مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 07:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-18-2010, 11:48 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) .

    فى الفترة بين السبت 17 يوليو , والاحد 18 يوليو 2010 انعقد بمركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية مؤتمر دارفور السنوى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) .
    تم فى المؤتمر تقديم العديد من الاوراق , وشارك فيه شخصيات مرموقة فى المجتمع السودانى من اكاديمين وسياسيين وشخصيات عامة , وطلاب ونازحين .
    تناول المؤتمر قضايا هامة حول العدالة الانتقالية والمصالحة , والمشكلات على ارض الواقع وافاق الحل .
    وسوف نقوم بانزال الاوراق تباعاً .
                  

07-18-2010, 11:56 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    جانب من حضور المؤتمر
    950.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    د. فاروق محمد ابراهيم .
    952.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    د. امين مكى مدنى .
                  

07-18-2010, 12:07 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    _OMA5815.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5816.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5817.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5861.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-19-2010, 09:02 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    964.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    966.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-19-2010, 09:34 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    967.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    ضربة البداية فى فعاليات مؤتمر دارفور الثانى والذى انعقدت فعاليته كما سابقه فى مقر مركز الخاتم عدلان , كانت كلمة ترحيب من دكتور الباقر العفيف بالحضور , وشدد على اهمية الوصول الى حل عادل فى كافة ارجاء الاقليم .
    *
    968.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    دكتور امين مكى مدنى عند جلوسه على مقعد رئيس الجلسة الاولى قدم استعرض للازمة فى اقليم دارفور , والمبادرات المتعددة للوصول الى حل .
    *
    تم تقديم العديد من الاوراق تناولت مناحى مختلفة ومتعددة .
    * أ/ يوسف تكنة قدم ورقة (قيام دولة مستقلة فى جنوب السودان وأثره على حزام السافنا فى كردفان ودارفور) , وقرأ الورقة نيابةً عنه أ/ محمد ابو جود , وكان المناقش الرئيس مهندس فاروق جادكوث .
    * ورقة (مكونات الهوية فى دارفور وأوضاعها فى سلسلة التعايش) قدمها د. كمال جاه الله , والمناقش الرئيس د. الباقر العفيف .
    * (دارفور وآفة التحول الديمقراطى , الهزيمة ام العزيمة) ورقة للدكتور الوليد مادبو , والمناقش الرئيس د. عبدالرحيم بلال .
    * العنصر النسائى قدم ابداعه الفكرى فى المؤتمر , فقدمت أ/ عزة محمد الحسن ورقة (المرأة فى دارفور) .
    * أ/ أميمة المرضى قدمت ورقة (العدالة الانتقالية والمصالحة) , والمناقشة أ/ مها الزين .

    969.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
    .
    * أ/ منيرة حسن تاج الدين قدمت ورقة (مشكلة دارفور , رؤى وحلول) .
    * قضية سوق المواسير الشهيرة نالت حظها من المناقشة بورقة (سوق المواسير) قدمها الكاتب الصحفى أ/ محمد محجوب وناقشه د. صديق أمبدة .
    970.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-19-2010, 09:57 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    971.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    * الباحث المتميز أ/ عبدالعزيز محمود قدم ورقة (دارفور اشكاليات الواقع وملامح الحل) .
    * د. بابكر محمد الحسن قدم (النزاعات فى مناطق التماس) .
    * (دارفور المشاكل وآفاق الحل) أسم ورقة د. عبدالرحمن احمد عثمان .
    * د. يوسف خميس ابو رفاس كانت له ورقة تحت عنوان (صراع الموارد ودوره فى تحقيق السلام فى دارفور) .

    972.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    973.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-19-2010, 10:32 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    عرض الاوراق دون ترتيب تقديمها فى المؤتمر
    ****************

    ورقة (المرأة والثروة فى دارفور) , قدمتها أ/ عزة محمد الحسن .
    sudansudansudan6.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أستاذة عزة محمد الحسن .
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ترتكز أغلبية النظم الاقتصادية لدول العالم الثالث على الاقتصاد الريفى البسيط المتعلق بالانتاج الزراعى و المواد الخام الأولية التى تستند فى مجملها على امتلاك الأرض و الانتفاع بمواردها الشيئ الذى يعطى الأرض أهمية قصوى فى ادرار الدخل و الثروات و بالذات الأرض التى تتعدد فيها الموارد. عالميا ارتبط مفهوم الأرض بمفاهيم اقتصادية و سياسية و اجتماعية تتداخل و تتقاطع فيما بينها و لكن أهمها ما ارتبط بالاقتصاد و قيمه و قيمة الأرض كمصدر أساسى لسبل كسب العيش يؤدى للسيطرة الاجتماعية السياسية. فى ظل هذه المفاهيم ظل دور المرأة دائما حاضرا حتى و لو لم يحسب أو يعتد به رغم التقاليد أو القوانين أو اللوائح الظالمة.
    نتيجة للحركات المناهضة لعدم مساواة النوع عمدت الأمم المتحدة الى اصدار عهود و مواثيق تدعو الى مساواة جميع البشر بصورة عامة كما تحدثت عن الحق فى الثروة بصورة غير مباشرة كما فى المادة17(1) و(2) من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية التى ترتبط بمعيشة الناس فى الدول الفقيرة و أراضيهم و ماويهم أى حاجاتهم الأساسية. فوق ذلك فان اتفاقية سيداو تقر بأن العادات الاجتماعية و الاقتصادية التى تحرم المرأة من الحقوق المتساوية مع الرجل انما تضعفها و تعرضها للانتهاك الجسدى و الجنسى و العقلى.
    من جانب اخر فان البروتوكول الأفريقى لحقوق الانسان الموقع عام 2004 يلزم الدول باحترام معايير حقوق الانسان المتفق عليها و هذا يعنى المساواة النوعية فى جميع القوانين أو التمييز الايجابى لكن الواقع مغاير لذلك فى دول نامية كثيرة كما فى السودان و مكوناته من الولايات كدارفور .
    دور المرأة فى الانتاج فى دارفور:
    تشكل المرأة فى دارفور محورا أساسيا لمختلف مستويات الاقتصاد سواء كان الأسرى, المحلى أو القومى فى الحقب التاريخية المختلفة بالاضافة الى اعبائها الأسرية و اضطرارها للقيام بدور الأم و الأب فى أحيان كثيرة سواء كان لاختفاء الأب أو تجاهله لمسئولياته بمساندة المجتمع. رغم ذلك فان دورها غير مقدر اجتماعيا ولا تظهر لها مساندة قومية فى مستوى القوانين و لا اللوائح.
    تقوم الثروة فى دارفور على استخدامات الأرض التى تلعب المرأة فيها دورا فاعلا يفوق دور الرجل ويوصف اقنصادها بأنه اكتفائى و لكن مع التغيرات المناخية و التدهور البيئى المتزايد و النمو السكانى الذى يتسم بأنه أعلى معدل نمو سكانى فى السودان, وتجدد الحاجات لم يعد يستحق صفة الاكتفائى نفسه لعجزه عن تغطية الحاجات المحلية من غذاء و تكنولوجيا وسيطة ضرورية لسكان الأرياف. اجتماعيا تقوم النساء و الفتيات و الرجال بزراعة مزرعة الأسرة التى للرجل وحده القرار فى التصرف فى انتاجها سواء كان لغذاء الأسرة أو لحاجاته الخاصة و يجبر المجتمع المرأة بما فى ذلك القيادات الدينية على القيام بذلك. أما الجبراكة فتزرعها المرأة لوحدها كمصدر غذاء سريع للأسرة منذ أواسط الخريف حتى اخره أى حين تشح الأغذية و البذور(الخريف الأضلم). هذا الأمر يجعل المرأة تعجز عن الادخار لتحصل على الحزم التقنية و مدخلات الانتاج و بالتالى تعجز عن تراكم الثروة التى تقود بدورها للاستثمار و كسر دائرة الفقر المغلقة و فوق ذلك لا تجد زمنا للمشاركة فى البرامج التعليمية أو الارشادية بينما يصرف الرجل أغلب الانتاج على نفسه و غالبا ما يكون بين منصرفاته الزواج بأخرى بعد الحصاد وقد يكون هناك طلاق المنتجة التى قلت قدرتها على الانتاج.
    _OMA6161.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أما المرأة الظاعنة فهى مسئولة مسئولية كاملة عن رعى الحيوانات الصغيرة كما أن بعض المجموعات الرعوية تحملها مسئولية الحيوانات الكبيرة كاملة و يكتفى الرجال بالذهاب للأسواق و قضاء المباهج.
    فى مجال الجمع الغابى نجد أن أغلبية الغابات مجتمعية و المعنيون بالجمع و الالتقاط فيها أساسا النساء و الفتيات و الأطفال فهم يجمعون الأعواد الجافة و بعض الثمار الخلوية للاستعمال المنزلى و يعتبر ذلك عيب على الرجال الذين يقومون بقطع الأشجار الكبيرة لبيعها فى الأسواق أو عمل قمائن الفحم الشيئ الذى أدى لتدهور بيئى كبير.مؤخرا اكتسبت بعض الثمار الغابية قيما اقتصادية عالية جعلت الرجال يسارعون اليها.
    بالنسبة للمأوى هو مسئولية مشتركة بين الجنسين و لكن غالبا تكون المرأة هى المسئولة عن الصيانة. فى بعض المناطق فى شمال دارفور على المرأة القيام بالنفير لجمع مواد البناء و اطعام المساهمين بالنفير بالاضافة الى البناء بالأيدى و عيب على الرجل أن يفعل ذلك. أما فى جبل مرة فتجلب المرأة مواد البناء بينما يقوم الرجل بالنفير و البناء. أما المرأة الظاعنة فتقوم بنسج الشمال التى تشكل أساس المأوى هناك و يقوم الرجل بنصبها.
    فى مجال مياه الشرب المرأة مسئولة عن توفير مياه الاستخدام اليومى و سقى الحيوانات الصغيرة كما تناصف المرأة الظاعنة الرجل فى سقيا الحيوانات الكبيرة أى تتركز جهودها فى السقيا بينما تتركز جهود المزارعة فى العمليات الزراعية. فوق ذلك فان المرأة قد تكون مسئولة عن حفر البئر نفسه كما فى بعض مناطق شمال دارفور.
    مما سبق نخلص الى أن المرأة فى دارفور هى محور أسباب الثروة فى اقتصاد دارفور و مدى مساهمته فى الدخل القومى المحلى و رغم ذلك تجد التجاهل التام على مستوى الدولة و الاسرة كما يلى:
    معاناة المرأة فى دارفور فى مجال الثروة:
    تعانى المرأة فى دارفور الأمرين, تفسيرات القوانين و اللوائح المنظمة من ناحية و جور النظام الاجتماعى للمرأة فى الثروة و اتخاذ القرارى من ناحية أخر.
    أكثر من 99% من أراضى دارفور تقع تحت الملكية التقليدية التى تعتبر نظام الحاكورة و الحكرأساسا لذلك بما فى ذلك اغلب أراضى المدن. هذا النظام يعتبر الأسرة أساسا للملكية وأن الرجل هو رب الأسرة بغض النظر عن قيامه بمسئولياته الأسرية أم لا. تقطع القبيلة الأسرة مساحة للزراعة باسم رب الأسرة الرجل, تقوم فيها المرأة بأغلب العمليات الزراعية و رغم أنه وجد بالبحث أن أكثر من 80% من القوى العاملة هناك نساء و تقوم البنوك باقراض الحائز الرجل ولا تلتفت الى المنتج الحقيقى, فيقوم الرجال باعطاء المرأة ما لا يزيد عن 15% من القرض و يصرف الباقى على مباهجه و حاجاته الخاصة.
    فى مناطق جبل مرة حيث تغلب الزراعة مع الاحتفاظ ببعض الحيوانات للألبان هناك بعض الميارم يمتلكن حواكيرا و تمكنن من ميراثهن من الأراضى التى لا تباع الا نادرا و لكن فى المقابل يقع على أغلب النساء هناك تكاليف زواج البنات و الأبناء و أحيانا زواج الزوج نفسه كما يخضعون الأرملة لنظام حربة تكى أى تختارأحد الحراب المتكية على بابها يوم الخروج من عدتها. على أى حال هذا يعنى امكانية تراكم الثروة عند فئات محدودة جدا من النساء و حتى هذه الامكانية المحدودة تخصم منها حاجات الأسرة و حاجات زيجات الزوج.
    كانت القبائل الرعوية لا تضع قيودا على ملكية المرأة للأرض أو القطيع و لكن مع ازدياد التدهور البيئى الذى صار أحد أسباب التنافس على الموارد بدأت هذه المجموعات تهتم بحيازة الأراضى و تترك بها النساء والفتيات مع الأبناء الصغار من أجل التعليم.
    بعض الرحل فى جنوب دارفور يمارسون بعض الأنشطة الفلاحية و يمكنون المرأة من الحصول على الأرض الميراث عبر الميراث أو المعاملات و لكن تحت ارادة الزوج أو أقرب الذكور و لكن لا يسمح لثروتها أن تزيد عن ثروة الذكور أفراد الأسرة حتى لو كانوا غير منتجين.
    فى الأراضى شبه الصحراوية حيث يسود الرعى وتشح الأراضى الزراعية ما عدا حول بعض الوديان، بعض القبائل تعتبر المرأة مجرد أحد أملاك الرجل، للزوج الحق فى السيطرة على أرضها و حقوقها التى عليها التى غالبا ما تكون قد حصلت عليها عن طريق الميراث. أحيانا تعطى مقابل ميراث الأرض مبلغا من المال قد لا يساوى ثمن نصيبها من الأرض و لكن لن تفرز لها أرض أما الأرملة فتجبر للزواج من أقرب الأهل للحفاظ على الأرض و مجمل الثروة.
    هنالك مجموعات أخرى فى المناطق شبه الصحراوية تورث الأرض لأكبر الذكور فقط و يلجأ بعضهم لتأخير الميراث لعقود من الزمان وفى هذه المدة يكون العائد غالبا للرجال أما حق النساء فيخضع لرغبة و رضا الورثة الذكور تعطى أم تحرم منه. فوق ذلك فان هذه المجموعة بها نزعة لعدم بيع الأرض للنساء لأنها فى الأصل فقيرة لا يمكنها الايفاء بالثمن لأن نمط انتاجها الموجه نحو احتياجات الأسرة يجعلها كذلك.
    رغم ضعف الحقوق فى الحيازات فقد تركت مجالا واسعا للدولة يمكنها من التدخل لمصلحة الفئات المستضعفة كالنساء و تنظيم الحيازات بما تمنحه من حقوق الانتفاع بما تمنحه من حقوق انتفاع أو ماتسنه من قوانين لاستخدامات الأرض تواكب التغيرات الانمائية, السياسية و الاجتماعية , الزيادة السكانية و الأبعاد البيئية و المناخية و النوعية. ورغم قيام مفوضية أراضى دارفور الا أنه لم تحدث أى تعديلات قانونية مواكبة حتى الان وظلت تفاسير النصوص القانونية تهتدى بهدى الأعراف المحلية كما هى و رغم أن انقطاع الحائز عن الانتفاع بالأرض لمدة ثلاثة أو أربعة سنوات حسب الأعراف المحلية يكون قد فقد الحيازة فاذا حازت المرأة الأرض بعد ذلك لا يعتبر حجة لها أمام الرجل وبالذات لو كانت من نفس الأسرة أو الأقارب و لكنها تعتبر حجة فى مصلحة الرجل. أما لوائح السلطات ذات الصلة المباشرة كسلطات ضابط التسوية و التسجيل فتعطيه سلطة تقديرية فى تقرير مدى أحقية التسجيل. السلطات غير المباشرة كالبنوك تبنى تسهيلاتها المالية و توفير مدخلات الانتاج على أساس الحائز حسب العرف المحلى . فوق ذلك فان البنوك لا تفتح حسابات فى تلك الأماكن للنساء و لا تمكنهن من السحب الا بموافقة و حضور ذكر من الأسرة.
    رغم أن قواعد العدالة و الانصاف تمكن المرأة من زيادة فعالية الانتاج و بالتالى تتمكن من الحصول على الثروة و تراكماتها المؤدية للاستثمار و سهولة الحصول على الحزم التقنية الشيئ الذى يوفر لها الوقت للمشاركة فى البرامج التعليمية و الارشادية مما يمكنها من تربية أجيال مستنيرة قادرة على تحمل مسئولياتها و تجاوز تحدياتها التنموية و الفكرية و احكام ادارة الموارد و البيئة, رغم ذلك يبدو أن القوانين الوطنية منصفة فى ظاهرها بينما تجهض النصوص القانونية بالقوانين الفرعية و اللوائح الشيئ الذى جعل المرأة فى وضع اقتصادى خاضع للرجل. يلاحظ أنه رغم أن جميع قبائل دارفور مسلمة و تحرص حرصا شديدا على القيام بالشعائر الدينية و لكن بصدد المرأة و الثروة و مسئوليات اعالة الأسرة تخرج عن التزامها بالشريعة الاسلامية بدرجات و حجج مختلفة فالمرأة فى الشريعة ليست مسئولة عن توفير الاحتياجات الأساسية للأسرة.
    _OMA6213.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    هذا الوضع يجعل المرأة هى الأفقر, الشيئ الذى ينعكس سلبا على البيئة و الانتاجية على مستوى الاقليم كما يؤثر على الأجيال القادمة سلبا اجتماعيا واقتصاديا و سياسيا مما يجعل جميع مؤشرات التنمية متدنية الشيئ الذى يتطلب معالجة تشريعية شاملة على مستوى السياسات الولائية و القومية و يحتم مشاركة المرأة فى جميع مستويات صنع القرار أدناها و أعلاها.أما المرأة النازحة فمعاناتها أشد فقد فقدت حتى مزرعة الأسرة التى تجد منها ظلما فادحا و لكن تؤمن لها جزءا من مؤونة الأسرة و ذلك بفقدان الأسرة القدرة على استمرار الحيازة و الأمان. كما أن اتفاقية أبوجا لم تستطع انزال شيئ من جبر الضرر على أرض الواقع و حتى لو أنزلته فهناك الكثير من المعضلات التى تواجهها بسبب خضوع القانون التام للأعراف المحلية.
    أدركت الأمم المتحدة مظالم المرأة فى مجال الثروة باكرا تماما كما أدركت أهمية تمكين المرأة من الثروة فى جميع مناحى الحياة من حكم راشد, الاعمار و درء الكوارث,خفض الفقر,ادارة البيئة والموارد و مكافحة الأمراض. للاحراز المهام المذكورة قامت الأمم المتحدة بتحديد ثمانية أهداف لا بد من احراز تقدم كبير فيها حتى عام2015 . خمسة و ليس ثلاثة من هذه الأهداف تعنى بالمرأة فى دارفور بصورة مباشرة و هى اجتثاث الفقر و الجوع لأن المرأة هى المنتج الحقيقى الذى يجب تمليكه وسائل الانتاج لخفض الفقر بينما بموجب اللوائح و النظام التقليدى يتم تمليكها لغير المنتجين بل حتى فى الحالات النادرة التى تمتلك المرأة فيها أرضا تقوم البنوك بتحديد المجالات التى يمكن فيها اقراض المرأة بالرغم من أن المرأة فى دارفور تعمل بكل المجالات التى يعمل بها الرجل و أكثر, مساواة النوع و تمكين المرأة,تحسين صحة الأمومة و الحفاظ على البيئة. بقية الأهداف تعنى الجنسين و لكن للمرأة فى دارفور فيها الدور الأكبر فهى التى تصرف على تعليم الأبناء فى الغلب الأعم و هى التى تقوم بمهام الأمومة و مكافحة الأمراض على مستوى الاسرة و دورها الفاعل فى جميع العمليات التنموية.
                  

07-19-2010, 11:16 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة (دارفور: اشكاليات الواقع
    وملامح المستقبل) تقديم أستاذ عبد العزيز محمود عبد العزيز .
    .
    sudansudansudansudansudansudansudansudansudan6.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أ/ عبدالعزيز وبجواره أ/ مها الزين فى ادارة الجلسة .

    يبدو الواقع الآن في دارفور شديد العتمة أن لم نقل القتامة وتؤثر هذه العتمة في رؤية الواقع على اتخاذ قرارات صحيحة تقود لمستقبل أفضل ولهذا دأبنا في هذه الورقة على مناقشة بعض اشكاليات الواقع استشرافاً لملامح المستقبل وقد تركز نقاشنا بصفة اساسية على ازمة الحكم واشكالية السلطة باعتبارها اكبر مشكلة تواجه الاقليم فبدونها لا يمكن انفاذ السلام أو تنمية الموارد بالإضافة لمشاكل أخرى يمكن ايجاز الورقة في الآتي:
    1. اشكالية السلطة وأزمة الحكم حيث تتوزع السلطة بين جهات غير متفقة أن لم نقل متنافرة- الحكومات الولائية- السلطة الانتقالية الادارات الأهلية- المنظمات الدولية- الحركات الرافضة وكل من هذه الجهات يحاول فرض وجوده وإبراز سلطته.
    2. أزمة المياه والموارد باعتبارها أس المشاكل والغريب إنها لازالت دون حل واضح بل إنها آخذة في الزيادة مما ينذر بمزيد من الكوارث والصراعات.
    3. اعادة التوزيع الديمغرافي وتغيير الخارطة السكانية للاقليم جراء التشرد والنزوح بسبب الحرب مما خلق واقعاً جديداً يكاد يختفي فيه الريف الدارفوري المعهود ويحل بدله ريف أخر وفي المقابل ازداد عدد السكان حول المدن وبدا واقع جديد في التشكل معلناً بداية تحول اجتماعي في الاقليم.
    هذه الثلاثة اشكاليات ليست الوحيدة في دارفور ولكنها الأبرز وتؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاقليم ومستقبل السلام فيه.. وقد حاولنا في استعراضنا للواقع استشفاف ملامح المستقبل إلا انه وللأسف لم نستطيع أن نسبر خفاياه بشكل جيد وذلك لتعقيد الواقع وعدم وجود فرضية ثابتة أو قانون بحكم النزاع في الاقليم الذي يبدو وانه يقبع فوق رمال متحركة يصعب معها التكهن أو التنبوء، فأثرنا عرض الواقع عبر مشكلاته الكبرى آملين أن يعين ذلك في رسم مستقبل أفضل لدارفور ولكل السودان.
    979.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    اولاً: اشكالية السلطة وأزمة الحكم
    الغريب انه كلما نظرنا للوراء نجد أن اشكالية السلطة وأزمة الحكم تزداد تعقيداً بمرور الايام مما يؤكد اننا لا نسير في الطريق الصحيح أو نسير للوراء.
    لا يعنينا كثيراً الحديث عن مؤسسات السلطة والحكم الموروثة (الإدارة الأهلية) وكذلك لا يعنينا الحديث عن نظام الحكم القائم (النظام الفيدرالي) إلا بقدر الاشكاليات والازمات الناتجة عن وجود هذه الانظمة في الواقع.
    أن الجهاز الاداري للدولة ومؤسسات الحكومة هي المسئولة في المقام الأول عن بسط الحقوق المدنية وارساء العدالة الاجتماعية وذلك عبر العدالة في توزيع الفرص وتقديم الخدمات بالتساوي للمواطنين ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الامساك بزمام السلطة مما يمكن من تطبيق قيم مثل العدالة والنزاهة ومحاربة قيم أخرى مثل الفساد ومظاهر الفوضى.
    من خلال ما ذكرنا وبالنظر إلي واقع دارفور نجد انه لا توجد جهة واحدة تمسك بزمام السلطة وإنما السلطة متجاذبة بين عدة جهات سنتناولها بايجاز:
    اولاً: الحكومات الولائية:
    وهذه قد فقدت حيادها في دارفور بتحولها لأحد اطراف النزاع من خلال اشتراكها في الحرب وبالتالي أصبح دورها الاساسي هو الانتصار في الحرب الدائرة على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي بدلاً من أن يكون دورها هو توفير الخدمات والامن لرعاياها وقد تحولت لسلطة شكلية أكثر من كونها ذات دور فعلي يؤثر في حياة الناس.
    تتضح هذه الشكلية عند المقارنة بين النظام الموجود الآن- النظام الفيدرالي- ومثيله الاكثر عراقة في الولايات المتحدة حيث نجد على المستوى الشكلي انه مطابق فالوالي موجود وكذلك مجلس الولاية وكافة الشكليات الأخرى ولكن عند المقارنة بين دور وفعالية كل مستويات السلطة نجد إنها شكلية ولا ؤدي ما هو منوط بها أداؤه، ولا تملك سلطة حقيقية بل تنفذ قرارات المركز فالمركز هو الذي اوجد الثلاثة ولايات وهو الذي وقع في اتفاقية سلام دارفور على استثناء سكان الاقليم بين اقليم واحد أو اقاليم متعددة وقد حددت المادة (56) من الاتفاقية أن العام الحالي هو الموعد المحدد لإجراء هذا الاستفتاء ولكن ما يبدو حتى الآن يشير إلي تجاهل أو تناسي الأمر برمته.
    الولاية عدد المحليات عدد الوحدات الادارية ملاحظات
    شمال دارفور 16 23 هناك 7 محليات بدون وحدات ادارية هي: المالحة، الكومة، سرف عمرة، كلمندو، السريف، اللعيت، دار السلام
    جنوب دارفور 12 42 هناك ثلاث محليات بدون وحدات ادارية هي: بحر العرب، أبو عجورة (السلام)، دربات
    غرب دارفور 15 30 هناك محليتان بدون وحدات ادارية هي: فوربرنقا، بندسي
    المجموع 42 95
    المصدر: ادم الزين، دارفور من الانفلات الامني إلي السلام الاجتماعي، 2009م
    وعند النظر إلي مكونات الجهاز الاداري للحكومة اللامركزية فان أول ما نلاحظه هو عددها المتضخم فولاية جنوب دارفور ذات الـ(12) محلية و(42) وحدة ادارية كانت في ما مضى تشكل جزءاً من محافظة (محلية) واحدة هي جنوب دارفور ولكن لاعتبارات المعلن منها هو تقصير الظل الاداري وتوسيع قاعدة المشاركة، لكن بالنظر إلي حجم الجهاز الاداري للدولة ومقارنته مع فاعليته لا نجد أي اثر للظل الاداري الذي يطول أو يقصر ونجد عوضاً عن ذلك ضعف الأداء الاداري، وعند فحص المشاركين لا نجد أن القاعدة الجماهيرية قد اتسعت أو ضاقت وإنما نجدها قد انحصرت على فئة حزبية محددة ومن هنا يتضح الهدف الرئيسي لهذا التضخم الاداري وهو زيادة حجم الاستقطاب السياسي الذي اخذ الشكل القبلي حتى يصدق القول أن هناك وحدة ادارية لكل قبيلة تقريباً (استطلاعات وسط سكان دارفور).
    هذا خلاف العدد الضخم للوزراء والمستشارون والمفوضون والذي يفصل كالآتي:
    الولاية الوزراء المستشارون المفوضون ملاحظات
    شمال دارفور 11 8 4 الاحصائية لا تشمل شاغلي المناصب الدستورية بالاجهزة التشريعية كما لا تشمل شاغلي المناسب الدستورية بالمحليات
    جنوب دارفور 10 8 3
    غرب دارفور 9 2 5
    المجموع 30 19 12
    المصدر: ادم الزين، دارفور من الانفلات الامني إلي السلام الاجتماعي، 2009م
    والذي يوضح جلياً أن الموازنات السياسية وفتح قنوات التاييد الساسي وراء تكدس هذا العدد الضخم من شاغلي المناصب الدستورية وقس على ذلك الأجهزة الحكومية الأخرى.
    أن الكفائة والفاعلية هي المعيار الاساسي في تقييم الوظائف والأجهزة الادارية، ولكننا بالتجربة والاختبار للاجهزة المذكورة لا نكاد نجد كفاءة أو فاعلية، بل أن الانفلات الامني قد جعل بعض المحافظين ورؤساء الوحدات الادارية حبيسي عاصمة الولاية إذ أن معظم سكان المحلية أو الوحدة الادارية يكونون مشردين أو نازحين جراء الحرب وهذا يعني أن هؤلاء السكان تتحول مسئولية الخدمات والامن اللازمة لهم من الجهاز الاداري المعني إلي سلطات المعسكر ومع ذلك يبقى المسئولون ليتمتعوا بسلطاتهم ومزايا وظائفهم.
    980.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    ثانياً: السلطة الانتقالية:
    تتكون السلطة الإقليمية الانتقالية لدارفور من رئيس السلطة وولاة ولايات دارفور الثلاثة بالإضافة للامانة العامة التي تضم أربعة مفوضيات (الاراضي- التعويضات- الترتيبات الامنية- اعادة التاهل وإعادة التوطين) بالإضافة لصندوق دارفور للاعمار والتنمية ومجلس دارفور للسلم والمصالحة ولا تضم السلطة الانتقالية المناصب الوزارية بالحكومة المركزية أو الحكومات الولائية ولا تضم كذلك المناصب الأخرى (مستشارين- والي- معتمدين...الخ) التي منحت في إطار المشاركة في السلطة.
    انتهت السلطة الانتقالية فعلياً بقيام الانتخابات ولكن تستمر المفوضيات المختلفة التابعة للامانة العامة بمزاولة اعمالها المخولة لها بحسب نصوص الاتفاقية ولكن للأسف فان الأمانة العامة للسلطة الانتقالية بمختلف مكونات قد تحولت إلي فجيعة أخرى تضاف لفجائع دارفور وذلك لعدة أسباب نورد منها:
    1. التشاق القائم بين مختلف مؤسسات الأمانة العامة والحكومة المركزية على اسس سياسية حيث تتهم الحكومة المفوضيات المختلفة بأنها تهدر الأموال الممنوحة لها وتتهم هذه المفوضيات الحكومة بحجب المال المخصوص لها ماعدا الرواتب والاجور.
    2. التشاق بين مختلف مؤسسات الأمانة العامة فيما بينها لاسباب سياسية أو قبلية ترتبط بمن يشغلون الوظائف العليا في هذه المؤسسات.
    3. عدم كفائة كثير من شاغلي الوظائف بهذه المؤسسات وكان نتيجة كل ذلك أن تحولت مختلف الوظائف بمؤسسات ومفوضيات الأمانة العامة للسلطة الانتقالية إلي وسيلة للحصول على راتب مجزي ومخصصات متميزة وبعض الجاه وليست وسيلة كل مشاكل الاقليم وتخفيف معاناة سكانه.
    4. عدم وضوح حدود العلاقة بين مؤسسات السلطة الانتقالية والمؤسسات الأخرى خلق نزاعاً غير مبرر على المهام والاختصاصات فنجد مثلاً أن صندوق دارفور للاعمار والتنمية يضع خطة لحفر ابار للمياه بولايات دارفور الثلاثة وكذلك مفوضية اعادة التاهيل وإعادة التوطين تخطط لحفر ابار وهي صلاحيات تدخل في صميم اختصاص هيئة المياه فينشب نزاع بين الثلاثة ومؤخراً ترى مفوضية العمل الإنساني أن ذلك يقع في إطار اختصاصاتها فتعطي الاذن لبعض المنظمات بحفر الابار دون الرجوع للمؤسسات المذكورة.
    كل ما ذكرناه أدى إلي افراغ مؤسسات الأمانة العامة من مضمونها لتتحول إلي مجرد مؤسسات لجمع المعلومات ورسم الخطط دون أداء أي دور يذكر.
    ثالثاً: الإدارة الأهلية:
    يطلق اسم الإدارة الأهلية على نظام الحكم المتوارث في دارفور منذ عهد السلطنات وفي تشاد يسمى نظام الحكم الشعبي وهو نظام راسخ في نفوس السكان وقد جرى تطوير هذا النظام واختباره بشكل متواصل لما يقرب من الالف وستئمائة عام وذلك منذ نشأة سلطنة الداجو سنة 200م أو 400م على خلاف بين المؤرخين واستمر حتى السقوط الاخير لسلطنة الفور نهاية سنة 1916م على يد المستعمرين الانجليز.
    أخر شكل وصل إليه النظام السلطاني في مسيرته التطورية تلك هو تقسيم السلطنة إلي اربع مناطق ادارية هي:
    1. دار ديمنق (جنوب غرب جبل مرة).
    2. دار اورو (جنوب شرق جبل مرة).
    3 دار دالي (شرق جبل مرة).
    4. دار التكيناوي (شمال جبل مرة).
    ويلاحظ أن جبل مرة (مقر قبيلة الفور) هو محور الارتكاز للسلطنة وفي وقت لاحق تم إضافة وظيفة من عرف بالمقدوم وهو مسئول اداري يعينه السلطان ليشرف على المناطق الادارية واهمهم مقدومان. احدهما يشرف على المنطقة الشمالية (مقدوم الشمال- مقره كتم) والاخر يشرف على المنطقة الجنوبية (مقدم دارا- مقره نيالا)، على أن السلطة الحقيقية تبقى من نصيب السلطان (مقره الفاشر) يعاونه في ذلك مجموعة من الملوك يرمز اليهم باجزاء من جسم السلطان وتوكل اليهم مسئوليات مختلفة.
    ولشرح نظام الحكم السلطاني الذي عرف مؤخراً بعد تحريفه وتحويره باسم الإدارة الأهلية سنركز على ثلاثة نقاط:
    اولاً: أن نظام الحكم السلطاني مرتبط مباشرة بحيازة القبائل للارض والتصرف في مواردها (نظام الحواكير) وهو هنا اقرب ما يكون لنظام الاقطاع الأوربي حيث أن الأرض كلها للسلطان يهبها من يشاء ويختلف عنه في أن الأرض في النظام الدارفوري لا يمتلكها فرد وإنما هي ملك للقبيلة على الشيوع وتكون للقبيلة صاحبة الأرض السلطة العليا بينما يتم تمثيل القبائل المتساكنة معها على ذات الأرض بوظائف ادارية اقل تنضوي تحت السلطة العليا للقبيلة صاحبة الأرض.
    ثانياً: نظام الحكم المتوارث نظام متكامل بمعنى انه يؤدي وظائف السلطات الحكومية الثلاثة (التنفيذية، التشريعة، القضائية) وعلى الرغم من عدم وجود قانون مكتو حتى أن قانون الفور المتوارث في السلطنة (قانون دالي نسبة لمن قام باعداده) لم توجد منه نسخة واحدة إلا أن الجميع يعرف هذا القانون ويحترمه ويتعامل به وفي هذه الناحية يمكن المقارنة بين نظام الحكم الحديث والمتوارث كالآتي: حيث أن السلطان يماثل رئيس الجمهورية والمقدوم يماثل الوالي (حاكم الاقليم) أما الشراتي فيماثلون المعتمدين (المحافظين) أما العمد فيماثلون رؤساء المجالس المحلية واخيراً فان الشيوخ يماثلون رؤساء الوحدات الادارية وكل مسئول من هؤلاء يمسك بزمام كافة المسئوليات في داخل دائرة اختصاصه.
    ثالثاً: الملاحظة الاخيرة هي أن نظام الحكم المتوارث هو نظام قبلي/ عشائري حيث يتم توزيع المناصب على القبائل وفق اعتبار حيازتها للأرض (الحاكورة) وبناء على كثافتها السكانية فإذا انفردت القبيلة المالكة للارض بمنصب الشرتاي وبعض العمد فان هناك بعض العموديات والمشيخات يتم منحها للقبائل الأخرى المتساكنة معها وفقاً لكثافتها العددية حيث يتم تقدير السلطة بناء على تعداد القبيلة فربما يتم تمثيل قبيلة ما بعمدة أو اثنين بينما يتم تمثيل قبيلة أخرى بشيخ فقط ويتولى المسئول عن هذه القبيلة تصريف شئونها داخل الإطار العام للحكم.
    981.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    هذا النظام السلطاني لم ينقطع منذ نشأته إلا مرتين الأول في عام 1874م بعد هزيمة السلطان إبراهيم قرض في معركة منواشي على يد الزبير باشا وتبعية سلطنة دارفور للحكم التركيوالثانية عام 1916م حيث تم ضم دارفور كاحدى مديريات السودان الانجليزي المصري في بدايات عام 1917م.
    والغريب في الأمر أنه وبالرغم من سقوط السلطنة رسمياً إلا أن نظام الحكم لا يزال باقياً حيث يسجل التاريخ وجود ستة سلاطين للفور ما بين السلطان إبراهيم قرض والسلطان علي دينار ورغم أن وجودهم تقلص في النواحي الجنوبية الغربية لجبل مرة فراراً من السلطة التركية إلا انهم ظلوا موجودين ومعترف بهم وهذا ربما يفسر السهولة النسبية التي عاد بها علي دينار للحكم حيث أن معظم السكان يعترفون بالنظام المتوارث ويعترفون للفور بحقهم في السيادةن وكذلك بعد سقوط علي دينار فان هذا النظام استمر حتى يومنا هذا بعد تحويره وتحريفه باسم نظام الإدارة الأهلية ولايزال المنصب الاسمي للسلطان يتوارثه احفاد علي دينار.
    هذا النظام المتوارث استفاد منه الانجليز عند تطبيق مفهومهم للحكم غير المباشر للسودان وهو نظام حرصوا على تطبيقه في مستعمراتهم.
    وقد صدرت قوانين تعيد تنظيم الإدارة وفق اسس جديدة في الفترة (1922-1932م) كان اسواها بالنسبة لدارفور هو قانون سلطات المشايخ لسنة 1927م والذي خلط خلطاً كبيراً في نظام توزيع السلطات المتوارث قد استقله بعض الانتهازيين انذاك في اكتساب سلطة لا يستحقونها وفق المفهوم المتوارث.
    وعقب ثورة اكتوبر 1964م بدا النقاش حول تصفية الإدارة الأهلية إلي أن الغاها نميري تماماً عام 1970م عندما قرر في يوم 8/6/1970م إنشاء مجالس القضاء والمجالس الادارية لتحل محل السلطات الادارية والقضائية لرجال الإدارة الأهلية التي تم حلها.
    الواقع أن تعميم القرارات الادارية على السودان ليحكم كله بنمط واحد لا يناسب طبيعة المجتمع في كل اجزاء السودان التي يحتاج بعضها لخصوصية يجب مراعاتها عند سن التشريعات ومن بين هذه الأقاليم دارفور إذ أن إلغاء الإدارة الأهلية خلق فراغاً ادارياً حيث أن ضباط المجالس المقيدين باللوائح الادارية ونظم الجهاز التنفيذي ليست لديهم المرونة الكافية لسهولة الحركة وسط السكان والتفاعل مع قضاياهم كما أن التنقلات التي كانت سائدة انذاك لم تجعلهم يستوعبون تفاصيل النظام الاجتماعي في دارفور.
    بقى رجال الإدارة الأهلية وسط المجتمع بشكل غير رسمي يمارسون وظيفتهم في فض المنازعات وتنظيم الزراعة والرعي واستغلال موارد الأرض وهي وظائف اخذ النظام الرسمي ينافسهم عليها فعمل كل نظام على اضعاف الاخر وخاصة أن الجهاز الاداري للدولة كان قد ضعفت قبضته بفعل الميزانية المنهارة للدولة من ناحية ومن ناحية أخرى بفعل النظام الدكتاتوري في الحكم الذي ابعد الكثير من الكفاءات باسم التطهير والصالح العام، كما أن نظام الاتحاد الاشتراكي فتح الباب لتولي المناصب اعتماداً على الانتهازية والفهلوة والولاء بدلاً عن الكفاءة المطلوبة في شاغلي المناصب الادارية حيث انه في ظل نظام الحزب الواحد يختفي التنافس على أساس البرنامج الانتخابي والايدولوجيا الحزبية فالحزاب واحد والبرنامج واحد فتصبح عندئذ الانتهازية بدلاً للكفائة الطموح الشخصي بديلاً للبرنامج الهادف، وإذا كان السودان كله قد عانى من ذلك فان معاناة دارفور كانت اشد.
    وعقب سقوط نميري زاد الوضع سوءاً خاصة ببروز العنصرية مع تكوين التجمع العربي وفتح حدود دارفور لتصفية الحسابات بين ليبيا وتشاد لدرجة اتهام السيد/ آدم مادبو وزير الطاقة بأنه وقع مع الحكومة الليبية نيابة عن حكومة السودان اتفاقاً يخولها حق استخدام اراضي دارفور لاسقاط حكومة الرئيس نميري مما اسفر عنه تكوين لجنة تحقيق في مواجهة ادم مادبو إلا أن الرأي العام لم يسمع عنها شيئاً حتى الآن.

