لم يتركوا لك ماتقول....محمد سيد احمد عتيق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 03:18 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-13-2008, 05:53 PM

ابراهيم عدلان
<aابراهيم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-04-2007
مجموع المشاركات: 3418

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لم يتركوا لك ماتقول....محمد سيد احمد عتيق

    اربعة عشر عاما من المنفي .. الخرطوم في عيون وذاكرة عائد

    محمد سيد احمد عتيق

    لم يتركوا لك ماتقول (1)

    لامانع من ان ارفع صوتي بالسؤال الذي ظللت اردده سرا لاكثر من عام : من اين يبدأ الصحفي نشاطه بعد ان توقف من ممارسة المهنة لعقد ونصف من السنين حين تخطفته دروب السياسة بالغامها وهموم التربية بتعقيداتها في المنافي القهرية التي اضطر اليها عندما اتى المغول على الوطن ؟ العودة لمثل هذه المهنة شاقة ، وعندما تحاول معاندة المشقة يواجهك الواقع السياسي المسموم بازماته الحقيقية ( والهايفة ) وصور الاستبداد الطاغية على مشهده : اذن ، انت محاصر ياصديقي من الداخل والخارج ، وفي الحقيقة استحق انا هذا الحصار لماذا ؟ اعود هنا بالذاكرة الى مطلع ثمانينيات القرن الماضي ( وستكثر مثل هذه العودة لاحقا ) لاتذكر نصيحة وجدتها امامي بطريقة عملية مارسها وقدمها الصديق الكبير والعزيز الاستاذ التيجاني الطيب بابكر في غرفتنا في الكرنتينة ( ب ) بسجن كوبر عام 1981 م ، فقد كانت من عاداته ان يستيقظ مبكرا جدا ليستحم ، فيحلق ذقنه ثم يعود الى سريره ويبدأ الكتابة في دفتر معين يحتفظ به ، قلت له ذات صباح باكر انني ارجو ان تكون مشغولا بكتابة مذكراتك لان ذلك الموضوع قليل في ثقافتنا السياسية ، نفى ذلك قائلا انه انما يكتب تعليقات على الاحداث التي تجري داخل المعتقل مهما كانت بسيطة ، وليست ذات قيمة ، وذلك فقط ليحافظ على عادة الكتابة !! تبا لك ، الان فقط تتذكر وفي الزمن الضائع ؟؟ متعه الله بدوام العافية واتصال العطاء .

    ولكن ، الا تستحق الخرطوم التي طالما حننت اليها خلال سنوات المنفى ، ان نقول عنها شيئا ، كيف وجدتها كمدينة وكبشر ، ماذا تغير فيها سلبا وايجابا ؟ نعم تستحق ولتبدأ بها لان اجابتك للاهل والاصدقاء عندما يسالونك : ( كيف لقيت البلد ؟ ) هي اجابة موغله في الاختصار : ( والله ياخي مالقيتا : ) ولا يمكن ان تكون كذلك .

    قد يقول البعض : نحن في شنو والخواجة ده في شنو ؟ نحن همومنا في السياسات التي جعلت من السودان واحدا من اغلى بلدان العالم حتى فيما ننتجه وبؤرة حروب اهلية متناسلة ، نحن في حيرة من صراعات الشريكين وبؤس الاداء على المسرح السياسي ، ونحن .. ونحن وهذا البعض على حق ولكنه مستعجل .. ومعذور على ذلك فالضغوط التي يعيشها السودان والسودانيون غير طبيعية فليصبر ذلك البعض قليلا ..

    الخرطوم تغيرت كثيرا في سنوات قليلة ، والحديث ليس عن خرطوم الحكمدار خورشيد في منتصف القرن التاسع عشر بل الخرطوم التي تركناها في مطلع تسعينيات القرن العشرين والتي لم تعد المدينة التي نعرفها ونحب .. اصابتها كآبة ولامبالاة غريبتين مع فقر مريع في الحس والذوق .. تجهم تلمسه ويصدمك اينما ذهبت وفي كل وقت ، انها تشهد اكبر حركة تشويه في تاريخ المدن .

    عند النظرة العامة الاولى في المدينة بعد اربعة عشر عاما من الغياب عنها سمعت هاتفا يسالني : ( هل عاد علاء الدين نجيب الى الخرطوم ام الى عمورية ) ؟؟ وآخر من دواخلي يهمس : ( هي عمورية ) ياعلاء الدين عندما عدت اليها من غيبتك ! .

    عمورية مدينة صنعها خيال او اخيلة الراحلين الكبيرين عبدالرحمن منيف وجبرا ابراهيم جبرا اما علاء الدين فهو ابنها ، اديبها الفنان وفيلسوفها المجنون .. فلماذا ترهق نفسك ياهذا في وصف الخرطوم بعد هذا الغياب المطابق لغيبة علاء الدين عن عمورية ، وهو قد اغناك عن ذلك منذ اكثر من ربع قرن عندما اخترق حجب الزمان والمكان ليصف هذه قاصدا تلك ؟؟ لاباس اذن ان تستعير منه او منهما بعض ذلك الوصف بحق العلاقة الطيبة بهم اجمعين ، فقط نراعي وضع اسم الخرطوم مكان عمورية اينما وردت .. يقول علاءالدين ومن خلفه صانعاه الماهران : ( عمورية الآن تشبه العروس القروية التي تريد تقليد نساء المدان فتضع على وجهها كل المساحيق وتضع على جسدها مجموعة من الخرق الملونه المتنافرة ثم تتباهى باستعراضها كل هذا النشاز . عمورية الان مثل تلك العروس القروية .. جاءت الاموال السهلة لتفسدها وتشوهها فلم تحتفظ بالماضي ولا استطاعت ان تدخل المستقبل ) .

    ( قد تكون عمورية بامتدادتها السرطانية واتساعها الغير منطقي ثم تلك الطريقة الغبية في البناء المستعارة من البداوة بشكلها دون روحها والتي تتخذ شكل البقع او البثور الجلدية في سطوح وسلاسل غير منتظمة قد تكون عمورية بهذا الشكل سببا في خلق الفجوة بين الناس وماحولهم من طبيعة واشياء .. ) .

    ( نعم ماكانت عمورية لتاخذ هذا النسق من الامتداد والاتساع وماكانت لتكتسب هذه القسوة والوحشية لولا انبثاق هذه الثروه ! اللعنة فجأة. نامت عمورية ذات ليلة وقامت في الصباح لتجد نفسها شيئا جديدا .. )

    ( انها دخلت في حالة من الغيبوبة رغم حركتها الظاهرة ، ومالم ينفخ في ارجاءها في صور من نوع خارق لست ادري كيف سيتاح لها ان تستيقظ على حقيقتها ؟ ).

    هكذا ( لم يتركوا لك ماتقول كما قال الشاعر الكبير محمد الفيتوري قاصدا اطفال الحجارة في فلسطين المحتلة اذ ليس هنالك مايقال في وصف تحولات المظهر العام للمدينة خلال السنوات القليلة الماضية اكثر مما قاله منيف وجبرا على لسان بطلهما علاء .. ويبدو ان هذا الوصف يصلح ان يكون ختما تختم به كل مدينة يمر عليها المغول وبين ايديهم تسيل وتجري الاموال السهلة .

