كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 10:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-06-2007, 03:33 PM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات


    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الثانية) مبررات استخدام القوة العسكرية في دارفور يرجع العالمون ببواطن الأمور مبعث أزمة دارفور إلى نزاع قبلي وقع بسبب جمل سرق ودارت بسببه معركة بين مجموعتين قبليتين (2)
    عناصر من حركة تحرير السودان في منطقة التينة القريبة من الفاشر عاصمة شمال دارفور (الشرق الاوسط»)
    مصطفى عثمان إسماعيل
    رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الحرب في دافور، ما تزال وجهات النظر تتضارب حول جذور وحلول الأزمة التي باتت محط اهتمام إقليمي ودولي، وأدخلت السودان في مواجهة مع المجتمع الدولي، إلى حد تسمية أشخاص لتقديمهم إلى محاكمة دولية بتهم تصنف تحت انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية.
    وفي حلقات تنشرها «الشرق الأوسط» تباعا، يكتب الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق، عن أزمة دارفور، من وجهة نظر الخرطوم، ويتناول في حلقة اليوم جذور النزاع الحالي، والخطوات التي قامت بها الحكومة للتصدى للعنف المتصاعد.

    يرجع العالمون ببواطن الأمور وتداعيات الأزمة في دارفور مبعثها إلى نزاع قبلي وقع بسبب جمل سرق يوماً في منطقة كرنوى شمال دارفور، ودارت بسببه معركة بين مجموعتين من قبيلتين مختلفتين سقط فيها قتلى، ولم يتم الوفاء بدفع الديات اللازمة لما أريق وأهدر لأهل القتلى من الزغاوة. وقد سبقت حادثة كرنوى حادثة أخرى وقعت في منطقة تسمى بتاريك غرب دارفور، هجمت فيها مجموعة مسلحة من قبيلة المساليت على قافلة تنتمي لإحدى القبائل العربية، وقتلت المجموعة القافلة بكاملها، وفيها ستة من أعيان القبيلة العربية تلك، مما أدى إلى انفراط الأمن في المنطقة وأزف بالتفجر الشنيع، فسارعت الحكومة المركزية إلى نزع فتيل النزاع قبل أن تفلت الأمور ويراق مزيد من الدماء.

    احتقنت الأوضاع في بعض أنحاء دارفور عدة أشهر ولكنها انفقعت مع حلول عام 2003 إذ كانت الميليشيات القبلية تتسلح في كرنوى وفي مرتفعات جبل مرة، وخططت لهجوم استهدف مدينة كتم، ثاني أكبر المدن بولاية شمال دارفور في أغسطس (اب) 2003، وبعدها بشهرين في أكتوبر (تشرين الأول) استهدفت منطقة مورني بولاية غرب دارفور، وكان أُس البلاء تسلل المتمردين إلى مدينة الفاشر، وهاجموا مطارها فجر الجمعة 25 أبريل (نيسان) 2003 ودمروا فيه 6 طائرات وحطموا إنارات مهبط الطائرات واختطفوا قائد سلاح الجو بالمنطقة العسكرية الغربية اللواء الركن إبراهيم البشري، وهو من أبناء الإقليم، بعد أن قتلوا حراسه وهو يغادر منزله نحو المطار.

    تحت إشراف الرئيس التشادي إدريس دبي وقعت الحكومة السودانية في ديسمبر (كانون الأول) 2004 اتفاقا مع حركة انشقت عن الحركة المسلحة التي يتزعمها مناوي وعبد الواحد بقناعة أن الحل الشامل المتفاوض عليه سلميا هو الذي يمكن أن يحل مشاكل دارفور، وعبرت تلك الحركة عن ترحيبها للوساطة التشادية والاتحاد الأفريقي والتزامها بما تم الاتفاق عليه في أنجمينا في أبريل 2004، لوقف إطلاق النار، واتفاق أديس أبابا في 28 مايو (أيار) 2004 الخاص بتكوين لجنة وقف إطلاق النار ونشر مراقبين لذلك بدارفور، وبروتوكول أبوجا الصادر في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 لتعزيز الأمن الإنساني في دارفور، والتزمت الحكومة بتجريد الميليشيات المسلحة من أسلحتها وتنظيم عمليات العودة الطوعية والتلقائية للاجئين والنازحين بسبب الحرب وإعادة دمجهم في الحياة الاجتماعية، وتم إطلاق السجناء والمعتقلين بأسباب مشاكل دارفور والحرب. وقد عاد بموجب ذلك الاتفاق كثيرون من الحرب وسلموا أسلحتهم خلال شهرين، بعد أن تم تحديد مواقع انتشار قواتهم.

    ومع تجاوب عدد مقدر من حاملي السلاح مع نداءات وقف إطلاق النار وإعلان الرئيس السوداني العفو العام، كانت الجماهيرية الليبية قد تحركت وانتدبت د. عبد السلام التريكي وسيطاً، حيث اجتمع بقيادة حركتي تحرير السودان بزعامة عبد الواحد ومناوي والعدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم، وقدم لهما مقترحاً لتفعيل الآليات المشتركة لتطبيق الاتفاقيات المبرمة بينهم والحكومة في أنجمينا وابوجا وأديس أبابا تحت رعاية الاتحاد الافريقي، إلا أن الحركتين مارستا تعنتاً وتمسكاً بشروط لم يكن بمقدور الحكومة الاستجابة لها، من واقع أن الحكومة هي المسؤولة عن أمن وسيادة وأرض السودان، ولا تستطيع أن تسحب قواتها المسلحة التي هي قوات لحماية كل الشعب السوداني في دارفور وغير دارفور، وان أي استجابة أو خضوع لما طرحته الحركات من شروط يعد تفريطاً في أمن الوطن. طلبت اللجنة المشتركة لوقف إطلاق النار في دارفور، التي انعقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا في 17 ديسمبر (كانون الاول) 2004 من الحركات المسلحة وقف هجماتها التي قصدت بها تعطيل النشاط التجاري وتدمير الهياكل الحكومية وبتركيز على مراكز الشرطة التي تحمي المواطنين، وكان مجلس السلم والأمن الأفريقي المُنشئ لتلك اللجنة قد أعرب عن قلقه عدة مرات من تدهور الوضع الأمني جراء تلك الهجمات، ووصفها بأنها أعمال غير مقبولة وتعد خرقاً واضحاً لاتفاقيات وقف إطلاق النار.

    والحكومة من جانبها من باب حرصها على الوفاء بتعهدها للاتحاد الأفريقي، ومن قبل ذلك حرصها على استتباب الأمن وحماية مواطنها المسؤولة عنه أخلاقياً ووطنياً، التزمت بوقف عملياتها العسكرية التي كانت تشنها على مواقع التمرد وتعهدت لرئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس النيجيري اوباسانجو باحتفاظها بالموقف الذي اتخذته تجاوباً مع الحكومة لتوفير أجواء مواتية لعقد جولة مفاوضات يشارك فيها المتمردون، كانت نيجيريا قد دعت إلى عقدها بعاصمتها أبوجا.

    وقد أحصيت مرة خلال فترة شهرين 35 خرقاً من الحركات المتمردة للاتفاقيات التي أبرمت، أي بواقع خرق كل يوم والذي يليه، وقع 15 خرقاً منها في ولاية شمال دارفور، و18 في ولاية جنوب دارفور، واثنان في ولاية غرب دارفور، بل تمادى المتمردون واستغلوا وقف القوات الحكومية للعمليات العسكرية، فحاولوا نقل التمرد إلى ولاية كردفان، الأمر الذي أغضب الحكومة إلى الحد البعيد. واستشهد جراء تلك الخروقات عدد من المواطنين وقوات الشرطة وحرس الحدود، وأبرز المناطق التي هاجمها المتمردون كانت مناطق كرنوي وجبل مون وطويلة، التي أذكر أن قوات التمرد هاجمتها وهي آمنة ذات صباح باكر وقتلت من المواطنين والشرطة 29 نفساً وسقط ثلاثون جريحاً. وأخطرنا لجنة مراقبة وقف إطلاق النار وقام رئيس الاتحاد الأفريقي بإرسال ثلاث فرق بتواريخ وأوقات مختلفة للتحقيق في تلك الأحداث، واجتمع رئيس آلية وقف إطلاق النار بحضور الفرق المسؤولة عن المراقبة وأعضاء لجنة وقف إطلاق النار وتم الإقرار بأن دخول حركتي التمرد لمنطقة طويلة خرق فاضح لاتفاقية وقف النار، وطالبت الحركتين المتآزرتين وقتها بالانسحاب الفوري من طويلة وتعهد لهما رئيس آلية وقف إطلاق النار بألا تقوم الحكومة برد فعل عنيف جراء ما وقع. وامتثلت الحكومة لرأي الآلية، الذي طرح أيضاً للحركتين بتجميع القادة الميدانيين والعمد والقيادات الأهلية بالمنطقة للتفاكر حول حل الأزمة، وما أن تحركت رئاسة الآلية إلا ووقع هجوم آخر في منطقة خور طويلة على مرأى ومشهد آلية الاتحاد الأفريقي.

    وفي ولاية جنوب دارفور أذكر أن التمرد استهدف مدينة عديلة وهجمت مجموعة منه على محطة السكك الحديدية وأحرقوها. وكان الطريق البري بين عاصمة جنوب دارفور نيالا وزالنجي هدفاً للحركات المتمردة تعترض العربات التجارية، بل لم تسلم قوات الشرطة الحارسة لمعسكرات النازحين من هجومات المتمردين، فقد هاجموا قوات الشرطة وقتلوا نقيباً ورقباء معه كانوا يقومون بالإشراف الأمني على بعض مناحي معسكر كلمة بجنوب دارفور، ومثلما درجت السلطات كل مرة أخطرت لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وهاجموا مدينة غبيش بقصد الولوج إلى ولاية كردفان واحرقوا في احدى المرات جزءا من حقل شارف للبترول. وكل الاعتداءات والهجومات أحصيت وقدمت بتواريخها وتفاصيلها إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي. وأذكر أن الأخ أحمد محمد هارون وزير الدولة للداخلية آنذاك وزير الدولة للشؤون الإنسانية حالياً والمتهم الآن أمام مدعي لاهاي، كان إبان تلك الأحداث يؤكد دوماً أن الدولة تمارس أقصى درجات ضبط النفس، إلا في حالات الدفاع الشرعي، حماية لأمن الوطن والمواطن، وأن الحكومة ملتزمة بوقف إطلاق النار في أنجمينا وبروتوكولات المساعدات الإنسانية الموقعة في أبوجا، وواصفا الحركتين المتمردتين بالتنصل عن التزامات وقعتاها. ووفرت وزارة الداخلية قدرة حركة عالية لقوات من الاحتياطي المركزي دفعت بها إلى أنحاء ولايات دارفور المختلفة، ونفذت خططها التأمينية في المناطق التي بها نازحون بأعداد كبيرة ومناطق زارتها آلية وقف إطلاق النار المشتركة، وأبدت ملاحظات بشأن تأمينها. وتركزت الجهود الأمنية في شمال دارفور، حيث كانت تنشط حركتا التمرد في منطقة طويلة، ومعسكرات النازحين بمنطقة أبو شوك وزمزم على مشارف عاصمة شمال دارفور الفاشر، وفي ولاية جنوب دارفور معسكر كلمة قرب نيالا ومناطق ساني دليبة وابوعجورة، ومنطقة مورني والمناطق القريبة من عاصمة غرب دارفور الجنينة.

    وفرضت سلطات الشرطة حظراً على حمل السلاح داخل المناطق التي حددتها، إلا للقوات النظامية القومية المحترفة أو المستنفرة وفق قانون الدفاع الشعبي بإجراءات التعبئة والطوارئ التي تفرض في كل دولة في مواجهة أي تدهور للأوضاع الأمنية. وتوالى الدفع بقوات الشرطة بصورة مستمرة، وتم تعزيز دور الإدارة الأهلية الأمني والإداري والقضائي، واتسق مع تلك الخطة استغلال الحكومة نفوذها السياسي والأمني فبنت مصالحات اجتماعية بين القبائل وأطلقت نداءات للسيطرة على السلاح. وفي رأيي أن تلك الخطط أسفرت تنصلاً وقع من عدد من حاملي السلاح عن التمرد بسبب عمليات الحصار الأمنية التي فرضت، وأسهم ذلك في تفكيك العناصر المسلحة.

    من اللازم التأكيد أن سياسة الحكومة السودانية كانت تشجيع المصالحات بين القبائل واتباع «نهج الجودية»، في حل أي نزاع يقع لسبب من الأسباب، وكانت تنادي أبناء الإقليم وممثلي دارفور في كافة مواقع العمل الوطني المتحدرين من مناحي دارفور لعقد المصالحات في الخرطوم أو أي من مدن دارفور، كلما لاحت نذر احتراب أو احتكاك، وذلك حفظاً للدماء من النزف، ووقفا لأي هدر للموارد تسببه النزاعات والتربصات أو الثارات القبلية بحسبان أن المشايعة القبلية والنعرات العرقية نتائجها حرق زرع ونضوب ضرع وخسران مبين لا منجاة لأحد ولا مغتنم ولا نفع يحصل من استنفار وتربص محاط بأوهام العداوة مع الجيرة القبلية وشركاء الماء والعيش والكلأ والمرعى.

    أحداث دارفور التي راجت على أنحاء العالم بفعل فاعل تفاقمت مع مطلع فبراير (شباط) 2003 عندما نشطت مجموعات متمردة متحدرة من بعض بطون قبائل الزغاوة والفور والمساليت واستهدفت ضرب مراكز الشرطة في المقام الأول، وأي مرافق حكومية. وأبرز نشاطهم كان هجوما قامت به مجموعة مكونة من مائتي مسلح بتاريخ 11 يوليو (تموز) 2003 على قرية الطينة، التي توجد بها حامية عسكرية للقوات المسلحة السودانية، وحاولت تلك المجموعة الاستيلاء على الحامية وتصدت لها القوات الحكومية وطاردتها إلى أن دخلت الأراضي التشادية. وإزاء تعدد هجمات وقعت في كرنوي بشمال دارفور وأبو قمرة غرب دارفور والطينة الحدودية، ثم هجوم موسع على مدينة كتم ثاني اكبر مدن ولاية شمال دارفور، حيث كان ينشط التمرد، زاد الهجوم العدائي بهجوم شنه متمردون من قبيلة الزغاوة على قبيلة القمر على خلفية نزاعات واختلاف قبلي سابق.

    وكان لا بد من إجراءات خشية من تدهور الوضع الأمني بسبب الهجمات القبلية المتبادلة في المنطقة، اذ وقعت قبل ذلك صدامات دامية في منطقة عديلة في شهر مايو (ايار) 2002، وقبلها بشهر في أم حراز بغرب جبل مرة وفي كبكابية وهبيلا الواقعتين شرق مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، وارتفعت في تلك الأجواء وتيرة ولهجة صبغ النزاعات بطابع تنسيب المتنازعين بصفات العروبة أو الزنوجة أو ما يعرف بالزرقة، وبرزت نذر الاستقطاب القبائلي للمؤازرة والمساندة، مما اتجه بالإقليم إلى الانقسام إلى فريقين، في حين عرف الإقليم تاريخياً بالتمازج القبلي، غير أن البعض نشط في إيقاظ النعرة القبلية وفات عليهم أنها منتنة وأنها أُس الجاهلية الأولى.

    ظلت الأحداث كما أوردت قبلاً تتواتر وتتزايد، وكاد الوضع يخرج عن السيطرة، فتطلب الأمر اضطلاع الحكومة وسلطاتها الأمنية لفرض سيطرتها وممارسة مهامها بحماية المواطنين وممتلكاتهم وتأمين الناس من العصابات المسلحة والميليشيات المارقة، فاستنفرت السلطات قواتها اللازمة وزودتها بوسائل النقل والاتصال والتسليح لمجابهة حركة التمرد.

    ويجدر بي أن أذكر أني حضرت جلسة للمجلس الوطني في يوم 1 ديسمبر 2003، كان موضوعها بيان قدمه اللواء الركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية آنذاك والفريق أول ووزير الدفاع حاليا عن تطورات الأوضاع في دارفور، وتزايدت في تلك الآونة استفسارات نواب المجلس وطرحوا العديد من المسائل المستعجلة عن الأحداث والمستجدات في دارفور، وظلت الإشارة واردة وحمراء باستمرار فدعا المجلس الوطني الحكومة إلى احتواء الأوضاع والتحكم في إفرازات النزاعات، وكان من أبرز ما ركز عليه النواب، بمن فيهم نواب ولايات دارفور، ضرورة تحرير خطط الأجهزة الأمنية من الإجراءات الروتينية المقيدة وإعادة النظر بتسليحها وإعانتها بما يتوافق والظروف والمستجدات الأمنية في دارفور، ودعم الجهاز القضائي بالإقليم للبت الناجز والحازم في قضايا الاعتداءات وممارسة أقصى عقوبات الردع القانوني فرضا لهيبة الدولة. ونادى نواب المجلس بإشراك المجتمع المحلي في تحمل عبء العملية الأمنية باستعادة الدور الأمني للإدارة الأهلية ممثلة في حرس الإدارة الأهلية والشرطي الظاعن، مع التأكيد على التعايش السلمي بين القبائل، بعقد مؤتمرات موسعة للصلح والوفاق القبائلي. وحسب مدونتي فإن قادة العمل السياسي والتنفيذي وولاة الولايات المختلفة وزعماء الإدارات الأهلية في دارفور والمختصين والمعنيين من كافة أنحاء السودان بما جرى في دارفور شاركوا في ورشة عمل نظمت بديوان الحكم الاتحادي بغرض الوصول إلى حلول تفضي إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى دارفور. وبحثت تلك الورشة الآثار التي نتجت عن غياب دور الإدارة الأهلية وما نتج عن ذلك من انفلاتات أمنية، وضرورة تفعيل دور تلك الإدارة في جمع السلاح من كافة المواطنين والميليشيات لأهمية ذلك في استتاب الأمن. وحددت تلك الورشة، وكان على رأسها الرئيس عمر البشير وممثله الخاص لمعالجة الأوضاع في دارفور اللواء الركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية وعدد كبير من القانونيين والقضاة، خطة وبرنامجاً لتجريد المجموعات الخارجة عن القانون من السلاح بإدراك وجود ميليشيات مسلحة بكل قبائل دارفور ملمة باستخدام السلاح الذي انتشر في الإقليم بسبب الحروب المستعرة والمستمرة منذ عدة سنوات في دولتي الجوار تشاد وأفريقيا الوسطى.

    وقانونياً تم التأكيد على دور الإدارات الأهلية في دارفور في استتباب الأمن، واشترع على وضع قوانين ولوائح ضابطة للعمل، وتم التوافق وتنسيق الجهود بين وزارتي الداخلية والدفاع والسلطة القضائية ببرنامج زمني، تتم خلاله عودة الاستقرار، وقام ذلك البرنامج على ضرورة التسليم المتوازن من قبل كافة المجموعات والميليشيات المسلحة من القبائل المختلفة لأسلحتها لأهمية ذلك في دعم الثقة بين الأطراف الحائزة السلاح. واتخذت الإجراءات الضابطة لاستخراج الأوراق الثبوتية لضبط الهجرة والتداخل القبائلي مع الدول المحاددة والمؤثرة والمتأثرة بالسودان التي تم التعاهد معها على التعاون للقبض على المتمردين الخارجين عن القانون وسلطة الدولة، ومنع دخول وتسريب الأسلحة، علماً بأن على الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى تقطن ثلاث عشرة قبيلة تتداخل هنا وهناك.

    وينبغي لي التأكيد على أن الحكومة السودانية ما توانت يوماً في عقد المصالحات بين القبائل القاطنة دارفور، وكان أولها مؤتمر الفاشر الذي تم بعد أسبوعين فقط من تسلم الرئيس عمر البشير الحكم في 30 يونيو (حزيران) 1989، إذ تم عقد مؤتمر الفاشر للصلح بين قبيلة الفور وبعض القبائل العربية وهدأت الأحوال لسنوات. ولما وقعت احتكاكات بين قبيلة الزغاوة والقبائل العربية في شمال دارفور عقدت الحكومة مؤتمراً للصلح بكتم في أكتوبر 1994. وبعد عامين عندما تصاعد الخلاف بين القبائل العربية وبين المساليت بغرب دارفور انعقد مؤتمر الجنينة في نوفمبر 1996، وأعقبه مؤتمر للصلح بين الزغاوة والرزيقات بمدينة الضعين جنوب دارفور في مارس (آذار) 1997. وحتى لا تتكرر النزاعات نظمت الحكومة مؤتمراً للأمن الشامل والتعايش السلمي بين كافة قبائل ولايات دارفور، انعقد بعاصمة جنوب دارفور نيالا في ديسمبر 1997.

    مع السعي ذاك كان تجار السلاح يعملون في الخفاء ويزعزعون الثقة بين الأطراف المتصالحة، يوقعون بين القبائل، فيظن كل طرف أن الآخر هو الذي غدر به وخرق اتفاقات التصالح المبرمة، فيبدأ مسلسل الثأر والانتقام، وتتعقد الأمور بعدم القدرة على دفع الديات. كذلك برز التمرد في مجموعات مسلحة استهدفت مقار الحكومة، فلم تجد الحكومة بداً من استعمال القوة العسكرية ضد تلك المجموعات، التي صارت تحت ضغط الهجمات وحملات التمشيط العسكرية تحتمي بالقرى والمؤسسات التعليمية والصحية، وتتجمع مرات أخرى مكونة فلولاً تمارس عمليات الكمون واغتيال وقتل سرايا القوات المسلحة وقوات الشرطة الحامية للمواطن. وهكذا استمرت هجمات المتمردين على القرى والمدن مستهدفة القيادات الدارفورية غير المتعاطفة مع التمرد وقيادات الدولة الرسمية خاصة الشرطة. ودُمرت السجون وخرج منها المجرمون والقتلة وانتشرت عصابات النهب المسلح، وعجزت الأجهزة العدلية عن القيام بدورها، وتعطلت المشروعات الزراعية والتنموية والتعليمية، وتعددت صور الميليشيات القبلية التي تنتمى للتمرد أو التي تقاتله، وكاد الأمر أن ينتهي إلى حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.

    وفي ظل هذه الظروف والأجواء انعقد الاجتماع الامني التنسيقي لولايات دارفور الثلاث، وقد أمه إضافة إلى ولاة الولايات الثلاث، وهم والي ولاية شمال دارفور الفريق أول ركن إبراهيم سليمان حسن، والي ولاية غرب دارفور المهندس عمر هارون، والي ولاية جنوب دارفور اللواء ركن (م) الناظر صلاح علي الغالي (ثلاثتهم من أبناء دارفور)، وفد من الحكومة المركزية برئاسة وزير الداخلية آنذاك اللواء الركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين. وأصدر الاجتماع بيان الفاشر في مايو 2003 وجاء فيه: «بالعزيز الجبار من الشيطان نستعيذ، وعلى الله المهيمن القاهر نتوكل وبه نستعين، إنه بيان من ولاة ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور إلى مواطني ولايات دارفور الكبرى. قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (سورة المائدة الآية 33).

    وجاء في البيان أيضا (لقد جئناكم بالحق ولكن بعضكم للحق كارهون)، وكلكم يعرف تماماً كيف كان حال مجتمعنا فى دارفور ملء السمع والبصر في المحمل إلى الكعبة وكسوتها، وفى الأزهر ورواقها، وفي القرآن حتى اقترن اسم دارفور بالقرآن واللوح والتقابة، دارفور التسامح والتوادد والأخلاق والنجدة. كل هذا وفي ساعة من الغفلة انقلب إلى الضد فباتت دارفور في واد والسودان في واد آخر، فصارت دارفور للنهب المسلح، دارفور للاحتراب، دارفور للقبلية العمياء، للقتل والدمار والتخلف والجهل والمرض. وبدأت مساعي الاصلاح ومحاولات المعالجة. سعيتم وسعينا وعقدتم المؤتمرات والاجتماعات والجوديات ومجالس الشورى والسمنارات وورش العمل ولجان الأمن. ولكن كلها لم تثمر ولم تعد الأمور إلى نصابها إلا لفترات قصيرة وسرعان ما تنفجر الأحوال وتتقهقر الأمور وتتردى إلى الأسوأ ظلماً وظلمة، حتى صار الأمر في دارفور لا يستوثق فيه لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل. ولكن لا بد من علاج، ولا بد من صباح وإشراق، ولا بد من وضع حد لهذا العبث والفساد والحمد لله أن جعل فى الكي دواء. ونعلن الآن أن هنالك حزمة من القرارات الصارمة وحزمة من أوامر الطوارئ سوف يتم اتخاذها عقب هذا البيان، وهذا بمثابة إعلان وإنذار للجميع وبحق. ولا عذر لمن أنذر. ونؤكد للجميع أن كافة التحضيرات والتجهيزات والآليات والوسائل اللازمة للحسم والحزم قد تم إعدادها من طائرات ومركبات ودواب وأسلحة ومعدات للتصدي، على أتم استعداد للتصدى والحسم. ونؤكد أن المحاكم والنيابات الخاصة ذات الإجراءات الاستثنائية في كل أنحاء الولايات الثلاث قد شكلت ونصب ميزانها ووحد منهجها ولا بد للإدارات الأهلية أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة من دون تراخ أو تردد، وآن لأهلنا الشرفاء أن نضع السنان مكان اللسان، وأن نكف عن الكلام حتى انبلاج الصباح، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. قال تعالى «ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون».

    انتهى بيان الفاشر الذي وقع عليه ولاة الولايات الثلاث في أول مايو 2003.

    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق

    (عدل بواسطة sunrisess123 on 08-07-2007, 07:59 AM)

                  

08-06-2007, 03:39 PM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)




    مدرسان سودانيان يعطيان دروسا للتلاميذ في مدرسة بمعسكر «ابو شوك» للنازحين بالقرب من الفاشر أكبر مدن الإقليم (أ.ب)

    الجهود الإنسانية ومساعي حل أزمة دارفور :
    المجتمع الدولي يتحمل كثيرا مما جرى فمعظم الدول والمنظمات لم تلتزم بما تعهدت به في جنوب السودان أو دارفور.
    تنتقد الخرطوم مواقف العديد من المنظمات والدول، خصوصا موقف الولايات المتحدة إزاء الأزمة في دارفور، بل ترى أن المجتمع الدولي أسهم في الأزمة. وفي حلقة اليوم يتناول الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق، وجهة نظر الخرطوم، إزاء شهادات بعض الدول والمنظمات الناقدة للسودان ويقدم تفسيره لها، كما يستشهد بمواقف منظمات أخرى يقول إنها أيدت أو تفهمت موقف الخرطوم. ويقول إن بعض العاملين في منظمات إغاثة عالمية في السودان شهدوا بأن هناك جهات تبالغ بشكل كبير في تضخيم التحذيرات بحدوث كارثة كونية بدارفور وفسروا ذلك بأنها لرغبة من واشنطن لتغيير نظام الحكم في السودان جعلت تقاريرها متحيزة ومجافية للحقيقة. ويتساءل: أليس غريباً أن تقول هيئة المعونة الأميركية في أحد تقاريرها إن حوالي 350 ألف إلى مليون شخص يموتون سنوياً في دارفور. وكم يبلغ عدد سكان دارفور، أليسوا 6 ملايين شخص، فإذا مات حوالي مليون كل سنة والأزمة بدأت في فبراير سنة 2003م، أيكون مات حتى الآن ثلثا السكان؟! حوصر السودان طوال السنوات الماضية، وجمدت حقوقه في اتفاقيتي لومي وكوتونو، وحجبت عنه المساعدات والمعونات مما فاقم من عنت الأوضاع المعيشية لأهل السودان عامة، والأقاليم الأقل تنمية خاصة، ودارفور أحد هذه الأقاليم. وقد أسهمت الحرب التي شهدها جنوب السودان في استنزاف قدرات السودان وكان يمكن بذلها في نهضة دارفور وما عداها من أقاليم ، لكن العاكفين على نشر سياسة العنف وتجارة السلاح وسماسرة المنظمات الإغاثية أرادوها حرباً مستمرة فأوقدوا عود ثقاب الحرب في دارفور وقصدوا بغير وجه حق خلق أوضاع إنسانية صعبة، وصعبوا الوصول الى حلول، واتخذوا أزمة دارفور وسيلة لإشغال الرأي العام العالمي، وتدافعت المنظمات سراعاً تلقاء المنطقة كل يبحث عن موطئ قدم.
    منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية سجلت رفضها لادعاءات حدوث الإبادة الجماعية بدارفور وتدني الأوضاع الإنسانية التي أطلقها المسؤولون الأميركيون واتهمتهم باستغلال مشكلة دارفور بدواعي الانتخابات الأميركية ورهاناتها. وذكرت القيادية في المنظمة، فرانسواز بوشيه سومييه، لراديو «فرانس انفو» قبل عامين أن أميركا تقوم باستغلال المآسي الإنسانية في العالم، وذكرت أن جميع الحالات التي عالجها أطباء المنظمة في دارفور لم تثبت أنها ناجمة عن تعرض مدنيين للقتل أو التعذيب وأنه لو كان الوضع مثلما يدعيه المسؤولون الأميركيون لكانت المنظمة سحبت عناصرها من السودان.

    أحد كبار المسؤولين البريطانيين كان معاصراً وهو يزور دارفور لهجمات قام بها المتمردون علي قطارين محملين بالأغذية والمعونات كانت في طريقها للنازحين استهجن ذلك الهجوم وقال إن نشاطات تلك المجموعة المتمردة توفر العذر لأي هجمات تقوم بها القوات الحكومية والميليشيات الحليفة لها، وقد أوردت تلك التصريحات صحيفة «الغارديان» البريطانية في سبتمبر (أيلول) 2004.

    وخلال ترؤسي الجانب السوداني لاجتماعات اللجنة المشتركة مع يان برونك، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، كنا نعد تقريراً شهرياً عن الأوضاع في دارفور، وأكبر دليل على اهتمامنا بالأوضاع الإنسانية في دارفور ما ذكره يان بروك في احد تقاريره أمام مجلس الأمن أقر فيه بتحسن الأوضاع في دارفور. وقد عبرت آنذاك عن ارتياحنا للتقرير الذي أشار إلى التزام الخرطوم بالقرارات المتعلقة بأزمة دارفور واستجبنا للأسس التي طرحها رود لوبرز، المفوض الأعلى للاجئين بالأمم المتحدة، الذي زار دارفور لبحث موضوع عودة اللاجئين والنازحين، وقد جددنا له التزامنا بالعمل مع المجتمع الدولي لتطبيع الأوضاع في دارفور، ولمست ما لاقته الخطوات التي اتخذتها الخرطوم لتحسين الأوضاع الأمنية والإنسانية من ترحيب ملموس من دول العالم والمراقبين الدوليين الذين زاروا دارفور وأقر كثيرون منهم بأن الأوضاع الإنسانية لم تصل إلى الوضع المأساوي الذي يحكى ويفبرك في وسائط الإعلام العالمية.

    العاملون في منظمات إغاثة عالمية في السودان شهدوا بأن بعض الجهات تبالغ بشكل كبير في تضخيم التحذيرات بحدوث كارثة كونية بدارفور وفسروا ذلك بأنها لرغبة من واشنطن لتغيير نظام الحكم في السودان جعلت تقاريرها متحيزة ومجافية للحقيقة، أليس غريباً أن تقول هيئة المعونة الأميركية في أحد تقاريرها إن حوالي 350 ألف إلى مليون شخص يموتون سنوياً في دارفور. وكم يبلغ عدد سكان دارفور أليسوا 6 ملايين شخص، فإذا مات حوالي مليون كل سنة والأزمة بدأت في فبراير سنة 2003، أيكون مات حتى الآن ثلثا السكان؟! شهود العيان من عمال الإغاثة بينوا أن المسح الغذائي الذي يجري بواسطة برنامج الغذاء العالمي يقول إنه قد تكون مستويات سوء التغذية عالية بين من تقل أعمارهم عن الخمس سنوات في بعض مناطق دارفور، إلا أن الأوضاع قد تمت السيطرة عليها، وقد حذر أولئك من انخفاض المساعدات الإنسانية الذي في رأيي أنه كان متعمداً لتأزيم الوضع في دارفور، ومن أكبر الدلائل لتحسن الأوضاع أن منظمة الصحة العالمية اعترفت مؤخراً أن موقف التطعيم ضد شلل الأطفال في دارفور صار في مستوى التطعيم في كافة أنحاء السودان الأخرى الأحسن حالاً. وزارة الشؤون الإنسانية أصدرت ضوابط لأنشطة المنظمات الأجنبية العاملة في ولايات دارفور، وذلك بعد عقد اجتماعات تنسيقية مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية بالخرطوم، والضوابط التي وضعت طابعها الأساسي التنسيق والتأكد من صرف الأموال التي تستقطبها المنظمات باسم السودان ودارفور في خدمة المتأثرين إلي جانب التأكد من صحة نتائج الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحكومية لتسهيل حركة المنظمات الأجنبية في دارفور. ومن تلك الضوابط ضرورة إبراز المنظمات لخبراتها السابقة وتحديد خبرات كوادرها العاملة وتوضيح مصادر تمويلها.

    ولاحظت من خلال جولاتي في ولايات دارفور الثلاث أن القيادات لتلك الولايات والتي كثيرا ما يتم اختيارها وفق توازنات قبلية حاكمة لبيئة وواقع دارفور، تلك القيادات نشطت في طرح برامج للتعايش والسلام الاجتماعي وتوسعة مظلة المشاركة السياسية وتفعيل المجتمع وتزكية نفوس أفراده وتنقيتهم من رواسب أي مرارات مع تمليك الناس الحقائق والمعلومات. وعقدت ملتقيات عديدة مع الأعيان ورموز القبائل ونواب مناطق دارفور المختلفة، سواء في البرلمان (المجلس الوطني) القومي الاتحادي بالخرطوم أو النواب بالمجالس التشريعية بالمحليات، وهي الوحدات الإدارية الأدنى وفق نظام الحكم القائم في السودان.

