موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 07:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-11-2007, 01:29 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش
                  

08-11-2007, 01:34 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    جارى تحميل فيلم
    جهاد على الجاد
    الذى تم عرضة يوم الخميس الموافق 9 اغسطس
    احتفالية التضامن مع شعب دار فور
    البرنامج العربى لنشطاء حقوق الانسان

    ( حجاج نايل ... وضاح تابر ... احمد بدوى )


    قاسم المهداوى
                  

08-11-2007, 01:43 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    تتحمل حكومة السودان أوزار "التطهير العرقي" والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في دارفور، وهو من أفقر أقاليم العالم، وأشدها بعداً عن الطرق المطروقة، إذ يقع على الحدود الغربية للسودان مع تشاد؛ فلقد قامت الحكومة السودانية، بمشاركة ميليشيات جنجويد العربية، التي تتلقى السلاح والتأييد من الحكومة، باعتداءات كثيرة على السكان المدنيين الذين ينتمون إلى بعض الطوائف العرقية الإفريقية، مثل طائفة فور، وطائفة مساليت، وطائفة زغاوة. وأشرفت القوات الحكومية، بل وشاركت مشاركة مباشرة، في المذابح المرتكبة ضد المدنيين، ومن بينهم نساء وأطفال، وإعدام بعضهم إعداماً فورياً، وإحراق البلدان الصغيرة والقرى، وإرغام السكان على الرحيل من مساحات عريضة من الأراضي التي طالما أقامت فيها طوائف فور، ومساليت، وزغاوة؛ ولم يتورع أفراد ميليشيات جنجويد، الذين يدينون بالإسلام مثل الطوائف الإفريقية التي يعتدون عليها، عن هدم المساجد، وقتل الزعماء الدينيين للمسلمين، وتدنيس مصاحف أعدائهم.

    وقامت الحكومة بمشاركة حلفائها من ميليشيات جنجويد بقتل الآلاف من طوائف فور ومساليت وزغاوة، وكثيراً ما كان ذلك عمداً، واغتصاب النساء وتدمير القرى والمخزونات الغذائية والإمدادات التي لا غنى للسكان المدنيين عنها. كما قامت بإجلاء ما يربو على مليون من المدنيين، معظمهم من المزارعين، وأسكنتهم في مخيمات ومستوطنات في دارفور، حيث يعيشون على حافة الكفاف، رهائن خاضعين لانتهاكات ميليشيات جنجويد. وفر ما يزيد على 110 آلاف آخرين إلى دولة تشاد المجاورة لذلك الإقليم، وإن كانت الغالبية العظمى لضحايا الحرب ما تزال محصورة في دارفور.

    ولهذا الصراع جذوره التاريخية، ولكنه تصاعد في فبراير/شباط 2003 عندما قامت طائفتان من المتمردين هما "حركة/جيش تحرير السودان"، و"حركة العدالة والمساواة"، اللتان ينتمي أعضاؤهما إلى طوائف فور ومساليت وزغاوة العرقية، بالمطالبة بوضع حد للتهميش الاقتصادي المزمن، والسعي إلى تقاسم السلطة مع الدولة السودانية التي يحكمها العرب. كما طالب هؤلاء الحكومة بالتدخل لوقف انتهاكات منافسيهم، وهم الرعاة العرب الذين اضطروا تحت وطأة القحط والتصحر إلى الزحف إلى أراضي المزارع الإفريقية، والذين يحتمون بميليشيات مسلحة وفقاً لتقاليد العرب الرُّحل.

    وواجهت الحكومة هذا التهديد المسلح والسياسي بالهجوم على السكان المدنيين الذين التحق بعضهم بصفوف المتمردين، ولجأت بصفاقة إلى استغلال الانتماء العرقي فنظمت مشاركة عسكرية وسياسية مع بعض العرب الرحل ومن بينهم طائفة جنجويد، فقامت بتسليحهم وتدريبـهم وتنظيمهم، كما ضمنت لهم في الواقع الفعلي عدم محاسبتهم على ما يرتكبونه من جرائم.
    وتتسم المشاركة القائمة بين الحكومة وجنجويد بالقيام باعتداءات مشتركة على المدنيين لا على قوات المتمردين. وهذه الاعتداءات يشترك في ارتكابها أفراد الجيش السوداني، وأفراد جنجويد الذين يرتدون زياً عسكرياً لا يكاد يختلف عن زي أفراد الجيش.

    ورغم أن عدد أفراد جنجويد دائماً ما يفوق عدد الجنود النظاميين، فإن قوات الحكومة عادة ما تصل أولاً أثناء الهجمات ولا ترحل إلا بعد انقضائها، أو كما قال أحد أبناء القرى النازحين "إنهم (أي الجنود) يرون كل شيء" يفعله أفراد جنجويد "فهم يأتون معهم، ويقاتلون معهم، ويرحلون معهم".

    وكثيراً ما تتلقى الاعتداءات المشتركة بين قوات الحكومة وجنجويد دعماً من القوات الجوية السودانية، وقد أدت اعتداءات كثيرة إلى قتل معظم أفراد المجتمعات الزراعية الصغيرة، بل لقد كان عدد القتلى يصل أحياناً إلى مائة قتيل. ومعظم هذه الأحداث غير مسجلة.
    وقد قضت هيومن رايتس ووتش خمسة وعشرين يوماً في غربي دارفور وفي أطراف الإقليم، سجلت أثناءها الانتهاكات المرتكبة في المناطق الريفية التي كانت من قبل زاخرة بالمزارعين من طائفتي مساليت وفور؛ وشاهدت المساحات الشاسعة من أوطانهم التي تعرضت للحرق والإخلاء من السكان منذ أغسطس/آب 2003، وهي من أخصب مناطق ذلك الإقليم. والواقع أن الريف قد أُفرغ من سكانه الأصليين من طائفتي مساليت وفور، باستثناءات نادرة، بل إن كل ما يلزم للعيش والبقاء - كالثروة الحيوانية والمخزونات الغذائية، والآبار ومضخات المياه، والبطاطين والملابس - قد تعرض إما للسلب والنهب أو للدمار والخراب. ولقد تعرضت القرى للإحراق، لا بصورة عشوائية بل بصورة منتظمة، وكثيراً ما كان الفاعلون لا يكتفون بمرة واحدة، بل يعيدون الكرة.

    وأدى وجود ميليشيات جنجويد، دون ضابط أو رابط، في المناطق الريفية التي أُحرقت، وفي القرى التي أتت عليها النار فهجرها أهلها، إلى نزوح المدنيين إلى المخيمات والمستوطنات المقامة خارج البلدان الكبيرة، حيث يقوم رجال جنجويد بارتكاب القتل والاغتصاب والسلب - بل والسطو على مواد إغاثة الطوارئ - بمنجى من العقاب.

    وعلى الرغم من تكرار الدعوة من جانب المجتمع الدولي إلى التحقيق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فلقد اقتصر رد الحكومة على إنكار وقوع أي انتهاك، ومحاولة تطويع 'المعلومات' ومنع تسرب أية أخبار؛ إذ وضعت حدوداً لما ينشر من أنباء دارفور في الصحف القومية، وفرضت قيوداً على دخول أجهزة الإعلام الدولية إلى الإقليم، وحاولت عرقلة تدفق اللاجئين منه إلى تشاد.
    ولم يستطع فريقا التقييم الرفيع المستوى التابعان للأمم المتحدة من دخول دارفور إلا بعد فترات تأخر طويلة، وبعد الضغط الدولي على الحكومة. ورغم ما وعدت به الحكومة من تيسير وصول البعثات الإنسانية ودخولها دون عائق، فإنها نكثت بوعدها، بل إن الأنباء الأخيرة التي تفيد بأن الحكومة تحاول إخفاء القبور الجماعية وغير ذلك من الأدلة التي تدل على أن الحكومة تعلم حق العلم مدى بشاعة جرائمها وتحاول حالياً التستر على كل ما يشهد عليها.

    وعندما يبدأ الفصل المطير في أواخر مايو/أيار، وما يأتي به من صعوبات في النقل والتموين، يزيد منها سوء حالة طرق دارفور وضعف هياكل البنية الأساسية، فسوف تزداد صعوبة أية رقابة دولية لاتفاق وقف إطلاق النار الهش المبرم في أبريل/نيسان، أو الرقابة على الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان، بل وإمكان الانتفاع بأية معونة إنسانية. ويقول تحذير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إن على الحكومة السودانية أن تكف عما درجت عليه في الماضي وأن تفتح الباب على مصراعيه فوراً للمعونة الإنسانية، وإلا فإن عدداً لا يقل عن 100 ألف من المدنيين المتضررين من الحرب في دارفور قد يموتون بسبب نقص الأغذية، وبسبب الأمراض، في غضون الشهور الاثني عشر المقبلة.

    لقد تباطأ المجتمع الدولي حتى الآن في ممارسة كل ضغط ممكن على الحكومة السودانية حتى تكف عن سياسة التطهير العرقي، وأن تضع حداً للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المرتبطة بذلك والتي سبق اقترافها، وعلى المجتمع الدولي إذن أن يتحرك الآن. وعلى مجلس الأمن الدولي بصفة خاصة أن يتخذ التدابير العاجلة لضمان حماية المدنيين، وتيسير وصول المعونة الإنسانية دون قيود، وإنهاء التطهير العرقي في دارفور - هذا وإلا فلن نلبث أن نجد أن الوقت قد فات
                  

08-11-2007, 01:46 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    معلومات أساسية
    يعتبر دارفور أكبر أقاليم السودان، وهو يقع على حدوده الغربية مع ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد انقسم دارفور منذ عام 1994 إلى ثلاثة أقسام هي الجنوب والغرب والشمال. وأما الجماعات العرقية المهيمنة في غربيّ دارفور فهي جماعتا المساليت والفور، وكثيراً ما توحد أفرادها عن طريق التزاوج بالعرب وبغيرهم من الأفارقة(1).

    ويعتبر غربي دارفور، الذي يزيد عدد سكانه عن 1.7 مليون نسمة(2)، إقليماً مختلط الأعراق، وإن كانت للجماعات الإفريقية الغلبة العددية فيه، ففي مقاطعتي جنينة وهبيلة تمثل طائفة المساليت غالبية السكان (60 في المائة) يعقبها العرب والأفارقة الآخرون وهم تحديداً من طوائف زغاوة، وإرينغا، وغمر، وداجو، وبورغو، وفور. والأغلبية لطائفة فور في زالينغي، وجبل مرة، ووادي صالح. وفي مقاطعة كولبوس يتكون نحو 50 في المائة من السكان من الغمر، و30 في المائة من الإرينغا، و15 في المائة من الزغاوة، و5 في المائة من العرب. وتمثل طائفتا فور ومساليت مجتمعتين غالبية سكان غربي دارفور. أما ما يسمى دار مساليت (وتعني 'ديار' أي وطن طائفة المساليت)(3) فتقع حول مدينة جنينة - عاصمة الولاية - وشمالاً وجنوباً بحذاء الحدود.

    ولأبناء طائفتي مساليت وفور، وغيرهم من المزارعين الأفارقة المستقرين في دارفور (أي من غير الرُّحَّل) تاريخ طويل من المنازعات حول الأراضي مع الرعاة من القبائل العربية، وفي المقام الأول مع أبناء قبيلتي بني حسين الذين يربون الجمال والأبقار في منطقة كبكبية في شمالي دارفور، وبني حلبة في جنوبيّ دارفور. وكانت مظاهر التوتر بين الطرفين لا ينفلت زمامها حتى السبعينيات بفضل وجـود آليات تقليدية لحل المنازعات، تؤكدها القوانين المو######## من عهد الإدارة الأنجلومصرية المشتركة (1898-1956). ورغم نشوب نزاعات حول الموارد، فقد كان التفاوض بين زعماء المجتمعات المحلية كفيلاً بحلها(4). وليس من الصحيح ما تزعمه الحكومة السودانية من أن أحداث العنف الجارية حالياً ليست سوى استمرار للصراعات القَبَلية ذات الطابع الاقتصادي في المقام الأول، وهي التي طالما اندلعت في ذلك الإقليم.

    وقد تضافرت عدة عوامل في العقود الأخيرة، منها فترات القحط المديدة، والتنافس على الموارد المتضائلة، وانعدام الحكم الرشيد والديموقراطية، وسهولة الحصول على الأسلحة النارية، فازدادت إراقة الدماء في المنازعات المحلية، وازداد اصطباغها بالطابع السياسي(5). كما إن حكومة الرئيس عمر البشير قامت في عام 1994 بإعادة تنظيم إداري واسع النطاق في إقليم دارفور، منحت بمقتضاه أفراد الجماعات العرقية العربية مناصب جديدة في السلطة، وهو ما رأته طائفة مساليت، وكذلك طائفتا فور وزغاوة المجاورتان لها، بمثابة محاولة لتقويض دورها القيادي التقليدي وما تتمتع به مجتمعاتها المحلية في وطنها(6).

    ونشبت الاشتباكات الطائفية المسلحة في غربي دارفور وغيرها في عامي 1998 و1999 عندما بدأ العرب الرُّحل في النزوح مع قطعانهم نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد لذلك النزوح(7). وفي غضون اشتباكات عام 1998 أُحرق ما يزيد على ستين قرية من قرى طائفة مساليت، وقرية عربية واحدة، كما قُتل فيها ما يقرب من تسعة وستين من أبناء مساليت وأحد عشر عربياً، ونزح أكثر من 5000 من أبناء الطائفة المذكورة، الذين فر معظمهم إما إلى بلدة جنينة أو إلى تشاد. ورغم الاتفاق على دفع التعويضات للجانبين، وهو الاتفاق الذي عٌقد عن طريق التفاوض مع زعماء القبائل المحلية(8)، فقد استؤنفت الاشتباكات من جديد عام 1999 عندما نزح الرعاة الرُّحل من جديد نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد.

