطواته الخضراء يصحو من شجاها البلح
    وثلة العيال في المياه صائد وسابح
    لا تصمتوا على التلال
    مسمرين كالظلال
    الصمت قد حملته أيامي الطوال
    من مات يا أحبتي عليه رحمة الإله .
    العائد الأشلاء في رؤاه حفنة الحياة
    جدرانها الكئيبة الإحداق
    تطأطئ الأعناق
    كأن الغداة ضج .. لاطم، ونائح
    على التلال لا تلوحوا
    أطفالكم تشيخ والنخيل عن طريقه... حتى الكلاب تنبح
    يا عائد الحبيب وارتمى
    سحابة تجمدت على السما
    كأن جسرا بينا تحطما
    كأن شوقا مظلما
    ما كان يا أحبتي ... ما كان قد تسمما
    ياليته ما همهما
    في عودة مصعوقة الأشواق مثلما
    يود ذلك الشقي في البعيد ينزح

    يتبع ..

                  

01-17-2011, 10:48 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    DSC01099sudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    لو أن بلدا غير السودان لا يشعر السوداني فيه بالغربة أبدا فهو اليمن وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في أيامها على وجه الخصوص.. ولو أنني لاحظت على جيلي في أخريات عام 1981 إحساسا شديدا بالاغتراب، فلربما كان ذلك الإحساس جزءا من كيانه ووجوده، وأحد أهم أسباب إبداعه الشعري ومع أنني لست من جنس الشعراء ولم يكن لدى ما اشتكى منه باليمن ألا انحنى كنت أحس وقتها إحساسا مماثلا باغتراب ألجأني إلى ديواني جيلي أعب من إشعارهما وأحفظ منهما عن ظهر قلب ...كانا بلسما شافيا بدد شعوري بالاغتراب تماما..

    احتفينا في الجالية السودانية بتكريم جيلي في الاحتفال بعيد الاستقلال في مطلع عام 1982م. وقد صادف الاحتفاء هوى في نفوس الجميع . ألقيت قصيدة عبري من الذاكرة.. قرأ مبارك حسن الخليفة عددا كبيرا من قصائده.. كان الاحتفال مشهودا، وقامت إذاعة عدن بتسجيله وإذاعته.. ترك ذلك أثرا كبيرا في نفس جيلي.

    احتفلنا بجيلي في نفس المساء احتفالا خاصا حضره عدد من أصدقائه السودانيين واليمنيين.. كان الاحتفال في منتجع (الشاليهات ) في جزيرة كان أسمها (جزيرة العبيد) قبل الثورة صارت بعدها (جزيرة العمال).. انتهزت الفرصة مستعرضا فألقيت عدة قصائد من الذاكرة منها "شاطئ الذكريات" و"شجرة اللالوب" و"هجرة من الجزيرة صاي ".

    قاطعني جيلي حينما وصلت إلى نهاية الهجرة المأساوية من صاي إلى القاهرة بأبيات لم تكن مثبتة في ديوان " قصائد من السودان" ولا في مختارات شعره الأخرى كمختارات على المك جاء فيها :

    وقالوا جاء النوبي ضعوا بيده مكنسة

    روى جيلي أن صلاح سالم ،وزير شؤون السودان حينئذ أمر بحذف هذه الأبيات ضمن القصيدة في احتفال بالنادي النوبي بالقاهرة سنة 1953م، لأنها كانت تعكس واقعا (يسئ) إلى العلاقة المصرية السودانية في عام اتفاقية القاهرة والاستفتاء المزمع حول وحدة وادي النيل في السودان .

    اشتد المرض على جيلي – القلب والسكر والكلى والنقرس.. قضى وقتا طويلا بالمستشفى العسكري ،أولته الحكومة اليمنية والجالية السودانية وزملاؤه من كل الجنسيات اهتماما كبيرا يليق بشخصه. لكن جيلي لم يكن يكترث كثيرا بالمرض ولم يكن يحفل كثيرا بنصائح الأطباء والأصدقاء فيما يخص الشخصي...

    غير انه أكثر من الرثائيات في أخريات أيامه ، ثم غادرنا إلى الجزائر ليعاود العمل بجامعتها لأن مناخها كان يناسبه أكثر، واحتفى الجميع بوداعه، والتقيت به في الخرطوم مرارا بعد الانتفاضة في ابريل سنة 1985، حينما عدنا جمعيا إلى السودان. كان يتوق إلى الاستقرار والعمل بالسودان ، في جامعة الخرطوم أو أي موقع آخر تؤهله له ثقافته وخبرته ومكانته .. كان مجرد وجوده في السودان كسبا ومفخرة للسودان والسودانيين.. لكن حالته الصحية المتأخرة لم تمهله الوقت الكافي.

    ترى هل كان جيلي يطيق البقاء في الخرطوم لو سمحت له حالته الصحية بذلك؟ لو واتت حالة البلاد السياسية ؟ بالطبع لم يكن صديقي الأديب الصومالي عبد السلام إلا هازلا في حديثه عن هوية أولئك الشعراء. ومع أن جيلي كان يتوق إلى الاستقرار في وطنه السودان، لكنه كان أيضا من تلك الطيور المهاجرة التي لا يقر لها قرار إلا في الترحال بحثا عن هوية إنسانية أرحب وأوسع أهله لها إنتاجه الشعري.. وكذلك كان الفيتوري ... وربما كان ذلك هو ما عناه صديقي المرحوم عبد السلام الذي كان يحس في قرارة نفسه بانتمائه إليهم وانتمائهم إليه.
                  

01-18-2011, 03:19 AM

sharnobi
<asharnobi
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    الصديق الجميل
    الرفاعى
    عليك
    بخير
    واحمد
    وعزة

    لا اجد مساحة فى ما تكتب
    بينى وبينك
    مساحة خضراء
    وبعض من مزن

    لك وحشة قدر تلك التى تهيم حول الترهل
    من من حول ضخامة اسمك
    وجسدك
    المرتع لكل العذابات
    والصمود
    لك ايها الجميل
    بعض من التحايا العجلى
    فى هذا الزمن
    الذى لا تجد فيه اوارق الخريف
    التساقط بمهل
    على الرمال المتحركةبتهافت
    لتبتلع المساحات الخضراء
    من هذا العمر
    الكئيب عنوانا
    ومعنى

    الحديث عن جيلى ابن جتتى
    النوبى
    الثائر

    حديث ذا شجون

    وحين جيلى
    كان خليل فرح
    سابقا
    ومحمد صالح ابراهيم
    ثم
    فاروق كدودة

    وصديقك اللدود
    محمد وردى
    وقصص
    خرافية
    عن علاقات انسانية لها حفر عميق فى الذاكرة


    وللك فى لحظة التمدد القسرى فى المساحات الضيقة
    بعض كم ذكريات جميلة
    فى دروب النضال الشاق

    صديقك
    ص ش
                  

01-18-2011, 07:24 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: sharnobi)


    جيلي عبد الرحمن : انطباعات من لقاءات عجلى
    جيلي يعني عندي المثال الحي لارتباط الإبداع مع أحلام الفقراء

    بقلم: د.كامل إبراهيم حسن


    gili_abd_alrahmansudan1sudansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    لا ادعي بلني كنت لصيقا أو أني عرفت شاعرنا الكبير معرفة شخصية تؤهلني أن أتحدث عنه بعمق .. فانا لم أقابله أكثر من أربع أو خمس مرات .. وكلها لقاءات جماعية لم تتح لي فرصة للحديث فيها مع د.جيلي حديثاً انفراديا شخصيا .. وآخر مرة تسامرت فيها مع جيلي كانت بمنزل استأذنا محمد سعيد القدال وكان ذلك وكان ذلك قبيل سفره الأخير لذلك فان ما سأكتبه لا يزيد عن كونه انطباعات؛ كما أني لن أتحدث عن شعره فهنالك من سيقوم بذلك أفضل مني – إلا لماما.
    أول مرة اسمع فيها عن الشاعر كان عن طريق ديوانه مع الدكتور تاج السر الحسن (قصائد من السودان) وكان قصيدته (عبري) قصيدتي المفضلة لان أهلنا من محس السكوت كانوا دائما ما يذكرون المدينة يوصفها علامة تعريف لمكان سكنهم .. موطن أجدادي الذين لم أرهم ولم أزر منطقتهم في حياتي رغم ذلك فلمدينة (غبري) مكان رومانسي في وجداني وكأنها بعني بالنسبة لي الارتباط بالجذور ..ربما لأننا العائلة المحسية الوحيدة بالشوال مما ولد لدي شعورا بشبه الاغتراب ووجدتها في القصيدة مرجعا كأني أقول عن طريقها للآخرين هذه هي مدينتنا وهذا هو شاعرنا وانحنا ما مقطوعين من شجرة".
    جيلي يعني عندي المثال الحي الذي يجب أن يحتذيه كل من يؤمن بضرورة ارتباط الإبداع مع أحلام الفقراء وهو عندي يشخص سواد الشعب ويعكس ما يعانيه .. صراع دائم مع المرض والفقر ولا يكف عن الترحال بحثا عن مكان يأويه دون أن يهد ذلك من عزيمة لا تنال منها المصاعب ورغم أن: "الحب يتيم الأبوين يخر صريعا في وطني" لم ينقص ذلك من حبه للسودان لذلك نمجد جيلي بدا التجوال وفي صحبته شيئان فقط الأول حب الفقراء من أهله حب يسبر له غور وشوق لا تزيد الأيام جذوته إلا ضراما.
    أمطار الدنيا لا تطفئ في قلبي نار الشوق.. والشيء الثاني حقيبة فقيرة المتاع مليئة بالأحلام

    حقيبتي يا صاحبي

    فقيرة المتاع

    ردائي القديم

    رتقت خيوطه .. أصابع الضياع

    قرأت أن جيلي نام ليلة مع صديق له كانت ليلة باردة ولكن صديقه احضر له بطانية سميكة فنام شاعرنا غرير العين علم في الصباح اليوم التالي أن والدة صديقه هي صاحبة البطانية .. ولما رأت هزاله وضعف جسمه آثرنه علي نفسها .. ولم يستحمل قلبه الرقيق ذلك العطف أن تنام سيدة عجوز ليلة واحدة دون غطاء كاف فأجهش القلب الكبير بالبكاء، وكأني بلسان حاله يقول : وا خيبتاه .. أهذا هو نضالي من اجل الفقراء أن اسرق غطاء سيدة عجوز في ليلة بردها قارس يعض العظام.
    حساسية الرجل المفرطة تحسها كثيرا في شعره . وفي بعض المرات – يخيل لنا – أن شاعرنا يساوره شعور بذنب لم يغترفه وحتى عمق مأساة بلاده يتحمل وزرها الأكبر .. فلو قاوم أكثر وناضل أكثر لما استمر القبح معشعشا. وهو لا يعطي من يحب شيئا له قيمة، وكل ما قام به لم يستطع أن يوفر قطعة خبز.

    أنا ها هنا في عودتي الظمأى

    علي غبش النهار

    بيتي سرير فارغ قنديله زيت يضاء

    عريان ها أنا ذا سيف يطيش ولا حراب

    لا شيء في داري سوي قلب وقافية

    كتاب

    حمي النهار وحلم معتوهين

    في الأرض الخراب

    ماتوا، وعشنا عبر أسوار النهار

    نجتر أوهاما بلا جدوى

    سقطنا في الدمار

    وأنا أعود كفارس يجتاز عتمات المضيق

    لا كسرة في الدار

    لا قلب يحن ولا صديق

    لو أستطيع أن استلف وصف الشاعر للحزن بالجمال عندما أقول : كلما رأيت جيلي رأيت فيه حزنا جميلاً.. أهو يا ترى نتيجة مأساة شعبه – الذي أحبه – والتي تزداد فوهة جرحها اتساعا مع كر الأيام؟ .. أم أن شعلة الأمل في مستقبل تزغرد فيه أفراح الشعب شمعة الفجر عند نهاية النفق . وأصبح الحال:

    مأدبة بلا خبز

    وزيجات بلا مهر

    أنها كل هذه الأشياء مجتمعة.

    حدثني د.محمد محجوب عثمان –شفاه الله – قبل حوالي أسبوعين ، أن جيلي استضاف بعض الشخصيات المصرية والسودانية بشقته في موسكو .. وكان من بين الحضور الأديب المصري الكبير عبد الرحمن ألخميسي.. رن جرس التلفون وكانت المحادثة من السفارة المصرية يطلب المتحدث من الأستاذ ألخميسي الحضور للسفارة حالا لاستلام مبلغ من المال .. ذهب ألخميسي وعندما عاد رفض جيلي ان يفتح له الباب رغم مناداة الآخر : افتح يا جيلي .. يا جيلي افتح .. فكان رد جيلي : عد لمجالسة سجان رفاقي .. فلا مكان لك عندي.
    قال د.محمد – عندما قلت له إن انطباعي عن جيلي أنه من النوع الذي – لولا التشهد – لكانت لاؤه نعم .. رد علي : إلا إذا شعر تلك النعم ستكون علي حساب مبادئه ... عندها يكون اعنف من الإعصار.. وقعت علي ما ذكر..

    موقف آخر – هو الآخر علي لسان د.محمد أن صديقا لجيلي تعامل مع نظام نميري علي أيام مجازر ما بعد يوليو 1971 ؟.. زار الصديق الاتحاد السوفيتي وأراد مقابلة جيلي .. رفض جيلي وقال أنا لا أستطيع أن اغفر بهذه السرعة فالجرح ما زال دامياً ... الصديق رجع إلى السودان.. وما هي إلا شهور وتوفاه الأجل المحتوم.. فبكاه جيلي بدمع سخي .. بكاه كما لم يبك أحدا قبله وهو يردد: لو كنت اعلم انه سيموت بهذه السرعة لقابلته .. ويتساءل : في نفس الوقت .. لو كان يعرف وقت موته لما لطخ كل تاريخه في لحظات الأخيرة.
    قلت في نفسي يبدو أن الرجل الشيء وضده.. ربما باطنه غير ظاهره.. ذلك الهدوء يخفي ثورة لها ضرام، وتلك المشاعر التي يعكس بعضها الحزن - وربما اليأس- تنسكب من عزيمة تفتت الصخر ولا تفت عزمها النكبات.

    وأخيرا نتساءل: هل عجل سقوط المعسكر الاشتراكي بنهاية الشاعر وهو يري تلك القلعة التي كنا نظنها منيعة لن يعتريها الوهن – تنهار أمام عينيه كقصور من رمال ؟ وقد وقفت كثيراً أمام كلمات جيلي:
    ماتوا .. وعشنا عبر أسوار النهار
    نجتر أوهاما بلا جدوى
    سقطنا في الدمار..

    إن علماء السبيرنتكا يقسمون العالم إلى ثلاثة نظم رئيسية .. نظام بسيط رد فعله علي الحدث واحد ومعروف مقدما .. ونظام معقد يثير فيه الحدث ردود فعل عديدة ولكن يمكن التبوء بها وحصرها .. أما النظام المعقد جدا فهو ذلك الذي لا يمكن التكهن بنوعيته أو عدده، وقد يثير نفس الحدث ردود أفعال متباينة.. بل وحتى متناقضة. والمثال الحي لمثل هذا النظام هو الإنسان .. فالحدث نفسه قد يقود أشخاصا مختلفين أو نفس الشخص تحت ظروف مختلفة إلى ردود فعل تعبر عن نفسها في صور لا جامع بينها .. فهل يمكن اعتبار جيلي تجسيدا شاعريا لذلك النظام ؟ لست ادري.
                  

01-18-2011, 07:20 AM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    تحية واحترام وتقدير لدكتور عبد القادر .....في زمن ضنين بالوفاء ياتينا منكم ما يعيد الصورة لسيرتها الاولي موشاة بمعان صاغها جيلي وجيله الذي ظل يعانق الافق والشموس الجديدة...

    يكفي فقط ان تنتقل اعيننا وعقولنا الي يراعكم الاسفيري في عمل رائع لقامة من قامات بلادناظل ينحت في صخرة الحزن والامل ايضا...

    مساهماتكم الادبيةقادرة علي اتحافنا بالاضاءات البهية في ازهي صور البيان والتبيين ان جاز التعبير ...

    الانحنءة لجهد وافر لشخوص سامقة كشخصكم الكريم

    (عدل بواسطة محمد الكامل عبد الحليم on 01-18-2011, 09:49 AM)

                  

01-18-2011, 10:18 AM

عبدالأله زمراوي
<aعبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
[center]Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: محمد الكامل عبد الحليم)

    شكرا الدكتور عبد القادر الرفاعي فقد عهدنا فيك أقصى درجات الوفاء لأصدقائك، وهاانت تؤرخ
    الآن لصديقك الشاعر الكبير جيلي عبد الرحمن الذي كان رقما مهما في عالم الشعر العربي رغم نوبيته.

    ألتقيتُ بالمرحوم جيلي عبد الرحمن مرة واحدة بمنزل الأستاذ محمد وردي بالكلاكلة وكان ذلك اليوم يوما مشهودا بالنسبة لي حيث كانت الدهشة والفرحة والسرور تغمر جوانحي من لقاء هذا الهرم الكبير...

    رحل شاعرنا سريعا متوهجا أحزانه وأماله الكبرى بعد أن خلَّد أسمه في سفر الخالدين بأشعاره
    الباذخة....

    وقد أحببتُ جل قصائده خاصة قصيدته في الشهيد عبدالخالق محجوب.

    1
    رؤيَّة
    وأراكم عبر هامات الليالى
    والمهانات، المسافات الطوال
    تنحتون الجدر الحدباء ... فى صمت الظلال
    صرختى أزَّت على الجير... شيوعى، شيوعى
    وأنا أعلم دجل العمق، وعمق الدجل
    كلمات نيئات فى الخوان الثمل
    وضمير السادة النقاد،
    ألوان المونيكير... الربيعى
    لا رتوش الآن، فالحرف مقاصل
    - سيداتى، سادتى
    يبصق الجلاد فى وجه المقاتل
    شاهدى الزور، وأشباه الرجال
    قد نسيت الهمس، والإيحاء
    أشكال الفواصل
    فلتنوحوا فى المواخير... على الفن الرفيع

    2
    المنحنى
    ايه يا طلق المحيا... والحجى
    ها أنا أرسف فى قاع السلاسل
    والأفاعى مثل أنياب الدجى
    تنفث السم على وجه السنابل
    هل مضى الصيف؟ وقد لقنته
    قصة الموت الذى قام يقاتل!
    وخريف العمر... يصفر على
    همهمات الريح... فى الحور الذوابل
    عاود الروح أساها، أطبقت
    فى جدار الصمت، آلام المفاصل
    ايه هل عدت الينا... كالسنى
    حين أرعبت أراجيح المقاصل
    الجماهير اشرأبت والقنا
    يستبيها الصوت والميدان حافل
    - يا صياح الخير كم أوحشتنا!
    يا مساء الخير تشجيك المنازل

    * * *

    لم يعد للنبع غير المنحنى
    أرهف القلب على نبض المناجل
    ما المنايا؟ انها أقدارنا
    وامتداد البحر... أحضان السواحل
    لا ألوم الدمع إن هامت به
    وحشة النخل، وأحلام البلابل
    لا ألوم الليل، والنجم هوى
    يعتلى الفجر، المتاريس، الجنادل
    أيها الشاعر ضوأت المشاعل
    فانبثق ثأراً وصخراً، وجداول


    3
    من الطارق؟
    عبدالخالق!
    يا أيادى الله... قالوا ضعت من غير سرادق
    أين أطفوا زهرة الليمون
    والعطر حدائق؟
    نصبوا للشمس أعواد المشانق!
    - يا حبيبى -
    تدلف الفرحة من سجن الشرانق
    ورأيت القتلة
    مثل فئران الخنادق
    وهدير المقصلة
    مثل أفراح البيارق
    كانت الخرطوم شعراً..
    يشعل الليل حرائق
                  

01-18-2011, 10:56 AM

هواري نمر
<aهواري نمر
تاريخ التسجيل: 04-29-2009
مجموع المشاركات: 1833

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: [center]Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبدالأله زمراوي)

    Quote: قرأت أن جيلي نام ليلة مع صديق له كانت ليلة باردة ولكن صديقه احضر له بطانية سميكة فنام شاعرنا غرير العين علم في الصباح اليوم التالي أن والدة صديقه هي صاحبة البطانية .. ولما رأت هزاله وضعف جسمه آثرنه علي نفسها .. ولم يستحمل قلبه الرقيق ذلك العطف أن تنام سيدة عجوز ليلة واحدة دون غطاء كاف فأجهش القلب الكبير بالبكاء، وكأني بلسان حاله يقول : وا خيبتاه .. أهذا هو نضالي من اجل الفقراء أن اسرق غطاء سيدة عجوز في ليلة بردها قارس يعض العظام.
    حساسية الرجل المفرطة تحسها كثيرا في شعره . وفي بعض المرات – يخيل لنا – أن شاعرنا يساوره شعور بذنب لم يغترفه وحتى عمق مأساة بلاده يتحمل وزرها الأكبر .. فلو قاوم أكثر وناضل أكثر لما استمر القبح معشعشا. وهو لا يعطي من يحب شيئا له قيمة، وكل ما قام به لم يستطع أن يوفر قطعة خبز


    إنسان ...إنسان جميل و مرهف الإحساس.



    _
    متــــــــــابعة عن قرب.
    فوق حتي يقرأ الناس أجمعين

    عاطر تحياتي وإحترامي
    أستاذنا الرفاعي.
                  

01-18-2011, 10:41 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: محمد الكامل عبد الحليم)

    احن إليك يا جيلي !
    هذه مساهمة متواضعة جدا لملف الراحل المقيم الأستاذ الشاعر العبقري جيلي عبد الرحمن الذي أتحفنا يوما برائعته:
    (احن إليك يا عبري حنيناً ماج في صدري)
    وقالوا إنها عبقرية المكان وقال علي المك: بل دلالة المكان.. ولكن أقول إنها عبقرية جيلي عبد الرحمن.

    **********


    احن إليك يا جيلي

    شعر: محمد تاج السر

    sudansudansudansudansudan41sudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    د. جيلي عبد الرحمن

    ****
    احن إليك يا جيلي

    حنينا ماج في عقلي

    فما جيلي وجيلك يا

    حبيب الروح

    غير الصدق في

    القول

    فلا آسيا ولا إفريقيا

    العذراء

    صارت مثلما كنا نود

    وكان (تاج السر)

    يهتف في دجى

    الليل

    ولا الخرطوم وأمدرمان مددتا

    ظلال الأنس للإنسان والنيل

    وما زرعت بنات العز

    زهر الشوق

    والآتي

    ولا القسمات في وجه الشباب

    الحر مدت ناظريها
    نحو الشمس

    غد كريم الأصل

    والذات

    ولا السلطان ساق

    العدل

    والتحنان للفقراء

    في كرم العشيات

    ولا جرح المريض

    الصابر

    المنهوك لاقى

    جرعة تشفي

    غليل القلب في طول الجراحات

    احن إليك يا جيلي

    حنين الماء للنيل

    (أبو ذكري)

    تداهمه

    الوفاة بقرب سهول

    سيبريا

    وقد يبكي عليك النيل والشعراء

    في وطن تخدره الحكومات

    وفي شعب حبيب لم يزل

    يرنو تؤرقه العذابات

    وتسحقه الصراعات

    تؤلمه النزاعات

    وللحرية الحمراء مهر صار اغلى

    كلما مرت ليالي الشعر والشعراء

    في صبر وفي مهل

    احن إليك يا جيلي

    وأرنو نحو هذا النخل

    ذي العظمات والنبل

    ونحو الشمس والنيل

    فأين يسوقنا الترحال

    والتسآل والذكرى ؟

    أنحو سحابة هطالة

    التسكاب؟

    أم نحو عتمور تحرق

    في لظاها نشوة الترحاب؟

    فنرجع مرة أخرى

    نفتش عنك يا جيلي


    ********

    حاشية:
    *تاج السر الحسن شاعر (آسيا وإفريقيا) رائعة الكابلي.

    *عبد الرحمن أبو ذكري عبقري الشعر في الستينيات.. توفي بالاتحاد السوفيتي (سابقا) .. شقيق الشاعر الصديق الوفي عثمان عبد الرحيم
    .
                  

01-18-2011, 10:56 AM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    Quote: حاشية:
    *تاج السر الحسن شاعر (آسيا وإفريقيا) رائعة الكابلي.



    عندما أعزف ُ ياقلبي .. الأناشيد القديمة
    ويطل الفجر في قلبي .. علي أجنح غيمة
    سأغني .. آخر المقطع
    للأرض الحميمة
    للظلال الزُرق .. في
    غابات كينيا والملايو
    لرفاقي .. في البلاد الآسيوية
    للملايو .. ولباندونق الفتية
    لليالي الفرح الخضراء
    في الصين الجديدة
    والتي أعزف في قلبي لها
    ألف قصيدة
    ***
    يارفاقي ... صانعي المجد لشعبي
    ياشموساً .. ضؤها الأخضرُ قلبي
    وعلي باندونق ... تمتد سمائي
    وأنا في قلب أفريقيا ... فدائي
    والقنال الحر يجري... في دمائي
    وعلي وهران يمشي .. أصدقائي
                  

01-18-2011, 07:32 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)


    جيلي كما عرفته
    لم يخلص كما اخلص للشعر .. وكان ابنا حقيقيا لحواري القاهرة
    بقلم:عبد الرحمن الابنودي


    Abaqnoody.bmp Hosting at Sudaneseonline.com

    عبد الرحمن الأبنودي

    بعد أن انهينا دراستنا الثانوية إنا وأمل دنقل جئنا للقاهرة بدعوة من مركز الفنون الشعبية لنشارك في لقاء شعري دبره لنا الأستاذ توفيق حنا، وكان مدرساً للغة الفرنسية في قنا، وهي المحافظة التي تنتمي إليها قريتنا. ورأي توفيق في ذلك الحين ، وبذل توفيق حنا كل الجهد في لم شمل الأصدقاء والأحباب لسماعنا ، واذكر في تلك الليلة وقد تعرفت فيها إلى ثلاثة أصدقاء رحلوا عن دنيتنا جميعا وظلوا أصدقائي إلى آخر لحظة، هم عبد الفتاح الجمل وجيلي عبد الرحمن، وفاروق منيب. ومن المصادفة أن ثلاثتهم كانوا يعملون بجريدة المساء، وبعد أن انتهت تلك الأمسية الشعرية قرروا الاحتفال بنا. وتجمع حولنا جمهور من شباب الأدباء في ذلك الوقت، وأكلنا وشربنا – لنكتشف بعد ذلك أن مضيفنا كان الشاعر جيلي عبد الرحمن، والذي كان فقيراً جداً في ذلك الوقت، ولكنه اقسم أن لا يمد سعادته الخاصة، وفرحته الخاصة.