    في ظل هذا الواقع المتردي وغياب سلطة الدولة توزع ولاء كثير من رجال الإدارة الأهلية لدول مجاورة تمدهم بالسلاح والسلطة بدلاً عن الولاء للمركز وتبني بعضهم اجندة عنصرية تكسبه المزيد من السلطة على حساب السلام الاجتماعي وبسط هيبة الدولة.
    أما الدولة نفسها فقد أنصرفت لكسب ود الانتهازيين من أبناء الاقليم طمعاً في كسب النفوذ والتاييد السياسي على حساب العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين وتجلي ذلك في مؤتمر قصة جمت للصلح بين الزغاوة و36 قبيلة الذي عقد بمنطقة ودعة عام 1987م حيث مال الصادق المهدي لطرف على حساب طرف ومرة أخرى ظهر ذلك عندما استجاب الصادق المهدي لمذكرة التجمع العربي في ذات العام وعين بعض الذين كتبوها وزراء اقليميين وبعضهم في الحكومة المركزية.
    عند مجئ ثورة الانقاذ للحكم عن طريق الانقلاب العسكري في عام 1989م كان من بين اهدافها المعلنة حسب البيان الذي تلاه رئيسها عبر وسائل الاعلام (وقف الحرب الدائرة في دارفور) وهي إشارة لوقف الصراع بين الفور و27 قبيلة عربية وقد نجحت في ذلك بعد حوالي شهر في مؤتمر شهير للصلح اقيم في مدينة الفاشر حضره نائب رئيس الجمهورية الزبير محمد صالح، إلا أن هذه الأهداف السامية قد تحولت تماماً بعد مقتل داؤود يحي بولاد حيث تمت الاستعانة بمتطوعين تحت لواء الدفاع الشعبي وراية الجهاد شكل البني هلبة أساس هؤلاء المتطوعين وذهب رئيس الجمهورية للاحتفال بالنصر في عد الغنم عاصمة قبيلة بني هلبة وقام بتغيير اسمها لتصبح عد الفرسان وعلى الفور تم تصنيف القبائل فالعرب ومن ضمنهم بني هلبة موالون للنظام ويمكن الاستفادة منهم في محاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان أما الفور فهم ضد النظام ويجب كسر شوكتهم وقد تم ذلك تحت ستار مكافحة النهب المسلح وحملات جمع السلاح التي قام بها والي دارفور الطيب إبراهيم محمد خير وعلى هذا الأساس تم تصنيف القبائل وزعمائها مما اتاح الفرصة لطائفة الانتهازيين للظهور والتحدث باسم القبائل طمعاً في المناصب والمكاسب.
    وفي عام 1994م قامت ثورة الانقاذ الوطني باعادة الإدارة الأهلية وفق اسس جديدة خططت لها وزارة التخطيط الاجتماعي التي كانت تسعى لاعادة تخطيط المجتمع وفق اسس جديدة تقوم على مبادئ اسلامية وعلى هذا الأساس فقد عقد مؤتمر جامع للنظام الاهلي في بداية سنة 1995م بارض المعسكرات في سوبا ليرسخ لمبادئ ومهام جديدة للاداري الاهلي منها التعبئة السياسية وحشد المتطوعين للجهاد وغيرها من المبادئ والاهداف وكان أن تم ابتداع وظيفة الامير وتمت عضونتها في جسم الإدارة الأهلية بالنسبة لسكان دارفور فان كلمة أمير تعني اخوة السلطان وابناؤه وقد تم تقسيم الديمنقاوية- مركز ثقل الفور- إلي ثلاث امارات على راسهم أمير الامراء وهو الاسم الجديد للديمنقاوي.. وقد تسببت هذه المفاهيم في كارثة في ولاية غرب دارفور أن قام والي الولاية باصدار قرار سنة 1995م قسم بموجبه دار مساليت إلي ثلاثة عشر امارة منح منها ثمانية امارات للقبائل العربية بالولاية مع انهم رعاة أو وافدون من تشاد- بحسب مفاهيم اهل دارفور- وتم ذلك دون أخطار الإدارة الأهلية المتمثلة في سلطان المساليت ودون علمه وكان السؤال المطروح هو اين سيمارس هؤلاء الامراء شئون اماراتهم؟ لان كلمة امارة تعني عند السكان المعني الحرفي أمير وتابعين ورقعة جغرافية تمثل حدود الامارةوكان رد المساليت بان ذلك لن يكون على ارضهم بينما اعلن العرب الدفاع عن حقهم المكتسب بمباركة السلطة الحكومية فنشبت حرب ضروس بين الطرفين امتدت لخمسة سنوات انقسم خلالها مجتمع دارفور على اسس عنصرية لزرقة وعرب وانتهت الحرب بتفويض الفريق الدابي سلطات رئيس الجمهورية وتجميد سلطات الوالي إبراهيم يحي وقد هرب على اثرها كثير من سكان قرى المساليت إلي تشاد المجاورة ولايزالون هناك حتى اليوم.
    الضربة الاخيرة التي وجهت لنظام الإدارة الأهلية كانت عقب ضربة مطار الفاشر في مارس 2003م حيث تم حشد بعض القبائل لمحاربة القبائل الأخرى تحت اسم الطوارئ وبهدف القضاء على التمرد فقام بعض زعماء الإدارة الأهلية بحشد المقاتلين لمحاربة قبائل أخرى.
    نتيجة لكل التطورات والتعقيدات التي ذكرناها تحول الاداري الاهلي في الغالب الاعم لمجرد رمز فاقد الدلالة وبلا سلطة أو قدرة تمكنه من تسيير دفة ادارته وتصريف شئونها وبذلك فقد المجتمع احد أهم ركائز ادارته.
    رابعاً: اليوناميد:
    قبلت حكومة السودان ببعثة يوناميد كأحد الحلول للمساعدة في احلال السلام في دارفور الذي اتضح أنه يحتاج لجهود تفوق قدرات الاتحاد الافريقي وهي تحتوي على مكون عسكري وأخر مدني على النحو الآتي:
    أ‌- الجوانب المدنية: تحدثت الفقرات 5، 6، 7 من الاتفاقية على الجانب المدني للبعثة بالتفصيل حيث ذكرت أن عنصر الشئون المدنية سيساعد في انفاذ اتفاقية سلام دارفور واي اتفاقات لاحقة من خلال دعم عمليات الوفاق بحيث يشمل على المستوى القاعدي إدارة الحوار الدارفوري وتنشيط مؤسسات اتفاقية سلام دارفور وسيساعد المكون المدني أيضا في بناء قدرات المؤسسات القومية ومنظمات المجتمع المدني في دارفور.
    تشمل انشطة المكون المدني أيضا عقد الورش حول الملامح المختلفة للحكم وبناء السلام بهدف ترقية ثقافة السلام وخلق اتصالات مع المساهمين الرئيسيين لدعم الحوار والتصالح وسط الأطراف المتصارعة، بينما ينتر ضباط الشئون المدنية على نطاق دارفور اخذين في الحسبان ديناميات الصراع المعقدة وضرورة مشاركة القواعد في عمليات السلام.
    ب‌- الجوانب العسكرية: تحدثت المادة (9) عن مهام الجانب العسكري موضحة انه في الوقت الذي يعمل فيه المكون العسكري على حماية المدنيين فانه سيعمل أيضا على تنفيذ بنود امنية محددة انيط بها الاتحاد الافريقي والامم المتحدة بموجب اتفاقية سلام دارفور والاتفاقيات اللاحقة سيقوم الجانب العسكري على التاكد من العملية النافذ لفصل القوات وذلك بواسطة عملية الدوريات المتعلقة باعادة الانتشار والمناطق العازلة وسحب الاسلحة طويلة المدى، وتعمل أيضا على مراقبة انتهاكات اتفاقية سلام دارفور وإجراء التحقيق فيها واعداد التقارير حولها وحسمها بواسطة لجنة وقف إطلاق النار والمفوضية المشتركة.
    كما تقوم بمراقبة الحدود بين السودان- تشاد- جمهورية افريقيا الوسطى وتدعم عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج.
    الواضح أن ضخامة وتعقيد هذه المهام يجعل من بعثة يوناميد كانها حكومة اعلي من حكومات الاقليم تدعم مؤسسات الحكم وتشجع مشاركة القواعد في بناء السلام وتراقب النشاط العسكري وتراقب الحدود وهذا ياتي بالتاكيد خصماً على سللطات الدولة وصلاحيات اجهزتها.
    خامساً: الحركات المسلحة:
    المآخذ على هذه الحركات إنها عبارة عن فصائل وشراذم مسلحة تفتقر للأجندة الواضحة والهدف الواحد وانها ذات ديناميكية متحركة بحيث يستحيل التعامل معها على أساس إنها كيان موحد وسينحصر حديثنا هنا على ابرزها:
    أ/ حركة العدل والمساواة:
    مرت هذه الحركة بمراحل عديدة منذ بداية تكوينها حيث كانت الاضعف اثراً حتى أصبحت هي الحركة الاقوى عسكرياً وذات ثقل سياسي يعتد به ومن خلال مفاوضتها ومحاربتها للحكومة وبالنظر إلي اجندتها واهدافها المعلنة نجد إنها ليست حصراً على دارفور رغم أن دارفور تتصدر اولوياتها فهي تنادي بتغيير نظام الحكم في السودان كله ليقوم على اسس العدالة والمساواة وفق رؤية الحركة.. وهي كغيره من الكيانات والحركات رهن بالظروف الدولية والإقليمية في حصولها على السند العسكري والسياسي.
    ب/ عبد الواحد محمد نور:
    يدافع عن قضيته مسنوداً بقلة من المقاتلين في جبل مرة وتجد مطالباته اذناً صاغية لدى قطاع لا يستهان به من السكان في دارفور وهي تركز على:
    1. اخلاء الحواكير من الوافدين عليها وطردهم.
    2. نزع سلاح الجنجويد ومحاسبتهم.
    وعند امعان النظر نجد أن هذه المطالب هي مطالب الفور في جبل مرة منذ حربهم مع 27 قبيلة عربية (سنة 1987-1989م) وقد نص عليها مؤتمر الصلح بين الفور والعرب سنة 1989م بالفاشر وتكررت مرة أخرى في مؤتمر نيرتتي عام 2002م إلا انه لم يتم الاستجابة وتم تجاهلها على الدوام.
    ج/ حركة التحرير والعدالة:
    يرأسها الدكتور/ التجاني سيسي وهو من اسرة حاكمة وسط الفور واخ الديمنقاوي فضل سيسي سبق له أن كان حاكماً على دارفور بالإضافة لكونه اكاديمي معروف تواطأت مجموعة من الجماعات المسلحة وكوادر حركة تحرير السودان المتشرذمة على زعامته للحركة ويعتقد بعض المراقبين وجزء من سكان دارفور إنها حركة مصطنعة القصد منها كسب ود الفور ومحاولة سحب البساط من عبد الواحد محمد نور.
    الجهات الأربع التي ذكرناها (الحكومات الولائية- السلطة الانتقالية- الإدارة الأهلية- اليوناميد- الحركات الرافضة) هي الآن ذات اثر في اقليم دارفور سواء ضعف هذا الأثر أو قوى فهي موجودة وتتنازع السلطة القابضة لمؤسسات الحكم والادارة في الدولة مما جعل الاقليم بلا سلطة قابضة تقريباً بلا اثر لمؤسسات الحكم والادارة وفي ظل هذا الوضع لانعدام السلطة وتنازع الاختصاصات يستحيل أن يتحقق امن أو تحدث تنمية، لان من متطلبات ذلك الجهاز الاداري الكفء والسلطة الحاكمة القابضة.
    ثانياً: أزمة المياه و الموارد
    تعتبر ازمة المياه اساس ازمة الموارد، فبرغم أن الإقليم يذخر بموارد هائلة من المياه تتمثل في مياه الأمطار التي تتراوح من صفر في الشمال إلي 800ملم في العام في الجنوب ما عدا منطقة جبل مرة التي لها طبيعة بيئية مختلفة مما جعل مناخها متنوعاً مع زيادة في معدلات الأمطار .... هذا بالإضافة للموارد الأهم المتمثلة في الأودية والبحيرات الموسمية مثل وديان أزوم ، نيالا ، كجا، إبره ، كتم ، كايا والكوع وبحر العرب بالإضافة للمياه الجوفية الهائلة المنتشرة تحت سطح الإقليم في شماله وجنوبه (حوض البقارة - الحوض النوبي الصحراوي – حوض أم كدادة- حوض ساق النعام – حوض شقرة - حوض ديسا وخلافه ) .
    بالرغم من ذلك فإن سعي الحكومات المتعاقبة في تطوير المرافق المائية المذكورة منذ الاستقلال لا يمثل شيئاً يذكر سوى حفر بعض الآبار الأرتوازية وبعض الدوانكي بمختلف أنحاء الإقليم وبعض الخزانات والسدود وهذا التوسع في مصادر المياه بدون دراسة جدوى لطاقة الأرض الاستيعابية أدى إلي نتائج سلبية من زوال الغطاء النباتي واحتدام التنافس القبلي على الموارد الطبيعية.
    ولا تزال الأمطار الموسمية هي المورد الرئيس لمياه الشرب والزراعة في كل أنحاء دارفور ولا زال الرعاة يعتمدون بالدرجة الأولى على الأودية والمستنقعات السطحية الضحلة (البرك – الرهود – الترد- الآبار الضحلة – السيول أو الأرجل (جمع رجل) وهو الخور أو السرف المتفرع من الوادي) وبعض الآبار الجوفية وتعرف لدى أهل دارفور بالسواني والتي يبلغ عمقها ما بين 10-30 (راجل) بالتسمية المحلية وهي تساوي 30-90 متر طولي ، ويصعب السقي منها لتخلف وسائل انتشال الماء والتي تتجسد في الدلو بالحبل وفي بعض المناطق بالساقية والشادوف والنبرو وأغلبها تستخدم للشرب وري بعض النباتات الحقلية.
    تتناسب طردياً الكمية المتاحة من الموارد المائية بالمنطقة المعينة ونسبة النزوح (الرعوي/الزراعي) على الموارد مع احتمال حدوث الاحتكاك القبلي الذي غالباً ما يحدث للأسباب الآنفة وقد يتفجر ليصبح صراعاً قبلياً دامياً مثل صراعات الزغاوة والسميات والزغاوة والمراريت بسنوات قلة الأمطار (83، 85 ، 87 وحتى 1989م) بريفي الفاشر بشمال دارفور (بدونكي علاونه وأرقد مراريت وودعة وكتال وشنقل طوباية) .
    وقد قدر المهندس/ إيدام أبوبكر إسماعيل في دراسة أعدها عام 2007م النقص الحالي في احتياجات مياه الشرب بما يعادل 50% في اليوم ، وهذا النقص يجعل الرعاة يهاجرون بحيواناتهم خارج الإقليم لسده وهناك بعض المناطق التي تتوفر فيها المياه بكثرة ويسهل تناولها مجاناً بالإضافة إلي توفر المراعي حولها حيث أن تلك المناطق أصبحت مناطق نزاع مستمر بين الرعاة والمزارعين تذكر حسب الولايات في ولاية جنوب دارفور المناطق هي:
    1. محلية شعيرية.
    2. منطقة الملم بشرق الجبل.
    3.حول نيالا ومحلية كاس
    حيث تتوفر المياه في الوديان وعلى اعماق قليلة حداً حيث تحفر الابار العادية والمشيش بالإضافة إلي توفر المرعى، وهنا تنشأ الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين.
    أما في ولاية شمال دارفور فمناطق توفير المياه هي:
    محلية كبكبابية: حيث تكثر الوديان وتتوفر المياه مع توفر المرعى وهي مناطق مكتظة بالسكان من المزارعين فينشأ الاحتكاك والنزاعات.
    منطقة جبال الميدوب ووادي هور: وهنا تتوفر المياه وخاصة المياه المالحة والتي تعتبر مهمة جداً للابل والاغنام وفي هذه المنطقة تنِشأ الاحتكاكات بين الرحل أنفسهم لأنهم ينتمون إلي اثنيات مختلفة مثل الميدوب، الزيادية، الزغاوة والكبابيش.
    أما في غرب دارفور فمناطق النزاعات بسبب المياه والمرعى هي:
    1/غرب جبل مرة 2/ محلية زالنجي 3/محلية وادي صالح 4/ محلية هبيلة
    5/ محلية الجنينة
    وبصفة عامة لا توجد نقاط مياه مخصصة للرحل في المسارات المختلفة حتى الآن بل يفر الرحل مشاركة اهل القرى في نقاط المياه التي تتوفر في شكل دوانكي، حفائر وسدود مما يسبب الكثير من الاحتكاكات والتنافر.
    كذلك أدت موجات الجفاف والتصحر الأخيرة لتعقيد الصراع في دارفور بصورة كبيرة حيث أدت لنزوح القبائل بسبب تدهور المراعي وشح المياه ... واكثر القبائل تضرراً من الجفاف والتصحر وشح الأمطار هي القبائل التي تغطي أقصى شمال الإقليم وغربه وشرقه مثل قبائل الزغاوة والبرتي والميدوب والقمر والرزيقات الشمالية والزيادية ... ويمكن تتبع هجرات قبائل الزغاوة والقمر والقبائل العربية من شمال دارفور ودخولها في معارك قبلية كلما اتجهنا جنوباً حيث زاد التنافس القبلي على الموارد الزراعية والحيوانية ومصادر المياه الشحيحة.
    بالإضافة للنزوح الداخلي فقد ساهمت موجات جفاف الساحل والصحراء التي ضربت المنطقة منذ أواسط السبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي في هجرات ونزوح أعداد كبيرة من الرعاة من تشاد الى داخل السودان ومع اختلال البيئة الطبيعية لم تعد المراتع والمراعي التقليدية تكفي الحيوانات ومثلما انهارت المجتمعات المستقرة بدأ نمط حياة الرعاة في التغير وذلك بتغيير المسارات (المراحيل) وارتياد مناطق جديدة توفر الماء والمرعى لحيواناتهم وبجفاف عام 1971م بدأت هذه المجموعات تدخل بكثافة الى الديار الزراعية والمستقرة مما شكل ضغطاً عالياً اخل بالبيئة الطبيعية من جانب ومن جانب آخر أثار مشاعر أهل الديار المستقرة التي لم تتسع لاستيعاب هذا الكم الهائل من المجموعات البشرية والحيوانية والتي أتت بأنماط جديدة من السلوك أدت الى نفور سكان المناطق الأصليين فقد اتجه العرب الرعاة من مختلف الأماكن في تشاد و دارفور نحو مناطق الفور و قد تمركز الأبالة في بدايات هجرتهم بمناطق كبكابية وحتى منطقة كتم و مع استمرار تذبذب الأمطار والزحف الصحراوي تسلل الأبالة إلى مناطق جبل مرة و غرب دارفور الغنية بالمرعى و المياه؛ وإزاء تدفق المجموعات العربية البدوية ومواشيها إلي منطقة تسودها الزراعة ظهرت مشاكل اخذت في التطور كلما توغل الوافدون داخل المناطق الزراعية مع انتهاك الحيوانات للمزارع وتدمير المحاصيل، فضلاً عن مطاردة القوات التشادية الحكومية للقوات المعارضة شبه النظامية بمناطق الفور مما جعلها منطقة اضطراب حتى بالنسبة للفور أنفسهم. وقد حدثت معارك كثيرة وسقط أفراد وجماعات من الفور قتلى...
    قرر الفور الواقعون تحت هذه الضغوط التحرك فلجأوا للحرائق الواسعة للمراعي بهدف إجبار العرب على مغادرة المنطقة إلي مراع أخرى وحاولوا أن يمنعوهم من الوصول إلي موارد المياه وفعلوا ذات الشئ من الانتقام عندما سرق العرب ماشيتهم وبدأ العرب ينتقمون بحرق قرى ومزارع الفور وسرعان ما اتخذت الحرب طابع النزاعات العرقية المحملة بالتعصب القبلي وامتدت ما بين عامى 87-1989م لتنتهى رسميا بمؤتمر صلح تم عقده في الفاشر عام 1989م وقد خرج هذا المؤتمر بتوصيات اصبحت مرجعية في حل كثير من النزاعات بدارفور منها على سبيل المثال :
    1/ جزءاً من حوادث النهب والقتل وإحداث خسائر قامت بها العناصر الأجنبية.
    2/ تقوم الحكومة بإبعاد كافة الأجانب الذين يدخلون البلاد بطرق غير مشروعة من مناطق الإقليم فوراً وان تحقق في الكشوفات التي تقدم لها بواسطة العمد والمشايخ لهذا الشأن.
    ولنا أن نلاحظ أن تقديم كشوفات بالأجانب بواسطة العمد والمشايخ ومراجعتها من قبل الحكومة يعني أن الأجهزة الحكومة غير قادرة على تحديد هوية الأجنبي من المواطن السوداني في دارفور وذلك لشدة التداخل القبلي بين تشاد ودارفور بينما تستطيع الإدارة الأهلية (العمد والمشايخ) القيام بذلك بكل بساطة وأخيرا فإن اخطر ما حدث هو إشتراك القبائل السودانية العربية في هذه الحرب ضد الفور مع القبائل التشادية الوافدة (الأجانب المطلوب إبعادهم) تحت مظلة التجمع العربي مما بذر بذور الفتنة بين السكان.
    3/ عدم إنشاء إدارات أهلية للعرب في مناطق الفور إلا على مستوى مشيخات وعمد.
    وهذه التوصية نابعة من خصوصية المجتمع في دارفور ورسوخ نظام الإدارة السلطاني (النظام الأهلي) في نفوس السكان ووجدان المجتمع حيث أن إعطاء الكيانات القبلية للعرب مستويات إدارية أعلى من العمد يجعلهم ضمناً أصحاب حق في الأرض ومواردها والأرض ملك للفور وذلك حسب النظام الإداري للسلطنات التاريخية في توزيع ملكية الأرض كما أسلفنا.
    و قد تكررت ذات التوصيات تقريبا في مؤتمر الصلح بين العرب و المساليت بالجنينة سنة 1996م؛ فبعد معالجة مشكلة الأمارات و إخضاعها للسلطان نجد البنود الآتية :
    1- المعالجة الجذرية لوجود المعارضة التشادية في الاراضي السودانية وازالة اثارها السلبية.
    2- وضع أسس واضحة للتعامل مع التداخل الحدودي (الجارة تشاد).
    3- الزام كل القبائل بعدم ايواء ومناصرة المعارضة التشادية.
    و في دار زغاوة في شمال دارفور نجد اوضاعا مشابهة فبعد مؤتمر قصة جمت الشهير سنة 1987م و الذي ناقش الصراع بيت الزغاوة و القبائل الأخرى إلا أنه قد وتواصلت محاولات اجلاء القبائل للزغاوة من مناطقها فوقعت حروبات عديات وودعة وام حجارة واخذ الصراع شكلاً مغايراً للصراع التقليدي باصتدام الزغاوة مباشرة بالجيش النظامي وقتل قائد القوة العسكرية الممشطة لقرى الزغاوة (وهو برتبة رائد) واتسعت الحرب لتشمل مناطق لبدو ومهاجرية ومرلا وياسين ومتورد بجنوب دارفور ورغم توقيع مؤتمر الصلح بين الزغاوة والقبائل العربية في كتم سنة 1994م إلا ان الوضع اخذ منحى خطيراً مؤخراً بادعاء القبائل العربية امتلاك بعض المناطق التاريخية للزغاوة في شمال دارفور بسبب اسمائها العربية مثل وادي الطينة ومثل مزبد وهي مناطق غنية بالماء والمرعى.
    و قد استمرت مشكلة الموارد حتى اليوم و هي تجر معها مشكلة الأرض التى لا تنفصل عنها حيث نقرأ في أضابير مؤتمر قيادات الفور لمعالجة الأوضاع الامنية بمناطق جبل مرة وما حولها والذي انعقدت جلساته بمدينة نيرتتي بجبل مرة في الفترة من (16-22) اغسطس 2002م برئاسة السلطان حسين ايوب علي دينار سلطان عموم الفور ونيابة الديمنقاوي فضل سيسى والمقدوم احمد عبد الرحمن ادم رجال وقد طلب المؤتمر من أجهزة الامن اطلاق سراح كل معتقلي الفور قبل مباشرة اعماله وقد استجابت الحكومة لهذا الطلب وتم اطلاق سراح المعتقلين ومن بينهم عبد الواحد محمد احمد النور على الرغم من ضرب الثوار/المتمردين لطور يوم 13/8/2002م وسنكتفي بايراد النصوص الاتية من مضابط المؤتمر دون التعليق عليها:-
    "خلفية تاريخية عن الاحداث:
    استمرت الاعتداءات علي ممتلكات وارواح الفور بالقتل والنهب والسلب والحرق والتهجير وهتك الاعراض ؛ وتطورت هذه الاحداث خلال الاعوام من 2000م الي 2002م تطوراً مريعاً ازهقت فيه مئات الارواح واحرق العديد من القري وهجرت العشرات منها ونهبت الألآف من الابقار والاغنام والدواب والممتلكات وعطلت الخدمات مما سبب هجرة واسعة للمدن الكبري في دارفور... وتفاقمت المشاكل الاجتماعية بين الايتام والارامل والثكالي وبالرغم من كل ذلك لم تتمكن الدولة بكل أجهزتها من رفع الظلم عنهم مع علمها التام بتفاصيل ما يجري. بل أصبحوا موضع اتهام مستمر بالتمرد والمعارضة وعدم الوفاء للدولة وعلي الرغم من الوجود الكثيف للقوات النظامية في مناطق الفور الا انها لم تتمكن في أغلب الاحيان من استرداد المنهوبات وتعقب الجناة بل أصبحوا في كثير من الاحيان عائقاً للتعقب... وزاد الامر سوءاً الممارسات المتكررة المقصودة من بعض افراد الاجهزة الامنية التي تمثلت في التعرض لأعراضهم بصورة استفزازية بإستخدام القوي ليلاً ونهاراً واستغلال سلطاتهم لتسوية الحسابات الشخصية وتعرضهم للضرب المبرح والأذي الشديد والاهانة أمام أسرهم دون مسوغ شرعي او قانوني ودون مراعاة لقداسة واجبهم في حفظ الامن كل ذلك سبب غبناً كبيراً لدى مواطنين هذه المنطقة".
    _OMA6382.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    و قد جاءت التوصيات الآتية ضمن توصيات المؤتمر:
    1/ يوصي المؤتمر بضرورة الالتوام بقرارات مؤتمر الصلح القبلي بالفاشر 1989م وخاصة البند الخاص بعدم انشاء كيانات للقبائل العربية في مناطق الفور الا علي مستوي مشيخات وعموديات.
    2/ ضرورة تبعية القبائل القاطنة بالمحافظة الي الادارة المحلية ادارياً وتحصيل الضريبة منهم.
    3/ السعي الي فتح نقاط الشرطة ونقاط الرباط التي قفلت دون مبرر في كل من طيبة وسلاكويا.
    و تحت عنوان قناعات المؤتمر نقرأ :
    1/ كانت حركة بولاد حركة فردية مثلها مثل الحركات الاخرى (كالانقلابات والتمرد) عليه يصبح استمرار الصاق تهمة التمرد بقبيلة الفور دون سواها من قبائل السودان الاخرى واعتبار ان ابناءها ارتكبوا ما ارتكبه بوالاد يصبح اتهام باطلاً ومرفوضاً.
    2/ الهجرات المستمرة من دول الجوار مع عدم ضبطها ومنعها أدت الي خلق بؤر للجريمة.
    و هي قناعات مريرة وتزداد هذه الرارة إذا أخذنا في الحسبان أن الأمم المتحدة قد أعلنت أن العام الحالي (2010م) سيكون به نقص في الغذاء (مجاعة) في تشاد نتيجة لقلة الأمطار مما ينذر بإزدياد حدة الحرب على الموارد التى لم تهتم السلطات الإدارية العديدة في دارفور بتنميتها و تطويرها أو على الأقل حل المشاكل الناجمة عن ضمورها فالحكومة و الحركات إما في قتال أو تفاوض سياسي لايهتم بالموارد، أما مفوضية اراضي دارفور فإن خارتها لإستخدامات الأراضي لا تزال مجرد حلم بعيد المنال.
    ثالثاً: تغيير الخارطة السكانية للإقليم

    نتيجة لهذا النزاع ( 2003م ـ 2007م ) فإن كثير من أوضاع الناس بدارفور قد تأثرت وتبعاً للتقرير الصادر عن وزارة الشئون الإنسانية / مفوضية العون الإنساني لشهر سبتمبر 2007م فإن الخصائص الديموغرافية لدارفور كالآتي :
    عدد السكان = 6.750.000 نسمة .
    عدد المتأثرين والنازحين = 2.100.000 نسمة .
    عدد النازحين بالمعسكرات = 650.000 نسمة .
    عدد المتأثرين بقراهم = 1.450.000 نسمة .
    عدد المعسكرات = 21 معسكر .
    عدد تجمعات النازحين بمناطقهم = 38 تجمع .
    عدد اللاجئين = 200.000 لاجئ .
    ويبدو أن تقرير العون الإنساني أحصى فقط عدد اللاجئين بجمهورية تشاد المجاورة ، لأن خطة عمل مفوضية إعادة التأهيل وإعادة التوطين ( 2007م ـ 2010م ـ 2020م ) قد قدرت عدد اللاجئين كالآتي :
    لاجئين إلى تشاد = 200.000 نسمة .
    لاجئين إلى ليبيا = 150.000 نسمة .
    لاجئين إلى دول أخرى = 190.000 نسمة .
    ليصبح العدد الكلي للاجئين 540.000 لاجئ .
    ويبدو أن آثار الصراع على دارفور ضخمه للغاية ، فقد جاء في خطة مفوضية إعادة التأهيل المشار إليها الإحصاءات التالية عن القرى المدمرة :
    م البيان العدد
    1 قرية دمرت بالكامل 600
    2 قرية دمرت جلها 800
    3 قرية دمرت جزئياً 1600
    4 الجملة 3000
    وكنماذج لبعض القرى التي تم تدميرها في شمال دارفور نذكر قرى ( منزولات ـ أم هشابة ـ أم سدر ـ حمراية ـ جبل بنات ـ اللعيت ـ أم سيالة ـ أبوزريقة ـ الوخايم ) ، وفي جنوب دارفور نذكر نماذج ( التعايشة ـ خزان جديد ـ مرير ـ شطاية ـ دوماية تميد ـ عدوة ) وفي غرب دارفور نذكر قرى ( أكتالا ـ كابار ـ تريسة ـ حرازة ـ كدوم ـ بندسي ـ أرولا ـ أكينو ) .
    وقد وجاءت إحصائيات مصادر المياه التي دمرت كلياً أوجزئياً :
    م الولاية مصادر المياه التي دمرت
    1 غرب دارفور 244
    2 شمال دارفور 418
    3 جنوب دارفور 207
    4 الجملة 869
    وكذلك جاء في خطة المفوضية أن 356 مرفق صحي قد تدميره عملياً أو جزئياً و475 مدرسة .
    كل هذا الدمار والخراب في المنشآت والبيوت والممتلكات حيث فقد الناس مصادر رزقهم من مزارع دمرت وهجرت حتى أصبحت غير صالحة للزراعة ، ومواشي هلكت أو نهبت من مختلف الجهات في ظل الصراع الدائر مما ولد في النفوس الشحناء والبغضاء والكراهية وظهر نمط حياة جديد يقول الدكتور محمد سليمان آدم : ( ظهر نمط جديد من التفكير فيه كثير من اللامبالاة وعدم الإهتمام بالإنتماء الأسري والوطني .. وتدهور الحس الوطني لتحل محله الإتكالية والتسيب والتهرب من الواجب ) ويرى الباحث أن الدكتور/ محمد سليمان أماب الحقيقة حين قال : ( العلاج يجب أن يكون عبر أهل دارفور ) .
    و بالنظر الى مخرجات التعداد السكاني الخامس عشر يمكننا أن نقارن عدد السكان الكلى مع أعداد النازحين التي جاءت في خطة مفوضية إعادة التأهيل و التوطين على النحو الآتي :
    نسبة النازحين إلى عدد السكان حسب الولاية
    رقم الولاية عددالسكان حسب التعداد عدد النازحين نسبة النازحين لعدد السكان
    1 شمال دارفور 2113626 450700 21%
    2 جنوب دارفور 4039594 622900 15%
    3 غرب دارفور 1308225 965600 74%
    الجملة 7461445 2039200 100%
    المصدر: خطة مفوضية إعادة التأهيل و إعادة التوطين
    أماعدد اللاجئين فقد احصته المفوضية كلآتي :
    رقم الدولة عدد اللاجئين
    1 تشاد 200000
    2 ليبيا 150000
    3 أخرى 190000
    الجملـــــــــــــــــــة 54000
    المصدر: خطة مفوضية إعادة التأهيل و إعادة التوطين
    و بالتالي يكون عدد المتأثرين بالحرب (لاجئين و نازحين) 2093200 من جملة 7461445 يمثلون عدد سكان الإقليم و هذا بالضبط يعني نسبة 28% من عدد السكان و هؤلاء قد تمركزوا في تجمعات حول القرى و المدن مما يعني الآتي :
    1/ تحول حوالي ثلث سكان الإقليم الي النمط الإعتمادي بدلا عن النمط الإنتاجي و هذا عبء كبير في ظل ازمة الموارد ونقص الغذاء .
    2/ ظهور نمط حياة جديد بثقافة جديدة من ادبياتها الإنتهازية و الحقد و اللامبالاة و فقدان الحس الوطني و ضعف الإنتماء الأسري.
    3/ خلو الريف الدارفوري تقريبا من السكان ما عدا بعض الرعاة يشكل الوافدون منهم – بحسب تعبير اهل دارفور جزءا مقدرا منهم.
    توصيات
    1/ تشكيل حكومة مؤقتة للإقليم من الوطنيين الحادبين على المصلحة العامة يكون من مهامها بسط الأمن و العدالة و تطوير الموارد.
    2/ النظر في كيفية إعداد جهاز إداري يستوعب تراث الإقليم و تقاليده التاريخية في الحكم بما يلائم حاجة الناس.
    3/ وضع حلول ناجعة لمشكلة المياه و التصرف في موارد الأرض .
    4/ معالجة المشاكل الإجتماعية الناجمة عن النزوح و اللجوء.
    المراجع
    تم إعداد هذه الورقة إستنادا لمناقشات و مشاهدات قام بها الكاتب خلال زياراته المتعددة لإقليم دارفور بولاياته الثلاثة؛ كما شملت طيفا واسعا من ابناء الإقليم و المهتمين بالعاصمة القومية. بالإضافة للمراجع الآتية:
    1/ عبد العزيز محمود عبد العزيز، اوضاع الصراع في دارفور، التقرير الإسترتيجي السنوي (حالة الوطن)، مركز الدراسات السودانية، الخرطوم 2008-2009م
    2/...........، الحركات المسلحة بدارفور(ورقة)،أكاديمية السودان للعلوم، الخرطوم 2009م
    3/ آدم الزين محمد، دارفور من الإنفلات الأمني للسلام الإجتماعي، بدون ناشر، الطبعة الثانية 2009م
    4/ علي احمد حقار، البعد السياسي للصراع القبيي في دارفور، مطابع السودان للعملة 2001م
    5/ عثمان البشرى ، حركة تحرير السودان ، الهيئة العامة الصرية للكتاب، 2009م
    6/ توصيات مؤتمر الصلح بين الفور و 27 قبيلة عربية، الفشر 1989م.
    7/ خطة مفوضية إعادة التأهيل وإعادة التوطين ، الخرطوم 2007م
    8/ توصيات مؤتمر قيادات الفور، نيرتتي(جبل مرة) 2002م
    9/ نتائج التعداد السكاني الخامس عشر
                  

07-19-2010, 12:17 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة (العدالة الانتقالية والمصالحة) تقديم أ/ أميمة المرضى .
    sudansudansudansudansudan7.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أستاذة اميمة المرضى

    تعرف العدالة الانتقالية بانها :-
    - هى الاليات والعمليات التى تستخدم لمواجهة كافة انتهاكات حقوق الانسان التى ترتكب اثناء انتقال المجتمع من فترة الصراعات او الحكم المتسلط من اجل ضمان المساءلة وتحقيق العدالة .
    -العدالة الانتقالية تعنى الاليات والعمليات القضائية وغير القضائية وتكون في اغلب الاحيان مؤقته وتستخدم في المدى القصير .
    اهداف العدالة الانتقالية
    - تتناول وتحاول معالجة الانقسامات في المجتمع والتى تنجم عن انتهاك حقوق الانسان - تعمل على تضميد ومعالجة جراح الافراد والمجمتمع عبر (الفحص/ذكر الحقيقة) .
    - توفير العدالة للضحايا والمحاسبة لمرتكبي الجرائم .
    - ايجاد سجل تاريخي صحيح وكامل للمجتمع .
    -الحفاظ على حكم القانون .
    - إصلاح المؤسسات لتعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان .
    - التأكد من عدم تكرار انتهاكات حقوق الانسان .
    - تعزيز التعايش والسلام المستدام .
    مرتكزات العدالة الانتقالية :-
    1- العــدالة .
    2- المصالحة .
    العدالة :-
    - تصبح العدالة مطلب للضحايا بعد انتهاء النزاعات والحكم الاستبدادي حيث ان المفهوم الاساسي هو انه لا يمكن ايجاد سلام دون عدالة جزائية .
    - تقوم العدالة على اعادة الاوضاع السابقة ومعاقبة واتخاذ الخطوات التصحيحية للافعال الخاطئة والحفاظ على وتأكيد تأسيس العلاقات بين الافراد والمجتمعات .
    _OMA6272.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أ)ادوات العدالة الجزائية :-
    تقوم العدالة الجزائية على مبدأ ان :-
    - كل من ارتكب اي انتهاك لحقوق الانسان او امر اخرين بارتكاب جرائم ، يجب ان يعاقب قضائياً او على الاقل ان يعترف امام الملأ ويطلب العفو .
    الذين يساندون هذا الرأي مقتنعون ان العقاب مهم للأتي , يجعل مرتكبي هذه الجرائم مسئولون عن المحاكم السابقة , يؤدي الى تقليل الجرائم مستقبلاً .
    - تمنع ثقافة الافلات من العقوبة او الحصانة .
    - ايجاد بيئة يستطيع كل من مرتكب الجرائم او الضحية ان يعيشا فيها سوياً.
    الايجابيات :-
    -تجنب العدالة الاهلية التى يبحث فيها الضحية عن العقاب او طلب القصــــاص من مرتـكبي الانتـهاكات قد تؤدي الى سلسلة من الانتقام
    - التأكد من ان مرتكبي الجرائم لا يصلون للسلطة مرة اخرى - جعل الجريمة ترتبط بالاشخاص الذين ارتكبوها حتى لا تتحمل المجموعات او المجتمع ذنب هذه الجرائم
    - غرس الثقة في النظم القانونيه والسياسية الجديده يؤكد على ان الناس يعتقدون في تلك النظم ولا ينظرون اليها بعدم ثقه اذا لم يتم معاقبة مرتكبي الجرائم .
    قصور نموذج العدالة الانتقالية :-
    تركز على محاكمات مرتكبي الجرائم مع عدم اعطاء اي اهتمام للضحايا - تتسبب المحاكمات في اعادة ايجاد ضحايا حيث ان مقدمي الافادات يتم استجوابهم بطرق مذلة ومهينة احياناً - تحد الاجابات (بنعم او لا) في المحاكم الجنائية من معرفة المعلومة والحصول على الحقيقة كاملة . كما ان مرتكبي الجرائم ليس لديهم حافظ لقول الحقيقة كاملة - لا توجد مراجعة للهياكل والنظم المؤسسية مثل( الشرطة السرية) التى سمحت او ساهمت في ارتكاب الانتهاكات تنقسم العادالة الجنائية ايضاً .
    - اعادة الممتلكات وما تم ** والتعويضات وجبر الضرر والتى قد تأخذ كل التعويض المالي للضحايا اما من مرتكبي الانتهاكات او العدالة .
    تركز على محاكمات مرتكبي الجرائم مع عدم اعطاء اي اهتمام للضحايا .
    - تتسبب المحاكمات في اعادة ايجاد ضحايا حيث ان مقدمي الافادات يتم استجوابهم بطرق مذلة ومهينة احياناً .
    - تحد الاجابات (بنعم او لا) في المحاكم الجنائية من معرفة المعلومة والحصول على الحقيقة كاملة . كما ان مرتكبي الجرائم ليس لديهم حافظ لقول الحقيقة كاملة .
    - لا توجد مراجعة للهياكل والنظم المؤسسية مثل( الشرطة السرية) التى سمحت او ساهمت في ارتكاب الانتهاكات .
    ب)ادوات العــــــدالة التعويضية :-
    هي عملية يتم من خلالها كل من المعتدين وضحــايا مرتكبـــــي الانتــــهاكات والمجتمعات بطريقة جماعية بمعالجة نتائج الاعتداءات .
    لذلك فهى لا تركز على العقاب بل على جبر الضرر وتقديم التعويضات .
    أهداف العدالة التعويضية :-
    تسوية اصول النزاعات :-
    - ادماج كل الاطـــراف المـتأثرة .
    - معالجة اَلام الضحايا عن طريق الاعتذار- التعويض- جبر الضرر .
    - منع الاعتداءات مستقبلاً عن طريق وسائل مجتمعية .
    _OMA6272.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


    2المصالحة :-
    يختلف مفهوم المصالحة من حيث المعنى والأهمية ، فقد تعني :-
    - التعايـــش الحـــــــوار -الاعتــذاز -التســامح - التــعافي .
    تبدأ المصالحة لاي شخص في وقت مختلف في فترة التحول ما بعد الصراعات .
    وقد تبدأ في طاولة المقاوضات أواثناء محاكمة مرتكبي الانتهاكات أو عند تطبيق دستور جديد ....الخ .
    بعض معاني المصالحة :-
    اعادة بناء المجتمع ، علاقات الجوار ، الاسر ...الخ , والتى تكون قد تمزقت نتيجة للآلام وفقدان الثقة والخوف
    - تأسيس الفكر غير العنصري وغير الإقصائي .
    - ترقية فهم التداخل الثقافي بين الثقافات التى تدهور بينها التعايش حيث يتم تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل والتطور.
    الالتزام الاخلاقي ، التغيير الذاتي ، قبول الأخر ، إقرار الشخص باخطائه وجرائمه . - اعادة ادماج الضحايا وطريق الى اعادة البناء النفسي للخبرات والمعاناة والمقاومة -من اهم الاشياء في المصالحة هى انها ليست محاولة لاعادة الاشياء كما كانت عليه في السابق قبل النزاعات ولكن تعني ببناء العلاقات بشكل يجعل كل الناس يتقدمون معاً الى الامام .
    - هى ليست نتيجة نهائية مثل العقاب والجزاء ولكنها عمليات مستمرة متتالية تبنى وتحسن العلاقات .
    لايجاد المصالحة لا بد من :-
    - نوع من العدالة .
    - بناء الثقة على مستوى المجتمع .
    - استراتيجيات واَليات للتعامل مع الفاعلين الذين قد يتسببون في اعاقة العملية السلمية .
    من الذين يشاركون في اَليات العدالة الانتقالية :-
    يشارك عدد من الفاعلين على المستوى * العــــــالمى * القومـــــي * المحـــــلي , في المحاكم والمفوضيات وعمليات فض النزاعات المحلية التى تتكون في حالات ما بعد النزاعات .
    - على المستوى العالمي , تم تأسيس او محاكمات لمرتكبي جرائم حرب كانت لسياسيين وعسكريين نازيين ويابانيين اثناء الحرب العالمية الثانية .
    - جاءت محاكمات لقادة يوغسلافيا السابقة ورواندا , تم تكوين المحكمة الجنائية الدولية 2002 كاول اليه دائمة للعدالة الانتقالية .
    _OMA6284.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    2- على المستوى القومي :-
    - القوانين الوطنية * في حالات الصراع الداخلي تكون الحكومة هى طرف في الصراع فتصبح اكثر تردداً لمحاكمة مواطنيها وقد تحدث استثناءات ( اندونيسيا - كمبوديا – رواندا) .
    -المرأة والقوانين الوطنية * في الدول التى في مرحلة ما بعد النزاعات ، حيث تنهار النظم القانونية تفشل آليات العدالة في انصاف النساء على المستوى القومي * تكون الادانة للأغتصابات والعنف والجنسي . قليلةجداً حيث يصعب جمع الادلة .
    تتكون لتوضيح الحقائق عن الفظاعات والاحداث التى حدثت في بداية تفجر النزاعات والاضطهاد - تهدف الى ابراز الاسباب الجذرية للنزاعات والجهات التى تتسبب فيها -توثق بشكل جيد لانتهاكات حقوق الانسان - تتيح للضحايا فرصه لتبادل واشراك الاخرين فيما عانوه .
    - تدين بشكل رسمي كل الممارسات الخاطئه .
    - تضع توصيات لمنع تكرار العنف مستقبلاً واصلاح المؤسسات وتحسين العدالة والمحاسبية واحترام حقوق الانسان.
    جبر الضرر :-
    - تعني معالجة اخطاء الماضي من خلال التعوضات واعادة الممتلكات والحقوق وضمان عدم التكرار او اي شكل آخر من التعويض للضحايا .
    3-على المستوى المحلي :-
    - النظام التقليدي .
    - تستخدم آليات العدالة الانتقالية التقليدية بشكل متزايد كعملية تكميلية او بديلة للنظم العالمية او القومية .
    -تتم على مستوى المجتمعات المحلية ويقوم بها القيادات الدينية والكبار والموظفين المحليين واعضاء المجتمع الأخرين الذين لهم قدر من الاحترام .
    - تقلل العبء على النظام الرسمي .
    - تكون مأألوفه ومشروعة للعامة كما تسهم في المصالحة واعادة البناء .
    اوجه القصور :-
    - مشكلة توحيد القيم والعادات في كل انحاء البلاد .
    - لا تضمن الضحية ان العدالة قد تكون توفيقية .
    - كيفية تجنب زيادة اعباء المجتمع بأعمال صعبه وكثيرة بادارة العدالة .