    حركة العودة الطوعية من المواطنين إلى مناطقهم الأصلية بدأت فعلياً في ابريل 2004م، أي بعد أقل من عام من اندلاع الحرب في دارفور، إلا أنها تعثرت ولم تمض كما هو مخطط لها، وقدرت التكلفة الكلية التي سيتم الالتزام بها من قبل الحكومة لمشروعات الإعمار العاجلة لما ضربته الحرب في ولايات دارفور الثلاث بـ18 مليار و245 مليون جنية سوداني شملت توفير المياه وبناء المدارس والمساجد ومراكز الشرطة وداخليات الطلبة ومدراس الرحل وتحديد المسارات للعرب والطرق العابرة.

    لقد أسهم أهل دارفور باستجابتهم لنداءات أطلقتها لجنة معالجة الأوضاع في دارفور كان كونها رئيس الجمهورية، وهدفت لإنفاذ برامج للتعايش السلمي، وعودة النازحين إلي قراهم الأصلية ومزاولة حياتهم الطبيعية وتفريغ المعسكرات من النازحين إليها درءاً للبطالة، وإعادة تعمير المناطق المهجورة بسبب الظروف الأمنية التي حلت بالديار، وتشجيع العائدين علي الإنتاج لزيادة دخولهم الشخصية باستخدام أراضيهم الزراعية ومراعيهم. ووضعت مفوضية العون الإنساني خطة اعتمدت علي التأكد من رغبات النازحين في العودة وتأمين المناطق والطرقات بقوات الشرطة وإقناع قادة الإدارات الأهلية للنازحين بالعودة بعد زيارة تلك القيادات للقرى والمناطق المهجورة بعد توفير الخدمات الإنسانية الضرورية من مأوى وغذاء ومياه نقية وعلاج وتوفير مبالغ نقدية مساعدة للوصول والعيش في المناطق الأصلية وعون العائدين في بناء وإصلاح منازلهم. ومؤخراً وخلال شهر مارس 2007م المنصرم وقعت الحكومة السودانية والأمم المتحدة اتفاقاً لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية لدارفور.

    الملاحظ أنه كلما اشتدت صيحات التنديد بما يجرى في معتقل غوانتانامو بكوبا وأبو غريب في العراق ومعسكرات الاعتقال في أفغانستان، وما تواجهه شعوب في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان من تدمير وتقتيل وتعذيب، كلما ارتفعت الصيحات في لندن وواشنطن بالحديث عن الوضع الإنساني في دارفور. أليست هذه هي ازدواجية المعايير ونفاق الساسة والسياسة؟

    طبيعي على نطاق العالم أجمع أن تحدث متغيرات بحكم سنن الحياة وتحولات الطبيعة ومتغيرات السياسة وإدارة الأشياء، وقد عانت دارفور مثل غيرها من مناطق السودان من تلك، ومعلوم عن السودان مدى اتساعه وجغرافيته، فالخدمات وسبل العيش والمرافق ومصادر المياه التي كانت مصممة لعشرات الآلاف من البشر أضحت بالضرورة قاصرة عن الأعداد المتزايدة بالتكاثر والهجرات الكثيفة رغم ما بذلته حكومة الإنقاذ الوطني من مجهودات وسعي للنهوض بمناطق السودان المختلفة، وأولت دارفور عناية عالية، ويكفي تدليلاً على ذلك أن الحرب في دارفور اندلعت في خضم تخصيص الحكومة المركزية لمبلغ 25 مليون دولار رفعت إلى 60 مليون دولار لمياه دارفور، وتأهيل مطاري الفاشر ونيالا، والغريب أن يكون أوائل من قتلوا بهجمات الحركة المتمردة المهندس أحمد يوسف، مدير مشروع جبل مرة، وهي منطقة معروفة بغنائها وثرائها الغذائي والطبيعي ومنتوجاتها المماثلة لمنتوجات مناخ البحر الأبيض المتوسط.

    لما قدرت حكومة الإنقاذ الوطني أن الوضع في دارفور متجه نحو التصعيد وأحست أن عدم تدخلها لوقف التمرد المدعوم خارجياً سيؤدي إلى حرب قبلية، تم بذل جهود لمعالجة الوضع في دارفور على الطبيعة وكان أول نهجها ومرتكز المعالجة توفير الحماية والأمن للمواطنين وتوفير المساعدات والمعونات الغذائية لمن يعانون من الفقر، وإنقاذ الموسم الزراعي الذي هددته هجمات المتمردين والذين استهدفوا بها الضغط على المواطنين في سبل عيشهم لاستثارتهم ضد الحكومة.

    ومن الإدراك أن الأمن هو إحساس وقناعات، تم تنشيط خطة لنشر قوات الشرطة الولائية في محليات ولايات دارفور الثلاث ودعمت بقوات الاحتياطي المركزي بآلياتها لوقف المهددات الأمنية. وعملت تلك القوات على تأمين القرى والفرقان والمعسكرات التي نزح اليها بعض المواطنين جراء الهجمات المتبادلة بين قوات الحكومة السودانية وبين المتمردين.

    ووضعت الحكومة نصب عينيها الوصول إلى حل بعقد اتفاقية مع حاملي السلاح وكانت أول خطوة ضرورة تهدئة الوضع بوقف إطلاق النار، وتم إبرام اتفاق مع قادة التمرد في «أبشى» التشادية، وأعلن رئيس الدولة، المشير عمر البشير، العفو العام عن حاملي السلاح والخارجين عن القانون وأكد أن التعبير عن الرأي والحق السياسي مكفول للجميع، بعيدا عن حمل السلاح في ظل انطفاء كوة حرب الجنوب التي استمرت اثنين وعشرين عاما دمرت ما دمرت وأهلكت الكثير. غير ان جهات دخيلة نشطت لإطفاء ذلك المصباح الذي أضيء في العتمة التي عمت بعض أنحاء دارفور، وأذكر أن الرئيس البشير أدلى في إحدى خطبه للأمة السودانية بأن ما تم التوصل إليه في نيفاشا حلا لقضية جنوب السودان مستصحب قضايا كافة المجموعات السودانية. ومعروف أن السودان يتسم بتعدد تنوع الثقافات والأعراق ولكنه ينهج إلى بلوغ الوحدة من خلال هذا التنوع.

    وقد تلازمت مع خطط التأمين وإعادة الاستقرار إلى ربوع دارفور مساع سياسية ووضع برنامج دعم إنساني غذائي وصحي ودوائي وزيارات تفقدية من قيادات الدولة إلى دارفور رغم المخاطر المحيطة. وتم إشراك قيادات الإدارة الأهلية في التشاور والتفاكر، ومعلوم سلفاً بأن الحكومات المتعاقبة في السودان كانت قد أضعفت دور الإدارات الأهلية لمقاصد مختلفة وتم إحداث نفرة من ولايات السودان الأخرى لزيارات دارفور والوقوف على الأحوال والمساهمة في الحوار، ولمن لا يعرف السودان بأنحائه المختلفة شمالا وجنوبا، غربا وشرقا، فهو كله في المعاناة سواء.

    وعلى ما أذكر تم تكوين لجنة وطنية عليا لعقد مؤتمر للسلام والتنمية في دارفور أوكلت رئاستها إلى صديقي العزيز عز الدين السيد، رئيس اتحاد البرلمان الدولي السابق، وتزامن ذلك مع لجنة وزارية خاصة بدارفور شكلها مجلس الوزراء مهمتها التعامل مع هيئات المعونات الوطنية والدولية والبلدان المانحة لتوفير المطلوبات الغذائية شهرياً لبرنامج الغذاء العالمي لتقديمها إلى المتضررين من الحرب في دارفور، وأوكلت إلى مهمة رئاسة تلك اللجنة الوزارية وضمت في تشكيلها وزراء الداخلية والصحة والعدل ورئيس هيئة الأركان، وقد زرت ومعي اللجنة المنطقة عدة مرات وفي بعضها دعوت سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والإتحاد الإفريقي وممثلي الوكالات والمنظمات الدولية ومراسلي وكالات الأنباء والإذاعات والفضائيات إلى مرافقتنا وأمضينا أياماً في أنحاء دارفور تجولنا في تجمعات النازحين وبلغنا مدينة كتم وهي المنطقة التي انطلقت منها شرارة التمرد، وأيضاً محلية صليعة غرب الواقعة على الحدود السودانية ـ التشادية . وقد اطلعت المنظمات ووسائل الإعلام على المآسي التي خلفها التمرد وحددنا أولويات لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها أولها فرض الأمن وإعادة الطمأنينة للمواطن ومحاصرة الانفلاتات الأمنية وأن تحاسب النيابات والأجهزة الشرطية والقضائية كل معتد على أمن المواطن، وفتح مسارات الاعانات الإنسانية، وصدرت التوجيهات للقوات المسلحة لتأمينها. وقد ربطتني أعمال تلك اللجنة بما يجري في دارفور ولم تتوقف صلتي وزياراتي لدارفور حتى لحظة كتابتي هذه المقالات، فقد زرت دارفور آخر مرة يوم الرابع عشر من مارس الجاري، وكانت من مهامنا التأكد ومراجعة الاحتياطي الغذائي، والتعامل مع هيئة المخزون الاستراتيجي، وهي الهيئة المعنية بتوفير الاحتياجات الغذائية من حبوب وضروريات، ومن يرجع بالذاكرة إلى الوراء سيدرك أن الحكومة السودانية ناشدت المجتمع الدولي عدة مرات لزيادة حجم المساعدات بقصد استقرار الأوضاع في دارفور. وتذليلا لذلك رفعت القيود عن تأشيرات الدخول للعاملين في مجالات العون الإنساني فصارت تمنح خلال 48 ساعة وسهلت حركتهم وكل من يلقي نظرة على مطار الخرطوم الدولي أو يسافر بالطائرات أو يحط بميناء بورتسودان البحري يلحظ أعداد العاملين في مختلف هيئات الإغاثة العالمية، ولم تحجب تأشيرات الدخول لأي من العاملين في مجال العون الإنساني إلا من شكًت السلطات في نواياه وسوء مقصده أو من واقع تقارير عدائية كتبها أو يكتبها. وقد تمت محاصرة المنظمات الطوعية الأجنبية لكتابة تقارير صادقة وقد لاحظت من واقع قراءاتي ومتابعتي في شأن دارفور أن العديد من التقارير الحقيقية يتم تجاهلها. وحقيقة لا بد أن نقر أن المجتمع الدولي يتحمل كثيرا مما جرى في دارفور من ترد وتدهور، فمعظم الدول والمنظمات الأممية لم تلتزم بالوفاء بما تعهدت به إن كان على صعيد جنوب السودان أو دارفور لاحقاً، بل ان الحكومة الأميركية حجبت قطع الغيار عن القطارات وهي الوسيلة الواصلة بين أنحاء دارفور، والنقل في دارفور يعتمد على السكك الحديدية حيث توجد أكبر خطوطها والتي أعلنت الحكومة السودانية قدرتها على حمايتها بما لديها من قدرات. وبالمجمل فإن الدول مرتفعة النبرة والتي ادعت وتدعي حرصها على حماية حقوق الإنسان أخفقت في أداء واجبها الإنساني والذي من أجله تم تصعيد منها لأزمة دارفور. وقد جرى التصدي للحملة العدائية والتصعيدية بشأن دارفور وبالأخص في الولايات المتحدة الأميركية والتي كانت بعض الدوائر فيها مهووسة بما جرى في11 سبتمبر 2001م فصورت أن العرب يقتلون ويسحلون الأفارقة في السودان، ومقصد تلك الدوائر تعبئة الأميركان السود ضد العرب وضد السودان.

    يقول الدكتور قطبي المهدي، السياسي والإعلامي السوداني، في مقال له عن المحكمة الجنائية الدولية وقانونية محاكمة سودانيين فيها رغم أن السودان ليس عضوا وغير مصادق على قانون المحكمة، يقول الدكتور قطبي المهدي «إن المعركة ليست معركة قانونية أو غير قانونية وإنما هي جملة معارك مفتعلة تقودنا واحدة تلو الأخرى إلى المعركة الحقيقية، وهي المعركة المتعلقة بمصير السودان، وإن الناشطين ضد السودان في أميركا وغيرها لا يعنيهم أن المحكمة مختصة أو غير مختصة وإنما المطلوب أن ترسخ في المخيلة والرأي العام العالمي ما تحقق الآن». ويخلص الدكتور قطبي المهدي إلى أن أحد الأهداف تكريس لصورة العرب والمسلمين كمتوحشين وقتلة، وربط صورة الانتحاري في فلسطين بصورة الجنجويد في دارفور، وهدف آخر هو نزع هذا البلد الكبير الغني من انتمائه العربي الإسلامي وإعطاؤه هوية أخرى، مضيفاً أن إسرائيل تدرك أن امتدادات العالم العربي أصبحت في العراق والسودان. ومن هنا يمكن للمتتبع الحصيف ان يدرك سر تركز الحملة العدائية في أوساط منظمات الزنوجة في أميركا... وبحمد الله فإن العديدين من هؤلاء عرفوا الحقائق بمرور الوقت، وحضر كثيرون منهم إلى السودان وقارنوا بين ما سمعوه وبين ما رأوه، ومما حرصت على الإشارة إليه دائماً منذ اندلاع الحرب في دارفور وللموفدين أو من التقيتهم في الدوائر الغربية أن لا أحد منهم تحدث عن مسؤولية التمرد في بدء الحرب والاعتداءات. وللحقيقة فإن المنظمة الدولية للأمم المتحدة بأذرعها المختلفة اعترفت وأقرت بحدوث تقدم ملحوظ في الأمن في أوساط المعسكرات وقرى دارفور وأن مستويات الصحة والغذاء معقولة، كما اعترفت بظهور نتائج جهد الحكومة. وشهدت بتحسن الأوضاع كذلك وفود ومبعوثون من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ووفود الأطباء العرب والأطباء المصريون والعلماء المسلمون.

    وبمثلما شكل الأمن المحور الأساسي لاهتمام المنظمة الدولية ومجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن والسلم الأفريقي، فقد تضافرت جهود حكومة السودان مع ذلك بتأكيدها على فرض سلطة الدولة واستفادت فى ذلك من المتقاعدين من القوات النظامية من ابناء ولايات دارفور. وتساوت مع الجانب الأمني الجوانب الأخرى، خصوصا كافة الجوانب الإنسانية المتمثلة فضلا عن الحماية والأمن، في تنشيط التعاهدات الاجتماعية وحفظ الحقوق المحلية من أراض وسكن وزراعة وتوفير متطلبات الحياة الكريمة، فتم استيعاب أعداد كبيرة من خريجي كليات الطب والمعلمين للعمل في المرافق الصحية والتعليمية بدارفور، وسعت الحكومة لتحسين الأوضاع الخدمية كافة في المدن والقرى لتكون جاذبة لمن نزحوا إلى المعسكرات بفعل التدهور الأمني الذي حدث.

    وفي رأيي انه برغم عدم وجود معايير علمية محددة متفق عليها لقياس مدى تحسن الأوضاع، وفي خضم تقارير المنظمات الدولية المتضاربة الأرقام والمكثرة من الأرقام الوهمية، إلا أن من يكرر زياراته إلى دارفور ويطلع على الواقع والأرض لا يمكنه أن يعارك الحقيقة القائلة بحدوث تحسن فائق في مجمل الأوضاع الأمنية والإنسانية.
    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق 1

    (عدل بواسطة sunrisess123 on 08-07-2007, 06:36 AM)

                  

08-07-2007, 06:51 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)



    عوامل وراء النزاعات في دارفور
    مساحة الإقليم تمثل خمس مساحة السودان وتعادل مساحة فرنسا وسكانها حوالي 6 ملايين ينتمون إلى 80 قبيلة * جبل مرة يعتبر جوهرة دارفور وكان قاعدة وملجأ للسلاطين في الأزمان التاريخية

    مصطفى عثمان اسماعيل *
    بعد أن هدأت الحرب في جنوب السودان منذ توقيع اتفاق السلام الذي انهى حالة الحرب هناك قفزت أزمة دارفور والحرب المشتعلة الى صدارة الاحداث وباتت محط اهتمام اقليمي ودولي، مثلما اصبحت تمثل أزمة في علاقات السودان الدولية مع دخول الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي والجامعة العربية على خط القضية. ورغم الوساطات والاتفاقات والضغوط والعقوبات ما تزال الأزمة مستمرة والاوضاع غير هادئة بل وقد تبقى مرشحة للتصعيد.

    وفي حلقات تنشرها «الشرق الاوسط» تباعا، اعتبارا من اليوم، يكتب الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق، عن خلفيات وتداعيات أزمة دارفور، من وجهة نظر الخرطوم.

    منطقة دارفور معروفة للعالم منذ أمد بعيد. وقد عمل الرومان على ربطها بمصر طمعا في ثرواتها حيث كان درب الاربعين المشهور يربط بينها وبين محافظة اسوان المصرية، كما زارها كثير من المستكشفين من مختلف انحاء العالم، حيث كانت تمثل احدى محطات التجارة المهمة في القارة الافريقية.

    ارتبط تاريخ دارفور بحكم السلطنات حيث حكمت سلطنة (الداجو) دارفور ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. وقد عرف الداجو باسم التاجوين الذين اقتصر نفوذهم وحكمهم على الجزء الجنوبي الشرقي من دارفور. ثم مملكة (التنجور) التي حكمت من القرن الثالث عشر الى النصف الاول من القرن الخامس عشر. ويقال إن قبيلة التنجور تنتسب الى سلالة بني هلال من شبه الجزيرة العربية، كما ان اللغة الوحيدة التي يعرفونها هي اللغة العربية، وقد اختلطوا بقبائل دارفور بقوة، واشتهروا بالتجارة وكانت لهم علاقات اقتصادية مع مصر، وكان تجار القاهرة يمدونهم بالسلاح مقابل الحصول على الذهب. تركز حكم سلطان التنجور على الجزء الشمالي من دارفور ويرجح بعض المؤرخين قيام مملكتي الداجو والتنجور جنبا الى جنب حتى القرن السادس عشر، واحدة في الشمال واخرى في الجنوب. بدأ تاريخ دارفور يتضح مع التنجور، وفي عهدهم اختلط العرب بالفور حتى ظهرت طبقة (الكُنجارا) ومنها خرجت أسرة كيرا التي انتقل اليها الحكم من التنجور في منتصف القرن السابع عشر واستمر حتى نهاية حُكم السلطان علي دينار في 1916م.

    اما الفور فهم الجزء الرئيسي من سكان البلاد، والسكان الوحيدون في سلسلة جبل مرة. وكان يطلق على قبائلهم (التورا) وهي تعني العمالقة، حيث اقاموا بجبل مرة ولم يختلطوا بغيرهم من القبائل إلا بعد دخول الاسلام، حيث اختلطوا بالتنجور وحدثت بينهم مصاهرات. كان السلطان سليمان سلونق، أي سليمان العربي، اول سلطان يقوم بتأسيس دولة دارفور الاسلامية عام 1445م. استمر الفور يحكمون دارفور ما يقارب من 430 عاما بدون انقطاع، اي من سنة 1445 وحتى سنة 1874 عندما استولى عليها الزبير باشا نيابة عن الادارة التركية ـ المصرية بالسودان وضمها الى بقية بلاد ما كان يعرف بالسودان التركي المصري آنذاك، ثم عاد السلطان الشهير علي دينار وحكمها من سنة 1898م وحتى 1916م.

    وأرض الفور تقع في الجنوب الغربي وتُعد اكثر اراضي دارفور خصوبة على طول وادي ازوم. ويزرع الفور الدخن والذرة والفول والسمسم ويمارسون انواعا من الحرف المختلفة كالغزل والنسيج واعمال الفخار. ويعتبر جبل مرة جوهرة دارفور، وكان قاعدة وملجأ للسلاطين في الازمان التاريخية. وبدأ الفور تحركهم من الجبل نحو الجنوب والجنوب الغربي وتسارع تحركهم ابان الحكم الثنائي البريطاني المصري 1916 ـ 1956م اذ انهم وجدوا ان الامان اكثر في السهول، وسكان الجبل يتحدثون لهجة مختلفة عن لغة الفور العامة. ويغلب على الفور انهم تجمعات متباعدة لسكان يتحدثون اللغة العربية كالبرقو والحمر والجوامعة ودار حامد والبديرية عبر منطقة القوز على خط عرض 14 درجة.

    وقد حدثت هجرة الى دارفور من سكان غرب افريقيا استمرت بلا عوائق، وخلال ثلاثمائة سنة انتقلت مجموعات من الحجاج والفقهاء والعلماء والتجار والفولاني رعاة الماشية الى دارفور واستقروا فيها وكانوا يقصدون الحج الى مكة، وتزايد بمدار التاريخ استخدام طريق الحج وبعضهم استقروا بعد عودتهم من الحج. وفي المنطقة دلائل حركة قديمة لمختلف المجموعات الحالية في دارفور، وفي جنوب دارفور اقام الفلاتا وجزء منهم اسفل التلال الجبلية لجبل مرة بسبب ان مواشيهم لا تتحمل مشاق الهجرة جنوبا.

    ومن القبائل العريقة الجذور في دارفور قبيلة الزغاوة التي تمتد حتى خارج ذلك الاقليم، ويؤلفون مع سكان انيدي البِديَّات وقبيلة الوانية الصغيرة التي تحتل اقليم ونيانقا الصغير على الطريق المؤدي من بنغازي بليبيا الى وداي، مجموعة اثنية متجانسة الى حد كبير. والزغاوة هم بدو رحل يعيشون في الصحراء او في اطراف الصحراء. وينقسمون الى اربعة اقسام: الزغاوة كوبي، الزغاوة دود، الزغاوة عنقا، والزغاوة كيلتيو. وكل تلك القبائل اختلطت بالقبائل العربية بل ان بعضها يعيش بين القبائل العربية مثل قبيلة الرزيقات. تنتشر قبيلة الزغاوة بين دارفور وتشاد ويعيش ثلثها في دارفور والثلثان الاخران في تشاد حيث ينتمي اليهم الرئيس التشادي ادريس دبي.

    دارفور كانت على مر التاريخ محط أطماع القوى الاجنبية، ويعتبر السلطان محمد الفضل 1802 ـ 1839م، ابن السلطان عبد الحميد الرشيد 1787 ـ 1802م حفيد السلطان سليمان صولونج سلطان الفور 1640 ـ 1670م، اعظم سلاطين الفور، وكان يلقب بقمر السلاطين كما جاء في كتاب «تشحيذ الاذهان بسيرة بلاد العرب والسودان» تاليف محمد بن عمر التونسي والذي وصف السلطان بالكرم والشهامة والشجاعة. وكان للسلطان محمد الفضل اخ يكرهه ويزاحمه على الملك يسمى «ابا مدين» هرب الى مصر واخذ يؤلب محمد علي باشا على فتح دارفور. ولما كانت سنة 1830م ـ 1245هـ ارسل محمد علي باشا كتابا الى السلطان محمد الفضل يدعوه فيه الى التسليم، فاجابه سلطان الفور محمد الفضل بخطاب هذا نصه: «من حضرة من امَّن الله به البلد، وجعل ملكه مسموعا من كل احد، وصيَّره في قلوب الاعداء نارا تستعر، وجمرا يتقد، وجعل الله على يده ضرب كل من طغى وتمرَّد، ومن ضلَّ وتعنَّد. اخينا العزيز محمد علي باشا سلمكم الله تعالى من المحذورات، واستعملكم بالباقيات الصالحات بمنه وكرمه اما بعد : فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته لديكم. قد وصلنا جوابكم، اوصلكم الله الى رضوانه، وفهمنا خطابكم ومقتضى جوابكم، وكل كلمة من المرقوم تستحق جوابها المفهوم. ولكن يكفي من ذلك كله كلام الحي القيوم حيث قال : «له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم إلا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين الا في ضلال». «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا». انكم طالبون دولتنا، وطاعتنا، وانقيادنا لكم، فهل بلغكم انا كفَّار وجب لكم قتالنا، وابيح ضرب الجزية علينا، ام غرَّكم قتالكم مع ملوك سنار والشايقية، فنحن السلاطين وهم الرعيَّة. اوَرَدَ لك الدليل من الله تجد فيه ملكك، ام وَرَدَ لك حديث من رسول الله تَجد فيه تمليكك، ام خطر لك خاطر من عقلك بان لك ربا قويا ولنا ربُ ضعيف. الحمد لله نحن مسلمون وما نحن كافرون ولا مبتدعون، ندين بكتاب الله وسنة رسوله ونؤدي الفرائض ونترك المحرمات ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، والذي لا يصلي نأمره بالصلاة والذي لم يزك نأخذ منه الزكاة ونضعها في بيت المال ولا ندخرها، ونرد الامانات الى اهلها، ونعطي كل ذي حق حقه، حتى دانت لنا القبائل العظام. ومن اتى دولتنا يرجع مكرَّما باذن الله تعالى، ولو اشتدت به الريح في يوم عاصف، ألم تر الى قوله صلى الله عليه وسلم «لو بقي جبل على جبل لَدُكَّ الجبل الباغي». اما علمت ان دارفور محروسة محمية، بسيوف قطع هندية، وخيول جرد ادهميه، عليها كهول وشباب يسارعون الى الهيجاء بكرة وعشية. اما علمت ان عندنا العُبَّاد والزهَّاد والاقطاب والاولياء الصالحين، من ظهرت لهم الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا يدفعون شر ناركم فتصير رمادا، ويرجع الملك الى اهله، ويكفي من بعد ذلك والله يكفي شر الظالمين». وتقع ولاية دارفور في منطقة اقصى غرب السودان في مساحة تقدر بـ 196.404 ميلا مربعا وتجاورها من ناحية الشرق الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان، ومن جهة الجنوب ولاية شمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال، ومن جهة الشمال الغربي تحدها الجماهيرية الليبية، ومن جهة الغرب جمهورية تشاد ومن جهة الجنوب الغربي جمهورية افريقيا الوسطى. هذا الوضع الجغرافي جعل من دارفور منطقة مفتوحة على ثلاثة اقطار متجاورة ومتداخلة اثنيا وثقافيا. وتمتد دارفور في الرقعة الجغرافية التي تمتد ما بين خطي عرض 2010 شمالا وخطي طول 27.3022 شرقا. وتجدر الاشارة هنا الى ان مساحة دارفور تمثل خمس مساحة السودان، وهي تعادل مساحة فرنسا، ويبلغ تعداد سكان دارفور حوالي ستة ملايين نسمة تقريبا، حيث ينتمون الى قبائل عدة يبلغ عددها 80 قبيلة تتوزع بين قبائل تحترف الزراعة واخرى تحترف الرعي وابرز هذه القبائل: الفور، البني هلبة، التنجر، البرتي، الهبانية، الزغاوة، الزيادية، الرزيقات، المساليت، المعاليا، التعايشة، الميدوب، البرقدٍ، الداجو، البني حسين، التاما، الماهرية، المحاميد، السلامات، المسيرية، العريقات، العطيفات، الفلاتة، القمر، بني منصور، التعايشة، دردوق، الصليحاب، الميما، الترجم المراريت، الهوارة، الجوامعة وغيرهم من القبائل. هذه القبائل هي خليط من القبائل العربية والقبائل الافريقية، او العرب والزرقة او العرب والزنج. غير ان هذه القبائل امتزجت وتزاوجت واختلطت منذ اكثر من الف عام. وقد تعايشت القبائل الرحل المحترفة للرعي والقبائل المستقرة المحترفة للزراعة في سلام على مدى كل القرون الماضية قبل التصعيد الاخير الذي حدث بدارفور.

    وكل قبيلة من القبائل الكبرى تملك دارا او ما تسمى حاكورة وهي رقعة جغرافية تكون معروفة الحيازة منذ قديم الزمان تكون إما منحت لها بواسطة سلطة كانت حاكمة وسميت باسمها كما هو الحال والتسمية بدار المساليب ودار الميدوب ودار الرزيقات ودار الهبانية ودار كوبي ودار زغاوة. وكانت منطقة دارفور فيما مضى منطقة خصبة تتميز بتساقطات مطرية غزيرة. الا ان موجات من الجفاف ضربت المنطقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي واحدثت تراجعا كبيرا في الاراضي الصالحة للزراعة وفي الموارد المائية التي كانت تستفيد منها القبائل المترحلة والقبائل الزارعة، وتتمتع دارفور بتنوع بيئتها وظروفها المناخية ما ادى الى تنوع النشاط الاقتصادي وسبل كسب العيش، وتمثل الزراعة القطاع الرئيسي ويتداخل النشاط الزراعي بين الزراعة من اجل الاقتصاد المعيشي وبين زراعة المحاصيل النقدية من اجل السوق. ولدارفور اهمية خاصة من ناحية توفير محاصيل الصادر والمواشي. وتمثل المساحات المزروعة بالذرة نسبة 11% من المساحات الكلية المزروعة بالذرة تقليديا، ري مطري في كل السودان والدخن المحصول الرئيسي للغذاء بالمنطقة يمثل 63% من جملة المساحة المزروعة بمناطق الزراعة التقليدية بعموم السودان. وتقدر الثروة الحيوانية في دارفور بـ 27.987.610 رؤوس من الابقار والماعز والضان والابل. وتعتبر دارفور اكثر مناطق السودان تأثرا بموجات الجفاف التي ضربت المنطقة خلال سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي وكان من نتاجها تدهور بيئي كبير وانخفاض في مستوى الامطار وتدهور الغطاء النباتي والشجري وزحف صحراوي هدد المنطقة فوقعت جراء ذلك هجرات للسكان بالاخص في الشمال من ديارهم الى مناطق اخرى داخل الاقليم، وقد لازم التدهور البيئي زيادة في عدد السكان وتغير في السلوك المعيشي والنزاعات الاقتصادية.

    ولمواجهة مشكلة الجفاف والتصحر وجهت الحكومة السودانية قسما كبيرا من مواردها المحدودة في ذلك الوقت لتوفير مياه الشرب للانسان والحيوان وتطوير المشروعات الزراعية. من اهم هذه المشروعات مشروعات تنمية جبل مرة في جنوب دارفور والتي خصصت لها قسمة كبيرة من نصيب السودان من اتفاقية لومي. غير ان الدول الاوروبية وبإيعاز وتأثير بسياسة الولايات المتحدة القاضية بعزل ومقاطعة الحكومة السودانية قامت بتجميد استحقاقات السودان من اتفاقية لومي، الأمر الذي انعكس وبالا ودمارا على العديد من المشروعات خاصة مشروعات المياه والزراعة في دارفور. وكان هذا واحدا من اهم اسباب الصراع على الماء والكلأ في منطقة قبلية تعتمد اساسا على الرعي والزراعة. اضافة الى ان توقف هذه المشروعات زاد من اعداد العاطلين عن العمل وبعضهم تحول الى قطاع طرق، وانتشرت عمليات النهب المسلح خاصة في المناطق الصحراوية في شمال دارفور. يتدين سكان دارفور بمختلف اصولهم ومرجعياتهم بالدين الاسلامي على مذهب اهل السنة والجماعة ومدرسة الامام مالك ابن انس الفقهية، ويهتمون بالانشطة الثقافية والروحية مثل حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية. ويلاحظ كذلك ان التصوف يمثل نسبة عالية عند سكان دارفور إذ يبدو واضحا ان اكثر من 85% من مواطني دارفور يسلكون الطريقة التجانية التي تنحدر اصلا من المغرب العربي وتحديدا من جنوب الجزائر (عين ماضي) حيث وُلد الشيخ احمد التجاني ومنها انتقل ليستقر بفاس بالمغرب التي انطلقت منها طريقته واشتهرت. وهذا يعد مؤشرا لوجود تداخل ثقافي اقليمي. وتزخر دارفور بمختلف انواع الفنون الشعبية كالغناء والرقص وبعض الفنون اليدوية والفلكلورية. ظاهرة الحكامات ظاهرة معروفة في دارفور حيث تنشد النساء اشعار الحماسة وهو ضرب من الفن الشعبي، لكنه مؤثر جدا في تأجيج الصراع بين القبائل.

    لقد عاش في دارفور منذ القدم العديد من القبائل الافريقية، ولكن مع مرور الزمن جاءت جماعات من الساميين والحاميين في موجات متتالية عبر حقب تاريخية مختلفة من الشمال والشرق والغرب، والتي كان من اهم دوافعها الاستقرار السياسي في المنطقة وتوفر البيئة الطبيعية والظروف المناخية الملائمة لتربية الحيوان، وهما الشيئان اللذان يغريان القبائل الرعوية وبخاصة القبائل العربية الهلالية من شمال افريقيا، فكانت تلك بداية التلاقح والتمازج بين الثقافتين العربية والافريقية، ولذلك لما الف الشيخ محمد بن عمر التونسي كتابه حول وقائع رحلته الى دارفور في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، اختار له عنوان :«تشحيذ الاذهان بسيرة بلاد العرب والسودان». ولهذا العنوان دلالة واضحة على حقيقة التمازج العرقي والاثني الذي ظل قائما في دارفور منذ عدة قرون خلت. فالعرب هم افراد القبائل العربية، والسودان هم القبائل الافريقية او من يعرفون بـ«الزرقة» في تلك المنطقة. والسواد الاعظم من قبائل دارفور يجيد اللغة العربية، بل ان الكثيرين من قيادات دارفور التي تنتمي الى القبائل الافريقية، سواء تلك التي في التمرد او معارضة للتمرد، متزوجة من قبائل عربية الأمر الذي يدحض مقولة ان القبائل العربية تقوم بعمليات التطهير العرقي ضد القبائل ذات اصول افريقية. فالذين يمارسون عملية الخروج على القانون والاعتداء على الاخرين مهما تصفهم او تسميهم لا يمكن ان تلصقهم بقبيلة دون اخرى.