    ثم غادرنا أنا وأمل إلى قرانا مرة أخرى وعملنا بالمحاكم. ولم نعد إلا في أوائل عام 1962 م، وبحثت في كل القاهرة عن تلك الوجوه التي التقيناها عام 1958 – واكتشفت أن جميعهم في السجون والمعتقلات ، وان الكوليرا السياسية حصدتهم في أول ليلة من عام 1952 ، ولم يكن في القاهرة لحظتها سوي نفس الثلاثي جيلي والجمل ومنيب. ولما كنت قد جئت لأبقى بالقاهرة، فلم يكن لي من عائلة سواه كان يعيش كالجمل بريا لا تتنبأ بلحظات لغضبه أو لسروره، وكان مخيفا لنا جداً.. يحمل قلبه عذوبة أخيك الصغير، ولكنه يملك بطش الأب وصرامته، وهو من الأوائل الذين اعتنوا بجيل الستينيات واعتبروه ونشروا له.

    إما منيب فقد كان وجيلي يلعبان لعبه النخلة والظل؛ فلا تعرف أيهما الأصل وأيهما الصورة، عاشا متلازمين، ولم يفرق بينهما إلا المرض والسفر والموت. كانا يحملان نفس الصفات ويغترفان عواطفهما من بئر واحد.

    كان كل منهما يعطي الأمان للآخر من خوفه وإحساسه برعب الأيام أو قسوة الحكام، فقد غيبت السجون في ذلك الوقت كل أصدقائهما، فكانا يهيمان في شوارع المدينة يستمع كل منهما للآخر ويخلقان أنسا لم يكن يغنيهما عن الإحساس العميق بالرعب والوحدة في عالم المدينة الواسع، وقد كان جيلي من اكبر (المذعورين) الذين التقيت بهم في حياتي – وكان لخوفه وذعره نبل خاص، ورغم أن الفترة تلك كانت فترة اتهامات قاسية، إلا أن أحدا لم يعتبر ذلك الذعر وذلك الخوف قيمة إنسانية رائعة، قد كان جيلي كذلك.

    إن جيلي بطعمه يحمل قدرا عاليا من (الأمومة).. عاطفته العميقة تلك تلخص عواطف الأمهات السودانيات جميعهن.. ولا تحس معه انه السوداني، أو انك مصري، بل هو ابن عمك الذي يسكن حواري عابدين، وتنتقي أشعاره التي تتناثر في ثنايا أقوال كالطيور المذبوحة.

    وفي أشعاره لم تكن القضايا الوطنية بالمعنى المتعارف عليه، وإنمأ همسا ذاتيا رقيقا عميقا يقرب لك الأشياء البعيدة ويشركك معه في تنفسها.

    لم يكن شعره شعرا بالمعني الكلاسيكي للكلمة، وإنما كان شيئا ما في سلوكه، أو خلجات بدنه، كأنه يعرق ويمسح عرقه بمنديله، الرابض دائما في جيبه مفروداً.

    وبقدر ما قرأنا في ذلك الوقت عن لوممبا وجيفارا وكاسترو، وثورات أمريكا اللاتينية، والمد الثوري في العالم في تلك الأيام، إلا أننا لم نجد من مرت عليه كل هذه الإحداث كالنسائم الطيبة البسيطة التي كانت تتنفسها أشعار جيلي عبد الرحمن.

    كان حين يغني حواري عابدين نحس نحن المصريون الغربة في المدينة؛ فقد كان ابناً حقيقيا لحواري القاهرة دون ادعاء مواطنه أو تزلف غرباء.

    وبالرغم من أن القاهرة كانت تعج بالشعراء السودانيين في ذلك الوقت، إلا انه لم يحترف الغناء لأفريقيا أو غابات الكاكاو ، كما كنا نري في إشعار الآخرين، وكان صديقه تاج السر الحسن قد رحل الى موسكو في ذلك الوقت. كانت هنالك أصوات أخرى من الشعراء السودانيين، الفيتوري ومحي الدين فارس وحسن صبحي – وكان جيلي يخجل أن يلقي الشعر علي الناس.. كان فقط يهمس لنا به اواخر الليل. كان يبكي كثيرا أحبابه الذين ابتلعتهم السجون وكان معدنه الإنساني من النوع النادر.. تواضعه لا حد له وأدبه لا حد له وتوقه للمعرفة لا حد له.. وغربه جيلي لم تكن غربه سودانيين في القاهرة بقدر ما كانت غربة طفل في هذا الكون المرعب، وعلي العكس كنا نحس أننا الغرباء وأننا لسنا غرباء به في هذه المدينة المعقدة. ولم يكن ذلك إحساس أحسه وحدي، بل أن جيل الستينات في بدايته من قصاصين وشعراء وفنانين وتشكيليين ومؤرخين، هم جيمعا يدينون بالكثير لذلك الحضن الدافئ القادر دائما علي المطابقة بين عواطف الإنسان وعواطف الشاعر بنفس القدر.

    يتبع..
                  

01-18-2011, 08:06 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    جيلي كما عرفته (2)

    Abaqnoody1.bmp Hosting at Sudaneseonline.com

    بقلم:الشاعر عبد الرحمن الأبنودي

    وبالرغم من أن جيلي بنظره سطحية كان يبدو كائنا مذعورا، إلا انه في حقيقة الأمر كان محصناً من الداخل بذكائنا وحنكتنا الجنوبية والتي تجعله يلف قماشه علي تكوينه الخاص المحمل بملحوظته الحقيقية ووعيه الخاص، وبتكوين قد يبدو مستقلاً ومنفصلاً عن تكوين ذلك الرجل الذي كان يلقانا بوجهه في الجريدة أو الندوة أو الحانة. وكان إذا شرب قليلا ينفجر بالبكاء كطفل ضال في شوارع مدينة معقدة ولم نكن نملك إلا الصمت حتى تنتهي النوبة. ومن لم ير جيلي ينفجر بكاء في طقسه الليلي.. هذا البكاء الذي يستبعد وينفي من حوله ويرده إلى مواطنه الحقيقية في الوطن أو الوعي أو الشعر، فانه لا يكون قد عرف جيلي أو رآه وأظن إن لحظات البكاء هذه هي نفس اللحظات التي يستدعي فيها علي منابع شعره الإنساني العظيم، إذ كان سرعان ما يهدأ ويسترد قامته كنخلة أمالتها الريح ومضت عنها، فيعود له رونقه ووفاؤه وطفولته. أن ذلك الطفل الرائع بكل ما تحمله الكلمة بعيدا عن الابتذال الثقافي الذي افقدنا معناها، وهي اللحظات نفسها التي تستطيع أن تطلب منه فيها قراءة قصيدة، صيما والأداء الشعري عند جيلي نوع من النواح الممتزج بالوجود والدروشة، فهو يحكم إغلاق قبضته اليمني، ويدب علي المنضدة دبا لينا لا تكاد يده تصل إلى سطح المنضدة هادئة، بينما الشعر يكمل فعل القبضة، وان كان الصوت يحمل رقة، بل وضعفا، بقدر ما كان يضايقه، بقدر ما كان هو استكمالنا لملامح جيلي التي كان يخفي معظمها عنا.
    لا اعرف أيهما أكثر قوة في ذاكرته الإنسانية والعاطفية السودان أو حي (عابدين)؟ ففي تلك الفترة كان جيلي مصريا من عابدين، رمته المقادير للعيش في السودان أو كان مواطنا سودانيا ولد في عابدين وأحب حواريها وتمرغ قي ترابها وعشق فتيات شرفتها، وقد كانت منطقة عابدين في ذلك الوقت منطقة شبه سودانية ونوبية. وفي حالات نادرة كنا نحس بمصرية غرباء المثقفين في القاهرة، وكان علي رأس هؤلاء جيلي عبد الرحمن. وربما هو أول مثقف ومبدع سواني ألتقيه وأحبه وأعاشره وربما كان بوابتي الحقيقية للسودان الذي أحبه كثيرا.

    كان يكتب الشعر علي فترات.. أي يصمت طويلا ثم يكتب كثيرا، وكان وجهه يتعضن ويزدهر تبعا لذاك فيتألق جدا وتعود له صحته وشبابه حين تكون في جيبه قصيدة جديدة.

    وفي الفترات التي يصاب فيها بالجدب الشعري تراه مريضا كسيحا، شبه اعمي، متورما ثقيل البدن والروح، كهلا متشردا لا أهل له ولا وطن.. فهو رجل لم يخلص كما اخلص للقصيدة، ولم يعط حياته إلا للشعر.. وقد نسي الزمن ونسيه الزمن وهو يطارد قصائده حتى اكتشف في أخر العمر انه لم يتزوج، وانه لم يعتن بصحته كثيرا وانه عليه أن يختار إما الدنيا وإما الشعر.
    *********
                  

01-19-2011, 00:56 AM

Mubarak kunna
<aMubarak kunna
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 499

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    الاخ الدكتور

    عبد القادر الرفاعى

    متعك الله بالصحه و العافيه

    تحيه طيبه

    متابع وانت دائما جميل

    وسردك جميل كما عودتنا من ايام الرياض

    واحمل اليك زكريات جميله لن انساها ابدا

    وتحياتى الى ابو الروس


    اخوك

    مبارك كنه
                  

01-19-2011, 07:05 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Mubarak kunna)


    حين استدار الماء للينبوع
    الرجعى لمصادر الحضارة النوبية عند الشاعر جيلي عبد الرحمن

    بقلم: مصعب الصاوي


    مهاد نظري:
    تجتهد هذه المقاربة النقدية في الإمساك بجزئية محددة في المشروع لجيلي عبد الرحمن تمهيدا أوليا لاقتراح فرضية تتصاعد من الجزئي إلى الكلي. وهى تلخيص للحنين المتصل عند جيلي عبد الرحمن لنقطة الأصل – الوطن – بمعناه الجغرافي الكوني، والقرية برمزيتها الوجودية والاجتماعية كموطن للبراءة والنقاء والتوازن النفسي. والقرية عند جيلي، سواء أكانت صلي أو عبري، مشبعة بطاقة حضارية تتجاوز تاريخها الآني المؤقت إلى جذرها الحضاري الضارب في أغوار التاريخ. ومن ثم يمكننا افتراض أن مشروع جيلي الشعري هو محاولة مستميلة لهذه الرجعى بكل ما تحمله تبعاتها من معاناة ونفى واغتراب، فضلا عن الحاجز الموضوعي الذي فرضته متغيرات الأنظمة الأيديولوجية المتعاقبة، والتي وقف منها جيلي موقف النقيض. وبالتالي فهذه الاستمالة استمالة حركية فرضتها :

    الهجرة – اختيارا.
    المنفى – قسرا.
    نمو التجربة الوجودية وتشكلها خارج الوطن،الشيء الذي جعل جيلي يحاول باستمرار إثبات العكس.

    من ثم أسمينا هذه المحاولة المستميلة (استدارة الماء للينبوع)(1). تتخذ هذه المحاولة بعدا آخر وجوديا معرفيا عند شاعر آخر هو محمد المهدي مجذوب من اكبر الشعراء تأثيرا في جيلي. فإذا كان الحنين إلى دفء العشيرة والانتماء للقرية النوبية في شمال السودان هو هاجسه الشعري الأول، فإن الحنين المتصل إلى القرآنية عند محمد المهدي مجذوب هو ما يدفعه كشاعر للإحساس بعظم التناقض الوجودي بين البراءة والتجربة (2). وفق هذه المقترحات يمكننا أن نستقصى هذا الخيط السري في مشروع جيلي عبد الرحمن.

    القرية، المكان الذكرى والظلال:
    يتجلى الإحساس بالماضي عميقا وجذريا في ثنايا التجربة الشعورية عند جيلي عبد الرحمن.. هذا الإحساس الغامر بسطوة الماضي يستصحب معه دفق الزمن بمعناه التراكمي.. الزمان المستعاد في الفن وفق الرمز الموحى الرموز التشكيلية الحية كما يعبر استأذنا أحمد الطيب زين العابدين:

    أجدادنا الأموات

    أقدامهم مغروسة في الطين

    في ليلة مصدورة جياشة الأنين

    ويرفعون فى عقيرة المساء

    غناءهم والدمع والإرهاق (3)


    وتلمس في أجزاء أخرى من نص القصيدة توثيق الرموز في لحظة اقترانها بالحبيبة فكأنما هي لحظة يندمج فيها الذاتي الخاص بالموضوعي الخارجي العام أسوة لتجربة خليل فرح في رمزية عزة (4) يقول جيلي:

    وكنت يا حبيبتي تبكين من بعيد

    أغنية قديمة رنمها الجدود

    وصوتك الحنون موجتان تضحكان

    وتحملان عطر صخرة ملساء مثل الحوت

    في صدرها قد حفرت أسماء لا تموت

    كالنخيل ..كالبيوت (5)


    تلمس حضور الأجداد كرمز يمثل تجلى الماضي واستمراره كأثر بعيد الغور في رؤيا الشاعر للعالم. وهذا الحضور لأرواح الأسلاف والأجداد من العناصر المعرفية في صميم الحضارة النوبية القديمة، لاسيما المروية، وهو الذي يمثل الخاصية الإفريقية لهذه الحضارة؛ ففلسفة الزمن في الحضارة الإفريقية، والتي يجسدها تشكيليا (القناع) ، تقوم على حلول الماضي بروحه المسيطرة، مرتدا بشكل تعاقبي إلى الأحفاد. وقد عبر محمد عبد ألحى عن ذلك في العودة إلى سنار):

    الليلة يستقبل أهلي

    أرواح جدودي.. (6)

    لكن بالضرورة أن يتوسل الشاعر وسيطا حضاريا ينقل عبره تأثير الماضي على حاضره والوسيط التعبيري الذي اتخذه جيلي عبد الرحمن هو الشعر أو الغناء في أكثر من إشارة أوصل الأجداد رسائلهم غناء :

    ويرفعون في عقيرة المساء (7)

    غناءهم

    تبكين من بعيد (8)

    أغنية قديمة رنمها الجدود (9)

    وأنت يا قصيدتي تبكين

    أغنية مجروحة الأنغام (10)


    والوسيط الحضاري، والذي اتخذه محمد عبد الحي في العودة إلى سنار، هو الشعر أو العرفان الذي يفضى إلى المعرفة والوصول. ويتخذ عند عبد الحي عدة مدلولات: فهو طوراُ(اللغة الزرقاء) وهو رمز يلمع بين النخلة والأبنوس، وهو (صوتي.. لغتي.. غنائي) (11)الخ

    استخدم جيلي في ديوان (قصائد من السودان) الرموز التقليدية التي تعبر عن القرية: المكان والإنسان (النيل – النخيل – البيوت، الصخرة الملساء التي تقام عندها تقوس عاشوراء ). ولكن هذه الرموز والدلالات التقليدية تطورت في دواوينه اللاحقة، وربما حداثة التجربة الشعرية وتلقائية البدايات كانت إحدى تفسيرات استخدام الرمز التقليدي في الشعر. (صدر ديوان قصائد من السودان عام1956).

    إلا أن رموز الرجعى لنقطة الأصل تعقدت وصارت أكثف شاعرية في إصدارات جيلي عبد الرحمن الأخيرة، لاسيما (بوابات المدن الصفراء (12)

    قدر النوبي:

    نص هجرة إلى جنان الخير يمثل مرحلة النضج في ظني، وهى الرحلة الأكثر تطورا وتعقيدا في مستويات تطور الصورة الشعرية عند جيلي عبد الرحمن. كما تتوهج في هذا النص ظاهرة العودة إلى الأصل لتمثل محاولة الاتحاد الكلى بعنصري الزمان والمكان. ويتكثف البناء الدرامي لهذا النص لاستهلاله باختيار الملك تهراقا مطلعا لنص ومضاهاته بالتخيل المعادل الكوني للوجود الإنساني:

    كقامة النخيل تهراقا

    والصبر صمت الناقة

    إن معابد الصحارى النوب

    في جهنم تذوب

    قد أسبلت أجفانها

    وأشعلت أجفانها

    وروحها الغريب


    تتم في هذه الجزئية من النص عدة محاولات لاستدعاء الملك تهراقا، بما تحمل سيرة هذا الملك من دلالة اللقاء (بمصر). وترد إشارات حضارية للمعابد والمسلات والأعمدة، ثم يربط الشاعر بين هذه العناصر التاريخية الحضارية المشرقة وظلام الحاضر المطبق على ضمير الشاعر بالمأساة ليستبدل زمان الصحو بهول المنفى والمأساة:

    والصحو في العينين

    منذ البين

    منذ الفاقة

    من يا ترى

    إطفاءه أراقه؟

    وجرجر النوبى للبعيد قيده

    ومرمر التابوت حين مل لحده

    أهجرة؟

    وصخرة؟

    تتناول هذه المتجزئات قدر النوبي الهجرة – المنفى – الاغتراب المقترن بالقدر الشخصي لجيلي عبد الرحمن الشاعر الصادح بهذا المعنى وتبرز في هذا النص نفسه محاولة استنهاض الملك ترهاقا من جديد ليعلب في الحاضر دوره الذي أنجزه في الماضي:


    تهش يا ترهاقا

    للسيدالمهندالذواقة

    وهيأوا في السجن للغريب مقعدا

    لتستعيد مجدك المصفدا

    القرية النوبية (الحلم) غرقى في النيل:-
    من أقوى الإشارات الفكرية والحضارية عند جيلي مراثي قريته النوبية الحلم وهى غرقى في النيل. وقد بدأ هذا العنصر الشعري المأساوي يتكثف عند جيلي عبد الرحمن بعد اتفاقية السد العالي في عهد الفريق إبراهيم عبود والتهجير الكسرى الذي تم لأهالي وأدي حلفا. وإذا كانت (القصائد الأولى من السودان) تتحدث عن هجرة اختيارية أملاها البحث عن الرزق، فإن الصور الشعرية الأخيرة في مجموعة إصدارات جيلي عبدالرحمن جاءت تحمل ملمحا فكريا مقاوما. ولكن هذا الاحتجاج الجزئي على ضياع المكان الذي ولد وعاش فيه الشاعر طفولته وصباه ارتبط بضياع آخر يشمل الوطن كله. وتتوجه الإدانة عند جيلي للأنظمة الشمولية التي أوردت الوطن هذا المصير سيما عهدي إبراهيم عبود وجعفر نميرى.

    تطفو صور القرية وقد غمرتها المياه بشكل أقرب إلى الوسواس النفسي أو الهاجس المؤرق الذي يضغط على ضمير جيلي عبد الرحمن الشاعر وكأنما يحمل نفسه وزر هذا الضياع.. فلو كان حاضرا في قلب القرية ربما أن يفعل شيئا لإنقاذ المكان (الحلم) من الضياع:

    معابدا شيدتها تطوف في النهر

    غاصت لحى عشبية.. في وهدة القرار

    معفرون .. ضامرون

    قل من عبر


    في نص (بوابات المدن الصفراء ) ترد هذه الإشارة إلى غياب مئذنة مسجد حلفا العتيق في النهر والنخل غريقا كما عبر عن ذلك بروفيسور على المك نثرا (أريد أن أرسم مئذنة المسجد في حلفا بعيدة عن الماء غير غرقى في النيل ) (3).
    وفى تطابق يقترب من النبوءة الشعرية يورد جيلي هذا المقطع الشعري من نص (بوابات المدن الصفراء):

    إن لذت بجنح الصمت

    مئذنتي..أطرقت

    وقلت.. الموت

    تراه الموت؟

    غرقى أنتم مثل النخل.. الأحياء

    سوف أقول لأصحابي..شكرا

    وتعالوا في أمسية أخرى

    في أيديكم عشب الذكرى


    وترد نفس الإشارة لاختفاء المكان في نص المكان طير لشجرة ضائعة (14):

    أعمتك ثريات المنفى

    صحوة أنجمنا القدسية

    وحوافر قريتنا في الطين ضياعا وفروسية


    هامش:

    (1)الإشارة لمسمى قصيدة (حينما استدار الماء للينبوع) ديوان (بوابات المدن الصفراء).
    (2)انظر المجذوب (مقدمة ديوان الشرافة والهجرة ص9.
    (3)انظر- أحزان نوبية - ديوان (قصائد من السودان).
    (4)عزة في هواك - أغنية سودانية للشاعر المغني خليل فرح، يعتبرها المهتمون رمزا وطنيا للشعر المقاوم -قيلت إبان الحكم الثنائي الإنجليزي المصري.
    (5)النص نفسه – ديوان (قصائد من السودان).
    (6)راجع – (العودة إلى سنار.. محمد عبد الحي – إصدار دار النشر جامعة الخرطوم).
    (7)(8)(9)(10)(11) أحزان أغنية نوبية (قصائد من السودان).
    راجع (العودة إلى سنار.. محمد عبد الحي – النشر جامعة الخرطوم).
    (12) ديوان (بوابات المدن الصفراء).
    (13) انظر مجموعة على المك – (وهل أبصر أعمى المعرة).
    (14) ديوان (بوابات المدن الصفراء).

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 01-19-2011, 07:44 AM)

                  

01-19-2011, 12:28 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    محاولة لولوج عالم جيلي عبد الرحمن الروحاني
    بقلم :د.الصادق عوض بشير


    center>gili_abd_alrahmansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    كان يقبع داخل الشاعر جيلي عبد الرحمن (ملمح صوفي ) في الطور الجنيني يتشكل أحيانا ..وتصبح له قسمات وروحانيات واضحة فيقول :(يا أيها الصوفي ..في قلبي الصدفي)، وتختفي أحيانا أخرى وتصبح له ماديات ملموسة وروحانية لها طعم ولون وخصوصيات سودانية نحاول سبر غورها في هذه المساهمة؛ ولاغرو في ذلك الملمح الصوفي فالشاعر، كما نعلم درس في الأزهر في بدايات حياته بمصر، وحفظ القرآن الكريم، واطلع على أدبيات السنة النبوية الشريفة، وتأثر بكلمات ومعاني الاثنين معا في شعره، فاستعار منهما مفردات (كاليم، والمئذنة، وعصى موسى، والأفعى، والنار، والروح، والقرآن، وحي على الفلاح، ويا لله ..الخ ). وكان يقول عن نفسه انه سمي جيلي تيمنا بالعارف بالله والولي الصالح الشيخ عبد القادر الجيلاني المدفون ببغداد والذي أنشأ المتصوفة فيه القصيدة المعروفة بالسرَاي ..وقال أن أسرته ذات الجذور العربية انحدرت من الطرق، ربما مع طلائع الفتح العربي للسودان ..ذلك الفتح الذي قاده التجار والمتصوفة العرب، والذي اختلط بالأسر النوبية والعرق النوبي والأعراق والأسر الأخرى، فكان هذا الهجين الأفرو عربى الذي طبع سكان وادي النيل الأوسط بطابع خاص على ضفتي النيلين الأزرق والأبيض وعلى امتداد النهر العظيم بعد تلاحم الفرعين وتدفقهما كنيل واحد صوب مصر والبحر الأبيض المتوسط، شاقا طريقه عبر ديار النوبة العريقة مسقط رأس شاعرنا.

    رغم أن جيلي كان عضوا في الحزب الشيوعي السوداني إلا أن شيوعية السودانيين – في تقديري وتقدير الكثير من المراقبين – تختلف عن شيوعية غيرهم من العرب والأفارقة اختلافا كبيرا بينا من حيث طعمها ولونها ورائحتها وسلوكها وثوابتها وتجلياتها. وقد ضربت مثلا بصديق شيوعي مسلم ليس في شيوعيته شك كما ليس في إسلامه شك، واعتبرته في مقال مشهور نشرته في جريدة الأيام قبل عامين تحت عنوان (لماذا تريدون من الشيوعيين والمسيحيين أن يخسروا إسلامهم ؟) اعتبرته نموذجا يحتذى للسوداني الأصيل خلقا ووطنية وسلوكا . شيوعية جيلي لاشك فيها ولا صحة لما صرح به شقيقه بأنه كان متعاطفا مع الحزب الشيوعي. وقد ذكرت شقيقته بأنه تنبأ بانهيار النظام الشيوعي. فربما كانت هذه النبوءة صحيحة وقال بها فعلا بحكم أنها صادرة من فراسة الشاعر وبحكم ما شاب التجربة السوفيتية من أخطاء مميتة أودت بحياتها؛ فقد عاصرها جيلي عندما كان مغتربا وعاش في تلك البلاد لعدة سنوات. وجيلي كغيره من شيوعيي السودان تتجسد فيه تلك التجليات التي تحدثنا عنها. وتشم فيه من خلال شعره نفس الرائحة ذات العديد من الخصوصيات والمفردات السودانية البحتة المشبعة بقيم التسامح والمرونة والتمسك بأحسن ما في التراث والعادات والتقاليد، والتجاوب معها، والانصهار في بوتقتها.

    دعونا نقول شيئا عن التصوف الذي قلنا إن ملامحه الجنينية تقبع بداخل الشاعر .. نقول إن الكثير من الكتاب المحدثين قد حددوا التصوف نفسه – لا تزكية النفس وحسب – ب أنه الخلق الطيب. يقول أبو بكر الكتاني (المتوفى سنة 322هـ) إن التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء . ويقول أبو محمد الحريري (المتوفى سنة311ه) وقد سئل عن التصوف: إنه (الدخول في خلق سني والخروج من كل خلق دني)
    (راجع الرسالة القشيرية). ويقول أبو الحسن النوري معرفا التصوف بأنه (الحرية والكرم وترك التكلف والسخاء).

    ونذهب ابعد من ذلك فنقول إن كثيرا من الناس لا يكادون يفرقون بين التصوف والزهد، ويرون أن الزهد هو الطريق المؤدي إلى التصوف. ولكن الزهد ألوان كثيرة كما يقول الدكتور الصوفي عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق (راجع كتابه قضية التصوف – المدرسة الشاذلية) أشهره الزهد المنطقي الفلسفي الذي يرى صاحبه إن أسمي ما في الحياة هو (الهدوء والسكنية وراحة البال وطمأنينة النفس) ولا يتأتى ذلك بالجري وراء الدنيا والكفاح في سبيل الثراء والانغماس في الملذات وان تكالب الناس على الدنيا تكالبا شديدا وإلغاء الإنسان بنفسه في معركة التنازع الدنيا لا ينتج الانشغال بالقلق والبال والهم والنكد.