    _OMA6291.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-19-2010, 12:42 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة (سوق المواسير) تقديم أ/ محمد محجوب .
    sudansudansudansudan8.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أستاذ محمد محجوب

    تتناول هذه الورقة ظاهرة ما عرف بـ(سوق المواسير) بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وما جرى هناك من معاملات وأحداث شغلت الرأى العام ليس في الولاية فحسب بل امتدت الى كل انحاء البلاد ذلك ان وسائل الاعلام خاصة الصحف قد تناولت ما حدث بشكل واسع، وهي ظاهرة قد وقعت في غياب الوعي العلمي لها فقد ظهرت فجأة، ولذلك لابد من محاولة فهمها حتى في حالة غياب المعلومات او التعتيم عليها بشتى الطرق.
    كل الدلائل تشير الى ان هذه الظاهرة ليس نبتاً شيطانياً ولكن لها علاقة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السودان، واكثر ارتباطها بالاقتصادي في ظل هذا الوضع السياسي. وقد ظهرت بهذه القوة رغم وجود جهات عدة تتصدى للعمل الاقتصادي في البلاد كما نعلم منها الأمن الاقتصادي ثم الزكاة والضرائب ورسوم المحليات وغيرها مما نعلمه جيداً ولكن كيف ولدت وترعرعت وازدهرت، لابد ان هناك جوانب تاريخية تربطها بالظواهر الاخرى في السوق بشكله الجديد في ظل التحرير الاقتصادي والانفتاح وهذه فرضية ضرورية. هناك حقيقة هي ان السوق التجاري في البلاد شهد ويشهد انواعاً من المعاملات لها أشكال وأسماء عدة ترعرعت وازدهرت ايضاً تحت علم السلطة استناداً على ما ذكرنا من ان لها من الاجهزة مالا يغيب عنها شئ.
    ونقول ايضاً ان (الظاهرة) لابد قد جرى التخطيط لها رغم اننا نعلم ان الظواهر قد تحدث فجأة، ولذلك فان هذا التخطيط قد ينفي عنها صفة الظاهرة، كما قد ينفي عنها صفة الظاهرة شكل التعامل الذي يجد جذوره في المعاملات التجارية الاخرى المعروفة مثل (الكسر) وهو معلوم وسنشير الى ذلك مستفيدين من مقال الدكتور حسن احمد الجاك. وهو مقال اقتصادي ساخر يمكن لصفحات الاقتصاد في الصحف الاستفادة منه لأنه يقدم هذا العلم الذي يوسف بانه جاف بطريقة (رطبة) ممتعة الى حد الضحك.
    كما ان الظاهرة تأخذ الشكل الفولكلوري لما لها من اسماء وتعابير وأساليب خاصة بها واجناس فولكلورية ايضاً. فالاسم نفسه مرتبط (بالنكتة) الشعبية وهي جنس او موضوع فولكلوري أصيل.
    الاسم:
    من أين جاء اسم الظاهرة؟ ودعونا نستخدم كلمة الظاهرة لانه تحول لاسم لما حدث رغم اننا ذكرنا انها قد لا تكون ظاهرة لاسباب وردت في أول حديثنا – ووفق ما جاء في بعض الصحف، وروايات بعض الرواة ان الاسم في الاول لم يكن (سوق المواسير) بل (سوق الرحمة)، والصحف استخدمت كلمة (المواسير) للدلالة على الظاهرة والسوق معاً، حتى اصبح اسم الظاهرة هو (ظاهرة سوق المواسير)، فمن أين جاء الاسم؟
    عندما تضرر البعض بالمقالب التي حدثت في المعاملات التجارية في السوق – انتشرت النكتة التي تقول.. وسأوردها هنا دون خجل ذلك انه ليس في العلم خجل تماماً كما نورد مثلاً كلمة (قنينيطة) عندما نتحدث عن (جروح اللفة) في موضوع الاسماء الجغرافية وهي فرية ان الاسم جاء من القصة التي تقول:
    (ان القرد فجأة صار (يحقر) بالأسد وأمام اللبوة (وهو سيد الغابة)، ويكرر جلده له مما ساق اللبوة الى الغضب لزوجها الاسد وطالبته بوضع حد لهذا العبث من جانب القرد، ولكن الأسد لم يحرك ساكنا فما كان من اللبوة الا ان هبت للبطش بالقرد، ولكن القرد هرب تجاه مكان فيه (ماسورة، وصار يلتف حولها هرباً من اللبوة وهي تطارده فيدخل من هذه الناحية ويخرج من الاخرى لصغر حجمه فما كان من اللبوة الا ان حاولت القبض عليه بالدخول الى (الماسورة) وهنا وقعت في الشرك فقد بقى نصفها الاسفل في الخارج والأمامي في الداخل وهنا عاد القرد مطمئناً واغتصب اللبوة، ولما تخلصت اللبوة من (المقلب) عادت وجلست في خجل أمام الأسد فما كان من الاسد الا ان قال لها (عارفو بوديك الماسورة) وكأنه يشير الى انه وقع في ذات المقلب .
    _OMA6331.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    هذه هي القصة او النكتة الشعبية التي ارتبطت بكلمة (الماسورة) فلما وقعت المقالب في سوق (الرحمة) وهو الاسم الذي سنعرض له اطلق الناس على ذلك السوق اسم (سوق المواسير). وقد ساعد الاعلام في انتشار هذا الاسم فقد درج على استخدامه.
    الموقع:
    جرت الاحداث في مدينة الفاشر، وذكر لي احد الصحفيين ان السوق بدأ بتأسيس الذين من (المواطنين) محلاً لاستئجار السيارات فكان أساس السوق الذي تحول الى التجارة العامة.. في الزيت والفول والى الذهب.
    وقد اشار السيد سبدرات في مؤتمر صحفي عقده ابان الاحداث ان السوق نشأ داخل مقر الشرطة.
    من أين جاء شكل التعامل؟
    لابد لهذه الظاهرة كما اشرنا علاقة بالوضع السياسي في ظل هذا النظام، الذي اتبع سياسة الخصخصة والانفتاح الاقتصادي والتحرير الاقتصادي والتمكين.. الخ.
    أطلق الدكتور احمد حسن الجاك على طريقة المعاملات الاقتصادية في البلاد اسم النظرية الاقتصادية الرابعة. والكل يعلم ان النظريات هي ثلاثة الاشتراكية والرأسمالية والاسلامية التي تولدت عنها (الخضراء) والتي ابتدعها صاحب الكتاب الاخضر معمر القذافي فاذا اجملنا الاخيرة في سابقتها يكون العدد اربع نظريات !
    ويضيف الدكتور ان أولى مرتكزات (النظرية الرابعة) هو (الكرين والكسر) والكرين كلمة برئية بدأت بمفهوم (حرفي) و(جغرافي) محدد تطورت هذه الكلمة فاضحت تعني (سوق) متعدد الامكنة والمعاملات (بعد ازالة السلطات المختصة له من مكانه الذي ولد فيه والكرين كما نعلم كان في مدينة بحري سوق للسيارات. ويقول الدكتور ان هذا السوق انتشر بمعاملاته في مدن وقرى السودان. اما الدكتور كامل ابراهيم والذي يستهجنه الدكتور الجاك عذراً في ان ينقل عنه (قانون سوق ام دفسو فيشير الى ان هذا القانون اي (قانون سوق المواسير ام دفسو) فيندرج ضمن قانون الكرين – الكسر. وهذه القوانين هي:
    قانون:
    1- رفض اللعب على المكشوف.
    2- المقربون أولى بالمنفعة.
    3- خليهو في بطنك.. ما يكون في بطن زول.
    4- ان يبلغ الكبير الصغير والكبير يبلعه الأكبر منه.
    ولكن ماهو قانون (الكسر) وفق د. الجاك فان القانون هو نشاط تمويلي مبتكر رغم أوجه الشبه بينه وبين (الفايظ) بجامع (الغلو) في كل وبجامع عجز المؤسسات التمويلية في مقابلة احتياجات الزبائن وبجامع شح السيولة.
    _OMA6336.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    ويقول نتيجة لهذا الوضع يدخل (الكسر) العميل في (دوامة خبيثة).. ولأن الدكتور يقدم مقاله الاقتصادي هذا بطريقة ساخرة فهو يضيف: (تنتهي به – يقصد الدوامة الخبيثة – في قسم الشيكات بسجن ام درمان.. (يا ترى لماذا وضع هذا المكان ايام المهدية هو بيت المال؟!!*
    ويشرح عملية (الكسر) في تمويل المستوردين بالدولار ولما كان هذا التمويل الأخير غاية في الصعوبة فانه يحتاج الى رهن عقاري ذو قيمة عالية (منازل) مثلاً، وهناك (الكسر) في القطاع الحكومي مثل (الكسر) في الارز الذي وصل كعون سلعي الى شركة للتجارة والخدمات لتبيعه بواقع 11.000 جنيه للطن الواحد فباعته الشركة لاحد التجار (من الجماعة) – بالطبع يقصد جماعة السلطة – بواقع 17.000 للطن بشيكات مؤجلة فباعه التاجر بواقع 25.000 جنيه للطن لجهة حكومية (بـ25.000 كاش).
    ثم يتحدث الدكتور عن الاشكال الأخرى او الآليات مثل (الكتفلي) وهي من كلمة (كتف) وتعني ان تأخذ ديناً على ان تسترده فيما بعد، وهذا الشكل كما هو معلوم كان معمول به في النشاط الزراعي حيث يقوم التاجر بتمويل المزارع باحتياجاته للزراعة على ان يردها بعد الحصاد، ولكن التاجر يسترد دينه باكثر (ربا) وهكذا يخسر المزارع. ولكن الكتفلي الجديد يختلف عن (الشيل) فهو اخطر لانه دليل لواقع الحال أثبت ذلك حيث لم يستطع المزارعون الدفع فزج بهم في السجون، ودخلت مع ذلك مفاهيم جديدة هي مفاهيم مذلة للمزارع مثل (الاعسار) والمعسرين اي ان يعترف بانه صار معدماً بعد بيع جميع ممتلكاته، وبعد ان كان منتجاً يصبح فقيراً وأجيراً.
    ثم هناك نظام (التفسيح) وهي ظاهرة (تفسيح) السكر ويعني بذلك بيع السكر بطريقة في الظاهر تبدو تجارة ولكنها في الواقع تمويل. حيث يقوم القادرون بشراء السكر بغية تصديره لدولة مجاورة ثم يقوم ذات التاجر باعادة السكر وبيعه فان كان قد اشتراه بواقع 190 دولار للطن، يعود به وقد ارتفع الى ثمنه اي الى 700 دولار للطن وبهذا يخسر المواطن وتخسر الدولة فالمواطن يشتري بعد ذلك الجوال بواقع 90.000 (الآن 90 جنيه) بدلاً من 24.000 حيث الآن 24 جنيه، باربعة اضعاف ثمنه وتفقد الخزينة العامة 510 دولار في كل طن تم (تفسيحه)!
    اذن فان ظاهرة (التموير) والتي نحن بصددها هي ابن شرعي لهذه الممارسات العجيبة وهذه هي الجذور الحقيقية لعملية (الماسورة) اي تركيب شخص ما (ماسورة) كما يقولون في الشارع وتعني (المقلب) ولكي نكمل الصورة لهذه الجذور التاريخية لابد ن الاشارة الى ما قامت به ذات الجماعات التي تحكم هنا في السودان والتي استمدت أصلاً جذورها التاريخية من جمهورية مصر العربية حيث عاش المؤسس الأول وما جرى في مصر من عملية توظيف الأموال الشهيرة حيث قامت تلك الشركات مستترة وراء الاسلام وملتحفة بثوبه عندما اطلقت على نفسها اسماء مثل (السعد والريان وهما كما نعلم من أبواب الجنة او شركة الهدى والذي يعني القرآن، والآن صارت مثل هذه الاسماء مؤثوقة لدينا، البسملة، الرحمة، الايمان، الحكمة، ذات النطاقين، ام المؤمنين، البركة.. الخ).
    وقد خسر المواطن المصري خاصة المغتربين فهم جميع أموالهم وهرب الملتحفون اصحاب تلك الشركات* مثلاً هرب اصحاب الرضا للاستثمار في 1986 والمكتب الهندسي للتجارة والمقاولات في 1986، ومنظمة الاسواق العالمية في 1986، والهلال (احد اكبر ست شركات توظيف الاموال في ديسمبر 1987 الى الولايات المتحدة ومع صاحبها 100 مليون جنيه جمعها من المدخرين، وأربع شركات كبيرة بالاسكندرية).
    وقد أوردنا كل ما سلف ذكره لنؤكد ان ما جرى في سوق المواسير له تاريخ في الداخل والخارج وان ما جرى ايضاً مشابهاً لما جرى من قبل ولذلك لا نجد اي عذر للدولة في السكوت عنه.
    ظهور ظاهرة سوق المواسير:
    الجانب التاريخي يشير الى ان هذه الظاهرة ظهرت الى الوجود في عام 2009 وذلك حسب المعلومات التي قمنا بجمعها من عدد من الروايات او الاحاديث الشفاهية او ما جاء في عدد من المقالات في الصحف. فقد بدأ اثنان من المواطنين يقال انهما شرطيان أحدهما هو آدم اسماعيل والثاني هو صديق موسى وذلك بفتح محل لتأجير السيارات ثم تحول العمل الى التجارة في محاصيل وبضائع أخرى من الزيت والفول وحتى الذهب. وكان المركز في مكان في مقر الشرطة. ولذلك أشار السيد سبدرات الى ان السوق أسس داخل مقر الشرطة وذلك في مؤتمره الصحفي الذي عقده ابان ظهور الأزمة، وهذا ما يدعو الناس الى الحديث عن دخول الشرطة الى هذه العمليات، وانتعش السوق في الفترة من شهر يونيو في عام 2009، وكان هذان الشرطيان قد استقالا وتفرغا للعمل فيه. وقد سمي السوق بسوق الرحمة ويبدو ان ذلك كان من قبل ان تظهر عمليات المسورة، او كما يرى البعض ان ذلك الاسم اطلق السيد كبر وهذا هو المرجح، لانه ثبت ان من يطلق لفظ سوق المواسير كان يعاقب بالجلد. وقد طمأن (كبر) الناس باطلاق ذلك الاسم.
    ماذا جرى هناك؟
    لابد ان الظروف التي تمر بها دارفور قد هيأت الجو لقيام أي عمل من نوع تلك الأعمال منذ النهب المسلح الى هذا الاحتيال الكبير، الى رد فعل السلطات باطلاق النار على الناس وقتل وجرح 72 شخصاً وفق ما جاء بصحيفة (التيار) الصادرة في 3 مايو 2010 اي قبل شهرين فقط (أنظر الملاحق). وتضرر المواطنون حتى أدى ذلك الى وصول عدد من البلاغات التي تقدم بها المواطنون حتى 12 مايو ووفق جريدة الاخبار الصادرة في 12 مايو 2010 العدد 557 الى 5 آلاف بلاغ. وعدد المتضررين الى 20 الف ولا يهمنا صحة تلك الاخبار ام كذبها – هذا موضوع آخر – ولكن ان وراء الدخان نار. ونعود للسؤال ماذا جرى؟
    يورد الصحفي (بدرالدين عبدالرحيم) في عموده (آراء حرة) بعد ان يوضح جذور تسمية السوق بسوق المواسير وهذا قد شرحناه ان: ما حدث هناك هو ان يقوم مثلاً شخص بعرض سلعة ما وحسب الاسعار السائد في السوق مثلاً 2000 جنيه مقابل ذلك يمنح العارض شيكاً او ايصال أمانة بمبلغ 5000 جنيه فيقوم الأخير بعرض البضاعة وبيعها نقداً بمبلغ (1000 جنيه) ومن هذا المثال البسيط لعملية (الكسر) يلاحظ الآتي:
    في المرحلة الأولى من التعامل تم تقييم البضاعة بما يعادل 150% من قيمتها الحقيقية (2000 الى 5000).
    وفي المرحلة الثانية ومن أجل الحصول على السيولة تم بيع البضاعة بأقل من قيمتها الحقيقية بنسبة 50% (من 2000 الى 1000).
    _OMA6350.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    فالخاسر هنا هو صاحب البضاعة الأصلي الذي لم يستلم سوى وريقات (شيك او يصال أمانة).
    اما المستفيد فهو الذي باع البضاعة بأق من قيمتها الحقيقية بنسبة 50%.
    ولا نلاحظ هنا أي دور للمصارف ولا لجهات المراقبة الاخرى، ولذلك تشجع العابثون الى المضي قدماً في هذه الممارسة والتوسع في هذا العمل اللااخلاقي. لأنها لم تحقق في حجم السيولة التي يملكها هؤلاء طرف هذه البنوك وعدد دفاتر الشيكات الممنوحة لهم.
    ان الضرر الذي وقع على المواطنين كبير يمكن ان نلخصه من بعض الصحف – حتى وان أشرت انه قد يكون دقيقاً ام لأنه:
    - نهب أموال المواطنين والذين أوردنا اعدادهم.
    - قتل واصابة العشرات ابان الاحتجاجات والمطالبة بالحقوق.
    - تأزم الوضع في الفاشر ومن ثم في دارفور في الوقت الذي لا يحتاج أصلاً الى المزيد من التوتر.
    - تعطيل مصالح المواطنين وذلك بغرض حظر التجول وإعلان المتاجر وايقاف اعمالهم.
    - ارتفاع أسعار السلع الضرورية من سلع غذائية ومحروقات وندرتها.
    الصحف والتغطية الإعلامية:
    يلاحظ في التغطية الاعلامية انها انحصرت في الصحف وهذا شئ طبيعي في ظل هذه الظروف وفي كل الحكومات الشمولية التي غالباً ما تحتكر الأجهزة الاخرى (الاذاعة والتلفزيون ووكالات الانباء) وتسمح لهامش ضعيف للصحف لنشر اخبار مثل هذه الاحداث.
    ولسنا هنا بصدد تقييم الوضع الاعلامي ولكن نريد ان نشير الى ان الصحف نفسها وفي اغلب الاحيان لم تتبع الطرق السليمة في تغطية الاحداث والخص ذلك في الآتي نسبة لضيق المساحة.
    - أولاً المصادر لم تكن دقيقة ويمكنك ملاحظة ذلك في صدر الخبر مثلاً فاما انها تنسبه (لمصدر مطلع) دون ذكر اسمه او (لشاهد عيان) او الى (افادت الانباء) علماً بان المصدر لهم بالنسبة للقارئ فيما يخص المصداقية.
    - ثانياً لم تحاول الصحف اجراء تحقيقات في أماكن الاحداث، والتحقيق من الموضوعات الصحفية التي يمكن ان يجريه الصحفي خلف الانظار حتى اذا امتلك الحقيقة فاجأ بها المسئولين. اضافة الى انه من الموضوع الصحفية التي يمكن ان يظهر فيها الوصف الدقيق والتصوير والمقابلات فهو متعدد الجوانب.
    لذلك نادراً ما يشاهدنا حتى في الاخبار التي تناولت الاحداث صوراً فوتغرافية بالرغم من التقنية العالية الموجودة اليوم والتي تمكن من التصوير من مسافات بعيدة.
    - بعض الصحفيين تركوا الموضوع الأساسي للتعليق عن اشياء أخرى ثم عادوا للحديث عنه وهذا يؤدي الى تهميش الموضوع حتى وان بذلت اكبر جهد في اقناع القارئ (لاحظ تعليق هاشم كورينا) في الاخبار في الملحق او عمود سيف الدين البشير الذي يدافع عن الشرطة رغم تصريح سبدرات بأن الأساس كان داخل دار الشرطة.
    - بعض الصحف وقعت في شراك ما يسمى بالتقييم الاعلامي دون ان تدري – او ربما تدري – مثلاً خبر (الاخبار) حول مقابلة مناوي لسلفاكير – ماهي المعلومة المستفادة من (انه قام بتنويره بما تم في سوق المواسير) بماذا نوره؟!
    - لم يتم ملاحقة لجنة التحقيق ولا اللجان الاخرى واكتفت الصحف بايراد تصريحاتهم ولم يتم محاصرتهم – ان الاعتذار بمسألة الأمن لا يفيد لأن الصحفي ومن أجل القضية يمكن ان ينشر في أماكن أخرى مثل الـNet.
    - الاحصائيات متضاربة بين الصحف .
    - وجملة العمل الصحفي لا يمكن تصنيفه فلا هو حملة بالمعنى العلمي المعروف ولا هو تغطية دقيقة. أقول هذا وفي ذهني الأعمال الصحفية مثلاً لمجلة نيوزويك الامريكية والحروب في العراق او افغانستان.
    وأخيراً أقول او أخلص الى القول انه وفي ظل (ان كان لها ظل) هذه الأنظمة قد تظهر اشياء يقف امامها هذا الشعب المسكين مندهشاً الى درجة ان يسكت قلبه وان دور الاحزاب الوطنية والمنظمات الطوعية والمدنية يتعاظم في تنويره الى المخاطر التي تحدق به. وان على المواطن ايضاً ان لا يلدغ كل يوم من جحر.
    ويتعاظم دور الصحف ووسائل الاعلام الاخرى واتساءل هل الذين يعملون في الاذاعة والتلفزيون ووكالة الانباء هم السكوت وانتظار الاشارة من الحكومية حتى وان كان الخبر عالمياً او يمس مصالح الجماهي الى هذه الدرجة التي مس بها موضوع سوق المواسير أهلنا في دارفور. ومن الطريقة التي ظللت اتابع خبر (اوكامبو والبشير) هكذا أسميه في اذاعة لندن وأعود الى ام درمان لاجدها تغني (انا مالي ومالي يه).
                  

07-20-2010, 09:39 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    مواصلة لعرض الاوراق التى تم تقديمها
    ورقة (صراع الموارد ودوره في تحقيق السلام في دارفور) , قدمها د. يوسف خميس أبورفاس
    1023.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    د. خميس ابو رفاس

    تتناول هذه الورقة الدور الذي يمكن أن تلعبه الموارد في تحقيق السلام في دارفور، وهي تحاول الإجابة علي السؤال هل بالإمكان تحقيق السلام في دارفور في ظل الصراع علي الموارد الذي يدور بين مكونات المجتمع الدارفوري ؟
    يتفرع من هذا السؤال أسئلة فرعية
    - ما هو حجم الموارد في دارفور
    - وما هي استعمالات هذه الموارد ؟
    - وما هي المهددات التي تواجه هذه الموارد ؟
    فرضية البحث
    ويقوم هذا البحث علي فرض أنه لا يمكن تحقيق السلام في دارفور في ظل الصراع علي الموارد.
    للإجابة على هذه الاسئلة – وتحقيق أهداف الورقة ، تتكون من:
    – مفهوم الصراع
    – وصراع الموارد -الموارد في دارفور
    – استخدامات الموارد في دارفور
    – مهددات الموارد في دارفور
    – دور هذه الموارد في النزاع المسلح في دارفور
    – دور الموارد في تحقيق السلام الدائم في دارفور
    مفهوم الصراع:
    • تعبر كلمة صراع – عادة – عن الظروف التي تشتبك بمقتضاها جماعة بشرية محددة الهوية ( سواء كانت قبيلة ، جماعة عنصرية ، جماعة لغوية ، جماعة ثقافية ، دينية اقتصادية أو سياسية ، في معارضة واعية مع واحدة أو أكثر من الجماعات البشرية المحددة الهوية وذلك بسبب إتباع هذه الجماعات مالا يتوافق مع أهدافها أو يبدو كذلك .
    • وظاهرة الصراع تعبر عن موقف ينشأ من التناقض في المصالح أو القيم بين أطراف تكون علي وعي وإدراك بهذا التناقض مع توافر الرغبة لدي كل منها للاستحواذ علي موضع لا يتوافق بل وربما يتصادم مع رغبات الآخرين فالظاهرة تعني وجود تعارض في أحد أبعاد الوجود البشري ، واستمرار هذا التعارض وربما التناقض يؤدي إلي أحد أمرين أما الصدام بين الأطراف أو إدارته وحله
    • صراع الموارد:
    • يمكن تعريف المورد الاقتصادي علي أنه رصيد ذو قيمة اقتصادية يترتب علي استغلاله تيار من المنافع أو الإشباع ، ويتبين من هذا التعريف أن المورد هو كمية يصير قياسها في نقطة زمنية معينة.
    • أنواع الموارد الاقتصادية
    • تتالف الموارد الاقتصادية من ثلاثة أنواع هي :
    • الموارد الطبيعة : ويرمز لها الاقتصاديون بالأرض
    • الموارد البشرية, ويطلق عليها عنصر العمل ، وهي تألف من القدرات الإنسانية المتوفرة في المجتمع.
    • الموارد المصنوعة : وهي تتألف من كل ما يقوم الإنسان بإنتاجه
    خصائص الموارد
    أ-الندرة : لا يقصد بندرة الموارد أنها تتسم بالندرة المطلقة ، ولكنها ندرة نسبية،علي نوعين :
    • الندرة الطبيعية والندرة غير الطبيعية :
    • تعدد الاستعمال : فالمورد الإنتاجي الواحد يمكن تخصيصه لعديد من الاستعمالات
    صلاحية هذه الموارد لاستخدامات بديلة :
    • التفاوت الطبيعي في توزيع الموارد علي الأفراد والامم
    • وينشأ الصراع الاقتصادي نتيجة الندرة في الوسائل المادية والخدمية اللازمة لإشباع الحاجات الإنسانية وتوزيعها ، ويبدأ الصراع الاقتصادي عندما تصبح السلع والخدمات في المجتمع غير كافية لمواجهة طلبات. وتعتبر قضية توزيع الناتج القومي في المجتمع هي القضية المركزية للصراع الاقتصادي .
    • ولقد سلك الإنسان في سبيل ذلك مسالك شتي منها الهجرة إلي مناطق جديدة ومنها الحروب والسطو والابتزاز ومنها القهر والاسترقاق ومنها التجارة والتبادل السلعي ، كذلك راح يضع الحدود الجغرافية ويسن القوانين التي تؤكد تملكه لموارده وتستبعد غيره من الاستفادة بها وبعد أن تحددت الحدود ورسخت نظم الملكية والاستبعاد لم يعد هناك متسع لاكتساب الثروة والموارد من خلال الأساليب البدائية وأصبح كل شعب أو مجتمع بشري يواجه احتياجاته بأرصدة محددة للثروات وتبلورت المشكلة الاقتصادية للفرد وللدولة في كيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الموارد التي ينظر إليها علي أنها ثابتة علي الأقل في المدى القصير ، وعرفت هذه المسألة في الأدب الاقتصادي بمسألة التخصيص الأمثل للمواردودوما كان وضع الارض في مجتمعات دارفور المختلفة والمتباينة مرتبطة باوضاعها السياسية والاجتماعية, فلكل نظام سياسي في السودان , سواء كان هذا النظام سلطنة او مشيخة او قبيلة او مملكة او اي وضع من اوضاع الحكم, سياسته نحو الارض ونظامه الذي يكيف علاقات الافراد والجماعات بالارض وحقوق استغلالها واهم الموارد في دارفور هي الأرض وتبلغ مساحتها في دارفور 196.454 كلم مربع ، وهي تعادل خمس مساحة السودان , وتتنوع هذه الأراضي حيث الأرض طينية في أقصي جنوب المنطقة ورملية في أقصي شمالها ، واستخدام هذه الأرض في دارفور يرتبط بكميات المياه من الأمطار والمياه الجوفية. فكلما كانت المياه كثيرة كانت الأرض أكثر منفعة للإنسان ، ولذلك لابد من ربط الأرض بكميات المياه وتزداد كميات الأمطار في أقصي جنوب الإقليم إذ تبلغ1000 ملم في العام بينما تقل في أقصي شمالها إذ لا تتعدي 20 ملم في العام ، ولذلك نجد كثافة الأعشاب والأشجار في جنوب الإقليم أكثر من شمالها حيث المناخ الصحراوي .
    1020.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    • المورد الآخر المهم في دارفور هم السكان ( العمل ) إذ يبلغ سكان الإقليم 5.560.000 نسمة حسب إحصاءات عام 2004م بداية تفجر الأزمة وهم يمارسون الزراعة والرعي والقليل منهم يعملون في دواوين الحكومة ونظرا لبعد الإقليم من المركز وتأخر التعليم نلاحظ أن الأمية مكثفة في الإقليم
    • أما الموارد المتمثلة في رأس المال والتي تشمل السلع الوسيطة والسلع التي تنتج سلعا أخري فإنها تنحصر في مجالي الزراعة والرعي ، أما الصناعة فهي قليلة في دارفور ولا تكاد تذكر ، عدا الصناعات اليدوية الحرفية.
    • وتتميز الموارد في دارفور بعدة مميزات :
    • أن الأرض في دارفور ملك للقبيلة أو العشيرة (ملكية جماعية) ولا يوجد تسجيل أراضي في دارفور إلا في حدود ضيقة
    • لا تستخدم في هذه الأرض المخصبات, طبيعية كانت أم صناعية .
    • لا تستخدم التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج ، إذ لا زال الناس يستخدمون الآلات البدائية في الإنتاج .
    • إن عنصر العمل الموجود في دارفور معظمه في الزراعة والرعي ، والذي يتميز بانعدام الخبرة والمهارة .
    • ضعف البنية التحتية في دارفور يضعف الاستخدام الأمثل لهذه الموارد.
    • بعد الإقليم من المركز يقلل من منافع هذه الموارد.
    • واستخدام الأرض في دارفور يرتبط بالحواكير ، وعندما نتحدث عن الأرض فإننا نعني بها المنافع الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي تعود علي الإنسان ، فالارض في دارفور ليس لها منافع اقتصادية فحسب بل تشمل المنافع الاجتماعية والسياسية ، وهي تعطي القبيلة مكانة اجتماعية ومكانة سياسية وإدارية ، إذ أن العمودية والنظارة لا تمنح للسكان فقط ، وإنما للأرض .
    • وفي دارفور 26 حاكورة مقسمة على عدد القبائل التي تملك هذه الحواكير وتنقسم القبائل إلي قبائل مالكة وقبائل غير مالكة للأرض أهم العادات والتقاليد الخاصة بملكية الأرض في دارفور هي :
    • احترام الملكية من قبل الجميع .
    • إذ لا يجوز التعدي عليها ولا بيعها ولا الهبة والتنازل عنها.
    • المالك هو الذي يمنع ويمنح استخدامات الأرض عدا الرعي والاحتطاب والصيد فهي مشاعة للجميع .
    • اما صيد الأسماك في البرك والبحيرات مسموح بها للكافة بعد أخذ الإذن من المالك ويتم جماعيا .
    • السكن: لا توجد مشكلة بالنسبة لسكان دارفور إذ يحق لأي شخص السكن في المكان الذي يختاره .
    • ودارفور تشهد توسعا في جانبي الزراعة و كان الناس في السابق يزرعون للإكتفاء الذاتي من الجبوب الزراعية ( الدخن والذرة ) ولم يعرف الناس أسواق المحاصيل النقدية (الفول والسمسم والكركدي) مما جعل المساحات المزروعة ضيقة تكاد تكون ملاصقة للقرية وفي مساحات صغيرة ، أما الآن ومع توسع آفاق السكان وانفتاحهم وتوسيع نشاطاتهم الإقتصادية أصبح السكان في دارفور يزيدون من الرقعة الزراعية ويزرعون المحاصيلة النقدية ( الفول والكركدي ) لزيادة دخلهم ، وحتي المحاصيل الغذائية ( الدخن والذرة )التي كانت تزرع للأكتفاء الذاتي أصبحت الآن تنتج للسوق ، مما وسع من رقعة الاراضي بواسطة المزارعين فتوسعت الأراضي المزروعة ،وقد كانت الزيادة في عدد السكان أيضا عاملا مهما في توسع الرقعة الزراعية ، إذ أن عدد السكان زاد من 2076733 عام 1973م إلي5560000 عام 2004م
    • ونجد السكان في دارفور يمارسون الزراعة المتنقلة وحيث تزرع الأرض لمدة 4- 5 سنوات ثم تترك ويتحول المزارع إلي مزرعة أخري وهذا بدوره قد أدي إلي إزالة الغطاء الشجري في المنطقة مما عرضها للزحف الصحراوي وسبب تدهورا كبيرا في البيئة النباتية في المنطقةأما في جانب الرعي فإن هناك زيادة ملحوظة في اعداد القطيع التي ترعي في مراعي دارفور وبالإضافة إلي النواحي الاقتصادية فإن القطعان تمثل ايضا قيمة اجتماعية في دارفور حيث أن مكانة الفرد والقبيلة أنما يتحقق ويزداد بعدد ما تمتلكه من قطعان ولذلك تتنافس القبائل في زيادة ما تملك من قطعان ، إبل وبقر وضأن وماعز ، الأمر الذي أدي إلي كثافة القطعان في المراعي المحدودة .
    1021.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    • وقد كانت هناك عوامل بينية قد ادت بدورها إلي زيادة تدهور الموارد في دارفور ، نذكر منها:
    • موجات الجفاف التي تضرب المنطقة من حين إلي آخر وكان أهمها الجفاف الذي ضرب المنطقة في الثمانينات من القرن العشرين ، والذي أدي إلي تدهور البيئة الطبيعية وأثر كثيرا علي الثروة الحيوانية والزراعة في هذه الولايات.
    • بالإضافة إلي الإستغلال غير المرشد لهذه البيئة في الزراعة والرعي قد أدي إلي تدهور البيئة ونقص كبير في الموارد .
    • وموجات الجفاف والتصحر أدت إلي حراك سكاني في دارفور ؛ حيث أن حركة الرعاة قد زادت أكثر مما كان في السابق ، وكان هذا الحراك السكاني احد مسببات الأزمة في دارفور . كما أن هذه الموجات من الجفاف ساعدت علي تدني الإنتاج الزراعي والرعوي في هذه المناطق وكان أيضا سببا مباشرا للنهب المسلح في دارفور ، حيث أن بعض السكان عندما فقدوا مزارعهم وحيواناتهم وخرجوا من دائرة الإنتاج لم يجدوا سبيلا آخر لكسب الرزق إلا من خلال النهب والسلب المسلح .
    • وفي فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين مثلت الهجرة إلي ليبيا منفذا للعمالة الفائضة في دارفور حيث استفاد السكان كثيرا من هذه الهجرة وكذلك من التجارة بين السودان وليبيا ، ونسبة لبعض القضايا السياسية الدولية مثل مقاطعة ليبيا من جانب الأمم المتحدة وتدني ايرادات البترول فيها قلت كثيرا من حجم الهجرة والتجارة .
    • وفي فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين مثلت الهجرة إلي ليبيا منفذا للعمالة الفائضة في دارفور حيث استفاد السكان كثيرا من هذه الهجرة وكذلك من التجارة بين السودان وليبيا ، ونسبة لبعض القضايا السياسية الدولية مثل مقاطعة ليبيا من جانب الأمم المتحدة وتدني ايرادات البترول فيها قلت كثيرا من حجم الهجرة والتجارة .
    • ويلاحظ علي النزاع في دارفور أن معظم الذين يمارسون مهنة الزراعة هم السكان المنحدرون من أصول إفريقية ، بينما معظم الذين يمارسون الرعي هم المنحدرون من أصول عربية وكان الصراع اصلا بين الرعي والزراعة مما جعل الصراع وكانه بين العرب والأفارقة. وفي دراسة عن النزاعات القبلية في دارفور أوضحت أن من جملة 19 نزاع قبلي في دارفور في الفترة 1975-1997م كان هناك نزاعات بين القبائل العربية مع بعضها البعض .
    • و8 نزاعات بين القبائل الإفريقية مع بعضها البعض .
    • 6 نزاعات بين القبائل العربية والأفريقية .
    دور الموارد في تحقيق السلام في دارفور :
    نلاحظ مما سبق
    • أن السبب الرئيس للنزاع في دارفور هو الصراع علي الموارد، فهي موارد تتميز بأنها شحيحة وهناك زيادة في الاستخدام من ناحية الزراعة والرعي ، وبالتالي تعاني من سوء الاستخدام وسوء الإدارة .
    هناك الكثير من المهددات البيئية التي تؤثر علي هذه المواردولكي يتحقق السلام في دارفور لابد من القيام بالتالي:
    • زيادة مصادر المياه عن طريق حفر المزيد من الدوانكي وعمل الحفاير والخزانات علي مجاري الوديان الموسمية .
    • رفع إنتاجية الأرض في دارفور عن طريق إدخال الإرشاد الزراعي وإرشاد السكان لاستخدام المخصبات الطبيعية
    • العمل علي استقرار الرحل وإدخال الزراعة المختلطة (الزراعة وتربية الحيوان).
    • العمل علي زيادة الوعي عن طريق التعليم والوسائل الأخرى
    • العمل على خلق بيئة تنموية من خلالها يزيد الدخل لمحاربة الفقر

    1022.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

                  

07-20-2010, 11:25 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    (مشكلو دارفور , ورؤى الحلول) , تقديم الأستاذة منيرة تاج الدين .
    1029.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أ/ منيرة تاج الدين

    اللهم انت السلام ومنك السلام واليك يرجع السلام
    * أن السلام أسم من أسماء الله تعالي ويعني الطمأنينة والاستقرار والنماء :والرخاء : وهو أساس الحياه التنموية والبشرية والعمرانية .
    * أن أنسان دارفور بفتقد لسلام من أمر يعبر وصار الخوف والوجل ديدن الناس ولا يخشي الانسان الا من اخيه الانسان .
    ولا يأمن بعضهم البعض وصارت الحياه أشبه بعالم العاية بالرغم من أن ظاهره الاهتمام بالامن والسلام القومي ظاهرة قديمة تعود الي بدايات الحياه الانسانية .
    * من حهه ومرتبطة بتطور الانسان من جهه أخري فأن مفهوم الامن مدنياً كان أهم السياسات أرتبط نشأته بنشأة الدولة في العصور الحديثة .
    * كماأن اقليم دارفور كان أقليم دارفور كان إقليم السودان الهام فقد نالت حظها من الاهمال الرسمي من قبل الدولة السودانية _فكانت النتيجة حروب ونزاعات أهلية وكان الخاسر الأكبر من جراء تلك الحروب والنزاعات الاهلية هو المواطن الدارفوري الذي ظل ولايزال يدفع ثمن تلك الحروب .
    * وأصبح الوضع لايحتمل الصير :
    فكان لزاماً علينا تلائم الافكار والرؤي لايجاد حل ناجح لهذه المشكلة
    *وحتي يكون في وسعنا طرح الحلول لابد من معرفة أسباب المشكلة.
    أسباب المشكلة
    ضعف إهتمام المركز مما ولد الغبن
    ضعف التنمية البشرية والعمرانية قلت فرص التعليم وقلة الموارد وإنتشار حيازة السلاح الغير مرخص , ضعف الادارة الاهلية , الجنجويد والمليشيات المسلحة , ضغف مشاركة المرأة , ضعف الخدمات الصحية
    عدم وجود مؤسسات كبيرة لاستيعاب العمالة
    الرؤي والحلول
    اولاً:الامن
    * الامن هو العيش في سلام وأمان أمن علي نفسك وأسرتك وشرفك وكرامتك وأن نحيا حياه طبيعية في موطنك الاصل أن تتمتع بكل حقوقك المكفولة لك بحكم الدستور والقوانين والقرارات والمواثيق الدولية والاقليمية التي صادقت عليها الدولة .
    * جمع السلاح الغير مقنن من جميع الاطراف وجعله بيد السلطات الامنية
    * تأمين القري والطرق
    * بسط حكم القانون
    * تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم .
    ثانياً: الاقتصادي
    علي الصعيد الاقتصادي مامن شك بأن النزاع قد ألحق بألضرار إقتصادية بالغة بجمع الاطراف السودانية ولا سيما المواطنين في دارفور الذي تعرضت ممتلكاتهم للمصادرة والنهب والحرق والنساء للاغتصاب وقتل الاطفال .
    • مما أدي ذلك : للنزوح
    • والاقامة في مخيمات اللاجئين والنازحين التي نظمتها المنظمات الدولية .
    • تعويض المتضررين .
    • تأمين الطرق وتعميرها .
    • أرجاع الحواكير لاهلها الاصلين .
    • أدفع تعويضات للنازحين واللاجئين .
    1030.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    ثالثاً: الاجتماعي
    علي الصعيد الاجتماعي أدت الحروب الي تدهور الاوضاع الاجتماعية وتفشي البطالة : والجهل والفقروالمرض .
    ويعود ذلك لانعدام التنمية التي كانت تعاني منها الاقليم قبل وبعد الحروب .
    * غياب التنمية .
    * ضعف الادارات الاهلية .
    * إغفال دور المراة في المشاركة .
    * عدم وجود فرص عمل .
    * التهميش السياسي .