    والى ان نعود الى الموضوع اقول ان هذا لاينفي وجود استثناءات طفيفة هنا وهناك ولكنها تظل استثناءات وذات طابع فردي فعلى سبيل المثال مقهى الاوزون وهي القطعة الفنية الجميلة التي لا تخطئها العين في الخرطوم وبغض النظر عن الذي يستطيع ارتيادها اذ الجميع ينظرون اليها لايمكن اعتبارها نشاطا استثماريا للسيد اسامة داؤد عبداللطيف قياسا بحجم نشاطاته وانما في اعتقادي هي محاولة موفقة منه لتجميل الحي الذي نشأ فيه ، وبل وكان والده من مؤسسيه .. ولاعجب فوفاء الرجل للمكان لم يقتصر على حي في العاصمة وانما سبق له ان اطلق اسماء بلدات نوبية عريقة تعود جذوره اليها على مؤسساته الاقتصادية مثل : دال ، سيقا .. الخ .. والى ان نلتقي مع بعض التفاصيل باذن الله .

    الاسماء وغياب النظر التاريخي 2

    موقع الخرطوم الجغرافي وظروفها التاريخية في النشأة والتطور تختلف تماما عن ظروف المدن الاخرى خاصة المدن العربية النفطية الحديثة ، فلماذانقوم بتقليد نمط البناء الحديث فيها ؟ ولماذا تتساهل الخرطوم هكذا في هويتها وشخصيتها وابنيتها التاريخية ؟ هذا التساهل الذي طال حتى حديقة الحيوانات ، ومدرسة الخرطوم شرق وسوق الخضر والفواكه الاقدم الخ .. اين اهل المعمار والفنون والآثار وجمعياتهم من كل هذا الجنون والقبح ؟؟ ألا توجد لدينا لجنة خبراء وطنية تضع شروطا عامة للمعمار وتقوم بحماية المباني القديمة وفق اسس صارمة في اتجاه صيانة الجزء القديم من الخرطوم يبقى هو المدينة القديمة مستقبلا وتكون مزارا للزائرين ومصدر فخر للاجيال القادمة كما في عواصم الدنيا كلها الآن ؟؟

    كانت للخرطوم ـ خاصة في قلبها ـ شخصية قيد التبلور لتكتسب طابعها الخاص الذي يميزها عن غيرها بدءا من القصر الجمهوري فالادارات والوزارات من حوله ، فمنازل ذوي الوظائف التنفيذية والقضائية العليا شرقا ثم القشلاقات ( مساكن رجال الشرطة والسجون ) غربا ، فبيوت العاملين في السكة حديد جنوبا ، يتوسطها السوق القديم للخضروات والدواجن واللحوم والفواكه ومختلف المهن اليدويه ..واستمرت على نفس الطابع والنسق ـ ولكن بصورة H احدث قليلا ـ الرأسمالية الوطنية العريقة التي شادت المباني التجارية وعمارات اوقافها في المركز التجاري الرئيسي للمدينة بشقيه العربي والافرنجي ..

    كتب عبدالله الشقليني في منبر سودانيز أونلاين مرة : ( لقد آن لعباقرة هندسة تهديم هوية المدن ان تشيد المنشآت بلا سابق خطة او سابق تخطيط للمدينة ) .. ولكن يبدو ان ذلك يتم وفق خطة وضعها تحالف المال الطفيلي السهل الذي تراكم في الخرطوم مع بعض رؤوس الاموال الاجنبية المترفة لتفريغ ( سنتر الخرطوم ) وتحويله الى غابة من الابراج اللامعة بالزجاج والسراميك لا انسجام في الوانها وطرز معمارها ، يخلدون فيها الى مضارباتهم وتكون محظورة على البسطاء والبائسين ووسائل مواصلاتهم المهترئة وعلى تظاهرات الطلبة والشماسة في ازقتها وتجمهرات المهنيين والعمال في ساحة الشهداء فيها ، والله اعلم ..

    فاذا تركنا شكل الخرطوم وتحولات مظهرها العام في زمان النفط والكوارث الجديدة والمتجددة .. ودلفنا الى عالم الاسماء ، اسماء الاحياء والشوارع والمعالم فان اسئلة مهمة تنتظرنا هناك ، اسئلة مثل : ماهي الاسس التي تتم تسمية الاحياء والشوارع بموجبها ؟ وهل تنطبق تلك الاسس على حالة التسميات التي سادت في العاصمة مؤخرا ؟؟ لا ادعي معرفة يعتد بها في هذا الامر ولكنني اعتقد ان هنالك منصتين اساسيتين تنطلق منها الاسماء ، الاولى : اللسان الشعبي الجمعي الذي يجري على الفطرة والذهن اللماح ثم التعود ليفرض الاسم نفسه بعد ذلك سواء على شارع او حي جديد وحتى على الالقاب الخاصة بالافراد .. والثانية : منصة الحكومات والمجالس المحلية اعتمادا على لجان خاصة تضم خبراء في التاريخ والهندسة والفنون والسياسة ؟؟ الخ .. وفي كل الاحوال تكون تلك تسميات محل اجماع شعبي ورسمي ..ففي تاريخ مدينة الخرطوم ، حسب الدكتور احمد احمد سيداحمد في سلسلة ( تاريخ المصريين ) ، ان الباشا الذي حكم السودان في منتصف القرن التاسع عشر قام بتقديم تسهيلات كبيرة للمواطنين في امتلاك الاراضي وتوفير مواد البناء باسعار رمزية فاقاموا اكبر حي شعبي آنذاك في منطقة الخرطوم غرب الحالية واطلقوا عليه اسم ( سلامة الباشا ) عرفانا ودعاء له فاصبح هو الاسم الرسمي والشعبي للحي ، ( وقد ذكر لي احد الاخوة من ابناء الخرطوم بحري انه يوجد حتى الآن حي اسمه ( سلامة الباشا ) في مدينة شمبات وعند تخطيط مدينة الصحافة الحالية وتوزيعها ابان الديمقراطية الثانية في الستينيات فرضت الجماهير اسم ( الصحافة ) على الحي الجديد تقديرا ووفاءً لجريدة الصحافة التي قادت حملة مكثفة على صفحاتها بمطالب ومشكلات المواطنين الى ان قامت الحكومة بتلبيتها كلها دون مصادرة او اعتقال لمالكها ورئيس تحريرها المرحوم عبدالرحمن مختار ولا المحرر الذي باشر الحملة سيداحمد خليفة ..!! ولنتامل المغزي الاحتفائي النبيل في اسم ( البلابل ) الذي اطلقه جمهور حي اركويت وسائقي بصاتها على المحطة المجاورة لمسكن الشقيقات الثلاث وذلك قبل ثلاثين عاما واصبح اسما للمنطقة حتى الآن وسيبقى ..

    نفس حكومة الديمقراطية الثانية ، وبعد وفاة الزعيم الديني الكبير السيد على الميرغني اطلقت اسمه على شارع الحرية ووضعت اللوحات بذلك اسوة بشارع السيد عبدالرحمن ، ولكن اللسان الشعبي قاوم ذلك ليس رفضا لتخليد ذكرى السيد علي وانما كانت العادة قد جرت وتمكنت من الالسنة والاذهان خاصة وان اسم الحرية كان قد بالضد من تسمية المستعمر البريطاني للشارع باسم احد ملوك او قادة بريطانيا العظمى لا اذكر الآن ، فاستمرت الحرية اسما للشارع حتى يوم الناس هذا .. نفس الشئ بالنسبة للمعالم والقاعات فقاعة الشارقة مثلا بجامعة الخرطوم التي لبت حاجة ملموسة ، اخذت هذا الاسم تخليدة للامارة وعرفانا لحاكمها المستنير الذي تبرع ببنائها ..