    وعلمت من صديق الشاعر الذي عاصره وعرفه عن قرب الدكتور عبد القادر الرفاعي أن جيلي (عليه رحمة الله)، ومن هذه المنطلقات والتعريفات الصوفية كان زاهد وداخلا في خلق سني وخارجا من كل خلق دني، وكان حرا ومن أنصار الحرية له ولغيره، وكان كريما تسير بسيرة كرمه الرهبان، وكان سخيا جوادا ينفق- وهو الفقير- على أهله وأصدقائه إنفاق من لا يخشى الفقر، تاركا للتكلف والرياء، وكان قلبه دائما معلقاً بالفقراء . وهذه لعمري من صفات الصوفي وتجلياته. لذلك قلنا كان تقبع بداخل جيلي ملامح صوفي في الطور الجنيني؛ ولم نكن بعيدين عن الحقيقة المجردة، أو هو على أقل تقدير متبعا في حياته وحله وترحاله، وفي علاقاته ومعاملاته وأخلاقياته (منهجا) صوفيا دون أن يكون هو صوفيا بالمعنى المتعارف للمصطلح.

    والكثير من رموز جيلي في شعره ومفرداته ذات طابع صوفي إسلامي. فعندما غرقت وادي حلفا القديمة وديار أهله النوبة في النيل من جراء السد العالي، قال متحسرا:

    ماذا أبصر؟ مئذنة غرقى في نهر النيل
    أعلى ما في قريتنا مئذنة المسجد

    ترد المئذنة كثيرا في شعره، وله قصيدة اسمها (الرحيل بين الرؤيا والمئذنة)،يتحدث فيها عن مئذنة الأزهر الذي حفظ فيه القرآن، وهي قصيدة مهداة إلى صديقه النوبي المصري الراحل عبد الحميد عبد النبي. أما تأثره بالتصوف فيتجلى بوضوح في اتجاهه للشيخ الجيلاني عندما يقول :

    النخل في وطني أغصانه ظمأى

    وحملت في بدني النيل ألفيا

    ناديت يا شيخنا الجيلي

    فانزاحت الصخرة


    أما في قصيدته (بوابات المدن الصفراء) في ديوانه الذي يحمل نفس اسم القصيدة يقول:

    إنا لله وإنا غرقى في اليم

    وفى ديوانه (الجواد والسيف والمكسور) تجده يستعمل (إنا لله) كثيرا، وكأنه يقول إنا لله وإنا إليه راجعون.. أما في رثائه للمرحوم عبد الخالق فيقول:

    لم يعد للنبع غير المنحنى

    أزهق القلب على نبض المناجل

    ما المنايا؟

    إنها أقدارنا

    وامتداد البحر أحضان السواحل

    من الطارق؟

    عبد الخالق

    يا أيادي الله

    قالوا ضعت من غير سرادق


    فنحن إذن مازلنا مع (إنا لله) ويا أيادي الله. وفى قصيدته (الموت يدهم حلم البرتقال) التي خاطب فيها ذلك (العربجي) المصري الذي دهس الترام عربته الكارو وحصانه فقتل الحصان وصاحبه، وكان جيلي شاهد عيان، فتخيل بعبقرية الشاعر أن ذلك الحوذي يحلم بالبرتقال فإذا بالموت يدهس ويقتل ذلك الحلم فقال :

    حي على الفلاح في قبرك القصي

    الإشارة والاستعارات الصوفية والروحية كثيرة لا تخطئها العين ومنها يقول:

    من أم درمان أتيت

    وملء قميصي شذى الأضرحة


    وما أكثر أضرحة أولياء الله الصالحين في أمدرمان (الشيخ قريب الله،الشيخ الفاتح، الإمام المهدي، برأبوالبتول،الشيخ دفع ، الشيخ احمد البدوي ، الصائم ديمة ،السيد المكي ...الخ)

    ومن جملة تأثره بمفردات القرآن قوله عندما رثى صديقه الحميم الشاعر المصري الراحل نجيب سرور قائلا:


    استغلقت المصحف

    على الأبقار الأجلاف تخور على المرعى

    تزدرد شعارات الموتى

    كعصى موسى والأفعى


    وعندي أن أروع ما قاله جيلي عندما رثى والده - وكان بوابا في قصر الملك فاروق بأنشاص، وكان كثير التدين قائلا:

    وبواب ندي الثوب

    تندى بالتباريح

    ومسبحة بلون الطمي

    كألوان التماسيح


    من سيتلو فوق رأس المبحر إلى تلاوة القرآن ؟ ولماذا يعتبر هذا المبحر أن آيات القرآن هي (الباقية)؟ حتى لو اعتبرناه ملحدا فهو هنا يتحسر على فقد والده الذي كان يقرأ على رأسه القرآن وكأنه يقول لقد احشني القرآن واشتقت إلى تلاوته لأنه الباقي بيننا إلى الأبد. فمن يقرأه على بعد رحيل أبى ؟ لا يوجد ملحدا – في اعتقادي – يتمنى هذا ويتطلع إليه. الم اقل لكم أن شيوعيي السودان هم من طينة مختلفة وان معظم من اعرفهم منهم، ولى بينهم صداقات عامرة بالود والاحترام المتبادل، يتحدثون عن حزبهم باعتزاز، ولا يتخلون عن تلبية ندائه، وفى نفس الوقت تجدهم يصلون ويصومون ويحجون ويبرون والديهم وأهلهم ويتزوجون على سنة الله ورسوله ويرفعون الفاتحة على موتاهم ويدفنونهم في مقابر المسلمين، ويربون أبناءهم تربية إسلامية نظيفة ويعلمونهم أروع ما في الإسلام من قيم. وتجدهم على خلق عظيم ولا تجد للإلحاد أي صدى في حياتهم الخاصة والعامة وربما تجد بينهم من يستهجن الفكرة وينكرها ويفر منها ..

    في رؤية متنامية شاهد فيها أبوه قال :

    كيف أشرقت علي

    وتراب القبر في اللحية

    عطر المسبحة

    وحقيق الأجنحة

    وأذان الفجر يصغى للصوت الجليل

    وعلى وجهك نور الفاتحة



    وعندما جاءت الذكرى الثانية لرحيل المرحوم عبد الخالق محجوب في يوليو 1972م قال عنه الشاعر:

    كيف تزهو في ذراع الثائر المهدي سيفا

    كان سيفا باتر الحد صقيلا


    وهذه إحدى روائع جيلي وهنا مرة أخرى يظهر المهدي ذلك الثائر السوداني الذي دخل حلبة النضال من باب التصوف وخرج منه من باب التصوف عندما رأى تكالب الأنصار على الدنيا بعد فتح الخرطوم فسأل الله أن يقبضه إليه وقد فعل .

    وتحضرني هنا بعض أبيات من الشعر لشاعر شيوعي سوداني آخر من نفس الطراز الذي تحدثت عنه هو الأستاذ كمال الجز ولي، والذي لكثرة كتاباته وتعمقه في قضايا الإسلام والمسلمين – يعده البعض كاتبا ومفكرا (إسلاميا ).. يقول الجزولي في الذكرى السابعة لرحيل الشاعر محمد المهدي المجذوب:

    والله يعلم أنني أبصرت في الفجر ارتحالك

    مثلما أبصرت أعناق الخيول الضامرة

    الله يا شيخ الرؤوس الحاسرة في حضرة الشعب

    ويا شيخ القلوب الواجفة من قدرة الشعب

    ويا شيخ الصفا والعاصفة


    والله يعلم حالهم وحالنا وحال شاعرنا جيلي عبد الرحمن عندما قال:

    الليل يسجى حولنا محرابه

    الشعر أنت روحه الصخابة

    الشعر عاد كالشلال للمصب

    تسخو رؤاه من عطايا الرب.


    ومن عطايا الرب إن منح سوداننا العزيز شاعرا فذا في قامة جيلي عبد الرحمن، ومن عطايا الرب أن بارك لنا في بلاد تكمن عظمتها في تنوعها، ويكمن في تنوعها وحدتها وتلاحمها؛ فهي اليوم مواجهة بمأزق أدخلنا في نفقة عصبة منا لم تحسن قراءة الواقع، فحكمتنا وأساءت إلينا فجعل الله كيدها في نحرها، وبقى عليها إن تفسح الساحة للأخيار.. فهل تصدق كلمات جيلي وتتدخل العناية الإلهية (ببركة) شيخه الجيل وتستجيب لإزاحة (الصخرة) من صدر بلانا المنهكة وننقذ أغصان النخل في بلدي من الغرق؟









                  

01-19-2011, 07:57 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    sudansudansudansudan54.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    Quote: والكثير من رموز جيلي في شعره ومفرداته ذات طابع صوفي إسلامي. فعندما غرقت وادي حلفا القديمة وديار أهله النوبة في النيل من جراء السد العالي، قال متحسرا:

    ماذا أبصر؟ مئذنة غرقى في نهر النيل
    أعلى ما في قريتنا مئذنة المسجد
                  

01-19-2011, 08:00 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    الأصدقاء الأعزاء:

    أحمد الأمين أحمد
    فيصل محمد خليل
    عاطف مكاوي
    صلاح شريف
    محمد الكامل عبد الحليم
    عبد الإله زمراوي
    هواري نمر
    مبارك كنة

    لكم جميعاً المحبة والإعزاز والتقدير على ما تفضلتم به من كلمات ودودة عن شخصي (الضعيف!) .. ولما عبرتم عنه من إعجاب وثناء على مبادرة التوثيق لشاعرنا المبدع المرهف، والإنسان الوطني المتجرد جيلي عبد الرحمن.

    كما أشكركم شكرا جزيلاً على الإسهامات والإضافات الثرية.. وبشكل خاص يوتيوب قصيدة عبري الذي زودنا به الأخ فيصل، والدراسات والمقالات والقصائد عن الشاعر جيلي التي أشار إليها الأخ أحمد الأمين ( والتي سوف أحرص على الحصول عليها وضمها إلى هذا الملف في مرحلة لاحقة).. والشكر الخاص موصول لمولانا الشاعر عبد الإله زمراوي على إثراء الملف بقصيدة جيلي عن الشهيد عبد الخالق محجوب.

    شكري وتقديري مجدداً

    عبد القادر
                  

01-19-2011, 08:50 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    Quote: لكم جميعاً المحبة والإعزاز والتقدير على ما تفضلتم به من كلمات ودودة عن شخصي (الضعيف!) ..


    عزيزنا الدكتور عبد القادر

    لا شكر على واجب وهذا اقل من القليل وانت تستحق الكثير والكثير
    بس شنو حكاية (الضعيف!) دى نجيب الصور ولا مافى داعى ها ها ها
                  

01-20-2011, 07:32 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    العزيز فيصل محمد خليل
    تحياتي

    بس شنو حكاية (الضعيف!) دى نجيب الصور ولا مافى داعى ها ها ها

    يبدو إنك غير مواكب وسوف تصلك صور حديثة!!

    عبد القادر

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 01-20-2011, 07:42 AM)
    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 01-20-2011, 10:17 AM)

                  

01-20-2011, 07:51 AM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)
                  

01-20-2011, 12:00 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Abdul Monim Khaleefa)

    666.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    فمأدبة بلا خبز

    تجرجرها قوى الثور
    وساقية مرنحة

    من الانهاك والسير
    تدلت اذنه تعبا

    ويعلن ذله الفقر
    تغيم بعينه الدنيا

    وتشكو قسوة الهجر
    وتجثم خلفها الأخرى

    والمحصول لا يغري
    اجل قد ماتت الابقار
                  

01-20-2011, 02:27 PM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    Quote: كان جيلي يخجل أن يلقي الشعر علي الناس.. كان فقط يهمس لنا به اواخر الليل. كان يبكي كثيرا أحبابه الذين ابتلعتهم السجون وكان معدنه الإنساني من النوع النادر.. تواضعه لا حد له وأدبه لا حد له وتوقه للمعرفة لا حد له.. وغربه جيلي لم تكن غربه سودانيين في القاهرة بقدر ما كانت غربة طفل في هذا الكون المرعب، وعلي العكس كنا نحس أننا الغرباء وأننا لسنا غرباء به في هذه المدينة المعقدة. ولم يكن ذلك إحساس أحسه وحدي، بل أن جيل الستينات في بدايته من قصاصين وشعراء وفنانين وتشكيليين ومؤرخين، هم جيمعا يدينون بالكثير لذلك الحضن الدافئ القادر دائما علي المطابقة بين عواطف الإنسان وعواطف الشاعر بنفس القدر.


    التقدير للشاعر النوبي الكبير عبد الرحمن الأبنودي على هذا الوفاء والإخلاص لصديقه الشاعر النوبي جيلي عبد الرحمن، والإعجاب بهذا الوصف المبدع وهذا الصدق وهذة الدقة في الحديث عن جيلي .. إنه الرسم بالكلمات.

    محبتي

    عبد المنعم خليفة
                  

01-21-2011, 12:38 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Abdul Monim Khaleefa)


    الجواد والسيف المكسور
    شعر: جيلي عبد الرحمن


    sudansudansudansudansudansudansudan18sudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    ما عاد يا تاجوج قد صدي الجراب

    والسيف اغمد من زمان، والرقاب

    فكت لثام العين جست قيدها. زيف القباب

    ما عاد يدعوها إلى عشق الحراب

    هدراً نموت على دماء الشمس، كالجرذان عفرها التراب !

    ما عاد فارسك المحلق فوق صهوات الجياد

    وكأنه تل من النيران تركض في الوهاد

    تاجوج يا قمريتي فتردد الأصداء.. تا .. جوج!

    والأرض كانت في هجير الجدب تسهد بالمروج

    وسيوفهم كالصخر غطته الثلوج

    أنا هاهنا في عودتي الظمأى علي غبش المساء

    بيتي سرير فارغ قنديله زيت يضاء

    عريان ها أنا ذا بلا سيف يطيش ولا حراب

    لاشيء في داري سوى قلب، وقافية، كتاب

    حمي النهار وحلم معتوهين في الأرض الخراب

    ماتوا وعشنا عبر أسوار النهار

    نجتر أوهاما بلا جدوى.. سقطنا في الدمار

    وأنا أعود كفارس يجتاز عتمات المضيق

    لا كسرة في الدار، لا قلب يحن ولا صديق!

    أحبيبتي عيناك سيفي حين تنشب مخلبيها في الدماء

    هذي الحياة تصب أقداح الكآبة في المساء

    وتصير لا معنى، ولا أفقا يثير

    أقبيلتي كانوا هنا أحباب كوكبنا الصغير

    درعي وقوسي فالشوارع واجمات كالقبور

    حتى أبي طحنته أضراس المدينة

    في عامه السبعين يشقى للقيمات المهينة

    عريان ها أنا ذا بلا سيف يطيش ولا فخار

    وقبيلتي عيناك موج فيهما يبكي الكنار

    إن كان ينصب في شوارعنا قتيل

    في عينه الخضراء يا عيني تناوحت الحقول

    ونحيب (دوبيت) يغني الهجر والأيام غول

    تاجوج أيامي فتانا الشوق يصحو في الأصيل

    أنهارنا زيت وأزميل، نعاسات، ذهول !

    من أين للحب المرجى أن يجئ

    وعلي العيون غمامة تبكي وأشواق تضيء

    وجوادنا المسكين يكبو فوق أشلاء النهار

    عريان ها أنا ذا بلا سيف يطيش ولا فخار

    وقبيلتي عيناك موج فيهما يبكي الكنار
    .
                  

01-21-2011, 12:55 PM

أحمد طراوه
<aأحمد طراوه
تاريخ التسجيل: 12-25-2006
مجموع المشاركات: 4206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    غربة طفل في هذا الكون المُرعب !

    كلام عجيب .. يا عبد القادر ! بتجيبوا الكلام الزي دا من وين ؟ في سودان المُعاناة و الالم و التوهان

    يعنى نواصل مشروع النضال الطويل لتحويل السودان ( حاضنة أطفال كبيرة)

    جاتني النسمات من علايل ابوروف بطيبكم سارية .. وجدت عيناي دموعن جارية .. انعش روحي .. و زيل الم البين

    ازيك يا عبد المنعم : شكرا على الأناشيد القديمة .. أتشفع لينا عند صحبك عبد القادر بالله في موضوع
    السينتاكس (قافية و اوزان) عند ابو صلاح

                  

01-21-2011, 09:31 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: أحمد طراوه)

    .
    جيلي عبد الرحمن: كالأشجار واقفاً
    أحببته شاعراً قبل أن اعرفه وإنسانا بعد أن عرفته

    بقلم:الأستاذة نجاة عثمان محمد سعيد


    gili_abd_alrahmansudan1sudan1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    جيلي عبد الرحمن

    عندما تتسرب نقطة الضوء الصادرة من الشمس، تحاول أن تمسكها بيدك فتنسرب وتطل من مكان آخر فتكتشف أن الأشجار تتحرك والأغصان تهديك من بينها دوائر ومثلثات ومربعات... كلها بلون الشمس.. كان كالأشجار .. واقفا مثلها .. وما يزال يشع بدفء الشمس ... ذلك الرجل الذي زين الحياء .. وانطق الصمت .. أحببته شاعرا قبل أن اعرفه.. وأحببته إنسانا بعد أن عرفته.. فهو كالنيل يجعلك تحس بالعطاء وبالفخر. كان قد سمعني اقرأ الشعر فسال إن كنت أرسم.. ثم أهداني الصديق محجوب شريف لحظات تواجد معه، مازلت أحسها أجمل لحظات حياتي كشاعرة.. وسأعود.. غير أني التقيته آخر مرة في اتحاد الكتاب ولم احظ بفرصة للجلوس معه فقد كان حوله الكثير من الأصدقاء.. ولم أكن اعلم أنها كانت دقائق ماسية قد هربت ونحن في هذا العالم تسعدنا تماما تلك المعرفة التي لم تأت من تجاربنا وواقعنا، بل من هذه العقول المبدعة المتفاعلة مع الإحداث بشكل يثير الإعجاب. لذلك أعود لتلك اللحظات التي تؤكد ما لدكتور جيلي عبد الرحمن من شخصية شديدة البريق والتميز بتواضعه الجم، استمع إلى تجاربي الشعرية وكان الموجودون يطالبون بسماع قصائده وهو يطلب مني المزيد .. ثم بعدها وجهني لقراءة القرآن وديوان بشار بن برد قائلا (إذا واظبت علي قراءة المصحف وقراءة بشار بن برد يمكن أن تصبحي أحسن شاعرة في الوطن العربي.. فتوهجت في تلك اللحظة وأحسست بأهمية أن تصبح مبدعاً واعياً جادا وكنت منذ تلك اللحظة قد أدركت تماماً ضخامة ذلك الرجل القمة.. وموسوعيته وضآلة ما اعرف .. وأنا افخر تماما بتلك المقابلة فالرجل يشبه شعره تماماً.

    >50335_160427287314924_4951_nsudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com[/center]

    محجوب شريف


    وكنت يا حبيبتي تبكين من بعيد

    أغنية قديمة ...

    رسمها الجدود

    وصوتك الحنون موجتان تضحكان

    وتحملان عطر صخرة ملساء مثل الحوت

    في صدرها قد حفرت أسماء لا تموت

    بسطاء طيبون كالنخيل كالبيوت

    فهل نحتاج لذلك التعقيد وتلك الكلمات المفتعلة التي يكتبها البعض هو يحمل ريشته ويرسم ونحن نري تلك اللوحات المبدعة تأخذ شكلها في المدى. ليس مجرد بعد وإنما ببعدها الثالث والرابع ... الخ؟

    وتسير في وسط الطريق ...

    زبالة متضرمة

    قروية تاهت دجاجتها .. وتبحث هائجة

    وتغوص في روث البهائم وهو ملقي في الظلم

    ويطير نجم في السماء .. ويختفي بين السدم

    ونري كلابا ضامرات .. وهي تعوي عندما تلقي لقم


    أتمني لو كنت وقتها قدر قرأت له ما كتبه للوممبا ولوركا ..فقد كانت معرفتي به وقتها لم تتعد بعض القصائد أشهرها (احن إليك يا عبري حنينا ماج في صدري واذكر عهدك البسام عهد الظل في عمري) .. ذلك السهل الممتنع من الشعر .. كنت أتمنى وقتها لو أنني قرأت له بعمق أكثر لأنني احمل الكثير من الأسئلة والتي ستظل بلا إجابات وأظل تملؤني الدهشة عندما اقرأ.

    وغدا تأتي إلينا حاملا سمنا وثوبا

    غرد الطل ونام سعيدا بالغناء

    في ظلام المعتقل

    وغراس الصمت كالقضبان تغتال المقل

    حب "جومو" يرقب النجم تواري في الجبل

    فرت الدمعة والحزن هطل

    ثم أقبلت لوممبا كعناقيد الأمل

    كفكف الحزن ونادي

    ابن أفريقيا البطل

    آه لوممبا البطل

    فكيف يكتب هذا الشعر وهو يحمل هذه الألحان الملحمية، مليئا بالإيقاع والموسيقى، واقعيا ً تضامنياً ملهما..

    center>600full-federico-garcia-lorcasudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    لوركا


    يا صوت الأرض الريفية

    كيف ركضت صهلت علي هذا السيل؟

    الشارع يهتز كأن خطاه الوتر المشدود

    لوركا يا كبدي .. ماذا قلت عن الأيام السود

    افتح عينيك ولا تسرح .. كدت تبعثر حلوى عرق اليوم

    يهتف حتى يقول:

    هب لي شيئاً يا لوركاي

    يمشي في أوصال الناي

    يهتف أن أحيا

    وكنت يا حبيبتي تبكين من بعيد

    أغنية قديمة ...

    رسمها الجدود

    وصوتك الحنون موجتان تضحكان

    وتحملان عطر صخرة ملساء مثل الحوت

    في صدرها قد حفرت أسماء لا تموت

    بسطاء طيبون كالنخيل كالبيوت

    وغدا تأتي إلينا حاملا سمنا وثوبا

    غرد الطل ونام سعيدا بالغناء

    في ظلام المعتقل

    وغراس الصمت كالقضبان تغتال المقل

    حب "جومو" يرقب النجم تواري في الجبل

    فرت الدمعة والحزن هطل

    ثم أقبلت لوممبا كعناقيد الأمل

    كفكف الحزن ونادي

    ابن إفريقيا البطل

    آه لوممبا البطل

    يا للقدرة المتمثلة في أن الشاعر يكتب كل شيء بقدرة .. ومقدرة .... ومثل ذلك أتساءل هل كان لهذا الشاعر آلام في علاقته بالآخرين وهو يحمل هذا القلب الرائع؟؟ وكيف تعرف علي سجل تفاصيل العالم وصاغها .. بحيويته وواقعيته أخيرا؟ لا أحب تصنيف المدارس .. ولكني أؤمن أن هناك من يكتب فتبدو الواقعية الشديدة في كتابته، أو يرسم فتبدو الانطباعية في لوحاته، لكن الاتجاه الواحد لا يخلق الإبداع .. لذلك إن كنت استحق تلك المعرفة لجيلي عبد الرحمن الشاعر والإنسان نسيجاً لعالم من الإبداع، متعدد الأدوات، متعدد المعاني ، متعدد المداخل وعميق جداً نرجو أن نقرأه ونستلهمه .. ونستحقه.
                  

01-21-2011, 10:01 PM

فيصل محمد خليل
<aفيصل محمد خليل
تاريخ التسجيل: 12-15-2005
مجموع المشاركات: 26041

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    sudansudansudansudansudan53.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    احن اليك يا عبري
    حنيناً ماج في صدري
                  

01-22-2011, 07:52 AM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    تحية يا فيصل....انظر كيف يتمدد في الارض الواسعة وتتمدد رؤاه عبر الظلال...من غابات كينيا الي الملايو قبل ان يدلف الي النيل هي ترقد الثورة رابضة في حضن جمال...

    وكيف يحتفي برفاقه صانعي المجد....


    اين نحن من الشموس الحديدة والرؤي الحديدة....كيف كنا وكيف نكون....


    جيل وجيله مهدوا الارض ولم نفلح في غرسها بعد...
                  

01-22-2011, 07:53 AM

محمد الكامل عبد الحليم
<aمحمد الكامل عبد الحليم
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 1968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: فيصل محمد خليل)

    تحية يا فيصل....انظر كيف يتمدد في الارض الواسعة وتتمدد رؤاه عبر الظلال...من غابات كينيا الي الملايو قبل ان يدلف الي النيل حيث ترقد الثورة رابضة في حضن جمال...

    وكيف يحتفي برفاقه صانعي المجد....


    اين نحن من الشموس الحديدة والرؤي الحديدة....كيف كنا وكيف نكون....


    جيلي وجيله مهدوا الارض ولم نفلح في غرسها بعد... لذلك نعزف الاناشيد القديمة ...لا نزال...

    (عدل بواسطة محمد الكامل عبد الحليم on 01-22-2011, 11:58 AM)

                  

01-22-2011, 11:26 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: محمد الكامل عبد الحليم)

    تجربة حياة جيلي فى جمهورية اليمن الديمقراطية
    بقلم: د. عبد القادر الرفاعي


    عندما حل جيلي عبد الرحمن في عدن بنهاية السبعينيات كانت الحياة الثقافية والسياسية في اليمن (المتطلع الي الأمام) في طور تململ وتمرد علي ما استوطنه من خمول وبطء حركة بسبب المستعمر وعقابيل التخلف؛ ولم ينتظر جيلي كثيراَ فانخرط بانفتاح عريض علي اليمن وأبنائه، وفيه راح يتعرف علي أناس كثيرين، رجالا ونساء وساسة ومثقفين.

    وعلى ما استقبلت عدن من فنانين ومثقفين وأدباء وكتاب وأساتذة جامعات وغيرهم من مختلف الجنسيات، إلا أن دور جيلي عبد الرحمن في الحياة الثقافية كان مميزاً عن دور كل الذين وفدوا اليه، بحكم القيمة النوعية لإسهاماته، ولكونه أصبح جزءا من نسيج اليمن الثقافي، ولإدراكه لتضامن اليمن الجنوبي حكومة وشعباً مع شعب السودان إبان الحقبة المايوية ... كان اليمن الجنوبي البيئة التي استلهم من خلالها جزءا كبيرا من مادته الإبداعية املاً ونقداً وشعراً.