    ملخص الحلول
    * الزام الحكومة والحركات المسلحة بالالتزمات الكامل والوقف الفوري لاطلاق النار .
    * نزع سلاح الجنجويد والمليشات المسلحة عاجلا .
    * العمل علي سيادة حكم القانون .
    * أقرار مبدا العداله والمحاسبية .
    * تأمين وتعبيد الطرق بين المدن والقري .
    * أأعادة تاهيل ومراجعة هياكل الادارات الاهلية والقوانين ذات الصلة وابعادها عن الاستقطاب السياسي
    العسكري لتكون جسم مشارك وفاعل في حفظ الامن وحماية المجتع وبناء النسيج الاجتماعية.
    * أمين وصول المساعدات الانسانية المتضررين .
    * إعاده وتوطين اللاجئين والنازحين الي ديارهم الاصلية بعد إعاد تعميرها وتوفير الحماية والامن .
    * (أن تكون العودة طوعية ) .
    * تكوين أليه لحصر الزين أزهفت ارواحهم خلال الحرب .
    * ابعاد الاجانب الذين أحتلوا أراضي دارفور واعادتهم الي دولهم .
    * دفع تعويضات للنازحين واللاجئين الذي فقدوا ممتلكاتهم .
                  

07-20-2010, 01:01 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    1032.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5856.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5879.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-20-2010, 01:09 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    _OMA1.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-21-2010, 11:51 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة دكتور الوليد مادبو , تحت عنوان (دارفور وآفة التحول الديمقراطي: الهزيمة أم العزيمة)
    1068.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    د. وليد مادبو

    "من حسن الطالع أن الملوك يشتطون أحياناً، وإلا لما سقطوا قط"
    "جنون الأمراء حكمة القدر"
    ما نفع البابا؟ وما نفع الكرادلة؟ وأي إله يعبد في مدينة رومة هذه المنصرفة إلي بذخها ولذاتها؟
    (أمين معلوف في ليون الأفريقي، ص: ٢٤٢،٢٤٢، ٣١٨، المترجم د. عفيف دمشقية)
    لو أن نصف المليار دولار التي صُرفت في موسم الإنتخابات السابقة (جملة ما صرفته المفوضية، الناخبين والمؤتمر الوطني) وظفت لبناء مدارس إبتدائية لتلاميذ يعجز ابأوهم عن دفع مستحقات التعليم أو يترفقوا باقربائهم الذين يقطنون المدن فلا يرسلون إليهم أكثر من أربعة أو خمسة أطفال، لتجنبنا الإنتكاسة المعنوية التي أصابتنا من جراء الخوض في مشروع لم يقصد منه الإحتكام إلي الشعب قدر ما قصد منه التحاكم إلي الطاغوت "وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً". وإذا كان التعريف الفقهي للطاغوت هو كل ما طغي علي العقل، فإن مما يذهب العقل أن يتحدث المرشحون الدارفوريين (هيئة المؤتمر الوطني) عن دواعي "إستكمال النهضة"، وهي لا توجد في الأصل ولم تدرج في الفصل! بل لو أنهم خاطبوا فضول هؤلاء الصبية وأولئك النسوة اللائي إستقبلنهنَّ لأيقنوا بأنهم لايرجون منهم خلاصاً من العوذ إنما إستئناساً في الفوز الذي تسبقه الوعود الزلفة والهبات المؤثرة وتعقبه الموائد، الجلبة والمزامير (وإذا شئت المواسير). بإختصار لقد إستحال الشعب إلي جمهرة تؤثر حضور هذه المناسبات لكي تحصل علي غنيمة فردية لا لترافع عن مصلحة جماعية. الكل يمني نفسه بلقاء المرشح الذي يقال أن صندوقاً هبط عليه من السماء (فيه بقية مما ترك آل موسي وآل هارون تحمله الملائكة)، حتي أن هذه الهبات السماوية لم تصرف علي الفقراء والمحتاجين إنما وزعت للوكلاء الذين أصبحت من أجّل مهامهم تزويير الإرادة الجماهيرية. وأنا أعجب إذا كانت الإنتخابات ستزور أصلاً من خلال الدبلجة للأرقام التسلسلية، تبديل السجلات، والتلاعب بالبطاقات، لماذا كل هذا الصرف؟ لأنهم ببساطة في حوجة إلي جلبة توهم المراقبين بإنتخابات حرة (لكنها غير نزيهة!). حرة لأنك تتحرك في مساحة قد أطرت هوامشها وغير نزيهة لأنك مهما فعلت لن تستطيع تغيير النتيجة التي حسمت سلفاً. فهنالك التعداد، تصميم الدوائر، التسجيل، السجل والتصويت، وكلها دوائر أُحكم إغلاقها لصالح المؤتمر الوطني.
    ظننت أن مرشحي المؤتمر من أبنائنا الدارفوريين سيتقدموا علي أستحياء، يطأطوا رؤوسهم، ويعتذروا للمواطنيين عن إنعدام كآفة الخدمات الإساسية، مثل الصحة والتعليم بالرغم من ولائهم للمؤتمر الوطني المطلق، ، في وقت تُشيد فيه الدولة مشاريع إستراتيجية وتقوم بنية تحتية في ركن قصي من البلاد. يجب أن نذكر بأن هذه العصابة هي ذاتها التي ساهمت في تغييب الوعي لدي المواطنيين، إيقاظ الحمية الجاهلية، وإستهالك طاقة بنيهم في حرب لا يدر القاتل فيها فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل. لقد فقدنا جيلاً كاملاً لصالح الحرب وها نحن نتأهب لفقدان جيلاً أخر في دارفور لمصلحة المخدرات! أي رفعة تُرجي لبلد عقل شبابه مُغَيَّب ونهم شيبته مَهيب؟ لعلنا سمعنا برؤساء الأحزاب الذين ما أن تلقوا العطايا حتي هرعوا لإيداعها في مَصارف دول الجوار، عوض عن إيداعها في البنوك الوطنية وإستثمارها لصالح مشاريع تنموية تغنيهم عن المذلة وسؤال "الناس"! لو أن الدولة وغيرها أرادت الإصلاح لوجهت مُسجل الأحزاب بإيداع هذه المليارات وغيرها من المخصصات في حسابات يمكن لجهة بعينها مراجعتها بعد أن تُعرض علي الجمعية العمومية، لكنه المصل الذي يعفي المريض من الموت ولا يرزقه التشافي من الداء العضال - - الإرتزاق- - الذي إحترفه أبناء الآلهة. (من المؤسف أنه لم يعد علي مستوي القطر كله قدوة في الأخلاق، العلم، السياسة، الدين، الرياضة، إلي آخره. وهذا لعمري الهلاك الذي ينذر بشأن البئر المعطلة والقصر المشيد).ليت الحكومة والمعارضة يتحاكمان إلي مشروع واحد ويعتمدا معيار قيمي محدد، لكنه الدهاء الذي يقتضي تقاسم أدوار المسرحية الوسط نيلية.
    لقد إستحال الحق إلي هبة والإخيرة إلي رشوة يتم بها إسترضاء أصحاب الخطوة، حتي أن أحدهم وزع مولدات كهربائية ونوادي مشاهد ليلية فقط في فترة الحملة الإنتخابية التي لم تتجاوز الثلاثة إسابيع علي أناس بسطاء لم يجرؤ أحدهم علي الإستفسار عن سر الغياب ومحجة الإياب، ولا حتي أن يسأل أن كان هذا هو حقهم في التنمية رغم الأهلية القومية والتضحيات الوطنية التي قدمها أسلافهم وظل يقدمها أبنائهم لنظام لم يعرف غير الجهوية، الصفوية والتفرقة العنصرية تجاه الريف عامة ودارفور خاصة. حتي متي يظل "وكلاء الريف" يغمزون رغيفهم في دماء أهاليهم؟ أما آن لهم أن يرعوا؟ وإذا قرر هؤلاء القفز فوق المعاناة الإنسانية لشعبنا متوشحين بوشاح الشرعية "الزائف" فإن لدينا مسئولية وطنية تستلزم الرفض التام لهذه المسخرة وإتباع كآفة السبل لإستنقاذ الشعب من مخازي البيعة غير المشروطة. إذا كان خلفاء الأنظمة الإستبدادية يأخذون البيعة من علماء المسلمين والسيف والنطع بين أيديهم، فإن علماء اليوم يؤدونها طواعية لأنهم أصبحوا جزءاً من المنظومة الفكرية التي تؤثر منطق الجبر والسياسية التي تشرع لمفهوم الغلبة، أمَّا خاصتهم فقد توهموا بأن كل مقاومة للسلطان وأي مسعي لتقويمه هو بمثابة مغالبة لقدر الله ومحاولة الخروج علي حكمه النافذ في عبادة الضعفاء (دون الأقوياء!!). من هنا نفهم، علي الأقل من الناحية الشعورية (دون التعرض للجوانب الإجرائية) كيف أن السودانيين قد آثروا التصويت (إن هم فعلوا أصلاً) لجهة لايؤمنون برشادها لكنهم يوقنون بكساد غيرها من الجهات التي يًعد التصويت لها ضرباً من الجنون الذي يغري أحيانا بالقفز في الظلام، من هنا يكون فوز المشير أقرب للحقيقة كما توهمها الشعب (ذهاب دولته وإندثار ضيعته)، لا كما توهمها هو (الوقفة الأسدية في وجه الإمبرالية والصهيونية العالمية). أما فوز الولاة (والذي تبدت فيه مظاهر الحبكة) فله صلة بالبراغمتية أو الواقعية التي إقتضت إختيار مرشحي الحزب الحاكم الذي لا يكتفي بإرسال موجهات إنما يتحكم في مفاصل الدولة ويتوارث مقاليدها. والسؤال هو: لماذا لم يرشح الحزب الحاكم أناساً من حوبته من شأنهم أن يضفوا حيوية علي مسيرته ويغيروا من سيرته التي إعتورها النقص وعابتها المذمة؟ كيف يصر المؤتمر الوطني علي ترشيح سَرقة وقتلة لمناصب الولاة الذين يفترض فيهم النزاهة، التجرد والوطنية كي يتمكنوا من الإبحار بالسفينة والخروج بها من هول الغارة مُعتمدين علي إمكانياتهم الذاتية، ملكاتهم الشخصية وإرثهم المعنوي وأن أعيتهم الحيل المادية وحالت دون مراميهم الفاقة وبؤس الموارد التي تُرصد للريف. إين هي الكوادر التي إستقطبها المؤتمر الوطني في العشرين سنة الماضية؟ كيف عجز عن الإحلال أم أنه آثر الحلول؟ كنا نسمع بأن الحركة الإسلامية (قبل أن يخرجها شيخها من جلباب التقليد) لها من الكوادر ما يمكنها من التعاقب علي حكم السودان خمسين عاماً، وإذا بنا نفاجأ بالعشرة الاولي وقد كشفت عورتهم بل أماطت اللثام عن بؤسهم الفلسفي والفكري، وجهلهم بأبسط قواعد الجغرافيا والتاريخ.
    1070.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    عوض عن أن ينفتحوا علي الشعب السوداني وقد أكسبتهم العشرين عاما الماضية خبرة كافية (أو هكذا نظن)، إذا بهم يتقوقعوا وينغلقوا علي أنفسهم مدعين الإنفتاح الذي أبدي نواجذه في مجرد محاولتهم لإنتخاب المكتب القيادي الذي لم تخرج عضويته عن دائرة التمركز في المثلث الإقتصادي السياسي "الشهير." حتي ان الأستاذة/ حليمة حسب الله قد نافحت عن خلفيتها الأثنية كي تجد موضع قدم في قائمة الثلاثين (التي لم يدرج فيها ولو خطأ واحداً من الشرق، الغرب، الجنوب، التي آخره) مُثبته لهم أن للقِمر علاقة أثنية بالجعليين. وأنا أعجب أين تكمن عقدة الوصل بين مجموعة أثنية قدمت من غرب أفريقيا وآخري تدحرجت من الهضبة الأثيوبية؟! لا توجد. لكنه الإنهزام النفسي والإستلاب الثقافي الذي جعل بعض الغرابة يرون الخلاص في التشبث بتلابيب الباش بذق! لا أتوقع أن يعكس التكوين الوزاري القادم التباين الأيدولوجي الماثل في الساحة السياسية علي إنحسارها، ولا أن يمتد خارج الحلف اليميني الذي يمثله المؤتمر الوطني، بل أن تظل الهوة قائمة بينه وبين الحركة الشعبية التي لم تحفل بتأطير علاقتها رسمياً مع أحزاب اليسار. إن التجاذب بين اليسار واليمين، رغم حدته، يظل أفقياً موغل في الشيفونية التي ترفض الإحتراف بواقع التحول الفكري والميداني الذي يتطلب النظر إلي العلاقة الرأسية غير السوية بين الهامش والمركز. الأمر الذي ساهم في تحلل الهامش من الروابط الطائفية والعقائدية، لكن هذه الروابط لم تنتف البتة ولا يستلزم تحللها إنعقادها لجهة أخري هي المتسبب في كل الكوارث التي حلت بالريف. إن نتائج المجلس الوطني هي أقل النتائج وثوقاً، لكنها بحكم ما أسلفنا من تحليل (وليست ما أسلفه المحللون من عقدة إستكهولم) لم تكن في حوجة لتدخل الأمن حتي يحصل الحزب الحاكم علي أغلبية مريحة قد لا تتجاوز ال ٦٥ ٪ لكنها تمكن الحكومة من تمرير سياستها دونما حوجة لتغبيين المواطنيين، تحقيير إرادتهم وتسفيها، مما يضعهم بين خيارين: القبول بالعبودية أو حمل البندقية! وإذا أنه لا يوجد طريق معبدَّ، بمعني فكرة صائبة وعقيدة راسخة، تحمل الشعوب من الهضبة الأولي حتي توصلها إلي الأخري، فهذه الثنائية خطرة تكاد تقصف حمولتها المعنوية بالكيان دون أن تبشر بحصول المقصد.
    إن الجيش يوم أن كان قومياً، قام بدوره كاملاً في حمل البندقية لتحقيق الكرامة الإنسانية وترسيخ قيم السيادة الوطنية. كفي به شرفاً أنه ساند ثورتين شعبيتين في ربع قرن من الزمان، وكفي بالمؤسسة فخراً أن الذين إنقلبت عليهم لم يتهموا في ذمتهم ولا مروءتهم فعبود بني بيتاً في المواقع الخلفية للإمتداد والنميري لم يبن بيتاً بل آثر العيش في بيت من ورثة زوجته. مما يجوز ذكره إن الخلاف مع النميري قد بلغ حد الإقتتال لكن أحداً لم يتفوه بكلمة في حق السيدة الوقورة بثينة، ذلك أنها لم تتخذ لنفسها جمعية تستغلها لسرقة قوت اليتامي ولا مشروعاً لبعثرة أحلام ومستقبل الأيامي. أما وقد سرح الجيش وأوكلت مهامه إلي مليشيات حزبية فإنا نكاد نشهد عصر العسكرة الهوياتية الذي تتربص فيه المجموعات الأثنية ببعضها البعض، يمنعها من الإنقضاض دقيق الحساب الذي أن أفلت يوهن بفناء مجموعة دون أخري. إن تغير التحالفات مرتبط بإهتزاز التوازنات: فالمؤتمر الشعبي يوفر الزاد الإيدولوجي للعدل والمساواة لكنه لا يريد مواجهة تخرج اللعبة عن دائرة التخاصم الأيدولوجي الديني؛ الحركة الشعبية تدعم قوي الريف السوداني (خاصه التورا بورا) بذخيرة قد تنفذ حرارتها بمجئ الإستفتاء وتراجع الحركة الشعبية أزلياً عن مفهوم السودان الجديد، المؤتمر الوطني يدعم الجنجويد لكنه لايريد لهم تفوقاً يخرج الحكم عن مدار التداول المزمن للنخبة النيلية. إن أول طلقة قمينة بإرباك هذا المثلث العسكري إرباكاً يُخرج الحليم عن دائرة الرشد، ويجعل إمكانيته للتكهن غير رزينة. لكن هنالك سيناريوهات يمكن موضعتها حسب ما تشير الغرائب:-
    1. كلما إنحسرت الفضاءات العسكرية والسياسية التي تأمل حركة العدل والمساواة التحرك فيها، كلما أضحي قدومها للخرطوم وشيكاً من منطق (يا خمسة جابن خمسين أو خمسين وقعن في الطين). كما أن الإنتصار بشكل نهائي وحاسم لا يكون إلاَّ بإنهاك أحد الفريقين، مما يخلق فجوة أمنية يمكن لأخرين إستغلالها.
    2. هل يمكن للحركة الشعبية التدخل لصالح فريق أم أنها ستؤثر التعامل مع المنتصر؟ هل تمثل هذه الفجوة سانحة للحركة كي تتجاوز خلافاتها بمجرد وثبة يمكن أن تخرج السودان من خانة التزمت الديني إلي ربوع الإنفراج العقلاني؟ هل يمكن أن تدخل هذه الخطوة السودان في دائرة الإستقطاب الأثني الديني الحاد؟ أم أنها ستضع حداً له؟
    3. ماهو دور القبائل الحدودية - - قبائل عطية وحيماد- - وهي تري أن حدة هذا الإستقطاب ستفصل السودان حتماً مع علي ظهرها وتودي بحزمها الذي لم يُبرم لمناقشة القضايا المصيرية إنما الإحتراب الذي وُظِف أول ما وُظِف لإستهلاك قوتها المتزايدة.
    صدق الشاعر حين قال:
    إني رأيت الشجاعة في القلوب كثيرة لكني رأيت شجعان العقول قليل
    وقتها لن تكون هنالك جدوي للبندقية إنما التحالفات الإستراتيجية التي تقتضي تحالف الزرقة مع العرب والعرب فيما بين أنفسهم لمواجهة واقع التهميش الذي يستحيل إلي درجة الإهمال المتعمد، خاصة إذا إنتقص الإنفصال ٦٠٪ من الميزانية التي لم تدرج في الأصل لمشروع التنمية المتوازن. ولتطالب دارفور حينها بالإنفصال فلن تجد أي ممانعة، أمَّا الإنضمام إلي الجنوب فدونه الف حائل لأن الإدارة الأمريكية إنما تريد حدوداً تكون بمثابة العازل الثقافي بين الغابة والصحراء. قبل أن تفرغ النخبة الدارفورية من تسوية أوضاعها مع العصابة النيلية، فإنها ستجد نفسها مضطرة لمواجهة تحديات في الجنوب، ومقاومة أطماع جيوإستراتيجية من قبل دول الجوار. فهل ياتري أعدت النخبة الدارفورية نفسها لمواجهة مثل هذه التحديات أم أنها ستظل تتعامل مع السياسة بأفق تقليدي ومفاهيم قروسطية (تعتمد أول ما تعتمد علي مبادرات من النخبة النيلية). لا أخالني أجافي المنطق إذا زعمت أن المعارضة (تجمع جوبا) تتعامل إنتقائياٍ إذا لم نقل إنتهازياً مع القضية الدارفورية (فلن ننسي سقوط ورقة دارفور في سلة المهملات مجرد إنفضاض السامرين في مؤتمر جوبا وقد إتخذوا علي أنفسهم عهداً أن لا يمضوا خطوة تجاه المشاركة في الإنتخابات قبل أن تحل قضية دارفور)، أما الحكومة فتنتهج نهجاً إقصائياً يجعلها ترفض كل الحلول غير التي تعبر من خلال "الخلية السياسية" للمؤتمر الوطني. كيف يكون مؤتمراً وهو يتألف من ثلاث قبائل، وكيف يكون وطنياً وفي مكوثه كل يوم بل كل ساعة إنتقاصاً حسياً من أرض الوطن ومعنوياً من سيادته؟
    إذا كانت الأحزاب المعتقة تمارس وصاية مطلقة، فإن الدولة المؤدلجة تمارس إحتكارية مطلقة فيما يتعلق بتنظيم المجتمع. ماهو السبيل إذاً لنيل المزيد من الإحتراف بالحقوق الجماعية؟ هل من المعقول أن ينحسر فهمنا للعملية الديمقراطية للجانب الإجرائي وننسي ذاك المبدئي الذي يقتضي دمقرطة إقتصادية وإجتماعية؟
    هل يمكن أن ينحسر الفهم الإجرائي في العملية الإنتخابية، وأن تنحسر الأخيرة في الإدلاء بالصوت؟ هل من سبيل لإصلاح الخلل البنيوي والمؤسسي الذي أعاق إمكانية حدوث تحول ديمقراطي سليم؟ إن ما تقوم به أحزاب الطرور هذه لا يقل فداحة عما يرتكبه المؤتمر الوطني من إخفاقات تجعله يظهر بمظهر الفائز الخاسر. كان يمكن للإنتخابات رغم تشوهاتها أن تكون بمثابة بلف التسريب لكنها حتماً ستصبح بمثابة الغاز الذي يؤدي للإنفجار!
    يجب علي المختصين التعرض بالنقد والتحليل لنظام النسبية الذي كان هو حيلة النخبة للإلتفاف حول إرادة الريف، كذلكم النسوية التي جعلت قضية المرأة بمعزل عن قضايا المجتمع. لا ننسي أن السباق الرئاسي لم تسبقه سبل تستدفع الجماهير للإصطفاف حول مشاريع فكرية محددة، بل الإكتفاء بالبريق الشخصي، والنفوذ المعنوي و المادي الذي تمثل في الإعتماد علي آلية الدولة التي لم تتخذ أي مسافة من الحكومة. وإذا ذاك هو الحال فإن من شأن الشعب الذي تتشبع ثقافته بروح "الغلبة" أن ينتخبها إلي الأبد مما ينذر بحدوث إنفجار سياسي وإجتماعي يبلغ دويه أقاصي البلاد.
    ما يزيد من دوي هذا الإنفجار هو أن العصابة النيلية لا تريد الإحتراف بواقع التحول الفكري والسياسي (الذي يقتضي النظر إلي شأن التدافع الرأسي بين ريف ومركز وعدم الإكتفاء بالدايلكتيك الأيدولوجي بين يسار ويمين)، لأنها أن فعلت، مثلاً كأن ترشح جنوبي أوغرباوي، فستكسر الحاجز المعنوي والنفسي الذي جعل الغرابة والجنوبيين في وضع المستجدي وليست المستحق للإسهام في حكم الخرطوم، بل السودان، ديمقراطياً. ومن فعل هذا منهم (الشعبي أو الحركة الشعبية) فلا ندري أن كان يريد توجيه هذا الدايلكتيك إيجابياً أم أنه يريد الإستفادة من إفرازاتها السلبية لتحقيق إنتصار عسكري علي غرمائه الذين لم يستطع العيش إلاَّ تحت العداوة لهم؟
    1071.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


    *****
    دارفور وآفة التحول الديمقراطي: الهزيمة أم العزيمة
    إن الخطاب السياسي الذي صحب حملة الإنتخابات المُبتسرة (والتي لم تستمر أكثر من شهرين في وقت يُعتبر من بدأ قبل عامين متأخراً في الولايات المتحدة) قد عكس إلي جانب الإستقطاب الأثني الحاد إنفصاماً وجدانياً يجعل من الصعب إيجاد أرضية وسط ما لم تتغير الأطر الإعلامية والتعليمية وترشد الممارسة السياسية. ذلك أن البعض لم يزل يُعبر عن خلافته السياسية من خلال اللغة الدينية في شكلها الأيدولوجي التي يستغلها البعض لمصلحته التي لا تنساب إلاً بتقنين المفارقات الإقتصادية والإجتماعية. وقد يكون هذا تفسيرهم لقوله تعالي "ليتخذ بعضهم بعضاً سِخرياً"، كأنما الدين هو وسيلة لتقنين الظلم الإجتماعي لا لتطويع الواقع الإجتماعي. ومن هنا نفهم تحالف الأحزاب - - أحزاب اليمين من أخوان مسلمين، أنصار سنة، صوفية وآخرين مع نظام الإنقاذ الذي ظل يكتسب مشروعيته من الحرب التي تمتد من قتل المسلمين إلي تزويد الأخوين المتخاصمين بالسلاح وذلك في السودان عامة وفي دارفور خاصة. ما رأي هؤلاء الأئمة في الأرواح التي أزهقت والله تعالي يقول "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيه وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً" بل ما هو رايهم في قوله (صلي):- من أعان علي قتل مسلم ولو بشق كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله. اعلم أنهم سيبحثون عن المتن، ماذا يغني المتن وقد أضاعوا النص ووأدوا روحه بتعاونهم مع الطاغوت والله تعالي يقول (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار)؟ سأل أحد "المفكرين" "الإسلاميين" عن تراجع الإنقاذ عن الشعار فقال الشريعة أدرجت في القوانين لكنها لم تنفذ. متي كان الإسلام مصفوفة قانونية تتجمل بالعدالة الإجتماعية؟ متما حدث ذلك فإن الشريعة الإسلامية ستستحيل إلي صنم ظل يحلم المسلمون بعبادته في القرن العشرين! إننا لا ننشد الهداية لأن خلافنا لم يعد في الحق "فهدي الله الذين أمنوا لما إختلفوا فيه من الحق بإذنه" إنما علي الحق، كما أننا لا نطلب الإستقامة لأننا نماري ونتعمد الإلتفاف حول الحقيقة لأننا لا نولي إهتماماُ للأداة (الوسيلة) أو حتي المرجعية التي يمكن الإستناد عليها.
    عندما وقع الخلاف بين الإسلاميين والذي وثق له جيداً المحبوب عبد السلام في كتابه (الحركة الإسلامية السودانية: دائرة الضوء - خيوط الظلام) كان هنالك تحليل أشبه بالتبرير الوقائعي منه إلي النقد الفلسفي الفكري لطبيعة الخطاب الديني الذي ألبس الدولة نفسها لبوس غيبي تجلي في إستخدام مصطلحات من مثل: الفتنة، السلطة، السلطان، التوبة، إلي آخره كادت تلغي محجة الإخفاق في إتخاذ تدابير مؤسسية من شأنها أن تقنن لمفهوم الحكمانية (أو ما يسمي تجوزاً الحكم الراشد) وترتقي بالمجتمع من مستوي التداول العاطفي إلي مستوي الإدراك القيمي.
    إذا كان مفهوم الحاكمية يعتمد الإمتثال والطاعة فإن الحكمانية تعتمد التنافسية والإختيار كوسيلة للتعاقد وفرض شروط الإنتماء. ثانياً، إذا كانت الحاكمية تؤطر الممارسة في مستوي الإنزال أو الإسقاط للحلول فإن الحكمانية تعتمد السبل التجريبية لإستنباط الحلول وتكيفها علي مستوي الواقع الذي تقرره قوة الدفع الذاتي (القوة المدنية الشعبية) اكثر مما تقرره الممارسة النخبوي الفوقية. ثالثاً، أن مشرعية الحوار وحتمية تداول السلطة الديمقراطية توافقياً تقتضيه مطلبية السياسة الكوكبية الإنسانية الرامية إلي خلق مجتمع حر كما يقره التاريخ الإسلامي المزدحم بوقائع سياسية وفروض تجاوزية لم يكن الباعث عليها إسلامياً بقدر ما كان عملياً. من هذا المنطلق يسعنا أن ننظر إلي الصراع بين الإسلاميين أنفسهم وما بينهم علي أساس أنه دايالكتيك سياسي أكثر منه مخاصصة أيدولوجية بين المنافقين والمؤمنين، المبدئيين والإنتهازيين، السلطويين والشعوبيين، لأننا في مجال التطور المفاهيمي للحكمانية نريد أن ننزع القدسية عن الدولة وعن الزعيم و نوزع صلاحيتها علي المجتمع حتي يستطيع طرح القضايا من منطلق فكري وليست من منطلق عقدي. إن الخلاف بين الإسلاميين (إن إستخدامي للمصطلح تستلزمه الإشارة الحركية وليست الضرورة القيمية) وللأسف لم يضيف قيمة فكرية أو روحية/ أخلاقية لانه أخذ منحاً صبيانياً يصعب معه أو به إستنتاج مفاهيم إنما فقط إستخلاص عبر لرواية تحدثت عن حوار إستبد بشيخه.
    لا أري أن هنالك إحترافية أو مهنية فيما يتعلق بشأن مفاوضات الدوحة ذلك أن الدولة تتخذ تدابير سياسية/ مدنية في شأن دبلوماسي/ عسكري من خلال إقحامها شخصيات مدنية ما كانت لتحتشد في تلكم القاعات لولا ما تلقته الخرطوم من ضربة سددها قائد العدل والمساواة وليست أي شخص آخر أو فصيل من الأفندية، في حين أنها تتغول أمنياً بإبقائها علي حالة الطوارئ ورصدها كافة الأنشطة المدنية في دارفور. وإذ رفضت حركة العدل والمساواة هذا التضارب فقد رفضت الحكومة تعارضاً ظنه قادتها بعد التصعيد الاخير محاولة تمرير لأجندة سياسية عبر "ماسورة" البندقية، خاصة بعد أن عجز الشعبي في الحصول علي نسبة ال ٤ ٪ - - مجرد الحد الأدني للحصول علي مقاعد النسبي. والسؤال: كيف تتخوف الدولة من حزب لم يستطع مجرد الحصول علي الحد الأدني الذي يؤهله لدخول البرلمان؟ لماذا تتخوف الدولة من أناس بهذه الضئآلة، أم أنها حازت العكس (أخذوا هم ٩٦٪ وأخذت هي ٤٪)؟ لماذا لم تراع الدولة حق الإسلام وهي تعتقل شيخاً قد شارف الثمانين؟ ألم يوثق في آرثنا الديني أن إكرام الإمام المقسط، حامل القرآن، وذي الشيبة المسلم من إكرام الله عز وجلَّ؟ أم أنهم جحدوا نعم الله عليهم؟ متي تترفعوا عن الصغائر وتكونوا كباراً علي قامة الوطن وما يعانيه من محن؟ أنه ليحزنني حقاً أن تتخذوا من دارفور ساحة لتصفية حساباتكم، بل مما يجعل قلبي ينزف دماً ما أشاهده من قيعان معنوية يتسبب فيها قتال الغرابة لبعضهم البعض ومآسي إنسانية تستصغرها المدفعية وتستهونها قلوب الإمبريالية الإسلامية.
    فيا عجباً من دائل أنت سيـــفه أما يتوقي شفرتي ما تقلدا
    ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده يصيره الضرغام فيما تصيــد
    " أبي الطيب المتنبئ "
    إن من خاضوا لجنة الإنتخابات خاضوها وهم موقنين بعدم تكافؤ المعترك لكنهم رأوا فيها فرصة لإستنهاض شعبنا وحثه في التغلب علي الحواجز النفسية السيكولوجية التي طالما جعلت هذا الشعب يتهيب مواجهه الطاغوت. الأن وقد شرعت الجماهير في التحرك فإننا نناشد هذه القيادات وبذات الدينامية والشجاعة قيادة الجماهير نحو النصر مع اهمية الإستبصار التام لكافة العقبات وهي كالآتي:
    أ‌. لزم أن نأخذ قضيتنا بأيدينا فمن العار أن ندع المأساة الإنسانية لشعبنا تمر كملهاة في طاولة المناورات الإقليمية والدولية.
    ب‌. إن التحدي يكمن في صعوبة إنتشال دارفور وكردفان من واقع الإنهزام النفسي والإجتماعي، سيما الإرتكاسة الإقتصادية، السياسية والعسكرية: أمَّا أن نتحد، فنواجه ونهزم الطاغوت أو نفني كما فنيت شعوباً من قبل. لكن، أن نفني دون أدني مقاومة فذاك هو العار، بل هو الشنار والتنكر لتاريخ أسلافنا المجيد.
    ج. في مدار البحث عن حلفاء يجب ان نعول أولاً علي إمكانياتنا الذاتية في تفعيل القضية، والإسهام في الشأن العام، إذ أن الإقصاء المُتعمد لشعبنا (من خلال الترميز) قد حرم هذا البلد من موروث هائل، عمق هوياتي فاعل، ثراء مادي، موقع جيوإستراتيجي، إلي آخره.
    بمثل هذه الواقعية تستحيل الهزيمة إلي عزيمة يجب أن تدخر ليوم النصر، يوماً يتأهب الشعب فيه لإنتخاب من يرافعون عن حقوقه الثقافية، الأدبية، الإقتصادية، السياسية والإنسانية لا ان يقنع بإنتداب إناس لا يفعلون أكثر من تقنين واقع التبعية المرير. الأدهي، إنهم يسعون لإخفاء آثار الجريمة التي أن خُفيت في الأرض فلن تُُخفي في السماء (سنكتب ما قالوا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مُبين).
    لقد إستبشر بعض المثقفين خيراً بإنتقال ملف دارفور إلي د. غازي عتباني، لكن الأخير وللأسف مضي في سياسة سلفه مع الفرق في أن الخلوي لم يحفل بإستخدام الفكر للتخندق من قناعاته الذاتية، أما المديني فيعرف كيف يحقق أغراضه دون أن يستثير ضغائن الأخرين. أولاً، إنه لم يسع لخلق فضاء يمارس فيه الدارفوريين دورهم العضوي في بناء دولتهم والإسهام بحيوية في رفعة مجتمعاتهم إنما تجاوزهم (تماماً كما يفعل غرايشن) للقيام بهذا الدور بنفسه أو إنتداب دارفوريين لا يمتلكوا من الأفق، ناهيك عن الإرادة، مما يؤهلهم لتجاوز المرسوم قيد أنملة. لقد جاءت الممارسة شائهة في إجتماع قطر بالرغم عن إحتواء وفد المجتمع المدني علي شخصيات ذات وزن فكري، أدبي، شعبي وسياسي، ذلك أن آلية الأختيار قد أعتمدت النخبوية التي تفادت قيام مؤتمرات قاعدية تُهيئ لإختيار قيادات وسيطة ترفع إلي مستوي القيادة العُليا. هذا بالضبط ما تخشاه الحكومة التي لا تسمح البتة بالحوار، دعك من الإذن بإعداد مؤتمر دارفوري - دارفوري تري أنه سيقوي حتماً من موقف دارفور التفاوضي (في شأن الوطن ككل)، رغم أنه سيفنَّد من حجج المغالين الذين عَجزت هي عن هزيمتهم عسكرياً. ثانياً، عوض عن خلق مظلة مدنية/سياسية تُراعي فيها الوزنات الأثنية، عهد المجتمع الدولي الذي لا يعرف الخارطة الثقافية - الإجتماعية دعك من إمكانيته لإدراج الأوزان السياسية (يُسانده في ذلك الطبيب الموقر) إلي وضع فزاعات مما زاد من حدة الإستقطاب الأثني وأضعفت من همة الدارفوريين للقيام بواجبهم في ترميم أركان هذا البلد المتهالكة بطريقة قومية تشبه أرثهم الذي لم يتقوقع إلاَّ في عهد القيادات التي أنتجها الفراغ وأفرزتها محطات اللاإنتماء: الأخلاقي، السياسي، الفكري أو الروحي. ثالثاً، أن تجيير إرادة الكيان العربي من خلال الإصرار علي تمثيله بشاويشية أو أرزقية ينذر بوقوع كارثة إجتماعية. لأن هذه المجموعات فوق ما تواجه من تحديات مناخية/ بيئية، إقتصادية/ إنتاجية، تعليمية/ تربوية، سياسية/تنظيمية أو عسكرية/أمنية لا تكاد تجد قيادة تلتف حولها أو إستراتيجية تسترشد بهديها حتي تعمل علي تنفيسها المجموعة الأولي إذ أنها تعاني من عوذ فكري يجعلها عاجزة عن تصور التحديات الجيوإستراتيجية التي تعقب الإنفصال والمجموعة الثانية التي تفتقر إلي وازع أخلاقي يحضها للتفاعل الحيوي مع المجموعات الأثنية الأخري.
    إن الدولة تعتمد الكيان العربي (الدارفوري) كساعد عضلي لكنها لا تآبه به كمنجز فكري يمكن أن يساهم في حل المشكلة السودانية سياسياً وأدبياً، وما ذلك إلاَّ لجهلهم بتاريخ هذه الأمة وتناسيهم لمجدها الذي لم يكن لولا إعتزازها بالتعددية وإفتخارها بالتباين كمصدر من مصادر الإعزاز النوعي. لقد كان العرب قادة دارفور يوم أن حملوا هذه المآثورة في حدقات العيون، أما وقد أهملوها أو حرضوا علي إهمالها فقد إستحالوا إلي لقيط أو يتيم يستدفعه الجوع لإرتياد ولائم اللئام. وها هو الأستاذ/ أمين حسن عمر؛ رئيس الوفد المفاوض في الدوحة، يرفض أن يكون هنالك مساق ثالث يمكن للعرب أن يندرجوا تحته وقد أصبح لكل من الفور والزغاوة منبرهم. أمَّا أنه يري أن العرب لم تطالهم مظلمة أو أنه يري أنهم رعاع لا يستحقوا التمثيل. لقد ظل العرب مُتململين من هذه الثنائية لكنهم لم يفلحوا في تشييد مظلة ترافع مدنياً عن حقوقهم الثقافية، الإجتماعية، والسياسية الفكرية. ولذا فهم يعبروا عن تبرمهم عسكرياً ممَّا يجعل ولائاتهم تتفرق بين العدل والمساواة، الحكومة والحركة الشعبية علماً بأن كل هذه المجموعات تتعامل معهم وفق متطلبات المرحلة لكنها تبرم معهم وعوداً لا تفي لتشكل مكونات الحلف الإستراتيجي، أو دفع إستحقاقات المكون التاريخي. من هنا نفهم أن العدل والمساواة تري في العرب صخرة كؤود يجب إزالتها أو الإلتفاف حولها فهي تريد تجاوزهم لكنها لا تتخيل نصرة من دونهم؛ الحكومة تتخيلهم مارداً كاد أن يخرج من طوعها ولذا فهي تريد إستهلاك طاقته في معارك داخلية أو مواجهات أوشكت أن تكون خارجية مع دولة مجاورة. من هنا نفهم تلكؤ الجيش الحكومي في التحرك نحو بلبلة لأنها تريده إشتباكاً بين الحركة الشعبية والرزيقات، الحركة الشعبية تريد أن تُنشئ حواراً جاداً لكنها لا تري تكافؤاً بين زعامات أهلية أُدرجت برتب عسكرية في جهاز الأمن الوطني (هيئتها لقيادة مليشيات قبلية)، وجهاز دولة يعمل بإستقلالية للمرافعة عن حقوق الأهل في جنوب السودان. إنهم، أي القادة العُنصريين، يريدونها مواجهة بين الجنوبيين والبقارة عموماً حتي ينشغل البقارة بأنفسهم أو يعيقوا مهمة بناء الدولة في الجنوب. فعندما واجه أحدهم مغبة خذلانهم للمسيرية، قال بالحرف الواحد "لمَّن ينفصل الجنوب، المسيرية والرزيقات يشيلوا شيلتهم!" لقد فات علي هذا الإنتهازي (وغيره من العملاء الذين أورثهم المستعمر معرة الإنتماء للوطن بعد أن برع أبهاتهم في نظافة وتلميع بوته)، أن إنهزام الرزيقات والمسيرية إذا سلمنا بحتمية المواجهة مع أهلنا الجنوبيين (وهذا أمر لا ينبغي لأن العدو في الأصل واحد) يعني إنكشاف البوابة الجنوبية ليست لشعبنا السودان فقط إنما أيضاً للأمة العربية جمعاء. هل يمكن لأي جهة أن تخدم المخططات الصهيونية أفضل من هذا؟ ولا حتي مناحيم بيغن نفسه!
    في مغبة ترسيم الحدود بين دارفور وكردفان فإن الدولة تريدها مواجهة بين المسيرية والرزيقات، ففي كلا المعسكرين هنالك غشامة ، أمية (المعسكر الأول أكثر)، وتجار حروب مهمتهم أن يلهوا الجميع عن مهمة تأطير مفاهيم وبلورة وعي جمعوي يرفع البشر إلي مستوي التحدي ويلهمهم الحكمة في مواجهة المحنة القادمة:- تشرذم السودان كقطر وضياع هويته كشعب. ما الذي يعنيه الإنفصال لقضايا الهوية، الأمن، الإستقرار الإقتصادي، المرعي، العلاقات الدولية؟ إذا سلمنا بأن الرزيقات هم سنكيتة العطاوة (المسيرية، الرزيقات، بني هلبة، إلي آخره)، وأن العطاوة هم رأس الرمح في قيادة معسكر الغرب السوداني فإن المعول عليهم أكبر في الترتيب وإعادة التشكيل حتي تنتظم خطي الكيان العربي الذي يواجه أهوالاً قد تعصف به أو تستدفعه نحو التقدم المدني والتواصل السلمي مع الآخرين. حتي لا نبري الحديث يميناً وشمالاً، فإن علة الرزيقات اليوم في رأسها، وهم شلة من أنصاف المتعلمين وأشباه الأميين الذين إستغلوا إستكانة الإدارة الأهلية وإستهانة منتسبيها فعبثوا بالمقدرات الأصلية لهذا الشعب. فهؤلاء مدعومون من قبل الدولة ولا يمكن التغلب عليهم إلاَّ بتأليب العامة وإستجاثة البادية مما يضع الكيان أمام خيارين: الراديكالية الثورية في مغالبة الباطل المستفحل أو الفناء. ما هي إذن الحدود المكانية للثورة البدوية وهل من سبيل للحد من شناعة إستفحالها (إذا قررنا بأنها هذه المرة ثورة من أجل المُستضعفين وليست ضدهم)؟ إن موقف رزيقات الجنوب المشرف من حرب الإبادة في دارفور - - إذ أنبأوا أخوتهم بقدوم الحربة بعد أن أيسوا من صدها مما مكن الزرقة من الإنتقال بكافة حاجياتهم إلي الضعين بعد أن ضمنوا سلامة أهاليهم - - يؤهلهم لتشييد جسر يسهل لعرب الشمال والغرب العبور (إن هم شأووا) إلي بر الفضيلة. إن أي محاولة من قبل النظام لخلق كيانات موازية أو فرض قيادات مُحازية من شأنه أن يُربك النسيج الإجتماعي ويعيق عملية السلام.
    ختاماً، لقد ساعد نفاذ المشاريع الفكرية/ الأيدولوجية للنخبة النيلية في التحلل من الإرتباطات السماوية التي لم تفي بالميثاق (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم وإشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون) وهيئ لتفعيل إرتباطات أرضية يتحقق بها مقصد النداء الإلهي (قال الملاء الذين إستكبروا من قومه للذين إستضعفوا لمن أمن منهم) الذي حدد المعترك وصوب وجهته حتي يكون الصراع صراعاً بين المستضعفين والمتجبرين ولا ينحسر في طوق العقيدة أو مطبات الأثنية. هذا مما يستلزم بلورة رؤي لكافة أعضاء الريف السوداني الذي طالما تم الإلتفاف حوله ديمقراطياً (بالنسبية والقوائم الحزبية) وعسكرياً (بإتباع سياسة فرق تسد). إن المشروع الذي يحمل مغزي أخلاقي وإنساني (غير الإنتقامي الذي تبشر به عصابات التمرد) هو الجدير بالتضحية والمتكفل بإستنطاق الأغلبية الصامتة حتي تمارس حقها السياسي/المدني في مواجهة المجموعات التي تفننت في قطع السبيل المعنوي والمادي. إن دارفور ستتحمل دورها، كما تحملته من قبل، في تحرير السودان من مخلفات الإنجليز، الأتراك والمصريين. حتي يحدث ذلك لابد من إستنهاض همة دارفور الإجتماعية حتي تعي خطورة الفناء المعنوي إذ هي أمنت البقاء المادي الذي يتهدد أختها في دارفور الجغرافية، ومن ثم تكوين جبهة وطنية دارفورية. إذا كانت كل الأجهزة (المالية، الفكرية/العلمية، الروحية، السياسية وحتي الإعلامية) تتعامل معنا كضيوف علي ساحة التراث أو طفيليين علي منصة التاريخ، فلا يظننَّ أحدُ بأننا عُزل في مواجهة الطاغوت فإن لدينا من الإمكانيات ما يؤهلنا لمحاصرته أخلاقياً وفكرياً وعدم إعطائه الفرصة والمبرر لإبادة أهلنا عسكرياً، ومن الإرادة ما يستفزنا لإتخاذ الخطوات العملية الأتية: تقديم المشروع، تحديد المشروعية الأخلاقية والفكرية، إختيار الإستراتيجية، الوسيلة، التيقظ في تحديد العقبات والتبصر لمعاينة الأفق الذي ملؤه سعد فوق ما نعاين من نكد.
                  