    اكدت عدة دراسات ان الرحل والمجموعات المستقرة من المزارعين عاشوا في انسجام، ونشأت بينهم علاقات مصاهرة، وقد كانت هنالك صراعات قبلية على المرعى والارض ومصادر المياه، لكن هذه الصراعات كانت محدودة، وتتم تسويتها من خلال الاطر والاعراف المحلية، إلا ان هذه الاوضاع بدأت في التغير مع تشعب النزاع وتأثير بعض العوامل الاقليمية، فالدول التي تحيط بمنطقة دارفور من الناحية الغربية ـ تشاد وافريقيا الوسطى ـ تعرضت لموجات من الاضطراب وعدم الاستقرار الامني لفترات طويلة اواخر القرن الماضي، حيث دارت هنالك حروب وسقطت انظمة وتصارعت قوى اقليمية وعالمية في المنطقة مما اثر على الاستقرار في المنطقة، حيث اصبحت دارفور مسرحا تعكس ما يدور حولها من قلاقل. هذه العوامل ساهمت في نشوء ظاهرة النهب المسلح وهذه الظاهرة لم تكن لها اهداف سياسية او ابعاد فكرية او حتى قضايا مطلبية وظلت محصورة على مجموعة من قطاع الطرق غايتهم فقط الاستيلاء على ما تقع عليه ايديهم من ممتلكات، ولذا نجد ان بداية هذا الصراع هو صراع تقليدي محلي بين القبائل على الموارد الطبيعية الشحيحة المتناقصة وعلى امتلاك الارض والحواكير وقد تم تطوير هذا الصراع بسبب عدة عوامل ساعدت في اشتعال الفتنة في المنطقة نذكر منها:

    ـ النزاعات التاريخية بين القبائل.

    ـ تناقص الموارد الطبيعية (المراعي الخصبة والارض الصالحة للزراعة).

    ـ التداخل القبلي بين دول الجوار والحدود المفتوحة.

    ـ تدني التعليم وانتشار البطالة.

    ـ الانتشار الواسع للسلاح.

    وبالمجمل يمكن القول إن اسباب النزاعات التي وقعت في دارفور تتعدد في اربعة عوامل اساسية: الاول العامل البيئي، اذ ان الجفاف نال من اقليم دارفور اعوام السبعينيات وفي الثمانينيات (منتصفها) من القرن الماضي ادى الى نقصان الموارد الطبيعية وهلاك الزرع والضرع وحدثت مجاعات مشهورة، وموجات نزوح قبلي بين الشمال والجنوب، اوقعت احتكاكات وتوترات قبلية، وفي الاونة الاخيرة بفضل توسع في الرقع الزراعية انتقل الناس من اسلوب الاقتصاد المعيشي ومحدودية الرقع الزراعية للاسر الى اقتصاد السوق. والعامل الثاني الذي تسبب في النزاع يتمثل في اجراءات سياسية اتخذتها الحكومات المتعاقبة حلت فيها الادارات الاهلية وحورت حدود القبائل وتخالطت وتداخلت الحدود القبلية مع الحدود الادارية التي كانت تصدر بين كل فينة واخرى بمراسيم سياسية مختلفة اسهمت في خلق واقع متوتر، ولم تنج حكومة الانقاذ الوطني من هذا الفعل. والعامل الثالث اقتصادي تنموي خلاصته حدوث تأخر دارفور في البنيات التحتية، وللأسف فإن ابرز مشروع تم التخطيط له تشييد طريق الانقاذ الغربي بعد ان بدأ تنفيذه توقف العمل فيه وصار متقطعا، وللأسف ايضا ان مساهمة ابناء دارفور في تنمية اقليمهم فيها تقصير كبير وكثيرون منهم يقيمون في الخارج ومنقطعون عن اقليمهم، بل العديدون منهم لعبوا ادوارا سلبية اذ نشطوا واسهموا في مفاقمه سوء الاوضاع بدارفور عبر نشر الغسيل الوسخ في حبال الانترنت والشباك العالمية. حتى اضحت دارفور حديث كل مهتبل ومستهبل.

    العامل الرابع هو السلاح وانتشاره في دارفور خارج القوات النظامية. اشير هنا تحديدا الى اربعة مصادر للسلاح كانت تتدفق على دارفور، سودانية، تشادية، ليبية واسرائيلية. وروى الاستاذ جبر الله خمسين فضيلي، وهو محام من ابناء دارفور والنائب بالجمعية التأسيسية فترة الديمقراطية الثلاثة 86 ـ 1989م عن حزب الامة، أن اول دفعة من السلاح دخلت دارفور بكميات كبيرة كانت ابان نشاط الجبهة الوطنية السودانية التي قادت المعارضة ضد حكومة المشير جعفر نميري. وكشف فضيلي في تصريحات لصحيفة «الحياة» السودانية انه تم تخزين كميات كبيرة من السلاح في عشرين حفرة بوادي هور بدارفور. وعندما بدأ الحوار بين الجبهة الوطنية وبين حكومة المشير نميري في اطار المصالحة الوطنية اعلنت الجبهة الوطنية اهداءها تلك الكميات للجيش السوداني وارشدت على مكان السلاح، وعندما ذهبت قوة من الجيش السوداني لإحضار السلاح وجدت ان عددا من تلك الحفر اخليت مما بها من سلاح وتأكد انه تسرب لايادي مواطنين من ابناء دارفور، ومثَّل ذلك انفلاتا وانتشارا للسلاح. وفي العام 1986م سلحت حكومة الديمقراطية الثالثة برئاسة السيد الصادق المهدي ميليشيات قبيلتي المسيرية والرزيقات بهدف مواجهة تمرد حركة قرنق نحو دارفور، وهو ما مضت فيه من بعد حكومة الانقاذ الوطني لذات الهدف.

    النزاعات التشادية شكلت مصدرا رئيسيا لانتشار السلاح في دارفور، اذ اصبحت دارفور مسرحا معبرا للسلاح بين الخصماء، ولعدم وجود موانع طبيعية فاصلة بين البلدين حيث تتداخل القبائل على الحدود. وهكذا ظلت دارفور مسرحا ومأوى للفصائل التشادية التي قاتلت الاستعمار الفرنسي (فصائل جبهة فرولينا) ثم حروب فترة ما بعد الاستقلال، ولعل اهمها المجموعة التي خرجت على الرئيس التشادي السابق حسين هبري يقودها العقيد وقتئذ ادريس دبي اثر محاولة انقلابية فشلت وتحولت المجموعة الى معارضة مسلحة ناهضت هبري الى ان اسقطته مطلع التسعينات. تشكلت تلك المجموعة التي قوامها ابناء الزغاوة وتجمعوا في معسكرات بدارفور وساعدهم ابناء عمومتهم الزغاوة في السودان.

    أما السلاح الليبي فمرده السياسة الليبية الثورية في السبعينات والثمانينيات حيث كان الرئيس التشادي حسين هبري حليفا للولايات المتحدة وخصما للجماهيرية الليبية بتوجهاتها الاشتراكية وتحالفها مع موسكو، ودخل معها في معارك عديدة بدعم من الولايات المتحدة ومصر (عهد الرئيس السادات) والسودان (عهد الرئيس نميري). وكونت ليبيا ما سمي وقتها بالفيلق الاسلامي الذي ضم عددا من ابناء دارفور لدعم المعارضة التشادية واتخذ من دارفور معبرا للدخول الى تشاد.

    السلاح الاسرائيلي لم يكن بعيدا عن دارفور حيث ان الرئيس التشادي السابق حسين هبري ما كان يخفي علاقته باسرائيل امام التهديدات الليبية وكان يقول إنه مستعد للتعامل مع الشيطان، وليس اسرائيل وحسب، في سبيل حماية بلده مما سماه الغول الليبي. ومعلوم ان اسرائيل مدت الرئيس التشادي هبري باسلحة القوات الفلسطينية واللبنانية التي استولت عليها القوات الاسرائيلية في لبنان نقلتها الى تشاد بجسر جوي، عقب زيارة اسحق شامير وزير الخارجية الاسرائيلي وابراهام ازمير احد كبار قادة الموساد (جهاز المخابرات الاسرائيلي) الى تشاد.

    عليه ادت كل تلك العوامل الى بروز الجريمة المنظمة حيث ازداد عدد عصابات النهب وازدادت حوادث النهب واصبحت الحركة بين المدن محفوفة بالمخاطر وصار السلاح والجريمة وسيلتي كسب للعيش وللمواقع الاجتماعية مما فاقم الاوضاع. وأدى ارتباط عمليات النهب بالصراعات الموجودة في مجتمع دارفور الى اضفاء طابع قبلي على تلك العمليات في بعض الاحيان وإكسابها مشروعية لدى بعض القبائل باعتبارها عملا عدوانيا ضد قبيلة اخرى وليست جريمة، لذلك تجدهم يحصلون على حماية قبائلهم حتى اخذوا يشكلون عنصرا مؤثرا في المجرى العام للاحداث لدرجة انه لا توجد قبيلة مهما صغر حجمها ليست لديها ميليشيا مكونة من خارجين على القانون. وتداخلت عوامل اخرى وزادت الوضع سوءا وابرز تلك العوامل هي طموحات بعض المتعلمين من ابناء القبائل الذين حاولوا استثمار ازمات قبائلهم وازمة دارفور لتحقيق مكاسب ذاتية وذلك بإشعال نيران الفتنة بدلا من إخمادها، ونجد ان هذا العامل هو اخطر المؤثرات على قضية دارفور. ولا ننسى موجة الجفاف التي ظلت تحكم الخناق على القارة الافريقية منذ عام 1983م، الامر الذي زاد من حدة التنافس على الموارد الطبيعية الشحيحة اصلا، خاصة مع تزايد قطعان الحيوانات والتوسع المضطرد في الزراعة. وادى النمو الزراعي مع ازدياد عدد السكان الى توسع المزارع لتشمل (المسارات) التقليدية والتي كانت تتيح تحرك الحيوانات بدون اقتحام المزارع، مما صعد الاحتكاكات بين الرعاة.

    اما إلغاء نظام الادارة الاهلية في حقبة السبعينات فقد ازال الآلية المحلية الفعالة التي كانت تعمل على معالجة الخلافات التي ظل يتكرر حدوثها دوما منذ عهد الاستعمار البريطاني بين الزراع والرعاة، بسبب دخول الحيوانات للمزارع.

    لقد أوجد المستعمر البريطاني جهاز الادارة الاهلية سنة 1921م ليكون تنظيما للقيادة العشائرية التي كانت تسود في المجتمع السوداني قبل مجيئه، واستفاد المستعمر من مؤسسات المجتمع التقليدي في بسط الامن القبلي داخل القبائل وبين بعضها البعض. وبعد ذهاب المستعمر اصبحت الادارة الاهلية متهمة لدى القيادات السياسية السودانية في معظم طوائفها وتياراتها خاصة التيار اليساري الذي كان يقوده الحزب الشيوعي السوداني، ولا يستثنى من ذلك ابناء دارفور الذين ينتمون لهذه التيارات الوطنية المختلفة. فالادارة الاهلية كان ينظر اليها باعتبارها صنيعة استعمارية لمنع المجتمع الريفي من الانضمام لحركة التحرر الوطني وللمحافظة على المصالح الاستعمارية في المناطق الريفية والقبلية. وبعد ثورة اكتوبر 1964م التي انهت حكومة الفريق ابراهيم عبود (رحمه الله) وتولى الحكومة الحزبية، صدر قرار حل الادارة الاهلية في عموم السودان. وبعد خمس سنوات، اي في العام 1970م بعد اقل من عام من قيام حكومة مايو برئاسة المشير جعفر نميري والتي سيطر عليها اليسار في سنواتها الاولى، جاءت طامة أخرى على الادارة الاهلية حينما اصدرت حكومة مايو قرارا اوقفت بموجبه النظار والسلاطين من قيادات الادارة الاهلية. احدثت تلك التراكمات آثارا سيئة في دارفور التي عرفت بسلام قبلي اجتماعي يرعاه زعماء العشائر بالصلات الحميمة التي انشأوها مع بعضهم البعض على مر السنين، فازدادت المعارك القبلية بعد قرار حل الادارة الاهلية الذي لم يأخذ في الاعتبار واقع التنافس على الموارد المتناقصة امام تزايد وتكاثر السكان خصوصا ان الغالبية من اهل دارفور يقيمون بالريف.

    وقد ادى تعاظم الشعور لدى بعض الدوائر المحلية، خاصة في بعض اوساط الشباب، بأن دارفور تعاني من قلة التنمية والتهميش السياسي، مع تدخل جهات خارجية ذات مطامع وخطط جاهزة لاستغلال الوضع بتوفير السلاح. وفاقم ذلك وجود عطالة زائدة في اوساط الشباب ممن تركوا المدارس لاسباب مختلفة. وذكر الفريق محمد زين العابدين، نائب رئيس هيئة اركان الجيش السوداني في مطلع التسعينات وسفير السودان لدى الدول الاسكندينافية منتصف التسعينات، أن اسبابا اخرى ساهمت في تفاقم الاوضاع في دارفور منها تسرب ما نسبته 60% من الاطفال في سن الدراسة من مجال التعليم للانخراط في عمليات نهب مسلح وتكوين ميليشيات محاربة وسط سلاح منتشر في الفيافي والقرى.

    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
                  

08-07-2007, 06:58 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)

    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور (الحلقة الرابعة) ـ الاتحاد الأفريقي دخول مقبول ودور ممتد

    ولج الاتحاد الأفريقي الى باب المشاركة في حل أزمة دارفور بإشارة سماح من الحكومة السودانية بداية العام 2004 * كل من ينادي بغير الدور الأفريقي شخص غير واقعي ولا يدرك التعقيدات التي ستنجم عن أي تدخل أممي

    لاجئون من دارفور يجلسون بمعسكر السلام في الإقليم المضطرب (أ.ب)
    مصطفى عثمان إسماعيل *
    ولج الاتحاد الأفريقي الى باب المشاركة في حل أزمة دارفور باشارة سماح من الحكومة السودانية بداية العام 2004م بالمشاركة في جولة المفاوضات التي انعقدت في ابشى ثم انجمينا في إبريل ذلك العام ومهرت فيها اتفاقية وقف إطلاق النار، وظل السودان والاتحاد الأفريقي يعملان في تعاون لصيق وتم تأطير عملية مراقبة الاتحاد الأفريقي لوقف اطلاق النار في جلسة لمجلس السلم والامن الأفريقي في مايو 2004م أعقب ذلك جلسة للبرلمان السوداني أجاز فيها بالأجماع اتفاقية دخول القوات الأفريقية الى دارفور حسب ما جاء في بروتوكول مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي صادق عليه السودان. وتعاظم دور الاتحاد الأفريقي بارسال بعثة من قوات مشكلة من عدة دول افريقية بدأت ببضع مئات وارتفع العدد الى أن بلغ حالياً 7 آلاف عنصر.
    وممن أذكرهم وقد لعبوا دوراً في السعي للتسوية السلمية لأزمة دارفور الجنرال عبد السلام ابو بكر رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية السابق والدكتور حامد الغابد الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وهو قيادي مقتدر من دولة النيجر، وحالياً ينشط الامين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية السابق الدكتور سالم أحمد سالم.

    في رأيي ان الاتحاد الأفريقي نجح في قيادة التفاوض وبلغ به الاتفاق الذي ابرم في ابوجا وحقن الدماء وفتح كوة التفاؤل بحدوث السلام والاستقرار في دارفور. وفي معلومي ان السودان بفتحه الباب للاتحاد الأفريقي ليلعب الدور الذي يلعبه ينطلق من قناعة راسخة بقدرة الاتحاد الأفريقي اذ أن قواته وعناصره اقرب الى وجدان أهل دارفور وعموم أهل السودان، وهذا جانب يهمله المنادون بضرورة تدخل قوات أممية من بلدان بعيدة تتباين وتختلف طباعهم وأمزجتهم وأعرافهم عن واقع السودان. وهنا أقرر حكماً بأن كل من ينادي بغير دور الاتحاد الأفريقي شخص غير واقعي ولا يدرك التعقيدات التي ستنجم عن أي تدخل أممي، وأي مساع لتغيير تفويض ومهام الاتحاد الأفريقي غير مجدية والتغيير لن يحدث إلا بموافقة الحكومة السودانية، كما انه يتطلب مراجعة الاتفاقية والتي بموجبها دخلت القوات الأفريقية إلى دارفور ووفق البند الثامن بحسبان أن أي منظمة إقليمية تنحصر صلاحياتها في هذا البند واتفاق أبوجا منح الاتحاد ذلك بإحداث مناطق منزوعة السلاح ومنع أي قوة عسكرية غير قوات الاتحاد الأفريقي من التواجد في المساحات تلك. ومن ميزات قوات الاتحاد الأفريقي أن عناصره بمقدورها خلق اجواء الثقة بين الفرقاء السودانيين.

    المبعوث الخاص، كبير وسطاء الاتحاد الأفريقي، د. سالم أحمد سالم، بارك التوقيع على اتفاقية سلام دارفور في ابوجا وكان أبرز المحرضين قبل يوم من التوقيع باتخاذ قرار التوقيع بعد أن أشاد بالوثيقة في منهجتها وصياغتها. كما أشاد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي رئيس دولة مالي السابق البروفسور ألفا عمر كوناري بما تم من توقيع على الوثيقة بلا شروط، وتجاوز التحفظات والملاحظات التي كانت أرجأت الاتفاق والذي من بعده دخلت دارفور في مرحلة جديدة. كما ان رئيس الكنغو برازافيل الذي تولى رئاسة الاتحاد الأفريقي في قمة الخرطوم اكد فور توليه الرئاسة لوكالة رويترز ان قضية دارفور شأن افريقي وتحويل الأمر من الاتحاد الأفريقي غير ممكن. لقد تواصل الحوار مع حاملي السلاح في دارفور بوساطة الاتحاد الأفريقي، وقد وضع السودان أمر حلحلة الأزمة بين يدي الاتحاد الأفريقي لما للسودان من قدم راسخة وعضوية التأسيس لمنظمة الوحدة الأفريقية السلف لخلف الاتحاد الأفريقي ولأولويته في المصادقة على المعاهدة المنشئة لهذا الاتحاد، ولقناعة السودان بالدور الذي بمقدور الاتحاد القيام به فقد حرص على مواصلة الاتحاد لجهوده ودخوله في دارفور باتفاق كافة الاطراف المتنازعة وبرضاء مواطني دارفور، وقد افضى القبول بدور الاتحاد الأفريقي الى ابرام اتفاقية ابوجا 5 مايو العام المنصرم والتي بموجبها أصبح الاتحاد هو المسؤول قانوناً عن مراقبة تطبيق الاتفاقية والتي أدت الى تحسن المناخ العام ورفعت تطلع السودانيين الى عودة الحياة العامة الى طبيعتها وعودة الاستقرار وانتفاء حالة التشويش والعكننة والتي لها تأثيراتها سلباً على اتفاقية نيفاشا أساس الحل الذي تم لقضية الجنوب والى قضايا أخرى.

    ولا يستطيع شخص ان ينكر أن من ميزات قوات الاتحاد الأفريقي قدرتها التعرف بسهولة على خصائص منطقة دارفور وطباع سكانها والتعقيدات الاجتماعية والتدخلات الجارية فيها، وينبغي لكل حصيف أن يقرأ ومن هذه الناحية الرفض الذي جهر به النواب البرلمانيون بالمجلس الوطني الممثل لكل اطياف وأنحاء السودان، وكذا مجلس الولايات القومي والمجالس التشريعية والولائية، رفضهم لانتقال مهمة بسط الامن في دارفور من القوات الأفريقية الى قوات أممية وفي رأيي أن أي مساع لتحويل المهام من الاتحاد الأفريقي تعد في المقام الاول خرقا لاتفاقية ابوجا بل واتفاقية نيفاشا التي بسطت السلم في جنوب السودان وأوقفت حرباً قميئة دارت لاكثر من عقدين من الزمان، بل قل نصف قرن إذا ما حسبناها من الوراء عندما اندلعت لاول مرة في عام 1955م في مارس حتى العام 1983م في شهر اغسطس، وللمدقق ان يطلع على الاتفاقيتين، نيفاشا وابوجا، فسيجد الأولى قد تسرب بعض مدادها إلى أوراق الثانية من تلقاء ان الخيار الذي اختطته حكومة الإنقاذ الوطني منذ اول بيان لها في الحكم بسط السلام وتحقيق التنمية وهو المرتكز الأساسي والمحوري والذي لثباته اقتنع به قائد الحركه الشعبيه الراحل د. جون قرنق وجلس للتفاوض والحوار مع الحكومة السودانية، إذ تاكد من جدية السعي الحكومي للوصول إلى حل والمثابرة التي تمت في استخراج البترول وبذله في التنمية والنهوض بقدرات السودان الاقتصادية. لذا فإن خيار الحل السياسي السلمي للمشكلات المو######## في السودان الذي صار هو الخيار المطروح وفق إسترتيجية هدفت إلى معالجة جذور المشكلات بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناشئة في عموم البلد السودان، إن في الجنوب أو الغرب أو الشرق أو أي مناطق أخرى، هذا الخيار هو الذي أوصل إلى كثير من المعالجات وإزالة بؤر الاحتقان وفتائل التأزم. وقناعتي ان المحاولات التي تجري لتحجيم دور الاتحاد الأفريقي أو تحويل المهام منه فيه خلط للأوراق سيؤدي إلى نتائج سلبية على نيفاشا ذاتها، وقد أطلعت قبل أشهر على معلومات أدلى بها أحد قادة الحركات المسلحة في دارفور وقد تولى منصباً رفيعاً في الحكومة حالياً عند لقائه بمسؤولين بدولة مجاورة للسودان بان بعض الدول والأطراف تود للحرب في دارفور ان تستمر وإنهم قد استجابوا لداعي ونداء الحوار والتفاوض والمشاركة في الحكومة من إدراكهم أن لا مصلحة لمواطني دارفور في استمرار الحرب، وقد ذكر ذلك القائد إنهم لم يرفعوا السلاح في الأساس ضد حكومة الإنقاذ الوطني وإنما ضد مركز يظلم الهامش، وإنهم وقعوا اتفاقية أبوجا لوقف نزيف الدم والحيلوله دون نشوب حرب أهليه وإقليمية شرسة وإقراره ان الاتفاقيه شملت كل القضايا المطروحة.

    وهنا يحق القول إن استمرار حرب دارفور وانفلات الأمور من يد الاتحاد الأفريقي إلى أضابير أخرى سيصعب الأمور ويفاقمها في أتون التعقيدات الحالة بأفريقيا. فهل يعقل أن يحل قضايا أفريقيا بصحاريها ووهادها أشخاص وعناصر آتون من نيبال أو الهند أو استراليا والمالديف. وقد تم إبان مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي الذي انعقد بالعاصمة الإثيوبية اديس أبابا في 30 يناير 2007 المنصرم التأكيد على تمسك السودان بالاتحاد الأفريقي لمعالجة أزمة دارفور حتى التوصل إلى سلام شامل ودائم في الإقليم.

    ومجلس الوزراء السوداني سبق أن اعتمد مقررات قمة مجلس السلم والأمن التي انعقدت قبل ذلك بشهرين في أبوجا يوم 30 نوفمبر 2006م ومما تجدر الإشارة إليه أن البيان الذي صدر من قمة أديس أبابا كان قد تطابق في فحواه إلى حد بعيد مع خطة عمل كانت اعتمدتها الحكومة السودانية لا سيما الإبقاء على تفويض ولاية الاتحاد الأفريقي في دارفور باعتبارها الجهة الأساسية لمتابعة تنفيذ اتفاقية أبوجا وحسم أمر قيادة القوى العاملة في دارفور بحيث يكون القائد أفريقيا ويعينه الاتحاد الأفريقي بالتشاور مع الامم المتحدة وان تكون القوات على الارض افريقية على أن يقتصر دور الأمم المتحدة على الدعم الاستشاري والفني والمالي واعتبار الوضع على الأرض هو المحور الرئيسي لحجم القوة وهو الأمر الذي يحقق للاتحاد الأفريقي أن يكون هو صاحب اليد العليا في تشكيل الواقع على ارض دارفور وبالتالي تحديد حجم القوات.

    استمرت الحرب في جنوب السودان كما أسلفنا لأكثر من عشرين عاماً بدأت في أواخر عهد حكومة الرئيس جعفر النميري واستمرت فترة المشير سوار الذهب وطوال عهد حكومة الصادق المهدي إلى أن جاءت حكومة الإنقاذ برئاسة الرئيس عمر حسن أحمد البشير حيث أوقفت الحرب وتم التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل التي تم التوقيع عليها مع الراحل الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية في التاسع من يناير 2005م.

    وحالما انتهت مشكلة الجنوب تصاعدت مشكلة دارفور، وهي مشكلة قد تختلف إلى حد ما عن الجنوب لكنها مثل مشاكل السودان المتعددة والمتنوعة، اقتصادية (بسبب الفقر وانعدام البنى تحتية) ومشاكل الرعي والزراعة والتوترات القبلية، وهي مشكلة قديمة ترجع إلى ما قبل استقلال السودان. لكنها كتمرد مسلح يرجع تاريخها إلى بدايات عام 2003م أي أنها لم تكمل الخمس سنوات حتى الآن. غير أنها ومنذ العام الأول وحتى الآن شهدت وتشهد تصعيداً إعلامياً وسياسياً بما يشبه السيناريو إلى حد الادهاش خاصة على مستوى العواصم الغربية لم تعرفه مشكلة الجنوب التي كانت تعتبر أطول الحروب في أفريقيا.

    الكل تساءل داخل وخارج السودان ما هي أسباب تصعيد قضية دارفور في الإعلام الغربي لهذه الدرجة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ قضايا النزاعات المسلحة التي يكون وراءها مجموعة متمردة على الحكومة المركزية؟ في تقديري أن هنالك ثلاثة أسباب رئيسية وراء هذا التصعيد: محلية وإقليمية ودولية، تكاملت مع بعضها البعض لتشكل مشاهد هذا السيناريو المدهش والعجيب.

    المتتبع جيداً لهذا السيناريو يجد أنه عندما تحدث الهجمة الإعلامية تتم بتنسيق محكم بين هذه العوامل الثلاثة (محلية، أقليمية، دولية) فعلى الأرض يتم رسم توتر في الحالة الإنسانية، ثم ضغوط على مؤسسات الاتحاد الأفريقي المعنية بالأمر «السياسية والعسكرية» وتتحرك العواصم الغربية سواءً عبر المنظمات غير الرسمية (بيانات، مظاهرات، مؤتمرات) أو رسمية في تصريحات من لندن وواشنطن، واجتماعات في نيويورك.. بمعنى آخر تعبئة دولية تهيئ لإصدار القرارات المطلوبة.

    تكتسب العوامل المحلية بعداً مهماً وهو الجانب الإنساني في القضية والذي يستغل من قبل الإعلام الغربي أبشع استغلال. ذلك أن مناظر معسكرات اللاجئين بما فيها من أطفال ونساء لا تترك أي مجال لأي شخص مهما كان فهمه للقضية ونظرته للتمرد إلا أن يتعاطف مع هذا الوضع. يزيد الأمر تعقيداً أن هذه المعسكرات قد تم تسييسها. فالمتمردون عندما انهزموا في بدايات المعارك تركوا أسلحتهم وأخفوها وانضموا للمعسكرات كلاجئين وفي داخل المعسكرات ومن خلال الهواتف المحمولة التي يملكونها يتلقون التعليمات من قيادات التمرد بالخارج لتهيئة المناخ البشع لأي زائر لهذه المعسكرات خاصة إذا كان من الدول الغربية. وفي داخل المعسكرات يقومون بعملية إرهاب وضرب تصل لحد القتل لكل من تحدثه نفسه بالتصدي للتصحيح أو توضيح وجهة نظر أخرى. واذكر هنا واقعتين إحداهما شهدتها بنفسي، فقد كنت في زيارة لولاية غرب دارفور ومعي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك يان برونك وعدد من السفراء الغربيين وقمنا بزيارة لمعسكر «مورني» أكبر المعسكرات في ولاية غرب دارفور ويضم حوالي تسعين ألف نسمة وجلسنا نستمع لشكاوى سكان المعسكر. وكان السيد يان برونك يسأل ويجيب عليه أحد شيوخ المعسكر تم انتدابه نيابة عنهم وكان واضحاً أن البعض من منسوبي المعسكر (قيادات التمرد داخل المعسكر) لم يكن مرتاحاً للشرح والإجابات التي رغم أنها تحمّل الحكومة المسؤولية لكنها كانت موضوعية بحيث أوضحت وجود الغذاء والدواء بدرجة معقولة والجهود التي تبذلها الحكومة. وتحركنا مع السيد برونك لزيارة مؤسسات المعسكر الصحية والتعليمية وقبل أن نكمل طوافنا أبلغنا بأن الرجل الشيخ الذي تحدث نيابة عن سكان المعسكر تم ضربه ضرباً مبرحاً وكسرت يده جزاء فعلته وأدخل العيادة الصحية للمعسكر. فذهبنا فوراً لمعاينته في العيادة فوجدناه يبكي من شدة الألم واعتذر له السيد برونك لما حدث وقال موجهاً حديثه للمجموعة التي ضربته «إذا كنتم بهذه القوة بدلاً من ضرب زميلكم لماذا لا تتصدون للجنجويد الذين تزعمون أنهم يهجمون على المعسكر فيقتلون الرجال ويغتصبون النساء؟» أما الحادثة الأخرى فحدثت أثناء زيارة يان إجلاند مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية لمعسكر في ولاية جنوب دارفور. ورغم أن يان إجلاند يعتبر أحد الأشخاص الأساسيين في عملية التصعيد الإعلامي ضد السودان وهو ينسق مع المنظمات الطوعية الغربية تنسيقاً دقيقاً إلا أن مترجمه السوداني لم ينج من القتل أثناء زيارته للمعسكر من قبل هذه المجموعة المسيسة من سكان المعسكر.

    هذا الدور الذي يلعبه المتمردون داخل المعسكرات، إضافة لبعض المنظمات الغربية التي لها أجندتها الخاصة ووضع المعسكرات وهجمات المتفلتين الخارجين على القانون كل ذلك جعل المعسكرات مادة خصبة للإعلام الغربي. كذلك فإن حركة التمرد في جنوب السودان (الحركة الشعبية لتحرير السودان) في حربها ضد الحكومة المركزية نجحت في خلق شبكة علاقات عامة في الدول الغربية لدعمها سياسياً ومالياً وإعلامياً وحيث أن الحركة الشعبية ساهمت مساهمة أساسية في تمرد دارفور، فعندما لاحت تباشير السلام في الجنوب قامت بتحويل هذه الشبكة لمصلحة تمرد دارفور، كما انتقلت العديد من المنظمات الغربية التي كانت تعمل في الجنوب إلى دارفور. ويجدر لفت النظر في الموضوع إلى العامل الإقليمي، فأفريقيا كمنظمة إقليمية ذات اتحاد ناشئ هو الاتحاد الأفريقي، الذي لم يتجاوز عمره خمسة أعوام، يأتي تكوينه كتطور طبيعي لمنظمة الوحدة الأفريقية. أسست منظمة الوحدة الأفريقية في ستينات القرن الماضي وكانت مهمتها الأساسية هي استكمال تحرير القارة من بقايا الاستعمار والتمييز العنصري. بانتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بداية تسعينات القرن الماضي ووصول الوطنيين الأفارقة بقيادة نلسون مانديلا إلى سدة الحكم بدأ الأفارقة يفكرون في تطوير المنظمة لبناء القارة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. من هنا جاءت فكرة تأسيس الاتحاد الأفريقي في القمة الاستثنائية يوم 9/9/1999م التي عقدت بمدينة سرت بالجماهيرية الليبية حيث كان المطروح على الاجتماع تأسيس الولايات المتحدة الأفريقية (المثال الأميركي) أو الاتحاد الأفريقي (المثال الأوروبي) حيث اختار القادة الأفارقة الخيار الثاني الاتحاد الأفريقي.

    بدأ الاتحاد الأفريقي كمنظمة إقليمية سياسية بمهمة عالية مقارنة بالقارات والتجمعات الإقليمية الأخرى وطرح مبادرة جادة للتنمية الاقتصادية في أفريقيا سميت بمبادرة النيباد، وفي مجال الأمن وفض النزاعات أسس مجلس السلم والأمن الأفريقي وهنا «مربط الفرس». وتجدر الإشارة هنا إلى أن 70% من النزاعات التي ينظر فيها مجلس الأمن الدولي تخص أفريقيا. وحيث أن الدول الكبرى تملك «سيئ الذكر» حق النقض الفيتو الذي يمكنها من استخدام المجلس استخداما مزدوج المعايير للضغط على الدول وتمرير أجندتها السياسية، فقد أحست بأن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيسحب ورقة مهمة من يدها إن سمح له أن ينجح في معالجة المشكلات الأفريقية، ومن هنا كان قرار الدول الغربية الكبرى بتصعيد مشكلة دارفور إعلامياً وسياسياً وإظهار فشل الاتحاد الأفريقي وأهمية أن يتولى مجلس الأمن مهمة معالجة مثل هذه النزاعات وليس الاتحاد الأفريقي.

    وللصراع العربي الإسرائيلي أثره في قضية دارفور، فقد استطاعت مجموعات اللوبي الصهيوني في الغرب وبخطة ماكرة خلط البعد الإثني بالبعد الإنساني في دارفور بإبراز القضية وكأنها جرائم ضد الإنسانية يقوم بها العرب ضد الأفارقة في دارفور. ساعد على ذلك أن غالب النازحين كانوا من القبائل الأفريقية، وبهذا تخطط هذه المجموعات لـ«ضرب عصفورين بحجر واحد». أولاً تبرير ما تقوم به إسرائيل ضد العرب في فلسطين المحتلة من تقتيل وتدمير لم ينج منه حتى النساء والأطفال والشيوخ، والثاني تخطط له إسرائيل منذ الإجماع الأفريقي بقطع العلاقات الدبلوماسية معها بعد حرب حزيران 1967م وذلك بإظهار قضية دارفور باعتبارها قضية عرب ضد أفارقة، وهنا تأتي قصة الجنجويد والميليشيات التي تعرضنا لها في مقال آخر والتي أصبحت هدفاً إعلامياً يعبر عبره عن المشكلة.