    إنني أسجل بحزن شديد أن جيلي عبد الرحمن عرَفني في موسكو في فبراير 1980 علي أستاذ الفلسفة العراقي (كردي) الدكتور توفيق رشدي.. كان لقاء قصيراً تناولنا فيه العشاء بفندق أوكرانيا الواقع علي ضفاف نهر موسكو.. وافترقنا وسافرت إلى براغ.. بعد فترة اغتيل الدكتور توفيق رشدي بالرصاص.. سقط مضرجا بدمه أمام شقته في حي الشيخ عثمان في عدن وبأيدي مجموعة من مواطنيه... احتضنته زوجته الروسية وابنته ناتاشا واغتسلتا بدمه الذي سال بركة خضبت تراب ذلك المكان.. رثاه جيلي باكياً:

    (احزان ناتاشا)

    كان الخيار أن ثبات في الحلك

    معفر التراب والرصاص جملك

    ما أتعس الذي كبا ثم اختبى فقتلك

    أسجل بحزن ممض أننا غادرنا عدن (جيلي وشخصي) بعد جهد بذلناه للتوفيق بين المناضلين اليمنيين رفاق الدرب المصطرعين في الحزب الاشتراكي اليمني ... تركنا اليمن، إذ كانت في الجو نذر تبشر أهل اليمن بانفجار وشيك وصدقت توقعاتنا فكتب جيلي:

    حين استدار الماء للينبوع

    جنة الإلهام اني قد غسلت القدمين

    وتيممت تجاه البحر استجدي الرياح

    لا رذاذ اليوم في روحي وجدبي قد هطل

    أحتسيه مكره البسمة .. مجدور الأقاح

    فلماذا قد تهدمت كماض قد تناءي واكتهل

    إلي ان يقول:

    كنت لي يا لؤلؤ البحر شهاباً لا يطال

    احتسيه في سلال البوح والروح الشمال

    فلماذا قد تجعدت؟ وشاهدت سحتك

    واكفهرت محنتك

    ولهيب الشعر في العينين صل من رماح

    لقد تاهت حقا بعد المعركة الدامية في 13 يناير 1986م عصافير جيلي في الجبل، ريحه الأولي.. فذوب خبزه الأسود في زيف العسل سائلا الأيام عنها والاماني لا تتاح.

    لا استطيع الكتابة عن التجربة التي خاضها جيلي عبدالرحمن في الجزائر ويبقي جيلي كما عرفته، يعيش هموم جيله ومعاناته ويتشابك مع قضايا المجتمع الذي يعيش فيه ويكون اكثر التصاقا ويساهم في حل قضايا الناس ويؤدي الواجب انبل ما يكون اداؤه ... ويحافظ علي اعلي درجة من الاتزان والانسجام مع محيطه ودفع المنجز الادبي والشعري بفعاليته تجل عن النظير.. لكن ماذا اعطته الجزائر فليس بمقدوري – وقد غاب جيلي الان وراء الافق – ان اقول عن ذلك ما قلته عن حياته في جنوب اليمن.. ما اود ذكره ان محادثة جرت بيني وبين د. ابو العيد دودو والشاعر الجزائري عميد كلية الاداب بجامعة الجزائر وصديق جيلي وذلك بحضور كل من د.محمد حسين الاعرج (عراقي) و د.محمد الامين الصغير (لا اذكر من اين) وثلاثتهم اصدقاء جيلي) ان د.دودو قد اشار بحزن ان جيلي ينطفئ تدريجياً (petit a petit) وسألني متي تضع الحرب اوزارها ليعود جيلي الي السودان وكيف يستعيد السودان بهاءه ورونقه .. اعطاني عنوانه كذا نهج ديدوش مراد – الجزائر (نهج يعادل شارع او طريق) وبعدها تدهورت حالة جيلي وسافر الي القاهرة تاركا مكتبه واوراقه ومقالاته التي لا ادري اين هي الان .. سالته وهو في معهد ناصر لطب الكلي عن ذلك فاشار علي ان ابحث عن طالب سوداني اسمه بلدو كان يحضر درجة الماجستير في شعر التجاني يوسف بشير . ومن هنا اوجه نداء للاستاذ الباحث بلدو ان يظهر.. وكنا قد التقينا قبل ستة عشر عاما في ابي روف حاملا رسالة من جيلي وارجو ان يظهر ليسمع النداء.
                  

01-22-2011, 08:06 PM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    Quote: ويسرني أن أهدي قراء المنبر هذه الروابط لبعض ملفاتك السابقة

    الأصدقاء الأعزاء ..
    مواصلة للهدايا التي سبق أن قدمتها لكم من ملفات (سادن الثقافة السودانية وحارسها الأمين) د. الرفاعي أتحفكم بهذين الملفين من إعداده عن قمتين سامقتين من قمم الإبداع في بلادنا: بروفيسور علي المك و الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين.

    ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين


    img021ff1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    ملف الأديب الراحل البروفيسور علي المك
    images10sudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    محبتي

    عبد المنعم خليفة
                  

01-23-2011, 11:49 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Abdul Monim Khaleefa)



    جيلي .. أخي الحبيب

    بقلم: د. عبد القادر الرفاعي


    بكثير من السعادة اكتب عن جيلي عبد الرحمن..جيلي أخي الحبيب.. سألته كيف تشابهت رؤيته الأخيرة في حياة المناضل عبد الخالق محجوب؟ إذ كتب محجوب شريف في رثاء عبد الخالق محجوب:


    الفارس معلق

    ولا الموت معلق

    حيرنا البطل

    يا ناس الحصل

    طار بي حيلو حلق

    فج الموج وفات

    خلي الموت معلق

    بين أيدينا بات

    وسط الناس نزل

    بالحزب الشيوعي

    فرد جيلي علي الفور انه كتب أبياته بعد عام كامل من صدور قصيدته الشاعر محجوب شريف وان كلمات محجوب هي التي ألهمته الصورة والفكرة تقول أبيات جيلي:

    AKhaleg1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والمنايا؟

    حينما العمر ارتطم؟

    خضت بحر الموت نسرا

    يتهادى للقمم

    عم مساء أوغل الليل فنم

    لا تقولوا خطا الحزب

    وهاشم لم يساوم

    غير أن الغفلة الكبرى

    وأشياء... طلاسم

    لا تقولوا.. يستحي القول الجميل

    قطرة الدمع تقاوم

    قطرة الدمع تقاوم

    وانتظرناك علي الشوك المدمي

    مثلما يشتاق في الظلمات اعمي

    يا عريس الشهداء

    طفلنا المطعون يوليو في السماء

    زانك المجد وحب الفقراء

    وافتداك الشعب دوما


    بعد هذا زار أخي وصديقي د.عبد الله الطيب (زراعي) جيلي حيث يرقد قي معهد ناصر لطب الكلي فما تعرف عليه وحين علم انه عبد الله الطيب أزاح مجموعة من الأغطية فبدا هزيلا ونحيلاً وعانق عبد الله قائلا.. تعال أودعك.. فقد ذهب عبد القادر الرفاعي في العزلة... ذهب في صبره النبيل.

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 01-24-2011, 11:15 AM)

                  

01-25-2011, 04:49 AM

sharnobi
<asharnobi
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    up
    salah sharafeldin
                  

01-25-2011, 08:18 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: sharnobi)

    صفحة الآخر في هوس الشاعر أو الأذى الأكبر...!
    أ.د. فيصل إبراهيم المقدادي


    gili_abd_alrahmansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    حين التقيت الدكتور الجيلي عبد الرحمن (الشاعر السوداني) في عدن عام 1981م, لم أكن في حاجة إلى من يعرفني إليه أو من يقدم لي البراهين على حداثة شعره و تميزه الفكري وسمو حيويته بالعواطف و بتناغم قوة خياله. وقد يكون لقصيدته التي نشرها بصحيفة (الثورة) العراقية ببغداد عام 1977م عن وجع عربي خص الفلسطينيين أيام (تل الزعتر) الأثر البالغ في ذلك... لأنها تحدثت بنفسها كثيرا عن جزالة لغته و قوة مفردته الشعرية وما تشيعه على الفور من ارتياح و مرونة وتنوع في الحركات واكتناز صورها المشرقة بالمعاني - و مطلعها:

    شهروا بنادقهم علىَ

    تخندقوا بدم الطفولة

    آه يا دمشق...
    ... ...

    جاءت القصيدة منسجمة مع طبيعة إبداعات (جيلي) السابقة واللاحقة في مستوى تناغمها الداخلي الفني, بل الانسجام بين التناغم العام في شعره و الجمهور المتلقي بسبب المهارة في المزج المتنوع للمقاطع السهلة الممتلئة والرنانة البطيئة تارة والسريعة تارة أخرى. وإذا ما استثنينا الخوض في (عفة) جيلي و رفضه لـ (ديات ومكرمات) أثرياء السياسة و مضاربات (نوادي السفارات) في بيع و شراء ذمم المثقفين بعد ذلك...! وعلى الرغم من قلة ما كتب عنه إلا أن إشارة من الدكتور عز الدين إسماعيل في كتابه (الأدب وفنونه) كانت كافية لتأكيد تفرد (جيلي) الشاعر برؤاه في لغة الشعر (غير المحدودة) التي سجل فيها واختار وركب وكوَن مشهدا كاملا جميلا في عيوننا:

    كنا ندور

    كالنحل نخطو كالزهور

    على الحصير

    والراية السوداء تصبغ لحية الشيخ الوقور

    والله حي في الصدور

    الله نور فوق نور

    كنا ندور مرد لأصحاب النذور

    مرد على طول الدهور

    كنا ندور

    و عمامة خضراء ترقص.. والطبول

    ولد الرسول وأشرقت شمس القبول

    وتفح أصوات الكهول

    ... ... ... ... ... ...

    و زغردت بعض النساء

    ورف في القلب السرور*)


    إن اسم (جيلي) الشاعر مرهون ببناة الأدب الجديد أيضا منذ اجتماعه في (رابطة الأدب الحديث) و (نادى القصة) في الخمسينات من القرن الماضي بمصر مع محمد الفيتوري وتاج السر الحسن و غائب طعمة فرحان و عبد الوهاب البياتي و محي الدين إسماعيل (كما يذكر ذلك د. غالى شكري) فقد أصبح رمزا أدبيا و فكريا واسعا؛ عرف بتمرده على القوافي الفنية واهتمامه بجوهر الفكرة وعمق العاطفة والوضوح في الكلمات والمواقف والتراكيب الطبيعية وانسيابية التعابير, وقد تعذر على البعض تلمس (هوس الشاعر) من كل جهة...

    إن لقائي (كفنان مسرحي مغترب) بجيلي في عدن 1981-1982م في وقت يتسارع فيه دولاب التدهور، صار استهلالا للخوض في موضوعات (أكثر جدية) من الالتزام بمفهوم الثورية السياسية الذي كان شائعا، خاصة حين أصبح أصحابه مضحين بقواعدهم التي أربكت شلة من الجهال الأميين وشوشت بها أفكار التقدم. إن ممارسات كتلك قد أسهمت في الحط من قيمة المفاهيم السامية، لان (كوادرها) ما كانت تعتقد أنها تمارس أساليب الإرهاب العقائدي؛ وكانت تبدى صلافة مضحكة في تطبيقاتها الشاذة مع الأدباء والفنانين للحد الذي دعاهم لإفقار تلك المبادئ إلى مستوى اخذ فيه الفنانون يفتشون عن مثال جديد، ولم يجدوا في الأفكار القديمة ما يدعوهم للاقتناع بها أو الانتماء إليها. إن تلك الأحاديث قد طالت فضاء أدبيا فنيا واسعا وامتدت لمنتديات المثقفين والصحف والمجلات.. أسهم فيها: سعدي يوسف وفاضل الربيعي وعبد الكريم قاصد وزكى عمر وسمير عبد الباقي ود. صبيح الجابر ونزار فيصل وجعفر حسن وسلام عبود وآخرون, ونالت قسطا عظيما من (الهوس المعقول) كما يسميه فولتير- الذي يعد سمة كبار الشعراء والأدباء والفنانين) حتى صار مدعاة لأحاديث أكثر صراحة عن ارتباط تلك المفاهيم والمواقف بعوالم التوهم والهشاشة التي طالت العديد من الأدباء والفنانين وحولتهم (أتباعا للسياسيين).. أجادوا جلد رفاقهم بأشكال مختلفة أشهرها الابتعاد عن الاستمرار في الدراسة بالكليات والمعاهد، وإنكار حقهم في الإقامة بالأقسام الداخلية للجامعة، ثم التنصل من (تزكية) إقامتهم في اليمن الجنوبي بالكامل ونفيهم عن (امتياز الإقامة في مركز التجربة الفريدة).. ولم يكن سهلا على كثيرين من أصدقاء د.جيلي عبد الرحمن الشاعر من العراقيين والمصريين والفلسطينيين المغتربين إدراك سعة وشمولية ما كان يجرى من تهشيم حقيقي سريع لمفهوم الالتزام جرَاء الفشل الفكري الذي بدأ يفسد على بعضهم– آنذاك- سمو الروح بشكل دعا بعضا للصمت العقائدي عن قاعدة (نفذ ثم ناقش...)، وبعضا آخرا للتمرد على ضيق أفق العقيدة... ولم يكن جيلي بعيدا عما كان يرى آنذاك, ولم يشهد عاطفة موضحة بلوحة شعره ولم يحرر مفردته الفنية بـ (هوس معقول) مؤكدا قسمته كشاعر كبير لتنفذ في عصره مؤثرة ضد وحشية الفظائع التي كانت ترتكب قربه على قاعدة (.. إن الذي يستخرج من أعماق الصعوبات نفسها جمالا يرضى الجميع هو نفسه هو الإنسان الحكيم الذي يكاد يكون فريدا).. لكن, وللأسف.. لم يعكس مظهرا ما لتلك المرحلة التي عاصرها على نحو حقيقي... إن (تحاشى) الخوض بالحديث في بعض (الظواهر) وتعقيداتها.. يشكل تبريرات جاهزة تمكن أيا كان من التذرع بها, غير أن هذه التبريرات والذرائع لم تكن إلا نوعا من الإصرار (المبدئي المقيت) في الهروب من المسئولية ومحاولة لخداع الذات، وهى (فضيحة) لممارسة ازدواجية في شخصية بعض المبدعين الذين ما انفكوا يثقفون (بعض العقول) ويفشلون في الارتفاع بأذواق الناس.

    إن محاولة (غض الطرف) عن هذه وتلك في (وسط قريب) والتقيد بما يجرى (بعيدا) بالمفهوم الفكري يعد تخلفا عن مجرى التفاعل ألحى مع الحياة ذاتها وانغلاقا جامدا مع المفاهيم العقائدية، وهذه أيضا لا يمكن تحديدها- بالضبط – لأنها تتوقف على طبيعة امتياز النجاح في شخصية الشاعر ذاتها التي لا تقوم إلا على موهبة الابتكار والعبقرية الطبيعية التي من شأنها إعادة خلق (المبادئ) و(الأفكار).. تركيبها وحسن تعبيرها، والحديث اليوم عن صفحات مجهولة كهذه في ذكرى وفاة شاعر صديق لا يعد وثيقة علمية تنطوي على إدانته أو الخوض في أفضاله, بل تتجاوز ذلك كله إلى محاولة معرفة حجم (الآخر) وفاعليته في توضيح أسرار إشكالية العلاقة بين (الحرية والالتزام) في شخصية وإبداع جيلي عبد الرحمن التي ألحقت به الأذى الأكبر، والتي جاءت متناقضة مع ممارسة الفعل المستنير في وقت كانت تحركه آلهة الشعر.. ومن يدرى قد تكون هذه أيضا مدعاة لتفسير لوحة تناقضات أخرى في معنى أعم وأشمل حول صفحة الآخر في أنا الشاعر.
                  

01-26-2011, 11:01 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    قصة قصيدة (ثلاث قبرات وطفل) للشاعر جيلي عبد الرحمن

    بقلم سيف الدين حسن صالح


    GAILLY.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    كنت في مرحلة الصبا منتقلا لمرحلة الشباب شغوفا بالقراءة الأدبية ، وكانت هواياتي جمع قصاصات ما ينشر من إشعار الشاعر جيلي عبد الرحمن في الجرائد العربية، وكنت دائما أسائله لماذا ينشر معظم إشعاره في الجرائد البيروتية (اللبنانية)، خاصة جريدة الآداب البيروتية؟ والحياة اللندنية ؟ برغم ظهوره وأسباب انتشاره يرجع للجرائد المصرية؟ فكان يبتسم ويرد على علشان ديل ناس عندهم حرية بنشروا كل حاجة برسلها لهم دون حذف أما الجرائد الأخرى تنتقى الأشعار التي ترى أنها لن تخلق عداء مع النظام.

    وفى احد الأيام همس الشاعر جيلي عبد الرحمن في أذني قائلا الديوان الثاني من الشعر الخاص أبى سيصدر قريبا تحت اسم (الجواد والسيف المكسور) وفى هذا الديوان قصيدة تحت عنوان (ثلاث قبرات وطفل) واسمك ورد في هذه القصيدة مع والدك وإخوتك، ففرحت وبدأت أروج بين الأصدقاء والعائلة أن أسمى ورد واسم والدي وإخوتي سيرد في قصيدة للشاعر جيلي عبد الرحمن ستنشر في الديوان الجديد. وبدأت احلم وأترقب في شوق لصدور الديوان، وبالفعل صدر الديوان بعد أن صاحبته دعاية كبرى في الجرائد المصرية ، وكنت أول من نزل إلى السوق، واشتريت الديوان من المكتبة التي أتعامل معها وبدأت اقرأ القصيدة المشار إليها باحثا عن أسمى فيها، وبالفعل وجدت اسم والدي (حسن) رحمه الله، وأخوتي جمعيا أما المفاجأة غير المتوقعة لم أجد اسمي في القصيدة وبدلا من اسم (سيف )وجدت اسم (رزقا) فحزنت حزنا شديدا لذلك .

    وحضر الشاعر جيلي عبد الرحمن لزيارتنا في منزلنا الكائن بمدينة أمنابة بالقاهرة، فتعمدت عدم مقابلته وغادرت المنزل خفية، وذهبت إلى النادي وكان يطلق عليه (نادي هيئة التحرير بأمبابة بالقاهرة) لقضاء الوقت حتى يغادر الشاعر المذكور منزلنا. وانأ بين الأصدقاء حضر احد المدربين بالنادي وأخبرني بان هناك شخص يسأل عنى ، وذهبت لكي اعرف من يكون هذا الشخص ؟ وإذا أبى وجها لوجه أمام الشاعر جيلي عبد الرحمن فاغرورقت عيناي بالدموع وقلت له: يا خال لماذا ياخال تقول ان اسمى سيرد فى القصيدة ثم اجدك غيرته لاسم اخر مع ظهور اسم والدى واخوتى؟ والذي أحزنني أكثر أنني أصبحت أمام الأهل والأصدقاء صاحب دعوة كاذبة !!.

    فقام بتهدئة روعي والتخفيف من غضبي واخبرني ممكن نتكلم بهدوء ونترك الانفعال؟ وفعلا جلسنا في زاوية في النادي منفردين وبدأ حديثه ينتابه الهدوء والحنان قائلا: أريد أسالك سؤالا هل يهمك نجاح القصيدة؟ ولا ظهور اسمك في سقوطها ؟
    فقلت له: وهل القصيدة تسقط وتنجح ؟ فأخبرني نعم.. وبدأ يشرح لي تاريخ عروض الشعر المقيدة للقصيدة وأصول اللغة وضبط الكلمات وإيقاع النغم واللحن ضاربا العديد من الأمثلة عن قصائد العديد والشعراء سقطت لوجود كلمة شاذة أو كلمة في غير موضعها أو اسم يحتمل أكثر من معنى وقال لي شيل اسم رزقا من القصيدة وضع اسم سيفا بدلا منها واحكم بنفسك واقتنعت بالمبررات التي ساقها ،وبعد أن تأكد وقرأت أمامه الأبيات التي تغير فيها الاسم وكانت كالتالي :

    أحست الحورية الصغيرة بأن رزقا تنزوي
    وراء همسة الشحيب
    أكذوبة بيضاء.. مثل رغوة الحليب
    وأينعت عيونها فراشتين في الصباح
    واستحلبت من ريقها مرارة الجفاف
    وكان يصغى مصطفى كالقطة السوداء
    مازال طفلا، ودمية، يسندها الجدار
    وينثر الآمال في خطواته القصار
    ويسمع الحكاية التي تقال
    أما المقطع الثاني:

    لكن "رزقا" يبتغى في سره(حسن)
    يقول : يا نبي
    (أرسل لنا أبي أبعث لنا حسن)

    وعندئذ وقف ناهضا الشاعر الجيلي قائلا: سأقوم بتوصيلك بنفسي إلى المنزل ، وعلى فكرة هل تعلم كم كلفتني محاولة ترضيتك !وإقناعك؟!
    ثم استطرد قائلا: العديد من اللقاءات الهامة والمواعيد مسبقا والمرتبطة بمسيرة حياتي.
    وفعلا عدنا لمنزلنا وسط دهشة الأهل فقد خرجت قائلا لهم: لن اكلم ولن التقى بالشاعر جيلي عبد الرحمن، ولكن لم استطع تنفيذ تهديدي أمام حنانه الدافق وقوة إقناعه، والأكثر من ذلك الشفافية التي يتمتع بها فماذا كان يهمه أن ألتقي به أم لم التق به ، إلا انه أبى أن يغادر إلا بعد تقديم اعتذاره وتبريره لي فهو في البداية أم النهاية خالي أخ الوالدة واستمرت صداقتنا منذ ذلك الحين حتى علمت بأنه على فراش الموت بمستشفى ناصر بمصر الجديدة فغادرت المملكة العربية السعودية التي اعمل بها في إجازة خاصة لرؤيته ولازمته حتى فاضت روحه الطاهرة بمنزله بمدينة كبرى القبة بالقاهرة .

    رحم الله جيلي عبد الرحمن بقدر ما كان يحرص على عدم تسبيب الأذى لأي شخص كان.
                  

01-27-2011, 10:50 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    center>gili_abd_alrahmansudan1sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    حوار لم ينشر مع الشاعر الراحل جيلي عبد الرحمن (1)

    أجرت الحوار: زينب الكردي


    بعثت إلينا الروائية والقاصة والكاتبة الدرامية زينب الكردي السودانية المقيمة في القاهرة هذا الحوار الذي عام1996 مع الشاعر جيلي عبد الرحمن ولأسباب ما لم ينشر.. الأستاذ السر السيد سجل زيارة للأستاذة زينب بمنزلها، وأجرى معها حواراً سننشره في أعدادنا القادمة ومن بين أوراقها أرسلت الأستاذة زينب هذا الحوار لجريدة الصحافة خاصة.. من جانبنا نرحب بالكاتبة الكبيرة وبحوارها.
    وقد تطرق الراحل جيلي عبد الرحمن في هذا الحوار إلى فترة إقامته بمصر وبروزه كشاعر هناك، وهو والشاعر محي الدين فارس، وقد تناول كثيرا من ذكرياته مع الأدباء المصريين الذين عاصرهم وكانت هنالك علاقات فكرية تربطه معهم فكان هذا الحوار:

    * تم هذا اللقاء عام 1996، إي قبل وفاة صاحبه الشاعر الكبير السوداني جيلي عبد الرحمن بشهور قليلة، وكان وقتها على فراش المرض يعاني من الفشل الكلوي.
    واعترف أن ذلك اللقاء أجريته معه بالصدفة، فالفكرة نبتت في رأسي بدون نية أو إعداد مسبق، وكان يومها يجلس علي فراشه وحوله ابنتاه وزوجته التي عانت معه رحلتي المرض والمرض وهى أذربيجانية مسلمة.

    * قلت لجيلي:

    حسب معلوماتي قضيت أنت وعائلتي المرحوم حاكم رسام الكاريكاتير، والكاتب الريفي الطيب فاروق منيب طفولتك في قرية (انشاص) كبرى التفاتيش الملكية، وبعد قيام الثورة رحلتم جميعاً إلى القاهرة لتستقر مع عائلتك في عابدين. فما الذي قادك إلى عالم الشعر وما هي المنابع التي استقيت من منها أشعارك؟

    - أجاب جيلي:

    أنا انتمي لقومية متميزة هي أهل النوبة وهم أناس غالبيتهم فقراء جداً، إذ بخلت عليهم الطبيعة بالموارد الضرورية التي تضمن لهم استمرارية الحياة وبخلت عليهم الدولة أيضاً بالرعاية.. كانت النوبة هي المنفى الطبيعي لأي موظف في الدولة تغضب عليه السلطة المركزية في مصر.. حالياً اهتموا بها بعد أن اكتشفوا أنها منجم ذهب يدر عليهم مليارات الدولارات بسبب السياحة فتم تجميلها بما يرضي السائح لا النوبي إذ ظلت الحياة فيها صعبة والبيئة شحيحة، لهذا سعى معظم سكان النوبة إلى الهجرة منها إلى مصر طلباً للرزق.. أسرتي كانت من بين من هاجروا.

    في البداية عشنا في (انشاص(أهم واكبر التفاتيش الملكية، وفيها اكتشفت عمق الهوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء، وكنت أقارن دائماً بين قصور وضياع الملك الشاسعة وبين التعاسة والفقر اللذين يعيشهما الفلاح العادي.. وفي القاهرة وجدت نفس الهوة بين أغنياء تمتعوا بالثراء الفاحش، والفقراء الذين ينسابون- كهوام الأرض- في الحارات والأزقة، وكانت أسرتي من بين تلك الطبقة الأخيرة، لكننا كنا نختلف عنهم بسواد بشرتنا ولهجتنا النوبية وكانت مختلفة وغير مفهومة وان كنا مثلهم نعيش أسفل السلم الاجتماعي، وكان معظم أهلي يمتهنون حراسة البنايات والقصور أو يعملون داخلها كخدم لأنهم لم يتلقوا حتى التعليم الأولي الذي لم تهتم بإيجاده لهم الدولة، وكانوا كغيرهم- يناضلون باستماتة من اجل ادخار بضعة جنيهات ثمن تذكرة الباخرة وتغطية مصاريف الإقامة في الإجازات كل سنتين أو ثلاث .. وكان أهل النوبة في مواجهة في هذه الظروف الصعبة شديدو التكافل والتعاطف مع بعضهم البعض في لحظات الفرح والموت، وكان الأثرياء والأمراء يستأمنوهم على بيوتهم وممتلكاتهم ويمنحونهم ثقتهم الفائقة ويحترمونهم لأن النوبي بطبعه لا يداهن ولا يكذب ولا يستحل ما ليس له.. إنا لا أتحدث عنهم باستعلاء فهم مميزون بالفعل وكانوا يستحقون دراسات عديدة على الأقل ليعرف الناس من هم؟ وما أصل (الرطانة) التي يتحدثون بها وما هو سر هذا الحزن في أغانيهم وإلحانهم ولماذا هذا النواح الغريب الذي لم استشعره أبدا في مجتمع آخر؟ هل هي تركيبة مجتمع؟ هل هو موروث فرعوني؟ هل سببه كارثة الهجرات العديدة التي أرغموا عليها من اجل إقامة السدود وآخرها السد العالي؟ هل هذه الهجرات أكدت داخلهم مشاعر الفقد والاغتراب وعدم الإحساس بالاستقرار والأمان..

