ملاحظة عن الجدل في النقد الادبي عند جورج لوكاتش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 07:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2008, 07:53 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملاحظة عن الجدل في النقد الادبي عند جورج لوكاتش

    ملاحظة عن الجدل في
    النقد الادبي عند جورج لوكاتش



    عبدالرضا جباره
    يعرف تعليق لوكاتش الذي أخذناه من كتابه "معنى الواقعية المعاصرة" نغمة ماركسية مألوفة. وهي ماركسية لانها السمة الرئيسية المميزة لنقد الادبي الماركسي وتكاد تكون السمة الوحيدة عند الكثيرين - هي الاصرار على ان العمل الادبي يجب ان يستوعب في سياق اصوله الاجتماعية الاقتصادية لكي يفهم بطريقة مكتملة. ولكن هذا الاصرار على أية حال ليس الا امرا ثانويا وليس امرا جوهريا عند الدراسات الجمالية الماركسية الناضجة. فهو لا يعدو ان يكون جزءا من طريقة التناول الجدلية المكتملة. وحينما يسمع بعض النقاد كلمة - جدل - فانهم يتحسسون فصل "اوكام، نسبة الى وليام اوكام" وصيغته: لا ينبغي ان نفترض على الاطلاق وجود أي كائن بغير مبرر، وهذا الفصل يبتر الاسم الذي يشير الى كائن لا مبرر لافتراض وجوده) وهناك بعض الصدق في ان كلمة - جدل - مثل الكثير من الكلمات الاخرى، يمكن ان تستخدم بطريقة تجعلها ذات معنى او بغير معنى. كما ان هناك الكثير من الصدق في القول بان الكلمة تكرر اتجاهها في سياق بعض الكتابات الماركسية عن الدراسات الجمالية كقطعة من قطع تجميل واجهة العرض لتخفي نظرة جمالية ميتافيزيقية او نظرة جمالية ميكانيكية ويذهب لوكاتش الى ان هناك جانبين مهمين في - الجدل - يتعرضان للاغفال في اغلب الاحوال. وهما طبيعة العلاقة القائمة على الوحدة. والتناقض بين الذات والموضوع والتصور العلمي للكلية. وبصدد الجانب الاول تؤكد المادية الجدلية ان استقلال الموضوع استقلالا قاطعا عن الذات لا معنى له الا عند نقطة الانطلاق في نظرته المعرفية عند التمييز بين الاتجاهين الاساسيين في الفلسفة المادية والمثالية. اما خارج هذا النطاق فهناك تبادل للتأثير يليهما، والعجز عن رؤية تبادل التأثير نجده في كل ميتافيزيقيا حيث يظل الموضوع بغير مساس او تبدل ولذلك يبقى الفكر - تأمليا - مخفقا في ان يكون عمليا وليس للانسان علاقة بالاشياء الموضوعية مثل الكهرباء او الفحم - بل هناك مركب متغير من العلاقات بين الانسان والبشر الاخرين والعالم الطبيعي. فنحن لا نعرف الواقع الا في علاقته بالانسان وبما ان الانسان هو - صيرورة تاريخية - فالمعرفة والواقع ايضا بالنسبة الى الانسان صيرورتان. وكذلك نطاق "الموضوعية" وحدودها.
    ومن الخطأ المطابقة بين مقولات النظرية المادية في المعرفة. ومقولات الدراسات الجمالية التي تضرب جذورها بعمق في الفاعلية الذاتية: وعلى الاخص مقولة الموضوعية حينما نتناول نمط وجود العمل الفني وبدلا من ان نحاول تحديد الطبيعة - الموضوعية - للعمل الفني كما كانت شيئا مطلق الاستقلال.
    وتتعلق تلك التصورات الخاطئة بدور الكاتب تجاه الحقيقة التي يخلقها. ويدور الناقد تجاه الحقيقة التي يظن انه يكتتشفها في العمل الادبي ويقف عند مجرد تأملها فليس هناك في المجال الادبي ماهو واقعي او حقيقي مستقل تماما عن الطريقة التي نستوعبه بها (فنحن لسنا في مجال نظرية المعرفة) وينبغي علينا لكي نجعل الاشياء ذات معنى (ولفعل نجعل هنا بنية كاشفة) الا نقف عند الواقعي في ذاته بل نمضي الى التكيف الحضاري بأكمله وفقا للاوضاع والاتجاهات. فهو الذي يحدد ان هذا هو الحقيقي او الواقعي وليس ذاك. فأدراك الانسان للعالم ذو طبيعة اجتماعية ويجب ان يكون في مركز الجماليات السلمية تصور عن صلة جدلية بين العمل الفني والعالم خارجه (متضمنا متلقي العمل) وتلك العلاقات. وعلى الاخص العلاقات بين المتلقي ومجتمعه وبين العمل هي التي تحدد واقعية او حقيقة العمل ولا تصبح صفحة من الشعر لا يمكن ان يقرأها أحد صفحة من الشعر ويوحي ذلك بان الناقد الادبي لا ينبغي عليه ان يدرس العمل الفني مستهدفا عزل طبيعته "الموضوعية" وأفرازها في جانب. بل ينبغي عليه ان يستهدف فهم ما يعنيه في سياق معين. وهو سياق يتعلق بكيفية ان تستوعب العمل فئة معينة من الناس تنتمي الى مجتمع معين في زمن محدد. متذكرا دائما ان الانسان هو في وجه من وجوهه "خلاصة مركزة للماضي" وان ما يكون عليه الانسان في لحظة معطاة يتضمن تأثير التجربة الاجتماعية للانسان في سريان الزمان حتى تلك اللحظة، وبناء على رؤية جورج لوكاتش فان علاقة الذات بالموضوع ليست علاقة جامدة ساكنة لذلك يجب الافصاح في منظوره النقدي افصاحا جليا. وبعبارة اخرى اننا نجد في مقولاته اساسا نظريا متسقا في علاقة الذات والموضوع وان العمل الفني لا تمكن مناقشته ابدا بطريقة غير تاريخية وفقا لمصطلحات "جمالية خالصة" بل تجب مناقشته دائما في سياق محدد وبتقديري. ان ما يريد ان يقوله - جورج لوكاتش - ان كل فعل انساني يمتلك بنية وظيفية او بنية ذات دلالة، ودراسة تلك الافعال تستتبع من جهة تحليلا داخليا يستهدف فهم الفعل بالكشف عن بنيته الجوهرية الباطنة وما يلحق بذلك من الدلالة الكامنة للعناصر المتباينة الداخلة في علاقة معطاة ومن جهة اخرى يستتبع تحليلا خارجيا يستهدف شرح الفعل بواسطة ادراج تلك البنية - باعتبارها عنصرا وظيفيا - في بنية اخرى أكبر.
    المصدر :صحيفة طريق الشعب لسان حال الحزب الشيوعى العراقى
    http://www.tareekalshaab.com/issue25-70/25/p6/62.htm
                  