    ويأتي العامل الدولي، وهو غير معزول مما سواه، فهو يأتي ضمن سيناريو محكم. فالإستراتيجية الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، قائمة على إيجاد عدو، ومن ثم العمل على حشد الرأي العام حول هذه الإستراتيجية، وقد كان هذا العدو في زمن الحرب الباردة هو الشيوعية وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وأفول نجم الشيوعية أصبح غلاة قادة الفكر والرأي (صمويل هنتجنتون وغيره) يتحدثون عن الخطر الإسلامي. ولا بد من أن يعبر عن ذلك بطريقة ذكية حتى لا يتهم الغرب بمعاداة الإسلام ولذلك نجد تعابير مثل صراع الحضارات وغيره، كما أن العملية لا بد أن تتم بطريقة انتقائية، فتم اختيار النظام السوداني ضمن أنظمة وحركات إسلامية أخرى، مثل إيران وحماس وحزب الله، وتم تصويب الإعلام نحوه منذ قبل قضية دارفور لإضعافه بخلق المشاكل والنزاعات وتشويه صورته باتهامه بانتهاكات حقوق الإنسان. وهكذا كانت قضية دارفور هي النموذج المناسب، فجميع السكان مسلمون، فلا أحد يتهم الغرب بأنه يدعم آخرين ضد المسلمين واستخدام العنصر العرقي وإبراز المعتدي بأنه العربي ضد الأفريقي وتصوير القضية وتضمينها بأنها قضية إنسانية لا بد من أن يتحد المجتمع الدولي تجاهها ويحمل المسؤولية النظام السوداني ذو التوجهات الإسلامية. قد يقول قائل إن الحكومة السودانية (المؤتمر الوطني على وجه الخصوص) مصابة بوسواس التآمر عليها بهدف إضعافها أو إسقاطها وأن هذه الحالة تلازمها منذ يومها الأول ولكن دعونا نتتبع هذه الاحداث لنرى إن كان للحكومة الحق في هذه الوسوسة أم لا. فمما لا شك فيه أن أزهر فترة شهدتها العلاقات السودانية ـ الأميركية هي فترة حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969 ـ 1985) خاصة بعد دحره للشيوعيين وانخراطه في المحور الاقليمى الموالي لاميركا (مناورات النجم الساطع) وترحيل يهود الفلاشا الإثيوبيين الى اسرائيل، إلا أن كل ذلك لم يشفع له عندما قرر تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية في سبتمبر 1983م وهذه الحكومة في نظر الولايات المتحدة حكومة اسلامية متشددة. عندما جاءت ثورة الانقاذ الوطني للحكم في العام 1989م استخدمت الإدارة الاميركية القرار رقم 513 الذي يحظر التعامل مع الأنظمة العسكرية في الوقت الذي استثنت فيه أنظمة أخرى جاءت للحكم بذات الوسيلة العسكرية (باكستان مثلاً). عندما تم التوقيع على اتفاق السلام الشامل في نيفاشا ـ كينيا استقبلت واشنطن ولندن الراحل جون قرنق، ثم زوجته، ثم خلفه سلفا كير، ولم تستقبل أو ترحب لا بعمر البشير ولا نائبه علي عثمان الذي وقع على الاتفاقية مع د. جون قرنق، بل زادت العقوبات الأميركية على السودان. عندما تم التوقيع على إتفاقية أبوجا في مايو 2006م لمعالجة قضية دارفور بمساعدة أميركية ـ بريطانية استقبل الرئيس بوش، مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان قبل أن يتولى منصبه كبير مساعدي رئيس الجمهورية، ولم يستقبل لا البشير ولا نائبه، بل رفض حتى مقابلة وزير خارجية السودان د. لام أكول حاملاً رسالة من الرئيس البشير. بدلاً من ذلك شددت العقوبات على السودان واستثنى الجنوب رغم اعتراف الحكومة الاميركية بتعاون السودان في مجال مكافحة الارهاب وما زال السودان في قائمة الدول التي ترعى الارهاب.

    إذن فالعقوبات بدأت قبل مشكلة دارفور ورغم كل هذه الجهود التي بذلتها الحكومة السودانية وأهمها ايقاف الحرب في الجنوب، وقد ورثتها من الحكومات السابقة، إلا أن منهج وتعامل الحكومة الأميركية تجاه السودان لم يتغيرا. إذن، كل هذه وغيرها ألا تجعلنا نعذر الحكومة السودانية بالإحساس بالمؤامرة والتحسب لها؟ ثمة قضية أخرى شغلت الرأي العام وتزامنت مع قضية دارفور وهي قضية احتلال العراق بواسطة قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وما حدث فيها من انتهاكات لحقوق الإنسان «يشيب لها الولدان» وأصبحت القضية خاصة وأنها تمت خارج الشرعية الدولية جزءً من حملة الانتخابات الأميركية الفائتة بل نقطة ضعف في برنامج الجمهوريين، فحاولوا جذب الرأي العام لقضية أخرى ذات أبعاد إنسانية لكي يدللوا من خلالها على اهتمامهم بحقوق الإنسان عكس ما يجري في العراق، وكانت دارفور هي القضية، وحيث أن القضية عكست باعتبارها قضية أفريقية وأن الأفارقة الأميركان يشكلون حوالي 17% من القوة التصويتية ونتائج قياسات الرأي العام كانت تشير إلى تقارب المرشح الجمهوري بوش من المرشح الديمقراطي كيري فقد أصبحت قضية دارفور من أهم القضايا للأفارقة الأميركان وظل المرشحان بوش وكيري يتباريان إبان منافستهما للفوز بالرئاسة الأميركية في التصعيد الإعلامي لحد التقرير بأن ما يجري في دارفور جرائم إبادة جماعية تتم بدعم حكومة الخرطوم وما زالت هذه التهمة يتم ترديدها رغم أن قرار اللجنة الدولية التي شكلها مجلس الأمن الدولي ينفي ذلك.

    وهكذا انتقلت قضية دارفور إلى الأجندة الداخلية التي تهم الرأي العام في الدول الغربية على وجه الخصوص ومع استمرار الوضع الإنساني أعني بذلك وجود المعسكرات وصور النازحين في داخلها رغم أن الحكومة السودانية وبالتعاون مع المجتمع الدولي نجحت في تجنيب أهالي دارفور حدوث مجاعة أو وبائيات. بل إن المعسكرات من حيث توفير الغذاء والدواء أصبحت في بعض المناطق أفضل حالاً من القرى التي حولها الأمر الذي يفسر زيادة أعداد سكان المعسكرات ليلاً ونقصانها نهاراً حيث يخرج أهل القرى إلى قراهم ليعودوا في المساء. ومع عدم الوصول لحل سياسي شامل يقنع سكان المعسكرات بتفريغها والعودة لقراهم، ومع نشاط المجموعات المعادية للسودان خاصة مجموعات اللوبي الصهيوني في الغرب حيث تقام المعارض في مؤسسة الهولوكوست «المحرقة» التي يديرها ويشرف عليها اللوبي الغربي الصهيوني ومنها تخرج المظاهرات وفيها تقام وتنطلق الحملات الإعلامية التي تجعل دارفور في صدارة الأخبار والشاشات الفضائية. عندما صدر القرار 1706 من قبل مجلس الأمن الدولي وهو القرار الذي يقضي بتحويل القوات الأفريقية في دارفور الى قوات دولية ويتحدث عن إعادة تأهيل القضاء السوداني والشرطة (رفضته الحكومة السودانية)، أعلن المجلس اليهودي في الولايات المتحدة (أننا أولى الناس للاحتفال بهذا القرار، لأننا كنا الضاغطين لصدوره، فسنوقد الشموع وسنقيم الاحتفالات في خمسين دولة وسنسير المظاهرات أمام البيت الأبيض تأييداً وابتهاجاً بصدور هذا القرار)، وقد فعلوا كل ذلك.

    وأخيراً فإنني لست من أولئك الذين يبرئون الحكومة عن كل ما حدث، فقطعاً الحكومة تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يحدث ولكن الحقيقة تقتضي كشف أبعاد هذه القضية والأيادي الظاهرة والخفية التي تعمل على تأجيجها وتصعيدها. فالكثير من المنظمات والمجموعات والأشخاص جعلوا من قضية دارفور مصدر رزق وتجارة من خلالها يجمعون الأموال من طلاب المدارس بحجة مساعدة أهل دارفور دون أن تذهب إليهم، فهؤلاء قطعاً لا يريدون للمشكلة أن تنتهي ولا للنازحين أن يعودوا إلى قراهم. وتبقى الحرب هي الحرب بما علمتم وذقتم وبما فيها من إنفلاتات ومرارات.

    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
                  

08-07-2007, 07:00 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)

    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الخامسة) ـ الجنجويد.. الخرافات والحقائق
    مصطلح تم انتقاؤه بعناية فائقة بواسطة بعض الجهات المغرضة ضمن محاولة تحقيق مقولة «فرَّق تسد» * علاقة جميع القبائل بلا استثناء في دارفور بالسلاح علاقة قديمة جدا، ذلك لأن وجود القبائل في مناطقها الأصلية سابق لقيام الدولة الحديثة في السودان

    منظر جوي لأكواخ في قرية موكجار غرب دارفور (أ.ب)
    مصطفى عثمان إسماعيل *
    ما راج مصطلح ذو صلة بالسودان طوال فصول تاريخه الحديث يحمل دلالات غاية في البشاعة والسلبية مثل رواج مصطلح «الجنجويد»، الذي بلغ من الذيوع والانتشار بفضل آلة الإعلام الغربي الرهيبة، إلي حد أنه دخل بلفظه ذاته إلى معاجم معظم اللغات الأوروبية المعاصرة، شأنه في ذلك شأن بعض المصطلحات العربية التي أخذت حظها من الرواج خلال العقدين المنصرمين مثل مصطلح «مجاهدون» الذي استخدمته سائر وسائل الإعلام العالمية في معرض الإشارة إلي نشاط المقاومة الأفغانية ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان سابقا، وكذلك مصطلح «الانتفاضة» على سبيل الإشارة إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. غير أن الفرق هو أن استخدام هذين المصطلحين الأخيرين بواسطة الصحافة ووسائل الإعلام العالمية، كان ينم عن موقف ايجابي إلى حد ما وبدرجات متفاوتة، أما مصطلح «الجنجويد» الذي تلقفته وسائل الإعلام الأميركية خصوصا، والغربية عموما ومن ورائها وسائل الإعلام العالمية بما في ذلك بعض وسائل الإعلام العربية بحسن نية أو عن قصد وتعمد، أو غفلة وجهل، فإنه مصطلح قد تم انتقاؤه بعناية فائقة بواسطة بعض الجهات المغرضة التي عملت على تضخيمه وإبرازه في صورة تجسد كل الشرور والآثام من أعمال قتل واختطاف واغتصاب وإحراق للقرى ونهب وسلب وترويع وتشريد للآمنين. ثم عمدت تلك الدوائر المغرضة من خلال آلة إعلامها الرهيبة أيضا على إلصاق هذا المصطلح بكل الصورة البشعة التي يجسدها على مجموعة عرقية بعينها في دارفور سعياً وراء إذكاء نار الفتنة العنصرية البغيضة، من أجل تمزيق النسيج الاجتماعي المتشابك الذي ظل يربط بين مختلف قبائل الإقليم منذ قرون خلت بفضل الإسلام الذي يدين به أفراده جميعهم، وبفضل التداخل الإثني والاختلاط والتزاوج الذي حدث بين مختلف مكونات المجتمع الدارفوري. والهدف من ذلك هو بالطبع محاولة تحقيق مقولة «فرَّق تسد» علي أرض الواقع خدمة لأهداف إستراتيجية تسعى القوى الامبريالية إلي تحقيقها في السودان وفي القارة الإفريقية بأسرها.
    لعلنا لا نجافي الحقيقة إذا ما ذهبنا إلى القول بأن مصطلح «الجنجويد» هذا قد انتشر في العالم بفضل ماكينة الإعلام الغربية إياها قبل أن يدرك معظم السودانيين أنفسهم ممن هم خارج دارفور كنهه. ولعل الكثيرين منهم لم يسمع به إلا من خلال وسائل الإعلام الأجنبية، إذ أن هذا المصطلح نفسه حديث الابتكار والاستخدام في دارفور نفسها. فهو لا يدل مطلقا على مجموعة عرقية أو قبلية بعينها، ولذلك يصاب السودانيون عموما، وأهل دارفور خصوصا بالدهشة والاستنكار عندما يقرأون أو يسمعون حتى من خلال بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية عبارة «عرب الجنجويد»، إذ ليس هناك قبيلة عربية في دارفور أو غيرها تسمى «الجنجويد».

    والواقع هو أن ابتكار لفظة «الجنجويد» وسيرورتها في المجتمع الدارفوري المحلي بالأساس، هي من إفرازات ثقافة الحرب والعنف التي ظلت سائدة في إقليم دارفور لبضعة عقود خلت مع الأسف. حيث أن هذا الإقليم يتسم بواقع اجتماعي يتميز بالبروز الصارخ للقبلية وتأثيرها شبه المطلق على الفرد وتشكيل هويته وولائه وخياراته الاجتماعية والسياسية. أضف إلى ذلك أن علاقة جميع القبائل بلا استثناء في دارفور بالسلاح علاقة قديمة جدا، ذلك لأن وجود القبائل في مناطقها الأصلية سابق لقيام الدولة الحديثة في السودان الذي يؤرخ له بسقوط دولة المهدية وبدء الاحتلال البريطاني للسودان في عام 1898م. فالقبائل قد ظلت جميعها تستشعر الحاجة دائما إلي وجود السلاح بين أيدي رجالها والحصول عليه بشتى السبل والوسائل من أجل حماية أفرادها وديارها وثرواتها من المواشي إذا كان بدواً رعاة، أو من المحاصيل والمزارع إذا كانت جماعات مستقرة، خصوصاً في ظل الاتساع الشاسع للإقليم وترامي أطرافه وبعده عن المركز وقد زاد من إذكاء ثقافة العنف والحرب أيضا انتشار السلاح الناري بوتائر أكبر من ذي قبل بسبب اندلاع الاضطرابات المسلحة في جمهورية تشاد المجاورة لدارفور لعقود متطاولة، مما سهل الحصول على السلاح في دارفور. أضف إلى ذلك حلول بعض الكوارث الطبيعية والبيئية متمثلة في موجات الجفاف والتصحر التي ظلت تضرب الإقليم بدرجات متفاوتة من القسوة وقوة التأثير منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى نزوح أعداد هائلة من أفراد القبائل البدوية خاصة بقطعانها من شمال دارفور ذي المناخ الصحراوي الذي كان الأكثر تأثراً بتلك الموجات، إلى جنوب الإقليم ذي الموارد الطبيعية الأكثر ثراءً نسبياً مما أدى إلى حدوث بعض الاحتكاكات والصدامات القبلية المسلحة.

    وفي خضم هذا الجو المفعم كله بالعنف، وانتشار السلاح، واستشراء النعرات القبلية، واعمال الغارة والسلب، والعمليات الانتقامية، تفاقمت ظاهرة النهب المسلح بصورة مكثفة ومزعجة منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وهي الظاهرة التي كانت قد بدأت تظهر في شكل حوادث فردية متفرقة منذ قبل ذلك التاريخ، وخصوصا في أقصى شمال الإقليم. وقد وجد بعض ضعاف النفوس وطالبي الثراء السريع فرصة انتشار هذه الظاهرة فطفقوا يقطعون طرق النقل بين المدن والبلدات على الركاب والمسافرين فيسلبونهم أموالهم وأمتعتهم، هذا بالإضافة إلى نهب المواشي والإبل، ثم السيارات مؤخراً. وقد ترعرعت هذه الظاهرة أيضا في كنف ثقافة عنف سلبية تحض على أعمال الإغارة والسلب، نذكر منها على سبيل المثال مقولة: «نهب يومين ولا اغتراب سنتين» .. بمعنى «أن تحترف مهنة النهب المسلح ليومين فقط خير لك من أن تغترب في السعودية أو في الإمارات أو ليبيا... الخ لمدة عامين».. والمقصود هو العائد المادي بالطبع.

    إنَّ «الجنجويد» هم في الحقيقة بمثابة النسخة الأخيرة من مرتادي جرائم النهب المسلح في دارفور. إذ أنهم وباتفاق جميع من عرف هذا المصطلح وأدرك مدلوله من أهل دارفور أنفسهم، وباختلاف قبائلهم وخلفياتهم السياسية والاجتماعية عبارة عن مجموعات من قطاع الطرق ومعتادي جرائم النهب المسلح ليس بين أفرادها أية روابط قبلية أو عرقية سوى أنهم يمارسون هذه العادة السيئة معاً. وبالتالي فإنهم لا ينتمون إلى أيه قبيلة بعينها، بل إنهم يمثلون شتي قبائل دارفور العربية منها وغير العربية. ومن أكثر التخريجات أو التفاسير شيوعاً لمصطلح «الجنجويد»، أنها مشتقة أو منحوتة نحتاً من عبارة: «جن راكب جواد وشايل جيم» بمعنى جنيِّ أو كائن من الجن يركب جواداً ويحمل بندقية من طراز جيم ثري G3 الألمانية الصنع.

    وفيما يلي تعريف لمصطلح «الجنجويد» ورد في وثيقة لمنظمة العفو الدولية نشرت بموقعها علي شبكة الانترنت بتاريخ 16 يوليو 2004م تحت عنوان: «السودان: أزمة السودان ـ أسئلة وأجوبة».. وقد قصدت إلى اقتباسه ههنا على ما به من محاولات التضليل والتدليس والدس والسعي إلى دق إسفين الفتنة ليس بين مسلمي دارفور من العرب وغير العرب فحسب وإنما بين كافة المسلمين في إفريقيا عموما وذلك على الرغم من محاولة التظاهر بالموضوعية:

    «تعني لفظة الجنجويد «الأسلحة/الخيالة المسلحون»، وهي التسمية التي يطلقها الأشخاص المستقرون على الجماعات التي تهاجمهم. وتفضل الميليشيات البدوية أن تطلق على نفسها لفظة الفرسان. ومعظم أفرادها ينتمون إلى جماعات البدو أو الرعاة الناطقين بالعربية في دارفور، لكن الجماعات «العربية» لم تنضم جميعها إلي الجنجويد. ويقال إن أشخاصا ينتمون إلي جماعات «عربية» في أجزاء أخرى من غرب إفريقيا مثل تشاد وموريتانيا وليبيا، قد انضموا أيضا إلى الجنجويد، لكن أغلبية المقاتلين مازالت تنتمي إلى المنطقة كما يبدو».

    فهذه الفقرة المقتبسة من مادة نشرتها منظمة العفو الدولية، وهي منظمة من المفترض أنها محايدة، ثم أنها قطعاً غير منحازة للحكومة السودانية أو متعاطفة معها، تؤكد بصريح العبارة أن ليس كل الجنجويد ينتمون إلى القبائل العربية أو البدوية. وذلك هو بالضبط بخلاف ما أريد لهذا المصطلح أن يحمل من دلالات معينة خدمة لأجندة محددة التقت بشأنها مصالح وأهداف القوي الغربية المعادية للسودان سلفا، مع مصالح وأهداف حركات التمرد في دارفور.

    إنَّ أدبيات الحرب والعنف السائدة في دارفور منذ بضعة أعوام، قد شهدت مصطلحات أخرى ذات ارتباط بالميليشيات القبيلة والمجموعات المسلحة، ظهرت على المستوى المحلي في ذات الفترة التي ظهر فيها مصطلح «الجنجويد»، غير أنها لم تجد حظها من الذيوع والانتشار على مستوى العالم، بالقدر الذي وجده مصطلح «الجنجويد»، الذي تم العمل علي إبرازه خدمة لأهداف محددة، بينما تم التعتيم على المصطلحات الأخرى مثل مجموعة «التورا بورا» نسبة لجبال وكهوف «تورا بورا» بأفغانستان ومجموعة «البشمركة» نسبة لميليشيات «البشمركة» الكردية المعروفة، وذلك ببساطة لأن الجهات الداخلية والخارجية التي أشعلت نار الفتنة في دارفور قد هدفت إلى تكريس فكرة أن أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان مرتبطة بـ«ميليشيات الجنجويد التي تدعمها الحكومة» حصراً وتحديداً، ولا تريد أن تذكر شيئاً عما تفعله ميليشيات «التورا بورا» و«البشمركة» في المقابل، وذلك لارتباطهما بحركات التمرد المسلحة.

    ومهما يكن من أمر في نهاية المطاف فإن مصطلح «الجنجويد» هذا قد عملت فيه آلة الدعاية الغربية، وأخرجته من سياقه المحلي، بعد أن نفخت فيه أبواق التحالف الصهيومسيحي بالولايات المتحدة، خدمة لأجندتها الخاصة الرامية إلى صرف الأنظار عن جرائمهم الفظيعة في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، بتصوير الوضع في دارفور كذباً بأنه أسوأ وضع إنساني في العالم، فضلا عن نيتهم المبيتة لبلقنة إفريقيا وإعادة استعمارها بغية السيطرة على مواردها وانتهاب ثرواتها، وتمزيق العالمين العربي والإسلامي تحت مسميات القرن الإفريقي والشرق الأوسط الكبير خدمة لأمن الكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللوبي الصهيوني وأنصاره في الإدارة الأميركية وفي الدول الغربية عموماً تعمد إلى استخدام مصطلح الجنجويد استخداما رمزيا يتجاوز القبائل العربية في دارفور والوجود العربي في السودان كله إلى الوجود العربي من حيث هو في معرض الصراع العربي الإسرائيلي الواسع.

    لا شك في أن احد الأسباب الرئيسية للصراع الدائر في دارفور حالياً هو تراكم الإحساس بالغبن من جراء التهميش والإهمال اللذين ظل يعاني منهما إقليم دارفور وأهله منذ عهد الاستعمار البريطاني للسودان، وطوال عهود الحكومات الوطنية التي تعاقبت على سدة الحكم في البلاد منذ استقلالها في الأول من يناير عام 1956م. بيد أن الحقيقة التي من شأنها أن تتكشف لكل باحث أو مراقب موضوعي خال من الغرض والهوى، هي أن ولايات دارفور الثلاث قد شهدت خلال عهد حكومة ثورة الإنقاذ الحالية، التي جاءت إلى السلطة في 30/6/1989، طفرات ملحوظة وغير مسبوقة في مجالات التنمية والخدمات، فضلاً عن إتاحة المجال لأبناء دارفور لمشاركة أكبر على مستوى السلطة السياسية بمختلف مستوياتها بالإضافة إلى الخدمة المدنية.

    وإيماناً منها بالإهمال والتهميش الذي حاق بإقليم دارفور وأهله خلال الحقب السابقة، فقد آلت حكومة ثورة الإنقاذ الوطني على نفسها أن تبذل قصارى جهدها في الارتقاء بمستوى التنمية والخدمات في دارفور في شتى المجالات. وقد أعدت الحكومة بالفعل برنامجاً طموحاً يستهدف إحداث نهضة تنموية وخدمية شاملة في دارفور، تحت الإشراف المباشر لعلي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك، ورصدت لذلك البرنامج موارد مالية كبيرة كانت كفيلة بتأمين تنفيذ جملة المشاريع المقترحة في إطار ذلك البرنامج، وكان ذلك قبيل اندلاع أعمال العنف من قبل الحركات المتمردة في فبراير 2003م. وهكذا، فقد تأثر تنفيذ ذلك البرنامج تأثراً بالغاً من جراء أعمال العنف التي ظل يشنها المتمردون مستهدفين كافة ما وصلت إليه أيديهم من مرافق تنموية وخدمية. ومع ذلك تبقى الطفرة الإنمائية والخدمية التي شهدتها ولايات دارفور منذ قيام ثورة الإنقاذ الوطني في عام 1989م وحتى الآن، مقارنة بما كان عليه الوضع في السباق، حقيقة ساطعة لا مراء فيها.

    وإذا ما تركنا لغة الأرقام والإحصائيات تتحدث فإنها ستوقفنا على الحقائق التالية:

    ( أ ) التنمية والخدمات:

    1ـ خدمات التعليم:

    في مجال التعليم العام توضح البيانات والأرقام مدى التطور الذي حدث منذ عقد الستينات من القرن الماضي وحتى العام 2001، ففي العام 1967م كانت مدارس طلاب وطالبات المرحلة الأولية 241 والمرحلة الوسطى 21 والثانوية 2. وكان عدد طلاب وطالبات المرحلة الأولية 30.475 والمرحلة الوسطى 2.788 والثانوية 782، وفي العام 2001م بلغ عدد الطلاب والطالبات في مرحلة الأساس 444.208 وفي المرحلة الثانوية (52.422 طالباً).

    وبعد عام 1995م بدأت تجربة إدخال مراكز ومعاهد الحاسوب وأصبحت ولاية شمال دارفور تضم 90 من معهد إلى مركز وولاية جنوب دارفور 40 وولاية غرب دارفور 20، أما في مجال إنشاء معامل تطبيقية بالمدارس الثانوية وإجلاس الطلاب والمعلمين فقد شمل مشروع إجلاس الطلاب في ولاية شمال دارفور 32.282 من الطلاب و 693 من المعلمين وإنشاء 7 معامل، وفي ولاية جنوب دارفور شمل مشروع الإجلاس 30.338 من الطلاب و 967 من المعلمين وإنشاء 12 معملاً، وفي ولاية غرب دارفور شمل الإجلاس 25.360 طالباً و 570 معلماً و3 معامل.

    أما في مجال التعليم العالي فقبل عام 1989م لم يكن هنالك أي وجود للتعليم العالي في ولاية دارفور سوى قرار جمهوري صدر عام 1975م بإنشاء كلية للطب البيطري والموارد الطبيعية بدارفور، وهو قرار لم يجد حظه من التطبيق والتنفيذ، وفى فبراير من عام 1982م تم تكليف لجنة علمية لوضع تصور لقيام مؤسسة على المستوى الجامعي تحت اسم جامعة دارفور.

    وبعد قيام ثورة الإنقاذ الوطني صدرت قرارات بقيام جامعة الفاتح من سبتمبر بدارفور عام 1990م، وبعد قيام الحكم الاتحادي وتقسيم الولايات عام 1994م صدر قرار جمهوري بقيام جامعتين أخريين هما جامعة زالنجي وجامعة نيالا وعدل اسم جامعة الفاتح إلى جامعة الفاشر، بذلك أصبحت هناك ثلاث جامعات بدارفور الكبرى إضافة إلى كلية نيالا التقنية، وتتوزع الكليات والمعاهد بجامعات دارفور على أرجاء الولايات الثلاث.

    والبنيات الأساسية لهذه الجامعات معقولة حيث أنها تضم قاعات المحاضرات ومنازل الأساتذة والمزارع والمعامل ومراكز البحوث، كما أنها تحظى بميزانيات مقدرة، وفي مجال الدراسات العليا هناك عدد مقدر من الطلاب والطالبات المنتسبين على مستوى الدبلوم العالي.

    2ـ الخدمات الصحية:

    أن الأرقام تشهد علي تطور الخدمات الصحية في دارفور ففي عام 1990م كان عدد المستشفيات (16 وعدد الأسرة 1.307 والمراكز الصحية 29 ونقاط الغيار 14 وعدد الوحدات الأولية 623 وحدة، وفى عام 2001م ارتفع عدد المستشفيات إلى 23 وزاد عدد الأسرة إلى 1398 والمراكز الصحية إلى 44 ونقاط الغيار إلى 23 والوحدات الصحية الأولية إلى 702 وحدة إضافة إلى توفير عربات الإسعاف المجهزة.

    وبالنسبة للقوى العاملة في الحقل الصحي لولايات دارفور الكبرى فقد بلغ عدد الاختصاصيين في مجال المهن الصحية عام 1980م 12 وارتفع عام 2001م إلى 21 كما ارتفع عدد الأطباء العموميين لذات الفترة من 44 إلى 71، وارتفع عدد الفنيين من 9 إلى 97 والمساعدين الطبيين من 203 إلى 491.

    وفي مجال التمريض بلغ عدد الممرضين عام 1980م 885 وفى عام 2001م 1570، وارتفع عدد الزائرات الصحيات لذات الفترة من 29 إلى 72 ، والقابلات القانونيات من 421 إلى 985 ومفتشي وضباط الصحة من 18 إلى 26. 3- الكهرباء والمياه:

    بدأ تشييد محطة نيالا عام 1976م وتوقفت تماماً بعد ذلك وفي عام 1988م تم تشييد محطة جديدة بسعة 7 ميغاواط انخفضت إلى 3 ميغاواط. وفي عام 1989م حدثت إضافات جديدة للمحطة لترتفع سعة التوليد إلى 7 ميغاواط، وفي الضعين كانت هناك مولدات صغيرة تعمل في الفترة المسائية بطاقة اقل من نصف ميغاواط، وفى عام 2002م تم إنشاء محطة جديدة بالمدينة بسعة 3 كيلو واط، وفى الجنينة حاضرة غرب دارفور تم عام 1989م تشييد ماكينة، بسعة 100 كيلو واط، وفى عام 1994م تم تشييد ماكينتين بسعة 800 كيلو واط ثم ماكينة بسعة 200 كيلو واط، وهكذا حتى بلغت السعة 3000 كيلو واط، تغطي كل المدينة.

    وفي مايو من العام الماضي تم افتتاح محطة كهرباء إسعافية بمدينة الفاشر وتوقيع عقود إنشاء محطات أخرى للفاشر والجنينة بجملة طاقة 17 ميغاواط بتكلفة 17 مليون يورو ووصف وزير الطاقة والتعدين الدكتور عوض احمد الجاز محطة الفاشر بأنها الأكبر في تاريخ دارفور بطاقة 9.4 ميغاواط، وأشار إلى توزيع محطات لـ 12 مدينة وبلدة بشمال دارفور.

    وفي مجال خدمات المياه حدثت زيادة مطردة في الإنتاجية على مستوى مياه الريف والحضر، من آبار وحفائر وسدود، ففي قطاع مياه الريف بلغت نسبة الزيادة في الآبار في جنوب دارفور في الفترة ما بين 1989م وحتى 2003م 50%، وفي غرب دارفور 80% وفى شمال دارفور 100% وفي مجال الحفائر بلغت الزيادة في جنوب دارفور 100% وفي غرب دارفور 106% وفي شمال دارفور 150%. أما في مجال السدود فقد بلغت نسبة الزيادة لذات الفترة في جنوب دارفور 125% وفي غرب دارفور 500% وفى شمال دارفور 230%، وأما في مجال مياه الحضر فقد قفزت المياه من 5 ملايين و 400 ألف متر مكعب في العام 1989م إلى 9 ملايين و 160 ألف متر مكعب في العام 2003م بزيادة مقدارها 70%. وقد تم التعاقد على مشروع مياه نيالا من حوض البقارة الجوفي بتكلفة 50 مليون دولار بتمويل من جمهورية الصين الشعبية.

    4- خدمات الاتصالات:

    وفي مجال الاتصالات شهدت ولايات دارفور طفرة كبيرة بدخول الشركة السودانية للاتصالات (سوداتل) التي ساهمت بخدمات عديدة ومقدرة في تطوير الاتصالات بالولايات الثلاث بجانب خدماتها في الاتصالات التي غطت كل رئاسات الولايات والمحليات في دارفور الكبرى، إضافة إلى ربط دارفور الكبرى بالعالم الخارجي من خلال شبكة الانترنت بجانب خدمة الهاتف السيار.

    وبمقارنة ما تم في مجال الاتصالات الحديثة قبل العام 1989م نشير إلى أن حال الاتصالات الحديثة أو حتى التقليدية في ولايات دارفور الثلاث كان اضعف من أن يوصف برقم قبل العام 1989م ولنقارن الحال الراهن بما كان آنذاك.

    5- خدمات الطرق والمطارات:

    إضافة إلى مطار الفاشر الدولي في شمال دارفور فقد تم افتتاح مطار نيالا الدولي عام 1998م فى جنوب دارفور وتجرى الآن السفلتة فى مطار صبيره في مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، أي أنه بنهاية هذا العام ستكون هنالك ثلاثة مطارات دولية في دارفور إضافة إلى المهابط والمطارات الصغيرة في عدد من مدن دارفور، وتمت حتى الآن سفلتة 100 كيلومتر في طريق الإنقاذ الغربي قطاع نيالا الفاشر. واكتمل تشييد ثلاثة جسور في طريق الإنقاذ الغربي بين زالنجى والجنينة هي كجا، وباري، وأزوم الذي يبلغ طول الكبرى فيه 1100 متر طولي بتكلفة إجمالية 25 مليون دولار.

    (ب) المشاركة في السلطة:

    لا يجرؤ أن ينكر إلاَّ مكابر أن نسبة مشاركة مواطني دارفور الكبرى في مختلف مستويات السلطة في السودان كماً ونوعاً قد شهدت زيادة كبيرة جداً منذ قيام ثورة الإنقاذ الوطني في عام 1989م، بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع خلال الحقبة الاستعمارية والحقب الوطنية الأخرى التي تلتها.

    فلقد كانت دارفور إحدى المناطق التي «تُصدِّر» إليها قيادات الأحزاب الطائفية النواب من الخرطوم تصديراً لكي يتم انتخابهم من هنالك بإشارة من زعيم الطائفة، بينما صارت الهيئة التشريعية الآن لا تضم أعداداً مقدرة من النواب الذين يمثلون أهل دارفور تمثيلاً حقيقياً فحسب، وإنما أوصلت بعض أبناء دارفور كفاءتهم وتأهيلهم، لتولي قيادة بعض تلك الهيئات التشريعية القومية نفسها، على النحو الذي يتولى فيه حالياً علي يحيى وهو من أبناء دارفور، رئاسة مجلس الولايات على المستوى القومي.

    وهكذا، تم علي سبيل المثال خلال الفترة من 1994 إلى 2000م تعيين أربعة ولاة ولايات، وثلاثين وزيراً، وعشرين محافظاً من ولاية جنوب دارفور، وتعيين أربعة ولاة، وثلاثة وثلاثين وزيرا، وثمانية عشر محافظا من ولاية شمال دارفور، بينما تم تعيين أربعة ولاة، وتسعة وثلاثين وزيراً، وتسعة وعشرين محافظاً من أبناء ولاية غرب دارفور، بما يجعل جملة أبناء دارفور الكبرى الذين تم تعيينهم في مناصب دستورية سامية خلال الفترة المذكورة 176 شخصاً، وهذا الرقم يعادل 13% من مجمل الوظائف المماثلة بالنسبة لكل السودان.

    وصفوة القول في الختام إن جهود حكومة ثورة الإنقاذ الوطني في الارتقاء بالتنمية والخدمات في دارفور الكبرى، وتأمين اكبر قدر ممكن من المشاركة السياسية لأبناء دارفور على مختلف مستويات السلطة، جهود مقدرة وغير مسبوقة، ولا يمكن مقارنتها مع الأوضاع التي كانت سائدة في أي عهد مضى. ورغم كل هذا فإن دارفور مازالت في حاجة للتنمية والخدمات وتوسيع مجال المشاركة السياسية ولكن كل هذا لا يتأتى عبر حمل السلاح والدمار والخراب وإنما عبر الحوار والمشاركة الإيجابية، في قضايا دارفور خاصة وقضايا السودان عامة.