    كل هذه الامثلة سقناها لنسأل عن الاسماء التي اطلقت على بعض احياء الخرطوم وعلى اهم شوارعها ومعالمها الجديدة : من ، كيف ، وعلى اي اسس ؟؟ وهنا يهمني التاكيد على احترامي التام للمدن العربية الشقيقة واحترمي الاكثر لمشاعر ذوي الذين ماتوا في حروبنا الاهلية او حوادث اخرى ممن تمت تسمية بعض الاحياء والشوارع والمعالم باسمائهم واسمائهم .. ولكن الامر هنا ليس امر مشاعر ومجاملات بهذه السهولة ولا هو امر اعجاب وتقرب لبعض الاشقاء في دول الخليج العربي او عصبيات ايدلوجية لفئة محدودة وانما هو امر له معناه التاريخي الحضاري والتربوي لاجيال اليوم والاجيال اللاحقة وامام العالم من حولنا .. نوعين من الاسماء اقصدهما : هنالك اسماء اطلقت على شوارع جديدة بعضها محل خلاف تام عند عموم السودانيين باستثناء قليل جدا ، فكيف لذلك الاستثناء القليل ان يفرضها على البلد وعلى كل الناس ؟

    والنوع الثاني هي الاسماء الجديدة التي اطلقت على شوارع قديمة مثل الذي حدث في احياء الديوم والعمارات ، وهي اغلبها اسماء من تاريخ السودان ولكنك تشعر بان الامر فيه افتعال لخلق توازن يبدو مقنعا في ظاهره ، يهدف الى تمرير وترسيخ اسماء الشوارع والمعالم الجديدة التي لا يمكن ان توافق عليها الغالبية المطلقة من اهل السودان عموما والعاصمة خصوصا .. ففي العمارات لامعنى لجلب اسماء من العهد السناري او المهدوي ـ رغم انها محل اتفاق ـ وهنالك اعلام ورموز سكنوا في تلك الشوارع منذ تاسيسها ، لماذا لا نطلق مثلا اسم المرحوم جمال محمد احمد على شارع 21 ( وهو من اعلام السودان المعاصر ..) كما هو الحال مع شارع احمد خير في الخرطوم 2 ؟ هذا اذا تجاوزنا حقيقة ان الناس لن ينسوا اسماء تلك الشوارع بالارقام التي الفوها وحفظوها لما يقارب النصف قرن !! بل وهنالك شارع في العمارات لا يعرف غالبية سكانه شيئا عن شخصية الذي اطلقوا اسمه عليه .. واستطرادا نقول ان احدا لم يجد اجماعا من شعب السودان كالذي وجده الزعيم قرنق ، فاين هو في شوارع وقاعات ومعالم عامة بلاده بعد عامين من غيابه الدامي ؟؟ ولماذا يختفي على الصعيد الرسمي اسم الرجل الكبير المرحوم عبدالمنعم محمد ( ذلك المحسن حياه الغمام ) كما قال المجذوب وانشد الكابلي ، لماذا يختفي عن تلك الساحة الدائرية الضخمة التي اوقفها من حر ممتلكاته للمصلحة العامة في قلب الخرطوم جنوب ، ويتم استخدامها الان لاغراض لاتمت لاهداف الوقف بصلة ؟

    عموما ، لدينا في تاريخنا القديم والحديث اسماء مضيئة كان ولازال من الاكرم والاجدر ان نطلقها كاسماء على الاحياء والمواقع الجديدة في العاصمة ، نبتة ، سنار ، سواكن ، وادي حلفا ، تقلي ، علوة ، كرمة ، بوهين الخ .. وفي عواصم العالم يطلقون على بعض شوارعها اسماء مدن اخرى من نفس القطر اعزازا وتعبيرا عن التربط الوطني ، بدلا عن البحث خارج تاريخنا وبعيدا من قطرنا ..

    بنات زياد في القصور مصونة 3

    * الطفلة التي تركتها في مطلع التسعينيات منهمكة في حفظ وتجويد سورة المجادلة ( قد سمع ) وكانت في الصف الثالث اساس تتهيأ الآن لاستقبال مولودها الاول بعد ان اكملت دراستها الجامعية ، وتزوجت مباشرة .. كنا امام التلفزيون عندما اخطأ المذيع خطأً نحوياً نصب فيه نائب الفاعل ( المبني على المجهول ) ، واستدرك خطأه بسرعة ورفعه معتذراً سألتها عن السبب في ذلك ووجدتها للأسف تجهل الكثير في قواعد العربية ، والمؤسف اكثر انها ـ لاهي ولامن كانوا معها ـ لم يشعروا بقيمة ذلك ولم يأسفوا للامر .

    * إمام شاب مسؤول عن مسجد صغير ولازال طالبا في السنة النهائية باحدى الجامعات بعد صلاة المغرب في احد الايام ابتدر دردشة معي بسؤالي عن الدولة التي اعيش فيها فكانت الحصيلة التي خرجت بها هي انه لايعرف عن مدن السودان ومواقعها شيئا يذكر دع عنك عن تلك البلاد البعيدة ، يعرف فقط المنطقة التي جاء منها الى العاصمة ومقر الجامعة التي يدرس فيها ويعرف مكان سكنه وهذا المسجد وجدته ويشهد الله على ذلك ـ لايعرف حتى موقع الاراضي المقدسة الجغرافي !!

    * شاب آخر ايضاً في السنة النهائية ولكن في علوم الحاسوب باحدى الجامعات ذكي ، موهوب ومتفوق في مجال دراسته .. سألته عن سبب غيابه عن الجامعة في ذلك اليوم فقال لي ان اليوم عطلة عن الدراسة في جامعتهم لانه يوم التصويت لانتخاب الاتحاد الجديد لطلاب الجامعة وهذا كلام فارغ و ( مضيعة للوقت ) !!

    * معلم يعمل في مدرستين ثانويتين ، واحدة خاصة والاخرى حكومية كان مشغولا بتصحيح كمية من اوراق امتحانات تلاميذة من المدرستين عندما جلست اليه .. كان الفرق كبيرا وواضحا جدا في العلامات ، علامات تلاميذ المدرسة الخاصة اعلى بكثير من علامات رصفائهم من المدرسة الحكومية التي تكثر فيها حالات السقوط ( التي تقل عن نصف الدرجة النهائية ) ولكن المعلم وبعد ان ينتهي من التصحيح النهائي لديه صلاحيات ـ بل واجب عليه ـ ان يهبهم من العلامات بحيث تجعلهم كلهم ناجحين في المادة لتظهر المدرسة ومن ورائها الوزارة بمظهر مشرف !!

    * في اوساط عديدة ومن مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية بين الموظفين ـ كباراً او صغاراً ـ في الخدمتين المدنية والنظامية ووسط الاسر من كل الشرائح في الاحياء السكنية نجوم من الجنسين سطعت وتسطع كل يوم ، مشكلين ظاهرة ( الشيوخ الشباب ) ، كل منهم يتعرف على عدد من الاسر والاشخاص ويصبح صديقا لهم ، يزورهم من وقت لآخر دون حواجز او مواعيد مسبقة فقد صار جزءاً منهم ،يجلب لهم الطمأنينة يبث فيهم الثقة بالمستقبل ويوزع عليهم الوصفات بالمسكنات : حسبي الله ونعم الوكيل 750 مرة ، الحوقلة 300 مرة ، الصلاة على النبي (عليه الصلاة والسلام ) الف مرة صباحاً ومساءاً وفي ادبار الصلاة كل يوم ويبشرهم بحل المشكلات ونجاح الاولاد والبنات وبالثروة والزواج والتعافي من كل مرض وبلاء ومنهم من يتم اصطحابه حتى في رحلات عمل رسمية وبالطائرات احيانا للمزيد من البركات ، والشابات من هؤلاء الشيوخ في الغالب يبدأن عملهن برمي ( الودع ) وبعضهن لهن زبائن في الخارج غالبا عائلات في دول خليجية ترسل لهن الدعوة والتذاكر والاستضافة ثم التشييع عند العودة بالاف الدراهم والريالات .