05-17-2008, 10:32 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملاحظة عن الجدل في النقد الادبي عند جورج لوكاتش (Re: zumrawi)

    صالح: أجمل الكتب هي تلك التي لم تترجم إلى العربية بعد!

    GMT 8:00:00 2007 الأحد 27 مايو

    عبدالله كرمون



    --------------------------------------------------------------------------------


    عبد الله كرمون من باريس: ثائر صالح من مواليد بغداد سنة 1959 وقد درس الهندسة الكيمياوية وحصل فيها على بكلوريوس سنة 1984 في فسبريم بالمجر وعلى شهادة الماجستير في الهندسة البتروكيمياوية خلال 1986. غير أنه أدمن نزوعا أدبيا وصحافيا ظل يلاحقه رغم تكوينه العلمي. ذلك أنه منذ تدربه الصحفي في جريدة طريق الشعب ببغداد أواخر السبعينيات فقد استمر في ميله ذاك وتوّج جهوده ثمة بشهادة صحافية من مدرسة الصحافيين العالمية ببودابست.
    لقد نشر العديد من الدراسات والمقالات في مجلات وجرائد عربية إضافة إلى دراسات بالمجرية في علم الأديان المقارن والاستشراق صدرت في مجلات مجرية متخصصة في تأريخ الأديان. كما أنه نشر بعض ترجمات لروايات مجرية ووضع كتابه "لمحات عن الأدب المجري". غير أنه مستمر في نشر متابعاته عن الأدب، الفن والثقافة المجرية في العديد من المجلات والجرائد العربية. فمن خلال هذا الحوار يعرفنا عن بعض انشغالاته تلك وعن تمكنه الجميل من كل ما هو مجري.

    *كيف ارتبطت في البدء بالمجر؛ أرضا وثقافة؟
    ثائر صالح: جئت إلى المجر في العام 1979، ودرست فيها الهندسة البتروكيماوية، وأعمل هنا منذ ذلك الحين في تخصصي هذا، وقد نجحنا في تطوير تقنية لصنع مواد تحسن من مواصفات الأسفلت وتصنع من مخلفات البلاستك، لربما هي مفيدة في بلداننا التي "ابتلت" بحرارة الصيف، فلا يذوب الأسفلت وينوء تحت ضغط عجلات السيارات. خلال هذه الفترة الطويلة تعرفت على البلد وثقافته، وتاريخه ومجتمعه، وعشت التاريخ المجري الحديث وانهيار الحكم الإشتراكي في 1989. والمدخل إلى كل شيء هو إجادة اللغة، فبدون معرفة دقيقة للغة البلد لا يمكن معرفة ثقافة شعبه.
    في بداياتي الصحفية المتواضعة في بلدي، العراق، كنت مهتماً بالموسيقى والفنون، ومن يهتم بالموسيقى لا بد وأن يطلع على إنجازات المجريين في هذا الشأن، فلديهم واحد من أفضل نظم التربية الموسيقية في العالم – والفضل يعود إلى زولتان كوداي (1982-1967) الذي ابتكر هذه الطريقة التي انتشرت في العالم، ووصلت حتى اليابان. وهناك بيلا بارتوك (1881-1945) الذي كان نبراساً لكل من اهتم بتوثيق الفولكلور الموسيقي. وقد جمع بارتوك المادة الموسيقية الشعبية ليس من قرى المجر وحدها، بل من رومانيا والبلقان وبلغاريا ووصل حتى تركيا وبلاد الشام. ولا يزال في أرشيف بارتوك الكثير من التسجيلات العربية في انتظار الباحثين "الأثنوموسيقولوجيين" العرب. وكنت قد كتبت في صحيفة عراقية يومية عن الرقي المجري في مجال الموسيقى، في 1978 على ما أذكر.