    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
                  

08-07-2007, 07:04 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)

    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة السادسة) ـ دارفور والمحكمة الجنائية الدولية.. عندما ترتدي السياسة عباءة القانون
    أينما وجدت الحرب وجدت بلا شك انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الواسعة النطاق * مجلس الأمن ليس جهازا عدليا.. كما أن لجنة التحري التي زارت دارفور وقدمت تقريرا لم تكن تعمل بموجب معايير متفق عليها حتى بين أعضائها الخمسة عشر

    مصطفى عثمان إسماعيل *

    عطَّل التمرد في دارفور المشاريع التنموية واللبنات الأساسية، وأوقف بحركته المسلحة كثيرا مما كان يجرى العمل فيه لتحقيق استقرار الحياة وتنمية المجتمع الدارفوري في الريف والحضر، ووقف الاحتكاكات القبلية الناجمة عن شح المياه ومحدودية المصادر في إقليم خصيب في معظم أنحائه، به 12.3 مليون فدان كانت تزرع بالغلال والحبوب الزيتية والمحاصيل النقدية، من دخن وفول سوداني وسمسم وكركدي وحب البطيخ.

    وقد استهدف التمرد ضمن ما استهدف ضرب مؤسسات الدولة من مراكز شرطة ومحاكم ومستشفيات ومؤسسات تعليمية ومراكز حجر بيطري ومشاريع زراعية منتجة وقطع طرق وتعويق العمل في المشروعات، وقد تأثرت كل هذه المرافق تأثراً بالغاً جراء الحرب والاعتداءات التي تمت، والتي مهما حاولنا فلن نستطيع أن نحصيها ولو حرصنا. يمكننا على سبيل الإشارة للتداعيات والآثار المدمرة لما جرى ويجرى بدارفور, تدوين بعض ما أحصيناه من وثائق. ومن اللازم إيراد أن الحركة المتمردة استهدفت البنية التحتية للطيران، التي أخذت وزارة الطيران التي أنشئت لأول مرة، على عاتقها إنشاء مطارات دولية ومهابط طائرات وتزويدها بمعدات السلامة الجوية والأرضية، بهدف تكثيف حركة النقل ووصل غرب السودان بالمركز وأنحائه الأخرى، لكون التواصل هو الدعامة الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فعملت على انجاز وإكمال مطار الشهيد صبيرة الدولي بالجنينة، وما أن اكتمل العمل في تمويل وتشييد مطاري الفاشر ونيالا وصارا مطارين دوليين، وتم تجهيز مطار نيالا بتكلفة كلية مقدارها 373 مليون دينار (3 مليارات 730 مليون جنيه سوداني)، واستكمل مطار الفاشر الدولي بصورة ممتازة بتكلفة 377.04 مليون دينار وأضحي حيوياً أمام حركة الملاحة الجوية، حتى تعرض لهجوم الحركة المتمردة حطمته بغشامة وضيق أفق وعبثت ببنياته، بعد أن أحرقت ست طائرات كانت جاثمة على ارضه، في حادثة هي بدعة عظمى، والأسوأ في معتقدي ومتابعاتي لما يحدث بالعالم، فقد سمعت باختطاف طائرات واستبسال حركات مقاومة ثورية في نزع حقوقها، وباحتراق طائرات في الجو بفعل عوامل مناخية وسوء الطقس، ولكني لم اسمع البتة بمن يحرق طائرات ويدمر بنيات وأجهزة ارصاد جوي للملاحة وقياس الأمطار، ومنها محطة رصد لطبقات الجو العليا الكترونياً بنظام GPS تكلفتها 4 ملايين دولار، مشتراة ومشيدة من مال كان يمكن أن يدخر لصالح التنمية الاقتصادية للبلد، وتم تدمير محطات للطاقة الشمسية أنشأتها منظمات فرنسية وألمانية لتشغيل عدد من المرافق والمؤسسات، وهزمت الحرب التي دارت في دارفور البرنامج الوطني الموضوع لتخفيف حدة الفقر، الذي بدأ تنفيذه منذ عام 2001، وتدهورت مشاريع التنمية، وأبرزها مشروع جبل مرة، الذي أعيدت هيكلته وكانت قد أعدت دراسة شاملة للمشروع تم رفعها لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية، وحصرت أصوله بلجنة عليا من وزارتي المالية والزراعة، واشترع للمشروع زراعة قمح مطري في مساحة 100 ألف فدان، وتم إعلان عطاء قبيل اندلاع الحرب لشراء مائة وحدة ري جديدة وفرت لها وزارة المالية والاقتصاد الوطني التمويل، وصدقت مالياً لشراء ألفي محراث بلدي للمزارعين، والتزم ديوان الزكاة بتمويل عشرة آلاف محراث أخرى، تعاقد فيها مع شركة جياد الوطنية لصناعة التراكتورات والآليات توزع على المزارعين في ولايات دارفور الثلاث، ولكن ذلك تجمد بسبب التدهور الأمني. وطالت آثار الحرب والتجميد والتعطيل المشاريع الزراعية، أبو حمرة وأم بياضة وأم عجاجة، وهي مشاريع بمساحات واسعة خططت لتوفير الغذاء وتشغيل العمالة. وبعد أن كانت عمليات لمكافحة آفة الفار وجراد البو وساري الليل قد بدأت في الرش إلا أنها توقفت للمخاطر الناجمة من اندلاع النزاع. والأهم من ذلك أن المواسم الزراعية توقفت تماماً ولعدة سنوات، ولكم أن تتخيلوا وتقدروا الفقد الحاصل، وبلغ الحال مبلغاً صار محل إشفاق جيمس مورس المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، واندرو ناتسيوس مدير برنامج المعونة الأميركية، اللذين زارا دارفور عدة مرات، وحذرا من فشل مواسم الزراعة ومخاطر تفشي المجاعة، وناتسيوس هو الآن مبعوث الإدارة الأميركية الخاص للسودان، الذي ذكر بعد أن تسلم ملف السودان أخيراً أنه معني بمعالجة الأوضاع في دارفور وجنوب السودان وشرقه. لقد توقف العمل في مشروعات المياه وبناء السدود وحفر الآبار، فمنذ مارس (اذار) 2004، حسب تقارير وزارة الري والموارد المائية، تعطل تشييد 6 سدود مياه وحفر 18 بئراً جوفية و120 حفيراً بولاية شمال دارفور، وأربعة سدود و20 بئراً و85 حفيراً بجنوب دارفور، وثلاثة سدود و20 بئراً جوفية و150 حفيراً بولاية غرب دارفور. وتأخر مد الخط الناقل للمياه من مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور إلى قولو، كما تعطل إرسال مواسير شبكات المياه الرئيسية لمعتمديات ولايات دارفور، وتجمد العمل في تأهيل سد أم دافوق جنوب دارفور. وقد توقف العمل تماماً في مشروعات توفير المياه بعد نهب الحركات المتمردة لعربات تابعة لهيئة توفير المياه، وخطف وقتل عدد من المهندسين والفنيين والعمال العاملين في حفر الآبار، وبعضهم صينيون كانوا يعملون في تلك المشروعات، وفقدان معدات وآليات حفر وتأهيل للآبار وبناء السدود. وقد عانت ولاية جنوب دارفور من مشكلة تلوث المياه السطحية التي كانت أربع شركات تعمل في معالجتها، بتكلفة مقدارها أربعون مليار جنيه سوداني توقف عملها بسبب الظروف الأمنية.

    ومما لا يعرفه الكثيرون عن خلفيات الأوضاع في دارفور أن محدودية مصادر المياه فيها وتعطلها أهدر ويهدر وقت المواطنين وطاقاتهم بحثاً عن مصادر المياه، وبسبب ذلك يخرج الرعاة بأنعامهم إلى الدول المجاورة، مثل أفريقيا الوسطى وتشاد، كما يتنقلون طلباً للكلأ والماء في رحلة مستمرة طول العام بين المصايف والمشاتي والمخارف في مسارات بين شمال دارفور وجنوبها تبلغ 1749 كيلومترا، ومعظم هذه المسارات الطولية وعددها 18 مساراً في أنحاء دارفور تنتظم اتجاه الشمال حتى المخارف والجنوب إلى المصايف، وعدد من تلك المسارات يتجه من الشرق إلى الغرب لقضاء فترة الصيف بأفريقيا الوسطى، إضافة إلى مسارات قطعان الأبقار التجارية من مناطق الجنينة في أقصى غرب دارفور ونيالا وبرام والضعين في جنوب دارفور، التي تتجه شرقا إلى أمدرمان والعاصمة المركزية الخرطوم. وتتطلب تلك التنقلات والحركة توفير آبار الشرب والرهود والحفائر ومصادر المياه والمراعي، ولكن عدم تأهيل البنيات وفقدان أو عدم توفرها يوقع مصادمات. وقد حال توقف تأهيل وتعطل استمرار تشييد السدود والآبار والحفائر بسبب الحرب دون توصيل الخدمات البيطرية لصيانة القطيع القومي من الثروة الحيوانية، التي يشتهر بها السودان، وتضاعف المفقود الاقتصادي، وزاد الطين بلة، إن جاز التعبير.

    وقد تم إعداد مشروع إسعافي لتوفير مياه الشرب لولايات دارفور الثلاث، بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية بجدة بمبلغ 25 مليون دولار لتوفير مياه الشرب للإنسان والحيوان، إلا أن النزاع والتدهور الأمني الذي جرى في دارفور عطل ذلك.

    وبوجود أكثر من خمس الثروة الحيوانية بالسودان في دارفور، التي يرتبط إنسانها ارتباطا لصيقاً بالحيوان، وتمثل الثروة الحيوانية مكوناً أساسياً في مزاجه الثقافي ونشاطه الاقتصادي، تجد الحكومة مهمومة باستمرار لإعادة تأهيل ما دمرته الحرب وبعث النشاط في الجهات ذات الصلة بتوفير المياه، بالتنسيق مع وزارة الثروة الحيوانية اتحادياً وولائياً.

    وبلغ حال التدني في المجال الصحي أن بقي في كل ولاية غرب دارفور طبيب أخصائي واحد فقط، وهو الشيء الذي لم يكن يحدث من قبل، فقد ساء الحال إلى حد بعيد، جراء الهجمات التي قام بها المتمردون، لولا أن تداركته الحكومة باستنهاض واستنفار الكوادر الطبية وخريجي كليات الطب من ولايات السودان المختلفة للعمل بمحفزات عالية في المرافق الصحية بإقليم دارفور بولاياتها الثلاث.

    وقد أضرت الحرب بحال معظم المستشفيات والمراكز الصحية، وأحدثت معاناة بالغة للمواطنين في الحصول على العلاج والدواء، مع انتشار الأمراض مثل مرض الكوليرا، ويعاني الأطفال من نقص الأمصال. وللأسف فإن المستشفيات التي تدهورت أوضاعها لم تتكفل المنظمات الدولية بنفقات إعادتها لحالة ما قبل الحرب، ولكنهم يجعجعون ولا طحن.

    ووقع تأثير سالب، جراء الحرب، على عدة مشروعات صحية مولها الصندوق السعودي للتنمية، منها عدد من المراكز الصحية بولاية غرب دارفور في مناطق هبيلا وكلبس وبيضا ومورين وخور برقا، ومستشفى دار السلام بشمال دارفور ومراكز صحية كان التزم البنك الإسلامي للتنمية بجدة بتمويلها لخدمة مناطق نيرتتي بجبل مرة، وفي الجنينية وسربا وبرام والضعين.

    ويجدر بي أن أشير إلى أنه جرى اهتمام واضح من الحكومة المركزية بشأن التعليم في تلك الأنحاء، وفي الذهن الاهتمام الباكر بوجود واحدة من أول أربع مدراس ثانوية بالسودان، هي مدرسة الفاشر الثانوية، التي حولتها الحكومة القائمة إلى جامعة وفتحت عشرات المدارس الثانوية بأنحاء دارفور لاستيعاب الأعداد المتزايدة الراغبة في التعليم. وتم توفير الكتاب المدرسي وتدريب وتأهيل المعلمين وبناء مئات مدارس الأساس، وزودت المؤسسات التعليمية بالحاسب الآلي. وتعاونت وزارة التربية والتعليم الاتحادية في برنامج مع منظمة اليونيسيف في تعليم الرحل ورفع نسبة تعليم البنات، وأمامي رقم بالدينار السوداني كبير للغاية لم استطع تحويله وكتابته ولكنه يُعبِّر عن عظم الاهتمام، غير أن الهجمات المسلحة من المتمردين دهورت الأحوال ودمرت مؤسسات تعليمية عديدة وأفقدت التحصيل الدراسي والأكاديمي كثيراً، ويتبادر إلى ذهني الهجوم المسلح الذي استهدف قافلة تسليم امتحانات الشهادة للانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعات، وكشف بعض أوراق الامتحانات التي كانت بطريقها إلى الفاشر، مما أدى إلى إعادة امتحان طلاب الثانويات بكل أنحاء السودان وكلف ذلك ما كلف، وأضر ذلك نفسياً ومادياً بالطلاب وذويهم وخزينة الدولة.

    وتدهور الأوضاع الأمنية في دارفور بمثلما حطم المشروعات الجديدة التي خطط لها وبدأ تنفيذها في إطار تطوير البنيات الأساسية، فقد عطل المساعي التي كانت جارية وحضرت دراساتها لإحياء مشروعات الغزالة جاوزت وهبيلة وساق النعام وغرب السافنا، التي كانت على عهد الرئيس السابق جعفر نميرى في سبعينات القرن الماضي. ولا يفوتني أن اذكر أن واحداً من أهم مشروعات التنمية في المنطقة، وهو طريق الإنقاذ الغربي، الذي خطط له لربط كافة أنحاء دارفور المترامية قد تعطل العمل فيه، إلا في قطاعات يسيرة، وكان الطموح أن تترابط قطاعاته، إلا أن قطاع الطرق بعد الحركة المتمردة، التي بدأت بجماعة من مناطق كبكابية ودوكر وجبل سي وزغاوة دارقلا، الذين اعتقلوا المدير التنفيذي لمنطقة الطينة بدايات التمرد، هددوا قطاعات الطريق ذاك ومن ساروا عليه بردمياته، بل قتلوا العاملين في مجال التنمية والخدمات. وما يدهشني أن القتل في دارفور طال مهندسي الطرق ومهندسي الري والمياه ومديري المشاريع الزراعية والمهندسين الزراعيين فيها، ولا أدرى أي ذنب جناه أولئك المهندسون؟ أيكون لأنهم نشطوا في مساعي التنمية والنهوض بالإقليم؟

    ولعل المصيبة الكبرى هي تلك التي حلت بإنسان دارفور المتمثلة في ترك الآلاف لبيوتهم وقراهم التي دمرت، والنزوح إلى المعسكرات بحثاً عن الأمن، ولجوء الآلاف إلى دول الجوار وتحديداً دولة تشاد، وعجز الآلاف من التلاميذ عن مواصلة الدراسة، والأثر الأخلاقي والسلوكي الذي نتج وينتج عن مثل هذه الأوضاع.

    لقد شكلت نتائج المؤتمر الدبلوماسي للمفوضين، الذي انعقد في روما ما بين الخامس عشر من يونيو (حزيران) وحتى السابع عشر من يوليو (تموز) 1998، حدثاً تاريخياً مهماً بحسابات السياسة والقانون الدوليين، حيث تم إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المقرون بنظام روما، بعد اخذ ورد وجدل قانوني تعود جذوره إلى عام 1945 تاريخ ميلاد الأمم المتحدة نفسها، ولعل احتدام الجدل حول نظام روما الأساسي منذ بداية وجود الفكرة، كان مرده إلى تقاطع السياسة مع القانون في ما يتصل بسيادة الدول وشرعيتها وحقها الكامل في إنفاذ ولايتها القانونية على مواطنيها، باعتبار أن هذا هو الأصل الثابت على أن يكون المتغير البديل، هو أن تتولى المحكمة الجنائية الدولية بعض القضايا التي تقع ضمن دائرة اختصاصها، إذا انتفت مسألة التكاملية Complementarily بحيث يعجز النظام القضائي الوطني عن إنفاذ العدالة في تلك الجرائم، وحينها يصبح لزاماً على الدول التي تكون طرفاً في نظام روما الأساسي أن تذعن لمتطلبات إحقاق العدالة من جانب المحكمة الجنائية الدولية، نظراً لانطباق مبدأ المقبولية Admissibility في هذه الحالة. ولسنا هنا في موقع التناول القانوني، بل يأتي تناولنا للأمر هنا من باب السياسة الأوسع، الذي ولجت عبره أغراض أخرى غير العدالة إلى نظام روما وأهدافه، حيث أن مسألتي التكاملية والمقبولية قد تركتا مساحة رمادية للاجتهاد السياسي في بعض الدول، التي تريد توظيف المحكمة الجنائية الدولية لأغراض السياسة المحضة، وليس أدل على ذلك من أن القرار 1593 الذي أحال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في مارس 2005 كان مهدداً بالفيتو الأميركي ومن ثم قتله في مهده، الأمر الذي جعل فرنسا صاحبة القرار ومعدة مسودته تنصاع قسراً للإدارة الأميركية وتقبل بإدخال الفقرة السادسة من ذلك القرار، التي تستثنى المواطنين الأميركيين من الخضوع لأحكامه إذا ما طالهم الأمر، ولنا عودة لهذا في معرض حديثنا عن ملابسات ذلك القرار.

    وعودة إلى مؤتمر روما حفيّ بالإشارة هنا أن الدول اعترضت على الاتفاقية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة إنما كانت تتخوف من أن صياغة بنود نظام روما قد جاءت في بعض المواقع فضفاضة وحمالة أوجه، وربما تمتد الصلاحيات بموجب بعض المواد لتشمل الدول غير الأطراف، ولذلك جاءت بيانات العديد من الدول في ذلك المؤتمر مؤكدة، أن الدول غير الأطراف لن تكون ملزمة بأي حال بشيء لم توافق عليه مطلقاً، ناهيك عن التوقيع والمصادقة فتلك مرحلة متقدمة، بل جاء في بيان الوفد الأميركي تحديداً واقتبس «أن مساس المحكمة الجنائية الدولية بأي مواطن أميركي غير وارد لأن هذا من شأنه أن يوهن عزم الولايات المتحدة من الوفاء بالتزاماتها نحو عمليات حفظ السلام في العالم، وأن المواطن الأميركي لا يمكن أن يكون هدفاً لملاحقة قضائية ربما تحركها دوافع سياسية أو دوافع لا تخلو من الغرض». انتهى الاقتباس.

    كما لا بد أن نشير في هذا السياق أيضا إلى أن دولاً عديدة كانت وما زالت ترى أن نظام روما الأساسي لم يأخذ بنظام خيار القبول المقترح Opt-in-Mechanism في ما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولأننا لا نريد تناولاً قانونياً لهذه الملابسات، نوجز القول في جملة بسيطة، هي «إن ميزان العدالة يستقيم للجميع ولا يعرف الاستثناء أما الانتقائية والاستثناء فهي أدوات السياسة المحضة لا العدالة».

    منذ اعتماد نظام روما الأساسي برز التنافس الواضح بين تيارين متعارضين، الأول تمثله الدول الأوروبية التي تبذل قصارى جهدها لأن تكون المحكمة الجنائية الدولية في قلب أجهزة الأمم المتحدة وتبدأ التحرك عملياً بأن تحال إليها القضايا من مجلس الأمن، لأن تفعيل المحكمة وتحقيق عالمية نظام روما إنما يتحققان إذا ما نهضت المحكمة بدور عملي وشرعت في معالجة قضايا في إطار ولايتها المقررة، وتيار آخر تمثله الولايات المتحدة وهذا يستند إلى التحفظات والمحاذير التي أوردتها أعلاه. لقد شكلت أزمة دارفور فرصة طيبة لتحقيق الهدف، نظراً لأن التيار الأميركي المعارض نفسه يجد نفسه أقرب إلى التيار الأوروبي إذا ما ضمن استثناءه بصورة واضحة في أي قرار إحالة يصدر عن مجلس الأمن. وقد شكل وجود المانيا عضواً غير دائم بمجلس الأمن (2004 – 2005) سنداً قوياً لفرنسا وبريطانيا، حيث تصدت المانيا لمسألة دارفور وتبنت في تصديها هذا كل ما يرد في تقارير المنظمات غير الحكومية من معلومات مغلوطة حول حقيقة النزاع وجذوره، ومضى الأمر إلى أن طرحت المانيا في مجلس الأمن مقترح إرسال لجنة تحقيق دولية تضم ممثلين للدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى دارفور لكي ترفع هذه اللجنة تقريراً إلى مجلس الأمن بعد زيارات ميدانية لدارفور وإجراء التحريات اللازمة حول وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسانية. وتبلورت الفكرة الألمانية في مشروع قرار تبنته الدول الأوروبية وانضمت لتبنيه لاحقا الولايات المتحدة يدعو لإرسال لجنة التحقيق الدولية إلى دارفور، وبالفعل تم اعتماد القرار 1564 الذي تم بموجبه إيفاد لجنة التحقيق الدولية إلى دارفور، تلك اللجنة التي لم تمض في السودان سوى ثلاثة أسابيع قضت جلها في الخرطوم، وعادت لتقدم لمجلس الأمن فور وصولها تقريرا يناهز المائتى صفحة حيث أشارت في ذلك التقرير، إلا أنها لم تحصل على ما يشير إلى أن هناك إبادة جماعية ولكنها تحدثت عن انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم واسعة النطاق! وما هي الحرب إن لم تكن قتلا وانتهاكات لحقوق الإنسان؟ فأينما وجدت الحرب وجدت بلا شك انتهاكات حقوق الإنسانية والجرائم الواسعة النطاق، ومضت اللجنة لأبعد من ذلك بأن أرفقت مع التقرير قائمة بأسماء واحد وخمسين منفذا أو فرداً ترى أنهم ذو صلة بهذه الجرائم.

    غير أن تقرير لجنة التحري الدولية صادف أيادي تنتظره على أحر من الجمر، وليكن السودان كبش الفداء، الذي يدشن فيه عمل المحكمة بصورة موسعة، بحيث تأتى الإحالة من مجلس الأمن باعتباره الجهاز الأعلى القائم على صون الأمن والسلم الدوليين، وهنا قمة هرم التسييس، إذ أن مجلس الأمن ليس جهازا عدلياً، كما أن لجنة التحري التي زارت دارفور وقدمت ذلك التقرير لم تكن تعمل بموجب معايير متفق عليها حتى بين أعضائها الخمسة عشر. وعلى الفور بدأ الأوروبيون في مجلس الأمن يخططون لإصدار قرار من المجلس، وتقدمت فرنسا بمسودة القرار القاضي بذلك غير أنها وفي ضوء وجود بعثة حفظ السلام في السودان وجدت نفسها في مواجهة الرفض الأميركي لقرار الإحالة، بل اقترحت الولايات المتحدة وقتها إنشاء محكمة مختلطة على غرار محكمة أروشا في تنزانيا. ولما صمم الأوروبيون على المضي قدما بقرارهم تغيرت لغة الولايات المتحدة للغة أكثر حدة ضد القرار الفرنسي، بعد أن تحركت دوائر صنع القرار (البنتاغون ـ مجلس الأمن القومي ـ الخارجية) وتواترت الرسائل على البعثة الأميركية بنيويورك بأن القرار بشكله الحالي لن يجد قبولاً، وقد كانت الدول التي أيدت القرار قد بلغت إحدى عشرة دولة وهو عدد كاف لتمرير القرار إذا ما أمن شر الفيتو الأميركي، ولكن لا مأمن من الفيتو الأميركي إلا بإدخال فقرة على القرار يستثنى المواطنين الأميركيين من أي احتمالات ملاحقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية قد تطالهم بموجبه، وبالفعل أدخلت على القرار الفقرة السادسة التي كفلت للمواطنين الأميركيين هذا الاستثناء. وجدير بالإشارة هنا أن دولة مثل البرازيل أعلنت انضمامها لمسودة مشروع القرار من البداية، وعندما أدخلت الفقرة السادسة على القرار سحبت تأييدها للقرار بل عند التصويت على القرار امتنعت البرازيل عن التصويت لصالحه وقدمت بياناً أكدت فيه أنها رفضت التصويت لصالح القرار الذي كانت تؤيده حتى قبل ساعات وذلك احتجاجاً على هذا الاستثناء الذي يجعل القرار معيباً. أما فرنسا صاحبة القرار فقد اكتفت بسحب اسمها من قائمة مقدمي القرار احتجاجا على هذا الاستثناء، ولكنها صوتت لصالحه. وهكذا فقد كان ميلاد القرار 1593 الذي أحال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، فالقرار ليس سوى وليد مشوه وغير شرعي لجهة الانتماء القانوني، كون أنه ولد في منصة الحيف والمكيال السياسي الذي يستثنى القوي من العدالة ويزج بالدول الصغرى قرباناً لتفعيل المؤسسات الدولية التي ما تزال في مرحلة البحث عن دور يُقنن وضعيتها ووجودها كجهاز دولي.

    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
                  

08-07-2007, 07:33 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)

    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة السابعة) ـ دارفور والمحكمة الجنائية الدولية: القرار
    مصطفى عثمان إسماعيل - مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق

    القرار 1593 لسنة 2005، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته رقم 5158 المعقودة في 31 مارس (
    اذار) 2005 والخاص بإحالة الوضع القائم في دارفور منذ الأول من يوليو (تموز) 2002 الى المدعي
    العام للمحكمة الجنائية الدولية استند الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
    باعتبار أن الحالة في دارفور تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين. هذا القرار العجيب ينص في المادة السادسة منه على الآتي:
    «يقرر إخضاع مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان لا تكون طرفاً في نظام روما
    الأساسي أو مسؤوليها أو أفرادها الحاليين أو السابقين للولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة عن كل ما يدعى ارتكابه أو الأمتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات التي أنشأها أو أذن بها المجلس أو الاتحاد الأفريقي أو فيما يتصل بهذه العمليات، ما لم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن هذه الولاية الحصرية تنازلاً واضحاً».. إنتهى نص المادة 6 من القرار 1593. هذه المادة أثارت جدلاً كاد أن
    يعصف بوحدة المجلس باعتبارها تسييسا واضحا وتدخلا في شؤون المحكمة وانتقاصا واضحا لمعايير
    العدالة. عكست مداخلات الدول بعد إجازة القرار حتى تلك التي صوتت مع القرار هذا القلق والاحباط
    وخيبة الأمل لما احتواه القرار من استثناءات تمس مباشرة بتحقيق العدالة. ولنبدأ أولاً بمداخلة مندوب
    الولايات المتحدة حيث أنها الدولة المعنية بالاستثناءات وتبريره لهذه الاستثناءات حيث ورد في مداخلته ما يلي «ما زالت الولايات المتحدة الأميركية تعترض أساساً على الرأي القائل بأن المحكمة الجنائية الدولية ينبغي أن تتمكن من ممارسة اختصاصها القضائي على رعايا الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون. فهذا يمس طابع السيادة في جوهره، وبسبب ما يساورنا من شواغل في هذا الصدد فإننا لا نوافق على قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع في دارفور الى المحكمة
    الجنائية الدولية، وقد امتنعنا عن التصويت على قرار اليوم، وقررنا عدم الاعتراض على القرار بسبب
    حاجة المجتمع الدولي الى التضافر بغية إنهاء الافلات من العقاب السائد في السودان، ولأن القرار يوفر
    الحماية من التحقيق أو الملاحقة القضائية لرعايا الولايات المتحدة وأفراد القوات المسلحة التابعين للدول غير الاطراف» ثم يمضى الى القول «بالرغم من أننا امتنعنا عن التصويت على إحالة مجلس الأمن
    للوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية إلا أننا لم نتخل عن اعتراضاتنا وشواغلنا الراسخة
    والطويلة الأمد بشأن المحكمة الجنائية الدولية، وما زلنا نصر عليها. ونعتقد ان نظام روما الأساسي نظام معيب ولا يوفر أشكال الحماية الكافية من إمكانية إجراء محاكمات ذات طابع سياسي. ونؤكد من جديد اعتراضنا الاساسي على تأكيدات نظام روما الاساسي بأن للمحكمة الجنائية الدولية اختصاصا قضائيا
    على المواطنين التابعين للدول التي لم تصبح اطرافا في نظام روما الاساسي، بمن فيهم المسؤولون
    الحكوميون. ولا يقع على الدول غير الاطراف أي التزام فيما يتعلق بتلك المعاهدة ما لم يقرر مجلس
    الامن خلاف ذلك وهو الجهاز الذي اناط به اعضاء هذه المنظمة المسؤولية الاساسية عن صون السلم والامن الدوليين». ورفضت الولايات المتحدة أن تتحمل أي نفقات تترتب على تلك الاحالة وهددت أي منظمة تساهم فيها الولايات المتحدة بايقاف التمويل إن هي شاركت في تمويل إجراءات المحكمة. فالولايات المتحدة تعترف بوضوح بإمكانية إجراء محاكمات ذات طابع سياسي بواسطة محكمة الجنايات الدولية وهذا هو أحد الاسباب الذي تستند إليه الحكومة السودانية، وهي أن السودان ليس عضوا مصادقا على إتفاقية انشاء محكمة الجنايات الدولية «حلال على بلابله الدوح، حرام على الطير من كل جنس» تم يمضي مندوب الولايات المتحدة في مداخلته فيقول «إن القرار إذ يعترف بأن الدول غير الاطراف لا تقع عليها التزامات وفقاً نظام روما الأساسي، يقر ويقبل بأن قدرة بعض الدول على التعاون مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية ستكون مقيدة فيما يتعلق بالقانون المحلي المطبق. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإننا مقيدون بقانون الولايات المتحدة الذي يعكس قلقاً عميقاً إزاء المحكمة». ويختتم المندوب الأميركي مداخلته بقوله «هذا القرار يوفر حماية واضحة لأشخاص من الولايات المتحدة ولن يخضع للتحقيق أو المقاضاة أي شخص من الولايات المتحدة يقدم الدعم للعمليات الجارية في السودان بسبب هذا القرار. ولكن هذا يعني إعطاء حصانة للمواطنين الأميركيين الذين ينتهكون القانون، وسوف نستمر في اتخاذ إجراءات تأديبية لرعايانا عندما يكون ذلك مناسباً». هذه مقتطفات من مداخلة المندوبة الأميركية (السيدة باترسون) وهي تشير بوضوح بأن إجراءات المحكمة لا تنطبق على رعايا الولايات المتحدة لأنها ليست عضواً فيها. وأنها ليست عضواً لأنها ترى أن نظام المحكمة نظام معيب ولا يوفر أشكال الحماية الكافية من إمكانية إجراء محاكمات ذات طابع سياسي وأنها لكل ذلك لم تصوت مع القرار بل امتنعت عن التصويت وأنها لم تستخدم حق الاعتراض لأنها تحصلت وفق منطوق القرار على استثناءات تستثني مواطنيها من الملاحقة القضائية خارج نطاق قضائها المحلي. نواصل بعدئذٍ في مداخلات الدول الاعضاء حول هذا القرار. بعد بيان مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن عقب إجازة القرار 1593 الخاص بإحالة الوضع في دارفور، أتيحت الفرصة لأعضاء المجلس الذين يودون الإدلاء ببيانات بعد التصويت. وقد جاء في مداخلة مندوب الجزائر السيد باعلي ما يلي «تعتقد الجزائر بأن الاتحاد الأفريقي هو المحفل الأنسب للاضطلاع بهذه المهمة الحساسة والدقيقة ونحن على اقتناع بأن الاتحاد الأفريقي قادر على تلبية احتياجات السلام بدون التفريط بمتطلبات العدالة التي ندين بها جميعاً للضحايا. وصحيح أنه لن يكون هنالك سلام بدون عدالة ولكن من الصحيح أيضا أنه لن تكون هنالك عدالة بدون سلام. لقد قدم الرئيس أوباسانجو، باسم الاتحاد الأفريقي، اقتراحاً يقوم على أساس التوفيق بين هذين المطلبين الأساسيين والإدراك أنه لا بد من توخي الحذر الشديد لدى اتخاذ الإجراءات. إننا نعرب عن الأسف لأن أعضاء المجلس أعرضوا عن إجراء دراسة عميقة للمقترح أو تقييمه في ضوء الإمكانيات التي يتيحها من أجل بلوغ الهدف المشترك المتمثل في مكافحة الإفلات من العقاب خدمة للسلام والمصالحة الوطنية.. كما أننا نؤكد أنه لا يمكن للمرء الادعاء بدعم الاتحاد الأفريقي وترك المهمة له بأن يقترح الحلول الأفريقية لمختلف الأزمات التي تعرضت لها القارة ثم يأتي بعد ذلك ليطرح جانباً مقترحاته المقدمة إلى مجلس الأمن بدون التكرم حتى بالنظر فيها. وفي هذا السياق أود التذكير بأنه عندما تفجرت الحالة في دارفور كان الاتحاد الأفريقي هو الوحيد الذي تجرأ على إرسال الجنود من أجل المحافظة على وقف إطلاق النار وحماية السكان المدنيين، وقد فعل ذلك حيال أزمة معقدة، وكان الوحيد الذي تمكن من إقناع الأطراف بأن تدخل في مفاوضات من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة. إن ما ينطبق على الحالة في السودان يسري أيضا على كل الصراعات في أفريقيا، التي تمكن رؤساء الدول الأفريقية من خلال عمليات الوساطة الدائبة من إيجاد الحلول لها. كما أن النهج الأفريقي القائم على أساس العدالة والمصالحة هو الذي مكَّن الفئات الاجتماعية التي تقاتلت بشراسة من أن تبذل جهوداً بعد إحقاق العدالة من أجل أن تتعلم العيش معاً من جديد. بيد أن القرار الذي اتخذ من فوره قد اتخذ نهجاً مخالفاً. وإزاء ذلك لم يترك لوفد بلدي إلا خيار الامتناع عن التصويت. وأود أن اختتم بياني بالأعراب عن الأسف، ذلك الأسف النابع من القلق إزاء التوصل إلى حلول توافقية بكل ثمن من جانب الذين يدافعون عن مبدأ العدالة العالمية، والذين ضمنوا في الواقع أن يتم الكيل بمعيارين في هذا المجال، وهو الأمر الذي أُعيب به المجلس من قبل البعض. وقد تجلى على نحو غير متوقع وجود مسارين للعدالة» انتهى الاقتباس من بيان المندوب الجزائري. مندوب الصين السيد وانغ غوانغيا أوضح أن وفد الصين امتنع عن التصويت على القرار وأن موقف الصين هو دعم الجهود المبذولة من أجل تسوية سياسية لمسألة دارفور من خلال المفاوضات التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، وفي نفس الوقت وأسوة ببقية أعضاء المجتمع الدولي، نشجب بشدة الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في دارفور. وما من شك في أن مرتكبي هذه الانتهاكات يجب أن تتم إحالتهم إلى العدالة. والسؤال المطروح الآن: ما هو النهج الأكثر فعالية وعملية في هذا المجال ؟ ونعتقد أنه لدى التصدي لمسألة الإفلات من العقاب، وعندما نسعى لضمان إحقاق العدالة، من الضروري أيضا بذل كل جهد ممكن لتجنب الآثار السلبية التي قد تترتب على المفاوضات في دارفور. ومن الضروري لدى معاقبة مرتكبي الانتهاكات الحرص على تعزيز المصالحة الوطنية. كما أنه من الضروري أثناء السعي إلى تسوية مسألة دارفور المحافظة على النتائج التي تم إحرازها بعد جهود شاقة في عملية السلام بين الشمال والجنوب. وفي ظل هذا الموقف واحتراماً لسيادة القضاء الوطني، نفضل أن نرى مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان يمثلون للمحاكمة أمام النظام القضائي السوداني. ولاحظنا أن القضاء السوداني اتخذ مؤخراً إجراءات قانونية ضد أفراد ضالعين في تلك الانتهاكات. ولضمان عدالة المحاكمات وشفافيتها ومصداقيتها يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم المساعدة التقنية الملائمة وأن يوفر الرصيد اللازم. وبالطبع يمكن أيضاً للفريق الأفريقي المعني بالعدالة الجنائية والمصالحة الذي اقترحته نيجيريا باسم الاتحاد الأفريقي، أن يكون مخرجاً في هذا الشأن. نحن لا نؤيد إحالة مسألة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بدون موافقة الحكومة السودانية، لأننا نخشى أن ذلك لن يعقد الجهود المبذولة لضمان تسوية مبكرة لمسألة دارفور تعقيداً شديداً فحسب بل ستكون له أيضا عواقب لا يمكن التنبؤ بها على عملية السلام بين الشمال والجنوب في السودان. وينبغي الإشارة إلى أن الصين ليست دولة طرفا في نظام روما الأساسي، وأن لديها تحفظات كبيرة فيما يتعلق بأحكام معينة من أحكامه. ولا يمكننا أن نقبل أية ممارسة لولاية هذه المحكمة ضد إرادة أطراف من غير الدول الموقعة، وسنجد صعوبة في الموافقة على أي تفويض من مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية بمثل هذه الممارسة لولايتها. لتلك الأسباب لم يكن لدى الصين بديل سوى الامتناع عن التصويت على مشروع القرار المقدم من المملكة المتحدة. انتهى بيان المندوب الصيني، ومن الواضح فيه أنه يرى المعالجة في مقترح الاتحاد الأفريقي، وأن تتم المحاكمات أمام النظام القضائي السوداني وعدم قبول أي تفويض من مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية لممارسة ولايتها. أما مندوب الفلبين السيد باجا فقد سرد في مداخلته قصة طريفة تعبر بحق عن نظرة غالبية أعضاء مجلس الأمن لهذا القرار الذي سماه بـ«المولود ذكر» في القصة التي رواها، وهي أن زوجين في منتصف عمرهما ولهما ابنتان مراهقتان شديدتا الجمال. ولكنهما قررا أن يحاولا للمرة الأخيرة إنجاب الابن الذي أراداه دائماً. وبعد أشهر من المحاولات، حملت الزوجة وأنجبت طفلاً بعد تسعة أشهر أسرع الأب المبتهج إلى مستشفى الولادة ليرى ابنه الجديد. وألقى نظرة عليه ولكنه أُصيب بالرعب عندما وجده أقبح طفل رأته عيناه على الإطلاق. فذهب إلى زوجته وقال لها لا يمكن أن يكون هذا طفله. وصاح قائلاً «أنظري لهاتين الابنتين الجميلتين اللتين أنجبتهما» ثم نظر إليها نظرة قاسية وسألها «هل كنت تخدعينني؟» فابتسمت الزوجة بلطف وقالت «ليس هذه المرة».. ومضى يقول «إن الفقرة 6 من منطوق القرار تقوض مصداقية المحكمة ربما تقوضها بهدوء ولكنه مع ذلك تقوضها.
    الفقرة 6 صنفت بشكل ملتو استقلال المحكمة على أنه يخضع لأهواء مجلس الأمن السياسية والدبلوماسية.
    وأخيراً اكتفي بمقتطفات من بياني مندوبي بنين ورئيس المجلس البرازيلي لنكون بذلك قد غطينا أفريقيا
    وآسيا وأميركا الجنوبية والدول العربية، إضافة إلى مواقف دولتين من الدول الدائمة العضوية احداهما تعتبر معادية والأخرى صديقة للسودان. ذكر مندوب بنين السيد أرشى في بيانه «يؤسفنا حقيقة أن النص الذي اعتمدناه يتضمن حكم الحصانة من الولاية القضائية مما يتعارض مع نظام روما الأساسي. أما مندوب البرازيل السيد ساردنبرغ فقد أوضح أن البرازيل لم تتمكن من الانضمام إلى الدول التي صوتت تأييداً للقرار لأنها ترى أن حفظ السلم الدولي ومكافحة الإفلات من العقاب لا يمكن النظر إليهما بوصفهما غايتين متناقضتين. وأن البرازيل ترى في الحصانات الممنوحة تدخلاً من جانب المجلس في الأساس
    الدستوري لهيئة قضائية مستقلة، ويمثل أيضاً موقفا لا يتفق مع المبادئ المتعلقة بهذه المسألة. نكتفي بهذا لننتقل لمعرفة موقف السودان من القرار. كان مندوب السودان لدى المنظمة الدولية، السفير الفاتح محمد أحمد عروة، قد أرسل رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي يطلب فيها دعوته إلى الاشتراك في الجلسة التي خصصت للنظر في مسودة القرار 1593، ووفقاً للممارسة المتبعة وافق المجلس على ذلك بدون أن يكون له حق التصويت وفقاً للأحكام ذات الصلة من الميثاق والمادة 37 من النظام الداخلي المؤقت
    للمجلس. وبعد التصويت على القرار وفي نهاية البيانات التي ألقيت من قبل أعضاء المجلس أعطيت
    للسفير الفاتح عروة الذي جاء في بيانه أمام المجلس «مرة أخرى يتمادى مجلس الأمن في اتخاذ المزيد
    من القرارات غير الحكيمة في حق بلادي، والتي تكافئها على وضعها حداً لأطول نزاعات أفريقيا بالمزيد
    من العقوبات والإجراءات التي تزيد الوضع تعقيداً على الأرض.. إن العالم بأسره يدرك جيداً أن
    الخلافات التي استمرت زهاء الشهرين حول موضوع المحاسبة لا علاقة لها ابدا بتحقيق الاستقرار في
    دارفور. وهناك قرارات ظلت مجمدة لسنين، فالخلاف حول المحكمة الجنائية الدولية قديم ومعروف..
    وجاءت مسألة دارفور ليتم توظيفها لإقرار المبدأ المختلف عليه منذ سنين فقط وليس لمجرد العدالة. ولعل من مفارقات القدر أن تكون اللغة التي تمت المساومة بها في هذا القرار هي نفس اللغة التي عصفت بالمجلس من قبل، في قضية أفريقية أخرى، والجميع يعلم ذلك تماما.العدالة هنا كلمة حق أريد بها باطل.. كما أن القرار الذي تم اعتماده الآن جاء حافلاً بالاستثناءات باعتبار أن الدولة المعنية بتلك الاستثناءات ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية. وبنفس المنطق نذكر المجلس بأن السودان أيضاً ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي يجعل تنفيذ قرار بهذه الكيفية محفوفا بجملة من العقبات الإجرائية والتحفظات المشروعة، ما دام المجلس يؤمن بأن ميزان العدل والقانون يقوم على الاستثناءات واستغلال أزمات الدول النامية وابتلاءاتها من نزاعات وحروب أهلية في معادلات تسوية المواقف السياسية والمساومة بين الدول الكبرى. وتبقى المسألة الأساسية التي أقرها المجلس اليوم ليست مسألة المحاسبة في إقليم دارفور، ولكن، لتبيان الحقيقة، أن هذه المحكمة الجنائية مخصصة أصلاً للدول النامية والضعيفة، وأنها أداة لممارسة ثقافة الاستعلاء وفرض الاستعلاء الثقافي. إنها أداة لمن يعتقدون أنهم يحتكرون الفضائل في هذا العالم المليء بالظلم والطغيان. إن مجلس الأمن، باعتماده هذا القرار، يكون قد ضرب بالموقف الأفريقي عرض الحائط مرة أخرى. فالمبادرة التي تقدمت بها نيجيريا من موقعها كرئيس للاتحاد الأفريقي لم تحظ حتى بمجرد النظر إليها، ناهيك عن منحها الاهتمام وعقد مشاورات ولو قصيرة لتقييمها، في الوقت الذي يوجد فيه الاتحاد الأفريقي على الأرض في دارفور ويؤدي دوراً أكد فعاليته وجدواه مبعوث هذه المنظمة في كل تقاريره.. كما أن اعتماد القرار هذا تم في وقت قطعت فيه المحاكمات شوطا بعيدا من قبل القضاء السوداني. والقضاء السوداني قادر ومؤهل ومصمم على إكمال المحاسبات وإنفاذ الأحكام بدون استثناء، ونشكر الدول التي استعمرتنا من قبل وعلمتنا القوانين! ولكن البعض هنا أراد تفعيل المحكمة الجنائية الدولية واستغلال موضوع دارفور مجرد ذريعة رغم علمهم بأن مثل هذا الاستغلال لقضايا الشعوب والمتاجرة بالأزمات والنزاعات لمجرد الكسب السياسي والمساومة السياسية هو فعل أبعد ما يكون عن العدالة والإنسانية، ناهيك عن صون الشرعية الدولية والأمن والسلم الدوليين إلى غير ذلك من الشعارات والمسميات. تعلمون أن موضوع المحاسبات مضمار طويل ومعقد لا يكتمل بين ليلة وضحاها. وفي الوقت الذي يلهث فيه مجلس الأمن لمحاسبة بلادي وحثها على إنفاذ المحاكمات وتحقيق الأمن والاستقرار بين ليلة وضحاها في إقليم تقارب مساحته مساحة العراق، نجد هذا المجلس يستمر في ممارسة سياسة المعايير المزدوجة، بل ويتمادى مجلس الأمن في أن يؤكد أن الاستثناءات هي فقط للدول الكبرى، وأن هذه المحكمة هي فقط عصا مخصصة للدول الضعيفة، وهي أيضا امتداد لهذا المجلس الذي ظل دوما يستصدر القرارات والعقوبات ضد الدول الضعيفة فقط، في الوقت الذي تضرب فيه الدول الكبرى، أو تلك التي تتمتع بحمايتها، عرض الحائط بقرارات هذا المجلس،
    بل وتستخف بها وتعتبرها حبراً على ورق.. إننا نسمع كثيرا هنا تعابير مثل «مصداقية المجلس» و«الثقة
    بالمجلس» تصدر عن أعضاء في هذا المجلس في هذه القاعة. فهل بقيت هنالك ثقة ومصداقية؟ وأقول
    للذين يتحدثون عن هذا القرار بأنه يرسل رسالة للجميع وأنه، بعد هذا القرار، لن يفلت شخص من
    العقاب ـ أقول لهم ان يضيفوا عبارة «إلا إذا كان من فئة معينة من الدول» إلى تلك العبارة، حتى تخلو من النفاق.. إن التاريخ حافل بالإمبراطوريات السابقة التي مارست الهيمنة والاستعمار. ولقد كانت ولادة هذه المنظمة على أنقاض إمبراطورية الرايخ الثالث. ونحن قد نشهد عصرا جديدا من الهيمنة تظهر بثوب جديد ربما ينقلب فيها التاريخ ليفرز منظمة دولية جديدة على أنقاض إمبراطورية جديدة.. ختاماً، لعلي، كما أشرت في بياني السابق، أجدد التأكيد بأن مثل هذه القرارات غير الحكيمة تحمل بين جوانبها كل الحيثيات التي تصعب عمليا من تنفيذها. كما أن من شأنها إضعاف فرص التسوية وتعقيد الأمور المعقدة أصلا».. (إنتهى بيان مندوب السودان). لقد جاء القرار 1593 في وقت تتهيأ فيه البلاد لقطف ثمار اتفاقية السلام الشامل التي أوقفت حرباً استمرت لأكثر من عشرين عاماً. جاء القرار 1593 ليشنق الحلم ويغتال بريق الأمل وليزرع بدلاً منه الإحباط ويضع العراقيل أمام معالجة قضية دارفور. كان وقع القرار على الناس صاعقاً ومستفزاً ومؤكداً على الاستهداف. كانت الحكومة قد سبقت وشكلت لجنة تحقيق
    وطنية برئاسة المحامي ـ رئيس القضاء الأسبق دفع الله الحاج يوسف. لقد أرسل القرار 1593 إشارة
    خاطئة للمجموعات المتمردة في دارفور والخارجة على القانون مما شجعها على التمادي في رفض كل
    المبادرات المؤدية الى الحل السلمي للقضية. القرار جاء مجافياً لأسس العدالة والموضوعية ومبادئ
    الإنصاف، حافلاً بالاستثناءات المخجلة والمفضوحة ومتجاوزاً للمساعي المخلصة للاتحاد الأفريقي. في
    الوقت الذي تشير فيه المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الى ضرورة تحقيق المساواة بين الدول في السيادة نجد أن القرار 1593 ينتهك مبدأ المساواة والسيادة حين يقرر إحالة مواطنين ومسؤولين
    سودانيين للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية ويستثني في ذات الوقت وفي ذات القرار الأشخاص
    المنتمين للولايات المتحدة في الخضوع للتحقيق أو إقامة أي دعوى ضدهم بخصوص العمليات في السودان. تجاهل القرار الفقرة (3) من المادة (52) من الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة التي تحض مجلس الأمن على أن يشجع على الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق التنظيمات والوكالات الإقليمية (الاتحاد الأفريقي مثلاً). لكل ما سبق جاء قرار الحكومة السودانية برفض القرار لاستحالة
    التعامل معه بالكيفية التي صدر بها وتعبئة الجماهير وحشد إرادتها وتوضيح خطورة القرار على القضاء
    السوداني وعلى سيادة السودان وأمنه واستقراره.التأكيد على أن لا أحد فوق القانون مهما كان موقع ذلك الشخص. وكل من ارتكب جرماً لا بد من أن ينال جزاءه العادل فلا توجد حصانة لأحد. وأن القضاء السوداني قادر وراغب في تحقيق العدالة في دارفور وفي كل أنحاء السودان. وما تنبأت به وتخوفت منه
    الحكومة السودانية من تسييس لهذه القضية قد حدث. ففي بداية العام 2007م أصدر المدعي العام لمحكمة
    الجنايات الدولية نتائج تحقيقاته التي تمت خارج السودان وانتهت هذه التحقيقات باتهام شخصين فقط
    أحدهما وزير في الحكومة السودانية والثاني ينتمي الى قبائل أو مجموعات كانت تقاتل التمرد. ولم تشر تحقيقات المدعي العام لأي مسؤول في الحركات المتمردة رغم أنها، أي الحركات المتمردة، تقر بأنها هي
    التي بدأت التمرد وعمليات العنف والتقتيل والدمار. الأمر الذي زاد شكوك الحكومة السودانية تأكيداً بأن العملية سياسية قبل أن تكون قانونية، وجاء موقف الحكومة السودانية متسقاً مع موقفها الرافض للقرار
    1593، رافضاً لنتائج تحقيقات المدعي العام وكل ما يترتب على ذلك، وتأكيد رفض تسليم أي مواطن
    سوداني لكي يحاكم خارج السودان.
                  

08-08-2007, 06:35 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)

    من التقاليد المهمة في دارفور ما يسمى «بالراكوبة والعوائد» وهي ما يتفق عليه لمعالجة المنازعات المتعلقة بالتعدي على الممتلكات بسوء نية
    مصطفي عثمان إسماعيل *
    تشكل القبيلة رقما يصعب تجاوزه في ظروف دولة كالسودان، بمساحتها الشاسعة وضعف البنية التحتية وظروف وإفرازات التحول ببطء من مجتمعات تقليدية إلى مجتمعات حديثة. وكما هو معلوم تعتبر القبيلة وحدة اجتماعية واقتصادية وسياسية (مجتمع بأكمله). مجتمع متماسك بولاء طوعي يجذب الفرد نحو الجماعة لما يوفر من حماية وضمان وهوية وهدف ووسيلة لتحقيق الذات.
    ورغم أن مجتمع القبيلة مجتمع محافظ في مجمله، ومتماسك كغيره من المؤسسات الاجتماعية، فإنه يتفاعل مع ما يجد ببطء وروية، ولا يعني ذلك مجتمعاً منغلقاً منكفئاً على نفسه.
    تحكم مجتمع القبيلة قيم ومبادئ تنظم الحياة داخل كل مجموعة، وفي نفس الوقت ترتب العلاقات البينية بين المجموعات القاطنة في النطاق الجغرافي المشترك بغية المساكنة والمعايشة عبر آليات انسجام اجتماعي وتعايشي.
    نظمت حياة القبائل والجماعات ثلاث مؤسسات أصيلة، نشأت من داخلها وتطورت معها عبر الزمن وهي: الدار والأعراف والإدارة التقليدية للقبيلة. هذه المؤسسات تكمل بعضها بعضا، فالدار (بمسمياتها المختلفة من حاكورة، ارض القبيلة... الخ) تمثل الإطار الجغرافي للقبيلة. وتمثل الأعراف الشرائع والقوانين والإجراءات والتدابير الفطرية المنظمة لكل مناحي الحياة في داخل المجموعة الواحدة أو بينها والمجموعات الأخرى. وتشكل الإدارة التقليدية للقبيلة، التي تعرف اصطلاحا عند أهل الحضر وأروقة الحكم، بالإدارة الأهلية، الآلية التي تسوس الدار باسم القبيلة من خلال تطبيق الأعراف عليها وعلى غيرها من القبائل. وشكلت هذه المؤسسات الثلاث أسباب الاتزان الاجتماعي داخل القبيلة الواحدة والعلاقات البينية مع القبائل الأخرى.
    إن من أهم أسباب تحقيق السلام الاجتماعي بين القبائل خصائص المجتمعات المذكورة وهي:
    1- الانفتاح والمرونة اللذان تميزت بهما القبائل صاحبة الدار، والتسامح العرفي الذي عضدته القيم النبيلة من الموروث القبلي والقيم الدينية، فضلا عن سهولة سبل كسب العيش في ظل طبيعة معطاء بفضل الله، ومن ثم غياب التنافس والمزاحمة على الموارد. يضاف إلى ذلك بساطة وسائل تبادل المنافع ومتطلبات الحياة.
    نجم عن كل ذلك استعداد فطري لمشاركة الغير في خيرات القبيلة. وهذه الرغبة في المشاركة عن رضا، كانت من أكبر عوامل التماسك الاجتماعي. ونظمت هذه الرغبة الفطرية لاستعمال الموارد الطبيعية جماعياً، أعراف تفرق بين ملكية العين وحق الانتفاع، حيث إثبات الملكية للمجموعة صاحبة الدار، وتبقى المنفعة تسامحاً مشاعة لكل من سكن المجموعة.
    2 ـ احترام الوافدين وقبولهم الالتزام بأعراف وتقاليد أهل الديار والاستقرار والمساكنة بالرضا، والموافقة على الانضواء تحت راية النظام الاداري العرفي السائد، والتشرب بالثقافة والقيم السائدة أو على الأقل مسايرتها وتجنب استفزازها او تحديها، يضاف الى ذلك في كثير من المناطق تعاهد الوافد والمستقبل على وحدة المصير في (الدية والولية) اعلانا للتزاوج والانصهار والموافقة. 3 ـ مرونة الاعراف وتطورها الذاتي ومواكبتها للمستجدات لاستيعابها في تطوير «تشريعاتها» دائما في حدود الممكن بالتراضى والتوافق، من دون اصرار على حرفية التطبيق.
    4 ـ النظام الاداري الذي يساس من خلال المجتمع ويطبق العرف، نظام مبني على الرضا والالتزام من قبل المواطنين وقيادات قبائلهم. فزعيم القبيلة ومن يعاونه رموز للقبيلة وقادة طبيعيون للمجتمع، ولذلك تتعين طاعتهم لانهم يستمدون شرعيتهم من رعاية أعراف وتقاليد المجتمع. هذه الآليات حفظت التوازن الاجتماعي. ولم تعرف العرف والتقاليد كحاجز عند التعامل مع الانسان.. وبمعنى آخر انها مبرأة من العنصرية، ورتبت العلاقة البينية بين القبائل، بغض النظر عن الجنس.
    ولا نقصد أن نقرر أن هذه الآليات منعت حدوث المنازعات والاحتكاك والحروب بين القبائل وفي داخل القبيلة الواحدة، بل نشير الى انها عملت لدرء حدوث المنازعات، واحتوائها والحد من آثارها السالبة عند حدوثها ومعالجتها. وأدت قوة مؤسسات الضبط الاجتماعي أعلاه، الى استقرار الأرياف والبوادي، من خلال القيادة الحكيمة لزعماء وقيادات العشائر والقبائل، وعبر علاقاتهم الأفقية المستمدة عبر القبائل من خلال الصداقات والمصاهرات والحكمة في إدارة شؤون الحياة وفق أعراف رسخت في الوجدان القبلي.
    ولعل الاعراف هي المنشئة لقوة التماسك لهذه المجتمعات، والسؤال البدهي هو لماذا؟ هناك عوامل أدت الى ضرورة حكم الاعراف وتراضي القبائل عليها، ومنها:
    1 ـ الجيرة والتداخل واستحالة تجنب الاحتكاك والتنازع والصراع كواقع وسمة ملازمة للتجاور و«المجاورة الاسنان للسان، غلطت الاسنان على اللسان». فلولا وجود الاعراف لتهالكت المجموعات في دوامات العنف والاحتكاك.
    2 ـ الظروف الطبيعية وما ينجم عنها من احتمالات تؤدي الى الاعتماد المتبادل بين السكان. فالتغيرات المناخية الموسمية من أمطار وآفات، تحتم الحاجة لآلية لتقليل درجة المخاطرة، وتنشئ تعاونا لقسمة الموجود في سنوات العسرة واستغلال الموارد في المنطقة الجغرافية الواحدة التي أنشئت، بل حتمت أن تكون العلاقة تكاملية (symbiotic) لا تنافسية (competitive).
    3 ـ السبب الغريزي ـ المحافظة على النوع (survival) يتطلب درجة عالية من التسامح والتساهل في استرداد الحقوق، وجبر الخواطر، وإزالة المرارات بين المجموعات المتساكنة في مكان واحد. فلو أصر كل فرد على التمسك بحقه كاملا ـ العين بالعين والسن بالسن ـ ربما سيفقد أفراد الجماعات الكثير من الانفس لذلك إعمال الفضل بين الناس تسامحا (آلية محافظة على النوع).
    4 ـ المقاضاة الحديثة فضلا عن انها لا تعالج جذور المشكلة، لأن على القاضى الحكم بالظاهر، فإن طريقة المقاضاة ومؤسستها غريبة على هذه المجتمعات (إثبات اركان الجريمة.. الاجراءات والمحاماة وغيرها) ويضاف لكل ذلك أن المقاضاة لا تزيل المرارات من الانفس ولا تحقق الاستقرار، لكون احتمال اللجوء الى أخذ الثأر والانتقام سيظل قائما. زد على ذلك ايضا أن المقاضاة مكلفة ومرهقة ماديا وجسديا لبعد مسافات المحاكم.
    5 ـ الوجدان: الأعراف وجدانية مرتبطة بالذات وتراث مكون من النفسية عند أهل البدو والقرى، ومن أهم وجدانياتها ابقاء سبل ومنافذ الاتصال فاتحا وموصلا في احلك اللحظات.
    تشترك كل قبائل السودان في احتكامها الى العرف ورضائها به، وإن اختلفت التفاصيل حسب الظروف الخاصة لكل منطقة. ولم تقنن الأعراف في شكل مواد قانونية تضبط حياة هذا الكم الهائل من القبائل. ودارفور جزء أصيل بل ومهم في كل ما ذكر، إذ يبلغ عدد الادارات الأهلية في دارفور 42 إدارة حتى 1990.
    ويعني ذلك أن نسبة الادارات الأهلية بولايات دارفور تبلغ 41% من جملة الادارات الأهلية في شمال السودان، مما يعطي دارفور وضعا خاصا وواقعا يصعب تخطيه.
    تنظم الاعراف والتقاليد والسوالف (السوابق)، جل حياة هذا الكم الهائل من القبائل وما زالت الاقوى في ترتيب المعاملات بين افراد هذه القبائل في ما بينها وبين من يجاورها من قبائل أخرى. وهذه الأعراف هي وسائط التحوط والوقاية من التصادم والاحتراب وأيضا وسائل تخفيف حدة التوتر والحروب واحتوائها وحلها كما سنوضح.
    توجد آليات للتحسب والوقاية من الاحتكاك والتصادم بين المجموعات القبلية نوجز أهمها في الآتي:
    1. تنظيم استخدامات الأرض بين الرعاة والزراع من دون تقاطع أو تصادم بين مصالح الفئتين. حددت الاعراف مسارات عبر المزارع لمرور الحيوان اثناء ترحال الرعاة، يلزم بعدم الانحراف عنها حفاظا لحقوق الزارع. ويلزم في المقابل الزارع بعدم التعدي على هذه المسارات بالزراعة لكي لا يضيقوا على حركة الحيوان. وامعانا في الحيطة تحدد الاعراف تواريخ مرور الحيوانات عبر المزارع وهذه التواريخ ملزمة للطرفين. وتضبط الأعراف كذلك حيازات الارض للقبائل في شكل حيازة جماعية يطلق عليها مصطلح دار أو حاكورة وفق الاعراف المو########.
    2. التحالفات والمعاهدات بين القبائل في تعهدات أخوة تجعل دماء كل فرد من القبائل المتحالفة دماً واحداً محرما إراقته لضبط سلوك الأفراد لمراعاة «الخوة» والدفاع عنها.
    3. المصاهرة وسيلة اخرى للوقاية، خاصة المصاهرة بين قيادات القبائل حتى يكونوا قدوة مشجعة لعموم أفراد القبيلة تقليدها.
    4. الصداقات والهدايا بين قيادات القبائل لترطيب العلاقة عبر الزيارات المتبادلة والهدايا والحضور في المناسبات افراحا كانت أو اتراحا كناية عن الود
    5. المهرجانات السنوية (الزفة) في كل عام وهي مرتبطة بمواسم اعياد وهي وسيلة مهمة للتآلف بين الافراد والمجموعات والقبائل. وتساهم الزفة من خلال المناخ الفرائحي من سباق الهجن والخيول والالعاب ووسائل الترويح الشعبي المتنوع في تقريب المسافة بين الناس، وترسيخ الرغبة في التعايش. وتتيح هذه المهرجانات لقيادات القبائل فرصة للاجتماع لمناقشة الهم العام لمجتمعاتهم ومعالجة القضايا بالتراضي سدا لباب التنازع.
    ذكرنا أن هذه الأعراف والتقاليد قديمة قدم وجود المجموعات السكانية في كل منطقة، تتوارثها الأجيال، وتنحتها في الذاكرة. والجديد في الأمر تدوين هذه الأعراف كضرورة لمقابلة الالتزام بالأعراف المو######## وتطويرها لتناسب حال الزمان والظروف التي يعيشون فيها، خاصة ما يهدد وجودها أو يخل التوازن الاجتماعي بينها، فيجعلون الاعراف رادعة لمن يتعدى على سلامة الانفس والثمرات. لذلك نجد تطوراً في قيمة الدية، سواء كانت دية دماء أو اصابة اعضاء الجسد او التعدي على الشرف او الشتم بالالفاظ الجارحة او إشانة السمعة او تسبيب الموت عن طريق الحيوان او المركب من دون قصد.
    وللدية مقصد ردع الجاني وحقن الدماء وتطييب النفوس وتعويض من فقدوا من يعولهم. والدية في القتل العمد انها القصاص، وفي هذا الشأن للقبائل قوائم تفصل عدد الحيوانات وسنها ونوعها في دقة متناهية.
    والأعراف تبين ما يفعل عند متابعة أثر الجاني أو الجناة. فلو اختفى عند قرية أو قربها أو في منطقة قبيلة بعينها، يطلب عرفاً في هذه الحالة من السكان اخراج الجناة، فإن لم يفلحوا في تحديد الأثر أو اخراج الجناة، توجه اليهم تهمة ارتكاب الحادث كمجموعة ويلزموا بالدية في حالة القتل، والتعويض في حالة النهب أو السرقة ردعا لهم. والقصد هنا منع التستر على الجناة من جانب، واستعمال قوة الضغط الاجتماعي على افراد الجماعات من مجتمعاتهم بضبط سلوكهم من جانب آخر. ويطلق على هذا النوع من الديات اسم الدية العجاجية ولعلها دية «القسامة» في الشرع التي عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم. إذ يقضى أن يوجه أهل المقتول الاتهام الى خمسين من رجال المنطقة التي وقع فيها القتل المجهول، ويطلب منهم اداء القسم على انهم لم يقتلوه ولا يعرفون القاتل، وبعد القسم تفرض على سكان المنطقة الدية الشرعية وتسلم لاولياء الدم.
    من الاعراف دفع كرامات وصدقات من أهل القاتل الى اهل المقتول كدليل على الالتزام والاعتراف بالذنب، وابداء حسن النية بالمشاركة في المصيبة التي حلت بأهل المقتول بتقديم واجب العزاء. ايضا في الكرامات والصدقات تفاوت في ما تقدمه القبائل في ما بينها.
    ومن التقاليد والاعراف المهمة في دارفور ما يسمى «بالراكوبة والعوائد»، وتعني الراكوبة ما يتفق عليه لمعالجة المسائل والمشاكل والمنازعات المتعلقة بالتعدي على الممتلكات بسوء نية. وتنشأ العوائد أو الرواكيب كاتفاق ينجم عن أسرتين أو أسر فخذين او بطنين من قبيلة واحدة او قبائل، في اطار التسامح والتساهل. نظام مبني على التكافل والالتزام الاجتماعي. وعلى سبيل المثال لو اتلف حيوان زرعاً، تشكل لجنة محايدة لتقدير التلف، ويعرض التقدير على الاطراف للموافقة عليه قبل اعلانه لان تقديرات الاجاويد غير قابلة للمراجعة بعد اعلانها. عند اعلان التقدير يخير صاحب الزرع بين استلام القيمة المقدرة او وضعها في حافظة «الراكوبة» كاول سابقة بينه وصاحب الحيوان. ولا يعطى صاحب الزرع الحرية المطلقة ليقرر بمفرده، إذ أنه عضو في جماعة. لذلك تعقد الاسرة اجتماعا للتداول وتسعى لاقناع صاحب الزرع بألا يأخذ الخسارة من صاحب الحيوان الذي أتلف الزرع، لتكون سابقة تبنى عليها الرواكيب بين الاسرتين او الجماعتين مستقبلاً. ويعلن في وجود اللجنة تأسيس الراكوبة بين الطرفين، إما بوضع كل قيمة الخسارة او نصفها او ربعها في الراكوبة رصيدا للأسرة او الجماعة لاستعماله في المستقبل في حالة حدوث خطأ من أحد أفراد الجماعة بقتل أو أذى حيوان للراعي. وللراكوبة حساب دقيق (دائن ومدين) لا مجال لتفصيله، وبما أن قيمة الراكوبة قيمة ثابتة لا تتآكل ولا تتقادم بمرور الزمن ـ متساو ومتكافئ ـ مما يعني تساوي الكثير مع القليل بقاعدة «ما لم تدفع قيمة الحمل لا تطلب قيمة الجمل».
    ومن التقاليد والأعراف السائدة أيضاً مبدأ «التقريب» ويعني النفي من الديار لحين معلوم ومشتق، من ذلك تغير خط سير الرعاة من المسار الذي اقترفوا فيه جناية إلى مسار آخر كعقاب، ويتم التقريب للأفراد أو الجماعة.
    الأمثلة أعلاه هي للاعراف والتقاليد التي تعمل بمثابة تشريعات وقوانين واجراءات تنظم وتضبط حياة القبائل، وضمان تطبيقها ورعايتها من قبل القيادات الطبيعية لهذه المجتمعات وهم الحكماء والوجهاء والاعيان من قادة القبائل من خلال نظامهم العشائري، وأن قائد القبيلة واعيانها يفصلون في المسائل العادية التي تنشأ بين افراد قبائلهم، بينما مؤسسة الجودية تعالج المسائل الكبيرة وفي داخل وعبر القبائل.
    يطلق اسم لفظ الجودية على عملية الوساطة من خلال طرف ثالث لحل التنازع بين طرفين أو أكثر. والجودية آليه تسخر قوة عادات وتقاليد وقيم وأعراف المجتمعات لمعالجة النزاعات بين الأفراد والجماعات، ولبناء السلام على المستوى القاعدي بين السكان في أصقاع السودان، وهي بالضرورة ضاربة الجذور بين مجتمعات دارفور منذ القدم، وأصبحت ثقافة شعبية متطورة، ومؤسسة لها أركان وفنون.
    ويقوم بالجودية وجهاء القوم، وقادة المجتمع وحكماؤه، ممن لا يشك في نواياهم الصادقة، ومقدرتهم ومعرفتهم وتجاربهم ورغبتهم في الاصلاح. ويتولى هؤلاء الصفوة عملية الوساطة بين الفرقاء، إما بمبادرة ذاتية، أو عبر الطلب من أطراف النزاع أو طرف واحد من المتنازعين، أو بطلب من أهل الخير عامة.
    وفلسفة الجودية مبنية على قاعدة أن طريقة الوصول لفض النزاع، لها نفس أهمية النتيجة المتوصل اليها في نهاية المطاف، لذلك تبرز ضرورة توسيع المشاركة لكل الاطراف المتنازعة، سواء كانوا أطرافا مباشرين أو غير مباشري، المتطرفين منهم والمعتدلين، وافساح المجال لكل رأي أو شكوى أو ملامة وعتاب. وترتكز على الحلول التوفيقية المبنية على الرضا والقبول لضمان استمرارية الحل.
    والجودية مؤسسة اجتماعية كاملة البنية، عمادها أفراد يعتبرون مراجع في الأعراف والسوابق كالدوانة عند قبيلة الفور، وهم يمثلون ذاكرة القبيلة في الأعراف، وهم حفظة السوابق (الكيفية التي حلت بها المسائل والمشاكل المشابهة في الماضي).
    وتمر الجودية، خاصة في حالات القضايا المتشعبة بأربع مراحل: مرحلة المساعي الحميدة، وهي مرحلة لتطييب الخواطر وايقاف نزف الدماء في حالة الحروب، والتعهد بعدم التعدي أو الانتقام إلى حين على الأقل، وهذه المرحلة تمهيد للقيام بوساطة للمصالحة بين الفرقاء. ولا يطلب من هذه الأطراف القبول بالدخول في صلح أو قبول جودية، وذلك لأن الأطراف في حالة توتر ومرارات، بل يعتبر قبول مبدأ تهدئة الحال وابقاء الامور على ما هي عليه (Status Quo) اشارة مشجعة لقبول التصالح مستقبلا.
    والمرحلة الثانية هي مرحلة قبول الصلح وتأتي بعد وقت معقول تجف فيه الدماء كما يقال، ويسعى الوسطاء لحصول الموافقة على مبدأ الصلح، لذلك يتصلون بأعيان «ومفاتيح» المجتمع، ومتى تم القبول يتفق على زمان ومكان الصلح، وعادة في أرض محايدة. وبعد ذلك يتم اختيار عدد من الاجاويد المقبولين للاطراف لتولي الجودية. والمرحلة الثالثة انعقاد مجلس الصلح أو مؤتمره تحت مظلة الدولة من دون تدخل في عملية المصالحة. وتهيئ الدولة المناخ الصالح من مكان وامكانات ومعيشة واعاشة، وتكتفي بخطاب من مسؤول حكومي فيه نبرات الرجاء والامل والدعاء للتوصل لحل يرضي الاطراف، مذكرا باهمية الصلح كقيمة دينية وعرقية... الخ، ثم تعرض أسماء الأجاويد لكل المؤتمرين، ليعلن أطراف النزاع موافقتهم عليها وتفويضهم. ويختار الاجاويد من بينهم رئيساً. ويحدد كل طرف اسماء مجموعته التي ستفاوض المجموعة الاخرى، ثم يتم تقسيم الاجاويد الى لجان متخصصة، وتحدد اسماء اعضاء المؤتمر الراغبين، ثم يعطى كل طرف فرصته لمخاطبة المؤتمرين.
    المرحلة الثالثة مرحلة الدخول في حوار (التفاوض)، حيث يبدأ الاجاويد بمحاورة كل طرف على حدة (Proximity)، والسماع من دون ضجر أو مقاطعة أو تعليق لوجهات النظر، ثم يجلس الأجاويد منفردين لتداول ما سمعوه، لتحسس طريقهم نحو الوفاق، ثم يجمعون الطرفين لمواجهة بعضهم بعضا من دون اساءة أو استفزاز. وتبدأ المرحلة الرابعة باجتماع منفرد للاجاويد لبلورة حلول توفيقية مستنبطة من رؤى الاطراف. وتقدم هذه الحلول لكل طرف على حدة، وتناقش وتؤخذ تعليقات الاطراف في الاعتبار، ثم تعاد صياغة مقترحات الحلول لاستيعاب الممكن من آراء الاطراف. وتدون الحلول في الصورة النهائية، لتعرض على المؤتمرين في شكل إعلان لما تم التوصل اليه حسب الاعراف، وهي حلول ملزمة للأطراف، تعتمدها الدولة وتصبح لها قوة القانون في التنفيذ.
    تداخلت عدة عوامل ومتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية اثرت سلباً على التوازن الاجتماعي والسلام الاجتماعي، مثل الجفاف والتصحر وتداعياتهما على المراعي وقلة انتاجية الارض، وبالتالي زيادة الطلب على استخدامات الارض، والتنافس بين الزراعة والحيوان. وكذلك أدخلت اقتصاديات السوق مفاهيم الانانية للكسب ولو على حساب القيم التي كانت تنظم استخدام الارض كمورد. يضاف الى ذلك الهجرة من دول الجوار الى اقليم دارفور، وزيادة اعداد اللاجئين من معارضي النظم السياسية في دول الجوار. وقد أدى ذلك لدخول قيم مختلفة، ودخول أسلحة نارية وجدت سوقاً عند المواطنين. وقد ساعد وجود الاسلحة على تشجيع النهب المسلح كظاهرة أقلقت مضاجع المواطنين، وحل الادارة الاهلية واضعافها حتى عندما اعيدت، فضلا عن ظهور مؤسسات حديثة منافسة للمؤسسات التقليدية كالمحاكم والمحاماة والمدارس، ومن زيادة اعداد المتعلمين وما ترتب على ذلك من المنافسة على القيادة السياسية، وطلب الوجاهة كقيادة أولى لتمثيل مواطنيهم... الخ. وكذلك استغلال القبائل لطلب الجاه والسلطان، وما نتج من تنافس بين المتعلمين والقيادات التقليدية، وتحالف المتعلمين مع القطاع الحديث من التجار ورجال الأعمال.. الخ فكانت النتيجة التراكمية تآكلا في الأعراف وإضعافا للمؤسسات التقليدية التي حافظت على السلام الاجتماعي عبر الأجيال. ولكن هل يعني ذلك نهاية دور هذه المؤسسات ووضعها في متحف التاريخ أم ما زال لها دور في بناء السلام الاجتماعي واستقرار المجتمعات؟
    يميل التوجه العالمي الحاضر نحو الثقة في المجتمعات المدنية ومقدراتها ومعارفها في كل مصالح الحياة. وبعد رحلة طويلة للابتعاد عن كل ما هو تقليدي بعد وصفه بالبدائية، تراجعوا لتحريك وتفجير طاقات هذه المجتمعات خاصة في مسألة فض النزاع وبناء السلام المستدام. وعليه اهتمت بعض جامعات أوروبا والولايات المتحدة بالتجارب الانسانية في فض النزاعات وتحقيق السلام الاجتماعي. وخير شاهد للذخيرة السودانية في هذا المضمار، تدريس النماذج السودانية الأهلية، ويشاهد طلاب العلم في فنون الحوار والتفاوض مجلس المغفور له الناظر بابو نمر. وتجد في الكثير من الكتب والدوريات، الحديث عن نماذج من أميركا اللاتينية وغيرها. و«التقليعة» الحالية في بريطانيا عن العدالة غير المكلفة (Zero Cost Justice) ويعني ذلك أنه مازال هناك مجال للتقاليد والاعراف ومعالجة مشاكل مجتمعاتنا، خاصة في الارياف والبراري عبر موروثاتنا.
    تستطيع القيادات الطبيعية (التقليدية) المساهمة في ثلاثة مجالات: إعادة الثقة ورتق النسيج الاجتماعي، واحتواء النزاع وحله، وبناء السلام المستديم، كما سنوضح
    أولاً: إعادة الثقة ورتق النسيج الاجتماعي من خلال المصالحات على المستوى القاعدي للجماعات. وكذلك من خلال ازالة القلق (Picnic) والخوف والشك من نفوس العائدين، وتشجيع الذين ما زالوا في المعسكرات وتطمينهم للعودة إلى ديارهم، وتأكيد الحماية لهم من قبل القوة الجمعية للمجتمع والدفاع الجماعي والذود عنهم.
    ثانياً: احتواء النزاع ومنع تصاعده تمهيداً لحله وذلك عبر معرفة الأفراد أو الجماعات التي تقوم باختراق اراضيهم، أو مهاجمتهم، وكذلك مقدرتهم للتحدث لأفراد القبيلة في حالة تمردهم ونصحهم وتشجيعهم للعودة او لقبول المصالحة عبر الحوار. إضافة لما ذكر يكون لهم دور الحوار والتفاوض لفض النزاعات حتى ذات الطابع السياسي، وقيادة فض النزاع المحلي. ولهم دور في إيقاف أو الحد من تجنيد أفراد من مجتمعاتهم في صفوف التمرد. وحال الوصول الى مصالحة، للقيادات الطبيعية دور في عملية تسريح المقاتلين، وجمع السلاح، لمعرفتهم بأفراد قبائلهم، وكذلك الخارجين على القانون من غير المحاربين أصحاب القضية السياسية.
    ثالثاً: مساهمتهم في بناء السلام المستدام، لمعرفتهم بسلوك أفراد مجتمعاتهم ومقدرتهم على معرفة الجناة الأغراب. وبما أنهم متعاونون وفي علاقات مع غيرهم من قادة المجتمعات الأخرى، يسهل عليهم معرفة الخروقات ومصادرها. وكذلك لفهمهم لأفراد مجتمعاتهم يمكن اقتراح نوع المشروعات المفيدة لادماج العائدين في المجتمع.