07-21-2010, 12:55 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة (مكونات الهويّة في دارفور
    أوضاعها ودورها في مسألة التعايش) , قدمها دكتور كمال جاه الله .

    1072.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    د. كمال جاه الله

    تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على مكونات الهوية في دارفور( العرق واللغة والدين ) من منظور أوضاعها، ودورها في التعايش في ذلك الإقليم المتعدد الإثنيات واللغات والآحادي الدين.
    وتنطلق الورقة من فرضيّة مؤداها أن لأوضاع مكونات الهوية الرئيسة( العرق واللغة والدين) أثرا في عملية التعايش التي تنعم بها التركيبة السكانية في دارفور، على الرغم من الصراعات التاريخية بين القبائل على الموارد والنفوذ، وهي لا شك صراعات تختلف عن الأزمة التي يعيشها الإقليم منذ عام 2003.
    تبدأ الورقة بالوقوف عند مفهومين جوهريين، هما مفهوما الهوية والتعايش، ومن ثم تفرد حيزا لتناول أوضاع مكونات الهوية في دارفور ودورها في التعايش، عبر تناول المحاور التالية:
    أولا: دارفور، خلفيات جغرافية وتاريخية وديمغرافية مختصرة.
    ثانيا: القبيلة وأوضاعها في دارفور( مقرونة بذكر بعض اللغات).
    ثالثا: اللغة وأوضاعها في دارفور.
    رابعا: الدين وأوضاعه في دارفور.
    خامسا: دور مكونات الهوية في دارفور في مسألة التعايش.
    حول مفهومي الهوية والتعايش:
    من الضرورة بمكان التعرف على ما يقصد بمفهومي الهوية والتعايش، لارتباطهما العضوي بما نهدف إلى تحقيقه من هذه الورقة، وذلك على النحو التالي:
    أولا: مفهوم الهوية:
    على الرغم من حداثة مفهوم الهوية، وكثرة تداوله في المحافل العلمية المختلفة في العقود الأخيرة، إلا إن العديد من تعريفاته تفصح عن اتساع هذا المفهوم الذي يحتضن كل ما هو تاريخي وثقافي ونفسي واجتماعي... إلخ، فلا غرو إذن أن تتعدد هذه التعريفات بتعدد المنطلقات التي يرتكز عليها المنظرون في هذا المجال في الفكر الغربي والعربي.
    ولعل من أهم تعريفات مفهوم الهوية في الفكر العربي ذات الصلة بموضوع ورقتنا تلك التي تعرفها على أنها مجموعة من السمات العامة التي تميز شعبا أو أمة في مرحلة تاريخية معينة(1)، أو بتعبير آخر: هي ظاهرة تاريخية تجد تفسيرا لها أو قاعدة، أو أنها العملية التي بواسطتها تنتقي جماعة من الناس سمات معينة من ذخيرتها الثقافية في فترة زمنية محددة، ثم تلبس تلك السمات رداء منه الرموز(2). بينما يرى البعض أنها التمثيل الرمزي لمجموعة متجانسة كبرى من الأفراد من شأنها أن تعرف التعبير عن هوية جماعية ترتبط بهذه العبارات: إجماع الأمة، خطاب الأمة، النظام الاجتماعي الأساسي للأمة، أولوية الأمة إزاء المصالح الفردية لأعضائها وإزاء الأمم الأخرى، كما ترتبط بها ممارسات اجتماعية، وتمثيلات رمزية في آن واحد(3)، وغير ذك من التعريفات في هذا المضمار.
    وبعيدا عن تعدد تعريفات الهوية، وعن الخوض في تفاصيلها، ولأغراض هذه الورقة، فإننا سنتبنّى ذلك التعريف الذي أورده فرانسيس دينق، الذي ذهب فيه إلى أن الهوية تعد تعبيرا عن الكيفية التي يعرف الناس بها ذواتهم، أو الكيفية التي يوصفون بها تأسيسا على العرق، الإثنية، الثقافة، اللغة، والدين، وكيف يمكن لمثل هذه الانتماء أن يحدد ويؤثر على مساهمتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبلادهم(4).
    أما مكونات الهوية التي يمكن أن تفهم من تعريف فرانسيس دينق أعلاه، فهي متعددة حصرها في العرق، والإثنية، والثقافة، واللغة، والدين، وسنختار في ورقتنا هذي ثلاثة منها لتناول أوضاعها ودورها في قضية التعايش في دارفور، وهذه الثلاثة هي العرق واللغة والدين.
    ثانيا: مفهوم التعايش:
    يعد مفهوم التعايش من المفاهيم الحديثة نسبيا، إذ حيث أخذ حظه من الاستخدام والتداول بصورة مكثفة في الأوساط العلمية، وغير العلمية في العقود الثلاثة الأخيرة. وهذا لا يعني، بأية حال، أن الأصل اللغوي لهذا المفهوم لم تكن تعرفه المعاجم العربية والأجنبية، فالمتصفح لهذه المعاجم يسهل عليه الحصول على هذا الأصل في شيء من التفصيل.
    وكعادة كثير من المفاهيم المرتبطة بالعلوم الإنسانية، كثرت التعريفات التي تحاول تبيين مفهوم التعايش وتفسيره. وقد تصدر قاموس علم الاجتماع، في عالمنا العربي، فيما نعلم، قائمة المؤلفات التي أفردت حيزا معتبرا للوقوف على تفسير هذا المفهوم. ومن تلك التعريفات، التي أوردها القامــوس، أن مصطلح معايشة( = تعايش ) استخدم في الأيكولوجية البشرية ليشير إلى علاقة تقوم على التعاون والتنافس معا، بين الذين يشاركون في تقسيم متكامل للعمل(5). ومنها أيضا أن بيرجل E. Bergel قد اعتبر مصطلح المعايشة (= التعايش) صالحا لتحليل بناء الطبقة الاجتماعية حينما تلاحظ صلات التآلف والمودة التي تنشأ بين الذين يتقاربون في الهيبة بقوة. ولهذا لا يتعامل أعضاء الطبقات العليا مع أعضاء الطبقات الأدنى بنفس النظرة(6).
    كما أورده القاموس نفسه أن مصطلح المعايشــــة قد استخدم اســتخداما دقيقا في مؤلف هاولي " الأيكولوجية البشرية " على أساس أنه يصف العلاقات بين الأفراد الذين يشغلون أوضاعا تخصصية متماثلة كمنتجين أو مستهلكين في بناء تقسيم العمل(7).
    وبغض النظر عن تقارب وتداخل مفهوم التعايش مع مفاهيم أخرى عرفتها العلوم الإنسانية( والعلوم الاجتماعية)، مثل التكامل والاندماج والتكافل وغيرها، وبغض النظر عن الأبعاد الوظيفية التي يعبر عنها مفهوم مصطلح التعايش، التي أدت إلى تفرق معانيه بين مؤلفات الباحثين وطبيعة تخصصاتهم، فإن هذه الورقة تتبنى تعريفا إجرائيا لهذا المفهوم باعتباره واحدا من مستوياته، ذلك التعريف الذي أورده عصام أحمد البشير حين يشير إلى أن المستوى الأول من التعايش يحمل في صورته الفكرية السياسية معنى الحد من الصراع، أو ترويض الخلاف، أو العمل على احتوائه، أو التحكم في إدارة هذا الصراع بما يفتح قنوات الاتصال، والتعامل الذي تقتضيه ضرورات الحياة المدنية والعسكرية(8). وواضح من هذا التعريف أنه لا ينفي كون الصراع والخلاف موجودين في حياة البشر متى ما كان هناك احتكاك وتنافس وتدافع. فيأتي التعايش للحد من الأول وترويض الثاني، وفي الوقت ذاته يأتي لفتح قنوات الاتصال والتعامل حتى تستمر حياة البشر.
    بعد أن تناولنا مفهومي الهوية والتعايش في شيء من الاختصار، فإننا نحتاج إلى سرد خلفية مبتسرة عن دارفور، تعطينا فكرة عن الجغرافيا والتاريخ والديمغرافيا، وذلك تمهيدا لمعرفة مكونات الهوية، أوضاعها ودورها في قضية التعايش.
    دارفور: خلفيات جغرافية وتاريخية وديمغرافية مختصرة:
    يقع إقليم دارفور(ولاية شمال دارفور، وولاية جنوب دارفور، وولاية غرب دارفور حاليا) في أقصى غرب جمهورية السودان بين خطي عرض 10و15 شمالاً، وخطي طول 22 و27 شرقاً. وقد هيأ له هذا الموقع أن يشترك في حدود دولية مع كل من ليبيا في جهة الشمال، وتشاد في جهة الغرب، وإفريقيا الوسطى في الجهة الجنوبية الغربية. كما هيأ له أيضا أن يحده من ولايات السودان كردفان من الشرق، وبحر الغزال من الجنوب. وتبلغ المساحة الإجمالية لدارفور 114 ألف من الأميال المربعة. بينما يقدر سكانها بما يزيد قليلاً عن أربعة ملايين نسمة، تحديداً (4.024.795) حسب تقديرات التعداد السكاني لعام 1993م. وقد ارتفع العدد في تعداد 2008 إلى 7.515.445 نسمة.
    تمتاز دارفور بتعدد المناخات حيث يسود في شمالها مناخ صحراوي، ويتدرج جنوباً إلى شبه صحراوي، ثم سافنا فقيرة، ثم سافنا غنية(9). وقد تتبع هذا الأمر الباحث البريطاني ريكس أوفاهي حتى خلص إلى أن دارفور تتفوق على غيرها من مناطق السودان بالتباين الجغرافي والعرقي(10).
    إن سكان دارفور خليط من عدة أعراق، حيث ساهمت الهجرات التاريخية المتصلة التي قامت بها جماعات إفريقية، وجماعات من شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى الأحداث السياسية والظروف البيئية في تكوين صورة معقدة للهوية العرقية، والتوزيع السكاني في دارفور، وقد أدى انتشار الإسلام إلى تعزيز العلاقات بين المجموعات العرقية المختلفة(11).
    إن أغلب سكان دارفور يعملون بالزراعة التقليدية، وتربية الحيوان، كما أن بعضهم يشتغل بالحرف اليدوية. ولوحظ أيضا أنه، وبرغم الموارد المتاحة والظروف المشجعة إلا أن هذا الإقليم لم يحظ بالحد الأدنى من مشروعات التنمية، حيث يعتبر من أكثر أقاليم السودان تخلفاً من حيث التنمية الاقتصادية، وعدم التخطيط(12). وهذا في رأينا انعكس أثره في التكوين الديمغرافي للمنطقة، حيث أدت موجات الجفاف والتصحر إلى هجرة متزايدة من الريف إلى المدن.
    1074.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    ولعل موجات الجفاف والتصحر التي كانت تضرب دارفور من حين لآخر، ناتجة من قلة مياه الأمطار، ومعروف أن مياه الأمطار تعتمد عليها دارفور في المقام الأول كمورد لمياه الشرب للإنسان والحيوان، وأغراض الزراعة؛ الأمر الذي جعل الحياة فيها مرتبطة بهذا العنصر المهم، مما أدى إلى تكاثف السكان في المناطق الغربية والجنوبية من هذه الولاية، حيث تكثر الأمطار وتصلح الأرض للزراعة والمرعى(13).
    ويرى أحمد آدم بوش أن هناك علاقة تبادلية بين معدلات هطول الأمطار، وبين النزاعات القبلية في دارفور، وقد توصل إلى أن النزاعات والصراعات في هذا الإقليم تكثر وتزداد كلما كانت معدلات الأمطار متدنية أو دون الوسط(14).
    ويمكن أن نقول إن دارفور بحسب الهجرات العربية إليها من شمال إفريقيا، ومن انسياب العرب نحوها من الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر، وبما كان يقطنها من قبائل إفريقية ذات كيان سياسي واجتماعي أدى هذا- كما يرى عبد الحي عبد الحق(15)- إلى أن تكون منطقة دارفور غنية باللهجات العربية المتنوعة من جانب، وباللغات الدارفورية من جانب آخر. هذا بالإضافة إلى لغات غرب إفريقيا التي لم يضمنها عبد الحي عبد الحق.
    ولم يكن أثر الهجرات العربية إلى دارفور وقفاً على التنوع في اللهجات العربية فحسب، وإنما بالإضافة إلى ذلك أنها وبالاتحاد مع السكان المحليين، مثلث الهجرات العربية الأساس والعامل الرئيس في نشر العروبة والإسلام والثقافة العربية والإسلامية(16). وهذا بالطبع لا يغمط دور السكان المحليين في ذلك وريادتهم، بل ودور القبائل القادمة من غرب إفريقيا، إذ ظل تأثيرها قائماً منذ قيام الممالك الإسلامية في دارفور.
    لقد استفادت دارفور من موقعها الاستراتيجي حيث إنها أصبحت ملتقى طرق تجارية، وحلقة وصل تربط بين الممالك الإسلامية المنتشرة في الحزام السوداني، شرقه وغربه، من النيل وحتى المحيط الأطلنطي. كما أنها أصبحت معبراً مهماً لنقل الحجيج شرقاً وإلى الشمال. وقد ازداد الطريق الذي يمرّ بدارفور أهمية عندما أنشأ السلطان عبد الرحمن الرشيد عاصمته في الفاشر الحالية، والتي تقع على بعد 21 كليومتر جنوب كوبي المرفأ الجنوبي لدرب الأربعين. ويذهب إبراهيم موسى محمد إلى أن عبد الحمن الرشيد بذلك يكون قد سيطر على أهم مدن دارفور التجارية التي كانت تنعقد فيها طرق القوافل الواردة إلى دارفور من كل الاتجاهات، وتنفصل عنها متفرعة إلى كل الاتجاهات(17).
    وبعد أن تقلد السلطان عبد الرحمن الرشيد زمام الأمر في سلطنة الفور، بلغت دارفور أوج عظمتها، وشهدت عهداً جديداً، وأصبح يشتهر بالعلم والعدل، وانفتحت البلاد في عهده لمؤثرات خارجية كثيرة، إذ شجع السلطان هجرة سكان وادي النيل من الجعليين والدناقلة الذين أصاب حياتهم بعض الفتور من جراء التدهور الذي أصاب مملكة الفونج في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. وقد اشتغل هؤلاء بنشر تعاليم الدين الإسلامي والعمل في التجارة(18).
    وقد هيأ هذا الموقع الاستراتيجي لدارفور مجالاًَ واسعاً للتأثيرات الإسلامية القادمة من عدة اتجاهات، من بلاد النيل عبر كردفان، ومن مصر عبر درب الأربعين، والواحات الغربية، ومن المغرب العربي عبر دروب الصحراء ، ومن بلاد السودان الغربي(19).
    ولا شك أن تأثير بلاد السودان الغربي على دارفور يعد أقوى الاتجاهات تأثيراً، مما يبرهن على أن هذا الجزء من السودان ذو ارتباط قوي وقديم ببلاد السودان الغربي، ولعل جانباً من هذه التأثيرات قد أخذت طريقها إلى أواسط السودان منذ حقب بعيدة، بالأخص تلك الناتجة عن علاقة هذا الإقليم بمملكة كانم( برنو ) قديماً، وانتشار الطرق الصوفية(التجانية على وجه الخصوص) حديثاً. وقد أهمل هذا الجانب في كثير من الدراسات التاريخية وغيرها، وإن ذكر فإنما يذكر على أساس أنه ذو تأثير ضعيف، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة متأنية ومستفيضة ليس هنا مقامها.
    يفهم مما استعراضه من هذه الخلفيات المختلفة عن إقليم دارفور، أن هذا الإقليم يتسم بكثافة سكانية واضحة، ذات مرجعيات إثنية مختلفة، لم تعقدت من قضية الهوية فيه. كما يتسم أيضا بتعدد مناخي متباين، جعل من حرفتي الزراعة والرعي حرفتين غالبتين، غير أنهما مثلتا، بفعل تذبذب الأمطار من عام لآخر، مادة حية للصراعات التقليدية التي شهدها الإقليم قديما، وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي، لكن سيتضح لنا لاحقا أن هذه الصراعات لا صلة لها بمكونات الهوية الرئيسة: العرق واللغة و الدين، وإنما مرتبطة بأسباب محلية ذات صلة بشح الموارد، وضعف الإدارة الأهلية، وامتلاك الأراضي والحواكير... إلخ، كما سيتبين لنا لاحقا.
    وبما أننا قدمنا بعض الخلفيات، تمهيدا لتناول أوضاع مكونات الهوية في دارفور، يجدر بنا أن نفرد حديثاً خاصاً عن القبيلة وأوضاعها، ثم عن اللغة وأوضاعها، ثم عن الدين وأوضاعه، وصولا لمعرفة دور هذه المكونات في التعايش في هذا الإقليم الذي شهد عبر تاريخه صراعات ومصادمات، ومن ثم أزمة شاملة ابتدأت منذ عام 2003.
    القبيلة وأوضاعها في دارفور( مقرونة بذكر بعض اللغات):
    ارتبط تاريخ دارفور ارتباطا عضويا بالقبيلة، وارتبطت جغرافيتها بتقسيم أراضيها إلى" دارات "، والدارات هي مفردة محلية تعني ديار تحمل أسماء القبائل، كدار مساليت، ودار زغاوة، ودار قمر، ودار فلاتة...إلخ، ولا يكاد يوجد شيء من هذا القبيل في عدد من مناطق السودان. فالقبيلة هنا لها سلطتها وسطوتها، ولها وجودها التاريخي الفعلي المتوارث كابراً عن كابر.
    وبعيداً عن مزاعم النقاء العرقي الذي يصعب إثباته عموماً في مجمل السودان، وبصفة خاصة في منطقة دارفور، التي تميزت بكونها معبراً ثقافياً بين الشمال والجنوب والشرق والغرب لعدة قرون، ولم تكن ظروفها البيئية تساعدها على العزلة، بعيداً عن ذلك كله يمكننا فيما يلي أن نقدم عرضاً سريعاً يشمل أهم التجمعات القبلية في هذا الإقليم، على أساس النشاط الاقتصادي(المهنة)، وفقاً لتقسيم أورده موسى آدم عبد الجليل(20)، وهو تقسيم فيه شيء من الإجمال، وسنحاول من خلال عرضنا أن نفصل ما أجمله خلافاً للعرض التقليدي للقبائل، كل على حده، ومتجنبين كثرة اختلاف العلماء في ردهم لأصول القبائل ما استطعنا.
    يذهب موسى آدم عبد الجليل إلى تقسيم السكان في دارفور إلى ثلاث مجموعات رئيسة بحسب النشاط الاقتصادي الغالب في المنطقة. ويشتمل كل قسم على عدد من المجموعات القبلية ذات الانتماءات المختلفة. كما أنه يبين أن هذه الأقسام عبارة عن أحزمة جغرافية أفقية، تمتد شرقاً وغرباً، ومتدرجة من الشمال إلى الجنوب. وهذه الأقسام يمكن استعراضها في الآتي:
    أولاً: رعاة الإبل والغنم في الشمال: وهؤلاء يسكنون المنطقة الشمالية شبه الصحراوية، حيث تقل مقومات الزراعة نسبة لقلة الأمطار، وأكبر هذه المجموعات القبلية عدداً من سكان هذا الحزام هم الزغاوة، والبديات الذين هاجروا إلى دارفور في العصور الغابرة من منطقة الصحراء الليبية في شمال أفريقيا(21). وقد اتجه الزغاوة حديثاً، خصوصاً من استقر منهم بالمدن كالفاشر، إلى التجارة. ووجودهم بمدن دارفور كثيف بعد أن تضررت مناطقهم بفعل الجفاف والتصحر، لا سيما في مفتتح الثمانينات من القرن العشرين. ويلي قبائل الزغاوة إلى الشرق قبائل البرتي، وهؤلاء لا يعرف أحد منحدرهم، لكن سحنتهم وأشكالهم تبدو وكأنهم خليط من الفور والعرب المتأثرين بالزغاوة(22). ثم يأتي الميدوب، ويقولون أنهم نوبيون من شمال السودان. أما التنجر الذين أسسوا مملكة كبيرة في شمال دارفور وفي ودّاي أيضاً (قبل القرن السادس عشر الميلادي)- فيسكنون الجزء الجنوبي لهذا المنطقة ويمارسون الزراعة. وهناك مجموعة من القبائل العربية التي اشتهرت برعي الإبل، وهي الرزيقات الشمالية، والزيادية وغيرها.
    وتبرز لنا لغة الزغاوة Beri كأهم لغة في هذا القسم، وللزغاوة اهتمام خاص بلغتهم، وهم قوم سعوا، وما زالوا يسعون لكتابتها أبجدياً(23)، ولذلك تجدهم يصرون على تعليمها لأطفالهم، ويحافظون على التحدث بها فيما بينهم. كما يلاحظ أن بهذا القسم قبائل غير عربية ليست لها لغات خاصة بها، والراجح أنها انقرضت كالتنجر والبرتي، والأخيرة لهذا السبب ضللت كثيراً من الباحثين في سعيهم للاهتداء لأصلها.
    ثانياً: المزارعون في الوسط: ويعتبر الفور(قبيلة إفريقية الأصل) أهم وأكبر القبائل عدداً ليس في هذا القسم فحسب، بل على مستوى الإقليم، وهم يسكنون في الأساس في هضبة جبل مرة والسهول المحيطة بها من الغرب والجنوب، وتنتمي الأسرة المالكة التي أسست آخر مملكة في دارفور" الكيرا " إلى قبيلة الفور. وقد اطلق على الإقليم نفسه اسم هذه القبيلة اعترافاً بأهميتها. كما أن المساليت يعيشون في الجزء الغربي من هذا القسم، ويجاورهم القمر(وهؤلاء لا يتحدثون غير العربية)، والتاما ، والمراريب. وتعيش في القطاع الشرقي لهذا الحزام قبائل الميما، وقد وفدت إلى ودّاي، ثم دارفور من تمبكتو حيث كانوا يجاورون الطوارق(24)، بالإضافة إلى قسم كبير من البرتي، والتنجر.
    وفي هذا القسم تسود لغة الفور بلا منازع، وهي لغة حضارة لممالك سادت فترة طويلة، ولغة أم لغير الفور عن طريق التزاوج والمصاهرة. ويلاحظ أن أغلب القبائل غير العربية في هذا القسم لها لغاتها الخاصة بها عدا قبيلة القمر التي لا تتحدث غير العربية.
    ثالثاً: رعاة البقر في الجنوب: ويتكون سكان هذا القسم بشكل رئيس من القبائل العربية التي تمتهن رعي البقر(ويسمون إجمالاً بالبقارة )، وأشهرها قبائل الرزيقات، والتعايشة، وبني هلبة، والهبانية، والمعاليا. كما تسكن في هذا الحزام أيضاً قبائل إفريقية الأصل أهمها الداجو(ويعتبرون أول من أسس مملكة في جنوب دارفور قبل انتشار الإسلام وهجرة القبائل العربية)، والبرقد، علاوة على جماعة من الفلان من رعاة البقر الذين هاجروا من غرب إفريقيا.
    إن كثرة القبائل العربية في هذا القسم تشير إلى أن العربية بلهجاتها وتنوعاتها تسيطر عليه، وتوجد بها قبيلة غير عربية لا تتحدث غير العربية وهي البرقد، وقد فقدت لغتها (النوبية الأصل) لعقود مضت. كما نجد قبائل أخرى ما زالت تحتفظ بلغتها الخاصة كالداجو، وجزء من الفلان.
    ويمكننا أن نلاحظ وفقاً للتقسيم السابق أننا إذا اتجهنا من الشمال إلى الجنوب نجد الآتي:
    1. قلة القبائل العربية تقابلها كثرة واضحة للقبائل الإفريقية الأصل.
    2. قلة واضحة للقبائل العربية تقابلها كثرة للقبائل الإفريقية.
    3 كثرة القبائل العربية وقلة واضحة للقبائل الإفريقية.
    كما أن التقسيم يعكس لنا صورة أقرب لصدق التوزيع التاريخي والتقليدي للقبائل في دارفور، وبالتالي اللغات. غير أنه لا يعكس الصورة الحقيقية لانتشار اللغة العربية. وإذا استندنا على تاريخ منطقة دارفور، وقربها النسبي من غرب إفريقيا، وتفاعل الممالك التي قامت آنذاك في تلك المنطقة، يتوقع أن يكون هناك وجود واضح لقبائل وسط وغرب إفريقيا بدارفور، انطلاقاً من تلك الهجرات التي كانت تتم بصورة فردية وجماعية، ولكن يبدو أن هذه المنطقة لم تطب لأغلبيتهم بتلك الصورة التي نجدها في وسط السودان(الجزيرة، والنيل الأزرق، والعاصمة، وشرق السودان(كسلا على وجه الخصوص). وربما يرجع ذلك لأسباب متنوعة، منها زيادة نسبة الرعاة بين السكان الأصليين (الدارفوريين) فضلاً عن البعد عن المناطق التي في حاجة إلى الأيدي العاملة، وزيادة نسبة الزرَّاع في شرق السودان عنها في الغرب. ومن ثَمّ كانت فرصة أهالي غرب إفريقيا للاستقرار في شرق السودان أكبر منها في غربه(25). ولعل أهم من ذلك كله موقع " الشرق " في وجدان مسلمي غرب إفريقيا، بحسبانه اتجاهاً نحو الحرمين الشريفين، وهما مقصدهم الأساس في هجراتهم عبر القرون إلى هذه المنطقة.
    ومجمل القول إن دارفور يسكنها خليط من الأجناس، والمجموعات الإثنية، بعضها ينتمي للمنطقة نفسها (محلية)، وأخرى وافدة عبر فترات تاريخية مختلفة، تقف من وراء هجرتها إلى هذه المنطقة عدة عوامل. وقد تداخلت مع بعضها، وتصاهرت حتى أفرزت النسيج الحالي لسكان دارفور.
    وإذا تحدثنا عن التكوين الاجتماعي لهذا الخليط من السكان، نجد أن البناء التقليدي لمجتمع دارفور يقوم على أساس هرمي، قاعدته الأسرة، وقمته زعيم المجموعة العرقية المعنية، كل مجموعة عرقية تمثل كياناً اجتماعياً قائماً بذاته، يعرف محلياً بالقبيلة، وتكون مجموعة تلك القبائل السكان بدارفور، وكانت لكل قبيلة منطقة مخصصة تعرف باسمها يطلق عليها الدار(26).
    من خلال مما ذكر يتضح لنا أن منطقة دارفور– عدا المنطقة الفقيرة الطاردة وهي المنطقة الصحراوية الواقعة في أقصى شمالها– بما توفر لها من تنوع قبلي، وتباين جغرافي، وانفتاح حدودي .. أصبحت تستوعب خليطاً من الأجناس. فقد كانت وما زالت منطقة جذب لكثير من العناصر البشرية منذ عصور، سحيقة، هاجرت إليها من مختلف الجهات. وهذا التنوع في المجموعات العرقية بصورة آلية يتبعه تعدد وتنوع في الناحية اللغوية، وهو بدوره يفتح الباب واسعاً للاصطراع بين اللغات بالمنطقة.
    الحق أن ما يذكر عادة بأن تاريخ دارفور، قديمه والحديث، مليء بالصراعات القبلية، ينبغي الأ يفهم في إطار أن السبب من وراء هذه الصراعات قبلي، وإنما لا صلة لها بالقبيلة مطلقا، فهذا علي أبو زيد علي يرصد لنا هذا الأمر، فيشير إلى أن النزاعات القبلية في دارفور في الفترة من عام 1932 إلى عام 2002 بلغت 45 نزاعا(27)، ليس هنا مجال لسرد تفاصيلها. والذي يستنتج مما أورده مفصلا في هذا المضمار، الآتي:
    أولا: أن هذه النزاعات شملت جميع مساحة إقليم دارفور، وساهمت فيها كافة المجموعات الإثنية بالإقليم.
    ثانيا: أن هذه الصراعات لا يمكن تصنيفها ضمن إطار إفريقي عربي، أو " عرب وزرقة " بالتعبير الدارفوري المحلي، إذ تأتي ضمنها صراعات عربية عربية، وصراعات إفريقية إفريقية، وصراعات عربية إفريقية.
    ثالثا: أن هذه الصراعات كانت محددة الزمن، ومحددة المكان، ومحدودة الأثر، مقارنة بالأزمة التي يشهدها الإقليم في السنوات الأخيرة التي ترتبت عليها حركة نزوح ولجوء وموت ودمار لا حدود لها.
    انطلاقا مما تم ذكره لا يمكن تصور أن للقبيلة أو العرق صلة مما جرى في الإقليم من صراعات قديما وحديثا، بل إن الأزمة التي الحالية بالإقليم، رغم ضراوتها وشدتها، بعيدة كل البعد عن إرجاعها إلى أسباب ذات صلة بالقبيلة أو العرق.
    1076.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    وإذا كانت القبيلة (أوالعرق ) بعيدة عن الصراعات في إقليم دارفور، فمن المنطق أن تكون واحدة من دعامات السلم والتعايش بين جماعاته الإثنية. وهذا يعضه النسبة العالية من التزاوج والانصهار بين مكونات دارفور الإثنية، لا سيما في مدن الإقليم الكبيرة.
    اللغة وأوضاعها في دارفور:
    إن الوضع اللغوي في السودان بتعدده، وتباينه، وعدم تكافئه في التوزيع الجغرافي، وعدم استقراره على حال، وهو امتداد لمثيله الإفريقي، استطاع أن يجذب اهتمام علماء اللغة الأجانب كشفاً ودراسة، بما توافر له من تعدد وثراء. فكان الاهتمام باللغات النوبية في الشمال، واللغات المحلية المختلفة في الجنوب، ثم انتظمت الدراسة لتشمل أغلب أنحاء القطر تدريجياً بما في ذلك لغات دارفور، مع الإشارة إلى بعض أوضاعها، وإن كانت الدراسات اللغوية صمتت عن دارفور قبل الربع الأول من القرن الماضي.
    وإذا اطرحنا الحديث عن الوضع اللغوي في السودان بكافة مناطقه، واستحضرنا حالة دارفور، فسنجد أنها تمثل منطقة تقليدية تاريخية لتوزيع لغات بعينها، كلغة الفور، ولغة المساليت، ولغة الداجو، ولغة الزغاوة وغيرها، على الرغم من أن هناك جيوباً لهذه اللغات تقل وتكثر خارج منطقة دارفور، تمت بفعل الهجرات الفردية والجماعية، لا سيما التي استوطنت بوسط السودان، والعاصمة القومية، وكما هو الحال في ولاية القضارف.
    1075.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    وإذا كانت دارفور تسود بها لغات حية استطاعت أن تصمد في ظل صراع حضاري طويل، كالتي ذكرناها قبل قليل، فهناك لغات أخرى ذكرها بول دورنبوس عجزت عن مواصلة مسيرتها عبر حقب التاريخ، وانقرضت، لتفسح المجال للغات أخرى أكثر فاعلية للحياة، وأقدر على العيش بين رصيد كبير من اللغات واللهجات. ومن لغات دارفور التي انقرضت البرتي، والبرقد، والبيقو ، والقيلي (الفونجورو)(28). بل إن إقليم دارفور يمثل أكثر مناطق السودان التي شهدت انقراضا للغات، وفي هذا دلالة واضحة على تقبل عملية التعريب، تقبلا طوعيا، في الغالب الأعم، يتجلى في السلوك تجاه اللغة وسط متحدثي اللغات المحلية بالإقليم (29). فقوة العامل الديني في دارفور جعلت من سكانه المسلمين يقبلون إلى تعلم العربية وتبنى ثقافتها، مقرونة بالثقافة الإسلامية، ومن أجل ذلك ضحّوا بخصوصياتهم اللغوية والثقافية إلا قليلا. تسود دارفور فصيلتان لغويتان رئيستان، تشمل الأولى اللغات الدرافورية، وأهمها لغة الفور، والمساليت، والزغاوة، والميدوب، بينما تشمل الثانية العربية بلهجاتها المختلفة(بني هلبة، هبانية، ماهرية، معاليا...). هذا إلى جانب بعض لغات غرب ووسط إفريقيا كالفولاني، والهوسا، والمبا (لغة البرقو).
    يرى ثيلوال أن هناك على الأقل ست عشرة لغة محلية غير العربية( الحق أنها أكثر من عشرين لغة ) يتحدث بها في دارفور عند إجراء دراسته، وهي الفورية، والزغاوة ، والبدياتية، والداجوية (لهجتان)، والميدوبية (لهجتان)، والبرقدية، والبرتية، والتامية، والمساليتية، والمبوية، والرونجوية، وقد ربطها بنسبة المتحدثين بها كلغة أم. ويستنتج مما ذكر أن أهمها أربع لغات، وهي: العربية 55%، والفور21%، المساليت12.5%، والزغاوة 5% من مجمل سكان دارفور(30).
    ولا شك أن هذه النسب المختلفة التي انجلت عنها دراسة ثيلوال السابقة تصبح مرآة عاكسة لتلك الفترة التي أجريت فيها الدراسة، أما الآن وقد مرَّت على دراسته ثلاثة عقود فقد حدثت فيها تحولات كبيرة، أهمها المجاعة، والجفاف، والتصحر، التي ضربت دول إفريقيا جنوب الصحراء عام 83-1985م ، بالإضافة إلى ظروف دارفور الخاصة بها من زحف صحراوي، وحروب وصراعات قبلية، وأزمة شاملة أدت، مجتمعة، إلى عدم استقرار الإقليم، فكانت الهجرة نحو المدن الكبيرة كنيالا، والفاشر، والجنينة. بالإضافة إلى هجرة متزايدة نحو كردفان، ووسط السودان، والعاصمة، ولا شك أن لهذا أثره على الوضع اللغوي بالإقليم.
    وقد أورد يوسف الخليفة أبو بكر والأمين أبو منقة، في مؤلف مشترك لهما عن أوضاع اللغة في السودان، اثنتين من لغات دارفور المحلية ذات الأكثرية المتحدث بها في السودان، هما: الفور (913.663)، والمساليت (310.406)، وذلك ضمن ثلاث عشرة لغة سودانية محلية- غير العربية- تتميز بأكثرية المتحدثين بها، بعد أن اهتديا بما قدمه سيد حامد حريز وهيرمان بيل (1975)(31)، ثم حولا نسبة المتحدثين وعددهم من تعداد سكان السودان عام 1956م إلى تعداد 1993م حسابيا (32).
    وبما أن كثيراً من الدراسات التي تناولت الأوضاع اللغوية في السودان أفضت إلى اكتساح اللغة العربية لمساحات كبيرة كانت مرتعاً للغات سودانية محلية، فإن تلك الظروف البيئية، وغيرها في إقليم دارفور تكون قد ساعدت في زعزعة التوزيع التقليدي التاريخي للقبائل بالمنطقة، كما أشرنا، وعليه يتوقع أن تكون العربية قد كسبت أرضاً جديدة خلال العقود الثلاثة الماضية في مقابل انحسار للغات الدارفورية وغيرها. وإثبات هذا يحتاج إلى عقد عدد من الدراسات التي نأمل أن ينتبه الباحثون اللغويون وغيرهم إليها. وعلى الرغم من أن العربية تؤدي بصورة جلية دور اللغة الوسيطة بكل أنحاء ولايات دارفور، نجد أن لغة الفور تقوم أيضاً بهذا الدور في منطقة غرب وجنوب جبل مرة. وقد نوه إلى ذلك ثيلوال(33)، ومثل لهذا الوضع بأن أفراد قبيلتي الداجو والسنيار القاطنتين بوادي كاجا، ووادي أزوم بدارفور يتحدثون لغتهم المحلية، بالإضافة إلى لغة الفور، واللغة العربية، وقد ردّ ذلك إلى عملية التزاوج بين القبيلتين الصغيرتين مع قبيلة الفور. وتذكر لنا كتب التاريخ ما سبق أن ذهبنا إليه من أن لغة الفور تستمد أهميتها من كونها كانت اللغة المتحدثة واليومية عند سلاطين الفور إبان سلطنتهم، وبالتالي أجبرت العامة والخاصة للتحدث بها؛ مما مكن من انتشارها بين عدد كبير لا ينتمي لهذه القبيلة. بالإضافة إلى ما يسمى بالجماعات الإثنية المحلية، لا سيما بعد تجدد الحرب الأهلية بالجنوب عام 1983م، فإن في محافظة أم كدادة التابعة لولاية شمال دارفور وحدها ما لا يقل عن 35 ألف مواطن جنوبي، أغلبهم من الدينكا، يعملون بالزراعة حسبما تورد الجهات الرسمية، والعدد في تزايد مستمر( خلاصة عمل ميداني قام به صاحب الورقة في عام 1999). هذا بالإضافة إلى مجموعة من الطوارق التي استقرت في الفاشر، وبالقرب منها، والتي أتت هاربة من قوات المستعمر الفرنسي في فترة مبكرة من القرن السابق، فأضافت بذلك مع من لجأ إلى الولاية من بحر الغزال إلى حصيلة اللغات الموجودة أصلاً بالولاية، إذ إن كلا يتحدث لغته الخاصة به. وهذا يضيف عناصر جديدة للتنوع اللغوي الموجود بالمنطقة.
    وبما أننا نتناول الوضع اللغوي بدارفور يتوجب علينا أن نشير إلى السياسة اللغوية المتبعة في هذه المنطقة، والسياسة اللغوية كما يعرفها عشاري أحمد محمود(34) تعني التحديد بواسطة الدولة وأجهزتها المختلفة، لتنظيم استخدام الموارد اللغوية في مجالات التعليم والإدارة والمجتمع، وتكمن أهمية هذه السياسة اللغوية بالنسبة للتخطيط اللغوي في أنها تؤثر على السلوك اللغوي. والذي يلاحظ في هذا الشأن أنه ليس هناك سياسة لغوية خاصة بدارفور كما هو الحال– مثلاً بجنوب السودان على الرغم من أنها منطقة تعج باللغات المختلفة، وإنما تعامل معاملة السياسة اللغوية العامة للدولة. وبالتالي استبعدت خصوصية دارفور في هذا المنحى، وهذا يقود بصورة أو بأخرى لهيمنة العربية، وإحداث التعريب وسط القبائل الدارفورية وغيرها، ويعمل على إلغاء الآخر، أي تحجيم اللغات المحلية بالمنطقة، مع ملاحظة أنه لا توجد اعتراضات جوهرية على هذا الوضع.
    إن الإعلام، وهو أحد أجهزة الدولة، والذي يتمثل على الأقل في الإذاعة والتلفزيون، يقصر برامجه فقط على البث باللغة العربية، دون مراعاة للغات المحلية بما يوحي بأن المنطقة ليست بها لغات أخرى ذات بال، ولا يلجأ إلى اللغات المحلية إلا عند حدوث أمر جلل، أو كرب ماحق (مشكلة قبلية، أومشكلة أمنية...)؛ مما يعني توظيف اللغات وفقاً للإرادة السياسية. وإذا اتخذنا إذاعة ولاية شمال دارفور بالفاشر مثالاً للإذاعة الولائية نجد في عام 2001م لم يكن بها برنامج يبث باللغات المحلية، بل عهدها به يرجع إلى عام 92/1993م للأسباب التي ذكرناها آنفاً، غير أن بهذه الإذاعة في تلك الفترة برنامجين موجهين يبثان بعربية دارفور العامية، بيد أنهما يجدان معارضة كبيرة من المثقفين بالمنطقة (استقى الباحث هذه المعلومات من زيادة لإذاعة وتلفزيون ولاية شمال دارفور بالفاشر، ولقائه بالمسؤولين بهما بتاريخ 27/10/1999م). ومع اندياح الأزمة الحالية وتمددها يتوقع أن تكون هناك استعانة مستمرة باللغات المحلية الكبرى في دارفور من قبل الإعلام في مدن دارفور الكبرى، كما هو الحال في إذاعة السلام(موقعها أم درمان) التي توجه بعض برامجها بلغات دارفور ذات الثقل، وبعامية دارفور العربية. وعلى الرغم من ذلك فإن إبعاد اللغات المحلية بدارفور عن أداء دورها في مجالات التعليم، والإعلام، والتوعية الصحية والثقافية، ومجال محو الأمية، وما شابه ذلك، أو إهمالها أو الخوف مما تحدثه من مشكل سياسي– قبلي، بالإضافة إلى عوامل أخرى، فإن ذلك يساعد في تقوقع هذه اللغات وانزوائها، وربما انقراضها في المستقبل غير البعيد.
    إن الاهتمام باللغات المحلية في دارفور أمر يفرضه، ما يمكن أن تقوم به هذه اللغات من أدوار متعددة في مضمار التوعية الاجتماعية والصحية والسياسية والثقافية، ومن أدوار في مجال محو الأمية، وباعتبارها تراثا إنسانيا يستحق الترقية والتطوير والصون، وهذا أمر يكفله دستور السودان الانتقالي لعام 2005.
    إن خلاصة القول فيما يخص اللغة وأوضاعها في دارفور، تتمثل في أن هذا الإقليم رغم التعدد اللغوي فيه يشهد عملية تحول لغوي- اجتماعي كبيرة، مثل بقية مناطق السودان الأخرى، من اللغات المحلية تجاه اللغة العربية، ومن الثقافات المحلية تجاه الثقافة العربية الإسلامية. وهذه العملية هي نتاج لما ظل يمرّ الإقليم من كوارث بيئية وطبيعية وصراعات وحروب أهلية وسياسة لغوية، أدت، مجتمعة، إلى خلخلة الوضع الإثني- اللغوي التاريخي التقليدي. وتتمظهر هذه العملية في جوانب عديدة، لعل أهمها السلوك تجاه اللغة في دارفور، وأن الإقليم يشهد انقراضا كبيرا للغات، بالإضافة إلى وجود لغات كثيرة مهددة بالانقراض.
    هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن اللغة العربية تقوم بصورة جلية بدور اللغة المشتركة الوسيطة في أنحاء الإقليم المختلفة، مستفيدة من التعدد الإثني واللغوي الذي يسود في الإقليم، ومستفيدة، أيضا، من السياسة اللغوية التي تطرحها الدولة، ومستفيدة من العامل الديني الذي وجد قبولا كبيرا بين الجماعات الإثنية في دارفور، ترتب عليه أن تتخلى عن خصوصيتها الثقافية واللغوية، وهذا فيما نرى يدعم بصورة مباشرة عملية التعايش في الإقليم، الذي لم يدخل عامل اللغة، وقد بلغت الصراعات والأزمات فيه ما بلغت، باعتباره واحدا من المحركات الأساسية للصراع حتى اليوم.
    الدين وأوضاعه في دارفور:
    سكتت كثير من المصادر التاريخية التي أرخت لما يسمى حاليا بإقليم دارفور قبل الإسلام- عن نقل صورة حية تصف لنا الوضع الديني الذي كان يسود ذلك الإقليم، وعلى الرغم من ذلك فإن تخيل وافتراض انتشار الوثنية قبل الإسلام أمر يفرضه المنطق والعقل.
    والحق أن الوثنية وحدها لم تكن سائدة في ذلك الإقليم لا سيما بعد امتداد مساحات وأثر الممالك النوبية المسيحية القديمة التي اتخذت من شمال السودان مسرحا لها. وفي هذا المضمار يحدثنا الأب ج. فانتيني بأن هناك عددا من آثار المسيحية على تقاليد وعادات أهل دارفور، وعضد ما أشار إليه بعض المؤرخين العرب مثل الإدريسي وابن سعيد عن هجرة بعض الأمراء من وادي النيل إلى غرب السودان. ومن ثم ربط فانتيني عددا من الطقوس في مناطق دارفور بالطقوس المسيحية في النوبة. وذكر ضمن ذلك وجود ما يشبه ذكر المعمودية والإكرام لجرحات المسيح، وذلك في عين فرح بدارفور غرب مدينة كتم، وهي طقوس تعود، فيما يرى، إلى تقاليد مسيحية(35).