    *معروف انشغالك بنقل الأدب المجري إلى العربية، لو تتفضل وتقدم بعض توضيحات عن أهم انجازاتك في هذا المضمار. وماذا عن المترجمين الآخرين عن المجرية؟
    - إهتمامي بالأدب المجري جاء متأخراً، فأنا لم أدرسه في المدرسة ولم يكن تخصصي الأدب كما أشرت. بيد أن وعيي بندرة الترجمات الأدبية المجرية إلى اللغة العربية حفزني إلى الخوض في هذا الحقل الصعب، بالخصوص الشعر، الذي لم يتفق في شأن كيفية ترجمته من لغة إلى أُخرى باحثان، ومع ذلك ينشر الشعر المترجم في كل يوم.
    بدأت بنشر بعض الترجمات في صحيفة الحياة اللندنية في أواخر التسعينيات، وفجأة وجدت نفسي وأنا أعد لنشر مجموعة أصفها اعتباطاً انطولوجيا للأدب المجري، لكنها بالفعل أول شريحة لثلاثة قرون من الأدب المجري باللغة العربية. فيها قصائد لعشرة شعراء، وقصص قصيرة لثلاثة روائيين وقصة شعبية واحدة، مع مقدمة طويلة أعددتها عن تاريخ الأدب المجري. وقد صدرت المجموعة عن دار المدى في العام 2002 بعنوان "لمحات من الأدب المجري".
    ثم قمت بترجمة كتاب رائع صدر في 1904، وكاتبه ميهاي فضل الله الحداد عقيد الجيش الإمبراطوري الملكي (وكانت المجر وقتئذ مملكة تابعة لإمبراطورية النمسا-المجر). عنوان الكتاب هو "رحلتي إلى بلاد الرافدين وعراق العرب"، وهو توثيق أدبي لرحلة العقيد اللبناني الأصل إلى بلاد الشام والعراق لشراء خيول عربية أصيلة لحساب الجيش، وقد صدر الكتاب في بيروت بفضل جهود السيد بدر الحاج والسيدة أمل زين صاحبة دار كتب للنشر أواخر سنة 2004.
    وكان حصول إمره كرتيس على جائزة نوبل للآداب في 2002 هزة كبيرة على الكثير من المستويات. فهو أول كاتب مجري يحصل على الجائزة، وإن استحقها كتاب مجريون آخرون كذلك. ثم أن فوزه أثار عاصفة من النقاشات والإتهامات بسبب كونه كاتباً "مغموراً" في المجر أيضاً، ولا يشتهر إلاّ في ألمانيا بالدرجة الأولى. أما عندنا، فقد احتلت نظرية المؤامرة العناوين فوراً، فوا عرباه، انتزع كرتيس اليهودي الجائزة من فم أدونيس العربي. لم يقرأ أحد من الذين كتبوا عن الأمر في الصحف العربية سطراً واحداً من أعمال كرتيس. في هذه الأجواء ترجمت عملين لكرتيس لا علاقة لهما بموضوع الكاتب الأثير أي الهولوكاوست، صدر أحدهما "المحضر" في مجلة "المدى" عدد 2 سنة 2003 (وللأسف أعاد أحد المحررين صياغة كتابته بلغة عربية متينة فتمزقت تماماً لغة كرتيس التي جهدت في الحفاظ عليها، وهي أهم ما يميزه). بعد ذلك كلفني صاحب دار المدى الأستاذ فخري كريم بترجمة رواية كرتيس الرئيسية، التي عنوانها "لا مصير" وصدرت الرواية في 2005 ضمن سلسلة مكتبة نوبل، كما صدرت كذلك قصتي كرتيس "الراية الإنجليزية" و"محضر" عن دار المدى في نفس العام.
    بدأت في الآونة الأخيرة بنشر بعض المتابعات عن جديد الأدب المجري في صحيفة النهار البيروتية، وبضمنها بعض الترجمات الأدبية. ربما ستكون هذه الكتابات نواة للمحات جديدة من الأدب المجري.
    أما إذا أردنا أن نجري جرداً لما تُرجم من الأدب المجري إلى العربية، فليس هناك أسهل من ذلك، إذ يمكننا عد الإصدارات على أصابع اليد. فقد صدرت مجموعة مختارات من أشعار يوجف أتيلا ومجموعة اخرى لشاندور بتوفي في السبعينيات بترجمة الشاعر فوزي العنتيل (وقد أعيد طبعها مؤخراً)، لكن هذه الأشعار لم تترجم من اللغة المجرية مباشرة. وكذلك لم يترجم المرحوم سعد الله ونوس مسرحية إشتفان أركين الشهيرة "العائلة توت" من المجرية (وهناك ترجمة ثانية للعمل، أعتقد أنها للمرحوم عيسى الناعوري)، مثلما هو الأمر مع ترجمة الناعوري لدراما "تراجيديا الإنسان" التي كتبها إمره ماداتش. كما صدرت مؤخراً "مختارات من الشعر المجري المعاصر" لشعراء السبعينيات من ترجمة المصري محمد علاء عبد الهادي (المجلس الوطني للثقافة في الكويت، 2005)، هي الأخرى عبر لغة وسيطة.
    وربما كنت أنا أول من بدأ بترجمة الأعمال الأدبية المجرية من لغتها الأصلية، وسرعان ما بدأ الشاعر السوري نافع معلا بنشر ترجماته من اللغة المجرية مباشرة، فصدرت له رواية "الأقارب" لجيغموند موريتس (دار المدى)، ومسرحية "لعبة القطة" لإشتفان أركين (المدى)، تبعها عدد من منشورات دار الحوار في اللاذقية، هي: رواية إمره شاركَدي: الجبانة، وقصتا شاركدي: المجنونة والمختلف - العاصفة، رائعة أندره فَيَش: مساء الخير أيها الصيف.. مساء الخير أيها الحب، وكذلك عمل أدره فيش: مقبرة الصدأ. وبالتأكيد كان الجهد الذي بذلته في التعريف بأدب وثقافة المجر في كتاباتي الكثيرة في الصحف والمجلات العربية وراء التكريم الكبير الذي حصلت عليه بتقليدي وسام إستحقاق الجمهورية المجرية من فئة صليب الضباط سنة 2004.