    * أول قصيدة كتبتها؟

    - كانت من وحي هجرتي من قرية (صاي) النوبية قريتي وكان موقف وداعي لها حزيناً، مؤثراً:

    وقفا على الشط والذكريات بقلبي المعذب والشاعر
    وقبلت أمي في وجهها ولوحت للمركب الزاخر
    وعمي يبلل رأسي الصغير بريق الفم اللاهث الفاتر
    ولحيته شوكت وجنتي وداعب شاربه ناظري
    وقال وفي مقلتيه دموع نزلن غزارا على خده
    وفي قلبه أمنيات حيارى يناجي بها الليل في مهده
    بنيَ إذا ما وصلت بخير وأعطاكم الله من عنده
    فقل لأبيك تذكر أخاك.. تذكره دوماً على بعده

    كانت تلك القصيدة هي خطوتي الأولى لعالم الشعر.. تعبير لطفل حديث عهد بالغربة..

    بعد ذلك بدأت أنا وفاروق منيب وتاج السر الحسن وحاكم، رحلة العمل الجاد وتعرفنا على الكتاب والأدباء ، واذكر أن الفنان الكبير زكريا الحاوي- وكان يعمل في جريدة المصري- بدأ يقدم لنا كثيراً ويستقبلنا بحب وحفاوة مقدماً نصائحه وتوجيهاته ويقدمنا للندوات الأدبية والفنية وكتب عنا مقالة لفتت ألينا الأنظار تنبأ لنا فيها بالريادة ( كان عمري وقتذاك 16 سنة) ثم تعرفنا على المرحوم (الجرنوسي) الذي لعب في حياتنا نفس الدور الفعال.. وبعدها تعرفت على مزيد من الشعراء المصريين واكتشفت في نفسي قدرات شعرية أكبر مما كنت أتصور.. تلك القدرات كنت استضعفها فوجدتها تنال احتراماً كبيراً، و بعد عدة قصائد- خاصة- قصيدة عزاء في قريةـ ضمنتها قصائد سودانية ونشرتها في مجلة الآداب، وكان لها صدى كبير في مصر إلى حد أنها ساعدت على تحويل تيار كامل من الرومانسية والضبابية والكلمات المزوقة إلى لغة الشعب العادية والتعبير الحر ، ثم دخلت بوابة الشعر الحقيقية من خلال قصيدة (أطفال حارة زهرة الربيع) التي نشرها الأستاذ الكبير الحجاوي في جريدة المصري ثم في الإذاعة ومجلة الفنون الشعبية.. بعد الأستاذ الحجاوي التقطنا الأستاذ الكبير احمد بهاء الدين ثم الأساتذة محمود أمين العالم واحمد عباس صالح وهما اللذان عرفانا على الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس.. وبعدها وضعنا يدنا على عمق الحركة الشعرية والأدبية والفنية.

    يسترجع جيلي الذكريات ثم يتنهد قائلاً،بعد لحظة صمت: كنا فقراء نستحي من أنفسنا وضعفاء لكننا بتأييد الناس وخاصة الجالية السودانية التي تحمست لنا إنا وتاج السر ومحي الدين فارس ومحمد الفيتوري كنا نشعر بالقوة.. أيامها لعبت مجلة الآداب البيروتية ومجلة الثقافة الوطنية ومجلة «المجلة» ومجلة الشعر دوراً قوياً في احتوائنا وفتحت الباب للأقلام التي تستطيع أن تشق طريقها..


    يتبع...
                  

01-28-2011, 05:23 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    حوار لم ينشر مع الشاعر الراحل جيلي عبد الرحمن (2)

    أجرت الحوار: زينب الكردي

    GAILLY1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    * من هم أبناء جيلك؟
    - المرحوم صلاح عبد الصبور، واحمد المعطي حجازي، والمرحوم فوزي العنتيل والأخير كنت أحبه كثيراً وكانت لديه طاقة شعرية كبيرة وكان مريضاً لا تملك إلا أن تتعاطف معه، وقد حزنت كثيراً من أجله عندما التقيته خارج مصر وكان مريضاً.. كان فلاحا عاشقا حقيقيا للفن الشعبي.. أيضا كان من جيلي الشاعر كمال نشأت وهو شاعر مجيد وقد قام هو وفوزي العنتيل والفيتوري بتأليف رابطة النهر الخالد وكانت تنشر في الآداب والأديب في بيروت.. وكان معنا العظيم كامل أيوب ، لكنه كان منكفئاً على نفسه لأنه تخيل أن المجتمع الأدبي لا يهتم به وهذا اعتبره أنا شخصية سلبية أتاحت للشعراء قليلي القيمة أن يتصدروا مواقع لا يستحقونها.. كان هو ومجاهد عبد المنعم من الشعراء المجيدين لكنهما للأسف لم يتحمسا للنشر.. لا بد للفنان أن يفرض نفسه ويتواجد في المحافل الأدبية خاصة إن غياب النقد الجاد يعطي الفرصة للضعفاء أن يتسيدوا وينتشروا.

    * دور النقد في شعرنا الحديث حالياً؟
    - دور ضعيف للغاية... على ايامنا كان هناك نقاد عظام: الدكتور عبد المحسن طه بدر، الدكتور محمد مندور، شكري عياد، ومصطفى ناصف وهو ناقد ممتاز تدرس كتاباته في الجامعة، لكنه- هو ايضاً- تغيب عن الساحة وترك النقد كما فعل الدكتور محمود أمين العالم الذي ترك الشعر واكتفى بالمقالة ثم صمت عن الشعر والنقد معاً.. حالياً حركة الشعر تحتل دروباً حديثة لكن النقد لا يواكبها فهو- إي النقد- إما جزئي أو انطباعي وليس نقداً منهجياً يرتكز على التفوق والعلم، وكانت في الخمسينات والستينات تتناول المد الشعري تقييماً وتعميماً للتجربة، رغم أن هذا النقد تجاوز بعض الشعراء.. إي تقييم نراه الآن هو مجرد تكرار واجترار بلا قاعدة أو ثقافة ولا يواكب الجديد الناس ، ثم وقعت الحركة الشعرية في مأزق وسادت أصوات لا علاقة لها بالشعر إلا عن طريق السطو والشعوذة وتقاربت النماذج حتى في التفاعيل والكلمات وألغي الأصل في محاولة دائمة للتجريد والذهنية والتلخيص وعزل الشعر عن منابعه الأصلية.

    * في نظرك ما هي أسباب هذا العجز وما هو العلاج؟-
    سبب هذا العجز هو غياب المنابر وضياع الشعراء والنقاد والأهم من ذلك هو غياب الديمقراطية التي لابد من طرحها كمضمون اجتماعي بديل وحيد، لكن هذا لا يعفي النقاد القادرين منهم وبالأخص الأستاذ محمود أمين العالم مثلاً بالتصدي لمسؤوليتهم ارتكازاً على نماذج حسية بالمقارنة والتقييم، والبعد عن المجاملات والتمسح لأسماء معروفة مهما كثرت كتبها وجلبتها في الساحة.

    * أعلم انك سافرت إلى موسكو ثم إلى اليمن، فلماذا؟-
    سافرت أولا لموسكو لمواصلة الدراسة في معهد (جوركي) للآداب ودرست علم الجمال الذي يهتم به المعهد كثيراً، وهذا العلم وثيق الصلة بالفلسفة وبالنقد الأدبي وتاريخ الفن وكانت رسالة الماجستير التي تقدمت بها تتناول تقييم تجربتي الشعرية مدعمة بنماذج مترجمة إلى الروسية أهلتني للدفاع عن أطروحتي أمام متمرسين بنظريات الجمال ثم ذهبت إلى اليمن الديمقراطية لتدريس الأدب الحديث وهو تخصص في رسالة الدكتوراه، واستجبت لرغبة كلية التربية اليمنية في تدريس مادة علم الجمال فأنا لا ادرس الفلسفة خالصة، ولا شك إن استيعاب فلسفة علم الجمال يكمل دور الشعر كمنظور فلسفي إبداعي.

    * في رأيك هل تراجع الشعر حالياً؟-
    الشعر العربي- تحديداً- لا يتراجع أبدا. لدينا شعراء عظام: محمد عفيفي مطر، أمل دنقل، محمد الفيتوري، وغيرهم كثيرون.. المشكلة في التوصيل، الصحف والمجلات الكويتية كالعربي مثلاً تقوم بدور فعال ومؤثر، لكنها لا يمكن إن تستوعب كل الشعر العربي ولا يمكن أن تصل لكل البلدان العربية، نفس الشيء بالنسبة للصحف والمجلات والكتب العربية الأخرى، المصرية- مثلاً- والسورية والعراقية وهذه التجزئة وخلو الساحة من مجلة مركزية لكل الناس في كل الأرض العربية وغير العربية من أسباب عدم وجود التفاعل الشعري وعدم بروز الأسماء الجيدة وانعزال الشعراء.. هناك شعراء مجيدون في اليمن كالبردوني مثلاً لا تعرفه إلا قلة متخصصة في العالم العربي مع أنهم قمة. كذلك في السودان مع أنها تعيش عصر الازدهار الشعري.. يكفي أن فيها محمد المكي إبراهيم، ومحمد عبد الحي، والياس فتح الرحمن وغيرهم.. عندك أيضا في الكويت أصوات شعرية ممتازة كمحمد الفايز، وخليفة الوقيان، والعتيبي وغيرهم لكن لا أ حد يعرفهم خارج حدود بلدان الخليج.. الحكم الآن على الشعراء العرب لن يكون دقيقاً ولا منصفاً خاصة أن هناك بعض المجلات تصدر في لندن وأوربا وباريس تنشر إشعارا مهلهلة تحسب على الشعر العربي مما أصاب الشعراء الجيدين باليأس.. المسألة تحتاج إلى مجاهدة لأن يتصدى اتحاد الكتاب العرب إلى إنشاء مجلة عربية تعبر عن الحركة الشعرية والنقدية بنماذج مختارة على أن يكون لها مجلس إدارة مكون من خيرة الكتاب العرب في كل بلدان العالم العربي.. مجلة العربي تنشر لكنها لا يمكن أن تستوعب كل الشعراء لأنها تهتم بمواضيع أخرى مهمة.. هناك إبداع لكنه محدود وغير متداول في العالم العربي كالجزائر مثلاً والمغرب العربي أو المغرب..

    مجلة المجلة محترمة جداً لكنها غالية الثمن ونسخها قليلة.. نحتاج لمجلة كالآداب مثلاً فقد تركت فراغاً كبيراً.. لابد إن يميز المثقفون بين الأدب والسياسة.
    محاولة التمييز صعبة.. ممكن أن تطالب الأديب بالبعد عن التعصب لكن كيف ينأى عن السياسة؟

    في روسيا، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت حركة الديمقراطيين الروس للنقاد، وكانت هذه الحركة معارضة لنظام الحكم القيصري والإقطاعي وقتذاك، لكنها كانت تحارب بأسلحة أدبية صرفة.. ما أود أن أقوله انه على السياسيين إن يرفعوا أيديهم عن الأدب ولابد أن توجد مساحة من الديمقراطية وحرية التعبير والتحضر.

    ما نراه الآن: كل مدينة عربية علاقتها عدائية بالدولة المجاورة لأسباب سياسية تمنع دخول كتبها وصحفها ومجلاتها ، لكن إذا كانت العلاقات حسنة تسمح، وهذا خطأ وجريمة في حق الشعوب.. في أوربا ثمة مذاهب واتجاهات متعددة لكنهم يسمحون لجميع الآراء بالتعبير عن نفسها بحرية.. تفكيرنا القبلي الضيق يجب أن يزول ليحل محله مقارعة الرأي بالرأي وليس بالإرهاب ولي الذراع، كل امة تتميز بآدابها.. خذي مثلاً ما يحدث في أمريكا اللاتينية وما لعبه الأدب من دور.. كل أوربا تقرأ لهم ولم نسمع عن مصادرات أو إرهاب.. أنا شخصياً عندما يقع تحت يدي كتاب من الكتب التي تدعهما الدولة الكويتية اشعر بالاعتزاز فهم يمنحون المجال واسعاً لكل الكتاب العرب، دون تمييز.. يجب أن نميز بين السياسة والأدب لأن الأخير سلاح فعال وثابت ويجلي وجه القومية العربية.

    * كم ديوان صدر لك حتى الآن؟-
    (قصائد من السودان) (الرافضون) وهو مشترك مع تاج السر حسن ونجيب سرور ومجاهد عبد المنعم مجاهد وكمال عمار، و(الجواد والسيف المكسور)، و(بوابات المدن الصفراء).
                  

02-01-2011, 06:46 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    يضج هواك في بدني

    إلى الراحل الحاضر الشاعر جيلي عبد الرحمن

    بقلم: تاج السر خضر عبد العزيز المحامي





    الأخ دكتور عبد القادر الرفاعي

    أدلق الشوق حبرا للكتابة.. ومن ندى الحرف أنضر لك حروف التحية عطرة ندية... اليوم 7/3/2006م.. أجلس للكتابة إليك بعد أن جاء إلى رسولك مليون مرة... لكن مرارة الحياة هي التي جعلتني أتأخر في الكتابة إليك... لك العتبى حتى ترضى... واعلم أنك سوف تغفر لي... لأنك طلبت منى أن أكتب عن شاعرنا جيلي عبد الرحمن... الرثاء الذي قلته فيه، وساعتها نحن نعانى مرارة الاعتقال و إهانة العسكر لكل الشعب السوداني حين شتمونا وجلدونا بالسياط وأزهقوا روح دكتور على فضل وأمين بدوى... حكومة بصقت لشعبي على وجهه وتبولت على كرامته... الاعتقال لم يكن لنا وحدنا بل كان لكل الشرفاء من أبناء الأمة السودانية...

    حين جلست للكتابة عادت بي الذكرى.. تذكرت كيف اجتمعنا داخل سجن كوبر... بالعنبر الداخلي..الغربيات... ومن الشرقيات... وكان ذلك في عام 90 أو 91 حين حمل إلينا الناعي خبر وفاة النوبي الشاعر الإنسان "جيلي عبد الرحمن" واذكر حين كنت أتلو على الحاضرين كيف كنت أنت تجلس خلفي على الأرض.. وعلى خدك دمعتين... وكان الألم يعصرني وأنا أرثيه.. على فراش الحضور الأبدي انكسر الناي... موته كان كمأساة إغريقية ولكنه لم يمت.. ظل فينا.. وتبقى كلمة الحق ونور النضال.

    الرثاء من قراءة أولى تصور لحظة الموت، ثم تذهب إلى قاع الحزن، والقراءة الثانية تبدأ بالذكرى المرة... كالصدى.في تعديد نضال النوبي جيلي ثم تنتهي... كالصدى ...

    قراءة أولى... "لحظة الموت"

    توقف النهار فجأة
    جف الندى... قبَ الزهر
    رحيق السحب... غاب وما نزل
    ذهب المطر
    جرح الجفاف خضرة الخميلة
    حتى العصافير التي كانت تغنى
    أوقفت حلو الغناء...
    واستعدت للرحيل...
    رغم أن الموسم لم يكن للرحيل والسفر
    والحزن تسلل في الشوارع
    يحرس الأبواب...
    و ليل داجن سرق القمر
    النجم مرتاعا جفل
    والنيلان خالفا الطبيعة
    تركا العناق لحظة
    ماؤهما جف وغار
    الرمل الحار
    تشقق المحار
    و زهر النيل لحظة توقف.. لا انساب ولا انحدر
    مات الفتى ... مات الفتى...
    والذي كان
    شاغور نضال ولم يزل
    يطعن قلب الزيف ... يغرقه نزيف
    ويمزق الأقنعة
    ما كَلَ في لحظة ولا في يوم وهن
    كان سيلاً جرف السفالة
    و مشعلاً يفتح الآفاق للآتين من عمق الجهالة
    و لكن...
    مات الفتى... حفه الردى
    الخرطوم. الخرطوم ... عروس النيل الجميلة
    وجدتها واجمة...
    سألتها .. فلم يجبني "جيلي"
    كان قد استحال همسة على كل الشفاه
    و عرق الجباه .. كان عاشقاً
    فيوم حفه الردى في بلاد الثلج...
    جاء الوطن
    صندوقاً ... أوراقا رسمية
    عليها الاسم وعنوان السكن
    ابنك جاء إليك يا تراب الوطن
    فضمه عليك...
    رغم مرارة اللقاء لوالد حضن
    بعد الفراق... مقتولاً.. مقتولاً... جثة و كفن
    ضمه إليك يا تراب الوطن
    ضمه إليك يا تراب الوطن
    ضمه إليك يا تراب الوطن

    القراءة الثانية... كنا.."

    كنا ...
    أنت.. وهى وأنا
    وكنت أنت يسوع المصلوب على باب الهيكل
    ثائراً متمرداً
    ألبستنا النضال حُلة و قلادة
    و سرنا على الدرب...
    عيوننا مفعمات بشوق الولادة
    و لكن .فجأة. .. تنهدت السماء
    و دغدغ الألم ضلوع الصمت..
    حتى أجهش المغني.. أوجع الربابة
    لان موتك .. عرس.. عرس .. مأتم ومهابة
    فأصبحنا أنا وهى دونك يا رفيقي
    نعصر الآمال من دمع ودم
    هكذا علمتنا
    و أضأت النور في دياجير الدُجُنة
    و شتلت في رحم النضال أجنة
    غداً تكبر
    لتمزق الأقنعة
    و تعلمنا ثانية...
    أن ننظر السماء من مشارف بعيدة
    و أن نعانق الحياة ..
    في مسيرتها الجديدة
    علمتنا أن نلمح الليل.. قبل مولد الليل
    و نوقد الشموع
    نحميها ... نداريها من سموم الصيف
    حتى يدركها الربيع
    ويطل الصباح.. صباح نضالنــا الجبار ذي القدر الرفيع
    " جيلي " أنت لم تمت
    لأنك ولدت فينا .زهرة. .. قوساً و حكاية
    بذرناها في كل رحم يقبل اللقاح..
    و هيأنا لها أرحام الصبايا
    لقناها لأطفالنا.. لأنهم " خيارنا "
    فكانت أجمل الهدايا
    سكبنا ما في دواخلنا
    و أرسيناها في كل الخلايا
    و غرسناها.. حزاماً أخضراً
    يمتص خماسين الطغاة
    و يصبح طوق نجاة
    حتى تكسو براعم الزهر الشجر الأخضر
    وتكون للزحف الكريه بدءاً و نهاية
    أنا لا أقول وداعاً يا رفيقي
    لأنني آت إليك
    لكنني قبل المجيء
    أنا ذاهب للواهي الضعيف
    الذي باع القضية
    بالكرسي الوثير.. زجاجة الكونياك.. و درهمين للرغيف
    ولا أقول وداعاً يا رفيقي
    لأنني آت إليك
    لكنني قبل المجيء
    أرسل إليك باقة من النسمات
    من ساحة النضال
    مناجم الرجال
    أريد أن انثر على عتبتك
    هذه الأزهار
    و أن اعلق على بابك إكليلا
    باقة ياسمين
    و جرة فيها بعض الثمار
    أنت شتلتها
    أريد أن أحدثك عن النيل
    و عن الصبايا النازلات إلى الشط في وضح النهار
    عن طريقي
    ذاهب لأشتل الأزهار
    و اقتلع من ساحة النضال ذلك الصبار
    فانتظرني يا رفيقي.. لا تفــت
    آت إليك
    آت إليك
    آت إليك
    ===================
    إليك " جيلي " و أنت في حضن معشوقتك الأرض.. الانحناءة والتجلة ..
    و كل قداسة الإنسان..
    فاذهـــــــــــب كما ذهبــــــت غوادي مــزنة
    أثــــــنى عليها الســــــهل والأوعـــــــــــار

    ولك الود أخي دكتور عبد القادر الرفاعي والى أن ألقاك بين قضبان معتقل أو أنت محروس بالسونكي الذى ظل فوق الرؤوس عشرات السنين ... ولك الود ثانية.

    أخوك ابداً

    تاج السر خضر عبد العزيز
    المحامى – عطبرة
    7/3/2006
                  

02-02-2011, 10:20 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    الفداء
    إلى الشهيد الشفيع احمد الشيخ

    شعر: جيلي عبد الرحمن




    الشهيد الشفيع

    ****


    ينوء قلب الشاعر

    إن كان دم الشفيع

    تشربته الأزاهر

    وا خجلتا للربيع

    في السهد ... انتحبت ما بكيت

    حين ضم مأتم النهار بيت

    ما بكيت رهبة أو شفقة

    لكن عينيك الكحيلتين بالنور

    والنبيلتين

    تسامتا كراية ممزقة

    تقاوم السقوط في الوحول المطبقة

    أواه ما ركعت ما انحنيت

    وحينما اعتدي المرتزقة عليك قبل الموت فافتديت

    مرتين يا شفيع الطبقة

    في ساحات الإعدام

    كان ألردى ينام

    توسدت عظامه عبير هز الزنبقة

    اعمي الريح

    تعوعي ولا ضريح

    كان الضحى مناحة

    عمال موسكو يزرعون الساحة

    دقيقة من الحياة رهيبة الأبعاد

    صمت تشيب في صخوره الجرداء

    أضلع الجلاد

    كأنما من حقده الكظيم جز عنقه

    وأنت عبر كل هامة

    متوج الجبين بالعمامة

    حمامة من فوقها حمامة

    وتزدهي علي بريق مطرقة

    المجد للمسيح علي حبال المشنقة

    فلتلعن الريح

    والكلمات ألمرهقة

    إن أعولت في صمتها

    تسربلت عيونها

    ولم يضو خطوها الضريح

    رعد صاعقة

    ****

    موسكو- يوليو
    1971
                  

02-09-2011, 11:58 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن:
    من شعراء خريطة الشعر الحديث والحداثة الشعرية

    بقلم:د.غالي شكري
    *

    في ضوء إحصاء تقريبي، نستطيع أن نسجل الملاحظات التالية علي الإطار الأولي لرؤية نضال الأشقر في "ديوانها" الذي يكتمل في مخيلتنا بأدائها الإيقاعي الذي يؤكد الدلالة. لقد نشأت وتربت نضال الأشقر في بيت زعامة قومية سورية (والدها أسد الأشقر). وهو الأمر الذي يفسر لنا ملاحظتين الأولى هي التركيز علي القضية الفلسطينية، وبالتالي اختيار العدد الأكبر من الشعراء الفلسطينيين باختلاف مواقعهم (2 من الأرض المحتلة 1948، وواحد من الضفة وأربعة من المنفي). وعلي اختلاف اتجاهاتهم ( 4 من الماركسيين و 1 بعثي و اثنان عروبيان ) ومختلف أجيالهم (من زياد ورشيد إلى درويش ومختلف مواهبهم. إنها العناية القصوى بفلسطين التي تحتل مكانا مركزياً في الفكر القومي السوري عبر تباين مراحل تطوره . ومن ثم فالملاحظة الثانية هي اختيار عدد من الشعراء القومين السوريين سواء أن الذين ثبتوا منهم علي القصيدة وطوروها أم تخلوا عنها (لم يكن خاليا من المغزى اقتطاع أبيات قليلة من أدونيس ، أو اختيار قصيدة لخير بك مهداة إلى وديع حداد ).
    وربما لا يكون هذا التصنيف السياسي – الخطابي ،والشعر العاطفي الغنائي ،والشعر التعليمي – المبسط . وابتعدت كليا عن الشعر الدرامي والقصيدة المركبة ، فكانت الكلاسيكية رايتها والرومانسية دليلها ، وغابت عن اختياراتها الحداثة ، كيف، وقد اختارت لرواد الحداثة بمعانيها : انسي الحاج ومحمد الماغوط وبدر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وأدونيس ، بل ومحمود درويش وفدوى طوقان وسميح القاسم. ليست هذه خريطة الشعر الحديث او الحداثة الشعرية، ليست التاريخ ولا الجغرافيا. الثقافة الشعرية والتكوين السياسي لنضال الاشقر وجمهورها وزماننا المغترب حجب عنها عطاءً شعريا رئيسيا لمصر عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وعبد المنعم رمضان ومحمد سلمان وحلمي سالم ونجيب سرور ومحمد صالح وفؤاد حداد وصلاح جاهين واحمد عبد المعطي حجازي ومحمد عفيف مطر وفؤاد حداد وأمل دنقل وحسن طلب، وحجب عنها عطاء المغرب العربي في شعر المنصف المزغني والمنصف الوهابي الغزي وازراج عمر ورزاقي عبد العالي ومحمد حمدي ، والشعر السوداني الذي كتبه جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن ، وكله من "الشعر الجميل والعظيم" كما تجب هاتين الصفتين لأنه شعر الحب والأرض والحرية "كما حددت العظمة والجمال".
    بل أن الأقطار التي اختارت من شعرائها نفت عن وعيها، شعراء آخرين كسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وسامي مهدي ويوسف صائغ وحميد سعيد من العراق ، وكممدوح عدوان وعلي الجندي وفائز خضور ونزيه العفش من سوريا.

    المؤلف: د.غالي شكري، مفكر وأديب وناقد مصري راحل
    *المصدر: برج بابل،

    النقد والحداثة الشريدة
    الناشر: رياض الريس للكتب والشعر / لندن صفحات 55،54 ،56
                  

02-18-2011, 01:29 PM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)



    الشاعر تاج السر الحسن



    الشاعر جيلي عبد الرحمن

    (قصائد من السودان) الديوان المشترك للشاعرين جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن، والذي صدر في منتصف خمسينات القرن الماضي، كان هو أول مدخل لي لما أصبح يعرف بالشعر الحديث. ولعل السبب وراء تلك التسمية يعود ليس فقط لحداثة أوزان الشعر، بل أيضاً لتعبيره عن قيم ومضامين اجتماعية جديدة محورها الناس البسطاء. بعد ذلك المدخل الأول كان تعرفي على نماذج جديدة من ذلك النمط الشعري من خلال ديوان الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي (أباريق مهشمة)، الذي صدر في فترة مقاربة. ثم تلا ذلك بسنوات قليلة الديوان الأول لصديقي الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي (مدينة بلا قلب).