    * اتت الصبية من مهجر اهلها الى الخرطوم لتلتحق باحدى المدراس الاجنبية في عامها الاخير تاركة خلفها واحداً من اجود وارقى نظم التعليم في العالم ، نظام باذخ الثراء ماديا ومنهجا ثم هو مجاني والزامي اتاح لها امتلاك معلومات وافرة في التاريخ والجغرافية وعلوم الحيوان والنبات والحشرات وصحة البيئة وتجويد 4 لغات اوربية واخرى اولية في علمي القانون والاقتصاد بجانب الموسيقى والرسم وحقوق الانسان ، قدمت تضحية باهظة وبتشجيع من اهلها قربانا لمعرفة ثقافة وطنها ومعايشتها عمليا وعن قرب. خرجت مع عدد من بنات اهلها في تلك الامسية لشراء بعض الماكولات من مطعم يقع في نفس شارع منزلهم كلهن كن بملابس محتشمة والاغطية على رؤوسهن وقبل ان ينتهين من شراء اغراضهن دخلت عليهم مجموعة كبيرة من الرجال بملابس مدنية واحتجزوا كل البنات اللائي كن في المطعم وانتزعوا منهن الموبايلات واقتادوهن قهرا الى سياراتهم ومن ثم الى حي المقرن في مركز اسمه ( امن المجتمع ) وافرجوا عنهن عند منتصف الليل بضمانات وتعهدات . كانت الصبية في ذهول حقيقي لساعات طويلة قبل ان تعبر عن ذلك الذهول لابيها : تصور كل البنات كن محتشمات وفيهن من بحجاب كامل ! تصور انهم اقتحموا حمامات النساء بحثا عن من يمكن بداخلها ، وانهم اضطلعوا على تفاصيل مافي كل موبايلات البنات بعد انتزاعها منهن ، يضطلعون على الامور الشخصية ، تصور انهم داهمونا منطلقين من الادانة في تعاملهم معنا ، ادانة مسبقة لم يستطيعوا التراجع عنها حتى بعد ان وجدوا كل شئ على مايرام ..اين السودان الذي حببتموني فيه ؟ اين مبادئ الاسلام وقصصه في مكه والمدينة المليئة بتكريم النساء التي رويتموها لنا ؟ و .. وسيل من الاسئلة الجريئة الحارقة التي تعودت ان تطلقها بوضوح ولكننا لانستطيع قولها ولا كتابتها من شدة صدقها الذي لم نتعود .

    (2)

    هذه امثلة محدودة جدا من الحالات التي اعترضتني بمحض الصدفة ، ولكنها امثلة تفصح بالكامل ودونما مورابة عن واقع سودان اليوم ، وتدفعك دفعا لاجترار امسك وامس من سبقوك اجترارا لايعني التمسك بالماضي او المطالبة بالعودة اليه كما هو :

    في زمن سابق وفيما يعادل الصف السادس الآن كان التلاميذ يدرسون في مقرر الادب العربي قصائد للمعري والمتنبئ وشوقي وابوفراس الحمداني وعبدالله بن الدمينة والتيجاني يوسف بشير ... الخ تذوقا وحفظا واعرابا نحويا لبعض الابيات ، ويقرأون اهم نماذج الادب الانجليزي الكلاسيكي في صياغة مبسطة واحيانا يمثلونها في امسياتهم الادبية .

    ووفق المنهج المرسوم كانوا يطوفون على نماذج من مختلف بقاع السودان ، وفي مرحلة لاحقة لنماذج من دول العالم في كل القارات ، في رحلات خيالية مع معلم الجغرافية يدرسون من خلالها الظروف الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية والمعالم الطبيعية من مناخ وانهر وجبال ومحيطات ووسائل النقل والمواصلات وطرقها ... الخ كانوا يحفظون جزء عم وجزء تبارك من القرآن الكريم وآيات من هنا وهناك وسورة النور ، كل ذلك شرحا وحفظا ومعرفة بالاحكام ، وكان باب التوسع في النصوص وفي الفقه مفتوحا ويتم التشجيع على ولوجه وكانت مرجعيات من يلجون ذلك الباب هي المرجعيات العقلانية المحفزة كابن رشد والغزالي والعقاد والامام محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ولم يكن من بينهم وعاظ ولا هيئات ، لا المودودي ولا عمرو خالد .. يدرسون تاريخ السودان في مراحله وحقبه وتاريخ العالم في اهم معالم عصوره انتهاءً بالحربين العالميتين اللتين ساهمتا بشكل مباشر في تشكيل الراهن السياسي الدولي ، وفي نفس الوقت كانوا يهتمون بقضايا وطنهم وواقع مؤسستهم التعليمية المعينة من خلال اتحادهم الذي يسهمون في بنائه وانتخاب قيادته .

    في الزمن السابق كان للمجتمع اكتفاؤه الذاتي من الامن والامان لان الناس كانوا ( مكتفين ) و ( مستورين ) يقومون بواجباتهم والدولة بواجباتها وكان الكل يسهم في التربية ابتداء من الاسرة فالمدرسة بمعلميها ومنهاجها واهل الحي وكل المجتمع .. ولم يكن هناك سوء ظن بالمرأة على اساس مظهرها دون مخبرها ومواهبها .. كانت المرأة تجد كل التكريم والكل يدافع عن حقوقها وانسانيتها والكل كانوا ( اخوان بنات ).

    في زمن سابق ، كما قال الشاعر الشهيد موسى شعيب : ( في الزمن السابق كان الناس يطوفون على العرافين اما الآن فان العرافين يطوفون على الناس يسمون الاشياء باسماء رائعة ) كمقياس للتراجع والانحطاط الذي يتجلى في التدين السطحي الشكلي والهروب الى الغيبيات التماسا للسكينة والامل .. وفي الزمن السابق كان الصادر البشري السوداني لدول الاغتراب يتمثل في المهنيين والعمال المهرة والاساتذة والرياضيين فهل صادره الآن هم باعة الاوهام وتنزيل الاموال !! كل هذا وكانت العملية التعليمية في كل مراحلها : ادواتها وداخلياتها مجانية تماما ، وحكام السودان منذ عام 1989 وحتى الآن بمختلف مواقعهم واجيالهم استمتعوا بتلك الازمان ، ونالوا التعليم والتاهيل فماذا فعلوا بالتعليم وبالاجيال الجديدة كل هذا الذي فعلوه مما لا احتاج لذكره ؟؟ ابنائهم وابناء حاشياتهم ينالون التعليم الجيد الباهظ التكلفة في الداخل والخارج والاغلبية الساحقة لاتملك الا ان ننشد لهم تائية الشاعر الشيعي المعارض لبني امية : منازل آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات

    لنخصهم وانفسنا بقوله فيها : بنات زياد في القصور مصونة .. وآل رسول الله في الفلوات .