    *ماذا يمكنك أن تقوله لنا عن الأدب المجري المعاصر وعن أهم حساسياته؟ وماذا يكتبه الكتاب الشباب منهم؟
    - الأدب انعكاس للمجتمع، هو مرآته في اللحظة المعينة. فالمواضيع التي يتطرق إليها الكتاب والشعراء هي ما يشغل المجتمع عموماً. بالطبع تجد دوماً كتاب وشعراء (وفنانين بالمعنى الأوسع للكلمة) ممن لا يرتبط إبداعهم بزمن معين أو ظاهرة معينة، بسبب الشحنة الإنسانية الكثيفة التي يحملها مما يحولهم إلى مبدعين خالدين. فاليوم أيضاً نقرأ شيكسبير أو بودلير أو المتنبي، ونستمع إلى موسيقى باخ وسيد درويش، ونتمتع بفن دورر والواسطي وبيكاسو. الأدب المجري المعاصر متنوع، لكنه بعيد عن هموم المواطن العربي المسكين، وهي هموم كثيرة أكبر من طاقته. هنا يهتم الكاتب المجري مثلاً بحقوق الأقليات، وعندهم الأقليات ليست دينية أو قومية فحسب، بل إثنية واجتماعية كذلك: مثلاً تهتم كريستا بودِش الكاتبة المجرية الشابة بهذه المواضيع، وتبحث حال الأقلية، أية أقلية كانت، في المجتمع. ماذا يعني أن تكون غجرياً في مجتمع مليء بالأحكام الجاهزة ضد الغجر، وماذا لو كان هذا الغجري امرأة، وفوق ذلك إمرأة مثلية! أو كيف يتعامل المجتمع مع الأطفال، وهل يستمع إلى رأيهم أحد؟
    الصورة الأدبية اليوم متنوعة، هناك الكتاب والشعراء النجوم (وهذا واقع، في كل مكان، حتى عندنا) الذين تمتلئ صفحات الجرائد وأوقات بث الفضائيات بأخبارهم، وهناك الذين لم يحالفهم الحظ في الشهرة (أو قل الذين لم يتمكنوا من تسويق أنفسهم وبضاعتهم بشكل ذكي). لكن الأدب الحقيقي يبقى واضحاً، سواء امتدحه زملاؤنا الصحفيون أم أهملوه لضآلة "القيمة الخبرية". إمره كرتيس هو مثال ساطع على هذا الأمر، فقبل فوزه بنوبل الآداب لم يعره أحد أي اهتمام، وهو الآخر لم يطمح إلى النجومية برغم عمق ما أنجز. وفجأة عرفه الجميع بين ليلة وضحاها، ثم ما لبثوا أن تناسوه بعدما فشلوا في فهم ما يقول: لكن ماذا يقول كرتيس؟ يقول: لا تستطيع أمة أن تنظر إلى الأمام دون أن تتصالح مع ماضيها. هذه بالضبط مشكلة المجريين الذين لم يتمكنوا من هضم ماضيهم القريب – خسارتهم لثلثي أراضي المملكة المجرية إثر صلح تريانون (1920) بعد أن كانوا يحكمون سلوفاكيا وترانسلفانيا وكرواتيا والبوسنة نيابة عن تاج آل هابسبورغ في إمبراطورية النمسا-المجر، أي أنهم كانوا يضطهدون الشعوب المجاورة نيابة عن القيصر فرانتس يوزف الذي كان يضطهدهم هم! ثم دورهم في الحرب العالمية الثانية ووقوفهم إلى جانب هتلر. لم يتمكنوا من طي صفحة كل هذه الهزات. وأعتقد أن للعرب ما يتعلموه من أعمال كرتيس، وهو دراسة الماضي وطي صفحته بتجرد وموضوعية وحيادية وبراغماتية دون إطلاق أحكام أخلاقية، حتى يصبحوا قادرين على النظر إلى المستقبل. لأننا لا نزال أسرى الماضي، فعرّضنا المستقبل إلى الضياع.
    لا بد هنا من التطرق إلى الإنجازات الهامة لعدد من الأدباء المجريين المعاصرين، مثل بيتر أسترهازي، وبيتر نادَش (الذي احترف التصوير الأدبي والفوتوغرافي كذلك)، وجورج شبيرو وجورج كونراد ولايوش ﭙـارتي ناج وآخرون غيرهم. من الصعب الجواب على هذا السؤال بسطور قليلة، لذلك أدعو القارئ الذي يطمح إلى المزيد لزيارة موقعي المتواضع على الإنترنت حيث يجد كتاباتي عن الأدب المجري وغيره من المواضيع http://thaier.jeeran.com

    *ماذا عن الفكر المجري بعد جورج لوكاتش، وهل طوّر أتباع هذا الأخير، الكثيرون، أدوات المعلم؟ ومَن هم إذن الفلاسفة البارزون في المجر اليوم؟
    - توفي لوكاتش في 1971 بعد عمر طويل قضاه في النشاط الفكري إذ كان من أبرز الفلاسفة الماركسيين في القرن العشرين. لابد هنا من تثبيت حقيقة: كان لوكاتش مضطراً لمسايرة الخط الشيوعي الرسمي (السوفيتي) رغم أنه كان يميل إلى معارضة النهج التوتاليتاري. وقد اصطدم مع الخط الرسمي مراراً، خاصة عندما دعم رئيس الوزراء الشيوعي إمره ناج الذي قاد المجر أبان ثورة 1956 التحررية ضد السوفيت (أعدمته سلطة كادار الموالية للسوفيت في 1958). ولم يصبح لوكاتش عضواً في الحزب الحاكم (حزب العمال الإشتراكي المجري) إلا في 1967. من بين أبرز تلاميذه آغنش هَلَّر (1929-) وجورج ماركوش وغيرهم ممن انتموا إلى ما يسمى باسم مدرسة بودابست. ولا تزال هَلَّر تنشط في الأوساط العلمية، إلى جانب تلاميذ مدرسة بودابست وأبرزهم يانوش كِش (1946-).

    *ما هي مشاريعك حاليا حول تناولك للفكر المجري؟
    - بدأت قبل فترة وجيزة ترجمة رواية للشاعر والكاتب المعروف ميهاي بابيتش (1883-1941) وأطمح إلى أنجاز الترجمة وإصدارها في العام المقبل بمناسبة الذكرى 125 لولادته. كما أواصل مراسلة الصحف العربية وإمدادها بما يستجد في حقل الثقافة في المجر.

    *ما هو أجمل كتاب مجري تنصح القارئ بالإطلاع عليه؟
    - هذا سؤال خبيث، فأجمل الكتب هي تلك التي لم تترجم إلى العربية بعد!