    كتب د. شكري غالي:
    Quote: والشعر السوداني الذي كتبه جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن ، وكله من "الشعر الجميل والعظيم" كما تجب هاتين الصفتين لأنه شعر الحب والأرض والحرية "كما حددت العظمة والجمال".
    كان جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن في تلك السنوات مستغرقين في معارك الكفاح المشترك مع الشعب المصري، ليس فقط بالتضامن من خلال الشعر والكلمة، بل أيضاً من خلال المشاركة الفعلية - وتقديم التضحيات - في مختلف المعارك التي كان يخوضها الشعب المصري، دفاعاً عن قضاياه العادلة، وذوداً عن تراب مصر أيام العدوان الثلاثي. كان جيلي وتاج السر وزملاؤهما من شباب السودان المستنير بمصر ينشدون لشعبي الوادي مستقبلاً قوامه التحرر الوطني، وترسيخ مبادئ الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والنهضة بالريف. وقد جاء ديوان (قصائد من السودان) تعبيراً عن تلك التطلعات والقيم. وكانت رؤى شعب مصر التي عايشها الشاعران مختلفة اختلافا جذرياً عن ما كان يدور من تخطيط لمصر وللسودان في القصر الملكي بعابدين (للمفارقة كانت حارة جيلي مغمورة في حي عابدين!)، وفي سراي الدوبارة في جاردن سيتي (حيث السفارة البريطانية).

    الآن وفي هذه الأيام الثورية المجيدة التي يعيشها شعب مصر العظيم، وهو يكسر القيد ويصنع المستقبل، نستعيد عبق ذلك التاريخ الحافل، ونتوجه بالتحية إلى روح شاعرنا الخالد جيلي عبد الرحمن، الذي كتب عنه صديقه شاعر الشعب عبد الرحمن الأبنودي:

    Quote: كان حين يغني حواري عابدين نحس نحن المصريون الغربة في المدينة؛ فقد كان ابناً حقيقيا لحواري القاهرة دون ادعاء مواطنه أو تزلف غرباء. ولم يكن ذلك إحساس أحسه وحدي، بل أن جيل الستينات في بدايته من قصاصين وشعراء وفنانين وتشكيليين ومؤرخين، هم جيمعا يدينون بالكثير لذلك الحضن الدافئ القادر دائما علي المطابقة بين عواطف الإنسان وعواطف الشاعر بنفس القدر.

    كما نتوجه بالتحية والتهنئة للشاعر العظيم تاج السر الحسن الذي شدا بحب مصر وشعبها، وجعل ذلك الحب يسري في وجدان الأجيال؛ وكانت له ثقة كبيرة في مستقبل شعبي مصر والسودان. فلنقرأ سوياً هذه الأبيات النابضة بذلك الحب وتلك الثقة.

    مصر يا أخت بلادي يا شقيقة
    يا رياضاً عذبة النبع وريقة
    يا حقيقة
    مصر يا أم جما أم صابر
    ملء روحي أنت يا أخت بلادي
    سوف نجتث من الوادي الأعادي


    هنيئاً لشعب مصر الشقيقة بثورته وانتصاراته، والمجد والخلود لشهدائه، والتحية والتضامن والمؤازرة لأصدقاء جيلي وتاج السر من أدباء مصر وشعرائها من زملاء النضال والكفاح المشترك.

    محبتي
    عبد المنعم خليفة
                  

02-20-2011, 08:57 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Abdul Monim Khaleefa)



    جيلي عبد الرحمن ...لمحات من شعره
    الشعر عنده انعكاس للواقع الموضوعي وحركة التطور التاريخي
    بقلم:علم الدين عمر (1)


    هو شاعر سوداني يكتب الشعر منذ مطلع الخمسينيات واشتهر على نطاق العالم العربي وغيره، يكتب الشعر كالنزيف وهو يعد من أوائل السودانيين الذين التزموا بقضايا الإنسان السوداني البسيط. كتب عن الفلاحين وصراعهم مع الأرض وعن القرية بكل جمالها وهناتها ، إذ يقول عن مواضيع شعره ضمن رد للناقد اليمنى كمال الدين محمد (ولأن ثمة تناقضا بين المدينة والريف فقد عبرت ببساطة عن أهلي الفقراء في شمال السودان ولم يكن حنينا أجوفا لطبيعة رومانسية متخلية أدواتها التعبيرية ألفاظ منتقاة فخمة . وإنما كان انحيازا ..أصم ..أطلق عليه النقاد فيما بعد مصطلح الواقعية).
    هو الشاعر الدكتور جيلي عبد الرحمن من مواليد عبري 1983لم ير أباه ولم تلفه ذراعاه إلا في دلتا مصر حيث اختار أبوه الهجرة والغربة من اجل القوت والحياة كان جيلي في التاسعة عندما هاجر إلى مصر مع أمه.
    لقد ودعه عمه وهو على عتبة الباخرة، إذ كان يقول (بني..إذ ما وصلت بخير وأعطاكم الله.. من عنده فقل لأبيك تذكر أخاك ) صوت عمه مازال يصلصل في أذنه، لكنه اختار طريقا آخرا يحفظ له ولعمه وشعبه حق الحياة الكريمة .

    له ديوانان من الشعر (قصائد من السودان ) الذي طبع في القاهرة عام 1956م بالاشتراك مع الشاعر الدكتور تاج السر الحسن، ثم ديوان (الجواد والسيف المكسور) الذي يقول فيه:

    ما عاد فارسك المحلق فوق صهوات الجياد

    وكأنه تل من النيران تركض في الوهاد

    مستصرخا تاجوج ياقمريتي،

    فتردد الأصداء جوج !!

    والأرض كانت في هجير الجدب تسهد بالمروج

    وسيوفهم كالصخر غطته الثلوج

    ومن أعماله دراسة عن الطيب صالح وأبوبكر خالد وقام بترجمة الكثير عن الأدب السوفيتي في دار التقدم كالمجموعة التي ترجمها للشاعر الكازخي (أبى كانبايق) و(بوشكين ) ثم مجموعة من الأشعار بالاشتراك مع أبوبكر يوسف وماهر على باسم (أشعار مقاتلة ) ويقول (وما أطمح إليه أن أقدم للقارئ العربي الشعراء الروس العظام :بلوك ، يسينين مايكوفسكي).

    ومسالة الشعر عند جيلي في البداية تتعلق بمسألة الصراع بين مدرستين في الأدب والتي تأججت نار الصراع بينهما في منتصف القرن التاسع عشر حينما ظهرت نظرية (الفن للفن )إذ كتب أوسكار وايلد (إن الفنان هو صانع الأشياء الجميلة).
    وهذا بالضرورة يعنى ان الأديب مادام يبدع جميل القول فلا داعي للنظر فيما يقول . هذا الموقف نعده اغترابيا في المقام الأول لأنه يوافق الديالكتيك الهيجلي في ان الفن يعكس الواقع الموضوعي المستقر في وعى الإنسان ، ومن جهة أخرى نجدا ان هذا الواقع متغير باستمرار على مر التاريخ . من هنا يمكن ان نقول ان دعوة (الفن للفن) أوعيادة الجمال يتم فيها العزل التام عن الواقع الاجتماعي الموضوعي الذي يمثل الأول لمجال الإبداع لان الفنان هو مجمل علاقات اجتماعية ينبع نشاطه الإبداعي من نشاطه العلمي . والفن تعبير عن هذا النشاط .

    هذا القول يلازم ما طرحه جيلي عبد الرحمن في مجلة الآداب عام 1965عن مفهوم الموت والحرية في شعر البياتي ،إذ يقول في مقدمة عن دور الأدب والفن (وان كان الفن في مقدمة العظيم يحمل في تضاعيفه خبر العلم وروعة الفكر وشمول المعرفة، وإن كان التكنيك الذي يستخدمه بتطور مادي وتاريخي معين وينعكس هذا كله في المحتوى ويؤثر فيه سلبا وإيجابا ، إلا أن هذا ليس قانونا ميكانيكيا ، فقد وجد على مدى التاريخ الفنان العبقري الذي يتخطى عصره ، وينفذ بأشعات وجدانية وفكر الأطر والعلاقات الاجتماعية ويكتسب فنه الخلود).

    التزم جيلي عبد الرحمن الواقعية في الشعر ولم يحد عنها لذا أتت مجموعته الشعرية تحت اسم (الجواد والسيف المكسور ) ضد الإحباط الأدبي والاستلاب الفني ،أتت متفائلة تحمل هم الإنسان البسيط والحضور الشعري الدائم مع واقع الريف المنسي وهموم الكادحين على وجه الأرض. والسفر الشعري لدى جيلي ليس محدودا بمكان وزمان محددين نجده عندما يتحدث عن البسطاء في قصيدة (أطفال حارة الربيع ) في القاهرة ،أو في قصيدة (الفلاح محمود على شاطئ البحر الأسود) إنما يقصد
    نفس الفلاح في صاي أو ضفاف النيل الأبيض :

    فلاح لم يشبع بعد من الشمس

    عيناه السمراوان على نبض الفأس

    أومأ لي ..طوقني ..يبكى في أحشائي

    حين انهدت قوته ذات مساء

    لا تهذى أفواه الموت ..شد خطاه وغامت

    رؤياه على الماء !

    وقد كتب جيلي الكثير من القصائد النابضة عن لوركا ولوممبا وغنى لإفريقيا وقريته صاي وعبري وكثيرا ما يخرج بقصائده عن نطاق المحلية والتغلغل الذاتي الذي جبل عليه الكثير من شعرائنا المعاصرين . يقول جيلي في إحدى قصائده (هيروشيما على صدر إفريقيا) مشيرا إلى هموم الإنسان الإفريقي رامزا بمأساة هيروشيما :

    قد لاحت أضواء المرفأ

    لم تبق سوى بضع صخور

    سيق الأطفال إلى سجن أورندى

    رقصت نار في أكواخ الزاندي يا إفريقيا

    هذه الأبيات ترجعنا قليلا إلى مأساة الكونغو التي تفاعل معها الكثير من الشعراء السودانيين، عندما سفح دم لوممبا الذي كان يقول في آخر رسالة مخاطبا زوجته (انه الكنغو، انه شعبنا المسكين الذي صار الاستقلال له قفصا ينظر إلينا من وراء قضبانه العالم الخارجي.. أنى اعلم وأحس من قرارة قلبي أن قومي عاجلا أو آجلا سيخلصون أنفسهم من الأعداء المحليين والأغراب).
                  

02-20-2011, 09:43 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    جيلي عبد الرحمن ...لمحات من شعره
    الشعر عنده انعكاس للواقع الموضوعي وحركة التطور التاريخي
    بقلم:علم الدين عمر
    (2)


    والحديث عن جيلي عبد الرحمن يكاد لا ينفصل أيضا عن زميله الشاعر تاج السر الحسن الذي تغنى بنشيده المشهور (أسيا وإفريقيا) يحمل رمز الصداقات الأممية لكل دول العالم الثالث, الذي تجسد نضاله و تكاتفه في مؤتمر باندونج في ابريل 1955م يقول في قصيدة (آسيا و إفريقيا):

    قد رأيت الناس في قلب الملايو

    كالمنارات التي شيدها أول مايو

    ولقد شاهدت جومو

    مثلما امتد كضوء الفجر يوم

    أنت يا غابات كينيا يا أزاهر

    يا نجوما سمقت مثل المنائر

    يا جزائر ....

    وقد كتب الكثير من الشعراء السودانيين عن هذه الفترة التحريرية التي اجتاحت آسيا و إفريقيا، كالشاعر صلاح احمد إبراهيم في ديوانه (غضبة الهبباي) و الشاعر محمد المكي إبراهيم في ديوانه (أمتي)، إذ يقول في قصيدة (21 طلقة لهانوي):

    إنا سعيد أيها الأشقاء المقاتلون

    ان ننتمي للأمم المقاتلة

    الأمم النبيلة المقاتلة

    و ان نكون أسرة واحدة

    نقتسم الخنادق و نقتسم البنادق

    وننحني على جراح بعضنا

    باللطف والرقة والتقبيل

    والشعر عند جيلي عبد الرحمن يمكن ان نلخصه في منظور شامل يحتوى على عدة تفصيلات زمانية و مكانية : التفصيلة الأولى هي نقل تجربة واقعية عن الريف بكل تفاصيله و أبعادها ، إذا ابتعد عنها الكثير من الشعراء السودانيين المعاصرين، ثانيا إبراز عنصر التناقض بين الريف والمدينة. ثالثا التصدي للنقيصة بل و المفاخرة بها فهو يرى (ان الانتماء الطبقي ليس عيبا .. وإنما هو قدر وشرف للكادحين الذين وضع التاريخ على عاتقهم عبء ومسؤولية التغيير الثوري) ويرى أيضا ان مثل هذه المسؤولية تستلزم تغييرا في أدوات التعبير كاستبدال الألفاظ العتيقة من القاموس الشعري بكلمات دالة بسيطة موحية, كانت فيما مضى محرمة شعرياً وقد اكتشف الواقعيون ما فيها من غنىٍ .. رابعا استخدام البناء الدرامي مثل الحوار و المنولوج الداخلي و الفعل المضارع الذي يساعد على تحضير الإحداث و تشخيصها . وأخيرا رسم لوحات بشرية تقرب المسافة بين القصة و الشعر ذات تفاصيل ولقطات دقيقة تكون في تآزرها وحدة مضمونية وشكلية.

    هذا الطرح السابق يجب ان نضعه في الاعتبار علك تأتى بجديد يكسر قناع الرتابة والتقليد في الشعر العربي المعاصر، ولكي يخدم الشعر في مجال الإبداع و المشاركة الوجدانية والاجتماعية. وإذا نظرنا بصفة خاصة للشعر السوداني المطروح في الساحة الأدبية في هذه الفترة، نجد ان الكثير من الشعراء بدأوا ينغلقون في نطاق الذات الضيق ،البعيد عن الواقع الموضوعي ، حتى قد أصبح الشعر عند البعض غاية في حد ذاته مما أبعد الشقة بين المبدع والقارئ. شيء آخر أيضا هو التأثير الوافد من أدب اللاوعي الأوربي كتهويمات إليوت، وعبثية رامبو، ولامبالاة جيمس جويس والبير كامو.

    ويبادرنا جيلي عبد الرحمن مؤكداً ما سبق في قصيدة (أوديب الذي لا يعشق ) كاسراً قناع الانهزامية والإحباط ، متفائلا بغد أجمل :

    فإلى متى يا رفقة الكلمة

    نجر الليل نصلبه على أجمة

    متى يسرى شباب النور في أعماقنا الهرمة

    نشم حياتنا فجرا.. ربيعا مورق النسمة

    إلى:

    أمانا ان نكن أنقى من الأنجم في الصيف

    كليماتي أفيق بها ..تعرى ظلمة الزيف

    ونهج جيلي وآخرين في التزام الواقعية حتى الآن يواجه بشدة من قبل المقلدين الذين يريدون إعادة الثقافة العربية في وضعها العشائري القديم. لكن الشاعر جيلي عبد الرحمن لا ينظر إلى وراء إلا بمنظار المستقبل. ويسمى الدكتور محمد النويهي هذه النزعة- في كتابه (اتجاهات في الشعر السوداني)- بالنزعة التبشيرية ..وهو يرى أيضا (ان عالم الثقافة يجب ان يكون حرا مفتوحا لجميع المدارس والاتجاهات تتعارض وتتنافس ويختار منها الناس ما يرونه أصلح لحالهم وانسب لأحوالهم الخاصة فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

    وأدب الواقعية الاشتراكية قد لا يخلو من النقد خاصة من ناحية التكنيك لان مسألتي البعد المكاني والزماني في الشعر إذا ما تلازمتا إبداعا وصدقا، يأتي العمل متكاملا، وبرؤية مستقبلية فعالة أو بكلمات أخرى.بعيدا عن التقريرية والابتذال، والمبالغة في القضايا الأممية التي تبعد المبدع عن الواقع الموضوعي المعاش.لذا نجد جيلي قد تنبه لهذه الهنات، فأتى شعره صادقا وواضحا يقول في قصيدة (يهتز الشارع يا لوركا):

    يهتز الشارع مثل دمائك في غرطانة

    والأوتار تشد نياطه ..!

    كم غنيت الحرية والموت

    فالحرية تلد الفرحة للناس

    والموت رقاد لا غيمة فيه ولا صوت

    ما أعمق هذا الإحساس

    أعلي ما في قريتنا مئذنة المسجد

    جدي كان ينادى فيها الفجر

    فليرحمه الله ... جدي جمجمة في جوف القبر

    جدي فلاح من حلفا

    لم ينهر يوما ضيفا ..

    كتب جيلي الكثير عن هموم البسطاء، حبهم ... فرحهم .مأتمهم. ... الإنسان، الأرض، الحب..
    حتى تعامله مع الحبيبة لا ينفصل مع تعامله مع هموم الوطن، والرومانسية عنده مرتبطة بالواقع ، يقول مكسيم جوركي (يجب ان يرتفع فننا إلى ما فوق الواقع ، وأن يرتفع الإنسان فوق هذا الواقع أيضا ، بدون ان يفصله عنه).

    حديثك يا أخت مثل الرطب

    أكلناه بعد احمرار المياه بشائر

    حديثك بعد ثمار العنب

    تشهاه بعد الغياب مسافر

    وصوتك في ارتعاش الضفائر

    حديثك ثائر

    وذكر دكتور تاج السر الحسن - زميل جيلي في الغربة والنضال - في الملحق الثقافي للصحافة العدد(68) (ان الصراع في الفن كالزلزال يطفح برحم الأرض أريد صرخة الوعي في موكب هذه الأمة ..أقول ان الثقافة الإنسانية اتجاهان .. اتجاه إلى الأمام واتجاه للخلف ..اتجاه يريد لهذه الثقافة ان تظل في وضعها العشائري القديم ، أو العودة إلى الخلف والشاعر أو الأديب هو جزء لا يتجزأ من واحد من الاتجاهين).

    وجيلي عبد الرحمن ليس شاعراً فحسب بل ناقد وأديب، ومتتبع لحركة الوعي الأدبي في العالم العربي اجمع.نجده يضع أزمة القصيدة الحديثة في العالم العربي فيما يلي: أولا شح وفقر القاموس الشعري وكثرة الترديد مما يؤدى إلى درجة الاستلاب .. ثانيا وقوع الكثير من الشعراء في شبكة الغموض كهدف في حد ذاته ،خاو من الدلالة ، ثالثا افتعال الرمز وإقحامه بدون مبرر لدرجة ان بعض القصائد قد تكاد تكون معادلات رياضية ويقول (ان وظيفة هي جعل التجربة أكثر شمولا ونفاذا وعمقا لا طلسمة التجربة وتحويلها (أكلشيها) جامدا .رابعا ابتعاد الصلة بين الشاعر والمتلقي ذلك لانصراف الشعراء عن هموم الناس وقضايا العصر الحقيقة .
    منذ البداية الشعرية الأولى لجيلي في مصر وعلى الصفحات الأدبية لمجلة الآداب. كان جيلي ناضجا شعريا وفكريا، يكتب بأسلوب بسيط قريب من لغة الناس العادية. وبالرغم من انه عاش في مصر ، إلا أن عبري ونخيل شمال السودان وهموم الفلاحين في ذهنه. لم يحد عن ذلك لمدة ربع قرن من الزمان. يقول في قصيدة (عبري)، والتي وردت في ديوانه (قصائد من السودان):

    وساقية مرتجة تجرجرها قوى الثور

    وتجثم خلفها الأخرى وتشكو قسوة الهجر

    اجل قد ماتت الأبقار والمحصول لا يغري

    ونجري نحن أغرارا ونلقي الطوب في البئر

    ونبني كوخنا المختار بالطين وبالصخر

    فمأدبة بلا خبز وزيجات بلا مهر!!

    لم يسلم رواد الواقعية في مصر - والتي كان ينتمي إليها جيلي عبد الرحمن - من النقد للاذع نذكر على سبيل المثال محي الدين إسماعيل نقده ونقده للعرض الذي قدم به ديوان جيلي وتاج (قصائد من السودان)- في مجلة الآداب – دون ان يقرا الديوان . فقد وضع محي الدين إسماعيل شعر جيلي عبد الرحمن ضمن مدرسة وهمية لم يوضحها. ودليله على ذلك إيراد بعض الأبيات ، وربما يقصد (مدرسة الواقعية الاشتراكية) . ورد عليه الناقد سمير تنير في العدد التالي من مجلة الآداب:(ما عيب المدرسة التي تستلهم أحداث وطنها وبيئته وآلامه ؟) ورد عليه أيضا نجيب سرور "أما ان يقول ان هناك مدرسة شعرية من خصائصها كذا وكذا، وإنها تشكل فيما بينها شبه عصابة تتجنى على الشعر .. كلا يا صاحبي.. إننا نعرف ان هناك ظاهرة نفهمها كما نفهم كل ظاهرة اجتماعية ونعرف حدودها وإمكانيتها، ونعرف الشعوذة التي تحمل اسم الثقافة .. نعرف تلك الزخارف والاستعراضات ونؤمن بأن الثقافة قضية كيف لا قضية كم".

    وأخيرا يجب ان نقول إن الشعر عند جيلي عبد الرحمن هو انعكاس للواقع الموضوعي في وعيه بحركة التطور التاريخي في السودان وارتباط الإنسان بالأرض . لذا التزم جيلي هذا الدرب في حضور دائم مع معاناة بلاده رغم الغربة والحصار؛ وكم نتمنى ان يكون جيلي بيننا حاملا لواء الحركة والإبداع في مجال الساحة الأدبية السودانية.
                  

02-22-2011, 10:01 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    الطائف وزهرة الليل

    إلى الشهيد الإنسان حسن الطاهر زروق
    شعر: جيلي عبد الرحمن

    imagesCAYB53OD.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    حسن الطاهر زروق


    *****


    وأينعت علقما وغناء

    "زهرة الليل"

    للفقراء انتشاء

    قرنفلتي الحمراء يا سيدي

    ومشرحة تتجمد فيها العروق دماء

    وتخجل مئذنة المسجد

    تتعثر.. كنت تجاهدها

    في دجاها.. أزقتها النابحة

    كلاب تعض عصافير

    طارت بلا أجنحة

    وأنت تناشدها

    من أم درمان أتيت

    وملء قميصي شذا الأضرحة

    فلا تنهشيني

    مسيحا شهادته الأسلحة!

    داهمتك فدعني أطاردها

    وأنيابها في دم المذبحة

    برعمت زهرة الليل كأسا من الحنظل

    وكانت تسقسق من راحتيك

    عناقيد كالسنبل

    وتوتا وظلاً علي جدول

    وكسرة خبز بماء وملح

    مع النخل والأهل

    يلتام جرحي

    وتثمر ليمونة تستثير البكاء

    وأحببت مسك المناشير

    شعارا مع الليل

    اختفاء من الأعين الجارحة

    ويزكم أنفك برد وثلج

    فذا الصيف يا رفقة العمر أهدر

    وهو يشيع

    زنابق مترعة الرائحة

    زهرة الليل تخجل.. تتألق

    وأنت تغيب وراء الأفق

    أنيساً

    تجادلني رحمة

    وحياء

    تطالعني فجأة

    وكل الفصول

    وعمري النزق

    فداء الذي قد تناءى

    وصلى ثناء لأقطارها النائحة

    وأشعل فينا ضحى البارحة

    *****
                  

02-25-2011, 02:09 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)


    جيلي عبد الرحمن وحركة التجديد الشعري أو: شرف الريادة

    بقلم: أحمد عبد المكرم (1)


    جيلي عبد الرحمن..هذا الذي جاءنا من (عبري) وكأنه أمشاج تكونت من تربة هذا الوطن السودان، من طمي نيله، وسمرة أرضه الخضراء، اشتعلت لتضئ لنا ولأجيال قادمة الطريق لغد أفضل ينمو ويتصاعد من خلال مخاض الميلاد العسير)..

    الشاعر تاج السر الحسن كلمتان أساسيتان في هذا العنوان الطموح تثيران جملة من الأسئلة المفاهيمية الصعبة وهاتان الكلمتان هما :لفظة (التجديد) ولفظة (الريادة)فعلى الصعيد الاصطلاحي اوالمفاهيمي ..تحمل هاتان المفردتان معان ثقالا يحتاج إثباتها إلى عدة نقدية صارمة وحساسية أو مقاربة تحليلية بارعة..لاستجلاء الوقائع والحيثيات..فمفهوما (التجديد )و(الريادة) وخاصة فيما يتعلق بأعمال الخلق الجمالية مصطلحان يوحيان بالتفرد والعبقرية.. ولكن مع ذلك فليس كل كتابة هي بالضرورة تجديدا.. كما وأنه ليس كل تجديد ريادة غير أن الفرق بينهما جد دقيق.
    ولا يمكن استجلاؤه إلا بقراءات عميقة مستوفية.

    وهذا المقال المختصر..حينما يربط أسم شاعرنا جيلي عبد الرحمن بمظان هذين المعنيين.. في تجربة الشعر العربي المعاصر.. فانه يدرك جيدا حجم المصاعب التي يمكن أن يواجهها مثل هذه المسعى.. في ساحة حافلة بالكثير من اللغط والجدل التاريخي والنظري – معا – بشأن مولد وتطور مسار قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر في الثقافة والإبداع العربي المعاصرين.
    ولهذا فان المقال.. ومنذ البداية يود التنبيه إلى انه سيتعرض للموضوع من زاوية التجربة الحية التي خاضها جيل شعراء الخمسينيات من السودانيين الذين درسوا في مصر وعاشوا في أجوائها الثقافية ونهلوا من معين إبداعها.. فتفتحت قرائحهم مبكرا لقول الشعر فتأثروا وأثروا في مسار قصيدة التفعيلة.. وأضافوا الجديد لموضوعاتها وإنجازتها الجمالية.. بل كانوا – وبشهادة العديد من النقاد – من فرسان جيلها الثاني.. ينشدون الشعر جنبا إلى جنب مع البياتي وصلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطى حجازي وغيرهم..

    والمقال من ثمة.. ينطلق من افتراض أساسي واحد هو:إلى أي مدى استطاع الشاعر جيلي عبد الرحمن.. وزملاؤه من الشعراء السودانيين في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي.. التأثير في تطور قصيدة الشعر الحر المصرية وبالتالي تجربة القصيدة العربية الحديثة ؟!