    شارع كارثة وسكان منكوبون

    في الطرف الجنوبي لمدينة الصحافة يمتد الشارع المقصود بالشارع الكارثة شرقا وغربا ، ومنذ تاسيس المدينة في نهاية الستينيات وحتى ظهور الثروة / اللعنة بآثارها في مطلع الالفية الجديدة كان سكان المنازل المطلة على امتداد الشارع يقضون امسياتهم بهدوء ممتع امام منازلهم تمتد ابصارهم بحرية وارتخاء عبر الفضاء الضخم جنوبا حتى الحزام الاخضر مستمتعين بالهواء النقي ومنظر السماء الصافية المرصعة بالنجوم واذا مرت سيارة من امامهم . وهذا نادر الحدوث . فهي قطعا لاحد سكان نفس الشارع او من زوارهم .

    في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات بدا ذلك الفضاء البديع يشهد بروز منشآت متناثرة هنا وهناك ، وبمساحات كبيرة ، هذه باسم معهد او مدرسة واخرى باسم مسجد وتلك باسم طريقة صوفية في طابت ، ولاتدرى ما الذي جعل رئاستها في هذا المكان ، اما الآن فانها ملأت الفضاء عن آخره واكتملت ببناء السوقين المحلي والمركزي ثم الميناء البري ليتم احكام خنق مدينة الصحافة عموما وسكان تلك المنازل المنكوبة المطلة على الشارع الكارثة بشكل خاص.

    هنالك شوارع متوازية مع بعضها من الشمال الى الجنوب تلتقي بهذا الشارع مثل شارع اللواء محمد نجيب (صحافة شرق ) الصحافة زلط ، جبرة .. الخ . كانت في الماضي تنتهي عنده اما الآن فانها تتقاطع معه متجهة الى الجنوب للسوقين المركزي والمحلي والميناء البري فالاحياء الجديدة من خلفها .. وفي السنوات الاخيرة تمت سفلتة الشارع الكارثة وتمديده غربا ليكون طريقا للمواصلات العامة العرضية يربط مناطق الشجرة والكلاكلة بالصحافة واركويت والسوق الشعبي والسلمة ومختلف الاحياء الجديدة التي نشات غرب وجنوب وجنوب شرق الصحافة وحتى المعمورة .

    استوعب هذا الطريق بعد سفلتته اعدادا ضخمة ( بالمئات ) من البصات العامة في خطوط تلك الاحياء والاسواق وفرض سائقوا تلك البصات تقاطعات الشارع مع شوارع محمد نجيب ، الصحافة زلط ، جامعة افريقيا ، جبرة .. الخ كمواقف رسمية لبصاتهم ( اي نقطة بداية ونهاية لكل اتجاه من اتجاهات خطوط سيرهم ) يبدأ الكماسرة ومنظموا حركة تلك البصات في الصياح معلنين عن وجهة بصاتهم من بعد صلاة الفجر دون توقف حتى منتصف الليل ( حوالي 18 ساعة في اليوم ) لا المحلية ولا شرطتها تمنعهم رغم احتجاجات الاهالي من السكان ، بل الشرطة تشرف على تنظيم وقوفهم في صفوف !! ومن الآثار البائنة لذلك :

    اولا : تلك البصات ومواقفها اصبحت تسد على السكان ابواب منازلهم وتعيق حركتهم دخولا وخروجا من والى منازلهم وتشكل خطرا حقيقيا على حركة الاطفال وكبار السن .

    ثانيا : اصبح الشارع سوقا مكتظا بالباعة من كل نوع ، ويعج بالبقالات ومحلات الاتصالات والمقاهي والمطاعم ، والجميع يدلقون المياه القذرة والمخلفات كل امام مكانه مطعما كان او متجرا ونتيجة ذلك جيوش هائلة من البعوض والحشرات جعلت من ليالي السكان جحيما لايطاق في وقت انخفضت فيه . او تلاشت . معدلات البعوض في مختلف احياء الخرطوم .

    ثالثا : ضجيج البصات واصوات العاملين عليها ومعاركهم صار مصدر اقلاق دائم لراحة الناس داخل بيوتهم وازعاجا مستمرا للتلاميذ والطلاب في استذكار دروسهم رابعا : وهو الاخطر فان محركات تلك البصات ( الماكينات ) تكون دائرة طوال الوقت وسائقوها يضغطون على ( الابنص ) باستمرار وبصورة عنيفة . في الغالب لايهام الزبون الراكب بان الواحد منهم سينطلق لفوره او لانه يستمتع بذلك . واغلب تلك الماكينات تعمل بوقود الديزل واغلبها مهترئة ، فلك ان تتخيل نتيجة كل ذلك : سموم رهيبة تنطلق من العوادم في شكل ادخنة سوداء ، وارتطام اهويتها بالارض يثير غبارا كثيفا ، اضافة الى الحرارة العالية جدا التي تنتجها تلك العوادم والمحركات من ذلك العدد الكبير من البصات على مدار اليوم ، ولذلك فان منازل هؤلاء البؤساء سكان الشارع الكارثة هي الاكثر تلوثا في بيئتها ولا ابالغ اذا قلت انها البيئة الاكثر تلوثا في السودان كله ودرجة الحرارة فيها اعلى بصورة واضحة عن بقية انحاء الصحافة وعموم الخرطوم تزيد على الاقل بدرجة او درجتين مئويتين !

    باختصار هذه المنازل المطلة على الشارع الكارثة على امتداده شرقا وغربا لم تعد صالحة للسكن الآدمي ولا اعرف سر صمت هؤلاء المواطنين على هذا الوضع بعد الاحتجاجات المتقطعة الاولى وحتى الآن لماذا لا يؤلفون اللجان ويتقدمون بعرائض الاحتجاج للسلطات المحلية المختصة واذا دعا الحال تصعيد الامر باللجوء لاعلى المؤسسات في الدولة مستعينين بالمتطوعة من القانونيين خاصة وان بعضهم يقول ان اعلان العطاء لبناء هذا الشارع وتعبيده كان يتضمن شرطا من ضمن شروطه ينص على ان يكون على بعد خمسين مترا على الاقل من منازل السكان وهو ملتصق بها الآن لاسيما وان اهل الصحافة لهم تجارب ثرية في الاحتجاج والمقاومة اذ انهم وبعد ان كثرت حالات الاعتداء على الميادين العامة التي تتوسط احيائهم بدأوا في السنوات الاخيرة مقاومة وافشال محاولات الاعتداء وكان آخرها ماحدث في مربع 31 قبل عامين عندما اتى احد المحاسيب المحظوظين بشحنات الطوب والاسمنت وبدأ عماله الحفر في الميدان الذي يتوسط المربوع فقام اهالي مربع 31 بتشكيل شبابهم وتوزيعهم في ورديات حراسة للميدان ليلا ونهارا بتخريب كل مايفعله عمال ذلك الرجل الى ان فر بمعداته وقد سبقهم في ذلك اهالي مربع 33 .

    لكن ، الملاحظ انه لايوجد اجماع في وسط الاهالي في هذا الشارع اذ لارابط بينهم مثل الذي يجمع ويربط اهل كل مربع ببعضهم ومن ناحية اخرى طبيعة الموضوع جعلت هناك تباينا في الرؤى :

    *بعض السكان سعيدون بذلك لانهم قاموا بايجار جزء من منازلهم كمتاجر ومحلات وذلك بالنسبة لهم مصدر دخل اضافي يعينهم على مواجهة هذه القسوة غير المسبوقة في العيش وفي هذا لايعبأون بالاضرار الصحية القاتلة التي يتعرضون لها ليل نهار .

    *والبعض منهم بدأ يفكر جديا في بيع منزله . فالمنطقة اصبحت استثمارية اكثر منها سكنية . وشراء مسكن في منطقة اخرى .