    *ما هي،في المجر، أصداء ضجة المجري الأصل بفرنسا؟ كيف يرى المجريون انتسابه إليهم؟ أم هل ما تزال في نفوسهم بقايا حنق ضد اليهود والغجر؟
    -لا يهتم المجريون كثيراً لفوز شاركوزي (وهو اللفظ المجري لأسم الرئيس الفرنسي الجديد)، إذ تقبلوا نكرانه لجذوره. فهو أفصح مراراً عن انتمائه الفرنسي، وكونه ابن مهاجر إلى فرنسا يفرض عليه (في صفوف اليمين على الأقل) التنكر لأصوله، والمزايدة القومية الفرنسية لمعادلة جذوره المهاجرة. وهذه ليست قضية عصية على الفهم، إذ يسعى المنصهرون في مجتمع جديد إلى المزايدة القومية لكسب رضى القوى القومية فيه. ولدينا أمثلة مجرية على ذلك، منها أفصح شاعر مجري وهو شاندور بتوفي، الثوري الرومانطيقي الذي قتل في 1849 أبان الدفاع عن الثورة المجرية التحررية ضد حكم هابسبورغ. هذا الشاعر الذي ولد بأسم ألكسندر بتروفيتش وأصوله سلوفاكية، أضحى رمزا قومياً مجرياً إلى هذا اليوم، وقد عاش 26 سنة فحسب، وخلف وراءه شعراً فصيحاً جمعوا ألفاظه في معجم اسموه معجم بتوفي، وديواناً شعرياً ثميناً (رغم تفاوت شعره وتناقضه من الناحية الأدبية). ولم يصل بتوفي إلى هذه المرتبة دون المزايدة القومية المجرية والتنصل عن جذوره. عن ساركوزي تقول كِنغا غونتس وزيرة الخارجية المجرية في مقابلة أجرتها معها الزميلة ناجية الحصري (الحياة 19/5/2007): أن المجر لا تعول كثيراً على وصول نيكولا ساركوزي إلى سدة الرئاسة الفرنسية حتى لو كان من اصول مجرية لجهة والده، فهو في رأيها "فرنسي جداً ولا يحمل من المجر سوى اسم العائلة".

    *نقرأ في الصفحة 213 من الترجمة الفرنسية لكتاب ستيفان فيزينتسي المكتوب بالانجليزية "مديح النساء الناضجات" ما يلي: "الديكتاتورية درس لا ينتهي، درس يعلمكم بأن أحاسيسكم، أفكاركم، رغباتكم، ليس لها أدنى ثقل، وبأنه ليس لكم وجودا مستقلا وبأن عليكم أن تعيشوا كما قرره أخرون مكانكم. أما ديكتاتورية أجنبية فتعلمكم هي أن تيأسوا بشكل مزدوج: لا تساوون شيئا وليس وطنكم يساويه أيضا. غير أن أجراس هونيادي ليست تخاطبنا بنفس اللهجة، فهي توضح لنا حمولة الفعل التاريخي الهائلة: أن نربح أو أن نخسر فمن الممكن أن نفعل شيئا كي نجنب الذين سيأتون من بعدنا من أن ييأسوا لقرون عديدة". ما تعليقك أستاذ ثائر؟ وماذا عن "أجراس هونيادي"، إن كتبتُ جيدا هذا الاسم؟
    - هونيادي هو قائد مجري في الحرب ضد الإحتلال العثماني (وقد احتل العثمانيون أجزاء واسعة من المجر لقرن ونصف القرن). وتعبير أجراس هونيادي يعود إلى انتصار يانوش هونيادي في معركة ناندورفَيِرفار ضد العثمانيين صيف سنة 1456، وبأمر من البابا كاليكستوس الثالث تقرع الأجراس في منتصف نهار كل يوم تذكيراً بأول نصر يحرزه الأوروبيون. والأمر يعود إلى مرحلة في التاريخ المجري (والأوروبي) عندما كان الصراع على السيطرة قائماً بين أوروبا الكاثوليكية والدولة العثمانية. أحب هنا أن أثير رأياً سيعلق عليه إخواننا الذين لم يتحرروا من ثقل التركة التاريخية، وهو أن التوغل العثماني في أوروبا لم يكن "فتحاً" للإعلاء من شأن الإسلام ونشره، بل حرباً توسعية للنهب غلفت بغلاف ديني. بالمقابل لم يكن رد فعل أوروبا الكاثوليكية دفاعاً عن المسيحية بقدر ما كان دفاعاً عن مصالح بعض الحكام والملوك. فقد تحررت المجر من العثمانيين في 1686 لتسقط في متاهة الإحتلال النمساوي الهابسبورغي لغاية 1918، وقد عانت الأراضي المجرية المتحررة من العثمانيين من حرب طائفية دموية شنها الكاثوليك ضد البروتستانت الذين انتعشت كنيستهم في كل أراضي المجر العثمانية وقتها تقريباً بسبب اهتمام العثمانيين بأمور الدنيا وليس الدين.
    وعودة إلى فِيْزَنْتْسَي، فهو كاتب كندي من أصول مجرية لا يعرفه المجريون لأنه كتب أعماله بالإنكليزية، وقد اشتهر عمله المذكور بعد تحويله إلى فلم في 1978 إبان الثورة الجنسية التي اكتسحت أوروبا الغربية، وقد ارتبط الفلم بفضيحة لا علاقة لها بمحتوى الفلم، بقدر ارتباطها ببيع المنظمين تذاكر فاق عددها عدد كراسي الصالة التي عرض فيها الفلم أثناء مهرجان تورونتو العالمي آنئذ. والإقتباس يذكرني بكلام إمره كرتيس عن الدكتاتورية في قصته البديعة "الراية الإنجليزية"، وبرائعة جولا إييَش "جملة واحدة عن الإستبداد".

    *أي مقطع جميل تحبه أكثر في الأدب المجري؟
    - وهذا سؤال خبيث آخر! لكن دعني أقتبس لك من قصيدة أندره آدي (1877-1918) الخادم العجوز المنشورة في "لمحات من الأدب المجري":

    يدقون على قلبي
    على باب جميلة جليلة
    ويأتي الضيوف
    في صفوف.

    وخادمٌ عجوز، مُستَهْلك
    بظهرٍ شائخٍ ينحني بهِمّة
    سيده ارتحل
    منذ زمن بعيد بعيد.

    "كان سيداً جيداً وأقام هنا
    غادر حزيناً، اضطر الذهاب
    ليس في بيته سواي
    وحتى أنا ما عدت أنتظره"


                  

05-19-2008, 09:10 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملاحظة عن الجدل في النقد الادبي عند جورج لوكاتش (Re: zumrawi)

    ك» لروبرتو كلاسو: أدب كافكا ونعمة التأويل
    فيصل دراج الحياة - 07/03/06//

    ربما يكون الروائي التشيكي فرانز كافكا محظوظاً بذلك الحشد المتعدد الذي درس اعماله، وربما يكون هذا الحشد من النقاد محظوظاً لأنه عثر على اديب تتيح اعماله تأويلات عدة.