    * مستشار الرئيس السوداني

                  

08-11-2007, 10:56 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: sunrisess123)

    الأستاذ أيوب خليل

    شكرا على ايراد هذه الدراسة الوافية والقيمة للدكتور مصطفي عثمان اسماعيل حول موضوع دارفور، وهي تستحق منا قراءة متأنية ومن ثم مناقشتها بشكل مستفيض، شكرا مرة أخرى على هذا الجهد المقدر، ولنا عودة

    سيف الدين عيسى مختار
                  

08-12-2007, 06:36 AM

الدكتور حسام الدين مصطفي

تاريخ التسجيل: 02-26-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة التاسعة) اتفاقية أبوجا.. ماذا أعطت لدارفور؟
    80% من أراضي دارفور آمنة والعمليات العسكرية غير موجودة إلا حول بؤر للحركات المسلحة الرافضة لتوقيع اتفاقية السلام (9)
    مصطفى عثمان إسماعيل
    أقرت اتفاقية سلام دارفور التي وقعت في العاصمة النيجيرية أبوجا يوم 5 مايو (أيار) 2006م مشاركة أهل دارفور في كافة مستويات الحكم في جميع مؤسسات الدولة من خلال معايير متفق عليها، وأن تتم مراعاة المشاركة في الخدمة المدنية والهيئة القضائية والقوات المسلحة والشرطة وكل الأجهزة الأخرى للدولة مع الالتزام بالمتطلبات المتعلقة بالمؤهلات والكفاءة.
    ومما حملته الاتفاقية لأهل دارفور إيجاد نظام حكم فيدرالي يكفل تحويلاً فعليا للسلطة وتوزيعاً واضحاً للمسؤوليات بين المركز ومستويات الحكم الأخرى، وتحديد معايير وأساليب ممارسة السلطة وتقاسمها بحسب نتائج الانتخابات وفقاً لأحكام الدستور، وكفالة مشاركة النساء على نحو متكافئ وفعلي في أجهزة صنع القرار على جميع المستويات، علماً بأن النساء في دارفور يسهمن بشكل فاعل في العمل والإنتاج، إذ يعملن لساعات طويلة في الحقول والبناء والتشييد إلى حد يكاد يفوق الرجال. ومنحت الاتفاقية لدارفور منصبا سياديا يأتي في الترتيب رابعاً بعد الرئيس ونائبه الأول ونائب الرئيس، بمسمى كبير مساعدي الرئيس وهو منصب مستحدث لم يكن موجوداً سابقاً طوال عهود الحكم المنصرمة.
    كونت الاتفاقية لدارفور سلطة إقليمية انتقالية تتشكل من كبير مساعدي رئيس الجمهورية، وحكام ولايات دارفور الثلاث، رؤساء مناوبين، وعضوية رئيس مفوضية إعادة التأهيل والتوطين، ورئيس صندوق دارفور لإعادة الإعمار والتنمية، ورئيس مفوضية أراضي دارفور، ورئيس مفوضية تنفيذ الترتيبات الأمنية، ورئيس مفوضية تعويضات المتضررين من الحرب، ورئيس مجلس دارفور للسلم والمصالحة وآخرين. وتم تشكيل تلك السلطة من رئيس الجمهورية بتاريخ 1 أبريل (نيسان) 2007م وفق المادة 58/1/م من دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005، والمادة 2/2 من المرسوم الجمهوري 18 لسنة 2006م، والمادة 6 الفقرة 50 من اتفاق سلام دارفور.
    واختصاصات السلطة الإقليمية الانتقالية لدارفور وفق ما أورده قرار رئيس الجمهورية هي الاضطلاع بالمسؤولية الأولى عن تنسيق تنفيذ الاتفاق الذي تم في أبوجا، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين، وتنسيق إقرار الأمن وتعزيز السلم والمصالحة عبر أراضي دارفور، والتدابير التشريعية والتنفيذية، والتوصية بما يعزز التعاون بين ولايات السودان الأخرى ودارفور في سياق الوحدة مباشرة بين الحكومة الاتحادية وكل ولاية على حدة فيما يتعلق بالشؤون المالية والإدارية وأي مهام أخرى تتفق عليها الأطراف المتمثلة في سلطة دارفور الانتقالية، والتي حددت لها الاتفاقية بممارسة سلطاتها من دون المساس بالسلطات والمهام الدستورية لولايات دارفور الثلاث.
    ووفقا للاتفاقية سيجرى استفتاء لمواطني دارفور يجري في وقت متزامن في الولايات الثلاث في زمن لا يتجاوز شهر يونيو 2010م لتحديد مستقبل دارفور وتحديد الوضع الدائم والاختيار بالاستفتاء إما لإنشاء إقليم لدارفور المكون من ثلاث ولايات أو الإبقاء على الوضع القائم للولايات الثلاث من دون وجود إقليم.
    وقد انتقلت السلطة المكونة بكاملها إلى دارفور في الأسبوع الأخير من شهر ابريل حسب ما أعلنه الأمين العام لحركة تحرير السودان، الحركة الرئيسية التي قادت التمرد في دارفور، في تصريحات صحافية ووصف ذلك الانتقال بالخطوة الكبرى علي درب إنفاذ اتفاقية سلام دارفور.
    ويعد اكتمال التعيينات في السلطة الانتقالية لدارفور هو المكسب الأول والظاهر، وقد تم بالفعل تعيين رئيس هذه السلطة وهو في ذات الوقت كبير مساعدي رئيس الجمهورية وفق اتفاقية أبوجا ومعه رؤساء المفوضيات المشار إليها آنفاً. كما تم تعيين عدد من أبناء دارفور بالحركات المسلحة في المناصب المنصوص عليها لتمثيل الإقليم في الجهاز التنفيذي لحكومة السودان والتي قالت إنه قبل إجراء الانتخابات وبغية التعبير عن الحاجة لتحقيق الوحدة والشمولية، تضمن حكومة السودان تمثيلاً فعلياً لأهل دارفور بما في ذلك حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة الحاملتين للسلاح. ففضلا عن مناصب الوزراء الثلاثة، ومناصب وزراء الدولة الثلاثة التي يشغلها دارفوريون في الحكومة القائمة تظل مشغولة بهم، ويتم تخصيص وإضافة منصب وزير رابع ومنصبين إضافيين لوزير الدولة يكونان مرشحين من الحركتين. وقد تمت هذه التعيينات بالفعل خلال الشهرين الماضيين، كما تمت تعيينات المفوضيات، وتعيين وال لولاية غرب دارفور ونائبي وال بولايتي شمال وجنوب دارفور، وأعضاء إضافيين وفق تناسب محسوب في المجلس الوطني الاتحادي ومجلس الولايات والمجالس التشريعية الولائية الثلاث. وأعطت اتفاقية أبوجا لدارفور بولاياتها الثلاث الحق في تحصيل وإدارة الحصة الولائية من دخل البترول وأي موارد طبيعية أخرى تنتج في ولايات دارفور، وتحصيل وإدارة تكاليف الخدمات الولائية والرسوم العقارية وضرائب الملكية والرسوم الزراعية ومشاريع الحكم الولائي والمحميات الطبيعية والضرائب المتعلقة بالسياحة في دارفور، وإدارة القروض والاستدانة المحلية والأجنبية وفقا للجدارة الائتمانية للحكومات الولائية شرط أن تكون منسجمة مع إطار سياسة الاقتصاد الكلي القومي لحكومة السودان. ولولايات دارفور أيضا تحصيل الإعانات المقدمة من جانب الدولة، والمساعدات المالية الأجنبية، ومخصصات صندوق الإيرادات القومية المحصلة على المستوى القومي أو من جانب الحكومة السودانية بما في ذلك إيرادات أي وزارة أو حصة الحكومة من أرباح أي مؤسسة أو شركة ناتجة عن نشاط تجارى أو غيره تدفع في حساب صندوق الدخل القومي الذي تديره الخزينة القومية، وجوَّزت اتفاقية أبوجا لولايات دارفور إبرام اتفاقات لرفع مستوى حشد الموارد وإدارتها.
    وأكدت الاتفاقية على ضرورة قيام الحكومة الاتحادية بتحويلات مالية للوفاء باحتياجات ولايات دارفور من المصروفات بعد اعتماد إجراءات للتسوية المالية وفق ما تحدده مفوضية منشأة بناء على اتفاقية نيفاشا الموقفة لحرب الجنوب لتخصيص ومراقبة الموارد في الدولة بحيث لا تحد الإجراءات الموضوعة من الصلاحيات التي تمارسها السلطات المحلية في نطاق مسؤوليتها، وان تدعم كافة أشكال التحويلات كالتي تتعلق بالمشاريع والاعتمادات المالية بما يضمن حياة كريمة وظروفا معيشية جيدة لجميع سكان دارفور. ومنحت الاتفاقية ولايات دارفور حق رفع دعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا في الدولة في حالة قيام الحكومة القومية باحتجاز الأموال المستحقة لولايات دارفور.
    وجدير بالتذكير أن الاتفاقية ضمنت تمثيل مصالح وآراء أهل دارفور من خلال مفوضية تخصيص ومراقبة الموارد بما يحقق الإنصاف والشفافية في تخصيص الأموال لفائدة ولايات دارفور مثلما لغيرها من ولايات البلاد. ولضمان ذلك سيعين رئيس الجمهورية فريقاً من الخبراء المستقلين بناء على توصية من المفوضية وموافقة الهيئة التشريعية القومية وهي التسمية الكلية والشاملة للمجلس الوطني (البرلمان الاتحادي) ومجلس الولايات. ويتألف الفريق من اقتصاديين ذوي كفاءة عالية وخبراء من مؤسسات جامعية وحكومية ومن القطاع الخاص. وبموجب اتفاقية أبوجا صار يحق لمستوى الحكم المناسب في دارفور وفق إطار النظام الفيدرالي الاتحادي الاستفادة من التحويلات من الإيرادات المحصلة على الصعيد القومي، وحشد وجمع الإيرادات والاستفادة من موارد الصندوق القومي لإعادة الإعمار والتنمية في دارفور، والتمثيل الملائم في مفوضية تخصيص ومراقبة الموارد. وتقوم الحكومة القومية بتحويلات مالية ملائمة لفائدة الإقليم، وقد أوجبت اتفاقية أبوجا إجراء تقييم شامل لاحتياجات ولايات دارفور كمسألة أولوية قصوى بإنشاء بعثة تقييم مشتركة لتلك الاحتياجات خصوصا أن الاتفاق أشار إلى أن دارفور كلها ولا سيما المناطق التي هي في حاجة إلى بناء أو إعادة بناء يجب أن ترقى إلى نفس المستوى الذي يسمح لها ببلوغ الأهداف الإنمائية للألفية التي قررتها الأمم المتحدة للدول الأعضاء مع الإقرار بان تقاسم وتوزيع الثروة يتم على أساس المنطق المتمثل في أن جميع أجزاء السودان لها الحق في التنمية العادلة والإقرار بتفشي الفقر في السودان في عمومه وفي دارفور خصوصاً. وحازت دارفور بالفعل على 300 مليون دولار عن العام 2006 اعتمدتها الحكومة القومية في الموازنة العامة وبدا الصرف لها، ونشرت المناقصات لتجديد شبكة المياه بنيالا في الصحف، وسيتم صرف 200 مليون دولار للسنة الواحدة خلال العام الحالي 2007م والعام المقبل 2008 لصندوق دارفور لإعادة الإعمار والتنمية الذي تم تعيينه، وتتم تسوية المبالغ بناء على تقارير بعثة التقييم المشتركة.
    وقد كسبت دارفور تلك المبالغ فضلا عن الالتزامات القومية الجارية، وللمراقب أن يلاحظ أن عاصفة المطالبات المالية قد هدأت بفعل وفاء وزارة المالية الاتحادية بالحصص المقررة لولايات دارفور كاملاً ودليلي توقف الشكاوى من تأخر مرتبات بعض الجهات والمرافق في أنحاء دارفور المترامية.
    ومكسب آخر رمت به اتفاقية أبوجا في رمال دارفور ووهادها وأوديتها هو انسياب الحركة التجارية بسلام إذ خفت معدلات اعتراض الشاحنات التجارية فصارت حركة البضائع والسلع أكثر سهولة مما قبل توقيع الاتفاقية، وصارت الأغذية والسلع بمختلف صنوفها وطعومها في متناول اليد في مختلف أنحاء دارفور. ويمكنني التأكيد والجزم قاطعاً انه لا توجد بدارفور مجاعة والمعاناة الموجودة في بعض المناطق من ناحية الغذاء تقع في المناطق الواقعة تحت احتلال الفصائل المتمردة حتى الآن. ومن بشائر ما تحقق الآن أن كثيرين من المزارعين استطاعوا زراعة حقولهم واستفادوا من موسم الخريف والأمطار التي هطلت العام المنصرم وحدث تحسن واضح جداً في مستوي الغذاء، وقد أشارت التقارير بما فيها تقارير منظمات الأمم المتحدة إلى انخفاض في معدلات الوفيات.
    وتجدر الإشارة إلى أن عددا مقدرا من النازحين رجعوا إلى قراهم بعد المصالحات القبلية. فقد تمت مصالحات قبلية كبيرة في غضون الأشهر الماضية واستتب الأمن، والآن أصبح ثمانون في المائة من أراضي دارفور آمنا، والعمليات العسكرية غير موجودة إلا حول بؤر للحركات المسلحة الرافضة لتوقيع اتفاقية أبوجا للسلام. ولا يفوتني أن أذكر أن مزيدا من المجموعات التي حملت السلاح تداعت نحو السلام بعد سريان قناعة في أوساطهم والمواطنين بجدواه، وبعد بلوغهم لاستيعاب وفهم أفضل لتفاصيل الاتفاقية، وتطلع كثيرين من أبناء دارفور لإنفاذ الاتفاقية بحسبانها المخرج الأفضل والأقرب لعودة الأوضاع إلي طبيعتها، وساهمت في هذا اتصالات جرت لتحقيق ما نادت به اتفاقية أبوجا بعقد حوار تشاوري دارفوري ـ دارفوري يشارك فيه كافة أبناء الإقليم لبسط ثقافة السلام بين المواطنين.
    ومما ربحته دارفور إعفاء طلاب الجامعات من أبناء دارفور من الرسوم الدراسية الجامعية كانوا قد عجزوا عن الوفاء بها بسبب تداعيات الحرب والنزوح والهجرة والضنك المعيشي ولنضوب مصادر الدخل من تجارة أو زراعة. ويشار إلى أن كافة الامتحانات لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية قد تمت بنجاح واستتباب وصفو بلا تعكير.
    ومن المكاسب التي حققتها الاتفاقية أنها صارت مرجعا لترتيب العلاقات مع دول الجوار خاصة دولة تشاد المحاددة لدارفور، إذ صارت أي قضية تنشأ سواء أمنية أو ثنائية بين السودان وتشاد تربط بالاتفاقية، وهو الشيء الذي لم يكن في السابق، ومجرد اعتماد الاتفاقية وتشكيلها مرجعاً أسهم ويسهم في تحقيق الاستقرار ويعود بالنفع والفائدة لإقليم دارفور الملتهب منذ عقود من الزمن.
    لقد سارعت حكومة الوحدة الوطنية في السودان فور الإعلان عن توقيع اتفاق سلام دارفور بالعاصمة النيجيرية أبوجا بتاريخ 5/5/2006م، إلى إنشاء عدة آليات لتنفيذ الاتفاق، وقد جاء على رأس تلك الآليات «اللجنة العليا»، التي يرأسها رئيس الجمهورية، هذا بالإضافة إلى الآليات المشتركة مع الحركات الموقعة على الاتفاق، فضلاً عن الاتحاد الإفريقي.
    وفى إطار العمل الإعلامي الذي يستهدف نشر هذه الاتفاقية والتعريف بها، والتبصير بمحتواها، وبما تحمله من مبشرات لتسوية الأزمة بصورة نهائية، فقد تم طبع وتوزيع آلاف النسخ من الاتفاقية، كما تم عقد عدد من اللقاءات الجماهيرية والندوات وورش العمل التي هدفت إلى تسليط الضوء على الاتفاقية بمختلف مكوناتها وأبعادها.
    وتحقيقا لأحد أهم موجهات الاتفاقية ألا وهو القيام بالاتصال بالأطراف غير الموقعة عليها بغية إقناعهم وحثهم على الانضمام إليها، فقد ظلت تلك الاتصالات تتواصل مع هؤلاء منذ توقيع الاتفاق، وقد أفضت إلى انضمام العديد من الفصائل والقادة الميدانيين وكثير من الأفراد إلى ركب السلام، وما زالت الاتصالات تتواصل في هذا الصدد. ومثال ذلك فصيل «حركة تحرير السودان» ـ جناح أبو القاسم، الذي انضم لعملية السلام إثر توقيعه لاتفاق بطرابلس مع الحكومة السودانية، وهو يشغل الآن منصب والي ولاية غرب دارفور.
    وعلى صعيد الإجراءات القانونية والدستورية التي أعقبت التوقيع على اتفاقية أبوجا، صدر عفو عام عن المتمردين بقرار من رئيس الجمهورية، كما تم إطلاق سراح السجناء على ذمة تورطهم في أعمال التمرد ضد الدولة في دارفور، ومن جانبه صادق المجلس الوطني (البرلمان) ومجلس الولايات على الاتفاقية بعد أيام قليلة من تاريخ التوقيع عليها.
    وفي ذات السياق تم تعديل دساتير ولايات دارفور لكي تتماشى مع اتفاقية أبوجا، كما تم إصدار أكثر من عشرين مرسوما وقرارا من رئاسة الجمهورية في إطار تطبيق الاتفاقية.
    وفي مجال قسمة السلطة تم اتخاذ الإجراءات التالية في إطار تطبيق الاتفاقية:
    1) تعيين رئيس الفصيل الموقع في منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية.
    2) تعيين وزيري دولة في مجلس الوزراء الاتحادي.
    3) تعيين وزير بحكومة ولاية الخرطوم.
    4) تعيين 12 عضواً بالمجلس الوطني من الحركات الموقعة.
    5) تعيين رئيس صندوق دارفور لإعادة الإعمار والتنمية.
    6) تشكيل مفوضية أراضي دارفور.
    7) تعيين رئيس مفوضية إعادة التأهيل وإعادة التوطين.
    8) تخصيص منصب والي غرب دارفور للفصائل المعنية وتعيين شخص منهم ليكون والياً عليها.
    9) أصدر ولاة ولايات دارفور الثلاث كافة التعيينات الولائية المنصوص عليها في الاتفاقية في الجهازين التنفيذي والتشريعي.
    أما في مجال التنمية والخدمات، وفى إطار منح ولايات دارفور نوعاً من التمييز الايجابي، نظراً للظروف الصعبة التي ظل يشهدها الإقليم مؤخراً، فقد قررت الحكومة إعفاء طلاب دارفور من الرسوم الدراسية لمدة 5 سنوات.
    مجال قسمة الثروة، تم إكمال المسح الخاص بتحديد احتياجات دارفور، وينتظر أن يقدم التقرير النهائي حول هذا الشأن قريباً، بينما تمت الموافقة من ناحية أخرى، على قيام الاتحادات التنموية لدارفور.
    وإلى جانب ذلك، فقد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في السودان فور توقيع اتفاق أبوجا، عن تعهدها بتأمين الاحتياجات الغذائية الطارئة للمتضررين في دارفور، حيث تم تخصيص 20 ألف طن من القمح لدعم برنامج الغذاء العالمي ومعالجة الفجوة الغذائية التي عانى منها الإقليم في الفترة السابقة، وذلك كأولى ثمار اتفاقية السلام. كذلك صادقت الحكومة على تخصيص مبلغ 15 مليار دينار سوداني لبرنامج إعادة الإعمار، كما أكدت ضرورة أن تلعب المنظمات الطوعية دوراً اكبر فاعلية في مرحلة السلام بدارفور، وأشادت بالجهود المقدرة التي قامت بها المنظمات والجهات المانحة لمساعدة المتضررين. وأكدت الحكومة ضرورة الالتزام بالإجراءات الجديدة المنصوص عليها بمقتضى اتفاقية أبوجا، مشددة على أهمية التنسيق مع الإدارات والسلطات المحلية بولايات دارفور لتسهيل عمل تلك المنظمات، في إطار احترام القوانين السارية.
    وفى مجال الترتيبات الأمنية تم ما يلي:
    1) بعد توقيع الاتفاقية مباشرة صدرت الأوامر بوقف إطلاق النار.
    2) تم تكوين العديد من اللجان الحكومية والمشتركة مع الحركات للتنفيذ.
    3) قدمت الحكومة الخطط والمعلومات المتعلقة بتطبيق الترتيبات الأمنية، بما فيها خطط استيعاب مقاتلي الحركات السابقين، ويجري الآن التشاور حولها مع الحركات والإتحاد الإفريقي.
    4) تم نزع سلاح عدد كبير من أفراد الميليشيات. 5) قامت الحكومة بتزويد الحركات بالدعم اللوجستي غير العسكري.
    6) تم إنشاء مفوضية لنزع السلاح وإعادة الدمج وقد شرعت في القيام بمهمتها في دارفور للإسهام في إنجاح الاتفاق.
    أما في مجال تسهيل ومراقبة العمل الإنساني، من أجل رفع المعاناة عن النازحين والمتضررين عموماً بأعمال العنف في الإقليم، فقد طالبت الحكومة كلاً من الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي بالتعجيل بإنشاء «الوحدة المشتركة لتسهيل ومراقبة العمل الإنساني» وتفعيل عملها.
    وفي إطار الحرص على تطبيق توصية الاتفاقية الخاصة بتشجيع المصالحات الأهلية، وتشجيع الحوار الدارفوري ـ الدارفوري، عقدت الجلسة الافتتاحية للجنة التحضيرية لقيام ذلك الحوار، وقد حثت الحكومة الاتحاد الأفريقي على التعجيل بتمكين اللجنة من بدء جلسات العمل، وذلك حتى يتم التئام ذلك الحوار في اقرب وقت ممكن.
    هذا هو إذاً الوضع الراهن في دارفور بعد توقيع اتفاقية أبوجا، وهو موقف يتسم بالايجابية في مشهده العام، على الرغم من بعض مظاهر السلبية التي شابته والتى أود أن أجملها في القضايا التالية:
    اولاً: تعدد الحركات المسلحة حيث توجد الآن أكثر من 19 حركة مسلحة تساهم في زعزعة الأمن والاستقرار في دارفور وهذا يتطلب عملا دؤوبا لتوحيد هذه الحركات واتفاقها على قيادة موحدة كمقدمة للحوار معها والوصول معها لاتفاق لتنخرط في السلام.
    ثانياً: فقدان السيطرة للقيادات السياسية للحركات بالخارج على القيادات الميدانية في الداخل، الأمر الذي يهدد أي اتفاق سياسي مع القيادات السياسية من دون مشاركة القيادات الميدانية مما يعقد عملية الحوار والوصول لاتفاق.
    ثالثاً: بدأت القبائل التي لم تشارك في التمرد تشعر بشئ من التهميش وأن معالجة قضية دارفور ستكون على حسابهم لذلك صارت تلجأ إلى التدريب ومزيد من اقتناء السلاح، الأمر الذي يحتم إشراكها فى أي مفاوضات قادمة.
    رابعاً: بعض منسوبي الحركات التى وقعت على اتفاق أبوجا أصبحوا عنصر عدم استقرار نتيجة للتجاوزات التي تحدث من بعضهم وهجومهم على القبائل الأخرى.
    خامساً: التوتر والعنف لم يعد يقتصر على الميليشيات المتمردة على ميليشيات القبائل غير المتمردة بل امتد ليشمل القبائل العربية بين بعضها البعض.
    سادساً: العلاقات المتداخلة بين دارفور وتشاد تجعل من الصعب التوصل لمعالجة دائمة للأوضاع في دارفور من دون علاقات طبيعية بين السودان وتشاد، وقد شهدت العلاقات بين البلدين مؤخراً تدهوراً خطيراً، وبذلت الجماهيرية الليبية وما زالت جهودا مقدرة لمحاصرة هذا التدهور، ويجب مساندة هذه الجهود حتى تصب لصالح الأوضاع في دارفور.
    سابعاً: جهود الحل السياسي ما زالت تراوح مكانها رغم الزيارات المتكررة للمنطقة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون وممثل الاتحاد الأفريقي سالم أحمد سالم. كما أن الجهود الليبية والإريترية والمصرية لم تتمكن حتى الآن من توحيد الحركات أو تحديد موعد بدء الحوار السياسي بين الحكومة والحركات المسلحة.
    ثامناً: العلاقة بين السودان والأمم المتحدة، رغم توقيع اتفاق الحزم الثلاث بين السودان من جهة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة من جهة أخرى، إلا أن دولاً مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قادت حملة إعلامية ضد الحكومة السودانية وعرقلت طويلا موضوع تمويل قوات الاتحاد الأفريقي من قبل الأمم المتحدة حسب الاتفاق الذي تم توقيعه، وهو أمر يهدد بقاء وعمل القوات الأفريقية.
    تاسعاً: استمرار وجود النازحين في داخل المعسكرات مع ازدياد أعداد العاطلين عن العمل يخشى منه أن يسهم في تغيير نمط الحياة الذي اعتاد عليه مواطنو دارفور.
    بل إن تحسن الأوضاع في داخل المعسكرات مقارنة بالأوضاع خارجها، خاصة في القرى المجاورة، بدأ يجذب المواطنين من القرى إلى داخل المعسكرات، الأمر الذي قاد إلى ارتفاع أعداد النازحين في المعسكرات.
    عاشراً: المنظمات الدولية الطوعية والرسمية التي تعمل في المجال الإنساني ليست كلها على قلب رجل واحد. فبعضها يساهم في إزكاء نار الصراع بطرق مباشرة أو غير مباشرة ويفسد العلاقة بين الدولة ومواطنيها بتحريض المواطنين على الدولة، والبعض الآخر يساهم في عملية التصعيد الإعلامي من خلال التقارير المفبركة التي يرسلونها طمعاً في المزيد من الدعم الذي يجمعونه من الجهات الرسمية والشعبية خاصة في الدول الغربية.
    ولكن يظل المظهر السلبي الأساسي الذي أثر أثراً كبيراً علي عملية السلام في دارفور في مجملها، هو قيام التحالف المسلح المعارض لاتفاقية أبوجا وللحكومة السودانية بمساعدة إقليمية ودولية ألا وهو ما يسمى بـ«جبهة الخلاص الوطني»، التي ظلت تشن هجمات مسلحة على مواقع الحكومة والحركات الموقعة، وبتواطؤ مفضوح من قبل المجتمع الدولي الذي يدعى أنه راع لاتفاق أبوجا الذي نص على معاقبة كل من لا يلتزم به.
    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
                  