    واتسمت اشتباكات عام 1999 بالمزيد من سفك الدماء، إذ تعرض ما يزيد على 125 قرية من قرى طائفة مساليت للإحراق أو الإخلاء، بصورة كلية أو جزئية، وسقط عدة مئات من القتلى، كان من بينهم عدد من زعماء القبائل العربية. ودفعت الحكومة بالقوات المسلحة في المعمعة محاولةً قمع العنف، بل وعينت أحد العسكريين مسؤولاً عن الأمن العام، وخوّلت له تخطّي سلطة الجميع، حتى ولو كان حاكم ولاية غربيّ دارفور نفسه. وفي عام 1999 عقد مؤتمر مصالحة تم الاتفاق فيه على تعويض خسائر طائفة مساليت وخسائر العرب(9). وتعرض الكثير من المثقفين والأعيان من طائفة مساليت للاعتقال والحبس والتعذيب في المدن، في الوقت الذي بدأت فيه الميليشيات العربية التي تؤيدها الحكومة في مهاجمة قرى مساليت، وقد أدت هذه الاشتباكات أيضاً إلى قتل عدد من الزعماء والمدنيين العرب. وهكذا فإن مؤشر العنف كان يتجه للارتفاع بصورة مطردة.
                  

08-11-2007, 01:53 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة وجنجويد في غربيّ دارفور
    منذ الهجوم الذي شنه جيش تحرير السودان على مدينة الفاشر في أبريل/نيسان 2003، وخصوصاً منذ تصاعد الصراع في منتصف 2003، والحكومة السودانية تتبع استراتيجية عسكرية تستهدف عمداً المدنيين الذين ينتمون إلى الطائفة العرقية للمتمردين.

    واشتركت القوات الحكومية مع ميليشيات جنجويد العربية في الهجوم على طوائف فور ومساليت وزغاوة، من خلال الجمع بين القصف الجوي العشوائي والمتعمد، وبين الحرمان من المعونة الإنسانية، وبين أساليب إحراق الأخضر واليابس، الأمر الذي أدى إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين(10). كما عمدت القوات الحكومية كذلك - بصورة منتظمة وتعسفية - إلى اعتقال الطلاب من طوائف فور وزغاوة ومساليت بل وتعذيبهم أحياناً، إلى جانب النشطاء السياسيين، وغيرهم من الأفراد من دارفور والخرطوم الذين يشتبه في إضمارهم أي قدر من الولاء لحركات التمرد.
                  

08-11-2007, 01:56 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    أحداث القتل الجماعية على أيدي الحكومة وجنجويد
    كشفت التحقيقات التي قامت بها هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار - أبريل/نيسان، عن أحداث قتل واسعة النطاق بلغ عددها أربعة عشر حادثاً في دار مساليت وحدها، إذ راح ضحيتها ما يزيد على 770 مدنياً في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2003 وأواخر فبراير/شباط 2004، ولم تقتصر أحداث دار مساليت على الأحداث المذكورة في تلك الأشهر الستة، ولكنها كانت الأحداث التي استطاعت هيومن رايتس ووتش التحقق من صدقها عن طريق شهادة الشهود وغير ذلك من المصادر الموثوق بها. كما حصلت هيومن رايتس ووتش على معلومات أخرى أدلى بها الشهود الذين شهدوا حالات الإعدام الجماعية في المناطق التابعة لطائفة فور في مقاطعة وادي صالح في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2003 إلى أبريل/نيسان 2004، وعلى الرغم من أن هذه المعلومات أبعد ما تكون عن الاكتمال بسبب صعوبة الوصول إلى الضحايا المقيمين في المدن ومخيمات النازحين التي تسيطر عليها الحكومة، فإنها تدل على أن الاعتداءات على قرى طائفتي مساليت وفور كثيراً ما تتبع أنماطاً متماثلة.
    الاعتداءات والمذابح في دار مساليت
    كانت الأحداث الأربعة عشر التي شهدتها دار مساليت تتضمن كلها هجمات منسقة ما بين الجيش وجنجويد. وقد بدأت أربعة منها بعد التمهيد لها بغارات جوية - اعتباراً من أواخر ديسمبر/كانون الأول 2003. وفي حاثين وقعا قبل آخر ديسمبر/كانون الأول، قامت الطائرات العمودية بنقل المؤن و/أو الجنود إلى المنطقة قبل الهجوم. وفي خمسة أحداث تعرض أحد المواقع للهجوم أكثر من مرة. وفي ستة أحداث على الأقل من بين الأربعة عشر، شمل الهجوم مجموعات من القرى، بلغ عددها ثلاثين قرية في إحدى المرات.

    واعتباراً مـن منتصف 2003 أصبح الهجوم على القرى بدلاً من مواقع المتمردين يمثل القاعدة لا الاستثناء. ولئن كان عدد كبير من القرى الكبيرة يضم وحدات للدفاع عن النفس - وهي التي أنشئت أول الأمر في التسعينيات لتوفير قدر من الحماية من غارات العرب - فإن عدداً كبيراً منها لا يكاد يوجد به أي مسلحين على الإطلاق. أما جيش تحرير السودان في دار مساليت فإنه لم يرسل رجالاً مسلحين للمرابطة في القرى، على الأقل في أثناء زيارة هيومن رايتس ووتش، بل كان الرجال يختبئون تحت الصخور الناتئة وفي الوديان العميقة. ولقد حاول المتمردون في حالات عديدة أن يتدخلوا في الهجمات التي يتعرض لها المزارعون من طائفة مساليت، ولكنهم كانوا لا يصلون إلا بعد وقوع الدمار والهلاك. وفي حالات أخرى كان الإبلاغ عن وجود المتمردين في أحد الأسواق كافياً لانطلاق إحدى الهجمات.

    أما غالبية الضحايا في الهجمات على المساليت التي سجلتها هيومن رايتس ووتش فكانوا من الرجال. وكان السبب، فيما يبدو، أن القرى الواقعة على خط سير قوات الحكومة وقوات جنجويد المحتشدة تتلقى التحذير من الأصدقاء والأقارب والأصهار في القبيلة الذين يرسلون الطلائع للإنذار بقرب الهجوم، ومن ثم تقوم القرية بإجلاء النساء والأطفال على ظهور الحمير إلى تشاد أو إلى أقرب مدينة، إذا توافر للقرية الوقت اللازم، أو بإجلائهم سيراً على الأقدام إلى الأودية القريبة حيث يمكنهم الاحتماء بالأشجار والصخور، إذا لم يتوافر الوقت.

    والظاهر أن إطلاق نيران أسلحة رجال الحكومة وجنجويد كان يستهدف السكان المدنيين في معظم هذه الهجمات. وكانت أعداد القتلى تكاد تصل دائماً إلى العشرات في جميع القرى، باستثناء أصغرها، بل وقد وصل العدد إلى ثمانين قتيلاً في أشد الهجمات حدة وشراسة؛ وهذه أرقام مفزعة خصوصاً حين نذكر أن عدد السكان في القرى التي تتعرض للهجوم نادراً ما يزيد على مئات معدودة. بل ومن الأرجح أن أعداد القتلى في هذه الهجمات قد ارتفعت، حتى دون أن يسجلها أحد، في الأيام أو في الأسابيع التالية للهجمات، بسبب تفاقم الجروح والأمراض ومشاق النزوح، وهو ما يفضي بدوره إلى الوفاة حتماً. وكانت هناك ثلاثة أشكال للمذابح أو لأحداث القتل الجماعية في مناطق فور ومساليت وزغاوة، أولها هو الإعدام خارج نطاق القضاء، على أيدي رجال الجيش وجنجويد؛ والثاني هو الهجمات التي يقوم فيها جنود الحكومة وجنجويد بأدوار متكافئة، فيحاربون جنباً إلى جنب؛ والثالث هو الهجمات التي يقتصر دور القوات الحكومية فيها على دعم رجال جنجويد، "بالتمهيد" لدخول القرى بنيران أسلحة أثقل من تلك التي يحملها الجنجويد، وبنقل الإمدادات لهم، وأخيراً - في رأي كثير من أهل القرى الذين قابلناهم - "بتوفير الحماية لرجال جنجويد أثناء مغادرتهم"(11).

    ودائماً ما يكون رجال جنجويد أكثر عدداً من جنود الحكومة، ولكنهم يصلون معهم ويرحلون معهم. ولم يتضح أي الجانبين يتلقى الأوامر من الجانب الآخر، وإن اتضح أن رجال الجنجويد يتصرفون بحرية ودون أن يتقيدوا بأية قيد قد تمليه القوات الحكومية المصاحبة لهم في العربات والشاحنات العسكرية.

    والبيانات التالية عن أحداث القتل الجماعية تقوم على أساس شهادات المدنيين الذين نزحوا من القرى المعنية ورووا ما حدث لمنظمة هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2004(12)، ولا مناص من أن تكون البيانات ناقصة، إذ إن تشتت المجتمعات المحلية، وصعوبة الحصول على معلومات تفصيلية من المدن ومخيمات النازحين التي تسيطر عليها الحكومة، يصعب معه إجراء التحقيق اللازم.
    1- قرية مورورو، بالقرب من الحدود بين مساليت وفور: أربعون قتيلاً
    في يوم 30 أغسطس/آب 2003 قام الجنود ورجال جنجويد بمهاجمة قرية مورورو وإحراقها، وسرقة المواشي وقتل ستة عشر شخصاً. وعادوا في اليوم التالي وقتلوا عدداً آخر يبلغ أربعة وعشرين شخصاً، كانوا جميعاً من الشبان، إذ كان الأطفال والنساء قد خرجوا من القرية قبل الهجوم. وورد أن أحد زعماء المهاجمين صاح قائلاً "لا بد أن نخرج هؤلاء الناس من هذا المكان!". وورد أن مجموعة الدفاع عن النفس في القرية كانت بالغة الضآلة ولم تستطع المقاومة. وفي الأسابيع اللاحقة، عاد بعض أهالي القرية فأقاموا بعض المخابئ غير المحكمة. ولكن قوة كبيرة عادت في نوفمبر/تشرين الثاني، وكانت تضم رجالاً من الجنجويد والجيش، فأحرقت القرية للمرة الثانية، وقتلت رجلاً أعمى، فنزح الأهالي عن القرية من جديد(13).
    2- منطقة مورني، اثنتا عشرة قرية: اثنان وثمانون قتيلاً
    في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2003 هاجم الجنود ورجال الجنجويد اثنتي عشرة قرية في منطقة مورني، وهي قرى: دنغو، كوروما، واراي، هايدرا، أندرو، زابوني، تارانكا، سورتونو، نارجيبا، دوريسا، لانفا، وفوجو، فقتلوا اثنين وثمانين شخصاً، كان من بينهم نساء وأطفال وبعض المصلين في أحد المساجد، طبقاً لما رواه الزعماء المحليون. وقال فلاح في الثانية والعشرين من عمره من قرية غوكور، يدعى جمعة، إنه كان يزور بعض أقاربه في تلك المنطقة آنذاك، وكان المطر ينهمر مدراراً، حتى إن الجنود أنفسهم كانوا يركبون خيولهم. وقال إنهم: حاصروا القرية. فاختبأتُ بين نصال الكلأ وسمعتُ القائد يقول [في هاتفه المحمول] عبر شبكة ثريا "نحن بالقرب من القرية رقم 1541 وقد وجدنا مجموعات الدفـاع عن النفس وقتلناهم". ثم أحرقوا كل شيء، ونهبوا كل شيء. أحرقوا جميع المساجد غير المبنية بالآجر وأخذ رجال الجنجويد بعض الفتيـات فألقوا بهن على الكلأ واغتصبوهـن هناك - في دنغو وكورما. اغتصبوا ثلاث عشرة فتاة، كانت بينهن خديجة، وهي في الثامنة عشر(14). وقال جمعة إن بعض القرى كانت لديها وحدات للدفاع عن النفس، ولكنها وحدات مستقلة عن جيش تحرير السودان، بل هي دفاعية محضة. وقال "لم يكن جيش التحرير موجوداً في أي بقعة قريبة، بل كان رجاله في الجبال. والحكومة لا تطارد جيش التحرير، بل تريد إحلال العرب في القرى"(15). وقال جمعة إن المنطقة أحرقت مرة ثانية في ديسمبر/كانون الأول.
    3- مانغو، في منطقة تربيبا - أرارا: عشرون قتيلاً على الأقل
    في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، قام رجال الجنجويد بمهاجمة أربع قرى على الأقل بالقرب من مانغو، وهي أنغار، بيضا، نيورونغتا، وشوشتا، وظلوا في هذه القرى بعد إحراقها. وقال إسحاق، وهو فلاح في الثانية والأربعين من عمره من مانغو غوبي، إن الطائرات العمودية المسلحة هبطت أيضاً في المنطقة، وأضاف: "إنهم لم يسمحوا لأي أحد بأن يقترب من المنطقة قبل هبوط الطائرات. ونعتقد أنهم كانوا يحضرون الأسلحة. وبعد يومين أو ثلاثة هاجموا مانغو"(16).

    وفي قرية واحدة فقط في مجموعة قرى مانغو، واسمها مانغو بوراتا، قام الجنود ورجال الجنجويد بقتل عشرين شخصا(17). وقال آدم، وهو مزارع في الحادية والأربعين من عمره، إنهم سرقوا جميع المواشي من القرية وأحرقوا القرية عن آخرها. وأضاف "في ذلك اليوم نفسه هاجموا إحدى عشرة قرية، لم يتركوا منزلاً واحداً. وجاءت طائرات أنتونوف والطائرات العمودية في اليوم التالي. لماذا؟ أنّى لنا أن نعرف؟ ربما ليتأكدوا أنه لم يعد بها أي أحد. ولكنهم لم يلقوا أية قنابل"(18).