    سؤال مهم.. لا يدعى المقال إمكانية الإجابة عنه أو ما يفترضه من مزاعم..ولكن ولكن عزاءنا الوحيد هو إمكانية طرحه طرحا صحيحا استناد إلى إفادات ووقائع السيرة الذاتية لهؤلاء الشعراء أو ما أفصح به بعضهم من أقوال في حوارات عديدة موثقة أجريت معهم.وإذا كانت التطبيقات النصية – في شأن كهذا مسألة لا غنى عنها لأية محاولة تدوم الإجابة على هذا السؤال.. فأنه يكفينا في هذه العجالة بمناسبة هذا الملف عن تجربة الشاعر.. لفت الانتباه لهذا الموضوع الهام شعريا في تجربة الشاعر..لفت الانتباه لهذا الموضوع الهام شعريا في تجربة جيل الكتاب الواقعيين وانتصاراتهم الأدبية أمام مبحثنا الشعري.. هذا المبحث الذي قصر كثيرا في الاحتفاء بأمجاد رموزنا الأدبية في سياق تفاعلها العربي.. وبالمقابل أنتج هذا التقصير مناخ الخنوع الذي جعلنا واقعين تحت إسار الدونية وسياج العزلة المكينة التي ضربناها حول أنفسنا برغم إشراقات لامعة حفلت بها مسيرتنا الأدبية في شتى المجالات ولكننا ارتضينا ومنذ زمن طويل دور المتلقي والمستهلك النجيب لمنتجات الآخرين الثقافية. والحقيقة أن هذه التجربة (التجديدية) السودانية المؤثرة في الواقع الشعري المصري التي أسهم بها شاعرنا الكبير جيلي عبد الرحمن وأبناء جيله (شعراء المهجر الجديد) كما أسماهم مرة الدكتور النويهي.. تعتبر الأمثولة السودانية الثانية في هذا المقام.. مقام الريادة والتجديد في مسار الإبداعية العربية المعاصرة..إذا ما وضعنا في الحسبان الآثار الأولى لمعاوية نور..وكذلك ما حققته في مرحلة ثالثة في الستينات.. إنجازات الطيب صالح العميقة في المجال الروائي.
    وفى مسعانا لوضع هذه القضية أمام فعاليات الحركة النقدية لدينا..فإننا سوف نعتمد في صياغة حيثيات السؤال.. على الإفادات أو المقاصد الواعية لممثلي تلك التجربة الشعرية الفريدة..

    وما أفصح عنه بعض النقاد العرب بشأنها إضافة إلى مقارنة مختصر مابين رواد النهضة الأدبية بدايات القرن العشرين وعلاقاتهم بالحركة الثقافية المصرية، وما فعله جيل الخمسينيات (من المهجرين الجدد) في هذا السياق التفاعلي بين الثقافتين.
    العلاقات الثقافية السودانية المصرية:
    قبل ما يزيد قليلا عن ثلاثة عقود على سطوع اسم شاعرنا جيلي عبد الرحمن في سماء الشعر والحركة الأدبية المصرية بدايات خمسينيات القرن الماضي.. كانت جذوة العلاقات الثقافية والإبداعية بين السودان ومصر – وخاصة في المجال الشعري – قد رسخت عراها.. وبلغت محاولات الأدباء السودانيين المتطلعة لكل ما هو جديد ومبتكر تجود به الحركة الثقافية المصرية..شأوا بعيدا حتى كاد كل ما أنتجه المبدعون السودانيون – في تلك الفترة – أن يكون صدى وانعكاسا مباشرا للأدب المصري ويكفى أن النهضة الأدبية في عشرينات وثلاثينيات القرن العشرين ما كان لها أن تتم بالصورة التي كانت عليها.. دون ذلك التطلع الشغوف الذي كان يمحضه رجالات تلك النهضة لكل ما هو مصري..ولكل ما يحدث فيها من تطورات حملتها إليهم الصحف والكتب المصرية.. التي كانت (ترد إلى السودان بغير انقطاع منذ الحرب العالمية الأولى..فعلى الرغم من محاولة الإنجليز منع تسرب الصحف والمجلات المصرية إلى السودان كانت هذه الصحف والمجلات تصل إلى القراء بشتى الوسائل والحيل كلما أمعن الإنجليز في منع المجلات والصحف المصرية من دخول السودان.. كلما ازداد شغف السودانيين وتعلقهم بها ).
    وبما تقدمه إليهم من معارف هم في أمس الحاجة إليها.. مع العزلة العميقة التي أحاطت بهم وبالمجتمع السوداني الخارج لتوه من ظروف المهدية.. وبالذات كان لتدفق الكتب والمجلات المصرية (أثر بالغ الخطر في الفكر والسياسة والثقافة. فتأثر أدباء السودان بأدباء مصر، وشعراؤهم بشعراء مصر، جاروهم مقلدين في بعض الأحيان، ومنافسين أحيانا في كثير من أغراض الشعر وموضوعات البحث والأدب التي كانت تشغل الناس في تلك الحقبة من الزمان.وانقسم الأدباء ما بين محافظين ومجددين في السودان ).

    واشتعلت وتعمقت على أثر ذلك الصراعات والمعارك الأدبية مابين المحافظين والمجددين وعلت حدة خطاب الأجيال الأدبية الصاعدة في نقدها لشيوخ الكلاسيكية من الشعراء الاتباعيين بالنهج الذي فعله كل من حمزة الملك طمبل وزميله الأمين على مدني.. من خلال تحريضهما لناشئة الأدباء بالثورة على المقلدين التقليدين والسير في ركاب التجديد والمجددين في الأدب العربي..فها هو صاحب كتاب (أعراس ومآتم ) الأمين على مدني يقول: يجب (علينا أن نقلد رجال النهضة الأدبية العصرية وأن نقتفى أثر الأدب العصري، نحن في حاجة إلى كاتبا (مقلد) يقلد الأستاذ العقاد في فصوله ومطالعاته لعبد الحميد الكاتب؛ وإلى ناقد يقلد الدكتور طه حسين في حديثه لابن رشيق. في حاجة إلى أديب يقلد الأستاذ كامل كيلاني في نظراته، هذا إن كان لابد أن نقلد فنقلد هؤلاء وما شاكلهم من رجال النهضة الأدبية المصرية).. ويقول أديب آخر.. موجها حديثه إلى الأدباء المصريين (أجل إننا نسير وراءكم ونحاكيكم كما يحاكى الطفل أخاه الأكبر.لكن سيرنا ببطء وبخطوات متزنة لأننا نخشى الكبوة ولأمن سوء العاقبة).

    إذن، فباب الشغف بمصر وثقافتها وأعلامها في مختلف مجالات المعرفة كان بمثاب عقيدة راسخة أسهمت في إثراء الفاعلية الأدبية السودانية بتيارات وأساليب كان لها أبلغ الأثر في تكوين الحياة العقلية السودانية بشكل عام والأدبية بشكل أخص.. وحتى عندما أثمرت نتائج هذه العلاقة..عندما تمايزت الأصوات واختلفت في صلب الحركة الأدبية الناشئة..فقد كان اختلافها هو في إتباع أو تقليد هذا الاتجاه أو ذاك، أو هذه المدرسة أو تلك من تيارات الأدب والثقافة المصرية.. وفى الاعتراف الصريح الذي جهر به الأمين على مدني ما يكفى (وإن كان لابد أن نقلد.فلنقد هؤلاء وما شاكلهم من رجال النهضة الأدبية العصرية ).

    لقد كان التجديد في عرف متمردي جيل النهضة الأدبية بدايات القرن العشرين لا يطمح إلى أكثر من تقليد الاتجاهات الطليعية المبكرة في الواقع الأدبي المصري..

    ولم يتجاوز لدى كلا الطرفين (التقليدين والمجددين) مقتضيات الإتباع أو التلمذة المخلصة للأفكار والاتجاهات المتنافسة في الحركة المصرية..جماعات الديوان وأبوللو وخصومهم في المدرسة الكلاسيكية الجديدة (شوقي وحافظ ).

    صحيح أن مدرسة الفجر في الثلاثينيات قد طرحت وناقشت مفاهيم متعلقة بهوية الأدب السوداني وما ينبغي إن يكون عليه..وأثارت قضايا البعد القومي إلا أن تلك التساؤلات مع جديتها لم تكن إلا مناسبة للإفصاح عن الأبعاد الأخرى المؤثرة التي رفدت البنية الثقافية السودانية.. نتيجة لما اكتسبه المثقف والمتعلم السوداني من مصادر جديدة مغايرة بإتقانه للغة الإنجليزية وآدابها التي ربطته مباشرة بأوثق الروابط مع تيارات الأدب والثقافة الغربيتين الأمر الذي جعل بعض أدباء تلك المرحلة يفاخرون بمعارفهم الواسعة في هذا الجانب.. فها هو المحجوب على سبيل المثال يتعالى على الثقافة المصرية حين يصفها بقوله (أن الأدب المصري الحديث عربي الثوب؛ أما الروح فإنها أوروبية).
    على كل حال فانه ليس من أغراض هذه المقالة التاريخ لفصول العلاقة مابين الحركتين الثقافيتين السودانية والمصرية.. ولكن كان الغرض من هذا العرض المقتضب هو إبراز درجة التحول الايجابي الكبير الذي حققه جيل شعراء الخمسين من الواقعيين (جيل جيلي ) في طبيعة وأساسيات هذه العلاقة الاتباعية والقفز بها مرة واحدة إلى مصاف الندية والصالة الإبداعية.. بل والإسهام الفعلي في مشروعات التجديد الأدبية.. حتى وصف الناقد الكبير محمود أمين العالم دورهم بالريادة..حين قال (وكنت أعتبر جيلي ود.تاج السر الحسن )والمجموعة السودانية من رواد الشعر الحديث.

    يتبع..

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-26-2011, 02:34 PM)

                  

02-25-2011, 02:17 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)



    جيلي عبد الرحمن وحركة التجديد الشعري أو: شرف الريادة

    بقلم: أحمد عبد المكرم
    (2)


    جيلي والتجديد الشعري:
    لاشك أن شاعرنا الكبير جيلي عبد الرحمن من خلال منتوجه الشعري وخصائص تجربته الإبداعية الفريدة كان أحد رواد القصيدة العربية الحديثة دون منازع كما أكد على ذلك الناقد محمود أمين العالم؛ وما أكدته كذلك مجموعة محترمة من النقاد العرب المعاصرين على اختلاف مواقفهم ولكن في نهاية الأمر فأنهم اعترفوا له بالأصالة ورقى الأداء والموهبة..حتى إن (أفضل معرض لجلاء شاعرية جيلي عبد الرحمن في أنسب الأوضاع وأحسنها تمثيلا للقسمات التي تجسم مكمن (الفذادة) ومسار التطور، هو ما رافق إعمال الشاعر المنشورة في الآفاق، من متابعات نقدية واكتب مسيرته، مذ كتب عز الدين إسماعيل عن الصورة في الشعر الحديث ).كما أشار الدكتور أحمد محمد البدوي (أنظر شاعر الوقت في سياق آخر ص 87).
    ولا تقتصر عناصر التجديد في شعر جيلي على النواحي الشكلية والتقنيات الجمالية في التعبير الشعري كما أوضح الدكتور عز الدين إسماعيل وحديثه عن الصورة في الشعر الحديث ولكن عظمة (شعراء المهجر الجديد) تكمن أساسا في موضوعات قصائدهم التي بهروا بها الحياة الثقافية المصرية، وقد لفت نظري إلى أصالة هذه التجربة وحيويتها بل والى الموضوع الجديد الذي أضافته لمسيرة القصيدة المصرية زميلة الشاعر الكبير الدكتور تاج السر الحسن. في حوار أجريته معه لمجلة الأفق القبرصية أوائل التسعينيات.. حيث أكد شاعر (ديوان القلب الأخضر) في حيثيات ذلك الحوار - بعد أن وصف الجو الثقافي الذي انطلقوا منه- (نستطيع إن نقول إن إسهام الشعر السوداني في هذه الفترة (يعنى الخمسينيات ) لم يكن يلعب دور المتأثر فقط..ولكن كنا نؤثر أيضا في مسار الحركة الشعرية بمصر وذلك باعتراف عدد كبير من المصريين بهذه الحقيقة.حيث أضاف الشعراء السودانيون بمصر موضوعا جديدا سائدا، وهو الشعر الرومانتيكي، أو ألابتداعي الذي يصور الحياة (في القرية المصرية) كامتداد لما كتبه (احمد إسماعيل )وتأكد على يد (فوزي العنتيل )وكمال نشأت، نزعت قصيدتي إلى البساطة والى ما سمي وقتئذ بالتعبير عن النقيصة دون وجل أولف حولها، وقد التقيت في ذلك مع الفيتوري وتاج السر الحسن في البداية كانت صدمة للمجال الأدبي المصري، ثم أصبح الأمر عاديا).

    ويتضح لنا من هذا العرض الذي أفصح عنه شاعرنا إن تعبيره الشعري عن حياة الشظف التي تسود المدينة أو ثالوث (الفقر الجهل والمرض ) الذي يرزح تحت وطأته الريف أو القرية كموضوع رئيسي له لم يكن مجرد ردة فعل تلقائية لظرفه الاجتماعي وتجربته الشخصية وحسب- وهو ابن القرية البسيط – ولكن جاء نتاجا منسجما مع تطور نظرته ووعيه للتناقضات الكامنة خلف الفوارق القائمة بين عالمي الريف والمدينة تلك التي أمدته بقوة إضافية استطاع أن يجسدها في النضج الفني الكبير الذي عكسته أعماله بعد مرحلة البدايات ويقول جيلي في شأن هذا المعنى (بعد الإدراك بان التناقض ليس قائما بين القرية والمدينة بحد ذاتهما، بدأت معمارية القصيدة تنضج أكثر ،وأكتشف علاقات طبقية داخل المدينة وفى أعماقها وبذا تم التحول الناجز لدى الشاعر من البراءة الرومانسية والعفوية إلى الوعي السياسي الذي ادخله بامتياز ضمن تيار الواقعية الاشتراكية في الأدب العربي بل واحد رموز الشعر الجديد.. وهنا يقول محمود أمين العالم (إن شعر جيلي كله كان جزءا من عملية التغيير في الشعر العربي لاشك في ذلك، وكان جزءا من الكوكبة العربية التي أحدثت التغيير مع صلاح عبد الصبور وعبد المعطى حجازي وغيرهم من الشعراء في مصر والعراق والشام..الذين خاضوا مرحلة جديدة في الشعر العربي). وحين نتأمل كفاية في الإبداع الشعري لجيلي عبد الرحمن فإننا نجد أن الموضوع الريفي في قصائده الأولى قيمة فنية لا تلعب دور الحيلة أو التنميق اللفظي أو اللغة الغنائية الفضفاضة كما هو شائع في الخطاب الرومانسي الذي حينما ينزع إلى موضوع الريف، إنما يلجأ إليه باعتباره نوعا من الحنين إلى عالم البراءة والبحث عن الجنة المفقودة وهى في هذا المسعى (أي القصيدة الرومانسية) لا تأبه إطلاقا لإنسان الريف المكدود بالعمل المضني والبحث عن لقمة العيش، ولا ترى بعين فاحصة إلى ذلك الثالوث المرعب من الفقر والجهل والمرض الذي ينيخ بكلكله على ظهر الإنسان القروي كما القدر الذي لا فكاك منه .. نعم تلك هي القصة.. فشعراء من صنف جيلي ما كان لهم إن ينظموا الشعر وما ينبغي لهم أن هم اغفلوا هذا الواقع وانخرطوا في اتباعية ما تتوخى العجلة إلى الشهرة أو الاعتراف بالموهبة.

    لقد كان الإصرار وقوة العزيمة في خوض هذه المعركة المقدسة.. يفضح علاقات الظلم والواقع الإنساني البشع عن طريق الشعر ..هو الدافع الأكبر الذي حدا بجيلي عبد الرحمن وزملائه في تلك الفترة من توظيف ما يملكونه من موهبة في النظم وقول الشعر، سلاحا قويا عالي الصوت ينبغي بكل ما يعنيه الظلم الاجتماعي من معان لا إنسانية. وأحسب أن ذلك هو الذي أهلهم ووضعهم في مقدمة رواد الكتابة الجديدة والمتمردة التي تروم واقعا أفضل للإنسان ومستقبله في هذا العالم.

    وفي النهاية، لا نود أن نقول بأن هذا المقال المختصر حول تجربة التجديد والريادة الشعرية التي أسهم بها جيل الخمسينيات في حركتنا الأدبية..ممثلة في شعراء الواقعية الاشتراكية..ممن عاشوا بمصر.. وعلى رأسهم شاعرنا الكبير جيلي عبد الرحمن..هو مقاربة نقدية لذلك الإنجاز الإبداعي الباهر.. ولكنه – أي المقال – في أقصى مطامحه.. لا يتعدى إثارة السؤال.. ولفت انتباه حركتنا النقدية لواحد من أكثر مفاصل حوارنا الخلاق أصالة وندية في حقل الثقافة العربية المعاصرة.

    هوامش:
    1.إبراهيم الحاردلو – مقال (النهضة الأدبية فى السودان).
    - مجلة الخرطوم – العدد الخامس – السنة السادسة – سبتمبر 1974م ص 104.
    2.نفسه ص 04.
    3.انظر د.مختار عجوبة – مقال (أصول الدعوة للأدب القومي في السودان )ص 34.
    4.نفسه ص 38.
    5.نفسه ص 38.
    6.محمود أمين العالم (كتاب جيلي عبد الرحمن..شاعر الوقت في سياق آخر) مركز الدراسات السودانية – تحرير ألياس فتح الرحمن ود.حيدر إبراهيم على – القاهرة 1996م – ص 29.
    7.نفسه.ر أجراه الكاتب مع الشاعر تاج السر الحسن – مجلة الأفق القبرصية – العدد 304- سبتمبر 1990- ص 43.
    8.نفسه ..ص 43.
    9. نفسه ..ص 43.
    10. نفسه ..ص 43.
    11. نفسه ..ص 43.
    12.حوار مع جيلي أجرته الصحفية المصرية وفاء حلمي – (شاعر الوقت )- مركز الدراسات – القاهرة 1996- ص 176.
    13.نفسه ..ص 159
    14.نفسه .. ص 22.
                  

03-01-2011, 07:48 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    البحر والمنفي
    إلي الرفيق الحر السجين
    عبد المجيد شكاك

    شعر: جيلي عبد الرحمن


    sudansudansudansudansudan128.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبدالرحمن


    واعذروني

    إن سئمت الكأس والصرخة تنفي من قيود المجد

    من يرصف دوني ؟

    ودنان الخمر هذا البحر شرياني الذي ينزف في الغربة

    أشباح جنوني

    وتجاعيد التراب الجهم في قيد سنيني

    وانحناءات الجبين

    ودعاء ألأم يقظى خلف باب الفجر يدعوني

    وقلبي نقرته لقمة العيش المهين

    واغفروا لي أن رقصنا في خريف العمر في ورد الذبول

    وارتشفنا رائق (البيرة) من كفين كالسحر الهيولي

    واراكم في البوادي

    مثل أشباح صوادي

    واستبحت الليل في عينين .. في سجنين

    صحراء تذر الرمل في البحر الجميل

    واستحالت جوقة السهرة أنات السليط

    يا عذارى النشوة الخضراء غاص الدفء في وجه القتيل

    واتاني

    كشراع البحر مفتون ألأغاني

    أينا العاجز في سجن الزمان؟

    أينا المغمول في بئر الهوان؟

    قم وعانق واحة الفرحة بارك نبعها من اجلنا

    وتخطر مثل ليل في صحاري ليلنا

    إن داء الحزن أردانا الغفار !

    لن يسوق البحر للمنفي وقاع الموج فينا

    هل يجف الحب في القلب دفينا ؟

    والمنافي اللعنة الغبراء أشعلنا دجاها

    معبد العمر جليل

    كيف تطويه انتحارا

    أيها الخيام آتون علي نبض ألأغاني

    شعرك الغجري

    رعاف المعاني

    افتحي الأبواب يا خرطوم

    تغردن يتامى وعذارى

    "واذكرونا مثل ذكرانا لكم "

    نحن أسرى الشعر والدوبيت ألحانا وسكرا

    أصدقائي..

    مترع كوبي من ريح الصحاري

    نحن منكم دفقة الخير

    وعرس للدماء

    فاعذروني أصدقائي إن رفعت الكأس في هذا المساء

    لنسور ظامئات جنحها المشبوب طار

    كبلت في العتمة المنفى وسجن الكبرياء

    *****
                  

04-26-2011, 08:46 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)



    sudansudansudansudansudan41.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الشاعر جيلي عبد الرحمن


    حين أجهش المذياع ..جيلي قد رحل !!
    ظل جيلي قويا ، متماسكا حتى بعد أن فقد بصره قبل رحليه .

    بقلم د.نعمات خضر


    تعود هذا العام الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الشاعر الفذ والإنسان الكبير جيلي عبد الرحمن .. لقد سبب لي ولغيري المرض الذي داهمه ثم أودى بحياته آلاما ممضة بعد أن عانى لعام كامل من مرض الفشل الكلوي .
    ولأن الطبيب وهو يمارس مهنته كثيرا ما يصادف مرضا عضالا أو انهيارا عصبيا، أو حادثا مروريا تحطمت بسببه عظام ضحاياه .. إلى غير ذلك، إلا أن لمرض جيلي عبد الرحمن ورحيله المحزن من الآثار مالا تقوى يد الزمن أن تمحوه من الذاكرة ..ذاكرة الناس الذين عرفوه إنسانا عظيما وشاعرا فذا وفنانا يندر أن يتكرر .

    عرفت جيلي باكرا فدى طفولتي، وحفظت عن ظهر قلب قصيدته (أحن إليك يا عبري ..حنينا ماج في صدري ).. وحين سافرت إلى موسكو لدراسة الطب في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، التقيته مرات ومرات .. كان الصيف في موسكو جميلا جمال المدينة ذاتها .. وظل كثير من السياسيين والمبدعين من إفريقيا وآسيا وغيرها، وخاصة من البلاد العربية يترددون على زيارة الاتحاد السوفيتي (السابق): محمود أمين العالم وميشال كامل ولطيفة الزيات وجيلي عبدا لرحمن ومعين يسيسو ومحمود درويش وسميح القاسم والشيخ إمام واحمد فؤاد نجم واحمد طه وخالد محي الدين وغائب طعمة فرمان وغيرهم كثير.
    وبسبب مجيء هؤلاء الكبار ، كانت قاعات موسكو وميادينها وحدائقها تضطرم بالندوات والليالي الإبداعية التي تقام على شرفهم .. شعرا ونقدا ونثرا وموسيقى ..
    كانت لتلك الأيام نكهة خاصة وكان لجيلي عبد الرحمن نصيبه، بل كان له القدح المعلى في تلك اللقاءات .

    وحين رحل الشاعر محمد المهدي المجذوب، أقام الاتحاد العام لطلاب السودانيين بموسكو حفل تأبين في يوم الأربعين لرحيله . تجمهر طلاب كثيرون من اليمن (بشطريه آنذاك) ومن العراق والسودان ومصر وسوريا ولبنان والأردن والمغرب .. اعتلى المشاركون المنبر وتوسطهم جيلي عبد الرحمن، ثم الشاعر المرحوم عبد الرحيم أبو ذكرى على يمينه وعلى يساره الشاعر والروائي بشرى الفاضل.. قرأ جيلي عبد الرحمن في رثاء المجذوب قصيدته (اخضرار المطر اليتيم :اذكر منها:

    يتامى غروبا ،شروقا
    يتيم هو المطر الزعفران
    ولم يتهلل .. بروقا
    هو الشعر .. يضرب طبل الطرب
    مجاذيب قد مات منشدها
    ونيرانهم تستجير قد مات منشدها
    ونيرانهم تستجير وموقدهم
    لواء .. ندر العيون عقيقا
    ومنتصرون يتامى
    أباريقهم من رحيق العنب
    خواء وريق الظماء يجف حريقا

    وشارك أبو ذكرى وبشرى الفاضل بقصيدتين نسيت عنوانيهما، ثم تلا بشرى الفاضل قصيدة الشاعر محمد المكي إبراهيم في رثاء المجذوب (برحيلك ينفصل الجمر عن صندل الشعر). قبل انتهاء الحفل (التأبين )انتقلنا الى قاعة اخرى وتواصل النقاش عن المجذوب وعن حياته وحدثني جيلي عبد الرحمن باهتمام عن قضايا تتعلق بالناس والوطن .. لاحظت انه يدخن بكثافة .. وقبل ملاحظاتى عن أن التدخين لا يتناسب ووضعه الصحي ..فرد ضاحكا :
    أوافق يا نعمات
    وردد:

    لم تعد حلما ..على ضغط الشرايين الألد
    ثم قولوا كيفما شئتم ..
    وذروا الترب بعدى

    ثم ضحكنا .. كان من جانبي ضحكا كالبكاء ما أود ذكره أيضا أنني خلال العام الدراسي (1984- 1985) تشرفت برئاسة الاتحاد العام للطلاب السودانيين بالاتحاد السوفيتي .. كانت تجربة ثرة وعميقة فتحت أمامي بعض نوافذ على تجارب الحياة الفنية والمثيرة في آن .. كنت أول امرأة تنال هذا الشرف (رئاسة الاتحاد العام لطلاب)..وربما كانت الأخيرة .. أقول هذا لا للدعاية لأحد. ومن موقع تلك المسؤولية كان ضمن واجباتي إلقاء كلمة لدى تخرج الطلاب السودانيين – الجامعية وفوق الجامعية.. وصادف تخرج طالب دراسات عليا سوداني نال درجة الدكتوراة في العلوم الزراعية (علم تغذية الدواجن) اسمه عثمان .. ألقيت كلمة الاتحاد باللغة الروسية، وتوسعت، مضيفة شعراً للشاعر التركي ناظم حكمت.. يقول ناظم في جانب من القصيدة:

    إذا لم احترق أنا
    إذا لم تحترق أنت
    إذا لم نحترق نحن
    إذا لم نحترق جميعنا
    فكيف للظلمات أن تصبح ضياء

    كان جيلي عبد الرحمن حاضرا .. نهض دونما اتفاق مترجما أبيات ناظم حكمت إلى الروسية قائلا(أنا مترجم فخامة الرئيس (يقصد رئيس الاتحاد) فضج الحفل بالتصفيق والاستحسان ..ثم هنأني متحدثا عن الوعي الذي حققه السودانيون باختيارهم لامرأة رئيس، وأنه وعي مستمد من دور ونضال المرأة السودانية ومن تقاليد شعب السودان العميقة .