    فبعد ان كتب فالتر بنيامين دراسة وجيزة عن كافكا، عقد جورج لوكاتش، في كتابه «دلالة الواقعية النقدية اليوم»، مقارنة بينه وبين توماس، اعقبه الفرنسي روجيه غارودي بمداخلة، حظيت بالشهرة حينها في كتابه «واقعية بلا ضفاف». بعد هؤلاء الماركسيين الثلاثة طبقت مارت روبير على الروائي التشيكي منهج فرويد في اكثر من دراسة أهمها ما جاء في كتابها «اصول الرواية ورواية الاصول»، وصولاً الى الايطالي ماسيمو كاتشياري الذي انجز عنه قراءة فلسفية في «ايقونات القانون»، ادرج فيها اشياء من الفلسفة اليهودية. هذا اضافة الى مقاربة الفرنسي جورج بتاي، التي جاءت في كتابه «الادب والشر»، مساوية بين الكتابة و «أرض الميعاد». بدا كافكا، في هذه الدراسات جميعاً، نصاً مفتوحاً متعدد المستويات، يحيل على الموت والحداثة الاوروبية الخائبة والاغتراب الوجودي وعلى طفل قلق مضطرب الطفولة يصفي حسابه مع والده بمعادلات روائية.

    كان لوكاتش قد رأى في مجازات «المحاكمة» و «القصر»، روايتي كافكا الاكثر شهرة، تعبيراً عن العدم، اذ في الوجود قوة فاسدة مستبدة، غائمة المكان وملتبسة الوجود، ولا يعرف أحد الطريق المؤدي اليها. لم يثن الناقد الهنغاري على ما قرأ، بل رأى فيه اغتراباً مريضاً يكتفي باللواذ ويبشر بالموت.

    في كتابه الصادر حديثاً باللغة الفرنسية بعنوان «كاف. K» (غاليمار 2005) يبدأ الناقد الايطالي روبرتو كلاسو بما بدأ به لوكاتش، دون ان ينتهي الى ما انتهى اليه، لامحاً وراء التشاؤم الطليق درباً جميلاً يفضي الى فردوس محتجب. كتاب لامع التركيب غريب العنوان، لولا صورة على الغلاف، تعلن ان «كاف» هو كافكا، في انتظار صفحات الكتاب التي تعلن ان «كاف» هو بطل الروايتين، اللتين نقض لوكاتش تشاؤمهما العابق بارادة توماس مان المزهرة. والامر في الحالات جميعاً قائم في فك اسرار الحرف الغامض «كاف»، الذي قاد كافكا وهو ينقب عن معنى الوجود، كما لو كان الروائي قد التقى بحرف راشد ومرشد يرشده في رحلة معتمة تنفتح على نور. لن يكون عمل الناقد الايطالي، والحال هذه، الا التعرف على الحرف الذي آنس كافكا في رحلته الروائية مدللاً، بوضوح وغموض في آن، ان في معنى الحرف ما يحيل على الحجب والستر والاخفاء، وأن دور النقد انطاق الحرف الغامض ونزع اقمطته المتعاقبة.

    معنى وراء الحرف وواقع وراء الواقع ونص وراء النص، وما يرى لا خير فيه، لأن جوهر المعنى قائم في هذا «الوراء». كان كافكا قد كتب عام 1914 روايته «المحاكمة» وأعطى الشخصية الاساسية فيها اسماً هو «جوزف . K» بعد ثمانية اعوام استعاد الشخصية من جديد في روايته «القصر»، حاذفاً اسم جوزف ومكتفياً بـ «كاف».

    لم يكن مصير الشخصيتين متماثلاً، فقد حُكم بالاعدام على الاول منهما، وذلك في محكمة متجهمة غامضة مغلقة النوافذ، بينما بقي الثاني يدور تائهاً حول مبنى متواضع، باحثاً عن عمل لن يعثر عليه. والسؤال هو: كيف استقدم كافكا الى روايته الثانية شخصية روايته الاولى التي حكم عليها بالموت وواراها التراب؟ وهل الموت يحسم نصف الشخصية «جوزف» ويترك النصف الآخر «كاف» حياً بين الأحياء؟ كان كافكا في الروايتين قد جرّد الواقع من تفاصيله، منشئاً واقعاً هندسياً بارداً، يتحرك فيه بشر أقرب الى الأرقام، وكان قد وضع في الروايتين ايضاً محكمة متجهمة الوجوه، تقضي بالموت حيناً وتقصي «كاف» عن الجماعة المختارة حيناً آخر. لن يكون «كاف»، كما يرى كلاسو، الا رقماً غامضاً لا يستعصي حله، او اشارة جبرية تشير الى ما يتحول ويتبدل ولا ينتهي. ولهذا يغيب جوزف كاف في «المحاكمة» ويعود «كاف» من جديد في «القصر» كما لو كانت المحاكمة قد اعدمت جزءاً من الرجل، دون ان تستطيع ان تعدمه كاملاً. يتكشف في هذا الاعدام الجزئي امران: أمر يذيع التفاؤل مبيناً ان الانسان المتهم تفادى ضربة المحكمة اللئيمة، وأمر اخلاقي يقضي على المتهم الناجي ان يقاضي المحكمة الظالمة وأن يعيد ترتيب العالم.

    كان على «كاف» الناجي، كما يرى الناقد الايطالي، ان يواجه عالماً واسعاً في غموضه وغامضاً في اتساعه، ينطوي على وجود مدثر بالاسرار وعلى حياة اجتماعية مملوءة بالقهر والاغتراب. يتوحد الاجتماعي والكوني منتهيين الى كتلة صماء لا سبيل الى السيطرة عليها. ولعل هذه الوحدة الكتيمة القاهرة هي التي جعلت كافكا يتخفف من التفاصيل اليومية، مؤسطراً الواقع او واضعاً في اسطورة «كاف» (اسم اله في الفلسفة الهندية) أبعاداً واقعية. وما دور الاسطرة الا تحرير الواقع، ان كان واقعاً، من اسر الزمان والمكان، واستعادة تاريخ كالح لا تاريخ فيه، حيث التاريخ «ممر من عالم الى آخر، ومن نظام الى آخر، ومن ركام الى آخر. انه تاريخ هشاشة النظام: النظام القديم والنظام الجديد. تاريخ اطلالهما المتأبدة».