    ولم يكتف فانتيني بذلك إذ أورد أن هناك احتفالات أخرى عند بعض أهالي دارفور بمناسبة الزفاف وموسم الأمطار. وذكر، ضمن ذلك، أن الأهالي في جبال ميدوب يذهبون إلى الصخرة المقدسة لتنصيب ملكهم الجديد، ويذبح كاهنهم ضحية، ويرسم بدمها إشارة صليب على جبهة الملك، وعلى الصخرة، ثم يقوم الملك الجديد بنفس الحركة على جبينه وعلى الصخرة(36). كما ذكر أيضا أن هناك قبيلتين، هما برتي وبرقد بدارفور لديهما نفس الطقوس التي لدى الميدوب، مثل تلك الطقوس لجلب الأمطار التي ما تزال موجودة عند المسيحيين في كثير من الأقطار(37).
    وينبغي ألا يفهم مما أشار إليه فانتيني أنه كانت للمسيحية أقدام راسخة في إقليم دارفور، وإنما هي بقايا ثقافة مسيحية منتشرة في جميع أنحاء السودان حتى اليوم، إضافة إلى ذلك فإن ما ذكره من قبائل، باستثناء البرتي، هي في الأساس قبائل ترجع إلى الأصل النوبي. وترجح كثير من المصادر التاريخية واللغوية أنها قدمت إلى دارفور في هجرات عبر حقب التاريخ، فلم يكن لها إلا أن تأتي، على الأقل، بما كانت تعتقد مسبقا.
    أما فيما يخص تاريخ الإسلام في هذا الإقليم فتلك قصة طويلة، إذ حيث أخذ الإسلام، وفقا لخليل محمود عساكر ومصطفى محمد مسعد، يشق طريقه على هذه البلاد منذ حوالي القرن الثاني عشر الميلادي على الأقل، حيث أخذت تنهال عليه الهجرات العربية من الشمال والشرق والغرب... ولكن هذا الدين لم يصبح دينا رسميا للبلاد إلا حين تولى سليمان سولونج عرش سلطنة دارفور سنة 1640م(38)، أي حوالي منتصف القرن السابع عشر الميلادي، بما يعني أن الإسلام ظل طيلة خمسة قرون يتلاقح، ويتصالح مع الأعراف المحلية حتى تحققت له المنعة، وتمكن من قلوب الأهالي.
    ويذهب محمد إبراهيم أبو سليم إلى أن من حسن(حظ ) الإسلام (في دارفور ) إنه يدخل كدين ومعتقد لحضارة أرقى وأسمى ولم يكن مسنودا بهجرات عربية واسعة، كما هو الحال في إقليم النيل، ولو فرض الإسلام على الفور من الخارج، أو جاء بتأثير هجرات قبائل عربية لكان للإسلام في دارفور قصة أخرى. ولكن هذه الواقعة الملائمة يسرت تلاقحا ثابتا بين الإسلام وبين الأعراف المحلية، ويسرت بقاء الجانبين في تركيب المجتمع دون اصطدام أو تعارض صارم(39). لقد كانت عملية التلاقح بين الإسلام والأعراف المحلية في دارفور عملية حضارية وفريدة وذات أعماق واتساع وعناصر تتشابك وتتدخل(40).
    وإذا تجاوزنا التفاصيل الدقيقة حول كيفية انتشار الإسلام في دارفور، فينبغي إيراد ملاحظة مهمة كاد يتفق حولها جميع الذين تناولوا تاريخ هذا الإقليم، فقد أجمع الباحثون، أو كادوا، على أن انتشار الإسلام في دارفور لم يشهد فصولا من اللجوء إلى العنف طريقة لتذليل عقبات الدعوة الإسلامية، بل إن التفاعل الاجتماعي كان الآلية الرئيسية لانتشار الإسلام والثقافة العربية في السودان بصورة عامة، ودارفور على وجه الخصوص(41). وعن هذا المعنى، أو قريب منه، يذكر رجب محمد عبدالحليم أن التداخل بين العرب والفور في مناطق السكن والإقامة، أتاح الفرصة لعملية اجتماعية في غاية الأهمية أخذت تتفاعل على مدى القرون والأزمان، تلك العملية هي الاختلاط والمصاهرة والتزاوج بين العرب وسكان البلاد الأصليين. وقد أتيح لهذه العملية أن تنجح لأسباب عديدة، منها أن العرب الذين دخلوا إقليم دارفور لم يدخلوه كغزاة، ولم يدخلوه في شكل جيوش حربية مسلحة، وإنما دخلوه في شكل هجرات جماعية وفردية بطريقة غاية في السلمية والهدوء، ولم يعملوا فيه الحديد والنار والسيف كما قال بعض الأوربيين(42).
    هذا، وقد برزت الخلوة باعتبارها واحدة من المؤسسات الإسلامية التي تجذرت في الإقليم ولعبت، وعلى رأسها الفقيه، دورا بارزا في حياة المجتمع المحلي، إذ لم ينحصر نشاطها في الوظيفة التعليمية فحسب، بل أضافت إلى ذلك وظائف تربوية، وطبية، واقتصادية، وسياسية، ووظيفة الاتصال الاجتماعي الثقافي(43). كما مثلت الخلوة بوتقة انصهرت فيها جميع إثنيات دارفور فأضفت عليها مسحية دينية قوامها التسامح والعيش في وئام وتعاون.
    ومن الملاحظ حاليا أن إقليم دارفور يختلف عن مناطق السودان المختلفة التي تغلب عليها التعددية الإثنية واللغوية– يختلف في أنه يمارس آحادية دينية منذ أن ولج الدين الإسلامي أرضه، سوى بعض الكنائس العتيقة التي تحتضها من الإقليم الكبرى( وهي الفاشر ونيالا والجنينة ). وهي كنائس لا علاقة لسكن دارفور الأصليين بها. وسوى آلاف عديدة من الوافدين إلى الإقليم من سكان جنوب السودان المسيحيين، ومعتنقي الديانات المحلية، الذين دفعت بهم الأوضاع المأسوية التي ارتبطت بالحرب الأهلية التي سادت جنوب السودان، المتجددة في العام 1983م، وأغلبهم من قبيلة الدينكا(وقد تمت الإشارة مسبقا إلى هذا الأمر )، وقد عاش هؤلاء المسيحيون في أرياف ومدن دارفور دونما مضايقات، تذكر، بسبب الدين وغيره.
    والمطلع على تاريخ دارفور لا سيما الحديث والمعاصر منه- ليجد أنه مليء بالصراعات القبلية المستمرة حتى يومنا هذا الذي يشهد صراعا بين الرزيقات الشمالية والمسيرية بالقرب من مـدينة زالنجي( يونيو 2010 ). وقد أشرنا من قبل إلى أن الفترة من 1932- حتى عام 2002م شهدت على الأقل 45 صراعا في ولايات دارفور المختلفة، ولكنها صراعات ذات أسباب محلية تتعلق بالموارد الطبيعية الشحيحة، وامتلاك الأرض والحواكير... إلخ. والواقع أنه لم يرصد صراع واحد لأسباب تتعلق بالدين.
    والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الأزمة الحالية التي يشهدها الإقليم منذ عام 2003م، إذ حيث لم يبرز فيها العامل الديني كسبب من أسباب الأزمة، وفي هذا دلالة واضحة على الدين باعتباره واحدا من مكونات الهوية قام ويقوم بدور مهم في التعايش بين التركيبة السكانية في دارفور، لا سيما وأن دارفور تنتشر فيها الطريقة التجانية، وهي نمط من الطرق الصوفية التي تتسم بالهدوء والسكينة في شعائرها، وتسعى دائما إلى غرس روح التسامح والتعايش بين مريديها ومحبيها الذين ينتشرون في ربوع دارفور المختلفة.
    وبجانب الدين تقف الثقافة الإسلامية القادمة من وسط وغرب إفريقيا إلى إقليم دارفور باعتبارها مصدرا مهما للتعايش بين مكونات دارفور الإثنية، فهي والدين ارتبطت في أذهان الدارفوريين بالدخول والانتشار السلمي المحبب. وقد ترتب على ذلك أن تنازلت كثير من الجماعات الإثنية الدارفورية عن خصوصيتها اللغوية والثقافية، طوعا، وأصبحت لا تعرف غير الثقافة الإسلامية واللغة العربية، ثقافة ولغة، ونخص بالذكر من هذه الجماعات البرتي والبرقد والقمر، وذلك دعما لعملية التعايش في أنحاء الإقليم.
    دور مكونات الهوية في دارفور في مسألة التعايش:
    في الجزء المتقدم من هذه الورقة تم استعراض أوضاع مكونات الهوية الرئيسـة في دارفور، وهي العرق( القبيلة )، واللغة، والدين. أما الآن فسنسعى للإجابة عن سؤال مركزي يدور حول، هل من دور لهذه المكونات في قضية التعايش في هذا الإقليم، الذي حفل تاريخه بصراعات عديدة، ويحفل، حاليا، بأزمة شاملة تختلف كما ونوعا عمّا عرف بهذا الإقليم من نزاعات تاريخية تفرضها طبيعة المنطقة التي تمت الإشارة إليها.
    قبل الإجابة عن هذا السؤال لدينا جملة من الملاحظات التي قد تساعد في استبصار الدور الذي يمكن أن تقوم به مكونات الهوية في دعم قضية التعايش في دارفور، ولعل أهم هذه الملاحظات، الآتي:
    أولا: إن أسباب الصراعات التاريخية في دارفور، القديمة والحديثة والمعاصرة، بل إن أسباب الأزمة الحالية في الإقليم، ليس لمكونات الهوية من عرق، ولغة، ودين، دور مباشر فيها. وفي هذا المجال يرى علي أحمد حقار أن الحروبات بين القبائل في دارفور أخذت أشكالا متعددة، منها ما تعلقت بالغارات التي يشنها فرسان القبائل فيما بينها كسبا للمال، ومنها ما يتعلق بالاقتتال حول المراعي والحواكير(44).
    أما ما يتعلق بالأزمة الحالية في دارفور، التي يمرّ بها الإقليم منذ عام 2003، فقد أرجعت أسبابها إلى:
    1- الصراع المستمر والمتطور بين القبائل على الموارد الطبيعية الشحيحة.
    2- محاولة امتلاك الأرض والحواكير.
    3- تمسك وإصرار بعض قبائل دارفور ذات الأرض بالانفراد الكامل بملكية الأرض، وعدم السماح بمشاركة آخرين.
    4- تسييس هذه الصراعات، واستغلالها للوصول إلى كراسي الحكم، وتحقيق بعض المكاسب الشخصية.
    5- انفتاح الحدود بين دارفور وتشاد، والتداخل القبلي الكبير بينهما، والانتشار الكبير لحملة الجنسية المزدوجة(45).
    هذا، بالطبع، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بضعف الإدارة الأهلية التي حلت إبان عهد الرئيس السابق جعفر محمد نميري، وتمركزها في المدن، وبالإضافة إلى أسباب ذات صلة بالكوارث البييئة والطبيعية من موجات للجفاف والتصحر والزحف الصحراوي، التي ضربت الإقليم فخلخلت التركيبة السكانية واقتصادياتها.
    المهم في الأمر أن مكونات الهوية ظلت بمنأى عن أي دور في تعكير صفو الحياة التي كانت تعيشها مختلف الجماعات الإثنية في دارفور.
    ثانيا: إن هناك ظاهرة ظلت تحكم طبيعة الزواج في دارفور، تتمثل في أن الزواج في الغالبية العظمى من حالاته كانت تتم خارج القبيلة ( أو ما يسمى بالزواج الاغترابي )، خصوصا في المدن، ومناطق الاستقرار في الحواضر. وعن هذا المجال يحدثنا أحمد عبدالقادر أرباب بقوله أنه ورغم اتسام التركيبة السكانية في دارفور بتعددية الكيانات العرقية، فإنها شهدت عبر المصاهرة درجة من الانصهار، شكلت شخصية سودانية جامعة(46). ويوغل أحمد علي حقار في التاريخ ليحدثنا عن أنه ومنذ أقدم العصور تشكل العنصر السكاني لولايات دارفور الكبرى، من مزيج بشري ناتج عن التصاهر الزنجي الإفريقي مع العنصر البربري الوافد من شمال إفريقيا والعنصر العربي الإسلامي(47)، بالإضافة إلى عنصر قادم من وسط وغرب إفريقيا فاكتملت الصورة لهذه التركيبة. وقد أوردنا من قبل أن رجب محمد عبد الحليم يوضح بأن التداخل بين العرب وسكان دارفور الأصليين في مناطق السكن والإقامة أفرز عملية اجتماعية في غاية الأهمية انجلت عنها عملية اختلاط ومصاهرة وتزاوج.
    وقد استمرت صورة التزاوج على النمط الذي كانت عليه، حتى وقت قريب، عندما تخلت الدولة عن القيام بواجباتها، فانكفأ كل أفراد قبيلة إلى قبيلتهم طلبا للأمن، وبحثا عن الحماية، بل وتعشما في الخدمات.
    لقد كشفت لنا جولات ميدانية سابقة في دارفور، وفي ولاية الخرطوم، أن ظاهرة التزاوج من خارج القبلية هي السمة الغالبة في دارفور، تاريخيا، وربما حتى وقت قريب، لكن شهدت العقود الأخيرة ردة في هذا المجال لا سيما في الريف ( القوز )، وهذا الانكفاء فرضته عملية رفع الدولة يدها عن جانب الحماية والخدمات، فأخذ كل أفراد قبيلته يطلبون منها الحماية والخدمات، وأقلها التعليم الذي تدعمه القبيلة بغية تحسين أوضاع أفرادها.
    ثالثا: إن هناك تنازلا، يمكن وصفه بالطوعي، عن الخصوصية الثقافية واللغوية وربما الإثنية، ويشهد على ذلك أمور عديدة منها لعل أهمها:
    1- السلوك تجاه اللغة والثقافة في دارفور. وخلاصة القول في هذا المجال أن الغالبية العظمى من الجماعات الإثنية في دارفور لا ترى غضاضة في تبني الثقافة العربية، والثقافة الإسلامية، واللغة العربية. والدليل على ذلك أن منطقة دارفور تقف على رأس قائمة مناطق السودان التي شهدت انقراضا للغات، وبالتالي انقراضا لثقافات.
    2- العامل الديني. وخلاصة القول في هذا المجال أن الدين الإسلامي والثقافة المرتبطة به قللت من الجانب السلبي للانحياز للخصوصية اللغوية والثقافية والعرقية، كما أن الدين لم يقف موقفا حادا مع الأعراف السائدة في الإقليم، بل تكاملا معا لمزيد من التعايش، يقول أحد الباحثين إن الثقافة الإسلامية هي العمود الفقري وقوام العادات والتقاليد، الأعراف السائدة في مجتمع دارفور، وليس الفرق شاسعا بين أعراف المجتمعات حيث القاسم المشترك الأوحد هو الإسلام(48). وبعبارة محمد إبراهيم أبوسليم، التي ذكرت من قبل، فإن عملية تلاقح الإسلام والأعراف المحلية( في دارفور ) يسرت بقاء الجانبين في تركيب المجتمع، دون اصطدام، أو تعارض صارم.
    انطلاقا من الملاحظات الثلاث التي استعرضناها أعلاه، وارتكازا على عدد من النقاط التي تمت الإشارة إليها عند تناولنا لأوضاع مكونات الهوية في دارفور- يمكن أن نستنبط أن هناك دورا مهما لمكونات الهوية في دعم مسألة التعايش بين عناصر التركيبة السكانية، وهذا الدور يكاد يفهم في الآتي:
    1- إن هذه المكونات لم تقم بأي دور في مضمار أسباب الصراعات والنزاعات التاريخية التي مرّت بالإقليم. وينطبق هذا القول على الأزمة الحالية التي تضرب الإقليم بشدة، على الرغم من أن بعض الحركات المسلحة التي تناهض الحكومة، تتسم بالصبغة القبلية. ولو قدّر لهذه المكونات أن تكون من جملة أسباب هذه الأزمة، لقضت على الأخضر واليابس في هذا الإقليم الذي تتمتع فيه القبيلة بأعلى سلطة في مجتمعاته. ويفهم من ذلك أن مكونات الهوية إما تقف موقف الحياد مما يجري في الإقليم، أوتدعم التعايش فيه، وهي أقرب إلى الحال الأخير، وفي كلّ خير.
    2- إن هذه المكونات بالإضافة إلى مكوّن الثقافة، التقى معظمها ليشرب من بحر الإسلام وثقافته، فانجلى ذلك عن ثقافة إسلامية( دارفورية الطابع) منسجمة مع الأعراف المحلية، وهي ثقافة شارك في صنعها الجميع، ثقافة تدعو للتعايش بمعناه الواسع، الذي يحد من الصراع، ويروض الخلاف، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بعد أن هذبت تلك الثقافة الخصوصية الدارفورية من الانحياز السلبي للعرق واللغة والدين. واستطاعت الخصوصية الدارفورية، عبر العصور، أن يكون لها طريقتها الخاصة في آليات فض التزاع من الأجاويد وغيرهم. وكل هذا يدعم عملية التعايش في الإقليم.
    3- إن هذه المكونات اكتسبت عبر التاريخ المتصل، والتجارب الواقعية، أنماطا معينة من ثقافة الندية، دعمتها عملية التزاوج المفضي للانصهار، فهيأت بيئة قوامها التعايش الذي لا يعكر صفوه إلا النزاعات، التي تظهر من حين لآخر لتبدأ مسيرة جديدة للتعايش.
    خلاصة الورقة:
    نخلص من تناولنا لموضوع هذه الورقة، الذي يختص بمكونات الهوية في دارفور، أوضاعها ودورها في مسألة التعايش- إلى جملة من النقاط، لعل أهمها:
    أولا: تبين الخلفيات المختلفة عن إقليم دارفور، أن هذا الإقليم يتسم بكثافة سكانية واضحة، ذات مرجعيات إثنية مختلفة، لكنها لم تعقد من قضية الهوية فيه. كما يتسم أيضا بتعدد مناخي متباين، جعل من حرفتي الزراعة والرعي حرفتين غالبتين، غير أنهما مثلتا، بفعل تذبذب الأمطار من عام لآخر، مادة حية للصراعات، النزاعات التاريخية التقليدية التي شهدها الإقليم قديما، وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي، لكن هذه الصراعات لا صلة لها بمكونات الهوية الرئيسة: العرق واللغة و الدين، وإنما مرتبطة بأسباب محلية ذات صلة بشح الموارد، وضعف الإدارة الأهلية، وامتلاك الأراضي والحواكير... إلخ.
    ثانيا: يتضح أن دارفور يسكنها خليط من الأجناس، ذات المرجعيات الإثنية المختلفة، بعضها ينتمي للمنطقة نفسها (محلية)، والبعض الآخر قدم إلى دارفور عبر فترات تاريخية مختلفة، تقف من وراء هجرتها إلى هذه المنطقة عدة عوامل. وقد تداخلت مع بعضها، وتصاهرت حتى أفرزت النسيج الحالي لسكان دارفور.
    ثالثا: يشهد هذا الإقليم، رغم التنوع اللغوي الذي يتسم به، عملية تحول لغوي- اجتماعي كبيرة، مثل بقية مناطق السودان الأخرى، من اللغات المحلية تجاه اللغة العربية، ومن الثقافات المحلية تجاه الثقافة العربية الإسلامية. وهذه العملية هي نتاج لما ظل يمرّ الإقليم من كوارث بيئية وطبيعية وصراعات وحروب أهلية وسياسة لغوية، أدت، مجتمعة، إلى خلخلة الوضع الإثني- اللغوي التاريخي التقليدي. وتتمظهر هذه العملية في أن الإقليم يشهد انقراضا كبيرا للغات( وثقافات )، بالإضافة إلى وجود لغات كثيرة مهددة بالانقراض.
    رابعا: يختلف دارفور عن مناطق السودان المختلفة التي تغلب عليها التعددية الإثنية واللغوية– في أنه يمارس آحادية دينية منذ أن ولج الدين الإسلامي أرضه، سوى بعض الكنائس العتيقة التي تحتضها من الإقليم الكبرى( وهي الفاشر ونيالا والجنينة ). وهي كنائس لا علاقة لسكن دارفور الأصليين بها. وسوى آلاف عديدة من الوافدين إلى الإقليم من سكان جنوب السودان المسيحيين، ومعتنقي الديانات المحلية، الذين دفعت بهم الأوضاع المأسوية التي ارتبطت بالحرب الأهلية التي سادت جنوب السودان، المتجددة في العام 1983م، وأغلبهم من قبيلة الدينكا، وقد عاش هؤلاء المسيحيون في أرياف ومدن دارفور دونما مضايقات، تذكر، بسبب الدين وغيره.
    خامسا: تقف الثقافة الإسلامية القادمة من وسط وغرب إفريقيا إلى إقليم دارفور باعتبارها مصدرا مهما للتعايش بين مكونات دارفور الإثنية، فهي والدين ارتبطتا في أذهان الدارفوريين بالدخول والانتشار السلمي المحبب. وقد ترتب على ذلك أن تنازلت كثير من الجماعات الإثنية الدارفورية عن خصوصيتها اللغوية والثقافية، طوعا، وأصبحت لا تعرف غير الثقافة الإسلامية واللغة العربية، ثقافة ولغة.
    سادسا: يتضح أن مكونات الهوية في دارفور لم تقم بأيّ دور في مضمار أسباب الصراعات والنزاعات التاريخية التي مرّت بالإقليم. وينطبق هذا القول على الأزمة الحالية التي تضرب الإقليم بشدة، على الرغم من أن بعض الحركات المسلحة التي تناهض الحكومة، تتسم بالصبغة القبلية. ولو قدّر لهذه المكونات أن تكون من جملة أسباب هذه الأزمة، لقضت على الأخضر واليابس في هذا الإقليم الذي تتمتع فيه القبيلة بأعلى سلطة في مجتمعاته. ويفهم من ذلك أن مكونات الهوية إما تقف موقف الحياد مما يجري في الإقليم، أوتدعم التعايش فيه، وهي أقرب إلى الحال الأخير، وفي كلّ خير.
    سابعا: تلتقي مكونات الهوية، بالإضافة إلى مكوّن الثقافة، لتشرب من بحر الإسلام وثقافته، فانجلى ذلك عن ثقافة إسلامية( دارفورية الطابع) منسجمة مع الأعراف المحلية، وهي ثقافة شارك في صنعها الجميع، ثقافة تدعو للتعايش بمعناه الواسع، الذي يحد من الصراع، ويروض الخلاف، بعد أن هذبت تلك الثقافة الخصوصية الدارفورية من الانحياز السلبي للعرق واللغة والدين. واستطاعت الخصوصية الدارفورية، عبر العصور، أن يكون لها طريقتها الخاصة في آليات فض التزاع من الأجاويد وغيرهم. وكل هذا يدعم عملية التعايش في الإقليم. كما أن هذه المكونات اكتسبت عبر التاريخ المتصل، والتجارب الواقعية، أنماطا معينة من ثقافة الندية، دعمتها عملية التزاوج المفضي للانصهار، فهيأت بيئة قوامها التعايش الذي لا يعكر صفوه إلا النزاعات، التي تنشب من حين لآخر لتبدأ مسيرة جديدة للتعايش في الإقليم.
    توصيات:
    بعد تناولنا لموضوع مكونات الهوية في دارفور، أوضاعها ودورها في مسألة التعايش، نوصي بالآتي:
    1- اتخاذ كافة التدابير للحيلولة دون إدراج مكونات الهوية من عرق، ولغة، ودين، وثقافة، ضمن مسببات الصراعات والنزاعات الدارفورية، عموما، والأزمة الحالية، على وجه الخصوص.
    2- العمل على تقوية ثقافة التعايش عبر الاهتمام بمكونات الهوية، واستثمار الجانب الإيجابي من الخصوصية في هذه الهوية.
    3- البحث عن المشترك في عادات وتقاليد وأعراف دارفور، والتركيز عليه في حل مشكات الإقليم.
    4- محاربة الأمية والجهل والفقر والتخلف عبر التعليم، وعبر المشروعات سريعة العائد، قليلة التكلفة.
    الإحالات المرجعية:
    1- نديم البيطار( 1980)" مفهوم الهوية القومية والمستقبل العربي"، الباحث، العدد 1(13)، سبتمبر أكتوبر، ص 10.
    2- Khalid Nakhleh ( 1975): " Cultural Determinants of Palestinian Collective Identity “, New Outlook , Vol.18,No. 7 ,p.(23).
    3- عمر إبراهيم( 1981 – 1982)" مفهوم الأمة بين لغة وأخرى "، ترجمة: أدونيس العكرة، الفكر العربي المعاصر، العدد (17)، ديسمبر/ يناير ، ص 64.
    4- فرانسيس دينق( 2001 ): صراع الرؤى، نزاع الهويات في السودان، ترجمة: عوض حسن، مركز الدراسات السودانية، القاهرة: ( د. ن )، ص(22).
    5- محمد عاطف غيث وآخرون( 1979 ): قاموس علم الاجتماع، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص (70).
    6- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
    7- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
    8- عصام أحمد البشير(2007 ):" نماذج للتعايش الديني في التاريخ الإسلامي، ورقة مقدمة للمؤتمر الدولي للحوار الإسلامي/ المسيحي، وزارة الإرشاد والأوقاف (السودانية)، 4-6 يوليو، ص 1.
    9- الطاهر حاج النور أحمد(1995):التعليم الأساسي في دارفور،1994-1956،الخرطوم: دار جامعة إفريقيا العالمية للطباعة والنشر،ص(13).
    10- O’Fahey ,R.(1980): State and Society in Dar Fur ,London: Anckor Books , pp1-2
    11- موسى آدم عبد الجليل (1998م): " خلاوى دارفور– دراسة في وظائفها وخلفيتها الاجتماعية، دراسات إفريقية، العدد 18، ص 55-91، ص65.
    12- التجاني سيسى وإسحق آدم بشير(1990م): مشاكل التنمية الاقتصادية في إقليم دارفور، مالية الحكم الإقليمي والمحلي بإقليم دارفور، تحرير: العجب أحمد الطريفي، الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للطباعة، ص54.
    13- وزارة الثقافة والإعلام (1974م): مديرية دارفور، قصة الإنسان والأرض ، الخرطوم: مؤسسة القرشي للإعلان والطباعة، ص. ص 5-6.
    14- أحمد آدم بوش(2003):" جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزاعات في دارفور "، ملف السلام(2)، الملف الدوري، مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا، الخرطوم، نوفمبر/ ديسمبر، ص(12).
    15- عبد الحي عبد الحق (1967م): " مدخل إلى دراسة اللهجات العربية في دارفور"، الخرطوم،عدد مايو، ص 17-20، ص20.
    16- حامد أحمد عثمان وآخرون (بدون تاريخ): قبيلة الميما عبر التاريخ، الخرطوم: دار التاكا للطباعة والنشر، ص70.
    17- إبراهيم موسى محمد(1997م):" المظاهر المبكرة للإسلام في دارفور وتأثيراتها المحلية،
    دراسات إفريقية، العدد 17، ص 51-80، ص ص 63-64.
    18- يوسف فضل(1972م): مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي(1450-1821)، الخرطوم: الدار السودانية للكتب، ص92.
    19- محمد إبراهيم أبو سليم (1975م): الفور والأرض، وثائق تمليك، الخرطوم، دار التأليف والترجمة والنشر بجامعة الخرطوم، ص ص 15-16.
    20- موسى آدم عبد الجليل، مرجع سابق، ص. ص 65- 66.
    21- عون الشريف قاسم(1996م): موسوعة القبائل والأنساب في السودان وأشهر أسماء الأعلام والأماكن، ج 2، الخرطوم: شركة آفروقراف للطباعة والتغليف، ص 1017.
    22- موسى المبارك الحسن (1970م): تاريخ دارفور السياسي (1882م-1898م)، الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، ص. ص 15-16.
    23- آدم تاجر وعثمان إمام عثمان (1995م): شجرة الزغاوة النموذجية، الفاشر: (د.ن).
    24- موسى المبارك الحسن(1970)، مرجع سابق ص 20.
    25- محمد عبد الغني سعودي( د.ت ): السودان، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ص 213.
    26- سليمان يحيى محمد (1999م): انعكاس صورة المرأة في المثل الشعبي مقرونة بدورها في مجتمع دارفور، رسالة دكتوراه، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم،ص 69.
    27- علي أبو زيد علي(2005):" النزاعات القبلية في ولايات دارفور"، أعمال الحلقة النقاشية حول أزمة دارفور، الأصول والمواقف وسيناريوهات الحل والتدخل، معهد البحزدوث والدراسات الإفريقية(جامعة القاهرة )، مركز البحوث والدراسات الإفريقية (جامعة إفريقيا العالمية )، ص. ص(415- 425)، ص. ص(417- 419).
    28- Doornbos , P. (1984): Language use in Western Sudan , a paper presented to the International Linguistics Conference, Khartoum. IAAS, p1.
    29- انظر: كمال محمد جاه الله (2005):" السلوك تجاه اللغة وانعكاساته على مسألتي الوحدة الوطنية والاندماج القومي في السودان، دراسة مقارنة لحالتي الأزمة في جنوب السودان ودارفور، أعمال الحلقة النقاشية حول أزمة دارفور...، مرجع سابق، ص.ص(104-126).
    30- Thelwall,R.S.( 1978): Aspects of Language in the Sudan, Coleraine: The New University of Ulster , p8-9
    31- Hurreiz, S.H. & H. Bell (1975) (eds): Directions in Sudanese Linguistics and Folklore, Khartoum : Khartoum University Press.
    32- Abu-Bakr , Y.A.& A. Abu-Mange (1997) : Language Situation and planning in the Sudan, a paper presented to the intergovernmental Conference and Language Polices in Africa , Harare ,p3
    33- Thelwall,R.S( 1978),Op.cit,p9
    34- عشارى أحمد محمود (د. ت):" أطلس لغوي "، الملتقى الدولي الثالث في اللسانيات، تونس: مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، ص. ص 545-546.
    35- فانتيني، ج ، ( 1978م): تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة والسودان الحديث، الخرطوم: ( د. ن )، ص ( 203).
    36- المرجع نفسه، ص (204).
    37- المرجع نفسه، ص . ص( 405 – 206).
    38- انظر: تصدير كتاب تشحيذ الأذهاب بسيرة بلاد العرب والسودان، لمحمد بن عمر التونسي(1965): تحقيق خليل محمود عساكر ومصطفى محمد مسعد، القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والبشر، ص (7).
    39- محمد إبراهيم أبو سليم( 2006):مرجع سابق، ص(16).
    40- المرجع نفسه، ص( 17).
    41- موسى آدم عبدالحليل ( 1998)، مرجع سابق، ص (67 ).
    42- رجب محمد عبدالحليم( 1991 ): العروبة والإسلام في دارفور في القرون الوسطى، القاهرة ( الفجالة ) : دار الثقافة ص (188)
    43- للاطلاع على الوظائف التي تؤديها الخلوة في دارفور، انظر: موسى آدم عبدالجليل(1998م )، مرجع سابق، ص. ص (75- 86).
    44- أحمد علي حقار(2003 ): البعد السياسي للصراع القبلي في دارفور، الخرطوم: شركة مطابع السودان للعملة، ص (117).
    45- تقرير آلة حفظ وبسط هيبة الدولة بدارفور، ولايات دارفور الكبرى، قدّم أمام المجلس الوطني، مايو 2003م، ص ( 2 ).
    46- أحمد عبدالقادر أرباب( 1998م ): تاريخ دارفور عبر العصور، الخرطوم: مطبعة جامعة الخرطوم، ج 1، ص. ص ( 21- 23).
    47- أحمد علي حقار ( 2003)، مرجع سابق، ص (127).
    48- المرجع نفسه، ص (158).
                  