    *وفي مواجهة ذلك يتشبث البعض بالبقاء . وهم فئة الكبار سنا .وفي منزله الذي بناه والف الحياة فيه لاربعين عاما ولاغرو فان الجيران في طبيعة السودانيين ومع تطاول الزمن بهم يصبحون اقرباء اكثر من اقرباء صلة الدم المباشرين اذا كانت مساكنهم بعيدة وتنشأ بينهم المصاهرات التي ينتج عنها جيل من اقرباء الدم وهكذا تجدهم متمسكين بالبقاء في هذا السوء ويجيبون على دعوة ابنائهم واحفادهم لهم بضرورة الرحيل : (افعلوا ماتريدون بعد ان نموت ) .. متمسكون بالبقاء كانهم يستجيبون للشهيد موسى شعيب عندما بدأ اهالي بعض قرى الجنوب اللبناني في الهجرة من قراهم بسبب القصف الصهيوني الاهوج آنذاك عليهم كان الشهيد يحرضهم على البقاء والصمود باشعاره ومنها :

    هنا باقون كالازل ،

    هنا باقون لن نبرح

    سنونوة اذا عادت الى السقف

    ستلعننا اذا مالم تجد طفلا يقوم بواجب الضيف

    وشتان مابين الدافعين والنوعين من البقاء .. ولكن هل ستتركهم الدولة هكذا ليظهر جيل من سكان هذا الشارع الكارثة موبوء بالربو وانواع مختلفة من السرطان ليكون متوسط عمر الفرد منهم لايزيد عن العشرين عاما ؟!

    الهرجلة 5

    مع التوسع السرطاني الهائل للمدينة ، وتزايد اعداد سكانها باضعاف مضاعفة ، انتشرت الاسواق والمحلات من ابسط اشكالها المتمثلة في الافراد المتجولين في البرندات ومواقف البصات واشارات المرور ، مرورا بالاسواق الثابتة في العراء في شكل ( طبليات ) ( والسيوبرماركتات ) فالمجمعات ، وتحولت المنازل المطلة على الشوارع الرئيسية وعند مواقف البصات الى دكاكين ومطاعم وجزارات .. الخ ، ولازال التقليد ( المحاكاة ) هو الغالب على معظم النشاطات التجارية في كل مستوياتها .. الصدارة بلا منازع في تلك الانشطة لاجهزة الهاتف المحمول ( الموبايلات ) في صيانتها ، زينتها ، كروت شحنها ..الخ .. يلي ذلك نشاط غير مرئي اونصف مرئي ، وغير تجاري بالمعنى المعروف يتمثل في التسول باشكال وصيغ مباشرة وغير مباشرة وفي مستويات اجتماعية متنوعة ، وفي هذا تدور احاديث ، منها ماهي من مصادر موثوقة ، تقول ان هنالك عصابات تنظم النوع المباشر المعروف في عالم التسول تستغل فيها بعض ذوي العاهات والاعاقات من جنسيات مختلفة بشكل منحط اقرب الى تجارة الرقيق .. ثم التجارة في الملبوسات المختلفة التي تشهد ظهور اسواق جديدة مزدهرة على حساب الاسواق التقليدية القديمة كالسوق الشعبي وسعد قشرة ..الخ ، برزت الآن الاسواق المنتشرة في شوارع السوق العربي وبرندات السوق الافرنجي والشوارع المتفرعة من شارع الجمهورية وياتي في قمتها ( سوق نيفاشا ) الذي اكتسب شهرة واسعة خاصة في اوساط ابناء المهاجرين في مغتربات اوربا وامريكا لانهم يجدون في هذا السوق آخر منتجات الماركات الشهيرة التي يعرفونها في عالم ملابس الصبايا والصبيان وباسعار تقل عن اسعارها في مهاجرهم .. ثم تجارة الاطعمة والمشروبات والفواكه والخضروات ..الخ . المهم ان الاسواق في شكل طبليات ومحلات ومطاعم قد هجمت على الاحياء السكنية واسوار بعض المدارس والمساجد ، فاذا وضعنا في الاعتبار رداءة وقصور ( واحيانا انعدام ) عملية التصريف للنفايات والمخلفات والمياه القذرة ، وآثار الحافلات التي تعج بها الطرقات ووتتبع الاسواق اينما ذهبت وتمددت بالادخنة التي تطلقها ، اذا انتبهنا لكل ذلك نستطيع ان نتخيل ونلمس حجم الدمار في البيئة السيئة اصلا التي تعيش فيها الخرطوم وسكانها ..

    من ناحية اخرى ، يسمع الناس في الخارج عن استثمارات اجنبية ( قل مصرية ، تركية ، سورية ) اتت وتاتي الى السودان ، فاذا تركنا مجالات البترول والسدود بكل ماعليها الآن جانبا ، فان اول مايتبادر الى الذهن ان مثل هذه الاستثمارات الاجنبية تكون في مجالات نحتاج اليها فعلا كوطن ومواطنين ولا نقدر على القيام بها حاليا ، استثمارات صناعية وزراعية عملاقة توفر فرصا واسعة لقوة العمل السوداني في مختلف المهن وتسمو بمنتجاتنا لمراقي التصدير والمنافسة الخارجية وتوفر لاصحابها الارباح التي يستحقون .. قد تكون هنالك مثل هذه الاستثمارات لم يسمع بها الزائر ولم يشاهدها والله اعلم ، ولكن ، كل الذي صادف صاحبنا حتى الآن من استثماراتهم هي المطاعم والمقاهي ، المخابز والحلويات ، صالونات الحلاقة والتجميل ، والنبق الفارسي ، واغلبها تدار بعاملين من جنسيات دولها !! ولا علم له بنوع التسهيلات والاعفاءات وحجم التحويل النقدي للخارج وسيارات ( استثمار ) الممنوحة لمثل هؤلاء المستثمرين العمالقة !! اما آثارها السالبة على العمالة المحلية ورؤوس الاموال الصغيرة والمتوسطة الوطنية فهي لاتحتاج لشرح..

    بين صخب الاسواق وضجيج الباعة وخلل الاتربة وادخنة المركبات ، يلاحظ المرء مقدمات لمسخ ثقافي يقترب حثيثا من حياتنا عبر الازياء والموسيقى واللغة :

    فالثوب النسائي ( التوب السوداني ) الذي اعطى عبر السنين ولازال يعطي لجوهر ومخبر المرأة الانسانة مظهرا في غاية الجمال والاحتشام ، هذا التوب انحسر بشكل ملحوظ خاصة بين الاجيال الجديدة والشابة امام ازياء لاتمت لطقس السودان وموروث اهله باية صلة ، مستوردة شكلا ومضمونا من حساب المشروع الحضاري ( طيب الذكر ) بتجاره ووسطائه ، ورغم ان ذلك المشروع ( شبع ) موتا كما يقولون الا ان آثاره لازالت مستمرة : هل هي قوة العادة في عقد ونصف ، هل لان تكلفة تلك الازياء الدخيلة اقل من التوب والفستان ، ام القوانين الاستثنائية المطلقة لمفتشي النظام العام وامن المجتمع ، ام كلها مجتمعة ؟؟ الله اعلم ..