    من أين يأتي التفاؤل ان كان التاريخ كله حطاماً متجدداً؟ يأتي عند روبرتو كلاسو من نعمة القياس. فاذا كان في رواية «المحكمة» جحيم يقضي بالموت، فإن في رواية «القصر» مطهراً، يتلوه فردوس قادم ولا يرى. طبق الناقد الايطالي على كافكا اشياء من الفلسفات الهندية ومن عمل دانتي: «الكوميديا الالهية»، اضافة الى عناصر من الاسطورة، ذلك أنه باحث ممتاز في الادب والاديان والاساطير معاً. لا غرابة ان ينهي بحثه مشدداً على «نعمة الحب»، التي اثنى عليها كافكا، والتي تسعف «الرقم الانساني» على تفادي ضربة مهلكة. يوطد كلاسو المعنى الذي وصل اليه بالرجوع الى شذرات كتبها كافكا عام 1917، نشرها ماكس برود لاحقاً تحت عنوان: «ملاحظات حول الخطيئة، الألم، والامل والطريق القديم». والسؤال السريع: لماذا كل هذه الدورة المرهقة للبرهنة على قول لا يحتاج الى برهان؟ من اللافت ان جورج بتاي، كما ماسيمو كاتشياري، قد توقف امام الوعي الاسيان الكافكاوي، الذي رأى الى انسان يصل الى «ارض الميعاد» ويموت، معوضاً الرحلة بلقاء وجيز ومواجهاً قصر حياة الانسان بوعد جميل شحيح.

    في 400 صفحة يقدم روبرتو كلاسو دراسة متأنقة لا تنقصها الصعوبة ولا الاسلوب الصقيل ولا المعارف الغزيرة. انه عمل الموسوعي المغتبط، الذي يبهر ويفتن ولا يأتي بجديد نوعي. فما جاء به قال به بصوت مهموس جورج بتاي، تاركاً القارئ يصل الى ما يريد ان يصل اليه. ومع ان مارت روبير أخذت في كتابها «رواية الاصول واصول الرواية»، وله ترجمة ممتازة بالعربية منذ زمن، بمقاربة اخرى، فقد قدمت، وهي تقرأ كافكا على ضوء سيرته الذاتية، العمل الاكثر دقة واحكاماً عن الروائي التشيكي. ان كان في عمل كلاسو ما يثير الفضول فهو الحوار المدهش، صريحاً كان أو مضمراً، بين نقاد مختلفين ينتمون الى مدارس فكرية مختلفة. انها بهجة الاختلاف العارف الدؤوب، التي لم تعثر على تربة موائمة لها في «اقفاص» العالم العربي الواسع.


    «ك» لروبرتو كلاسو: أدب كافكا ونعمة التأويل


    فيصل دراج الحياة - 07/03/06//



    ربما يكون الروائي التشيكي فرانز كافكا محظوظاً بذلك الحشد المتعدد الذي درس اعماله، وربما يكون هذا الحشد من النقاد محظوظاً لأنه عثر على اديب تتيح اعماله تأويلات عدة.


    فبعد ان كتب فالتر بنيامين دراسة وجيزة عن كافكا، عقد جورج لوكاتش، في كتابه «دلالة الواقعية النقدية اليوم»، مقارنة بينه وبين توماس، اعقبه الفرنسي روجيه غارودي بمداخلة، حظيت بالشهرة حينها في كتابه «واقعية بلا ضفاف». بعد هؤلاء الماركسيين الثلاثة طبقت مارت روبير على الروائي التشيكي منهج فرويد في اكثر من دراسة أهمها ما جاء في كتابها «اصول الرواية ورواية الاصول»، وصولاً الى الايطالي ماسيمو كاتشياري الذي انجز عنه قراءة فلسفية في «ايقونات القانون»، ادرج فيها اشياء من الفلسفة اليهودية. هذا اضافة الى مقاربة الفرنسي جورج بتاي، التي جاءت في كتابه «الادب والشر»، مساوية بين الكتابة و «أرض الميعاد». بدا كافكا، في هذه الدراسات جميعاً، نصاً مفتوحاً متعدد المستويات، يحيل على الموت والحداثة الاوروبية الخائبة والاغتراب الوجودي وعلى طفل قلق مضطرب الطفولة يصفي حسابه مع والده بمعادلات روائية.


    كان لوكاتش قد رأى في مجازات «المحاكمة» و «القصر»، روايتي كافكا الاكثر شهرة، تعبيراً عن العدم، اذ في الوجود قوة فاسدة مستبدة، غائمة المكان وملتبسة الوجود، ولا يعرف أحد الطريق المؤدي اليها. لم يثن الناقد الهنغاري على ما قرأ، بل رأى فيه اغتراباً مريضاً يكتفي باللواذ ويبشر بالموت.


    في كتابه الصادر حديثاً باللغة الفرنسية بعنوان «كاف. K» (غاليمار 2005) يبدأ الناقد الايطالي روبرتو كلاسو بما بدأ به لوكاتش، دون ان ينتهي الى ما انتهى اليه، لامحاً وراء التشاؤم الطليق درباً جميلاً يفضي الى فردوس محتجب. كتاب لامع التركيب غريب العنوان، لولا صورة على الغلاف، تعلن ان «كاف» هو كافكا، في انتظار صفحات الكتاب التي تعلن ان «كاف» هو بطل الروايتين، اللتين نقض لوكاتش تشاؤمهما العابق بارادة توماس مان المزهرة. والامر في الحالات جميعاً قائم في فك اسرار الحرف الغامض «كاف»، الذي قاد كافكا وهو ينقب عن معنى الوجود، كما لو كان الروائي قد التقى بحرف راشد ومرشد يرشده في رحلة معتمة تنفتح على نور. لن يكون عمل الناقد الايطالي، والحال هذه، الا التعرف على الحرف الذي آنس كافكا في رحلته الروائية مدللاً، بوضوح وغموض في آن، ان في معنى الحرف ما يحيل على الحجب والستر والاخفاء، وأن دور النقد انطاق الحرف الغامض ونزع اقمطته المتعاقبة.