    وقال شريف، وهو فلاح في الخامسة والثلاثين من عمره، إن أهل القرية نجحوا في دفن الموتى ليلاً، قبل وصول الطائرات، ثم اتجهوا إلى تشاد، دون أية ممتلكات، وهكذا اجتمعت قوات الحكومة وجنجويد على إخراجهم آخر الأمر من ديارهم: قطعنا المسافة سيـراً على أقدامنا في عشر ساعات. فقدنا جميع مواشينا، وليس لدينا حبوب ولا سمسم ولا فول سوداني. وقد بدأت المشكلة في عام 1997 بالأعراب الرُّحل. لم تكن القضية [آنئذ] قضية الجنجويد وجنود الحكومة كما هي [الآن]. أما الآن فالحكومة لديها كثير من الطائرات العمودية(19).
    4- أوروم، بالقرب من هبيلة: 112 قتيلاً في اعتدائين
    أصبحت أوروم مركزاً للمدنيين من طائفة مساليت النازحين من القرى القريبة، وتعرضت للهجوم عليها مرتين. ويقول أحد سكان أوروم السابقين، واسمه أحمد "لماذا قتلوا هذا العدد الكبير في أوروم في اعتدائين وقعا في شهر واحد؟ لا أعرف. ولكن قرى كثيرة أُحرقت قبل أوروم، وكان المدنيون الناجون هنا في أوروم. أما القرى التي أُحرقت فكان من بينها غورورغ، دريسة، تيرجا، ماليام، مورورو، غرة، وكوركوجوك"(20).

    ويروي الشهود أن المرة الأولى وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2003، حيث جاء رجال الجنجويد وحدهم، أي دون الجيش، وأحرقوا ثمانين كوخاً من بين العدد الكلي الذي يبلغ 300، واستولوا على 3000 رأس من الماشية وقتلوا اثنين وأربعين رجلاً، معظمهم في مقتبل العمر.

    وقال أحد شهود العيان، واسمه أحمد "إن الناس كان يشيعون في ذلك اليوم جنازة رجل توفي في الثمانين من عمره يدعى يحيي عبدالكريم، وكانوا يقيمون صلاة الجنازة عليه في المسجد. وقد سقط ستة عشر قتيلاً، من الاثنين والأربعين المذكورين، في المسجد"(21). كما قُتل الإمام وحفيده الذي كان في الثالثة من عمره، ثم انطلق المهاجمون يطاردون الفارين ويطلقون النار عليهم كذلك.

    "انطلق إمام المسجد، واسمه يحيي ورشال، عَدْواً إلى منزله لإحضار حفيده اليتيم، وكان في الثالثة من عمره، وانطلق الجنجويد خلفه وقتلوه هو والطفل الصغير. لم يحمل شبان القرية السلاح للقتال بل كانوا يجرون خوفاً على أرواحهم، ولكن رجال الجنجويد ركضوا خلفهم وقتلوهم. وسرقوا أكثر من 3000 بقرة، وبعض الماعز والأغنام والأحصنة والحمير. وكان الجنجويد يرتدون الزي ذي اللون الكاكي - مثل رجال الجيش"(22).

    وكان الهجوم الثاني مشتركاً بين الجيش ورجال الجنجويد، ووقع في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول 2003، واختلف الرواة في تاريخ وقوعه فقال البعض إنه كان يوم 6، والبعض الآخر يوم 7؛ إذ عاد الجنجويد، وكانوا هذه المرة بصحبة الجيش في السادسة صباحاً. وقتل رجال الجنجويد ثمانين شخصاً، من بينهم نساء وأطفال، في هذا الهجوم الثاني الذي استمر أربعة أيام على مرأى من رجال الجيش.

    كان الجنود يركبون عربات ضخمة مفتوحة وضعت عليها المدافع المضادة للطائرات، إلى جانب إحدى الشاحنات. أما الجنجويد فكانوا يركبون الخيول والجمال. وظل رجال الحكومة عند حافة القرية، عندما دخلها الجنجويد وقتلوا ثمانين شخصاً من بينهم نساء وأطفال على مدى الأيام الأربعة. وقد شاهد الجيش جميع ما حدث. وقال أحد "رجعت أثناء الليل ومكثت ثلاثة أيام. كانت الجثث في كل مكان. وتوليت بنفسي دفن ثلاثة وعشرين شخصاً. ولكن الجنجويد عادوا بعد أربعة أيام"(23).
    5- منطقة بارح، شرقي جنينة: 111 قتيلاً
    قام الجنجويد، بصحبة ثلاثة عربات ملآى بالجنود، بقتل 111 شخصاً في يوم واحد، هو 11 ديسمبر/كانون الأول 2003، طبقاً لما رواه الناجون من المذبحة، في ثلاث قرى بمنطقة بارح، وهي قرى آري، وحسكنيته وطرشانة. وقال رؤساء القرى إنها كانت تضم 485 كوخاً في مجملها - 80 و200 و205 على الترتيب - وأن عدد قتلاها بلغ ثلاثة وعشرين، وخمسة وثلاثين، وثلاثة وخمسين على التوالي. وكان من بين القتلى ثلاث وعشرون امرأة، ورجل بلغ المائة من عمره، وكان يُدعى برة يونس، من قرية طرشانة. وقـال رجل يدعى آدم، في الثانية والأربعين ومن قرية طرشانة، "إن برة يونس لم يكن يستطيع السير، وقد أحرقه الجنجويد وهو حي في كوخه. شاهدوه في الكوخ وأشعلوا فيه النار"(24).