07-21-2010, 01:43 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة أ/ يوسف تكنة , تحت عنوان (قيام دولة مستقلة بجنوب السودان وأثره على حزام السافنا بدرافور وكردفان) .. قدمها نيابةً عنه أ/ محمد ابو جودة .


    1077.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أ/ ابو جودة يقدم ورقة أ/ تكنة


    خلفية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية
    (1)
    يمتد حزام السافنا من غرب السودان إلى شرقه وهو منطقة تمازج بين الشمال والجنوب منذ عهود طويلة سبقت قيام دولة السودان الحديثة في التكوين في القرن التاسع عشر. وبذلك فهو حقيقة جغرافيه وتاريخيه ذات خصائص سكانية مركبه ومعقده بحكم تراكم الهجرات البشرية المتلاحقة وسبل كسب العيش المتنوعة إضافة إلى التكوين المحلي بالغ التنوع والاختلاف.
    بالرغم من أن هذا الحزام الجغرافي تحكمت خصائصه المميزة في طبيعة النشاط البشري السكاني على مدى قرون من التاريخ إلا أنه ظل في معظم الأحوال مضطرباً بأحداث العنف بين المجموعات السكانية التي ظلت ترتاده في العيش والحياة وباستقراء عاجل لتاريخ هذه المنطقة يلحظ المرء قيام مراكز للسلطة السياسية في أو حول هذا الحزام خاصة في مراحل تاريخ السودان الوسيط مثل ممالك المسبعات وتقلي بكردفان والداجو والتنجر والفور بدارفور وعلى هوامشه الجنوبية قامت كيانات سياسية مثل ممالك الشلك بأعالي النيل والدينكا ببحر الغزال وممالك الفونج بالنيل الأزرق.
    قامت مراكز السلطة هذه على ثلاثة مناشط أساسيه في سبل كسب العيش هي التجارة بأنواعها المختلفة والزراعة المعيشية التي توفر الاكتفاء الذاتي ورعي الماشية في المناطق الوسطى والجنوبية من هذا الحزام ورعي الجمال في الهوامش الشمالية منه.
    ظلت المجموعات الرعوية غير مستقرة تتبعاً لمساقط المياه ومواطن الكلأ وفق تقلبات المناخ والطبيعة وهي بذلك تعيش على أطراف وهوامش المراكز السكانية المستقرة وظلت علاقات هذه المجموعات مضطربة مع تلك السلطنات وهو أمر جلي جداً في علاقة البقارة بجنوب دارفور بسلطنة الفور والمسيرية والحوازمة بسلطنتي تقلي والمسبعات بكردفان.
    يرجع توتر هذه العلاقات وما يشوبها من عنف إلى اختلاف سبل كسب العيش بين المجموعات المختلفة فالسكان الذين استقر بهم المقام حول مراكز السلطة هم في الغالب الأعم مزارعون بينما القبائل التي امتهنت تربية الحيوان بقارة أم أبالة هم رعاة متجولون في رحلات سنوية من الشمال إلى الجنوب ثم إلى الشمال حيث المصايف والدمر ومن هذا الاختلاف يأتي الصراع بين المجموعتين على الأرض ومواردها الطبيعية كالمياه والمراعي.... الخ. وبمرور الزمن تبرز قضية الديار القبيلة في حيازات عرقيه وتصبح جزءاً من هوية الانتماء القبلي الوجداني وحتى يتم ترسيخ الديار والانتفاع بها مادياً في استغلال مواردها ومعنوياً من حيث الانتماء والهوية هكذا تقع الحروب الطاحنة وتفقد هذه القبائل أعداد كبيرة من رجالها وثرواتها عبر الأجيال مما يعمق روح الانتماء والمصير المشترك بين أفراد هذه القبائل وخلاصة القول في هذا الشأن أن تاريخ تكوين الديار لدى قبائل الرعاة هو تاريخ حروب وصراع دموي كما يظهر جلياً في الأدب الشعبي لتلك القبائل.
    في فترة الحكم الاستعماري – الانجليزي المصري أجريت بعض المعالجات الإدارية القبلية وتم ما يشبه الاعتراف بالديار القبلية كأمر واقع عرفي وجزء أصيل في الإدارة الأهلية وفي هذه الحقبة بالذات تحول حق الانتفاع بموارد الأرض إلى ما يشبه حقوق الملكية العامة خاصة بعد أن أوكلت إدارة هذه الديار إلى شيوخ وزعماء القبائل وأصبح لهم القول الفصل في كل ما يتعلق بإدارتها من رعي وزراعة ومياه وغابات وإنسان وحيوان. ثم جاءت الأنظمة الوطنية بعد الاستقلال ولم تغير من الأمر شيئاً وهكذا تأصلت الحقوق وأصبح الدفاع عنها بكل الوسائل واجباً مشروعاُ على كل أفراد القبيلة.
    أهم هذه المجموعات الرعوية من حيث الاتصال بجنوب السودان هي قبائل البقارة في كل من دارفور وكردفان والتي تشمل التعايشة وبني هلبة والفلاته والهبانية والرزيقات بدارفور والمسيرية والحوازمة وأولاد حميد وكنانة ورفاعه.....الخ بكردفان كما يشمل هذا الحزام قبائل رعوية أخرى جنوب النيلين الأبيض والأزرق وهذه تقع خارج نطاق معالجة هذه الورقة والتي نأمل العودة إليها لاحقاً لأهميتها المستقبلية في إطار تشكيل دولة السودان.
    من حيث الانتماء ظلت هوية العروبة والإسلام هي مدار ومحور العقيدة الذي تدور حوله معظم طقوس حياة هذه المجموعات الرعوية وهو المعيار الذي يميز علاقاتهم مع الأخر في تدافع العيش وقد شكل هذا الأمر مع جيرانهم في الجنوب غير العربي وغير المسلم في الغالب شنظرة غير متساوية وغير متسامحة في بعض الأحيان وذلك رغم الاختلاط المنفعي والتزاوج عبر الحقب الطويلة. وفي ذات الوقت فإن القبائل الجنوبية النيلية لها أعرافها وتقاليدها (الأفريقية) وهويتها الذاتية التي تعتز بها وتنظر إلى ألأخر – العربي المسلم – بمرجعيه هويتها الذاتية تلك وهذا ما أشار إليه فرنسيس دينق بصراع الهويات خاصة على المستوى المحلي القبلي بين المجموعتين.
    _OMA6143.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أمر آخر في تعقيدات وتوتر العلاقة التاريخية بين البقارة بحزام السافنا والقبائل النيلية على الأطراف الجنوبية من الحزام هو ممارسة الرق والاتجار فيه في العهود التاريخية الماضية. الذي أغرى بهذه الممارسة هو موقع البقارة الجغرافي في طريق هذه التجارة بين الشمال والجنوب وعلى التجار خاصة في العهد التركي الأول 1821 -1840م أن يؤمنوا طرق القوافل التي تمر عبر أراضيهم وهكذا فهم ولأسباب عملية ونفعيه أما وسطاء أو تجاراً كغيرهم أو متعاونين يأخذون الاتاوات العينية ولعل أحداث منزل وعلوان (رزيقات) والزبير باشا عام 1873م والتي أدت بدورها إلى حربه مع سلطنة الفور والاستيلاء عليها خير دليل على ذلك. أن عملية الرق تكن لم تك وقفاً على البقارة وحدهم بل أن القبائل النيلية والدينكا على وجه الخصوص يأخذون أسرى الحروب بينهم وبين هذه القبائل ويسترقونهم وبهذا فعلاقة العنف الناتجة عن هذه الممارسات البشعة متبادلة بين الطرفين. في مرحلة التمرد الثانية 1983م بدأ الجيش الشعبي لتحرير السودان يوسع من عملياته القتالية شمالاً لتشمل قبائل البقارة بحزام السافنا وأصبحت المجموعات القبلية هذه هدفاً قتالياً مشروعاً وتمت محاصرة بعض هذه القبائل خاصة المسيرية والرزيقات من ناحية الجنوب وتعرضت مصالحهم وبواديهم للحروب والقتال ومواشيهم للنهب بواسطة الجيش الشعبي ومليشياته المختلفة وبهذا نقل العنف شمالاً ليشمل معظم مناطق السافنا. هذا الواقع الجديد جعل هذه القبائل تفكر جدياً في التسلح وإنشاء وتدريب المليشيات القبلية بحجة الدفاع عن النفس ووافق هذا الأمر هوى السلطة المركزية وهكذا نشأت قوات المراحيل (المراحلين) بدعم من الحكومة وقوات الدفاع الشعبي أمراً واقعاً في مناصرة الجيش السوداني وحراسة القطار إلى واو وغيرها من مدن بحر الغزال. خطورة هذا التطور في أن صار القتال يأخذ طابعاً قبلياً أكثر منه صراعاً بين الدولة المركزية وحركة التمرد وهذا بعد له دلالات سلبية سنأتي على ذكرها لاحقاً.
    طبيعة هذه العلاقة العنيفة والمتوترة بين البقارة والقبائل النيلية وهم رعاة أبقار أيضاً ، ظهرت جلياً في حادثتين مشهورتين في تاريخ الحكم الوطني الحديث. الأولى كانت حادثة بابنوسة عام 1964م حيث تم الهجوم على القطار الذي كان متجهاً إلى الجنوب ويحمل أعداداً كبيرة من الدينكا والحادثة الثانية عام 1987 بمدينة الضعين حيث تم الهجوم على الدينكا الذين احتموا بعربات القطار بالسكة حديد التي أطلق عليها كل من (بلدو وعشاري) وصف مجزرة الضعين. وقد جاء في تفسير هذه الأحداث الدموية 1987م بأنها رد فعل من قبيلة الرزيقات على أحداث دامية أخرى ضحاياها من الرزيقات في منطقة (سفاهة) قامت بها مجموعة من جيش تحرير السودان انتقاما لأحداث أخرى وهكذا!!
    هاتان الواقعتان هما الدلالة الأبرز في عنف علاقة هذه القبائل في التاريخ الحديث فبابنوسه هي العاصمة الخدمية (سكه حديد) والاقتصادية ( مصنع الألبان) لقبيلة المسيريه بحكم الواقع الأهلي والعرفي والضعين هي قصبة الرزيقات وعاصمتهم الإدارية وأشهر مدنهم التجارية. على أن الحادثة الأولى وقعت أبان الحكم العسكري الأول (عبود 1958 – 1964م) وهو عهد أولى مبرراته الأمن وحفظ النظام والحادثة الثانية وقعت في عهد الديمقراطية الثالثة ( الصادق المهدي(1986 -1989م) وهذا عهد يبشر بالحرية والتراضي والمساواة وحق المواطنة. وهكذا فالعبرة من الحادثتين في ظل نظامين مختلفين جوهرياً لدلالة واضحة وجلية على ضعف الدولة الوطنية وإفلاس أدواتها ووسائلها في الأقاليم النائية عن المركز كما تدل على ان السلطات الأمنية المحلية في الأرياف خاصة وأن التنظيم القبلي العشائري لم تعد له فعالية في الضبط الاجتماعي والأمني بعد إضعافه وتفكيك مقوماته.
    أن هذه العلاقة المتوترة بين الأطراف في حزام السافنا والتي شابها العنف كثيراً توجد بها أستثناءات مشرفة سادها السلام والاستقرار وتبادل المنافع وحسن الجوار في معظم مجالات الحياة وذلك رغم تشابه الظروف المناخية والجغرافية وسبل كسب العيش. يشير هذا الاستثناء الجيد في العلاقة بين قبليتي الهبانيه والفلاته (تلس) في الجزء الجنوبي الغربي من حزام السافنا بجنوب دارفور وقبائل الكريش والبنقا والكارا وهي مجموعة قبائل غرب بحر الغزال حول راجا وكفياكينجي وبورو وكفن دبي الخ. لم يذكر أن هنالك صراعاً قبلياً بين هذه القبائل على جانبي بحر العرب في الشمال والجنوب لأكثر من قرن من الزمان رغم تباين الأعراف والعادات والتقاليد والثقافات المحلية. يشير هذا الاستثناء في العلاقات الحميدة إلى إمكانية تعايش المجتمعات القبلية حول حزام السافنا في سلام وؤئام حينما تنمو علاقات المنفعة الاقتصادية والاجتماعية وترتقي وشائج النسيج الاجتماعي بعيداً عن العصبية العرقية ولإلقاء مزيد من الضوء على تجربة هذه المنطقة ينبغي سرد إلمامه مختصرة لعكس خصوصية تاريخها السياسي والاجتماعي.
    استمرت العلاقة بين قبائل غرب بحر الغزال وقبائل البقارة بجنوب دارفور في جوار وتدافع اقتصادي وتجاري مثمر إلى أن جاء الاستعمار البريطاني المصري وقام بضم دارفور إلى السودان عام 1917م ثم بدأ في إعادة ترتيب الإدارة في إطار السودان الحالي كوحدة إدارية وسياسية. في أطار إعادة الترتيب هذه جاءت نقطة التحول الكبرى عام 1930 حين بدأت الإدارة البريطانية في تنفيذ سياسة (المراكز المقفولة) ومن ثم الفصل الإداري والثقافي بين شمال السودان وجنوبه. لتنفيذ سياسة الفصل هذه رسمت الإدارة البريطانية الحدود الإدارية بين دارفور وبحر الغزال وكعادة الاستعمار كانت حدوداً تعسفية وجائرة لم يؤخذ فيها برأي المواطنين ولم تراع الإدارة الإنجليزية الخصائص الاجتماعية والتاريخ المحلي والثقافي والمصالح المشتركة بين قبائل هذه المنطقة وكان أول ضحية لهذا العنف الإداري السياسي أن تم إحراق قرية كفياكينجي التجارية التاريخية التي كانت تمثل نقطة التقاء حيوي وتعايش بين قبائل غرب بحر الغزال وقبائل جنوب دارفور وهو التقاء وتعايش دام لأكثر من قرن من الزمان حيث أنشأت هذه القرية كسوق تجاري بين سلطنات الوداي ودار سلا بحوض بحيرة شاد وسلطنة دارفور بالسودان الشرقي وممالك غرب بحر الغزال في القرن التاسع عشر.
    _OMA6152.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    في تنفيذ سياسة الفصل الاستعماري تلك أمر مفتش غرب بحر الغزال بحرق قرية كفياكينجي وسوقها وجامعها وأجبر السكان المسلمون بالهجرة قسراً إلى الشمال نحو جنوب دارفور وبالمثل أمر غير المسلمين بالتوجه جنوباً إلى راجاً وقرى غرب بحر الغزال.
    دون إطالة في سرد تفاصيل ما جرى بعد ذلك من إجراءات تعسفية في تنفيذ هذه السياسة ومحاولة قطع الصلة والوشائج بين مجتمعات هذه المنطقة إلا أن الحدود التي خطها المستعمر ظلت وهمية ولم تؤثر في العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين مجموعة قبائل غرب بحر الغزال والبقارة بجنوب دارفور بل ظلت حادثة (الحرق) تلك يؤرخ لها جميع قبائل المنطقة (بسنة خراب كفيا) 1932م. وبحلول استقلال السودان 1956 توثقت هذه العلاقات مره أخرى بين قبائل المنطقة وظل التعايش السلمي بين المجموعات المختلفة هو أساس العلاقة. سنعود في هذه الورقة لاحقاً إلى هذه المنطقة ونرى كيف أنها يمكن أن تكون أحدى بؤر الصراع والاحتكاك إذا ما أنفصل جنوب السودان وأصبح دولة مستقلة دون المراعاة الحصيفة لاعتبارات التداخل والتعايش القبلي وروابط الجيرة الأزلية بين هذه المجموعات السكانية كما ستعالج الورقة أيضا قضية أبيي من الناحية الاجتماعية.
    حزام السافنا وحروب الوكالة:-
    (2)
    في هذا الجزء الثاني من الورقة يتبغي أن نلمح إلى بعض العوامل الطبيعية المناخية والسكانية التي طرأت على جغرافية هذه المنطقة من حزام السافنا الأفريقي وكيف أن هذه العوامل قد ضاعفت من تعقيدات العلاقة بين الكيانات الرعوية وتلك المستقرة في العقود الأخيرة من القرن الماضي (1965-1995م). تعرضت الأجزاء الشمالية من قطاع حزام السافنا إلى موجات جفاف (الساحل) الأفريقي في النصف الثاني من القرن الماضي وبوتائر متلاحقة حيث قلت الأمطار وبدأت عملية الجفاف والتصحر تلتهم مناطق شبه الصحراء حيث مجمعات رعاة الإبل والأغنام في كل من شمال دارفور وشمال كردفان وتجبرهم إلى الهجرة والنزوح جنوباً وقد جاء توصيف هذه الظاهرة عام 1982 في مؤتمر مكافحة التصحر بالفاشر بأن 45% تقريباً من أراضي شمال دارفور الصحراوية وشبه الصحراوية قد تأثرت بهذه الظاهرة بينما بلغ تأثر المناطق شبه الجافة والرطبة بنسبة 38% من الأراضي وهذه هي المناطق الشمالية والوسطى من حزام السافنا (حامد عيسى 2007م). كان من الآثار المباشرة لظاهرة الجفاف المتكررة أن هاجرت أعداد كبيرة من هذه المجتمعات بحيواناتها جنوباً على مشارف بحر العرب على امتداد حزام السافنا ارتيادا للمياه والمراعي بينما استقرت أيضا أعداد مماثلة من مزارعي شمال دارفور وشمال كردفان على طول الحزام ونتيجة لهذه الهجرات الكثيفة أن اشتدت المنافسة على الموارد الطبيعية وعلى الأرض وتواترت الصراعات بين المجموعات الوافدة وتلك التي تمتلك عرفاً الديار القبلية جنوب الحزام والأمثلة على ذلك كثيرة ومتواترة خلال العقود الماضية والحالية.
    ظاهره أخرى أيضاً ساهمت في أنهاك موارد حزام السافنا وهي تزايد السكان وتكاثر الثروة الحيوانية بأعداد هائلة في المنطقة وذلك لأسباب تحسن خدمات صحة الحيوان. جاء في كتاب السودان – الجغرافيا والتاريخ عند الفتح الإنجليزي المصري عام 1898م وفق تقديرات سلاطين باشا أن عدد رجال البقارة الذين يستطيعون حمل السلاح في كل من دارفور وكردفان لا يتجاوز 1915 فرد ويشمل ذلك كل من قبائل التعايشة والهبانيه والرزيقات وبني هلبة بدارفور والمسيريه والحوازمه والحمر والجمع بكردفان (كابتن كورت قنتسن 1898م). أما اليوم وبعد قرن كامل من هذه التقديرات فيمكن لقبيلة واحدة أن ترفد أضعاف هذا العدد من المقاتلين وأكثر وقد جاءت تقديرات تعداد سكان السودان الخامس لمحليات البقاره بجنوب دارفور وحدها والتي شملت كل من عد الفرسان والضعين وعديله وتلس ورهيد البردي وبرام وبحر العرب والسلام 4.093594 نسمة والذكور من هذا العدد 2.156500. وعلى المرء أن يتصور الزيادة السكانية الهائلة التي حدثت في هذا القطاع الحيوي في كل من كردفان ودارفور خلال العقود الماضية أما بالنسبة للثروة الحيوانية فقد قدرت الآن بجنوب دارفور وحدها وفق تقديرات وزارة الثروة الحيوانية والسمكية ب 6.641 مليون وحده حيوانيه من الأبقار والإبل والضان والماعز ويقدر عدد الأبقار ب 4.440385 رأس.
    هذا من أمر جنوب دارفور وحدها ولا شك أن الوضع بجنوب كردفان مشابه لذلك لتشابه الخصائص الجغرافية والسكانية وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم هذا الكم الهائل من الإنسان والحيوان يتدافعون في رقعه محدودة من الأرض ومواردها جنوب خط عرض 12 في بيئة تقليديه لم تمتد إليها يد التخطيط والتنمية إلا في حيز محدود في مجالي المياه والمراعي (تكنه ، عبد الغفار ، عمر، 2009م). أن عاملي الجفاف والتصحر في الشمال وما صاحبهما من تدهور في البيئة والموارد الطبيعية وما دفع إليه ذلك من هجرات كثيفة إلى المناطق الشمالية والوسطى من حزام السافنا والزيادة الهائلة في الإنسان والحيوان كل تلك أدت إلى الصراع حول الأرضي ومواردها وجعل أمر الديار القبلية كقضية جوهرية ومصيرية لكل المجموعات القبلية في أو حول الحزام.
    ألول بول إحدى نساء الدينكا في رؤيتها لأحداث الضعين 1987م تقول " أن الرزيقات قاموا بذلك الأمر حتى يقضوا على الدينكا وتخلوا لهم الأرض وتصبح مرعاً لقطعانهم ثم تأتي عوائلهم ليستقروا هنا". ( عشاري وبلدو1987م) هذه المرأة أفصحت بما يدور في رأس معظم أفراد الدينكا الذين تقع الصراعات بينهم وبين الرعاة القادمين من الشمال وهذا دليل قاطع على محورية الصراع على الأرض وما عليها من موارد بين هذه المجموعات المتجاورة والمتداخلة بحكم الجغرافيا والتاريخ وهو أمر قديم فدم هذه المجموعات. على أن الأرض (الديار) لهذه القبائل قصه تروى وهي لا تختلف كثيراً عما ظل يدور بين معظم المجموعات القبلية في السودان منذ عهود ضاربه في القدم في الشمال كما في الجنوب. أستقر الأمر في بعض المجتمعات نسبياً ولكنها ما زالت الأرض الدار عظمة صراع في بعض المناطق في الشمال والجنوب أيضاً حيث ظل التنظيم القبلي العشاري والانتماء إليه هو الذي يحكم علاقات الجماعات والأفراد ولم تخط بعد هذه المجتمعات نحو الانتماء إلى المجتمع المدني الحديث وتشكل ولاءات وانتماءات أكثر رحابة وافقاً ولذلك أسباب عدة في مقدمتها السياسات الاستعمارية في العهدين التركي والبريطاني ثم جاءت الأنظمة الوطنية من بعد وأوغلت الطبقة الحاكمة في تعميق الأمر حين إتكات على القبيلة كوحدة إدارية للكسب السياسي وأعطت الأمر شرعية التنافس والقانون وبما أن هذا الجانب خارج إطار هذه الورقة يكفي الإشارة إليه والتنبيه خاصة وأن السودان يمر بمرحلة دقيقة من مراحل بناء الدولة الوطنية الحديثة.
    مسألة الأرض الدار هذه ليست قاصرة على قبائل البقارة والقبائل النيلية بل هي ظاهرة شاملة على امتداد السودان بل والقارة الأفريقية بأكملها وقد أورد الدكتور عبد الله علي إبراهيم في دراسة ذكية لتاريخ تكوين قبيلة الكبابيش وإنشاء دارها الحالية وكيف أنها بزعامة النوراب قد خاضت " عقالات " دموية مع معظم قبائل شمال كردفان ، بني جرار وحمر وكواهله ودار حامد والمسبعات وكنجاره وفزاره حتى (بردت لهم الدار) بواسطة فرسانهم من " الحنيك إلى كجمر" وأشار إلى أن قانون " تبريد الدار" العرفي قد عمل بشكل أساسي على السيادة الخالصة على دار تاريخيه لا تحدها أحياناً إلا قوة شكيمة الجيران وقد صاغت ملابسات " تبريد الدار" الشخصية الخاصة بقبيلة الكبابيش في فروعها ومؤسسة التبع التي كونت من القبائل التي أوت إلى دار الكبابيش لتنعم بالكلأ والمأؤى والأمن مقابل رسوم معلومة ونقص في السيادة (على إبراهيم1999م). ورغم خصوصية تجربة دار الكبابيش هذه إلا أن السمات العامة لمثل هذه التكوينات الاجتماعية التاريخية والاقتصادية تنطبق على معظم قبائل البقارة بحزام السافنا والمجموعات الأخرى ذات التركيب القبلي المحلي وإذا كانت قبيلة الكبابيش في مرحلة تكوين الدار خاضت معارك " وعقالات" دمويه مع معظم القبائل التي تنتمي إلى الثقافة العربية والإسلامية يظل العامل الاقتصادي هو الدافع الأساسي في مثل هذه الحروب وليس الفوارق الثقافية والعرقية كما يظن البعض في حالة البقارة والقبائل النيلية في أو جنوب حزام السافنا وها هنا المدخل الأساسي والمنطقي لعلاج ظاهرة العنف والصراع بين المجموعات المختلفة من خلال التخطيط والتنمية الاقتصادية التي سنوردها في مؤخرة هذه الورقة بأذن اله .
    في فترات تاريخيه متباعدة وأثناء محاولات تكوين السودان كسلطة سياسية ظل المركز وفي عهود مختلفة يتحالف مع الكيانات القبلية في حروب أما بالوكالة أو بالمشاركة وهذا أمر لا بد من الوقوف عنده لأهمية تأثيره السلبي على بناء الدولة الوطنية، وحتى يتبصر أبناء السودان بمخاطر بعض السياسات المتعلقة بالتحالفات القبلية سواء في محيط حزام السافنا أو في بقعة أخرى من ارض السودان الواسعه.
    في ظل الأنظمة الاستعمارية التي توالت على السودان (الأتراك 1821- والانجليز1898) كانت التحالفات بين هؤلاء الغزاة مع بعض القبائل والكيانات الاجتماعية المحلية أمراً مشروعاً كأداة من أدوات القهر والاستعباد وفي ظل أطماع وأغراض تلك الأنظمة يظل الأمر مفهوماً إذ أن غزو الجنود (الانكشارية) كان ضم هذه الأجزاء الأفريقية إلى ممتلكات الإمبراطورية العثمانية توسيعا لها من أجل المال (الذهب) والرجال (الرقيق)! أما غزو الجيوش البريطانية بقيادة كتشنر فقد كان لنفس أغراض الهيمنة الاستعمارية وضم هذه المناطق الجغرافية الواسعة إلى ممتلكات الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
    تردد كثيراً أن الأتراك عندما دانت لهم الرقعة الجغرافية لمملكة الفونج بدأت روح التوسع على مناطق السودان الأخرى هي الدافع القوي لغزواتهم على أطراف مملكتي تقلي ومملكة الشلك وكما هو معلوم لمزيد من المال والرجال حتى أضحت هذه الغزوات أمراً استراتيجياً وسياسة معلنة ومتبعه خاصة مع المجموعات الطامحة في الثراء من فئة التجار وسكان سهول كردفان من الرعاة بل وحتى بالتحالف في بعض المراحل المتقدمة مع ملوك وأمراء كل من مملكتي الشلك وتقلي حتى فتحت أمامهم الأطراف الشمالية من جنوب السودان الحالي ( جانيت أولاد 1990م). على أن المثل الأكثر وضوحاً في تحالفات الأتراك هو ذلك الاتفاق الذي عقد بينهم وبعض فروع الكبابيش ذات الموقع الاستراتيجي في طريق تصدير الصمغ إلى مصر حيث طلبت السلطات التركية من الصوارده ودار سعيد والأحامده من فروع الكبابيش، البقاء في مواضع الصافي وأبوسبيب وأبو سنيط وجبل الحديد وألا يهبطوا مع قومهم في الصيف إلى البحر حتى يقمعوا قبائل دارفور وفيها بني جرار وأباح الأتراك لتلك الفروع الثلاثة الغنائم التي تجنبها من قتالها لقبائل دارفور شريطة أن ترسل ربطها بخزينة الحكومة التركية (على إبراهيم 1999م). وكانت قمة هذه التحالفات مع الزبير باشا رحمه والاستيلاء على دارفور 1874م. أما تحالف السلطات البريطانية مع بعض القبائل في غزو دارفور في عهد السلطان علي دينار فقد كان أمراً مرسوماً بعناية إذ أنه في هذه السنوات الأخيرة في حكم السلطان أضطربت علاقته مع معظم القبائل التي تقطن في المناطق الشرقية لمملكته مثل الرزيقات والزيادية والكبابيش فما كان من السلطات البريطانية إلا أن استغلت هذا الاضطراب والخلافات وتوظيفها بفعالية في النيل من السلطان وضم دارفور بصورة نهائية إلى السودان الإنجليزي المصري ولتنفيذ ذلك وفرت لكل من ناظري الرزيقات والكبابيش السلاح والذخيرة كما أنها لجأت للسيد على الميرغني للتوسط بينها وبين علي دينار (ثيونولد 1965م).
    علاقة المركز بالأطراف:-
    أن تكون سياسة هذه التحالفات بين السلطة المركزية وبعض العناصر المحلية ضد بعض آخر يراد له الانصياع في ظل أنظمة امبريالية استباحت فيها الإمبراطوريات التاريخية استعباد بعض الشعوب أمر يمكن فهمه في إطاره التاريخي ذاك ولكن أن يستمر نهج هذه التحالفات ولأغراض مشابهه في ظل أنظمة وطنية جاءت بعد نضال في مرحلة التحرير الوطني الذي اشرأبت له رقاب هذه الشعوب للخروج من نير الاستعباد الأجنبي أمر لم يعد مقبولا أو مبرراً لأنه يتعارض جزرياً مع بناء الدولة الوطنية الحديثة أي دولة ما بعد السلطنات القبلية الأفريقية وذلك لأن أهداف مثل هذه التحالفات مختلفة جداً ، فبينما سلطة المركز أغراضها (الهيمنة والخضوع) فالكيانات القبلية في الغالب تكون لها أجندتها الخاصة من واقع تاريخها وعلاقاتها المحلية.
    _OMA6160.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    تم الإسهاب في قضية تحالف المركز منذ بدايات التكوين الأولى مع بعض عناصر الهامش المحلية وتصدير العنف إليها لأهمية هذا الأمر في مستقبل العلاقة بين الشمال والكيان الجديد في الجنوب في حالة انفصاله وتكوين دولة مستقلة وأثر ذلك مباشرة على الكيانات الاجتماعية القبلية بحزام السافنا وبما أن هذه الورقة عنيت فقط بدارفور وكردفان فإنها لم تركز على ذلك الأثر جنوباً على المجتمعات النيلية المجاورة وذلك لفجوة في المعلومات إذ لم تمكنا الظروف من الإلمام بها وإجراء حوارات وأسعه حولها وهي فجوة تنتقص من الصورة الكلية التي كانت تطمح إليها هذه الورقة إلا أن الأمل والرجاء في مقبل الأيام بالنظر إلى الأمر من وجهة نظر الكيانات الجنوبية. في صدر هذه الورقة تمت الإشارة إلى العلاقات المتوترة بين الكيانات الاجتماعية على جانبي حزام السافنا في الشمال وفي الجنوب وأن بؤر التؤتر تمتد من جنوب دارفور غرباً إلى جنوب كردفان وما بعدها شرقاً وفي حالة انفصال الجنوب فالاحتمال الوارد أن بؤر التور بين المجموعات القبلية في كل من آبيي في كردفان وسفاهة وحفره النحاس وكيفاكينجي في جنوب دارفور قد تلتهت في شكل حروبات قبلية محدودة في البداية وبما أن مركزي السلطة في الشمال والجنوب يساند كل منهما أحد طرفي الصراع يظل شبح الحرب " بالوكالة" ماثل أمام الجميع وهو أمر خطير لكلا المركزين لأن كليهما خاسر ومجتمعات (أهل الديار) من القبائل هي الخاسر الأكبر وهذا ما أرادت أن تنبه إليه هذه الورقة لأن المحصلة النهائية هي أن تدمر الحرب مقومات الحياة كلياً لهذه المجتمعات وتشكل نزيفاً مستمراً لكلا المركزين في الشمال والجنوب وقد تتطور إلى حروب بين جيشين نظامين وما يتبع ذلك من استقطاب جهوي وإقليمي تمتد آثاره المدمرة إلى محيط المنطقة بأكملها وهي منطقة هشة التكوين السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
    يذكر المهتمون ببناء الدولة الوطنية في السودان أن العناصر البشرية بشتى تكويناتها الاجتماعية في الشمال كما في الجنوب التي عمرت قطاع السافنا لأكثر من قرنين من الزمان صارت في مرحلة الثورة المهدية كياناً تاريخياً ساهمت بفعالية في بناء اللبنات الأولى للكيان الوطني السوداني وذلك لأن هذه الثورة (1881 -1885م) أتاحت لهذه المجموعات بشتى أعراقها في كردفان ودارفور وأعالي النيل وبحر الغزال فرصه النضال من اجل التحرير الوطني من هيمنة الاستعمار الأجنبي متمثلاً في السلطة التركية الفاسدة وبذلك تجاوزت هذه المجموعات انتماءها المحلي والجهوي إلى آفاق أرحب في هوياتها الوطنية المشتركة على نطاق السودان الحالي حيث التقت هويات أهل الغرب والجنوب والشرق بهوية أهل النيل في هدف وطني رائع وهذا بالتحديد ما أشرت إليه بالكيان التاريخي. على أن هذه المجموعات في أو على جانبي حزام السافنا وبحكم تجربة النضال المشترك بينها نمت وشائج الانتماء بينها رغم الخلافات المحلية على الموارد هنا وهناك وأصبحت تشكل حلقة وصل اجتماعي واقتصادي بين الشمال والجنوب في خصوصية تجاوزت العرقية الضيقة وخير دليل على ذلك نزوح أعداد كبيرة من القبائل النيلية إلى الشمال جراء ويلات الحرب الأهلية خلال العقود المنصرفة حتى تجاوزت أعدادهم المليونين على طول مناطق شمال السودان وعرضه وذلك لإحساسهم الفطري بأن هذا جزء من وطنهم الذي ينبغي أن يأويهم رغم ويلات الحرب وأحن السياسة. وغني عن القول أن تفكيك مثل هذا الكيان التاريخي الذي تداخلت روابطه المتعددة (عرقيه) واجتماعيه واقتصاديه برسم حدود جزافية وهميه على الأرض لدليل قاطع على عقم وإفلاس النخب السياسية في الشمال كما في الجنوب وهي لا تتحسب لهول الأمر وجسامته على هذه المجتمعات الأهلية المتداخلة،!
    (3)
    في هذا الفصل الثالث والأخير من هذه الورقة يتم تناول بعض بؤر الخلاف على الأرض بين الشمال والجنوب والتي يمكن أن تندلع منها شرارة الحرب مرة أخرى وتتكرر تجربة ما بعد اتفاقيه أديس أبابا 1972 حيث بدأت الحرب الثانية 1983م وفي هذه المرة لا قدر الله إذا اندلعت الحرب للمرة الثالثة فستكون الدولة السودانية في الشمال كما في الجنوب في أسوأ حالات التمزق والوهن إذ أن أطراف السودان في معظمها في حالة احتقان ووهن وطني وضعف في التماسك القومي وهذه حالة تنذر بتفكك كل أطراف السودان ومكوناته الاجتماعية والتاريخية وهنا يجدر الذكر بأن دارفور مازالت تتأرجح بين الحرب والسلم وهي حالة قد تطول كما أن كل من جنوبي كردفان والنيل الأزرق ما زالت الرؤية مبهمة وضبابية بالنسبة لوضعها قبل أو بعد المشورة الشعبية التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل 2005م وهنا ينبغي على المرء أن يفكر ملياً ما إذا كان المشروع الوطني والعقائدي الذي قامت على ركائزه دعائم الدولة السودانية في القرن التاسع عشر قد بدأ في التآكل والتفسخ في ظل غياب مشروع وطني جديد وعصري يمكن التراضي عليه والالتفاف حوله.
    مخاطر اندلاع الحرب بكردفان:-
    إن الأضواء الكاشفة التي سلطت على مشكلة أبيي بين الدينكا والمسيريه والتي تركز حولها الصراع بين الشمال والجنوب بل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية اللذان يتحكم كل منهما في الأخر بل والاهتمام الإقليمي والدولي الذي نالته هذه المشكلة كل ذلك ألقى بظلال كثيفة حجبت الرؤية عن الكم الهائل والمعقد جداً في بقية مناطق ولاية جنوب كردفان لدرجة التجاهل والغفلة وبالرغم من أن هذه الورقة ستتناول جانباً مهماً من قضية أبيي لاحقاً إلا أنها تريد أن تلفت النظر إلى الوضع الكلي بجنوب كردفان والمخاطر المحيطة بها كبؤرة للصراع والتي يمكن أن تندلع منها الحرب وتشمل كل المنطقة المحيطة بها شمالاً وشرقاً وغرباً.
    حقيقة الأمر أن عشرين عاماً من الصراع المسلح بجنوب كردفان وجبال النوبة بالذات قد خلقت واقعاً جديداً من الجغرافية السياسية لا يمكن تجاهله في أي تناول مستقبلاً . واللافت للنظر أن قادة الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة بقيادة يوسف كوة قد توجه لأول مره وبصورة لا لبس فيها صوب جنوب السودان لرفع مظالمهم التاريخية وهو الأمر الذي لم يحدث منذ قيام سلطنتهم بتقلي في القرن الثامن عشر (1750م) وقد كانت تحد هذه السلطنة من الناحية الجنوبية مملكة الشلك ومن الشرق والشمال سلطنة الفونج ومنذ ذلك التاريخ ارتبطت السلطنة بجبال النوبة بالشمال والشرق في حالتي السلم والحرب والمبررات بل والدلائل على ذلك متواتره ولا محال لذكرها هنا ولكن بعد كل ذلك الارتباط الوثيق الذي ظل لأكثر من ثلاث قرون أن يقرر أبناء هذه المنطقة الهامة جداً في تكوين السودان الالتفات جنوباً والكفاح لنيل مطالبهم في السلطة والثروة وتحقيق مطالبهم الوطنية لأمر جدير بتدبر كل ذي بصيرة وأن الأمر يوحي بأكثر من حركة مطلبيه محدودة