    معنى وراء الحرف وواقع وراء الواقع ونص وراء النص، وما يرى لا خير فيه، لأن جوهر المعنى قائم في هذا «الوراء». كان كافكا قد كتب عام 1914 روايته «المحاكمة» وأعطى الشخصية الاساسية فيها اسماً هو «جوزف . K» بعد ثمانية اعوام استعاد الشخصية من جديد في روايته «القصر»، حاذفاً اسم جوزف ومكتفياً بـ «كاف».


    لم يكن مصير الشخصيتين متماثلاً، فقد حُكم بالاعدام على الاول منهما، وذلك في محكمة متجهمة غامضة مغلقة النوافذ، بينما بقي الثاني يدور تائهاً حول مبنى متواضع، باحثاً عن عمل لن يعثر عليه. والسؤال هو: كيف استقدم كافكا الى روايته الثانية شخصية روايته الاولى التي حكم عليها بالموت وواراها التراب؟ وهل الموت يحسم نصف الشخصية «جوزف» ويترك النصف الآخر «كاف» حياً بين الأحياء؟ كان كافكا في الروايتين قد جرّد الواقع من تفاصيله، منشئاً واقعاً هندسياً بارداً، يتحرك فيه بشر أقرب الى الأرقام، وكان قد وضع في الروايتين ايضاً محكمة متجهمة الوجوه، تقضي بالموت حيناً وتقصي «كاف» عن الجماعة المختارة حيناً آخر. لن يكون «كاف»، كما يرى كلاسو، الا رقماً غامضاً لا يستعصي حله، او اشارة جبرية تشير الى ما يتحول ويتبدل ولا ينتهي. ولهذا يغيب جوزف كاف في «المحاكمة» ويعود «كاف» من جديد في «القصر» كما لو كانت المحاكمة قد اعدمت جزءاً من الرجل، دون ان تستطيع ان تعدمه كاملاً. يتكشف في هذا الاعدام الجزئي امران: أمر يذيع التفاؤل مبيناً ان الانسان المتهم تفادى ضربة المحكمة اللئيمة، وأمر اخلاقي يقضي على المتهم الناجي ان يقاضي المحكمة الظالمة وأن يعيد ترتيب العالم.


    كان على «كاف» الناجي، كما يرى الناقد الايطالي، ان يواجه عالماً واسعاً في غموضه وغامضاً في اتساعه، ينطوي على وجود مدثر بالاسرار وعلى حياة اجتماعية مملوءة بالقهر والاغتراب. يتوحد الاجتماعي والكوني منتهيين الى كتلة صماء لا سبيل الى السيطرة عليها. ولعل هذه الوحدة الكتيمة القاهرة هي التي جعلت كافكا يتخفف من التفاصيل اليومية، مؤسطراً الواقع او واضعاً في اسطورة «كاف» (اسم اله في الفلسفة الهندية) أبعاداً واقعية. وما دور الاسطرة الا تحرير الواقع، ان كان واقعاً، من اسر الزمان والمكان، واستعادة تاريخ كالح لا تاريخ فيه، حيث التاريخ «ممر من عالم الى آخر، ومن نظام الى آخر، ومن ركام الى آخر. انه تاريخ هشاشة النظام: النظام القديم والنظام الجديد. تاريخ اطلالهما المتأبدة».


    من أين يأتي التفاؤل ان كان التاريخ كله حطاماً متجدداً؟ يأتي عند روبرتو كلاسو من نعمة القياس. فاذا كان في رواية «المحكمة» جحيم يقضي بالموت، فإن في رواية «القصر» مطهراً، يتلوه فردوس قادم ولا يرى. طبق الناقد الايطالي على كافكا اشياء من الفلسفات الهندية ومن عمل دانتي: «الكوميديا الالهية»، اضافة الى عناصر من الاسطورة، ذلك أنه باحث ممتاز في الادب والاديان والاساطير معاً. لا غرابة ان ينهي بحثه مشدداً على «نعمة الحب»، التي اثنى عليها كافكا، والتي تسعف «الرقم الانساني» على تفادي ضربة مهلكة. يوطد كلاسو المعنى الذي وصل اليه بالرجوع الى شذرات كتبها كافكا عام 1917، نشرها ماكس برود لاحقاً تحت عنوان: «ملاحظات حول الخطيئة، الألم، والامل والطريق القديم». والسؤال السريع: لماذا كل هذه الدورة المرهقة للبرهنة على قول لا يحتاج الى برهان؟ من اللافت ان جورج بتاي، كما ماسيمو كاتشياري، قد توقف امام الوعي الاسيان الكافكاوي، الذي رأى الى انسان يصل الى «ارض الميعاد» ويموت، معوضاً الرحلة بلقاء وجيز ومواجهاً قصر حياة الانسان بوعد جميل شحيح.


    في 400 صفحة يقدم روبرتو كلاسو دراسة متأنقة لا تنقصها الصعوبة ولا الاسلوب الصقيل ولا المعارف الغزيرة. انه عمل الموسوعي المغتبط، الذي يبهر ويفتن ولا يأتي بجديد نوعي. فما جاء به قال به بصوت مهموس جورج بتاي، تاركاً القارئ يصل الى ما يريد ان يصل اليه. ومع ان مارت روبير أخذت في كتابها «رواية الاصول واصول الرواية»، وله ترجمة ممتازة بالعربية منذ زمن، بمقاربة اخرى، فقد قدمت، وهي تقرأ كافكا على ضوء سيرته الذاتية، العمل الاكثر دقة واحكاماً عن الروائي التشيكي. ان كان في عمل كلاسو ما يثير الفضول فهو الحوار المدهش، صريحاً كان أو مضمراً، بين نقاد مختلفين ينتمون الى مدارس فكرية مختلفة. انها بهجة الاختلاف العارف الدؤوب، التي لم تعثر على تربة موائمة لها في «اقفاص» العالم العربي الواسع.




    المصدر : دار الحياة
    جريدة الحياة
    http://www.alhayat.com/culture/03-2006/Item-20060306-d0...50220d5fc/story.html
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de