    وقال آدم إن الهجوم بدأ في التاسعة صباحاً، إذ حاصرت القوات المشتركة القرية وقتلت اثنين وخمسين شخصاً أثناء فرارهم: "أخذوا الماشية وأحرقوا القرية كلها. أخذوا بعض العلف لخيولهم وأشعلوا النار في الباقي. وجاءت الطائرات العمودية أثناء قيامنا بدفن الجثث، وبعد انتهاء الهجوم مباشرة. وكانت تطير قريباً من سطح الأرض، حتى إننا استطعنا أن نشاهد قائد الطائرة الذي لم يكن يرتدي سوى صدار، وقتل امرأة في السبعين من عمرها تدعى مريم عبدالقادر، وأحد الخيول. أما الجنجويد فكانوا يرتدون أزياء رسمية، ذات أشرطة على الأكتاف"(25).
    وذكر هذا الشاهد أن أهل القرية لم يبدوا أية مقاومة، لأن وجود العربات العسكرية دلهم على أن الهجوم كان أخطر من مجرد محاولة لسرقة المواشي.
    فالأعراب الرُّحل لم يأتوا في يوم من الأيام بعربات وطائرات عمودية. لم يكن هؤلاء من الأعراب الرّحل. بل كانوا من الحكومة. كانت لدينا وحدة للدفاع عن النفس، ولكننا عندما شاهدنا العربات قلنا 'هذه هي الحكومة' وفررنا. لم نقاتل. فالحكومة لا تحب ذوي البشرة السوداء. لم نقدم أية شكوى إلى الشرطة. فقد كانت الشرطة قريبة منا في كرينيك ولم تفعل شيئاً. وهكذا غادرنا القرية جميعاً وذهبنا إلى جنينة وإلى تشاد(26).
    6- هبيلة كنار، على بعد 25 كيلومتراً شرقي الجنينة: خمسون قتيلاً
    في يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2003، قام جنود الحكومة ورجال جنجويد بمحاصرة القرية في السادسة صباحاً. ويقول شهود العيان إن ثلاث طائرات عمودية مسلحة هبطت على أرض القرية بعد ساعة واحدة وخرج منها الجنود. وعندها دخل القرية هؤلاء الجنود بصحبة رجال الجنجويد الذين كانوا ينتظرون خارجها، ويرتدون نفس أزيائهم الخضراء، وإن كانت أزياء الجنود ذات لون أخضر قاتم.
    وأسفر الهجوم عن سقوط خمسين قتيلاً تقريباً، من بينهم خمس عشرة امرأة، وعشرة أطفال وامرأة تعمل في شرطة مساليت، وذلك من مجموع السكان الذي يقدر بنحو 500 شخص (ثلاثة وسبعون كوخاً). وقد قتل البعض أثناء الفرار، وأطلقت الأعيرة النارية القاتلة على البعض داخل أكواخهم. وقام المهاجمون بانتزاع جميع الأسلحة النارية من مخفر الشرطة، وكذلك سقفه المعدني (الزّنك). واستولى الجنجويد على الماشية وانطلقوا، ثم قام الجنود بإحراق القرية(27).
    7- كوندولي، في منطقة ميستيري: أربعة وعشرون قتيلاً
    ذكر أهل القرى في منطقة ميستيري إن رجال جنجويد دخلوا المنطقة في آخر عام 2003، وقال شاهد يدعى نور الدين، وهو في الثامنة والعشرين من عمره وكان يعمل من قبل في الشرطة، إنهم أتوا من جنينة، يركبون تسع عربات عسكرية، وأحضروا طعامهم معهم. وقال إنهم "قدموا في مجموعتين، التحقت الأولى بمخفر الجيش والثانية بمخفر الشرطة، وكانوا يقومون بدوريات مستقلة في الغابة لمدة أسبوع"(28). وفور انتهائهم من ذلك، في يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2003، اشترك الجنود مع الجنجويد في قتل أربعة وعشرين شخصاً، من بينهم خمس نساء، منهن خميسة هارون، التي كانت في السابعة والأربعين، وشامة آدم، في الثالثة والثلاثين، ومريم خميس، في الخامسة والعشرين، وعجيلة محمد، في الثامنة والثلاثين، في قرية كوندولي، التي لا تبعد عن مستيري إلا بأميال معدودة. وكان في كوندولي 150 كوخاً ويبلغ عدد سكانها ألف شخص تقريباً. وقال مزارع في الثانية والثلاثين من عمره يدعى يحيي إن الجيش والجنجويد دخلوا القرية في اليوم السابق، أي يوم 27 ديسمبر/كانون الأول.
    وقال يحيي "انتابنا الخوف وكنا نريد الفرار، ولكنهم قالوا 'لا! لا! لا نريد أن نصيبكم بسوء، فنحن من الحكومة، ولا تخشوا شيئاً، بل لقد أتينا لإنقاذكم'" وقام رجال جنجويد الذين بلغ عددهم 400 ... وقالوا إنهم سوف 'يحموننا' - بالمرابطة على الجانب الشرقي للقرية. وفي اليوم التالي هاجموا كوندولي فأطلقوا الرصاص من مسافة قريبة على طفل في الثالثة من عمره فقتلوه، وهم يطلقون علينا صفات عنصرية: دخلوا كوندولي وهم يهتفون: 'اقتلوا النوبة! اقتلوا النوبة!' وأطلقوا النار على طفل كان يرقد على الأرض بسبب خوفه، وصاحوا قائلين 'انهض حتى نراك' ولكنه كان خائفاً، وهكذا أطلقوا النار عليه، وكان يدعى ماجي غمر زكريا، وكان في الثالثة من عمره(29). وفر الناجون إلى تشاد، التي تبعد مسيرة أربع ساعات. "أخذوا كل شيء وأحرقوا القرية برمتها ... ولا نستطيع أن نعود ليلاً لإحضار الطعام لأن رجال الجنجويد ينتشرون في الطرق المؤدية إليها"(30).
    8- نوري، بالقرب من مورني: 136 قتيلاً
    نوري منطقة شاسعة، وهي تتكون من عدة قرى تضم ما يتراوح بين 900 وألف كوخ، أو نحو 7000 شخص، وقد هاجمها رجال الجنجويد والجيش يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2003، فقتلوا نحو 170 من أهاليها في غضون أربع وعشرين ساعة، طبقاً لما رواه السكان في المقابلات التي أجريت مع كل منهم على انفراد، كما قالوا إن طائرتين عموديتين مسلحتين أطلقتا الصواريخ على المنطقة قبل وصول القوات البرية. وأضافوا أنهما كانتا تطيران قريباً من سطح الأرض إلى الحد الذي أتاح لسكان قرية نوري جالو، أكبر قرى المنطقة، أن يشاهدوا قائد الطائرة.
    وقال ضابط شرطة سابق، اسمه علي، إن "الناس انتابهم خوف شديد لأنهم لم يكونوا شاهدوها [أي الطائرات العمودية] من قبل، وقال إنهما كانتا تطيران على ارتفاع منخفض جداً حتى إنك لو قذفت شيئاً عليهما لأصبتهما"(31). ويقول طبيب اسمه محمد، وهو من أهالي المنطقة ويبلغ الثلاثين من عمره، إن ثلاث سيارات ضخمة من نوع 'لاند كروزر'، محملة بالجنود والكثير من رجال جنجويد جاءت إلى مخفر شرطة نوري جالو قبل الهجوم، وسألت عن جيش تحرير السودان. وقالت الشرطة "لا يوجد لدينا أحد منهم، ونؤكد لكم ذلك" ويقول الدكتور محمد إن المهاجمين قاموا على أثر ذلك بإحراق القرية وقتل خمسة وسبعين شخصاً كان من بينهم خمس نساء، وأضاف قائلاً "كان معظم القتلى من الرجال لأن النساء والأطفال ظلوا [مختبئين] في الأكواخ"(32).
    وبلغ عدد الجثث التي أحصيت في نوري جبل، وهي أكبر القرى، ستا وأربعين جثة، وكان من بينهم سبعة أطفال أو ثمانية. واقتلع المهاجمون السقف المعدني لمدرسة القرية وحملوه معهم. وفي قرية نوري هغلغ، التي تضم أربعة وستين كوخاً، بدأ الهجوم في السابعة والنصف صباحاً. وقال فيصل، وهو مزارع في السابعة والعشرين من عمره، إن رجال الجيش وجنجويد كانوا يرتدون جميعاً نفس الأزياء الرسمية عندما دخلوا القرية: كان رجال الجيش يركبون عربات 'لاند كروزر'، ورجال الجنجويد على ظهور الخيول والجمال ... ودخل الجنجويد القرية أولاً، ومن بعدهم دخلت العربات. وكانوا يطلقون النار دون تمييز. ثم دخلوا الأكواخ وقتلوا الذين كانوا يختبئون تحت سررهم(33). وقال فيصل إنهم قتلوا سبعة من أهالي القرية وأراد الناس أن يدفنوهم، ولكن الجنجويد والجيش عادوا لإحراق القرية. وقد أحرقوها كلها، ولم يتركوا كوخاً واحداً. واضطر الناس لضيق الوقت إلى أن يكتفوا بتغطية الجثث بالكلأ، بسبب شدة الحرارة. وقام الجنود ورجال جنجويد بإحراق الجثث ..."(34).
    وتعرضت منطقة نوري للهجوم مرة ثانية يوم 10 فبراير/شباط 2004، وكان الناس قد عادوا إلى المنطقة لأن المسؤولين الحكوميين المحليين في مورني وسيسي أخبروهم بضرورة العودة.
    وقال الدكتور محمد "في العاشرة صباحاً وصلت طائرة عمودية مسلحة، وكانت تطير على ارتفاع منخفض، ومن بعدها جاء الجنجويد أولاً ومن خلفهم عربات "اللاند كروزر"، ومن ثم قاموا بإحراق القرية كلها وقتل ثمانية وثلاثين شخصاً، كان من بينهم أربعة رجال يؤدون الصلاة في المسجد. وكنا قد شكلنا مجموعة للدفاع عن النفس في عام 1996، وسقط من بينهم قتلى كثيرون في ذلك اليوم. لم يكن لدى معظمهم من الأسلحة سوى بنادق كلاشنيكوف، ولم تكن لهم أية صلة بجيش تحرير السودان، فلقد كانت قوات ذلك الجيش بعيدة كل البعد عن المنطقة. وذلك الجيش لا ينشر جنوده في القرى، فليس لديه أعداد كافية"(35).
    9- كينيو، بالقرب من فوربرانغا: سبعة وخمسون قتيلاً
    قال أهالي القرية ليهومن رايتس ووتش إن كينيو تعرضت للهجوم مرتين في شهر واحد، ففي المرة الأولى، في ديسمبر/كانون الأول 2003، كان الأهالي مستيقظين، وتصدوا للمهاجمين وردوهم على أعقابهم. وفي المرة الثانية، في يناير/كانون الثاني 2004، كان الناس نائمين عندما اقتربت قوات جنجويد وعربات الجيش الضخمة، عند الفجر، من اتجاهين - من الشرق ومن الغرب - وبدأ الجنود في إطلاق النار بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك القنابل الصاروخية. وورد أن عدد القتلى بلغ سبعة وخمسين، وكان من بينهم إمام القرية، من بين عدد السكان الكلي الذي يبلغ نحو 3500 شخص (500 كوخ). وقال آدم الذي يبلغ الثانية والعشرين من العمر، والتحق فيما بعد بجيش تحرير السودان(36)، "إن الناس انطلقـوا يجرون تاركين بعض أطفالهم بسبب غزارة الرصاص المنهمر، ولم يتمكنوا من التوقف لاصطحابهم جميعاً، وهكذا سقط قتلى كثيرون من الأطفال، وأضرمت النار في شكل سيء. وفي نفس اليوم أحرقوا بورانغا. وقد نهبوا قرية سوجو ولكنهم لم يحرقوها"(37).
    10- سيلدي، جنوب شرقي جنينة: اثنا عشر قتيلاً
    هوجمت سيلدي يوم 7 فبراير/ شباط 2004، وقد بدأ الهجوم جواً قبل انقضاض القوات البرية عليها؛ ويقول مزارع في الثانية والأربعين يدعي عبده، إن طائرتين من طراز أنتونوف بدأتا القصف الجوي، فدمرتـا كوخين وأجبرتا النساء والأطفال على الفرار للاختباء في التلال. وقال "وعندها جاءت قوات جنجويد والقوات الحكومية" فقتلت اثني عشر من أهل القرية ثم أحرقتها. وقد أطلقت النار من مسافة قريبة على بعض هؤلاء:
    "قتلوا اثني عشر شخصاً من بينهم امرأتان، الأولى اسمها عاشه آدم، وكانت في الستين من عمرها وقتلت في بيتها؛ والثانية هي عربة محمد، وكانت في الأربعين. أمروها بإحضار الماء إلى الجنود فرفضت. وقتلها الجنجويد، وأحرقوا القرية كلها فأتينا إلى تشاد(38).
    ودخلت قوات جنجويد مع القوات الحكومية إلى القرية وأطلقت النار على الأهالى. كان هذا الشاهد لا يستطيع التمييز بين رجال الجنجويد وجنود الجيش إلا على أساس الشارات في أزيائهم الرسمية. رجال الجنجويد يضعون صورة حصان على الجيب، على عكس رجال الجيش، وقائد الجنجويد لديه شرائط على كتفيه، كما هو الحال في الجيش(39).
    وقال مزارع آخر يدعى أحمد، وهو في الأربعين من عمره، إنه لم يشاهد سوى طائرة واحدة من طراز أنتونوف في الثامنة صباحاً. وقال "وفي التاسعة صباحاً جاء الجنجويد بخيولهم وجمالهم، ومن خلفهم الجيش بالعربات"(40). وفي الأيام القليلة التالية، تعرضت ثلاثون قرية في منطقة سيلدي للنهب والحريق، ولا يعرف أحد عدد القتلى.
    11- تونفوكا، جنوبي مورني: ستة وعشرون قتيلاً
    تعرضت نونفوكا للهجوم الجوي والبري يوم 7 فبراير/شباط 2004، مما أسفر عن قتل ما لا يقل عن ستة وعشرين شخصاً، وفقاً لما رواه أهالي القرية الذين فروا ويقيمون حالياً في تشاد. وقال مزارع في الرابعة والعشرين يدعى إسحاق، إن طائرتين من طراز أنتونوف قصفتا المكان لمدة ساعة وقتلتا ثمانية أشخاص، من بينهم ثلاثة رجال، وثلاثة أطفال، وامرأتان مسنتان. وقال إن الهجوم أدى إلى قتل سبعة جمال وثلاث عشرة بقرة، ثم بدأت القرية تحترق(41). وصل رجال الجيش في العربات ثم جاء الجنجويد بعدهم بساعة، وهم يرددون السباب العنصري، فقتلوا ثمانية عشر شخصاً واستولوا على الماشية، طبقاً لما يقوله هذا الشاهد:
    ثم جاءت سبع عربات من طراز لاند كروزر، وصل الجنجويد بعد ذلك بساعة، فأحرقوا القرية، واستولوا على الماشية وأطلقوا النار على الهاربين أثناء هربهم. وقتلوا ثمانية عشر شخصاً، ثم رحل الجنجويد ومعهم الماشية، ومن خلفهم رجال الحكومة. وكان الجنجويد يهتفون "اقتلوا النوبة!"(42).
    أما هذا الفلاح من قرية تونفوكا فقد كان يختبئ في الحشائش في بقعة لا تبعد عن الأكواخ إلا ثلاثين متراً، فاستطاع أن يحدد شخصية قائد الجنجويد وأن يعرف اسمه قائلاً: "إن عبدالله شنيبات هو الذي يصدر الأوامر". كان لديه مسدس وسيارة صفراء. كانت من نوع سيارات الجيش وإن كانت سيارات الجيش خضراء. وقد خرج من سيارته وشرع يصدر الأوامر للجنود ورجال الجنجويد، ورحل مع الجنود؛ وغادرت سيارتان حكوميتان أولاً، ثم شنيبات، ثم سيارة أخرى(43). وبعد القصف الذي استمر ساعة، وإحراق القرية، والهجوم البري الذي شنه الجنجويد مع الجنود فقتلوا ستة وعشرين شخصاً، فر الناجون إلى تشاد.
    12- تولوس: سبعة وعشرون قتيلاً على الأقل
    في يوم 10 فبراير/شباط 2004 قامت طائرات الأنتونوف بقصف قرية تولوس، توطئة لهجوم الجنجويد على القرية. وقد تمكن معظم النساء والأطفال من مغادرة القرية قبل وصول الجنجويد، إذ كانوا قد تلقوا التحذير بقرب وصولهم، طبقاً لما رواه رجل يدعى كلثوم، وهو في الثانية والأربعين من عمره؛ ولكن الجنجويد انطلقوا يبحثون عن الفارين في مخابئهم في الجبال: أخبرنا شخص من مورني أن الجنجويد قادمون، فتركنا القرية وأهرعنا إلى الجبال. واقتصر هجوم الجنجويد على إحراق القرية. ولكنهم عادوا من جديد مع الجيش للبحث عن المدنيين في الجبال التي تبعد نحو ميل واحد عن القرية. وكان لدى الجيش عربات، ولكن بعض الجنود كانوا يسيرون على أقدامهم(44).
    وقال أحد أبناء القرية، واسمه حسن، إن عدد القتلى في القرية لا يقل عن اثني عشر رجلاً، ولكن بعض المصادر الأخرى تقول إن العدد أكبر، وقد يصل إلى ثلاثة وعشرين. وورد أن خمسة عشر شخصاً، من بينهم سبع نساء وستة أطفال، قد قتلوا خارج القرية - وقد ترصد المهاجمون لبعضهم، ثم قتلوهم عمداً(45).
    وكان غلام اسمه حسين، لم يتجاوز الثانية عشرة، قد اختبأ خلف إحدى الأشجار بعيداً عن القرية مع ثلاثة أطفال آخرين، عندما أطلق الجنجويد والجنود النار عليه ثلاث مرات - في الوجه والذراع اليمنى والرجل اليمنى. وأصيب الأطفال الثلاثة الذين كانوا يختبئون معه في الوقت نفسه بجروح:
    كنت في أحد الأودية بالقرب من الجبال. وشاهدت عدداً كبيراً من الجنجويد والجنود مقبلين. فأطلقوا النار عليّ من تلك المسافة (مشيراً إلى شجرة تبعد نحو عشرين متراً عن موقعه) فسقطت على الأرض. شاهدوني وصوبوا نيرانهم نحوي. كنت مختبئاً خلف تلك الشجرة مع ثلاثة أطفال آخرين، وهم ياسين (الذي كان في الثانية عشرة) ومانيو (في التاسعة) وفاطمة (في السابعة) ورأيتهم جميعاً يسقطون على الأرض [جرحى] ... رأيت ثلاثة من الموتى في الوادي، بينهم امرأة - قاسمة محمد يوسف (في الثامنة عشرة)(46).
    وقال حسين إنه لا يعرف من أطلق النار عليه "فقد كانوا جميعاً يرتدون الزي الرسمي". ولا شك أنهم كانوا قريبين منه بما يسمح لهم بإدراك أنه صغير السن. وقال "قبل أن يطلقوا النار عليّ قالوا لي 'أنت تورا بورا'" - إشارة إلى جبال أفغانستان التي يزاول فيها أسامة بن لادن ومقاتلو القاعدة نشاطهم، وهو تعبير كثيراً ما يستخدمه جنجويد في الإشارة إلى المتمردين في جيش تحرير السودان. وأضاف قائلاً "وبعد ذلك أخذوا الأبقار وتركوني. ولا يوجد أحد من تورا بورا في تولوس، فهذه قرية وحسب"(47). وقام والد حسين بلفّ بطانية حوله واصطحابه على ظهر حمار إلى دويليم، التي تبعد نحو خمسة وعشرين ميلاً عن تولوس، ومنها إلى تشاد. أما الأطفال الثلاثة الآخرون فقد اصطحبتهم أسرهم إلى بلدة مورني. وكما قال حسين "شاهدونا، وصوبوا بنادقهم إلينا، وأطلقوا الرصاص علينا"(48).