    قابلت جيلي بعد ذلك مرتين خلال زيارته للسودان .. تأثرت كثيرا لما بدا عليه من العلة والهزال (انخفاض مريع في الوزن مقارنة بآخر لقاء لي معه).
    يؤلمني أن أجد نفسي أكتب عن الذكرى كذا لرحيل هذا الإنسان العظيم، فقد كان لاندلاع مرضه بصورة وحشية في فبراير 1989والذى أودى بحياته وقع الصدمة على نفسي وعلى كل الذين عرفوه بصفة خاصة وقد اعتبرنا عودة الديمقراطية في ابريل 1985م صفحة جديدة في تاريخ الوطن يمكن أن تمهد الطريق لعودته واستقراره بصفة نهائية في السودان .
    كثير من المصابين بمرض الفشل الكلوي تنتابهم الكوابيس والرؤى الغربية في هذيان تختلط فيه الأزمنة والأمكنة والأشخاص.. وفى اللحظات الأخيرة لحياتهم لا يعودون يفرقون بين اليوم ولا الغد أو الأمس.. ويتنقلون تحت وطأة المرض بهذياناتهم بين رحلة حياتهم القصيرة أو الطويلة بآلامها وعذاباتها.. ويتراءى لهم الأب والأم والأخ والجد والجار والحي والجيران وذكريات ما بعدها ذكريات ’’أنهم ينادون بالخلاص حتى لو كان الخلاص موتا.
    جيلي لم يمر بهذه المراحل سوى الآلام التي نازلها بجلد كما عبر ذلك في رسائله التي نشرتها الصحف وهو في النزع الأخير .. ظل جيلي قويا متماسكا حتى بعد أن فقد بصره قبل رحيله .. وكتب آخر قصيدة له في حياته وهو على فراش الموت، لعله كان يرثى فيها نفسه، ويثبت أقدامه في نهاية الطريق الذي أشع ثم انثنى، ثم بدأ يضيق .. قائلا :

    لم يبق من سناك ما تلألأ
    يا شاعر الزنوج والثكالى
    حتى تقيم جنة الفلاحة
    والعدل يمشى ناشرا جناحه
    فاكهة ، مدائنا ، غلالا.

    عبر جيلي عبد الرحمن بهذه الأبيات عن أن الناس من الذين أحبهم يحتاجون لمن يخاطبهم بالكلمة التي تنفذ إلى القلب وتأسر المشاعر لأن كلمتهم في بساطة الحقيقة.. وفى رسم الصورة التي تستمد ألوانها من بؤسهم وشقائهم ، فهي منهم وإليهم ، وهي قادرة في صدقها وقوة المثل الذي يضربه صاحبها على أن تسكن أوجاعهم وتحملهم على الصبر وقدرة التحمل مهما كانت فظاعة الأوجاع ..
    في مقام هذه الذكرى ، ذكرى هذا الإنسان الفريد أهدى لمرضى الفشل الكلوي بعض أبيات من أشعار ناظم حكمت:

    يا أخواني المرضى ،
    ستبرأون
    وتنتهي آلامكم
    فالموت لا يطوف حول بابكم
    وإنما تطوف حوله الحياة
    وسيحل مساء
    صيف ،
    بهيج ،
    وستحل الراحة
    والعالم الذي يضج
    بالصفاء والضحك

    في مقام ذكرى هذا الشاعر العظيم ،أطلق النداء للجميع أن يضعوا يدا فوق يد ..
    أن يتضامن الجميع مع جهود الشاعر محجوب شريف لإنشاء مركز للغسيل للأطفال مرضى الفشل الكلوي .. وان يدعموا جهود مجلس الأمناء ولجنته التنفيذية – فهؤلاء المرضى جديرون بالحياة الآمنة .

    ***
                  

04-30-2011, 09:01 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    بيت الأدباء
    بقلم سيف الدين حسن صالح


    كان والدي رحمه الله عليه يعمل في إحدى الدوائر الحكومية المصرية ، ويسكن بمنطقة إمبابة بالقاهرة قرر قضاء إجازته السنوية بالسودان وغادر إلى القاهرة مع جميع أفراد أسرتي متوجها إلى الخرطوم ولالتحاقي بالمدارس المصرية آنذاك لم أسافر معه ، وتركني وترك المنزل في رعاية الشاعر جيلي عبد الرحمن ، وانتشر الخبر في أوساط الأدباء بالقاهرة ، وبدأوا يتوافدون على المنزل الذي أصبح منتدى أدبيا وتعرفت في خلال هذه الفترة على العديد من الأدباء والفنانين وكان من بين من تعرفت عليهم على سبيل الحصر إنما على سبيل الذكر السادة عبد الرحمن الخميسي، وعبد الرحمن الشرقاوي، ورسام الكراكتير المشهور بجريدة الأخبار والذي كان يعمل بجريدة المساء المصرية مصطفى حسين، والفنان السوداني المرحوم حسن حاكم، والفنان قطب ، والأديب والشاعر السوداني تاج السر الحسن، والشاعر الفيتوري، وغيرهم من الأدباء والشعراء والفنانين وكنت في صحبة الخال جيلي عبد الرحمن من ندوة شعرية إلى أخرى ومن معرض رسم إلى آخر مكتسبا صدقات الأدباء والشعراء؛ وكل يوم على مائدة طعام مختلفة بدءا من الفول المصري الطعمية الجبنة البيضاء بالبطيخ وصولا للديك الرومي المحشي .

    بالمقابل كان الملتقى هو منزلنا العامر الذي أصبح استراحة للعديد من الشعراء والأدباء وبدأت تظهر على بوادر النعيم فأنا التلميذ المدلل فالكل يهتم بي ووعدني المساعدة التي كانت تشمل النقود والهدايا، خاصة العائدين من مأموريات خارجية أو عائدين من إجازتهم بالريف المصري، فأنني الصغير الوحيد بينهم ويفترض مساعدتي في المصاريف الخاصة والدراسية حتى أصبح لدي من مبلغ كبير من المال ،وكطموح الشباب استهواني امتلاك السلاح الناري وذهبت لأحد المحلات الخاصة ببيع الأسلحة لشاء بندقية نارية ، وبعد مفاوضات مع صاحب المحل دفعت مبلغا كبيرا من المال ثمنا لهذه البندقية وبعد استلام صاحب المحل القيمة رفض تسليمي البندقية وقام بحجز المبلغ لديه، وخيرني بين أن اترك لهم النقود وأذهب لحال سبيلي، وإما إحضار البوليس (الشرطة) لمعرفة مصدر النقود المدفوعة. وفضلت الخيار الأول، وهو ترك النقود ، وذهبت للمنزل فوجدت الأدباء كالعادة في ندوتهم يتناقشون ويتسامرون ويتنافسون ويضحكون وفى الوقت يتناقضون مع البعض منهم ، وعند دخول المنزل التفت الجميع لي حيث كانت هناك الآراء الإصلاحية للبعض منهم، بأنهم يسدون نصحهم في عدم مواظبتي على المذاكرة واهتمامي بحضور الندوات بصحبة خالي العزيز جيلي عبد الرحمن، الذي استقبلني كالعادة بالبشاشة والابتسام وشرحت له، مع اهتمام الحاضرين، ما حدث في محل بيع الأسلحة النارية فتعجب وبدأ الجميع يتناقشون فيما يجب عمله وكيفية حل هذا الموضوع واسترداد المبلغ، تارة بالضحك وتارة بالهزل وتارة بالجد والانفعال ، وتم الاتفاق على ذهاب خمسة من الحاضرين، وبالطبع كان من بينهم الشاعر جيلي عبد الرحمن لمقابلة صاحب المحل ومعالجة الأمر بالفعل ذهبنا وعند رؤية صاحب المحل عودتي وبصحبتي الأدباء الخمسة وبعد أن قام كل شخص بتعريف نفسه والجريدة التي يعمل بها وكانت تنحصر في الجرائد : الأهرام ,الأخبار , الجمهورية وجريدة المساء المصرية وعندما علم صاحب المحل أنهم أدباء وصحفيون ارتبك ورحب بهم وكان السؤال الموجة منهم له بأي حق تصادر المبلغ الخاص بي ، ألم يكن الأجدر عند الشك استدعاء ولي الأمر؟ ووسط هذا الحصار بدا صاحب المحل يبرر موقفة بأن ذلك مخالف للقوانين ( شراء السلاح دون تصديق ) بالإضافة لوجوب سن معين لحمل السلاح وعند الرد علية بأن استلامه للنقود تحت الخيارات التي وضعها مخالف للقانون أيضا، تقدم بالاعتذار، وقام بتقديم المرطبات والسجائر لترطيب الجو والخروج من هذا المأزق، وأعاد المبلغ بعد تقديم الأسف وان نيته كانت حسنة. وعند عودتنا للمنزل وعرض السيناريو الذي تم بين الأدباء الخمسة وصاحب المحل، ضحك رسام الكاراكتير المصري مصطفي حسن قائلا : اسمك سيف وعايز تشترى بندقية !! أصلك حرب فضحك الجميع .

    وبعد عدة أيام من هذه الواقعة، وصل الوالد بصحبة الأسرة فجأة من السودان حيث انتهت إجازته التي امتدت إلي ثلاث اشهر وعند دخولهم المنزل ذهل الجميع من الوضع المنزل فلقد تكسرت الأجهزة الكهربائية والأثاثات من السرائر الخشبية ومقاعد الجلوس والأكواب والفوضى ضاربة كل مكان في البيت من إلقاء غبار الملابس علي المقاعد والنوافذ؛ فانزعجت والدتي رحمة الله عليها صائحة ده مش بيت ده كوشه. وكان موجودا الشاعر ألجيلي عبد الرحمن الذي وجه حديثه للوالد والوالدة لكم الفخر لمنزلكم لقد كان بيتا للأدباء والفنانين وبذا قد يدخل التاريخ فصمت الجميع وبدأوا في ترتيب البيت من جديد.
                  

04-30-2011, 02:00 PM

Suad I. Ahmed
<aSuad I. Ahmed
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 436

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)

    اخي العزيز
    لك العمر والعافية فقد اثرت الشجون وزادني اقتناعنا بان المناضل لا يموت لان انتاجه يبقى في افئدة الناس عبر الأزمان..
    لقد تابعت الخيط الذي ابتتدرته وخطر ببالي ان الكلام كله بمتابعاته يستحق النشر بحيث يشتمل الكتاب على المداخلات بعد ترتيبها يقيني ان الشاعر الياس فتح الرحمن الموجود محله بالخرطوم، ناشر السيرة الأولى، سوف لا يبخل بالنصح في طباعة هذا الكتاب.. فما رأيك؟
    سعاد إبراهيم أحمد
    السبت 30 ابريل 2011
                  

05-04-2011, 08:06 AM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Suad I. Ahmed)

    كلفني الصديق الدكتور عبد القادر الرفاعي أن أنقل للأصدقاء شكره الجزيل على السؤال عن صحته، ويطمئنهم أنه يتماثل للشفاء.

    وينقل تقديره الخاص للأستاذة سعاد إبراهيم أحمد على دعواتها وأمنياتها الطيبة له، وعلى اهتمامها بالمواد الثقافية التي يقدمها من على هذا المنبر، وبالذات هذا الملف عن الشاعر جيلي عبد الرحمن؛ وهو ينظر بجدية في اقتراحها بنشره في كتاب.. وسوف يتصل بها للتنسيق حول ذلك.

    محبتي
    عبد المنعم خليفة

    (عدل بواسطة Abdul Monim Khaleefa on 05-04-2011, 08:15 AM)
    (عدل بواسطة Abdul Monim Khaleefa on 05-04-2011, 08:38 AM)

                  

05-04-2011, 08:53 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Abdul Monim Khaleefa)

    والدة الشاعر جيلي عبد الرحمن
    الحاجة/ شورة أحمد صالح
    الأم المثالية، ورمز العطاء والصبر

    بقلم: (حفيدها)
    سيف الدين حسن صالح


    هاجرت الحاجة شورة احمد صالح من جزيرة صاي – مركز عبري بالمديرية الشمالية إلى مصر، وهى تصحب معها جيلي عبد الرحمن عام 1939م للحاق بزوجها الحاج عبد الرحمن، الذي كان يعمل أمينا عاما بالقصور الملكية بمدينة الفاروقية وإنشاص بالشرقية. ثم انتقل للقاهرة عام 1952م عندما استدعى الضباط الأحرار قادة الثورة المصرية الحاج عبد الرحمن، ونقل للقاهرة لمساعدتهم في جرد ونقل الأملاك الملكية للشعب المصري. وقد سكن بمنطقة عابدين، ثم استقر بمنطقة السيدة زينب. وبعد أداء مهمته، توفى إلى رحمة الله.

    كان منزل الحاجة شورة بالسيدة زينب ملتقى للأدباء والفنانين من مريدي الشاعر جيلي عبد الرحمن؛ فقد كانت تستقبل أصحاب شاعرنا بالترحاب باللكنة العربية الممزوجة بالرطانة الشمالية. ورغم أكثر من ستين عاما قضتها بمصر، إلا أنها ظلت تحتفظ بلغتها المميزة؛ وكانت تستمتع عند حضور أحد الأقارب بطلاقة الرطانة الشمالية، وكانت تحرص على الحضور للسودان للمشاركة في المناسبات العائلية من زواج،أو عزاء، أو ولادة حفيدة. وبرغم انه قد أتيحت لها فرصة أداء فريضة الحج عن طريق السفر من القاهرة، أسوة بالسودانيين المقيمين هناك، إلا أنها فضلت أداء هذه الفريضة عن طريق الحضور للسودان لرؤية الأهل قبل أداء الفريضة ثم العودة من الحج للسودان ومن ثم إلى القاهرة.

    وقد أنجبت أربعة أبناء وأربعة بنات، وهم الأستاذ صالح عبد الرحمن مستشار الرئيس الليبي معمر القذافي في بداية الثورة الليبية، ثم توفى بالقاهرة؛ وقد ساهم مع الرئيس الليبي في تكوين اللجان الشعبية الأستاذ عبد المنعم عبد الرحمن مفتش التعليم بمديرية الخرطوم، والذي توفى بالمملكة العربية السعودية، والأستاذ محمود عبد الرحمن الذي توفى بالقاهرة . وكذلك من البنات فاطمة ومنيرة وعطيات والأستاذة سعدية عبد الرحمن من كبار موظفي إدارة المياه بالخرطوم.

    وبإيمان صادق وصبر نادر واعتراف وتسليم بقضاء الله، فقد توفى جميع أبنائها الأربعة وابنتها الكبرى فاطمة؛ وكانت تقابل هذه الأحداث بصبر وشكر لله أنها رأت أولادها يتبوأون أعلى المناصب إلى أن سلموا الأمانة لله سبحانه وتعالى.

    خلقت الحاجة شورة أثناء استقرارها بالقاهرة صداقات واسعة مع أصدقاء شاعرنا جيلي عبد الرحمن فقد كانت تستقبلهم في منزلها العامر بالسيدة بحي السيدة زينب، خاصة الأدباء أصدقاء شاعرنا الذين يحضرون للقاهرة ونظرا لظروفهم لحضور وعقد الندوات والتنقل بين القاهرة والمدن الأخرى ولعنصر الأمان فقد كانوا يتركون زوجاتهم معها بدلا من تركهم في الفنادق ،وكانت تعرف الأدباء بأسمائهم. وكانت تحتفي بهم منذ أن كانت في المدن الملكية (الفاروقية، وإنشاص)، ثم السيدة زينب. فقد صادقت شاعرنا تاج السر الحسن وكذلك الفيتوري، وفاروق منير؛ وكانت تداعب رسام الكاراكتير المشهور مصطفى حسين وحسن حاكم ، وعلى كردى وغيرهم من الأدباء والفنانين المصريين والعرب، الذين كانوا يتوددون إليها بالجلوس معها ومحادثتها في جو من الضحك على لكنتها المميزة؛ فقد واكبت بداية حياتهم إلى أن وصلوا ما وصلوا إليه.

    وكانت تردد دائما بان القاهرة فترة العمر وإن طالت فأنها تشعر بان الأجل المحتوم سيكون في السودان.
    وقد قررت الحاجة شورة طواعية ترك القاهرة والعودة إلى السودان بكامل صحتها وعقلها ولياقتها ووصلت الخرطوم واستقبلت استقبال الفاتحين، حيث تدافع الناس للحضور لاستقبالها والسلام عليها ورؤيتها. وفى يوم 25\مايو 2001بمنطقة العزوزاب، استدعت جميع أحفادها وحفيداتها ومحبيها للحضور في منزل ابنتها سعدية عبد الرحمن، وقالت إنها تشعر بأن هذا اليوم سيكون الأخير لها في هذه الدنيا، واستلقت على السرير وهي بكامل قواها، والجميع حولها، وطلبت منهم أن يقرأوا سورة يس،وتناوب الجميع على قراءة هذه السورة المباركة، وهى تستمع إليهم، ثم أغمضت عينيها وقالت إنها ترى الجنة، وهي خضراء، وإنها ترى أخاها الكبير، وإنها ترى أولادها الأربعة الذين سبقوها للموت، وهم في انتظارها، وإنها ترى ابنتها الكبرى فاطمة التي توفيت. وصمت لسماع ما تقول، وكانت الزفرة الأخيرة، وفاضت روحها بهدوء تحت صيحات جميع من حولها لا الله إلا الله محمد رسول الله .

    وفى موكب رهيب، وبحضور العديد من الأشخاص من كل مناطق وأطراف الخرطوم، تم تشييع جثمانها ودفنها مساء يوم 2\9\2001م عن عمر يناهز الثمانين عاما من العطاء والصبر .

    ألا رحم الله الحاجة شورة أحمد صالح بقدر ما قدمت وتركت من ذرية فى هذه الدنيا.
                  

05-04-2011, 09:21 AM

محمد حيدر
<aمحمد حيدر
تاريخ التسجيل: 10-17-2003
مجموع المشاركات: 1063

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: Abdul Monim Khaleefa)

    يا صباح الخير كم أوحشتنا !
    يا مساء الخير تشجيك المنازل
    لم يعد للنبع غير المنحنى
    أرهق القلب على نبض المناجل
    ما المنايا ؟ إنها أقدارنا
    وإمتداد البحر... أحضان السواحل
                  

05-09-2011, 10:11 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: محمد حيدر)


    جيلي وهذا الجيل:
    الزمن القادم يحمل في رحمه ألف جيلي ليحملوا الراية
    بقلم: سلوى غالب

    *****

    السودان قطر مترامي الأطراف، واسع المساحة، متعدد القبائل، وتبعا لذلك تتعدد العادات والتقاليد والأعراف. وعلى طول هذه المساحة التي تزخر بالإبداع والمبدعين في شتى مجالات الإبداع المختلفة، الغناء الموسيقى، الرسم، والشعر .. وعلى ذكر هذه الأخيرة، نحن الآن وفى هذه المساحة المتواضعة، بصدد الحديث عن الشاعر الراحل جيلي عبد الرحمن.

    ولد الشاعر جيلي عبد الرحمن في جزيرة صاي بسكوت المحس في عام 1932م، وتوفى بالقاهرة التي شهدت نشأته في 24/8/1990. و خلال سنوات عمره الثمانية و الخمسين، كانت حياته مليئة بالتحدي و المثابرة, لتنمية موهبته الشعرية التي ظهرت مبكرا عندما بلغ سن السابعة, حسب رواية أخته الكبرى الحاجة منيرة التي تقول:
    جاء جيلي إلى مصر و عمره حوالي السنتين. ثم ذهب إلى صاي مع والدتنا الحاجة شورة، أطال الله في عمرها، وهو في الخامسة. وعندما جاءته باكورة الشعر قام بتصوير كل مشاهداته في قصيدته "أحن إليك يا عبري" أو "هجرة من صاي". و قد قام الأستاذ على المك بجمعها بعد سفره إلى روسيا إلى الدراسة . وكان جيلي يحفظ القرآن كله و عمره تسع سنوات. ونال جائزة عليها من الخاصة الملكية ببلدة أنشاص، حيث كان والدنا يعمل, ونسكن فيها. وكان والدنا يشجعه على الدراسة الدينية، ولكنه، بفكر متطور وافق واسع كان يقرأ أشعار جيلي، ولا يضغط على حريته الشخصية، خاصة أن جيلي كان متأثرا بأشعار حافظ إبراهيم واحمد شوقي وكذلك بالحياة الريفية بأنشاص. وكان دائما يتفقد أحوال الفلاحين، ويصور حياتهم في أبيات شعرية فيقول:

    تلاشت في حضن الظلمة أكواخ واجمة جهمة

    ثم يقول:

    يا رب الناظر هذا الفاجر هل يأخذ منى البقرة
    من اجل جنيهات عشرة وجنيهين سأسددها بعد الأذرة؟

    فقد كان يسخر من الإقطاعيين, وقد مكث جيلي بأنشاص حتى بلغ الرابعة عشرة, ثم احتضنه خالد باشا حسين رئيس أنشطة الكشافة بمصر حينذاك وألحقه بالأزهر. ثم انتقل للدراسة بدار العلوم و زامل الشعراء (تاج السر الحسن, و الفيتوري, ومحي الدين فارس)، واتجه للكتابة في الصحف المصرية وهو طالب.
    في عام 1953م نشرت له أول قصيدة بجريدة المصري.

    جيلي والهجرة إلى روسيا:
    أول ديوان صدر لجيلي كان في عام 1956م بالقاهرة بعنوان " قصائد من السودان " و في عام 1961م بدأت هجرته إلى روسيا لاستكمال دراسته بمعهد جوركي للآداب. وفى عام 1967م صدر له ديوانه الثاني " الجواد والسيف المكسور". ثم حصل على الدكتوراة حول تطور النثر الفني في السودان من بدايات القرن التاسع عشر حتى آخر الستينات . وقدم أيضا عام 1965م كتاباً سياسياً بالتعاون مع صديق عمره الشاعر تاج السر الحسن , بعنوان " المعونات الأجنبية وأثرها على استقلال السودان"؛ واشترك مع نجيب سرور، ومجاهد عبد المنعم، و كمال عمار في ديوان "أغاني الزاحفين". وقد قام بترجمة العديد من الأعمال و المختارات الشعرية للشاعر الروسي كونابيف .وظل جيلي عبد الرحمن مهاجراً بين جامعات روسيا والجزائر واليمن كأستاذ محاضر حتى نهاية حكم نميري، فعاد إلى السودان لفترة قصيرة ثم جاء للعلاج بالقاهرة، وتوفي بها.

    صدر له بعد وفاته ديوان " بوابات المدن الصفراء" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
                  

05-09-2011, 11:30 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جيلي عبد الرحمن شاعر متوهج بالأحزان والأمل (Re: عبد القادر الرفاعي)



    يوماً سنقرأك أجمل
    كلما انبت أرضا، صاغها السجان منفى*
    وأصبحت الأشجار أقوى من جور الموت المخيف*
    فريدة النقاش

    كانت المرة الأخيرة التي التقيت فيها بالشاعر الصديق جيلي عبد الرحمن في الجزائر عام 1987فى فندق على البحر يبعد عدة كيلومترات عن المدينة، وكنا مجموعة المثقفين من كل أرجاء الوطن العربي جئنا لنشارك الفلسطينيين إذ كانت إعادة التوحيد إيذانا برأب الصدع في المنظمة، والذي حدث بعد ذلك بشهور.

    وكان قد انقضى عامان بعد انتفاضة ابريل 1985فى السودان، وجيلي فرح بما كشفت عنه من إمكانيات لاتحاد الشعب السوداني، الذي قاسى الأمرين في ظل الحكم الدكتاتوري؛ وقد أخذ يعد العدة على الصعيد الشخصي للعودة إلى وطنه بعد غياب طويل، عرف فيه برودة المنفى، وقسوة الإبعاد عن الوطن.
    كان هناك عشرات الشعراء في زوايا الفندق ، وعلى هامش النقاش السياسي المحتدم قال لي الأصدقاء إن جيلي مريض بالكلى ...جدا.
    لم انتبه للكلمة الأخيرة إلا فيما بعد، ولعلني لم أتذكرها جيدا إلا حين عرفت بخبر عودته إلى القاهرة ...
    وتذكرت حينها انه كان قد أوصاني بأمه التي تعيش هناك، وكان قلقا من أجلها أيما قلق، ويبدو أن سنوات الغربة المركبة الصعبة قد علمته القلق، الذي سرت عدواه إلي، فأخذت اسأل بلهفة عن عنوان ألام في القاهرة، وهو يصف لي المكان بابتسامته الصافية.

    كان هو نفسه مريضا لكن لا يشكو. حمل داءه معه من ريف السودان كما حمله من قبل صديقه الحميم القاص (فاروق منيب)، وصديقه الآخر الناقد الذي رحل مبكرا جدا وحيد النقاش، حيث تركت البلهارسيا علاماتها في أجسادهم جميعاً، كل بطريقة خاصة، وفتكت بهم في النهاية، وكأنما كانوا يشاركون جماهير الشعب في المصير المأساوي الذي توضع خطوطه الأولى لحظة الميلاد في الفقر والبؤس والحصار المادي والمعنوي من كل جانب.
    هكذا توكأت على أساس لكي أكتب عنك يا صديقي الحبيب، إذ علمتنا الخبرة الطويلة المفعمة بالآلام الكثيرة والأفراح الشحيحة، أنه (كلما أنبت أرضاً، صاغها السجان منفى).

    ومع ذلك، فسوف يظل يشب ساق المعرفة في الجثث المرتجفة، ولن يحول – حتى الموت العادي – بيننا وبين استكمال هذه المعرفة، التي دفعنا عمرها من عمرنا ودمنا ثمناً للوصول إليها.

    دب الرحيل كالكرى
    عصارة تسيل لا ترى
    بشارة على الثرى
    الغصن عن أوتاره
    واللحن عن مزماره
    تغربا وانسلخا

    ولكنك خير من يعرف أنك دفعت ثمن هذه المعرفة، وأن اللحن والغصن اللذين تغربا وانسلخا يعودان بالبشرى في الناس البسطاء الذين يصنعون الحياة على هذه الأرض، ويجترحون البطولات، وينسحبون بهدوء إلى اليومي والعادي؛ وهم ينسجون – دون أن يعرفوا خيوطا لأسطورة المجد الشعبي ..فهذا هو الجندي البسيط في قصيدتك الجندي الشهيد:

    على الصخور في سيناء
    ماذا حملت من مفاوز الديار
    غير هذا الحلم في القطار
    مثل السنونو
    حط لحظة وطار

    إن هذا اليقين بصلابة الشعب وقدرته هو الذي صنع البطولة في إيقاعك الجنائزي العالي، فأصبحت الأشجار أقوى من الدود الكثير، ومن جور الموت المخيف، وحتى من بوابات المدن الصفراء، التي آثرت أن تضع اسمها على ديوانك الأخير، والذي سيضيف إلى إسهامك الفني والإنساني إضافة لن تنسى، لتبقى بيننا، تلهمنا في لحظات الانكسار أملا، وفى لحظات الانتصار فرحا، وحتما سيأتي يوم قريب يجد هذا الديوان قراءة أخرى، أعمق وأجمل ليبقى اسمك وعملك حيا إلى الأبد.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de