    وشقيقة الرجالي ، الزي القومي ، الجلاليب والعمم والطواقي البيضاء بدأت تتغير في اوساط الشباب ايضا ، ظهرت بينهم جلاليب وطواقي بالوان غامقة وبشكل طقم ( جلايبية وطاقية بلون واحد ) ، تصميمها مختلف واقصر من المعتاد ، لايعلم المراقب العابر من اين اتت : من الوسط ام الغرب الافريقي ، ام الشرق الآسيوي ؟ هل لها علاقة ايضا بالمشروع الحضاري الذي استند اساسا على المظهر في الازياء والاشكال ، ام هي اختراع محلي ابتدره نجم اجتماعي ـ احد الفنان الشباب مثلا ـ فتبعه المعجبون ؟؟ . مايذكره صاحبنا ويعرفه تماما ان اللون الابيض هو الذي كان سائدا وبجانبه احيانا الوان فاتحه اخرى ثم اللون الاخضر عند السادة اتباع الطرق الصوفية ومريديها ، واعتقد ان الالوان في الموروث الثقافي الشعبي في كل مجتمع لها علاقة وثيقة بالطقس ، فالالوان البيضاء عاكسة بمعنى طاردة للحرارة والعكس بالنسبة للالوان الداكنة ، حتى في السيارات كان اللون الابيض هو الشائع بهذا المعنى ذو العلاقة بالمناخ وتغير الامر الآن لتنتشر السيارات ذات الالوان الداكنة واصبحت مرغوبة اكثر من البيضاء !!

    يبدو بالفعل اننا شعب مقلد ، نقلد بعضنا البعض في مختلف النشاطات الاجتماعية والاقتصادية ثم نقلد مايجري عند جيراننا .. صحيح ان محاكاة / تقليد الممارسات الاجتماعية في المجتمعات المدنية العريقة والاكثر تطورا / مثل القاهرة بالنسبة لنا / تقوم به الفئات العليا في السلم الطبقي ، ولكن الوقوف عند التفسير الطبقي وحده لايكفي عند النظر مثلا لاغاني وايقاعات الزفة المصرية التي بدات تنتشر في حفلات الزواج عندنا لان هذه الظاهرة لم تتوقف عند الفئات العليا فقط مما يؤكد على ان المحاكاة هو السبب الاقوى ، التقليد مهما كانت التكلفة المادية والاستحالة الواضحة في تلبيتها ، فالمظهر هو الاهم بغض النظر عن المآسي المترتبة عليه ، وهذا باب يحتاج لمتخصصين وهو عصي على مثل هذه الانطباعات / الملاحظات العابرة ..

    ثمت مثال آخر في هذا المنحى ( التقليد ومقدمات المسخ ) نجده في اسماء المحلات والاعمال من ابسطها الى اكبرها ، فالملاحظ ان الكثير منها يحمل اسماء وكلمات انجليزية يكتبونها بحروف عربية تتكرر في اغلبها مفردات مثل : سيوبر ، سنتر ، كورنر ..الخ وكان لغتهم لاتحتمل مثل هذه الكلمات !! .. والملفت انهم يتفادون الكلمة الوصفية ( انترناشيونال ) في حين انهم يستعملون وصف ( العالمية ) بكثرة وهو منتشر بصورة مزعجة حتى في الاعمال البسيطة جدا والمتاجر والمراكز العلاجية ..الخ ، كٌل يقرر لنشاطه انه عالمي دون وعي منه بان هذا الوصف لايقدم ولايؤخر حتى في اسماء الشركات العملاقة ناهيك عن اعماله الموغلة في المحلية والبساطة ( هي صفة لاتصدق الا في طريقة استعمال اخينا الاستاذ هشام الفيل لها فهو الذي يصف كل شخص يثير استغرابه سلبا بانه ـ عالمي ـ ) .. قديما لم يكن في الخرطوم غير متجر سوداني واحد في السوق الافرنجي كانت في اسمه كلمة انجليزية هو ( السفير دايمنشن ) كامتداد لمحلات ( السفير ) ، وبعض الشركات كانت تحمل اسماء اصحابها الاجانب آنذاك مثل : سركيس ازمرليان ، جلاتي وهنكي ، مرهج ، وجنبرت التي لازالت قائمة في شارع الجمهورية منذ قرابة القرن .. عموما ، لاتفسير لهذه الظاهرة المنتشرة سوى التقليد والاتباع الاعمي للبعض والبعض للجيران ، والكل مقدمات للمسخ ..

    استطراداً وختاماً ، صادف صاحبنا عددا من الشابات ، منهن من اكملت دراستها الجامعية ومن لازالت في مقعد الدرس ، كلهن من اسر عادية وليست مرفهة ، كن مشغولات بتحميل الاغاني والموسيقي من بعضهن باجهزة الموبايل التي يحملنها ، وكانت الملاحظة انها كلها اغنيات ومقطوعات عربية في اغلبها والبقية غربية وانهن يعرفن تفاصيل التفاصيل عن حياة واعمال الفنانات العربيات الحديثات ، لاغبار على كل ذلك ولكن المفاجأة كانت انهن لايعرفن كبار الفنان السودانيين ، لايعرفن شيئا عن اسماء مثل ابراهيم الكاشف وعشة الفلاتية وعثمان حسين ..الخ !! فلم يشأ ان يفسد عليهن اكثر بالسؤال عن اساطين الحقيبة والاغنيات الوطنية العملاقة واصحابها ، واكتفى بالسؤال الذي عرف من خلاله انهن يشاهدن في التلفزيون فقط محطات الافلام والمسلسلات العربية والمدبلجة والمسابقات ولا وجود للقنوات السودانية ( ذاتا ما بتشجع ) دعك عن القنوات الاخبارية الشهيرة ، في البرمجة الخاصة باجهزة التلفزيون في منازلهن .

    في التهميش وبنك النيلين

    ( 1 )

    من المصطلحات التي راجت مؤخرا على صعيد التفكير السياسي في الندوات وعدد من صحف الخرطوم السيارة ، مصطلح (الاسلاموعربية) خاصة بين دعاة السودان الجديد ، مقرونا دائما باشارات سلبية تهكمية لعرب السودان وللعروبة عموما .. ورغم ان صاحبنا يعتبر نفسه جنديا في كتائب السودان الجديد إلا انه لم يجد حتى الآن تفسيرا دقيقا للمصطلح ولا لدوافع التهكم والاساءة المصاحبة له ، ومع ذلك لا مانع من مناقشة مختصرة للموضوع كاحتمالات في اطاره العام :

    هل الدعوة لسودان جديد تعني شيئا اكثر من رفض ما هو سائد من اشكال التهميش والاقصاء وهيمنة المركز المستحوذ على السلطة والثروة والقرار كسبب رئيسي من اسباب قعود السودان وتدهور احواله المستمر منذ الاستقلال وعنوانا صارخا على فشل كافة الانظمة الوطنية ـ العسكرية منها والمدنية ـ التي تعاقبت على حكمه حتى الآن ؟ ، ثم العمل بل النضال العنيد من اجل تفكيك كل ذلك واعادة بناء دولة المواطنة السودانية التي تساوي الجميع في الحقوق والواجبات دون تمييز من اي نوع وعلى اساس لا مركزي ؟؟ ام هي تعني ـ فوق ذلك او بدونه ـ ممارسة الاقصاء والتهميش بصورة مضادة على من نتوهم انها القوى التي اقصتنا وهمشتنا ؟ .. وهل التهميش مارسته جهة من جهات السودان الاربعة او الخمس (شمال ، شرق ، جنوب ، غرب ، وسط) ام قبيلة بعينها من قبائلنا الكثيرة ام عنصر معين ؟؟ نعيد صياغة السؤال :