    13- تربيبة: ستة وعشرون قتيلاً
    تعرضت تربيبة لهجوم الجيش وجنجويد يوم 15 فبراير/شباط 2004، في السادسة صباحاً. ويقول رئيس القرية، وهو في التاسعة والأربعين واسمه عبدالله إن هذه القوات قتلت واحداً وثلاثين شخصاً(49). كان من بينهم بعض المسنين والنساء، وخمسة من أعضاء جيش تحرير السودان الذين جاءوا ليحاولوا الدفاع عن القرية، بعد بداية الهجوم بساعتين(50). وقال "كان في تربيبة ما يربو على 500 أسرة، وكنا نزرع البطاطس والخيار والفول والدُّخْن". وتعرضت الأسر الخمسمائة وثمانية من رجال شرطة مساليت لهجوم 300 من رجال جنجويد على ظهور الخيل، بمصاحبة أربع سيارات حكومية يركبها الجنود: قام بالهجوم نحو 300 من رجال الجنجويد على ظهور الخيل والجمال، بمصاحبة أربع سيارات حكومية - من بينها ثلاث من طراز 'لاند كروزر' تحمل الجنود، وسيارة من طراز رينوه لنقل التموين [الذخيرة]. وكان الجنجويد يصيحون هاتفين "اقتلوا كل النوبة!" وكان نحو 90 في المائة منهم يرتدون أزياء عسكرية والباقي بملابس عادية(51). ووصل رجال جيش تحرير السودان بعد ساعتين، وبدأوا المقاومة مع رجال الشرطة الخمسة من طائفة مساليت في مخفر الشرطة، وقال الشيخ عبدالله "وأطلقت الشرطة النار، ولكن بلا فائدة. بل إن المهاجمين أحرقوا مخفر الشرطة أيضاً". وشارك الجيش في عمليات الحرق والسلب والنهب، وقد استغرق القتال إحدى عشرة ساعة من بدايته إلى نهايته: أحرق الجيش المنازل، وسرق ألف رأس من الماشية، وسرق بعض الحبوب وأحرق الباقي. بل لقد سرقوا خيولنا واستعملوها في الحرق والسرقة والقتل ... واعتدوا بالضرب على النساء(52). وبالإضافة إلى ضرب النساء، أحرق المهاجمون أحد مسجدي القرية، ومزقوا المصاحف فيهما، طبقاً لما رواه رئيس القرية.
    14- ميلبيدا - القرية والمنطقة - إلى الجنوب الغربي من جنينة: 59 قتيلاً مدنياً
    يقول الزعيم القَبَلي المحلي أو العمدة، وهو رجل في السابعة والثلاثين من عمره يدعى موسى، إن جنود الحكومة جاءوا يوم 17 فبراير/شباط 2004، مسلحين "بالأسلحة الثقيلة - المدافع المضادة للطائرات، والقنابل الصاروخية - فهاجموا قرية ميلبيدا بالاشتراك مع رجال الجنجويد(53). وكان موسى قد غادر القرية قبل وقوع الهجوم بخمس عشرة دقيقة فلم يشهدها. ولكنه قال إن أهل القرية ذكروا أن المهاجمين "كانوا يرتدون جميعاً نفس الزي الرسمي". وقال إن واحداً وثلاثين من أهل القرية قد قتلوا، من بينهم أربع نساء، وثلاثة أطفال، ومقاتل من متمردي طائفة المساليت، وهو شاب يدعى إبراهيم إسماعيل، وكان في السابعة والعشرين من عمره(54). وطبقاً لما ذكره أحد أبناء القرية، كان بعض أهالي قرية مستيري القريبة قد أرسلوا إنذاراً بوقوع الهجوم قائلين "إن الجنجويد قد يهاجمونكم في الأيام القليلة المقبلة لأنهم يقولون إن جيش تحرير السودان موجود في القرية"(55). وقام بالهجوم المنسق مئات من جنود الجيش ورجال جنجويد الذين هبطوا على القرية من ثلاثة اتجاهات. وقال أحد أبناء القرية الذي شهد الهجوم، وكان في الثلاثين من عمره ويدعى بخاري، إن مئات الجنجويد وجنود الحكومة جاءوا في ثلاث مجموعات، من الشمال والجنوب والشرق، من الجمال والخيل(56).
    وقال بخاري "إنهم شرعوا في إطلاق النار على الناس عندما دخلوا القرية. ورأيت عمي، واسمه عربر، وهو في الخامسة والأربعين، يغادر منزله دون سلاح هارباً. وأطلقوا عليه النار من مسافة 200 متر. وكان له أربعة أطفال. ثم بدأت الشرطة في المقاومة. لم يكن لدينا سوى سبعة أو ثمانية من رجال الشرطة، لكنهم كانوا جميعاً أفارقة، ونجحت أنا وزوجتي وابني الذي لم يتجاوز الثانية في الفرار"(57).
    الإعدام الجماعي للأسرى من طائفة فور في وادي صالح: 145 قتيلاً
    في يوم 5 مارس/آذار 2004 قامت قوات الحكومة وجنجويد بإعدام ما لا يقل عن 145 رجلاً من قبيلة فور في وادي صالح، وهي إحدى المقاطعات الست في ولاية غرب دارفور وقد أعدم الرجال في اليوم نفسه في أماكن مختلفة - تسعة من رؤساء فور في السجون في مقجير وغارسيلا، وكانوا قد حبسوا فيها قبل أسبوع(58)، وواحد وسبعون أسيراً من طائفة فور في وادٍ يقع جنوبي دليغ، وخمسة وستون رجلاً آخر في أحد الأودية في منطقة مقجير غربي دليغ(59).
    وكان الرجال الذين أعدموا في الوادي الذي يقع جنوبي دليغ يمثلون جزءاً من مجموعة أكبر كان الجنود قد اعتقلوا أفرادها في عدد من القرى في وقت سابق من اليوم نفسه، بعد أن طُلب منهم تحديد القرى التي ينتمون إليها. وقال الشهود إن جنود الحكومة ورجال جنجويد كان ينتقون الرجال النازحين من القرى التي سبق إحراقها، مع التركيز بصفة خاصة على منطقة زامي، جنوبي دليغ. وربما كان هذا الإعدام الجماعي للأسرى في وادي صالح، الذي يعتبر إحدى البوابات المؤدية إلى المقر الرئيس لجيش تحرير السودان في تلال جبل مرة، بمثابة الثأر من الهجوم الذي شنه جيش التحرير على جنود الحكومة في منطقة مقجير من هذه المقاطعة قبل ذلك بشهر واحد، أي يوم أول فبراير/شباط، وهو الذي يقول جيش التحرير إنه قتل فيه أكثر من مائة جندي من جنود الحكومة. وقال أحد الناجين من أحداث القتل الجماعي، وهو فلاح أطلقت عليه النار في الظهر لا في الرقبة، لأحد جيرانه إن الجنود قد نقلوا المعتقلين في شاحنات وسيارات عسكرية إلى وادٍ يقع إلى الجنوب من دليغ، ولا يبعد عنها إلا أميالاً معدودة. وقال لجاره: "وهناك جعلونا نقف صفاً واحداً، وجعلونا نركع ونحني رؤوسنا - وأطلقوا علينا النار من الخلف، وتركوني بعد أن خُيِّل لهم أنني مت ..." وكان الذين نفذوا الإعدام من جنود الجيش ورجال جنجويد، وكانوا يعملون معاً(60).
    وقال الجار المشار إليه، ولا نستطيع أن نذكر من اسمه غير عبده(61)، إن الناس في قلب منطقة وادي صالح قد استيقظوا يوم 5 مارس/آذار ليجدوا أن المنطقة كلها قد حاصرها جنود الحكومة ورجال الجنجويد بقيادة على كوشيب. وورد أن كوشيب أنشأ قاعدة لرجال جنجويد في غارسيلا في يوليو/تموز 2003، وبعد أن أعطاه الجيش 1500 بندقية آلية، قام بإحراق مساحة كبيرة من وادي صالح. وأضاف المتحدث قائلاً: "أحرقت الحكومة عشرات القرى حول دليغ، واضطر الكثيرون إلى الفرار إلى وادي صالح"(62). وقال المتحدث إنه قد جرى بحث مماثل عن النازحين من القرى التي أحرقت، في مناطق أخرى من وادي صالح: "جاءت الحكومة وجنجويد وسألوا الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والستين عن القرى التي ينتمون إليها، فإذا كانوا نازحين، ساقهم الجنود إلى مخفر الشرطة"(63). وأضاف: في اليوم نفسه تقريباً - أي يوم المذبحة جنوبي دليغ 5 مارس/آذار 2004 - ساق الجنود عشرات المحتجزين من مخفر الشرطة إلى مكان "جنوبي وادي صالح [حيث] يوجد تل، وبالقرب منه أحد الأودية. وقتلوا واحداً وسبعين رجلاً ذلك المساء ... وهكذا حدث في مقجير مثل الذي حدث في دليغ: اصطحبوهم إلى التلال وقتلوهم هناك".
    حالات قتل جماعي أخرى للمدنيين من طائفة فور في وادي صالح
    في أغسطس/آب 2003 تعرضت قرى طائفة فور في منطقتي موكجار وبنديسي للهجوم من جانب قوات جنجويد والقوات الحكومية التي قامت بنهب القرى وقتل المدنيين، وكان ذلك أحياناً في أعقاب هجمات جيش تحرير السودان في المنطقة. هاجم جيش تحرير السودان مدينة بنديسي، وهي من أكبر المدن في المنطقة الريفية غربي دارفور، إذ كان عدد سكانها يقدر بنحو 16 ألف نسمة في مطلع أغسطس/آب، واقتحمت قواته مخفر الشرطة ونهبت ما فيه من ذخيرة ومدافع رشاشة، وقتلت اثنين، من بينهما عربي كان محتجزاً في المخفر، واختطفت أحد رجال الأعمال. وفي غضون أسبوع جاءت الشرطة إلى بنديسي وإلى قرية قريبة تدعى كوجونغ في الصباح الباكر وقالت للسكان إن "الجنجويد قادمون، ولكن على الجميع أن يتحاشوا الاشتباك معهم وأن يظلوا في منازلهم". وقال أحد الشهود من بنديسي إن رجال الشرطة جاءوا بخطاب من رئيس شرطة غارسيلا (وهو الآن وزير الصحة لغربي دارفور) يقول فيه إن الجنجويد قادمون "للحصول على نصيبهم من الزكاة"(64).
    وأدى ذلك الهجوم إلى إحراق وتدمير أجزاء من بنديسي وكودونغ وقتل سبعة وأربعين شخصاً، وسلب المهاجمون جميع ما في السوق والمحلات التجارية، وحملوا معظم ما سلبوه على ظهور الجمال والخيل وعاود الجنجويد الهجوم على كودونغ في الصباح الباكر بعد عدة أسابيع فأحرقوا بقية القرية. وقتلوا المزيد من الأشخاص، وكان من بينهم طفل وعجوز ماتت حرقاً في منزلها(65). ومن الواضـح أن الهجمات المذكورة آنفاً لا تمثل إلا جانبـاً محدوداً من مجموع الهجمات على المدنيين والقرى في منطقة وادي صالح، خصوصاً بعد وقوع المزيد منها في عام 2004.
    القصف الجوي للمدنيين
    تستخدم الحكومة السودانية الطائرات الهجومية على نطاق واسع - وبصفة أساسية طائرات الإمداد من طراز أنتونوف التي تلقي "القنابل البرميلية" الممتلئة بالشظايا المعدنية، وهي نوع بدائي من القنابل ولكنه مهلك فتاك، كما تستخدم الحكومة أيضاً الطائرات العمودية المسلحة، والمقاتلات النفاثة من طراز 'ميغ' - في مناطق كثيرة من دارفور يعيش فيها المدنيون من طوائف مساليت، وفور، وزغاوة(66). ولم تقتصر على قصف القرى، بل قصفت بعض المدن التي يتجمع فهيا النازحون. ومما له دلالته ندرة استخدام طائرات أنتونوف على طول القسم الجنوبي من الحدود الدولية مع تشاد، وإن كان بعض القصف المكثف قد وقع في القسم الشمالي حول منطقتي تاين وكولبوس حيث توجد مجموعتان من المتمردين. ومع ذلك فلقد استخدمت الطائرات العمودية والأنتونوف في مناطق الحدود عند دار مساليت لأغراض الاستطلاع، قبل الهجمات وبعدها.

    فلقد قامت طائرتان من طراز أنتونوف بقصف توتفوكا يوم 7 فبراير/شباط 2004، فقتلت ثمانية أشخاص، كان من بينهم عبده محمد، والنور محمد زين، وآدم محمد إدريس، وخديجة محمد، وعاشا يعقوب. وقال أحد سكان القرية ممن شهدوا القصف، وهو في الثامنة والعشرين من عمره واسمه إسحاق، إن الطائرتين الأنتونوف عادتا في اليوم التالي، لكنهما لم تواصلا القصف، وقال إنه يحتمل أن يكون السبب هو الدمار التام الذي أصاب القرية(67).

    ولكن أشد حالات القصف الجوي المؤكد فتكاً وقعت في مدينة هبيلة يوم 27 أغسطس/آب 2003، عندما كانت المدينة حافلة بالمدنيين الذين نزحوا من القرى التي سبق إخلاؤها، وكان من بينها أوروم، وتوتفوكا، وتولوس، وأندانغا، وحجار بيضا. وكان محامٍ في الثلاثين من عمره، واسمه جمال، في هبيلة أنئذ، وكان في زيارة لأسرته هناك. وقال إن القصف أدى إلى مقتل أربعة وعشرين شيخاً، جميعهم مدنيون، ومن بينهم أربعة من أقاربه: أخوه مصطفى، في السابعة والعشرين، وأخته سعدية، في الخامسة والعشريـن، واثنان من أبناء إخوتـه هما صفاء، في السابعـة، ومضاء، في الرابعة. وأصيب خمسة آخرون من أقاربه بجراح - والدته جمحية، وأخوان له، واثنان من أبناء إخوته(68).
    وقال جمال "إن طائرات الأنتونوف قصفت هبيلة ست مرات ذلك اليوم. وقتلت أربعة وعشرين شخصاً. وكانوا جميعاً مدنيين". وحدس السكان أن القصف المكثف لمدينة هبيلة، على الرغم من وجود الشرطة والجيش، كان بسبب امتلائها بالنازحين: تحيط علامات استفهام كثيرة بهذا القصف: فلقد كان رجال الشرطة في هبيلة، والجيش أيضاً. وكانت الشرطة من طائفة مساليت، ولكن الجيش كان مزيجاً من المساليت والعرب. وكانت هبيلة غاصة بالنازحين. ونظن أن القصف كان بسبب النازحين(69). وكانت الطائرات المسلحة تستخدم في استطلاع أحوال القرى قبل الهجمات البرية. ففي 5 يناير/كانون الثاني 2004 حلقت طائرة عمودية واحدة فوق قرية كوركوريا، بالقرب من جنينة. وقـال فلاح في الحادية والثلاثيـن من عمره يدعى عمر إن الطائـرة كانت تطير علـى ارتفاع الأكواخ نفسها، الأمر الذي يوحي بأنها لم تكن تتوقع أية نيران أرضية. وقال إنها لم تمارس القصـف. ولكن مجموعة من الجنجويد، يبلغ عددهـا نحو 150 فرداً، هاجمت كوركوريا في اليوم التالي، فقتلت أربعة أشخاص وأحرقت الأكواخ فيما عدا كوخاً واحداً(70).
    كما استخدمت الطائرات المسلحة أيضاً في استطلاع أحوال القرى فور إحراقها ومهاجمتها - إذ كانت تصل بعد فترة تتراوح بين يوم وثلاثة أيام من الهجوم المبدئي، وفقاً لما قاله سكان القرى. وقال أحد سكان تربيبة، واسمه الشيخ عبدالله، إن الطائرات المسلحة والأنتونوف حلقت فوق تربيبة بعد تدمير القرية بثلاثة أو أربعة أيام. وقال إنها "لم تقصف القرية. ونظن أنهم كانوا يستطلعون الأحوال، حتى يتأكدوا أن القرية كانت خالية". وحدث نفس الأمر في ميلبيدا، القريبة من الحدود مع تشاد: إذ حلقت طائرات الأنتونوف فوقها بعد الهجوم بثلاثة أيام، وفقاً لما قاله العمدة موسى. وكانت ميلبيدا أيضاً من القرى المهجورة(71).
                  