    المحنا في مقدمة هذه الفقرات بأن ظروف الحروب وقسوتها التي طالت جنوب كردفان قد خلقت واقعاً جديداً في الجغرافية السياسية للمنطقة ولم تعد كما كانت عليه عند غروب شمس القرن الماضي وهي بذلك تحتاج إلى رؤية جديه وخلاقة لإعادة ترتيب أمرها في ظل كيان سياسي جديداً. ظلت كردفان وحده إدارية وسياسيه لفترة طويلة في إطار دولة السودان المركزية رغم بعض المحاولات لتغيير هذا الواقع في فترة الاستعمار البريطاني عندما اعتبرت جبال النوبة أحدى المراكز المقفولة. في العهد المايوي قسمت كردفان إلى شمال وجنوب وأخيراً في ظل النظام الحالي أصبحت ثلاث ولايات ثم مره أخرى أعيدت إلى ولايتين عام 2005م بموجب اتفاقية نيفاشا وفي كل هذه التقسيمات كانت التوازنات الديمقراطية السياسية هي المعيار الأول الذي يعلو على الجانب المهني الحرفي ومعايير التجانس الوطني وهكذا في ظل تمايز المكونات المحلية المختلفة ومحاولات الاستقطاب السياسي الصريح " بدأت تنعقد الصراعات في المستويات المختلفة ومع هشاشة الوضع يصبح من الصعوبة فهم هذه الصراعات بمعزل عن ما يدور في محيط السودان كما هو الحال في صراع دارفور منذ 2002م وهكذا الصراع بين النوبة والمسيرية بمحلية لقاوه لا يمكن فهمه بمعزل عما يدور في أبيي وشرق دارفور أو ذلك الصراع الذي يحيط بقبائل الرحل المتنقلة سنوياً كالشنابله والكواهله والمعاليه والحمر مع القبائل المستقرة من نوبة وغير نوبة (سعيد 2008م). وهكذا فالأرض ومواردها هي مركز الصراع كما هو الحال بدارفور في بداياتها الأولى على أن أمر الأرض بجبال النوبة " بدأت نذر الصراع حول مواردها عام 1960م بدخول مشاريع الزراعة الآلية بمنطقة هبيلة والأمتدادات اللأحقه مما زاد من حدة التنافس بين الأثنيات المحلية المختلفة حول موارد الأرض وقد ظل هذا الصراع خافتاً في فترة ما بعد الاستقلال الوطني ولكن هذا الصراع بدأ ينمو حتى وصل قمته في ثمانينات القرن الماضي بين القوى السياسية وتحول إلى عنف بين الأطراف المتصارعة عام 1987م (سعيد 2008م).
    لعل اللافت في هذا الصراع على الأرض ومواردها ليس محدودية الأرض بل عدم العدالة في توزيعها بواسطة السلطة المركزية دون مراعاة جدية ومنصفه للحقوق العرفية التاريخية للسكان الذين ارتبطوا بها وكأنما المركز فقد حياديته وبدأ يمالي بعض المواطنين على البعض الأخر وللأمر ذيول أخرى لا يسع المحال للاستطراد فيها كما أن غياب التخطيط الكلي لموارد الأرض وحسن استغلالها من جميع الفرقاء المتنافسين أدى إلى أزياد الصراع بصورة غير مسبوقة إذ تكفي الإشارة إلى أنه ومنذ 2007م اندلع الصراع القبلي بين دار نعيله والنوبة الغلقان وبين الحوازمة دار حامد والنوبة كيقا حانفرو وبين المسيرية والنوبة أم حيطان وبين عرب ألرواؤقه والنوبة وبين كنانة والحوازمة والكواهله من جانب والحوازمة أصحاب الأرض من جانب آخر (مجموعة الأزمات الدولية أكتوبر 2008م). يدور كل هذا الصراع المسلح في ظل أنظمة إداريه حكومية هشة وإدارات أهلية ضعيفة خاصة بعد سياسية تفتيت أدارات المسيرية والنوبة والقبائل المحلية الأخرى وكل هذه المكونات قد أنهكتها عوامل الحرب السياسية وشلت قدرتها وهذا الصراع لا يمكن فهمه أو عزلة بما يدور من خلاف داوي بين المسيرية وقيادات المؤتمر الوطني من جانب ودينكا نوك وقيادات الحركة الشعبية من جانب آخر مما يلقى بظلاله على كل السودان في الشمال كما في الجنوب أن ما ظل يدور من استقطاب على الأرض وتبديل الولاءات وتنجاذب المواقف بين مكونات المنطقة الاجتماعية لهو أكثر وأعمق مما أشرنا إليه والمنطقة تعج باحتمالات الحرب بعد اتفاقية نيفاشا 2005م إذ أن قطاع النوبة من الحركة الشعبية ويقدر عددهم ما بين 13000و15000 مقاتل أصيبوا بخيبة أمل في الاتفاقية التي لم تحقق لهم طموحهم الذي حملوا السلاح من أجله وقاوموا الدمج والتسريح كما أن حركة مقاومة جبال النوبة الجديدة التي أعلنت عن نفسها في الحدود بين دارفور وكردفان في 16 فبراير 2008م باسم الحركة المركزية للتحرير- منطقة جبال النوبة بقيادة جمعه الوكيل العضو السابق للحركة الشعبية تطالب بالحكم الذاتي وتعمل بالتنسيق مع الحركة الشعبية وحركات دارفور (مجموعة الأزمات الدولية أكتوبر 2008م). كما أن تلفون كوكو الجنرال السابق في الحركة الشعبية ظل نقده المرير لاتفاقية السلام الشامل ومعارضته لها محط نظر وسمع الجميع أما البلولة حامد عبد الباقي الذي أنشق عن الدفاع الشعبي لقبيلة الحوازمة وبدأ في التجنيد من حوازمة امبرمبيطه فقد التحق بقوات الحركة الشعبية ثم خرج منها وظل ينشط في عام 2008 وقد سمى حركته SPLM الثانية أما المسيرية فهم بدورهم أو على الأقل مجموعات كبيره منهم غير راضية بما جاءت به اتفاقية السلام التي انتزعت منهم ابيي وهم يرونها جزءاً عزيزاً من ديارهم التاريخية كما أن قرار إلغاء ولاية غرب كردفان وهم يشكلون أغلبية بها ثم ضمها إلى جبال النوبة بجنوب كردفان قد ضاعف من إحساسهم بالحرمان من منافع سياسيه وخدمية مقدره وفي ظل الاستقطاب السياسي الحاد بين شركاء اتفاقية السلام من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني فقد قرر 14.000 من أبناء المسيرية من مجموعة الدفاع الشعبي بمنطقة الدبب ومنهم بعض القيادات القبلية الانضمام إلى جيش الحركة الشعبية وقد قام المؤتمر الوطني بإعادة ترتيب الأمر في 2008م ومع ذلك تظل حركة "شمم" وتنظيم شباب المسيرية أقرب إلى حمل السلاح ضمن المجموعات المحلية الأخرى. فحركة شمم تم تكوينها مباشرة بعد إلغاء ولأية غرب كردفان عام 2005م وفق بنود اتفاقية السلام وقد تم الإعلان رسمياً عنها في مايو 2006م وقررت أن منطقة عملياتها هي دار المسيريه بما فيها منطقة أبيي وقد نفذت إضرابا مدنياً بمدينة الفوله في ديسمبر 2006م احتجاجا على الإهمال الذي أحاق بمنطقة المسيرية كما ترى ولكنها قطعا ليست حركة مدنية فقط وهي تعلن منطقة عمليات بدار المسيرية. أما حركة شباب المسيرية فهي تنظيم تجاوز التقاطعات الحزبية خاصة المؤتمر الوطني وحزب الأمة وقد عقد مؤتمرها العام والذي ضم بعض أعضاء من حركة شمم في مايو 2006م وأنشأت هياكلها التنظيمية وأرتبط برنامجها بقضايا المنطقة من تنمية وخدمات ووجدت لنفسها شرعية من المجتمع المحلي مكنها من تجاوز الأطر القديمة التي أنهكتها الأحداث خلال العقدين الماضيين.
    وهكذا تبدو الصورة المضطربة سياسيا وامنيا بولاية جنوب كردفان وارتباط كل ذلك بسياسات تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل 2005م وهكذا تبدو أيضا مشكلة ابيي كمشكلة جزئية محدودة رغم أهميتها في إطارها الكلي الأوسع الذي يعج بالاضطرابات والتمزق في شمال كردفان وجنوب النيلين الأزرق والأبيض أي السودان بكل مكوناته التاريخية شمالا وجنوبا وصدق من رأى أن الجغرافية تملي التاريخ البشري في كثير من الأحداث.
    _OMA6235.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    وقفه أخيره في هذا الجانب من جنوب كردفان ينبغي أن تكون عن مشكلة أبيي فهي بلا شك بالرغم من أهمية النظر إليها في محيطها الكلي إلا أنها ستظل البؤرة التي يمكن أن تتفجر منها شرارة الحرب القادمه لتعم بعد ذلك وتدخل السودان بأسره في حرب ثالثه جديدة وهي وقفه للتأمل وليست سرداً لتاريخ جوانب الصراع. يجدر القول أن مشكلة أبيي وتدهور العلاقات بين المسيرية والدينكا نوك هو غياب الحكمة الأهلية التي قام عليها التحالف والتعايش السلمي بين القبليتين عند غياب دور الآباء المؤسسين لهذه العلاقة المتفردة وذلك حين آلت الأمور إلى النخب السياسية الحديثة التي لم يكن في مقدورها مراعاة تلك الحكمة وهي نتاج تراكم التجارب الاجتماعية المحلية عبر الحقب والأجيال لتنير بصيرة تلك المجتمعات التي ظللنا نطلق عليها نعت التقليدية وهذه الحكمة والبصيرة النافذة هي التي أهلت الآباء المؤسسين من الدينكا والمسيرية لإقامة ذلك الحلف والتعايش الذي استمر في وئام لأكثر من قرن من الزمان.
    ربطت العلاقة الحميمة بين الدينكا نوك والمسيرية في ظروف اضطراب سياسي واجتماعي شديدة الصعوبة والتعقيد هي أقرب إلى مناخ الصراع والاقتتال الذي يعيشونه في العهود الأخيرة وكان ذلك في السنوات الأخيرة للحكم التركي بالسودان حين تفسخ أخلاقياً وأصبحت الإغارة على المجتمعات الريفية والاتجار بالبشر هو مبرره الأساسي للحكم وجند إعدادا هائلة من كل أصقاع الدنيا لأداء هذه المهمة بالقوة المجردة والعسف المباشر. في مثل هذه الظروف القاسية لجأ زعيم الدينكا أروب للمسيرية لحماية أهله وعشيرته وبدافع الجيرة والمصالح المشتركة تم الاتفاق وتوحدت الجهود في مواجهة (الغريب) وتمت حماية الدينكا نوك من ذلك الخطر الداهم الذي أحاط بمناطق واسعة من بحر الغزال وما جاورها (دينق 1973م). ما كان لتلك الظروف البائسة أن تستمر كثيرا حتى تدافع السودانيون في ثورة عارمة بقيادة الأمام المهدي 1881م لتقتلع ذلك النظام الفاسد وتأتي بأخر تطهري وفق رؤية جديدة وإزاء هذا الحدث انقسم مجتمع المسرية فبينما أنخرط الشيخ علي الجلة من فرع أولاد كامل في صفوف الثورة رأى فرع الكلابنه أن يلجأ لديار الدينكا نوك طلباً للحماية وقد وفر لهم زعيم الدينكا أروب ينونج وأفراد قبيلته ذلك ( هـ جونسون 2008م ) وهنا يبرز بوضوح دور القيادة للآباء المؤسسين الذي أشرت إليه سابقاً.
    شي آخر لافت للنظر في هذه العلاقة المتداخلة بين الدينكا والمسيرية وهو تطويع الواقع المحلي والعرف الأهلي وتسخيرهما للعيش معاً وهذا واضح وجلي جداً في ديات القتلى بين الطرفين في مؤتمرات الصلح بين الطرفين وفي إفادة ناظر المسيرية بابو نمر وكيف أن المسيرية قبلوا بمساواة المرأة بالرجل في دية أحدى قتيلات الدينكا. يقول الناظر بابو نمربلغة البقارة: قلنا ليهم (أي للدينكا) " خلاص نديكم الدية ، الدية بيننا خمسة وثلاثين بقرة. قالوا صاح لكن إذا دايرين رضانا الدية بينا وبين الرزيقات خمسين بقرة. تدونا الخمسين. قلنا ليهم كويس. نحن مادام خطينا عليكم وانتم أهلنا وما عملتوا لينا حاجة بطاله ونحن ديل خطينا عليكم مشينا كتلنا عيالكم ديل ما هم عيالنا. نحن حسع بنعطيكم إلا البقر والعيال ماتو الخمسين بقرة نديكم ليها. خلاص صفقوا وانبسطوا وقالوا الماتوا فيهم بنت. ا لبنت دي كانت مخطوبة وأبوها حل الحبال كلهم المفتلهم قاعدات وسايقين فيها مائه بقرة. وناسكم قتلوها. البنت دايرين فيها مائه بقرة. أقول ليهم الدية عندنا نحن (المسيرية) المرأة نص الراجل. لكن بنتكم أم مائة دي أنا بسويها راجل يديكم خمسين ذي دية الراجل. وانتم ناس الحكومة لمن تروحوا هناك تكلموا فاطمة أحمد إبراهيم وتقولوا ليها المسيرية هناك ساووا المرأة والرجل! خلاص تراضينا ودفعنا ليهم الدية" (دينق 2001م) وهكذا فالتراضي يأتي بالتسامح والتنازل وتجاوز الأخطاء وإلا لما كان لهذه المجتمعات المتباينة ثقافياً وعرقياً أن تعيش معاً في سلام وتآخي.
    الآن وقد جاءت كلمة التحكيم من لاهاي بعد أن عجز الفرقاء في السودان من الوصول إلى كلمة سواء في حل المشكلة بالتراضي يعتبر هذا التحكيم مرحلة أخرى في تعقيد الأمر إذ أنه بالرغم من مراعاة الحل الوسط بقدر الإمكان إلا أنه لم يرض كل الأطراف ويبدو أن اكتشاف البترول بالمنطقة قد أصبح أحدى جوانب (عظمة) الصراع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بينما الدينكا والمسيرية أصبحت قضية الديار هي التي تغض مضاجعهم خاصة وهي لها جوانب نفسيه عميقة تتعلق بهوية الانتماء لكل من أفراد القبيلتين ولسان حال منها يقول:
    ديار من فوادي كنت فيها
    وكان أبي وبنو لساني.
    والحال هكذا لا بد من العودة إلى الحكمة القديمة التي تعلى التسامح والتراضي والوصول إلى حلول بين القبليتين وفق العرف والتقاليد المرعية بينهما بدلاً من اختطاف القضية من قبل النخب السياسية وهي لا ترتبط معيشياً بتلك الديار ولعل المرء يجزم بأن هنالك أفكاراً خلاقه يتم تتبادلها الآن بين أفراد القبليتين لو أفسح لها المجال دون مزايدات سياسية لتجاوز الإنسان المحلي هذه المشكلة ووفر لنفسه ظروفاً ومناخاً للعيش معاً بعيدا عن المكايدات.
    خلاصة القول في هذا الجانب من الورقة هي أن ولأية جنوب كردفان تعيش وضعاً متوتراً ومعقداً نتيجة حرب استمرت لعقدين من الزمان أصابت بصورة أو أخرى حياة إنسان المنطقة المقيم والراحل كما أن سياسات الفرقاء في الشمال كما في الجنوب أعملت سكاكين الاستقطاب السياسي والعرقي دون مراعاة لاعتبارات البناء الوطني القومي مما حول واقع المنطقة كلها إلى بؤرة احتقان يمكن أن تبدأ منها شرارة الحرب الثالثة بين شمال جديد وجنوب جديد وهي حرب لا قدر الله أن صارت ستكون تداعياتها هائلة على كل السودان إذ أن منطق الحرب لا يقبل النظر إلى جنوب كردفان بما فيها أبيي كوحدة إدارية قائمة بذاتها معزولة عن محيطها الجغرافي والإنساني خاصة وإلى الشرق منها منطقة جنوب النيل الأزرق تعيش ظروفاً مضطربة بعد الحرب وإلى غربها دارفور وهي ميدان لحروب لأحبه لما يقرب على عقد من الزمان.
    حالة جنوب دارفور:-
    الجغرافية السكانية والاقتصادية والسياسية بجنوب دارفور لا تختلف كثيراً عن تلك بكردفان وحتى في التاريخ السياسي فهناك تشابه كبير خاصة إذا نظر المرء إلى كل من سلطنتي الفور كيرا بجبل مره في مراحلها الأولى وتقلي وجبال النوبة ثم العناصر المحلية كمكون أساسي في مؤسسات ودواوين السلطة والإسلام كمشروعيه للحكم. على أن جنوب دارفور على وجه التحديد تقع في الأطراف الجنوبية والجنوبية الشرقية من سلطنة الفور وهي بذلك تقع في الأطراف الهامشية للسلطة المركزية مما وفر لها بعض الاستقلال الذاتي في أعرافها وتقاليدها والاتجاه نحو محيطها الجنوبي متى ساءت علاقاتها مع سلطة الشمال. كما أن أخذ هذه القبائل بمهنة الرعي وتربية الماشية جعلها أكثر ارتباطا بالجنوب كمصدر أساسي لحياتها وحياة ماشيتها في فصل الصيف من كل عام ومن خلال قرون من التدافع والاختلاط تأقلمت هذه القبائل (الرزيقات والهبانية والفلاته) بمحيطها الشمالي والجنوبي وفق أنماط سلوكية وأخلاقية جعلت العيش معاً ممكناً رغم بعض الصراعات من حين لآخر وغالباً ما يتم التغلب عليها عن طريق العرف والتقاليد المرعية بين الأطراف.
    الوضع بدار الرزيقات:-
    في حالة انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة هناك أكثر من منطقة بجنوب دارفور يمكن أن يطلق عليها مناطق احتكاك بين الشمال والجنوب وأكثرها احتمالاً هي تلك التي تقع قبالة داري الرزيقات والهبانية وهذا ما تواترته الأحداث في السنوات الأخير ففي عام2008 وقعت أحداث قبليه دامية بين الرزيقات والهبانية حول الأرض والمياه والمراعي أي الموارد وهي أحداث أعقبت ما يقارب القرن من الجيرة والتعايش السلمي بين القبليتين إذ ورد في مذكرة مساعد مفتش غرب البقارة (1927 م) أن آخر صراع دموي بين القبليتين وقع سنة 1912 ولم يعقبه بعد ذلك أي صراع يذكر عدا الحوادث الطفيفة التي تقع عادة بين الأفراد ومثل هذا التطور السلبي في العلاقات القبلية المتجاورة ينبغي أن ينظر إليه بشيء من التأمل والتفكير الجاد كما أنه لم تمضي فترة طويلة حتى وقع صراع آخر بين الرزيقات وجيرانهم من المسيرية بغرب كردفان في مناطق حدودية بين الطرفين يفترض أنها مناطق رعي مشترك وهو لا يعدو أن يكون تكراراً لذلك الصراع الذي وقع عام 1982م في مناطق الطرور وهو صراع أيضا حول الأرض ومواردها ويصر الطرفان على السلطة المركزية بترسيم الحدود بينهما أي الحدود بين دارفور وكردفان وهكذا يتحول أمر الحدود من شأن سيادي مركزي وولائي إلى مسألة قبلية محض مما يدل على تراجع وتحلل الدولة إلى مكوناتها الأولية. يتم هذا الصراع الدموي بين القبليتين الجارتين والجميع يعرف جيداً الروابط المشتركة بينهما خاصة في ظل احتمال إعادة تشكيل الدولة السودانية. على أن أخطر الصراعات الدموية بدار الرزيقات تلك التي وقعت في منطقة (بلبله) جنوب بحر العرب بين الرزيقات وقوات الجيش الشعبي لجنوب السودان وسبب ذلك أيضا الصراع على الأرض إذ يرى الرزيقات أن الجيش الشعبي أقام معسكراً في بلبله وهي ضمن ديار الرزيقات جنوب بحر العرب بدلاً من تمساحه ببحر الغزال (عليو الخرطوم 31 مايو 2010) والصراع بين الرزيقات والدينكا ملوال يعود إلى عشرينات القرن الماضي في فترة الاستعمار البريطاني وقد تم احتواء الخلاف هذا عن طريق التفاوض وتم الاتفاق على حقوق ديار الرزيقات العرفية على مساحة ستة عشر ميلاً جنوب بحر العرب وتم توثيق ذلك في اتفاقية بواسطة السلطات القائمة حينها وسارت الأمور على ذلك المنوال بإعتراف الطرفين (جريفندي1982). ولكن أبقار قبيلة الرزيقات ونشاطهم التجاري يتجاوز هذه الحدود جنوباً في مساحات تمتد لأكثر من خمسين ميلاً في مناطق مراعي (البرويه) في قلب بحر الغزال (عليو 2010).
    يتم ذلك في إطار المصالح التجارية المشتركة في أسواق تمساحه ومنيل وكلمه ونامليل ومريال باي ... الخ وفي ظل حقوق وأعراف الدولة الموحدة وهو الأمر الذي يمكن أن يطرأ عليه التغيير جذرياً أو قد يأخذ طابعاً جديداً إذا ما قامت دولة بجنوب السودان ومارست حقها ضمن حدود سيادتها على الأرض! على أن خطورة هذا الصراع الأخير لم يكن بين قبيلتي الزريقات والدينكا ملوال كما يتبادر إلى الذهن في شأن الصراعات القبلية التقليدية بل هو صراع أدوات جديدة تمتد إلى القبليتين بصفة التمثيل الرمزي أن أردت، فالصراع كان بين وحدات عسكرية من حرس الحدود بجنوب دارفور (عرمان مايو 2010م) ووحدات الجيش الشعبي وهذا أمر لافت لأنه ينقل الصراع التقليدي بين الرزيقات والدينكا جنوب بحر العرب إلى مرحلة جديدة مختلفة الوسائل والغايات ويشير إلى ما ألمحت إليه الورقة سابقاً بحروب الوكالة وهذه المنطقة التي يدور حولها الصراع قبالة الرزيقات من بحر العرب تتكامل طبيعياً وجغرافيا مع منطقة أبيي قبالة المسيرية بجنوب كردفان وهذا أمر له دلالته في الجغرافيا السياسية.
    بجانب قضية الأرض ومواردها ينبغي الإشارة إلى عوامل حيوية أخرى دفعت قبيلة الرزيقات دفعاً إلى الصراع مع كل من جيرانها الهبانية في الغرب والمسيرية في الشرق والجيش الشعبي ببحر الغزال إلى الجنوب وهي عوامل مرتبطة بالتحولات العميقة التي شهدها مجتمع الرزيقات خلال العقود الفائتة من القرن الماضي وهي تحولات مرتبطة بعوامل طبيعيه وهي تلك المتعلقة بتدهور بيئة الموارد الطبيعية جراء موجات الجفاف المتتالية وما أحدثته من هجرات الإنسان والحيوان من المناطق الأكثر تأثراً بشمال الإقليم إلى جنوب دارفور وقد كانت دار الرزيقات هدفاً لتلك الهجرات من معظم القبائل خاصة من بعض فروع أبناء عمومتهم الرزيقات الشمالية ونتيجة لهذه العوامل الطبيعية وتمدد النشاط الزراعي في المناطق الشمالية والوسطى من ديار القبيلة فقد تدهورت المراعي بصورة هائلة بكل من المخارف في الوسط والشمال والمصايف الجنوبية للماشية مع انتشار الحرائق بوتائر مدمره وضاقت المراحيل والمسارات التي شمل أجزاء كبيرة منها النشاط الزراعي الاستثماري (جقر 2009م) مما أضطر الرعاة إلى التوغل جنوباً بمواشيهم بولاية شمال بحر الغزال.
    أما الآثار الاقتصادية العميقة التي أدت إلى تحولات في بنيه وتركيبه المجتمع القبلي التقليدي فترجع إلي ستينات القرن الماضي حين وصل خط سكه حديد السودان إلى كل من الضعين ونيالا عام 1960م وربط مدينة الضعين حاضرة الرزيقات بكل من الخرطوم ونيالا مما كان له بالغ الأثر في اقتصاد هذه المنطقة إذ يقدر الآن عدد الشاحنات التي تمر عن طريق ميناء الضعين البري في طريقها إلى نيالا ومدن جنوب دارفور بأكثر من 1.200 شاحنة شهرياً ويصل بعض هذه السلع غرباً حتى جمهوريتي تشاد وأفريقيا الوسطى والاتجار بها كما تصل هذه السلع جنوباً إلى أسواق كل من شمال وغرب بحر الغزال ويقدر سوق هذا المجال التجاري الحيوي بكل من جنوب وغرب درافور بأكثر من 3.5 مليون نسمة وفق تعداد السكان سنة 2008 وهي كتله بشريه هائلة. مع وصول سكه حديد لكل من الضعين ونيالا ثم ربط هذه المنطقة بالاقتصاد القومي بأمدرمان والخرطوم شهد كل من قطاعي التجارة والزراعة تطورا ونقلة كبيرة مما أدى في نهاية الأمر إلى تكوين طبقة من الرأسمالية المحلية في العقود الأخيرة من القرن الماضي. تتكون هذه الطبقة في معظمها من بواكير خريجي المدارس الحديثة لكل من الضعين وأبو مطارق أبو كارنكا والفردوس وعسلاية وقد أزداد نفوذ هذه المجموعة في السنوات الأخيرة حيث بدأت في ارتياد بعض الاستثمارات الحديثة خارج النطاق التقليدي ويوجد مثلاً حوالي 70بئراً جوفياً (دونكي) تجاريا في دار الرزيقات وحدها (عليو 2010م), وكان لهذه الطبقة الحديثة ولتأمين مكاسبها أن تمدد هذا النفوذ إلى المجال السياسي والارتباط بالسلطة القائمة محلياً ولآئياً وقومياً وبذلك أصبح لها دور بارز في توجيه الرأي العام المحلي داخل وخارج الأطر القبلية التقليدية. وبالرغم من أن قضية النفوذ القبلي لم تحسم كلياً لمصلحة هذه المجموعة إلا أن الحرب والسلام في المنطقة في حالة انفصال الجنوب سيتوقف على هذه المجموعة وهي في الغالب أميل إلى الاستقرار والسلام للحفاظ على كسبها المالي والسياسي. على إن لقبيلة الرزيقات مجموعة أخرى ذات خطر في الظروف الحالية المحيطة بالوضع الكلي بين الشمال والجنوب وهي مجموعة الدفاع الشعبي وحرس الحدود العسكريتين من أبناء القبيلة وهي تمتلك قوة مقدرة بجنوب دارفور يحسب لها الحساب في الصراعات المحلية. كل هذه المجموعات القبلية بدار الرزيقات، التقليدية بالبادية، والرأسمالية الحديثة والعسكرية قد تدفع دفعا إلى الحرب في حالة تأزم الأوضاع أو قرر حلفاء السلطة ذلك وهو أمر وارد الحدوث في ظل الاضطرابات الناجمة عن انفصال جنوب السودان.
    التهجير القسري لسكان كفياكينجي وحفرة النحاس:-
    في هذا الجزء الأخير من الورقة ينبغي النظر إلى وضع هذه المنطقة التي ظلت في شد وجذب بين دارفور وجنوب السودان منذ دخول الاستعمار ووضع يده عليها في بدايات القرن الماضي بالرغم من أنها تاريخياً ضمن حدود سلطنة الفور الجنوبية خاصة حفرة النحاس وقد أشارت هذه الدراسة في صدرها إلى دور سياسة المناطق المقفولة بهذه المنطقة وهي مسألة لابد من الوقوف عندها حتى تكتمل الصورة في ذهن القاري.
    في يناير 1930م وبطلب من الحاكم العام أرسل هارولد مامايكل السكرتير الإداري حينها منشوراً إلى مديري المديريات الجنوبية ومديري الإدارات يوضح السياسة الرسمية لحكومة السودان والتي استمرت حتى عام 1947م ويقرأ المنشور كالأتي:-
    إن غرض الحكومة هو بقدر الإمكان تشجيع التجار المسحيين الاغاريق والسوريين بدلاً عن الجلابة العرب المسلمين من شمال السودان. الأوزونات لهذه المجموعة الأخيرة يجب أن تقلل الجلابة على المدن والطرق القائمة وهو أمر مهم. (عبد الرحيم 1966م) . لتنفيذ هذه السياسة الجائرة بحزم قام مفتش مركز راجا بغرب بحر الغزال بإنذار الاغاريق وبقية التجار بأنه قد لاحظ رغم كل الرجاءات بأن هناك مازال كمية كبيرة من الملابس العربية تصنع وتباع ويحذرهم بأن ذلك ممنوع قطعا في المستقبل وأن الملابس ينبغي أن تكون على الموضة الأوربية وإلا تشبه بحال من الأحوال تلك التي يلبسها عرب البقارة بدارفور وكذلك يمنع لبس الطاقية والعمامة وكل الملابس التي يرتديها العرب. ( على أن يعمم هذا الأمر على كل العملاء خارج راجا وعلى أصحاب ماكنات الخياطة ( عبد الرحيم 1966م).
    هذه السياسة الاستعمارية الجائرة واجهت صعوبات في التنفيذ حملتها إلى الجور والعسف حتى وصلت إلى درجة الترحيل القسري والفرز العرقي الذي يرقى إلى درجة التطهير. عند مناقشة هذه الصعوبات أمر السكرتير الإداري بتنفيذها بكل الوسائل بما فيها تلك التي قام بها كل من تيمور لنك وجينكيز خان في غزواتهم التاريخية كما ورد في كتاب تاريخ وقائع بحر الغزال ودارفور 1983م. في مارس 1930م كتب مستر بروك مفتش غرب بحر الغزال إلى السكرتير الإداري يشكو صعوبات الوضع بمركز راجا قائلاً: المشكلة الآنية التي تواجهنا هي كيف يمكن لنا أن نزيل تأثير الشمال الذي بدأ في الانتشار والزيادة منذ احتلال دارفور. بدون الحد من هذا التأثير الشمالي من المستحيل تطبيق سياسات جنوب السودان وسيظل مركز راجا حجر عثره في تطبيق هذه السياسة. إن الفلاته يجب أن يحركوا إلى دارفور والتجار خلال العام عليهم بالرحيل والعرب من دارفور يجب أن يحظروا من دخول المركز والأفارقة يجب أن يعاد توطينهم جنوب راجا وكفياكينجي يجب أن تهجر تماماً أما قبائل البندلا فهم المشكلة الحقيقية لسياسية الجنوب (وقائع بحر الغزال ودارفور 1983م). ليخطوا الرجل خطوة عملية في تنفيذ سياسة الفرز العرقي هذه أقام منطقة خالية وعازلة بين غرب بحر الغزال ودارفور.
    _OMA6178.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    مقاومة المواطنين للفصل والتهجير:-
    تتكون المجموعة السكانية لهذه المنطقة من عدة قبائل يطلق عليها مجتمعه اسم الفراتيت وتشمل كل من البنقا والكارا والكريش والفراوقي واليولو والبندله ويشارك هذه القبائل مجموعة أخرى عرفت في المكاتبات البريطانية باسم مجموعة أولاد العرب وتشمل الفلاته والهوارة والبرنو والبرقو والشعايره وهؤلاء نزحوا إلى المنطقة في القرن التاسع عشر عندما اصبحت مدينة كفياكينجي مركزاً تجاريا هاما يربط بين تجارة ممالك بحيرة شاد في الوداي ودار سلا والباقرمي وممالك الفور وتقلي وسنار. أما قبائل الفرتيت فهي تمتد على مساحة واسعه تشمل مناطق متعددة تمتد من الجنوب الغربي لجبل مرة ومناطق سلطنة الباقرمي (السلطان السنوسي الذي نصبه رابح 1890م) في الحدود الشرقيه لأفريقيا الوسطى الحالية والتي تختلط فيها كل من عناصر البرنو والرونقا والتعايشة والسلامات والفلاته وهي كغيرها من الممالك السودانية قامت على عنصري الإسلام والثقافة العرفية المحلية. هذا وقد شملت غزوات السلطان السنوسي كل من البنده والكريش واليولو والبنقا والكارا والقالوا والسارا وكان لهذه الغزوات وما شهدته المنطقة من اضطراب أن هاجرت أعداد كبيرة من الفراتيت إلى ديارها الحالية حول جبلي أيري وتمبيري وراجا وكفيناكيجي الحالية كما أن هناك هجرات واسعة شهدتها هذه القبائل في الفترة التي توسعت فيها مملكة الفور جنوباً خاصة قبائل البنقا والفراوقي والبندا والشات واستقرت بديارها الحالية قبل مجيء الاستعمار البريطاني إلى دارفور. لهذا الأمر فإن هذه القبائل لم تقر مطلقا بأنها جزء من نسيج قبائل جنوب السودان بل ظلت تنظر إلى أصولها غرباً وشمالاً وهي لهذا الإحساس القوي بالانتماء عملت على مقاومة السياسية البريطانية ورفضت أن تكون جزءاً من( الكنتونات) القبلية في الجنوب. في مقاومة سياسة التهجير القسري طلب من بعض قبيلة الكارا (225 شخص) وبعض أفراد قبيلة البنقا (274 شخص) أن يتحولوا من شمال وغرب كفياكينجي وينضموا إلى سكان راجا كجزءاً من قبائل الجنوب ولكنهم تحدوا هذا الأمر عام 1930 وذهبوا إلى جنوب دارفور بدلاً عن مركز راجا كما أن 1800 فرد من قبيلة البندلا توجهوا إلى الشمال وقبل بهم مفتش البقاره بجنوب دارفور في ابريل 1930 كما وافق بتوطين مجموعة الفلاته وأولاد العرب في منطقة بحر العرب شرق جبل تنقو أما قبيلتي الكارا والبنقا فقد تعاطفت معهم مجموعاتهم الفبلية بامدرمان وتسببت احتجاجات هؤلاء في حرج كبير للسكرتير الإداري بالخرطوم (وقائع تاريخ بحر الغزال ودارفور 1983م).
    في أبريل 1931م تم حرق مدينة كفياكينجي بما في ذلك الجامع الكبير والسوق ومنازل المواطنين وجراء هذه السياسة اضطربت الأوضاع المعيشية وشهدت المنطقة مجاعة حادة راح ضحيتها المئات من المواطنين ورغم ذلك ازدادت ضراوة المقاومة وتم فصل سلطان الفراوقي المسلم عيسى فرتاك ونفي إلى الفاشر عام 1931م بسبب أرائه السياسة المناهضة لتلك السياسة وتوالت هجرات هذه القبائل شمالا إلى منطقة الردوم الحالية حول مدن الفيفي وكقل والمرايه والمرارايه والحجيرات وظلت مشكلة هذه القبائل ومقاومتها تغض من مضاجع رجال الإدارة البريطانية في كل من دارفور وبحر الغزال.
    مثل هذه السياسات الجائرة التي لا تعير أدني اهتمام إلى حقوق المواطن ورغباته في الإنتماء وتحقيق ذاته وهويته يمكن فهمها في ظل سياسة الإمبراطوريات الاستعمارية في القرون الماضية بزعم نشر حضارة ومدنية الرجل الأبيض بين إنسان القارة السوداء المتخلف ولكن أن يعود ما يشبه مثل هذه السياسات في ظل أنظمة الدولة الوطنية لمجرد قرار أرتاته النخب السياسية الحاكمة في كل من الخرطوم وجوبا دون أدنى اعتبار لرأي المواطن المعني بالامر مباشرة فهذا أمر يصعب فهمه في ظل الفكر السياسي الحديث، فكر ما بعد البرسترويكا والقلاسنوست وحقوق الإنسان وهذا ما ينبغي أن يحسب له الحساب في ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب في هذه المنطقة الحيوية من السودان. تجدر الإشارة هنا إلى أن مرجعية حدود 1956 تفقد حكمتها تماما في هذه الحالة كما هو الأمر في منطقة ابيي والصراع بين الدينكا والمسيرية وبين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. في جنوب دارفور ومحاولة الفرز بين مجتمعات متداخلة اقتصاديا واجتماعيا لأكثر من قرن بحدود وهمية خطها اساساً الحاكم الأجنبي لخدمة أعراضه الاستعماريه غير الوطنية لا شك أمر يدعو إلى الفتنة القديمة لهذا المجتمع وبما أنه ليس من أغراض هذه الورقة الخوض في تفاصيل المنطقة وتبعيتها للشمال أو الجنوب لكنها إجمالا تمثل من أهم المجلات الحيوية لإقليم دارفور بولاياته الثلاثة وقد ظهر ذلك جليا في سنوات الجفاف والمحل والمجاعات التي توالت على دارفور بعد 1982 والأعوام التالية هذا بجانب الحقوق التاريخية لدارفور في حفرة النحاس ومراعي كل من قبليتي الهبانية والفلاته التي تمتد جنوبا وعلى الجنوب الغربي إلى سلسلة جبال أيري وتمبيري على مشارف حدود السودان مع جمهورية أفريقيا الوسطي حيث يتدفق كل من نهري أدا وأم بلاشا يشكلان مع نهر قريشو ا المنابع الرئيسية لبحر العرب تجاه كل من دار الهبانية ودار الرزيقات( أنظر الخريطة 2). ويبقى مع كل ذلك رأي وقرار المواطن الذي عاش في هذه المنطقة مئات السنين وارتبطت بها تاريخياً ووجدانياً هو العامل المهم والحاسم في الحاضر والمستقبل.
    لا شك أن معالجة مشكلة هذه المنطقة بمعزل عن ما يدور في بقية أجزاء دارفور من حرب واضطراب أمر يجافي منطق الأشياء وهي من هذه الناحية تشكل بؤرة صراع في المستقبل القريب قد ينتقل إليها من بقية أجزاء الإقليم خاصة وأن الموقع لهذه المنطقة وانقطاعها لأكثر من خمسة أشهر خلال فصل الأمطار مع ضعف البنيات الأساسية ومؤسسات الدولة كل ذلك يغري بامتداد ألسنة الحرب إليها متى أصبحت عظمة صراع بين الشمال والجنوب وبهذا تشكل هذه المنطقة أرضية خصبة لحروب الوكالة التي أتينا على ذكرها بجنوب كردفان وختام القول بأن منطقة حزام السافنا على طول امتدادها بكل من كردفان ودارفور قد تتحول إلى منطقة صراع مدمر إذا لم نحسن تدبر الأمر وأعملنا فيه الحكمة والبصيرة في صياغة العلاقة بين الشمال والجنوب في مرحلة ما بعد الاستفتاء عام 2011م.
                  

07-22-2010, 09:11 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    _OMA4.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5813.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    _OMA5814.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  

07-26-2010, 09:36 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    1122.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    1123.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    1124.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    1125.JPG Hosting at Sudaneseonline.com
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de