    اذا عرفنا حقيقة وواقع التهميش ، فمن هم الذين مارسوا ويمارسون ذلك التهميش ؟ التهميش بمعناه الثقافي والتنموي والاجتماعي نتج عن سياسات الدولة المركزية الممتدة منذ قيام السودان الحديث وحتى الآن ، وكل الاحاديث التي كانت تجري في عهد مايو عن الحكم الاقليمي اللامركزي ، ثم في عهد الانقاذ عن الحكم الفدرالي هي مجرد شعارات سياسية من انظمة شمولية عاجزة عن تحقيق ذلك بحكم تركيبتها والمصالح الطبقية التي ترعاها ، وعند التطبيق العملي ، كانت ولازالت هذه الشعارات تقود فقط الى توسيع القاعدة الاجتماعية التي تستند عليها مثل هذه الانظمة من خلال توسيع حجم الوظائف العليا في الدولة (حكام ، وزارات ومجالس تشريعية اقليمية واخيرا معتمديات ومضاعفة عدد الولايات) مع مايصاحبها من امتيازات مالية واجتماعية ونفوذ تجاري طفيلي .. اذن ، المركزية القابضة والمهيمنة هي سمة الحكم في تاريخ السودان المعاصر ، فاذا استعرضنا الفئات المدنية والعسكرية التي حكمت السودان المستقل وتسائلنا : ما الذي يجمع بين تلك الفئات افرادا وجماعات ، هل ستكون الاجابة انهم الشماليون واهل الوسط او انهم الممثلين للعنصر العربي في السودان ؟؟ صحيح ان غالبية النخب التي حكمت السودان ولازالت هم من ابناء الوسط والشمال لكننا سنجد دائما بينهم مجموعات من كل جهات السودان واعراقه واديانه ، وبالتالي فهنالك شئ آخر ـ وقد يكون وحيد ـ لتفسير العلاقة بين تلك النخب يقول انها المصالح الطبقية ، الاجتماعية ، الفئوية (سمها ماشئت) ، هي نخب كما راينا لايجمعها عرق واحد ولاجهة واحدة ولا دين واحد ، لابحر لاغرب ، لا نوبة لا بجة ، لا عرب ولا زرقة ، تجمعهم فقط مصالح طبقية نخبوية مشتركة .. نفس الشئ بالنسبة للمهمشين ـ غالبية اهل السودان الساحقة ـ هم من كل الاعراق والسحنات ومن كل جهات الوطن بما فيها العاصمة القومية حتى ومن بين من يقطنون فيها ابا عن جد .. معنى كل ذلك ان صراع قوى السودان الجديد الفكري والسياسي يجب تصويبه على هذه النخب / الطبقة التي تحكم البلاد منذ الاستقلال من حيث انها طبقة ومفاهيم ومصالح وليس على اساس انهم عنصر او دين او جهة قبلية كانت او جغرافية.

    الاحتمال الآخر لدلالات مصطلح (الاسلاموعربية) من السياق الذي يرد فيه عند من يستعملونه هو انكار عروبة عرب السودان او من يشعرون او يعتقدون انهم سودانيون عرب والاستهزاء بهم من خلال تصويرهم بانهم مدعيين وهاربين من اصولهم ، واذا صح هذا الاحتمال فانه يعبر في المقام الاول عن نهج عنصري صارخ قصد اصحابه ذلك ام لم يقصدوا اذا كيف لاحد ان ينكر على احد شعوره او حتى اختياره ؟؟ وكيف يفرض عليه نظاما حاكما او كان حاكما بانه يمثله عرقيا ودينيا ؟؟

    اختصارا ، نعتقد ان من اوجب واجبات قوى السودان الجديد ان تستعمل سلاح الفكر بعمق ، ان تختار وتشتق مصطلحاتها بدقة وان لا يظلم احد احدا في محاكمات الماضي والحاضر بعيدا عن المذنب الحقيقي طالما كان الهدف هو كيف نكون كلنا سودانيين في المقام الاول مشتركين في حقوق وواجبات متساوية في ظل دولة المواطنة وسيادة حكم القانون على طريق سودان موحد عملاق مزدهر مستقر ومتفاعل مع محيطه العربي والافريقي والدولي ضرورة ..

    ( 2 )

    صاحبنا لايعرف كثير شئ عن المصارف ونظمها والقوانين التي تحكم الحقوق والواجبات بينها وبين عملائها ويحمد الله على كل حال .. ظرفين محددين خلقا له علاقة ببنك النيلين / فرع ميدان الامم المتحدة ، الاول ان شقيقته الكبرى كانت تعمل فيه منذ ان كان اسمه بنك البحر الاحمر والتي فتحت له فيه حساب توفير قبل حوالي ثلاثين عاما من الآن ، والثاني ان شقيقه الاصغر كان يعمل في العراق وكانت تحويلات العاملين في العراق لذويهم هنا في السودان تاتي عبر هذا الفرع تحديدا ، ففتح له حسابا بالدولار في هذا الفرع باسمه لتسهيل الصرف بموجب رغبة وطلبات ذلك الشقيق المغترب .. في مطلع العام 1993 كان خارجا لتوه من المعتقل وجهاز الامن قد جرده من كل حطام الدنيا نقدا كان او ممتلكات بالمصادرة والاغتنام .. وبعد ان تلفت طويلا قرر الاعتداء على دولارات شقيقه في بنك النيلين لمواجهة متطلباته الملحة فتوكل على الله وذهب الى البنك لمقابلة الموظفة المختصة التي صعقته بنبأ ان جهاز الامن قد حظر هذا الحساب الذي باسمه بخطاب مؤرخ في 25 مايو 1992 !! كل المحاولات لرفع الحظر لم تجدي الى ان غادر البلاد مضطرا بمعاونة بعض (الكفار) من (عملاء الصهيونية والاستكبار) .. وعندما عاد مع التجمع في اطار برنامج التحول الديمرقراطي ورفع الضرر عن المتضررين ذهب الى البنك المذكور مستفسرا عن ذلك الحساب ليكتشف انهم لايعرفون شيئا عنه او ماتم حوله لانهم يتخلصون من ارشيفهم حرقا كل 10 سنوات !!

    هل المصارف تخضع لاوامر اجهزة الامن في حق من تلاحقهم وتعتقلهم لاسباب سياسية مدنية بحتة لاتمت بصلة للمخالفات الجنائية او الاقتصادية ؟؟ وهل حقوق مايودعه المودعون في المصارف السودانية تسقط عنهم بالتقادم ( 10 سنوات مثلا ) ؟؟ سبق وان قال انه لايعلم شيئا في عالم المصارف ..

    وفي زيارة لاحقة للبلاد ، واثناء تنقيبه في اوراق قديمة مليئة بالاتربة وجد دفتر حساب التوفير الذي كان قد نسيه تماما ووجد لنفسه رصيدا به حوالي الف وسبعمائة جنيه ، ظن ان ذلك المبلغ وبعد اكثر من عشرين عاما لابد انه ينطوي على ثروة معقولة بالتناسب مع حالته الرقيقة فانطلق بدفتره مسرعا الى بنك النيلين .. اجتهدت الموظفة الصبورة المحترمة ، مستعينة بالجداول والارقام ، لتشرح له لماذا اصبحت الالف وسبعمائة جنيه عام 1986 ، وبارباحها ، تساوي سبعة عشر جنيها ـ بالتمام والكمال ـ الآن !! الا انه لم يفهم شيئا اذا ليس له في دنيا المصارف وتغيير العملة الوطنية علم ..

    يحق للمتسائل ان يسأل عن العلاقة بين المصطلح السياسي وعالم المصارف ليكونا في مقال واحد ، ذلك ماسنشرحة لاحقا ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de