08-11-2007, 01:59 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    الهجمات المنتظمة على طائفتي مارسالي وفور، وإحراق قرى مارساليت، وتدمير المخزونات الغذائية وغيرها من المواد الأساسية
    أدت بحوث هيومن رايتس ووتش في دارفور، في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2004، إلى تأكيد صحة ما ذكره اللاجئون في تشاد، ومصادر أخرى، من أن قوات الحكومة السودانية ورجال الجنجويد قد دأبوا على مهاجمة وإحراق القرى، والمخزونات الغذائية، ومصادر المياه، وغيرها من المواد الضرورية لحياة سكان القرى من طائفتي فور ومساليت في مناطق كبيرة من غربيّ دارفور(72).

    لم تكن الهجمات على القرى عشوائية، بل كانت تقصد إخلاء القرى في مناطق شاسعة في عمليات محددة، وورد أنها كانت تستمر عدة أيام أو تتكرر عدة مرات حتى تنجح في طرد السكان جميعاً منها آخر الأمر. ولقد سقط الكثير من القتلى المدنيين في غضون هذه الهجمات، على نحو ما سبق تفصيله وما سوف نذكره، كما أضرمت النيران في جميع القرى فاحترق بعضها عن آخره أو احترق جانب من منازلها فقط، وذلك في منطقة من المناطق التي راقبت هيومن رايتس ووتش أحوالها بصورة منتظمة في أبريل/نيسان، وأصيبت بالدمار الكامل أوعية تخزين الأغذية، وغيرها من الأدوات اللازمة لتخزين وإعداد الأغذية.

    وكانت الأحوال مماثلة تماماً في منطقة أخرى من المناطق التي راقبناها، وإن لم تكن المراقبة تتميز بنفس الانتظام بسبب وجود الجنجويد في الكثير من القرى المحترقة، وهي المنطقة الواقعة بين قريتي المستيري والبيضا. وكانت الصورة الوحيدة للحياة المدنية التي قابلناها تتمثل في مجموعة من نحو خمسة عشرة شخصاً يرتعدون فرقاً، وعلى درجة من الهزال يرثى لها. وكانوا من الرجال والنساء الذين يحاولون الوصول إلى قريتهم السابقة لنبش واستخراج ما دفنوه في الأرض من أغذية. وقال كثيرون من أهل القرى إنهم شرعوا في دفن حبوبهم في حفر يبلغ عمقها نحواً من عشرة أقدام في الشهور الأخيرة استباقاً لما توقعوه من هجمات على قراهم. وقال شخص يدعى عمر، من قرية غوكار، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره "بدأنا في دفن الحبوب منذ أربعة أشهر تقريباً، ولكن سبل العودة لاستعادتها مسدودة، لأنهم إذا شاهدوك فسوف يقتلونك"(73).

    وفي بعض مناطق دارفور تلقت هيومن رايتس ووتش أنباء تفيد بأن قوات جنجويد تعمدت نبش واستخراج الحبوب المدفونة وتدميرها في بعض القرى، أو اعتدت بالضرب على الأشخاص الذين رأتهم يعودون لإنقاذ هذه المخزونات الغذائية(74).
    وقد استهدفت الحملة الحكومية للتدمير المتعمد مئات القرى. ففي 7 فبراير/شباط 2004، هاجمت القوات منطقة سيلدي، التي تقع إلى الجنوب الشرقي من جنينة، أول الأمر بالطائرات ثم بالقوات البرية. وقال الشهود إنها هاجمت ثلاثين قرية، في أيام معدودة، في انقضاض شامل دمر منطقة سيلدي، وهذه هي أسماء القرى: نوري، نييرينون، شاكوكي، أوربي، جابون، بولي، دانغاجوري، غوندو، جديدة، عرارة، كاستيري، غلالة، نياريا، ويرجيك، سيلدي، عرازة، نورو، روجي، ستواري، كوندي، أرديبا، شيركولدي، أوستاني، تاكاتا، بيوت ثلاثة، كيكيلو، هوغوني، أمبيكيلي، ميشيديرا. وفي بعض الأحداث الأخرى التي سجلتها هيومن رايتس ووتش، تعرضت قرى كثيرة، بلغ عددها 15 قرية، للهجوم والتدمير في يوم واحد، بل ومنذ عهد قريب أي في مارس/آذار 2004.

    وقال فلاح من سيلدي يدعى أحمد، وهو في الأربعين من عمره، "جاء الجنجويد بالخيول والجمال، والجيش من خلفهم بالعربات. وقام الجنجويد على متون الخيل بقتل الرجال والاستيلاء على الأبقار، وأما الجنجويد الذين يمتطون الجمال فقد حملوا الذرة الرفيعة والملابس والفُرُش. وكان الجنود يطلقون النار من أربع عربات، فقتلوا 13 شخصاً كان من بينهم امرأتان، ولكن الجراح تسببت في وفاة المزيد بعد ذلك. وكان الجميع يرتدون الأزياء الرسمية. لم نشاهد إلا الأزياء الرسمية. وقالوا: 'لن نترك أحداً منكم هنا، بل سوف نحرق جميع هذه القرى'.

    وقالت سيدة من ميرامتا تدعى زينب، وكانت في الخامسة والعشرين من عمرها ولديها أربعة أطفـال: "جاءت الحكومة مع العرب معاً في الثامنة صباحاً، والناس يؤدون الصلاة. جاءوا في عربات وفوق ظهور الجمال والخيل. وكان الجنجويد،د يرتدون الملابس الحكومية [الزي العسكري]. ودون إنذار بدأوا يحرقون القرية ويطلقون النار على المدنيين. وضعنا الأطفال على ظهور الحمير وعلى ظهورنا. ودفعنا البعض مثل السيارات. وتركوا 80 في المائـة من القريـة محترقاً"(75). وقال زوج زينـب، واسمه محمد، إن القتل كـان يجري دون تمييز: "كانوا يقتـلون كل ما هو أسود - سواء كان يحمـل السلاح أو لا يحملـه، ويملك الأبقار أو لا يملكها. هذا هو البرنامج: إنهم لا يريدون القبائل الإفريقية في هذا المكان"(76).

    وطبقت قوات الحكومة والجنجويد نهجاً مماثلاً من التدمير المتعمد في مناطق طائفة فور في غربيّ دارفور، ففي المنطقة المحيطة ببلدة بنديسي، في مقاطعة وادي صالح، تعرضت سبع وأربعون قرية للدمار ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2003 وأبريل/نيسان 2004، إذ قامت بنهب سبع قرى من بيـن القرى الثلاث عشرة في منطقة أروالا، وعدد من القرى قد يصل إلى أربعين حول مدينة مُقجيـر، إلى جانب تدمير أجزاء منها أو تدميرها عن آخرها. وأضطر معظم أهالي هذه القـرى إلى اللجوء إلى البلدان الكبيرة المجاورة، شبه معدمين تماماً.

    تدمير المساجد والرموز الدينية الإسلامية
    وإلى جانب تدمير القرى والممتلكات المدنية، دأبت الحكومة السودانية على تدمير المساجد وتدنيس الرموز الإسلامية في دارفور. والمعروف أن الطوائف الإفريقية في دارفور - وهي طوائف فور، ومساليت، وزغاوة - تدين بالإسلام، وتختلف في ذلك إذن عن السكان الأفارقة في جنوب السودان. ويعتنق جميع أهالي دارفور تقريباً مذهب التيجانية، وهي الطائفة الصوفية المسلمة التي ينتشر أفرادها من السنغال حتى السودان.
    وفي العام المنصرم، قامت قوات الحكومة والجنجويد بقتل أئمة المساجد، وتدمير المساجد نفسها والحُصُر التي تقام عليها الصلاة. بل إنها قامت في بعض القرى بتمزيق المصاحف والتبرز عليها.

    وقال الإمام عبدالله، وهو في الخامسة والستين، من بلدة جلنغة قدومي: "لا نعرف لماذا تحرق الحكومة مساجدنا وتقتل أئمتنا. إن إسلامنا حسن، فنحن نحافظ على إقامة الصلاة ونُديم قراءة القرآن".
    ومع ذلك فقد قامت قوات الحكومة وجنجويد بإحراق ما لا يقل عن خمسة وستين مسجداً في دار مساليت(77) وقتلت عشرات الأشخاص في المساجد. كما قام الجنجويد الذين هاجموا أوروم في نوفمبر/تشرين الثاني 2003 بقتل ستة عشر شخصاً أثناء صلاة الجنازة على يحيي عبدالكريم، الذي كان في الثمانين، إلى جانب إمام المسجد وحفيده اليتيم الذي كان في الثالثة من عمره. كما إن الجنجويد دخلوا بخيولهم المسجد المقام في مولي وقتلوا عشرة أشخاص بالأعيرة النارية، كان من بينهم الإمام يحيي غابات.
    وفي سانديكورنو قامت قوة مشتركة من رجـال الجيش والجنجويد بتمزيق المصاحف والتبرز عليها. وفي كوندولي، قتلوا الإمام، إبراهيم درة، والإمام الثاني، والمؤذن أيضاً، أثناء الصلاة.
    وقال الإمام عبدالله "إن الحكومة تريد أن تقتل جميع الأفارقة، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، حتى تأتي بالعرب ليحلّوا محلّهم. ليسوا مسلمين صالحين"(78).

    أحداث القتل والعدوان المصاحبة لنهب الممتلكات
    إذا كان معظم الهجمات على القرى تقوم بها القوات المشتركة بين الحكومة والجنجويد فإن أهالي القرى يرون أن الجنجويد هم الذين يقومون بنصيب الأسد من النهب والسلب الذي جرد طائفتي المساليت وفور من معظم ممتلكاتهم - وفي المقام الأول من أبقارهم، ولكن أيضاً من الخيول والماعز والأغنام.
    أما الفرق بين السلب والنهب الذي قامت به قوات الحكومة وجنجويد في السنوات الأخيرة وبين السلب والنهب في الأيام الخوالي على أيدي "العرب الرُّحّل"، فهو أن جانباً كبيراً من نهب هذه الأيام جزء لا يتجزأ من السياسة المتعمدة لإرغام الأهالي على النزوح، وعادة ما تصاحبه أحداث القتل على نطاق واسع. فسرقة الأبقار، وهو ما يراه كثير من أبناء طائفة المساليت بمثابة "مكافأة" للجنجويد علـى خدمات "التعريب" التي يؤدونها للحكومة، يسير الآن جنباً إلى جنب مع القتل العمد والواسع النطاق لمن ينتمون عرقياً إلى طائفتي المساليت وفور.

    وتقول عجوز في الثانية والستين من قرية كودومولي، تدعى عاشاً: "بدأت المشكلة منذ عشر سنوات. بدأت بسرقة الأبقار. ومنذ عامين بدأوا يقتلون رجالنا"(79).

    وفي يوم 23 أبريل/نيسان 2003، هاجم الجنجويد السوق الأسبوعي في مولي، التي تقع إلى الشرق من جنينة، على طريق هبيلة، وقتلوا ثلاثة وأربعين شخصاً - وكان الكثيرون منهم في المسجد(80).

    وقال علي، وهو مزارع في الثامنة والعشرين من عمره، "لدينا مُصَلّى بالقرب من السوق". وروى كيف قام المعتدون بقتل الإمام وعشرة من المصلين، ثم التفتوا لغيرهم وراحوا يرددون هتافات تتضمن إهانات عنصرية وسباباً عرقياً:
    كنا في الثانية والنصف عصراً، وهو موعد الصلاة، حين دخل الجنجويد، وكان بعضهم راكباً والبعض راجلاً، فقتلوا عشرة أشخاص من بينهم الإمام يحيي غابات. ثم استداروا وشرعوا يطلقون النار في السوق. كان الرصاص ينهمر كالمطر وهم يصيحون: 'اقتلوا النوبة! اقتلوا النوبة!" فقتلوا عمتي كانية حسن، التي كانت في الخامسة والسبعين، لأنها رفضت السماح لهم بأخذ أغنامها ومعزها(81). وكان شاب يدعى فطر، وهو في السابعة والعشرين، قد ذهب إلى مولي لحضور يوم السوق، ومن ثمَّ شهد ذلك الهجوم. وقال لنا "كانت الساعة الثانية والنصف عصراً، وكان البعض يصلّون، والبعض الآخر في السوق:

    وجاء الجنجويد وحاصروا السوق. وظن الناس أول الأمر أنهم جاءوا لحمايته. لكنهم بدأوا يهتفون "اقتلوا النوبة!" وشرعوا في الهجوم. كانوا يحملون قنابل صاروخية وأجهزة إطلاقها من طراز إم 79، فقتلوا الكثيرين وسرقوا كل شيء من السوق(82). وكان شاب آخر يدعى موسى، في الخامسة والعشرين، في الطريق الشرقي من السوق عندما بدأ هذا الهجوم، وقال لنا "كان معظم الجنجويد يرتدون الزي الرسمي. وسرقوا كل شيء - السكر والمال. فإذا رفضت تسليم أي شيء أطلقوا عليك النار. فقتلوا نحو ثلاثين شخصاً في السوق"(83).
    وقال علـي، وهو شاب في الثلاثين، إن نحو خمسين رجلاً من الجنجويد أتوا من جهة الشرق على ظهور الجمال والخيل؛ "كانوا يحملون البنادق وبدأوا يهاجمون السوق. لم يكن الجيش معهم. كان بعض الناس يًلّون في المسجد. ولكن الجنجويد أطلقوا النار دون تمييز على الجميـع. وبعد ذلك هـرب الجميع. سرقوا السكر واللحوم وكـل شيء في السوق. مكثوا في المسجد نحـو ساعة". وبعد هذا الهجوم انضم علي إلى صفوف جيش تحرير السودان(84).
    لم يطلب أحد من السلطات الانتصاف لنفسه، إذ كانوا يعتبرون أن الجنجويد يمثلون السلطات. وقال فطر إن المهاجمين "كانوا يرتدون زي الجيش نفسه. ولم يتقدم أحد بالشكوى إلى الحكومة. فنحن نعرف أن هؤلاء الناس من الحكومة. فهم يرددون دائماً "نحن الحكومة"(85).

    وفي أول أكتوبر/تشرين الأول 2003، لقي ستة شبان مصرعهم في قرية قطب الدين بعد إحراق القرية في اليوم السابق. وقال إدريس، وهو مزارع في الثالثة والأربعين، إن الشبان الستة كانوا قد رجعوا إلى القرية لأخذ أبقارهم ولكنهم قابلوا الجنجويد. وحاول الشبان الفرار فبدأوا يجرون، ولكنهم قُتلوا أثناء فرارهم(86).
    "أحضر الجنجويد الجمال إلى القرية فالتهمت كل الذرة الرفيعة. ثم أحرقوا القرية وسرقوا كل شيء - بما في ذلك أربع عشرة بقرة. كانوا يصيحون "اقتلوا النوبـة! اقتلوا النوبـة!" السبب الوحيد لكل هذا هو أننا سود البشرة. كنا نستطيع الدفاع عن أنفسنا وأن نصد هجمات العرب الرُّحل، ولكننا لم نستطع صد الجنجويد. فالحكومة زودتهم ببنادق ممتازة، بل وتشاركهم في الهجوم"(87). وفي يوم 13 فبراير/شباط 2004، دخل الجنجويد قرية أبون للبحث عن الماشية. وكانت القرى القريبـة قد تعرضت من قبل للقصف الجوي بطائرات أنتونوف، وأُحرقت، وكانت قرية أبون خاليـة، باستثناء بعض الرجال الذين تخلفوا حتى يحاولوا دفـن المخزونات الغذائية وغيـرها من المواد التي تقبل الحفظ، لعلهم يستطيعون العودة إليها يوماً ما. وقال أحد أبناء قريـة أبون واسمه جمال، إن الجنجويد قتلوا رجلاً واحداً - وهو آدم بخيت، الذي كان في الرابعة والعشرين - واعتقلوا عشرة آخرين وظلوا يضربونهم وهم يسألون "أين الأبقار والجمال؟"(88).
    ضربوهم ضرباً مبرحاً. وقالوا 'نعرف أن الأبقار والجمال في تشاد ولا بد أن نحصل عليها'. وطلبوا منهم البنادق. بحثوا ولكنهم لم يجدوا أياً منها. أحرقوا جميع المنازل التي لم تكن العين تراها من الطريق الموصل بين جنينة وهبيلة. أخذوا البطاطين والنقود والملابس. أخذوا الحيوانات(89).
    اختلف الجنجويد في الرأي: هل يقتلون السجناء أم لا؟؛ وأخيراً أخلوا سبيلهم، وأمروهم بالرحيل عن القرية للأبد؛ 'لا نريد أن نراكم هنا مرة أخرى؛ فهذا المكان لنا ولمواشينا؛ أرحلوا عن هنا بسرعة'".
    ويجري تنظيم جانب كبير من سرقة المواشي اليوم على أسس شبه تجارية. إذ قال العشرات من أبناء القرى النازحين لهيومن رايتس ووتش إن الأبقار المسروقة تساق معاً إلى مخيمات ماشية تابعة للجنجويد، أو ما يسمى "نقاط التجميع" - وأكبرها، فيما ورد، في أم شلاية - ومنها تساق إلى السلخانة الحكومية في نيالا، للتصدير من نيالا جواً إلى بعض البلدان العربية مثل ليبيا وسوريا والأردن(91).
    وقـال أحد الشهود "إنها تجارة بالغة الضخامة، وتدر على الحكومة أموالاً طائلة. وهذا هو سبب حب الحكومة للعرب. فأما الفلاحون الفقراء فلا تحصل الحكومة على عائد يذكر منهم"(92). ولا يقتصـر القتل على الرجال أثناء حمـلات السلب والنهب، بل يشمل النساء والأطفال أيضاً. ففي يوم 24 فبراير/شباط 2004 تعرضت قرية كودومولي، خارج مدينة مستيري، للهجوم. وتقول العجوز عاشا، التي بلغت الثانية والستين، "إن الجنجويد جاءوا فهاجموا القرية وسرقوا الماشية. وكان أباكار محمد يدافع عن القرية، وكان في الثلاثين من عمره، وعندما ذهب ليحضر الماشية قتلوه. وقتلوا كذلك إحدى بنات إخته، وكانت في السابعة من عمرها واسمها مريم أحمد"(93).

    ونادراً ما يشكو أبناء القرى للجيش أو الشرطة مما يفعله الجنجويد، إذ يعتقدون أن الجيش شريك للجنجويد، وأن الشرطة عاجزة وبلا سلطة. وفي الحالات النادرة التي قدموا فيها شكاوى، لم ينالوا أي انتصاف مما حدث.
    وحدث أيضاً يوم 24 فبراير/شباط 2004 أن قام رجال الجنجويد، من خارج مدينة مستيـري، بالاستيلاء على أعداد كبيرة من الأبقار من داخل المدينة، وكانت معظم هذه الأبقار تابعة للنازحين الذين ذهبوا إلى المدينة يطلبون النجاة من الهجمات المشتركة بين الحكومة والجنجويد على القرى. ولجأ النازحون إلى القائد المحلي للجيش طلباً للعون - وكان من طائفة دنكا في جنوب السودان، وكان السكان من طائفة مساليت يعرفونه باسم أنغو وحسب.

    وقال شاب في الخامسة والعشرين يدعى محيي الدين: "ذهب أنغو وعاد بنحو نصف الماعز والأغنام التي سرقت، لكنه لم يحضر أية أبقار". وهنا رحل البعض إلى تشاد، ورحل كثيرون غيرهم بعد وقوع النهب الواسع النطاق في الشهر التالي. في يوم 22 مارس/آذار شن رجال الجنجويد غارة ثانية وسرقوا 400 بقرة وكانوا يرتدون نفس الزي الرسمي لرجال الحكومة. وانطلق خلفهم أنغو من جديد، ومن جديد عاد بنصف الماعز والأغنام، دون أبقار. وهكذا قررنا الذهاب إلى تشاد ورحلنا ليلاً(94). ولا يقتصر سبب فرار أبناء طائفة المساليت إلى تشاد على سرقة الثروة الحيوانية التي تمثل أرصدتهم الأولى، فقد تكون خسارة شيء ضئيل ذات أثر موجع للفقراء الذين لا يملكون الكثير، والمثال على ذلك شاب يدعى عمر، وهو مزارع من غوكار أمينتا، في السابعة والثلاثين من عمره، سرق رجال جنجويد ساعة معصمه في الطريق، فغادر القرية ورحل إلى تشاد. وكان الجنجويد يسبّون ويضطهدون من لم يطردونه:
    دخلوا قرية غوكار مع مجموعة من ثلاثين جندياً، واقتحموا معهم مخفر الشرطة. وعقدوا اجتماعاً في المخفر وقالوا "لن تحرق قريتكم. لا بد أن تمكثوا هنا". لكنهم بدأوا يعذبوننا، إذ كانوا يدخلون المنازل ويأخذون ما يريدون. وكانوا يضربون الناس. وماذا فعل الجنود؟ لا شيء(95).

    كانت حواء، ابنة الخامسة والثلاثين، من بين الذين تعرضوا للسرقة والضرب في المنزل، ثم اتهمت بأنها كانت زوجة وأُمّاً لبعض متمردي جيش تحرير السودان، وذلك حتى لا تتجاوز حدودها:

    جاء الجنجويد إلى منزلي ظهراً واستولوا على الملابس وجهاز الراديو والبطاطين وساعة اليد. وسألوني: 'أين زوجك'؟ فقلت لهم إنه ذهب لإحضار الماء. فضربوني بالعصيّ وقالوا: 'زوجك في جيش تحرير السودان. وابنك أيضاً'(96). ولا يزال المدنيون النازحون من طوائـف مساليت وفور وزغاوة والمقيمـين في المدن الكبرى التي تسيطر عليها الحكومة يتعرضون للاعتداء والتعذيب أحياناً على أيدي الجنجويد بتهمة النهب أو الاشتباه في انتمائهم للمتمردين حتى بعد أن يفروا من قراهم في المناطق الريفية. ففي مارس/آذار 2004 قام رجال الجنجويد في إحدى المدن الكبرى بمنطقة وادي صالح باعتقال أحد زعماء المجتمع المحلي الأغنياء، مع زوجته وابنته، وقاموا بضربهم جميعاً، ثم علّقوا الرجل في وضع مقلوب بعد أن ربطوا الحبال حول عنقه وذراعيه، في محاولة للحصول على النقود والبضائع من الأسرة(97).

    وفي إحدى حالات التعذيب التي وردت أنباؤها من منطقة غارسيلا في أبريل/نيسان، تعرض رجـل من طائفة فور للاعتقال والجلد بالسياط حتى تساقط جلد ظهره، وعندها استخدم الرجال مقبض السوط في إحداث حُفَر في لحم جسده. وتلقت هيومن رايتس ووتش كذلك أنباء تفيد بأن أفراد الجنجويد كانوا يدفنون الرجال أحياء في المنطقة المحيطة بغارسيلا ودليغ (98). ولم تتوقف أنباء النازحين التي تتحدث عن الجرائم التي يرتكبها الجنجويد في حقهم، ومن بينها الهجمات المتسمة بالعنف، وحالات الاختفاء، ونهب ما تبقى لهم من الثروة الحيوانية. وقد ارتكبت هذه الجرائم في شتى مخيمات النازحين حول جنينة، ونيالا، وغيرهما من المدن الكبرى الخاضعة لسيطرة الحكومة(99). بل إن النهب قد امتد إلى معونات الإغاثة التي وزعت عليهم.

    الاغتصاب وغيره من صور العنف الجنسي
    تتسم معظم الهجمات في مناطق فور ومساليت وزغاوة في دارفور، على ما يظهر، بارتكاب الاغتصاب. أما نطاق الاغتصاب فيصعب تحديده لأن النساء يعزفن عن الحديث عنه، ولأن الرجال، وإن كانوا على استعداد للإبلاغ عنه، لا يشيرون إليه إلا بألفاظ عامة. وتلقت هيومن رايتس ووتش أنباء عن وقوع الاغتصاب في نحو نصف القرى التي تأكد إحراقها. ولا شك أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك.
    فلقد قال الرجال في قريتي دينغو وكوروما في دار مساليت، مثلاً، إن الجنجويد كانوا "يأخذون الفتيات فيلقونهن على الكلأ ويغتصبوهن هناك". وكانت إحداهن لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها. وبالقرب من سيسي، اختطفوا ثلاث نساء، الأولى في الثانية والثلاثين، والثانية في الثانية والعشرين، والثالثـة في الخامسة والعشرين، وكـان ذلك عنـد إحدى البرك، ثم اصطحبوهن إلى مدرسة مهجورة تابعة للطائفة النورية، فاغتصبوهن فيها(100). وفي قرية دريسة، التي تقع على الحدود بين أراضـي مساليت وفور، رفضت فتاة في السابعة عشرة أن تستسلم للاغتصاب، فقتلوها وتركوا جسدها العاري في الطريق العام. ويستمر وقوع الاغتصاب داخل وحول مستوطنات النازحين والمدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، حتى بعد أن يفر المدنيون من قراهم. ففي أبريل/نيسان كانت امرأة نازحة من طائفة فور تقوم بجمع الحطب خارج مدينة غارسيلا عندما فاجأها رجال الجنجويد وحالوا اغتصابها. وضربوها ضرباً مبرحاً أفضى آخر الأمر إلى وفاتها(101).

    محاولات منع عودة النازحين من طائفتي مساليت وفور
    يقيم الجنجويد مخيمات لهم حالياً في بعض القرى التي أحرقوها في دار مساليت، حتى يضمنوا عدم عودة المدنيين من طائفة مساليت إلى المنطقة. وقال أحد قادة جيش تحرير السودان واسمه عبد القاسم 'طوبة' لهيومن رايتس ووتش إن الجنجويد احتلوا سلسلة من القرى على الجانب الشرقي لدار مساليت في الشهور الأخيرة - ومن بينها قرى تولوس، وأوروم، ودريسة. وقال إنهم "ينطلقون من هنا كل يوم إلى الجبال بحثاً عن أعضاء جيش تحرير السودان".
    وشاهدت هيومن رايتس ووتش أيضاً رجال الجنجويد الذين كانوا قد أقاموا مخيماتهم في القرى البعيدة عن قوات جيش تحرير السودان في الجبال - أي بالقرب من الحدود مع تشاد على الطرف الغربي لمنطقة مساليت. وكان الجنجويد ينطلقون من هذه القرى لشن غاراتهم عبر الحدود مع تشاد، ويمارسون قدراً من التحكم في انتقالات النازحين. وكان مجرد وجودهم بالقرب من الحدود يضمن ألا يحاول اللاجئون في تشاد عبور الحدود عائدين إلى دارفور لإنقاذ ما دفنوه من حبوب أو سوى ذلك من ممتلكاتهم.

    وفي يوم 25 مارس/آذار قامت امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها تدعى عائشة، وكانت أصلاً من قرية أبون، بمغادرة تشاد ليلاً في محاولة لإحضار الطعام من قريتها. وسارت مع امرأة أخرى لمدة يومين. وقالت "وجدنا الجنجويد في منازلنا، ينامون على سررنا. لم يكن هناك سوى الجنجويد، والأبقار. كانوا يرتدون الزي العسكري مثل رجال الجيش. ولو رأوني لقتلوني"(102).
    وقد ظلت بعض قرى طائفة فور قائمة لم يمسسها سوء في منطقة وادي صالح، وما ذلك إلا لأن أهاليها دفعوا "إتاوات" ضخمة للجنجويد الذين يتحكمون في انتقالات الأهالي في المنطقة. وقال الشهود لهيومن رايتس ووتش إن الجميع، حتى المصابين بأمراض أو جروح خطيرة، أرغموا على أن يلزموا قراهم الأصلية ولا يبارحوها، وحرموا من الوصول إلى المدن الكبرى ذات المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية إلا إذا كانوا بصحبة مرافقين من الجنجويد. وما زال النازحون المقيمون في المدن التي تسيطر عليها الحكومة والجنجويد يتعرضون لهجمات منتظمة. بل إن العجائز اللائي يحاولن جمع الحطب خارج المدن يجازفن بالتعرض للضرب والاغتصاب إذا غادرن المدن.

    ومن شأن انعدام الأمن، إلى جانب التدمير الكامل للمخزونات الغذائية وغيرها من الضروريات مثل موارد المياه، أن يضمن أيضاً عدم محاولة النازحين من أبناء طائفة المساليت العودة إلى قراهم الأصلية. وهكذا فإن تكرار هجمات الجنجويد وقوات الحكومة، وإحراق القرى وتدمير مصادر الرزق، قد ترك النازحين من طائفتي فور ومساليت معدمين يعتمدون على معونة الإغاثة.

    وقد انتهت البعثة الإنسانية التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى دارفور أخيراً إلى أن الناس يريدون أن يعودوا إلى ديارهم، لكنهم ليسوا على استعداد لذلك حتى يطمئنوا إلى عدم تجدد الاعتداءات. وفي بعض مناطق طائفة فور في غربي دارفور، دفع المدنيون مبالغ مالية إلى الجنجويد في مقابل العودة إلى قراهم، لكنهم ما لبثوا أن واجهوا هجمات جديدة بعد عودتهم. وهذه الأمثلة تدل بوضوح على استحالة العودة ما دام الجنجويد في مخيماتهم، في داخل قرى النازحين ومن حولها.

    وتشير التقارير الأخيرة للأمم المتحدة على أن الحكومة تحاول في بعض المناطق إرغام الأهالي على العودة إلى قراهم، وذلك رغم أنها لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بنزع أسلحة الجنجويد وتسريحهم، أو إخراجهم من المناطق التي يشغلونها(104). والأرجح أن تكون هذه الجهود قد بُذلت نتيجة زيادة الضغط الدولي على الحكومة، وإدراكها مدى الأزمة الإنسانية الطاحنة التي تتهدد الإقليم، ولكن الواجب يقضي بألا تبدأ العودة حتى تتوافر إجراءات الأمن اللازمة، ومن بينها تسريح قوات الجنجويد وإخراجها من المنطقة.

    احتلال الجنجويد لقرى مساليت واستيطانهم فيها
    قال بعض أفراد طائفة المساليت في جنينة إنهم شاهدوا بعض النساء والأطفال وهم يتجهون جنوباً، عبر مدينة جنينة، ابتداء من آخر مارس/آذار 2004، وقالوا إنهم من أفراد أسر مقاتلي الجنجويد. واتفق مرور هؤلاء مع صدور بيان أذاعه راديو جنينة الذي تديره الولاية، يشير إلى أحد قواد الجنجويد، وهو من أشد من يلقون الرعب في القلوب، واسمه حامد ضواي، بلقب "أمير إمارة دار مساليت".
    وقال أحد رؤساء عشائر مساليت إن هؤلاء النساء والأطفال كانت تصحبهم بعض قوات الجيش في تلك الرحلة.
    وقال فلاح في السابعة والعشرين يدعى فيصل إنه شاهد "أفراد أسر الجنجويد قادمين من الشمال بخيامهم ومتاعهم" في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان. وقال "إنهم وصلوا إلى جنينة في سيارات تسير خلفها سيارات حكومية. ثم استقلوا من جنينة سيارات أخرى سارت بهم جنوباً نحو هبيلة وفوربانغا. كانت سيارات ضخمة، تتسع الواحدة منها لثلاثين راكباً أو أربعين. وقد أحصيتُ نحواً من ثلاث عشرة أسرة. إن دار مساليت تتحول إلى منطقة عربية. فلسوف يأتون بأُسَرِهِمْ إليها". وعندما سُئل كيف استطاع القطع بأن هؤلاء كانوا من العرب قال "لماذا تسأل هذه السؤال؟ هل تظن أننا لا نعرف؟ إنه لون بشرتهم، ولغتهم، وملابسهم. إنهم يختلفون عنا"(105).

    ورغم أن ترحال الأسر المذكورة قد ضاق نطاقه، فيما يبدو، هذه الأيام، فلقد ذكر عدد من الرجال النازحين أنهم شاهدوا النساء والأطفال العرب في بقاع لم يكن بها سوى الرجال المسلحين من قبل. وقال فلاح في الثانية والعشرين من عمره، واسمه حسن، من قرية غوكر، إنه شاهد "العرب مع زوجاتهم وأطفالهم وأبقار كثيرة" في بعض القرى مثل تور، وأوروم، وتولوس(106).

    وقال رجل هرم من تونفوكا إنه شاهد حفنة من الأسر العربية في تونفوكا عندما عاد إلى قريته ليلاً منذ عهد قريب ليحاول إنقاذ بعض ممتلكاته. وأضاف أن إحدى الأسر قد بنت لنفسها منزلاً جديداً ذا طراز يختلف عن الطراز التقليدي للمساليت، وكانت أسرة أخرى تقيم في كوخ لم يحترق وكان يملكه رجل يدعى عبد المجيد فاضل. وقال إن العرب بنوا مسجداً جديداً في القرية. وعندما سئل عما تفعله النساء قال "كن يجمعن جميع الأغذية، ويقدمنها إلى الحكومة التي جاءت لنقلها في شاحنات"(107).

    عرقلة حرية انتقال المدنيين
    في الشهور الأخيرة، مع ازدياد اهتمام المجتمع الدولي بالفظائع المرتكبة في دارفور، ازدادت الأنباء عن قيام الجنجويد وقوات الحكومة بعرقلة محاولات المدنيين النازحين للجوء إلى تشاد أو الانتقال إلى مراكز حضرية كبيرة مثل نيالا. ويعتقد رؤساء طائفتي مساليت وفور أن الهدف هو منع تسرب أنباء التطهير العرقي في دارفور أو وصولها إلى أسماع العالم الخارجي. وكان مما قوّى الظن بأن الحكومة تقوم بتشجيع هذه الجهود ذلك الخطاب الرسمي الذي وصل إلى العمدة الوحيد من طائفة المساليت الذي لم تحرق القرى التابعة له، وذلك فيما يبدو بسبب قربها من تشاد، وهو الخطاب الذي يحثه على "العودة إلى السودان مع جميع أهلك"(108). وقبل أن يتسلم هذا الزعيم المحلي الخطاب الذي أرسله المسؤولون الحكوميون المحليون، بيوم واحد دعا حامد ضواي، قائد الجنجويد، إلى عقد اجتماع من قادة المساليت الذين نُقلوا إلى مستيري في شاحنات عسكرية وطلب منهم تنظيم "الأمن" بقصد منع أهاليهم من عبور الحدود إلى تشاد. ووعدهم بأن يدفع لهم مبالغ مالية كبيرة إذا فعلوا ذلك. وقال شخصان ممن حضروا ذلك الاجتماع إن المساليت قالوا لضواي "نحن لا نحب نقودك. ولا نؤمن بالأمن الذي تريده. إننا نعاني من الميليشيات العربية"؛ ورد ضواي عليهم قائلاً: "إذا لم تحفظوا الأمن، فسوف أقتل جميع المدنيين عندكم"(109).
    وقبل ذلك بشهر واحد، قام الجنجويد، الذين كانوا قد رابطوا في القاعدة العسكرية في مستيري، بإغلاق الطريق المؤدية على تشاد بعد أن بدأ الناس يرحلون في يأس نتيجة انتشار السلب والنهب.

    وقـال شخص في الخامسة والعشرين مـن عمره يدعى مجد الديـن إن "الجنجويد سألوهم: لماذا ترحلون؟ إننا جئنا لإنقاذكم، ثم أغلقوا الطريق. إن الجنجويد في قلب الإدارة كلها".
    وبحلول مارس/ آذار 2004 كان الجنجويد قد أقاموا عشر نقاط تفتيش لهم ما بين 'أدري' (التي تقع في تشاد بمقربة من الحدود) وبين جنينة. ووصف اللاجئون الطرق الملتوية التي اضطروا إلى السير فيها ليتفادوا المرور بنقاط التفتيش، الأمر الذي زاد من طول الرحلات الآمنة إلى تشاد بمقدار أيام عديدة.

    وإلى جانب محاولة القوات الحكومية منع الناس من مغادرة دارفور وعبور الحدود إلى تشاد، فإنها حثت السلطات التشادية على الضغط على اللاجئين السودانيين حتى يعودوا إلى دارفور، رغم عدم استقرار الأوضاع، وانعدام الأمن في مدن دارفور وريفها، واستمرار هجمات القوات الحكومية والجنجويد على المدنيين وهي بمنجى تام من العقاب.
    وفي 14 أبريل/نيسان 2004 دعا وفد من الحكومة السودانية، يصحبه مسؤولون وعسكريون تشاديون، إلى عقد اجتماع من زعماء اللاجئين السودانيين في مخيم فورشانا للاجئين في تشاد، وهو الذي يقيم فيه الآلاف من المساليت وغيرهم من اللاجئين السودانيين. ولكن معظم زعماء اللاجئين رفضوا الحضور. ولكن الاجتماع عقد، في نهاية الأمر، وشارك فيه بعض الأفراد، وطلب الوفد السوداني من اللاجئين أن يعودوا إلى دارفور.

    وتدهورت مسيرة الاجتماع عندما بدأ اللاجئون يقذفون الحجارة على الوفد السوداني وأطلق العسكريون التشاديون أعيرة نارية في الهواء. ويبدو أنهم اعتقلوا واحتجزوا اثنين من اللاجئين، كما قيل إن الجنود التشاديين ضربوا عدداً منهم(110). وأصدرت الحكومة السودانية بياناً تقول فيه إن اللاجئين سوف يعودون إلى السودان في المستقبل القريب، وذلك رغم الأدلة الجديدة على استمرار فرار المدنيين من دارفور إلى تشاد(111).

    ويقوم الجنجويد في نقاط التفتيش باحتجاز واغتصاب وقتل المدنيين من طائفتي مساليت وفور، وفرض الرسوم على العربات التي تسير في تلك الطرق، مما منع الكثيرين من محاولة الرحيل من بلد إلى بلد، أو من المدن إلى الغابات. وهي تفرض "ضرائب" على السيارات التي تنقل المسافرين بين البلدان، وتهدد أصحابها بالقتل أو السجن إذا لم يدفعوا "الضرائب". وهم يهددون السائقين بتوجيه الاتهام إليهم قائلين "أنتم دائماً ما تنقلون المتمردين من الغابات إلى المدن".

    وحدث أن شخصاً يدعى فيصل، من بلدة نوري، استوقفه الجنجويد عند نقطة تفتيش في ميشمايري، الواقعة على الطريق إلى جنينة، في أوائل عام 2004. وكان الجنجويد لديهم هاتف محمول يعمل على شبكة ثريا، وطلبوا منه ومن رفقائه في السيارة أن يدفعوا 200 ألف جنيه سوداني وإلا "فسوف نقتل سبعة أشخاص". وفي النهاية رضوا بتخفيض المبلغ إلى 50 ألف جنيه، فاستمرت السيارة في طريقها إلى جنينة. وعند أول نقطة تفتيش خارج جنينة استوقفها الجنجويد من جديد، وكان لديهم هاتف محمول يعمل على شبكة ثريا أيضاً، وسألوهم "لماذا لم تدفعوا المبلغ كله في ميشمايري؟"(112).
    ويقوم "المسؤولون" من رجال الجنجويد، بصورة منتظمة، بإرغام النازحين المدنيين من طائفة فـور في بعض البلدان، مثل غارسيلا ودليغ ومقجـير وغيرها، وهي التي تسيطر عليها القوات الحكومية والجنجويد، على دفع الرشا، بل ويمارسون العنف معهم عندما يحاولون الانتقال خارج مستوطنـات ومخيمات النازحين المقامة حول هذه المدن. وأمـا النساء اللائي يحاولـن مغادرة المدن لجمع الحطب فيواجهن الخطر المحقق بالتعرض للاعتداء والاغتصاب.
    والمدنيون أيضاً ممنوعون من السفر من القرى الصغيرة إلى هذه المدن الكبيرة دون الحصول على إذن من السلطات الحكومية. والمدن الكبيرة حالياً هي المكان الوحيد الذي توجد فيه خدمات اجتماعية عاملة، بما في ذلك الرعاية الصحية. وقال أحد الشهود، من قرية تبعد نحو 15 كيلو متراً تقريباً عن غارسيلا(113).
    وقد أدت القيود المفروضة على التنقل والهجمات المتواصلة لميليشيات الجنجويد، إلى أن أصبح الكثيرون من المدنيين النازحين يفتقرون إلى الضروريات مثل مواد البناء، والمياه الكافية، والأغذية، والحطب اللازم للطهي. بل إنه حتى حين تتوافر الأغذية في الأسواق المحلية، كثيراً ما يعجز المدنيون النازحون من طائفتي فور ومساليت عن الذهاب إلى تلك الأسواق لشرائها.
                  

08-11-2007, 04:08 AM

Abu Eltayeb

تاريخ التسجيل: 06-01-2003
مجموع المشاركات: 2200

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    الأخ قاسم المهداوى

    الشكر الجزيل على هذا التنوير وسيعلم الجناة اى منقلب ينقلبون

    يمهل و لا يهمل

    أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير


    الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز


    الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل

    لك معزتى

    لطفى
                  

08-11-2007, 06:14 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: Abu Eltayeb)

    لك معزتى

    لطفى
    Quote: \لك معزتى

    لطفى



    تشكر لطفى ولك التحايا


    قاسم

    (عدل بواسطة قاسم المهداوى on 08-13-2007, 01:40 AM)

                  

08-13-2007, 01:41 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موسى هلال فيديو ... هيومان رايتس ووتش (Re: قاسم المهداوى)

    فوق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de