08-12-2007, 06:39 AM

الدكتور حسام الدين مصطفي

تاريخ التسجيل: 02-26-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة العاشرة) ـ المنظمات الأجنبية في دارفور .. ما لها وما عليها
    مجموعات الضغط اليهودية في الغرب لعبت دورا كبيرا في تصعيد قضية دارفور .. والحملة الشرسة بدأت في متحف الهولوكوست
    مصطفى عثمان إسماعيل
    لست من أولئك الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة والبحث عن شماعة لإلصاق مشاكلنا بها. كما أننى لست من الذين يسلمون بأن كل مشاكلنا في هذه المنطقة تقف وراءها اسرائيل والولايات المتحدة. لكن ما أراه في قضية دارفور من نشاط محموم للمنظمات اليهودية في الغرب وتلفيقها للحقائق والمعلومات واستخدام قضية دارفور لفرض العقوبات على الحكومة السودانية وبصورة إنتقائية بل المناداة علناً باسقاط الحكومة في الخرطوم وقيادة حملة دولية مستمرة وبالتركيز على واشنطن ونيويورك وبروكسل، لا يترك أدنى شك في أن وراء الأكمة ما وراءها وأن هنالك أجندة أخرى وأن قضية دارفور إنما هي كلمة حق أريد بها باطل.
    فقد تميزت الحملة العدائية الشرسة في قضية دارفور بميزتين: الأولى هي أن ذات الدوائر التي كانت تتولى أكبر حملة في حرب الجنوب واتهامات الرق والعبودية والتطهير العرقي، هي ذاتها من تولى الترويج لقضية دارفور. أما الثانية فهي تدخل المجموعات اليهودية التي أضافت عنصراً جديداً وبامكانيات ضخمة في تصعيد الحملة العدائية على السودان. تشير التحليلات لعدد من الأسباب وراء ذلك منها:
    1- أن المجموعات اليهودية تريد أن تنعش ذاكرة التاريخ بالإبادة الجماعية والمحارق ضد اليهود في ألمانيا مما يجدد التعاطف الإنساني مع قضيتهم ويمنحهم الشرعية لقيادة الجهود العالمية لمنع حدوثها مرة أخرى مما يمكنهم من الاستمرار في ابتزاز الدول والشعوب الغربية خاصة.
    2- صرف الأنظار والإعلام عن مآسي العراق والفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وصنع بؤرة أحداث جديدة تجذب الاهتمام العالمي.
    3- ظلت إسرائيل ومنذ حرب يونيو (حزيران) 1967 مع العرب حيث وقفت أفريقيا مع العرب وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل، تسعى لاحداث شرخ في العلاقات العربية ـ الاسرائيلية فوجدت في قضية دارفور سانحة لدق إسفين في هذه العلاقة من خلال إبراز القضية باعتبارها قضية إثنية يعمل فيها العنصر العربي على إبادة وإزالة العنصر الأفريقي في دارفور، وكذلك من خلال الربط بين صورة العربي الذي يفجر نفسه دفاعاً عن حقه في فلسطين، وتلك في دارفور التي تظهر صورة «العربي المغتصب» و«القاتل المعتدي»، فتبرر بذل ما تقوم به ضد الفلسطينيين من تقتيل وتدمير وبناء جدار الفصل العنصري. والمعروف أن إسرائيل تعتبر أفريقيا سوقاً رائجة للسلاح فهي ترسل السلاح إلى ثماني عشرة دولة أفريقية مما أسهم في قلاقل وفتن وعنف وحروب أهلية شهدتها وتشهدها نواحي أفريقيا المختلفة، وإسرائيل تتبوأ مركزاً عالمياً على مستوى العالم في تجارة السلاح فهي تأتي الرابعة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتسبق روسيا وألمانيا.
    وتحدث حاييم كوشي، رئيس جماعة اليهود الزنوج، إلى التلفزيون الإسرائيلي في أعقاب الزيارة التي قام بها يواف بيران المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية إلى تشاد إبان نزوح أعداد من دارفور إلى المعسكرات بتشاد. وقال «نحمد الله على حرص دولتنا إسرائيل على التواصل مع الإخوة الأفارقة ونأمل أن يأتي اليوم الذي ترفرف فيه نجمة داؤود المقدسة على هذه القارة التي نرتبط معها بكثير من السمات المشتركة على المستوى الفكري أو العقائدي اليهودي».
    وفى موقع «أنباء أفريقيا اليهودي» الذي أنشأته طائفة اليهود الزنوج التي يرأسها حاييم كوشي نشرت يوم 13 أغسطس (آب) 2004 مقالة كتبها إيثمار إخمان من جامعة بن غوريون جاء فيها أن تشاد تحولت منذ اشتعال الأزمة في دارفور إلى مركز إسرائيلي كبير تحرص إسرائيل على التواجد فيه.
    4- تشويه صورة السودان وإضعاف الحكومة السودانية التي رفضت التطبيع مع إسرائيل، بعد أن لاحت بارقة السلام في الجنوب، والترويج لفظائع الإبادة والإغتصاب وإحداث فتنة عرقية وفقاً للإثنيات العرقية والقبلية والترويج لفكرة أن المسلمين العرب يرتكبون الإبادة ضد المسلمين الأفارقة.
    5- تصعيد الحملة لتسويق التدخل الدولي.
    وفقاً لهذه الأهداف فإن أصل الحملة الشرسة في قضية دارفور بدأت في متحف الهلوكوست (المحرقة اليهودية) ممثلا في لجنة الضمير العالمي برئاسة اليهودي المعروف بعدائه للسودان جيرى فاور عام 2003 عندما أصدر بياناً حول الإبادة العرقية في السودان، وأعقب ذلك الإعلان عن تدشين مناشط وندوات دعائية للترويج للحملة، ومن ثم أعلن متحف الهلوكوست أن ما يحدث في دارفور هو إبادة جماعية، ثم إنطلقت الحملة في المدارس والكليات والجامعات.
    أول ندوة حاشدة نظمها متحف الهولوكوست بواشنطن ظهر يوم 20/2/2004 تحت عنوان «حريق غرب السودان: تقرير عن حالة الطوارئ في دارفور» تحدث فيها كلٌ من أدوتى أكوي من منظمة العفو الدولية، وجون بريندرغاست مدير برنامج أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، والناشطة في مجال حقوق الإنسان في منظمة «هيومان رايتس ووتش» جميرا رون، حيث أوصوا بضرورة الحفاظ على قضية دارفور حية على السطح وجعلها جزءا من أولويات واهتمامات المجتمع الدولي، ودعم مشروع المقاومة للحركات المتمردة التي تحظى بدعم عناصر من الحكومة التشادية. ونادى جون بريندرغاست بضرورة أن تغير الإدارة الأميركية من سياسة التعاطي إلى إستراتيجية الضغط والاحتواء.
    مع تزايد زخم حملة دارفور المعادية عكفت المجموعات اليهودية الناشطة إلى إنشاء وتأسيس منظمة «تحالف إنقاذ دارفور» لتكون مظلة تنسيقية لحشد الجهود والطاقات ووضع السياسات والخطط والاستراتيجيات لزيادة أوار الحملة. وقد نجح تحالف إنقاذ دارفور في ضم 160 منظمة تحت جناحه. وقد تمكنت هذه المنظمة في فترة وجيزة نسبة لما توافر لديها من إمكانات مادية هائلة، من تكثيف الحملة والوصول بها إلى مستويات غير مسبوقة. شهد النصف الثاني من عام 2004 تجاذباً كبيراً بين الإدارة الأميركية التي اكتفت بوصف ما يحدث في دارفور بأنه تطهير عرقي وبين الناشطين في حملة دارفور المعادية بقيادة متحف الهلوكوست وتحالف إنقاذ دارفور الذين وصفوا ما يحدث بالإبادة الجماعية. وقد شنت الصحف خاصة افتتاحيات الـ«واشنطن بوست»، التي يحررها الفريد هيات، ومقالات نيكولاس كريستوف في الـ«نيويورك تايمز» هجوماً شديداً على الإدارة ومارست مع المسؤولين ضغوطاً مكثفة للاعتراف بالإبادة الجماعية في السودان حسب زعمهم. ونسبة لتقلبات المناخ السياسي وازدياد الاستقطاب الانتخابي خاصة لكتلة الأميركيين الأفارقة، أعلن وزير الخارجية السابق كولن باول في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ في 9 سبتمبر (ايلول) 2004 أن ما يحدث في دارفور هو إبادة جماعية مما فتح الباب واسعاً لازدياد أوار الحملة تحت شعار الإبادة الذي تبنته الإدارة الأميركية.
    التدخلات الصهيونية في أفريقيا ليست جديدة، ففي نيجيريا قامت إسرائيل بمساعدة جماعة الأيبو في الأقليم الشرقي لمواجهة الأقليم الشمالي الذي يضم أغلبية مسلمة حتى وصل الأمر حد إعلان استقلال الإقليم الشرقي تحت إسم جمهورية بيافرا عام 1967 واعترفت بها إسرائيل بدعوى أن الأيبو قومية متميزة، كما أطلق الإعلام الصهيوني عليهم (يهود أفريقيا).
    وقد أخبرني الرئيس النيجيري السابق أليسون أوباسانجو كيف أنه قاد الجيش النيجيري بنفسه حتى انتصر على المتمرد الجنرال أجوكو الذي قاد التمرد ونصب نفسه حاكماً على دولة بيافرا، حيث كان الجنرال قائد التمرد يتلقى دعماً مباشراً من إسرائيل وقيادات الحركة الصهيونية العالمية. وحسب الدكتور التنزاني الأصل الأميركي الجنسية علي مزروعي فإن مؤسس الصهيونية واصل التفكير في أفريقيا على أنها امتداد ممكن للكيان الصهيوني أكثر من كونها وطناً لليهود، ولما كانت هناك أعداد كبيرة من اليهود الذين أرادوا الاستقرار معاً في مناطق يستطيعون فلاحتها بأنفسهم ويسمونها وطناً مشتركاً، فقد اعتبرت فلسطين مكاناً غير مناسب لكل اليهود الذين أرادوا الاستقرار معاً بهذه الطريقة.
    بعد تبني الإدارة الأميركية للإبادة الجماعية نظمت ندوة يوم 22 سبتمبر 2004 عن الأوضاع في دارفور تحت عنوان «ثم ماذا بعد إعلان الإبادة الجماعية في دارفور» لخص حينها الناشط المعادي جون بريندرغاست موجة الضغوط المتصاعدة في ذلك الحين مشيراً إلى أن الحكومة السودانية تواجه أكثر اللحظات حرجاً في تاريخها لأنها تواجه كل الجبهات القتالية وكذلك ضغوط المفاوضات، منادياً بضرورة تقديم رموز النظام إلى محاكم جرائم حرب.
    بعد ذلك اضطلعت المنظمات اليهودية بدور مباشر ومحوري في الحملة مخالفة تكتيكاتها السابقة التي كانت تحرص على التستر خلف لافتة التحالفات التنسيقية الفضفاضة. وقد أقام في هذا الصدد معهد جاكوب بلوشتين ندوة في منتصف عام 2005 تحت عنوان «لابد من وقف الإبادة الجماعية في دارفور»، حيث شن مقدم الورقة أليسون كوهين هجوماً عنيفاً على الحكومة السودانية وقال «من دون تدخل قوي وصارم من المجتمع الدولي، فإن الأحوال ستزداد سوءاً»، وانتقد الإدارة الأميركية لعدم القيام بعمل فعَّال ضد الخرطوم. ونادت الورقة في توصياتها بضرورة تفعيل وتنشيط المحكمة الجنائية الدولية لتقديم المسؤولين السودانيين للمحكمة وكذلك استخدام القوة العسكرية الأميركية لإجبار الحكومة على إيقاف الابادة وإنفاذ قرارات الأمم المتحدة حول العقوبات الموجهة وحظر الطيران.
    وأكدت الورقة ضرورة تطبيق إجراءات أخرى فاعلة مثل تدشين حملات للتوعية الجماهيرية وسط الطلاب والشباب والناشطين للاتصال بالإدارة والكونغرس لاتخاذ إجراءات مشددة ضد السودان. واستثمرت المجموعات اليهودية زخم فيلم «فندق رواندا» والتأثير الذي أحدثه في التذكير بمأساة المذابح والإبادة الجماعية في رواندا وصمت العالم. وقد تم استقطاب الممثل جون شارل بعد أن تم ترشيحه للأوسكار إلى قيادة حملة جديدة لوقف ما أسموه الابادة الجماعية في دارفور، وقد تم ترتيب لقاءات ومحاضرات جماهيرية لبطل الفيلم لتسليط الضوء على ما يجرى في دارفور.
    وخلصت تلك الحملة إلى إبتدار جهود لتصوير فيلم وثائقي يطلق عليه «فندق دارفور» وقد قام الممثل بالفعل بزيارة معسكرات اللاجئين في شرق تشاد في مطلع عام 2005 وأجرى مقابلات مع ضحايا الحرب في دارفور الذين كالوا الاتهامات للجنجويد والحكومة السودانية. والتقى الممثل المذكور وزيرة الخارجية الاميركية كوندليزا رايس الشهر الماضي لمواصلة جهوده في قضية دارفور. وفي أغسطس 2005 نظمت اللجنة الأميركية اليهودية بواشنطن بالتعاون مع اتحاد ترقية الملونين حشداً ضخماً بنادي الصحافة الوطنية وتمت الدعوة على أن بطل فيلم «فندق رواندا» سيخاطب المجتمع اليهودي والأفروأميركي بواشنطن تحت عنوان «خذوا خطوات في دارفور». وأعلنت المنظمات اليهودية في سبتمبر 2005 أنها وصلت الآن إلى دارفور وتعمل وسط النازحين واللاجئين والتمست من جميع الحضور التبرع لصالح برنامج «واشنطن دي سي تحب دارفور»، وسير التحالف اليهودي مظاهرة إلى البيت الأبيض خاطبها الرئيس بوش يوم 28 ابريل (نيسان) 2006. وبلغت الحملة ذروتها يوم 30 ابريل 2006 عندما نظم تحالف انقاذ دارفور أضخم مسيرة شملت بالاضافة إلى العاصمة واشنطن 17 مدينة أخرى، وخاطب المسيرة عدد من النشطاء المعادين أبرزهم جون بريندارغاست وجورج كلوني والسناتور باراك أوباما إضافة إلى مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية جنداي فريزر وطالبوا الرئيس بوش بتطبيق مزيد من العقوبات على السودان والضغط لنشر قوات متعددة الجنسيات لحفظ السلام في دارفور وأتهموه بالفشل في قيادة المجتمع الدولي لفرض عقوبات على السودان.
    رغم هذه الحملة الإعلامية الشرسة كتب الدكتور آلان كوبرمان الأستاذ المساعد للشؤون العامة في جامعة تكساس ونشر مقالا هاما في الـ«نيويورك تايمز» في مايو (ايار) 2006 تحت اسم نحا فيه باللائمة على المتمردين بعد توقيع الحكومة على اتفاق أبوجا حيث اتهمهم بأنهم أشد رغبة في استمرار الإبادة الجماعية أكثر من الوصول إلى تسوية تلبي مطالبهم. وقال إن المعارك التي جرت بين المتمردين عرت إدعاءات تحالف إنقاذ دارفور الذي صب الزيت على النار مما فاقم من الصراع والعنف الإبادي، ونادى بإطلاق يد الحكومة للتصدي عسكرياً للفصائل المتمردة وليس مكافأة الحركات بالضغط على الحكومة. ونسبة لجرأة المقال وسباحته ضد التيار العدائي السائد فقد هاجم التحالف كاتب المقال ورموه بالجهل رغم منصبه الاكاديمي الرفيع.
    هذه فقط إضاءات على الدور الذي تقوم به المنظمات اليهودية في الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة لتصعيد قضية دارفور.
    في نهاية هذا السرد قد يقول قائل طالما إن هناك مشكلة ذات أبعاد إنسانية علينا ألا ننكر على أي جهة التعامل معها والدفاع عنها، إلا أن الصحيح أن هناك مشكلة ذات أبعاد إنسانية لكن هذه المشكلة تُستغل لأجندة أخرى لا علاقة لها بدارفور وبالتالي فإن استغلالهم للمشكلة يعمقها ويعقدها ويطيل من عمرها ولا يسهم في حلها وهذا ما يجب أن يعرفه العالم.
    السودان بلد مترامي الأطراف وهو الأكبر مساحة في أفريقيا وهو بلد متعدد الإثنيات والثقافات والديانات، وهو البلد الوحيد المحاط بتسع دول أفريقية معظمها تعيش أوضاعاً متأزمة. ومع تداخل الحدود والإثنيات مع دول الجوار نجد أن هذا الواقع قد أثر تأثيراً بالغاً في إشاعة عدم الاستقرار على حدوده.
    قبيل استقلال السودان وفي منتصف خمسينات القرن الماضي ظهرت المنظمات الأجنبية في ساحة العمل الطوعي المحلي عبر بوابة محو الأُمية، ودخلت بموافقة المستعمر الانجليزي في جنوب السودان. كما نشطت بكثافة أثناء كارثة الجفاف والتصحر التي ألمت بالسودان منتصف الثمانينات من القرن الماضي حيث كانت دارفور أكثر مناطق السودان تضرراً من الكارثة، إذ توافدت على السودان في عام 1989 أعداد كبيرة من المنظمات الأجنبية التي دعمتها الأمم المتحدة.
    منذ وصول حكومة الإنقاذ الوطني لسدة الحكم في السودان عام 1989 تجمعت قوى معادية للنظام وأُطروحاته وجعلت من السودان هدفاً لها، بعضها يهدف إلى إسقاط الحكم القائم وبعضها يعمل على إضعافه بإشاعة عدم الاستقرار فيه، وآخر يعمل على تفكيك الدولة السودانية إلى دويلات صغيرة تسهل السيطرة عليها خدمة لمصالح الآخرين.
    عند استحداث وزارة التخطيط الاجتماعي في العام 1993 تم إلحاق مفوضية العون الإنساني بها كجهاز مهمته ضبط وترشيد عمل المنظمات الطوعية بالسودان، ثم تم دمج مفوضيتي الإغاثة وإعادة التعمير ومفوضية العمل الطوعي في عام 1995، لتصبح هذه المفوضيات حسب اتفاقية نيفاشا الموقعة مع الحركة الشعبية، وزارة الشؤون الإنسانية ويتولاها الآن وزير من الحركة الشعبية هو السيد كوستي. واهتمام هذه الوزارة ينصب على توفير الإغاثة والمساعدات الإنسانية الأخرى وتوزيعها على المتضررين في أصقاع السودان المختلفة وذلك بفعل الكوارث الطبيعية أو تلك المتأثرة بالنزاعات الداخلية في دول الجوار. وتقوم الوزارة بتنسيق الجهد الحكومي ومتابعة وتقييم مشروعات الإغاثة وإعادة التعمير التي تنفذها المنظمات الطوعية ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة والدول والهيئات المانحة، وجمع وتحليل معلومات الإنذار المبكر ومؤشرات الأمن الغذائي وتمليكها لجهات اتخاذ القرار ووحدات البحث العلمي داخل وخارج البلاد، بجانب ضبط وترشيد عمل المنظمات الطوعية وفق الاتفاقية القطرية الموقعة مع هذه المنظمات.
    من دون شك فإن العمل الطوعي مهنة نبيلة تعكس أسمى صورة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان. ولا يجد المرء أقل من أن ينحني إجلالا وتقديرا لمن يعملون ويخلصون في هذا المجال. لكن عندما تختلط الأمور وتستخدم هذه المهنة النبيلة مُطية لأجندة تآمرية واستخباراتية فإن الإنسان يصاب بإحباط وحزن عميقين.
    كلما أنبت الزمان قناة ـ ركَّب المرء في القناة سنانا
    * إن الذين يتابعون أدبيات ومذكرات عمال الأغاثة الغربيين حينما يعودون إلى بلدانهم، وتقارير الدول والمجتمعات التي كانوا يعيشون فيها يرى فيها ثلاث صور جلية، الأولى ـ وهذا ما رأيناه في أغلب منظمات العمل الطوعي ـ هي الجانب الإنساني الذي لا يخرج من هذه المهمة، والثانية، هي أنهم كانوا أحيانا مطايا لأجهزة مخابرات إما تكون لدولهم أو جهات تغدق عليهم العطاء. والشق الثالث، هو خدمة التبشير للديانة المسيحية وإزكاء الفتن بين أبناء الوطن الواحد عبر النعرات الدينية أو الطائفية وتغذية الحملات الإعلامية المضللة.
    كان أول اشتباك بين الحكومة السودانية والمنظمات الطوعية الغربية في عهد المرحوم الفريق إبراهيم عبود، الذي حكم السودان في الفترة 1957 ـ 1964، عندما أصدر قراراً في عام 1962 بطرد المبشرين الأجانب من السودان بعد رصد وإثبات مخالفاتهم وتجاوزاتهم ومنها إزكاء ودعم حركات التمرد إضافة إلى تستر بعض منظمات الإغاثة الأجنبية بالعمل الإنساني لنشاطها الكنسي والتبشيري.
    في بداية الثمانينات بدأت جهود المنظمات الغربية في بحث موطئ قدم بشرق السودان تحت غطاء العون الغذائي والإنساني والدوائي، ثم تكتشف الدولة نشاطاً تبشيرياً تقوم به منظمات آيرلندية وأسكوتلندية في مناطق البجا تحت غطاء دراسة اللغة البجاوية ومن بين هذه المنظمات منظمة الصليب الرحيم الأميركية الأنجيلية التي قضت 25 عاماً في تنصير أفريقيا.
    ثم جاء الاشتباك الآخر أثناء كارثة الجفاف والتصحر ثم الفيضانات عام 1988 في عهد الديمقراطية الثالثة كما يسمونها. وتعددت الاشتباكات بين الحكومة السودانية والمنظمات الطوعية الغربية أثناء برنامج شريان الحياة في الجنوب، خاصة ذلك الذي كان ينطلق من قاعدة لوكوشوكو بكينيا بهدف إيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين المتأثرين بالحرب في ظل استمرار الصراع بالجنوب. ففي بداية عام 1995 بدأت الشكوك في إنحياز عمليات شريان الحياة نحو التمرد حيث رصدت الأجهزة الأمنية قيام طيران الإغاثة القادم من قاعدة لوكوشوكو في كينيا بنقل العتاد والإمدادات العسكرية والغذائية لصالح التمرد في ظل الإستجابة لرفض المنظمات والمتمردين لأي تواجد رسمي سوداني بالقاعدة. كما اتهمت بعض المنظمات ومنها منظمة إغاثة الشعوب النرويجية في يونيو 2000 بتقديم عون عسكري لقوات التمرد والعمل بشكل منفصل عن شريان الحياة الأمر الذي أكدته الخارجية النرويجية من خلال التحقيق الذي أجرته وقامت بنشره، بل انني شخصياً التقيت بمسؤول هذه المنظمة الذي أكد لي أنه ليس حيادياً تجاه الحرب في جنوب السودان. عندما بدأت الأحداث الأخيرة في دارفور لم تكن المنظمات الغربية غائبة عنها فقد كانت موجودة لكن الجديد هو أن المنظمات التي كانت تغذي التمرد في جنوب السودان تحت ستار العمل الإنساني وجدت في كارثة دارفور هدية لها لكي تواصل ممارسة أجندتها غير الإنسانية التي افتقدتها بتوقيع اتفاقية السلام فانتقلت بكل تجاربها اللإنسانية إلى دارفور.
    تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد المنظمات الأجنبية العاملة بدارفور ارتفع من 70 منظمة عام 2000 لأكثر من ثلاثة أضعاف حالياً، حيث توجد في دارفور حالياً 258 منظمة أجنبية و1580 موظفا أجنبيا و14500 موظف وطني وألفا آلية متحركة. وحصلت المنظمات الأجنبية على إعفاءات جمركية تزيد عن 350 مليون دولار خاصة باستيراد الآليات. والولايات المتحدة وحدها لديها أكثر من ألف موظف يحملون الجنسية الأميركية، وهناك 1100 في دارفور يعملون في المنظمات الطوعية ووكالات الأمم المتحدة، تليها فرنسا ثم بريطانيا (1000 موظف) وهناك أيضاً جنسيات أخرى من هولندا وسويسرا وغيرهما. عدد من هذه المنظمات تعمل بمهنية عالية في المجال الإنساني، ولعلي هنا أشير لمنظمة الصليب الأحمر الدولي، هذه المنظمة رغم أن هناك شكاوى من بعض الجهات السودانية، لكنني ومن خلال متابعتي اللصيقة لعملها طيلة فترة وجودي على رأس وزارة الخارجية أشهد أنها تعمل بدرجة عالية من الشفافية مقارنة برصيفاتها الغربيات. ومن نماذج التجاوزات الفاضحة للمنظمات الغربية في دارفور، منظمة الإنقاذ الدولية حيث وصل الأمر بهذه المنظمة إلى حد توقيع مذكرة تفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية والمطالبة بتدخل القوات الدولية في دارفور ومحاولة تهريب طفل من معسكر كلمة بولاية جنوب دارفور إلى خارج البلاد من دون علم وموافقة السلطات بغرض شن حملة دعائية. كما أن منظمة NRC النرويجية قامت بعقد لقاءات سرية بمعسكرات النازحين لتلقينهم ما يقولون للزوَّار والصحافيين الغربيين وإعداد تقارير كاذبة بأسماء وبيانات النساء المغتصبات بولاية جنوب دارفور. منظمة كير الأميركية تقوم باستيعاب وتوفير غطاء لعناصر الأمن والإستخبارات الغربية وتنظم زيارات للوفود الإعلامية بغرض جمع المعلومات والتصوير بغرض إقامة حملات لجمع التبرعات وتأليب الرأي العام الدولي على السودان. ومنظمة رعاية الطفولة البريطانية أصدرت بيانا يدعي استخدام الحكومة للطيران الحربي كما أصدرت منظمة «أوكندن أنترناشونال» بياناً يطالب بالحكم الذاتي للبجا ودارفور. هذه فقط نماذج لمنظمات غربية تعمل في دارفور وتستغل العمل الإنساني لأجندة أخرى. ومن أسوأ ما تقوم به هذه المنظمات المعادية استغلالها للمنابر الإعلامية الدولية لتبرير وجودها في دارفور واستدرار عطف المانحين وتكثيف الضغوط على الحكومة السودانية واستمرار الأزمة لأطول وقت ممكن.
    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
                  

08-12-2007, 06:41 AM

الدكتور حسام الدين مصطفي

تاريخ التسجيل: 02-26-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: سيف الدين عيسى مختار)


    (الأخيرة) دارفور.. آفاق الحل
    قمة الرياض الخماسية نزعت فتيل التوتر بين السودان والأمم المتحدة وتوصلت لفهم صحيح ومشترك لقرارات أبوجا
    مصطفى عثمان إسماعيل *
    تعقدت مشكلة دارفور واستعصت حتى أصبحت المهدد الأول للأمن القومي السوداني. فعلى صعيد الجانب الإنساني تنتشر معاناة ومعسكرات النازحين في ولايات دارفور الثلاث، إضافة إلى معسكرات اللاجئين في دولة تشاد، حيث تظل مفتوحة للتجنيد من قبل الحركات المسلحة والمنظمات المشبوهة التي تستخدم العمل الإنساني غطاءً لها. وعلى الصعيد الأمني استشرت أعمال العنف بين القبائل بل حتى بين بطون القبيلة الواحدة، لا تستثنى في ذلك قبيلة عربية أو أفريقية، وكثرت أعمال السلب والنهب وزادت الانشقاقات والتجاوزات بين الحركات المسلحة في دارفور والهجمات على مواد وعمال الإغاثة. ويراوح الجانب السياسي المعني بالحوار مع غير الموقعين على اتفاقية أبوجا مكانه، بل حتى الذين وقعوا على اتفاقية أبوجا لم يستطع البعض منهم حتى الآن الانسجام مع هياكل حكومة الوحدة الوطنية. أما على الصعيد الدولي فإن العلاقة بين السودان والأمم المتحدة وتحديداً مجلس الأمن لم تشهد عافية منذ بداية مشكلة دارفور. رغم كل هذا وهذه الصورة التي رسمتها، تظل مشكلة دارفور مشكلة سودانية، بل مشكلة السودانيين في المقام الأول. فما هي آفاق الحل لهذه المشكلة المعقدة والخطيرة؟
    لقد تم التوقيع على اتفاقية سلام دارفور في الخامس من مايو (ايار) 2006 بالعاصمة النيجيرية أبوجا، وهي اتفاقية شاركت فيها كل قوى المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. صحيح أن الحركات المسلحة في دارفور التي كانت تشارك في المفاوضات لم توقع كلها على الاتفاقية، حيث انفرد رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي بالتوقيع على الاتفاقية بينما تخلف رفيقاه عبد الواحد محمد نور ود. خليل إبراهيم.
    صادق مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن الأفريقي على الاتفاقية، وطالب المجلسان الذين لم يوقعوا عليها بالانضمام للاتفاقية وإلا ستوقع عليهم عقوبات. بعد شهر واحد من التوقيع على الاتفاقية، وتحديدا في يونيو (حزيران) 2006، كونت الفصائل المسلحة المعارضة التي لم توقع على اتفاق أبوجا، جبهة أسمتها «جبهة الخلاص الوطني» هدفها تقويض اتفاقية السلام بدارفور، ودُعمت هذه الجبهة بالمال والسلاح. وقامت الجبهة بتنفيذ عمليات عسكرية على مواقع الحكومة ومواقع الفصيل الذي وقع اتفاقية سلام دارفور بقيادة مني أركو مناوي، بل إنها شنت هجوماً دموياً على منطقة حمرة الشيخ خارج دارفور في ولاية شمال كردفان وأعلنت مسؤوليتها عن هذا الهجوم. لم يقتصر هجوم المتمردين على مواقع القوات المسلحة والفصيل الذي وقع على اتفاقية أبوجا، بل تعدى ذلك ليشمل عمال الإغاثة وقوات الاتحاد الأفريقي. على سبيل المثال استولى المتمردون على ما يزيد عن مائة عربة من منظمات الإغاثة وقوات الاتحاد الأفريقي تستعملها الآن في عملياتها العسكرية. إثر هذه التطورات السالبة، التي أثرت على الأمن في دارفور، دعا الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى أنان إلى اجتماع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (مقر الاتحاد الأفريقي). تداول الاجتماع الذي ترأسه الأمين العام السابق وشارك فيه السودان والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية حول كيفية الوصول إلى إنهاء المشكلة في دارفور، وتم الاتفاق في ذلك الاجتماع على أن الحل يكمن في ثلاثة عناصر: المفاوضات السلمية، ووقف إطلاق النار، وقوات حفظ السلام في دارفور.
    حول العملية السلمية، تم الاتفاق على أن تقوم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالوساطة بين الحكومة والموقعين على اتفاقية أبوجا من طرف، والمعارضين للاتفاقية من الطرف الآخر. كما تم الاتفاق على أن الأسبقية القصوى يجب أن تعطى للعملية السلمية لأنها تخاطب جذور المشكلة. وقد سمى الاتحاد الأفريقي سالم أحمد سالم التنزاني الجنسية، الأمين العام الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) ممثلا له، بينما اختار الأمين العام للأمم المتحدة أن يكون يان الياسون، وزير خارجية السويد ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبق ممثلا له.
    فيما يختص بقوات حفظ السلام، تم الاتفاق على أن تقدم الأمم المتحدة الدعم المالي والفني واللوجستي لقوات الاتحاد الأفريقي التي تتولى السيطرة والعمليات العسكرية. كذلك تم الاتفاق على أن يتم تقديم دعم الأمم المتحدة وفق ثلاث مراحل سميت بالحزم الثلاث: الخفيف والثقيل ثم العملية الهجين. برز اختلاف على بعض التفاصيل حسمها اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي على مستوى القمة في أبوجا في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 حسبما ورد في البيان الذي صدر من الاجتماع. وقد وافقت الحكومة السودانية وكذلك مجلس الأمن الدولي حسب البيان الرئاسي الصادر في 19 ديسمبر (كانون الاول) 2006 على نتائج اجتماعات أبوجا وأصبحت هي المُحددة لعمل قوات حفظ السلام في دارفور.
    بدأ تنفيذ مرحلة الدعم الأولى الخفيف، وقبل أن يكتمل، بعثت الأمم المتحدة بتفاصيل الدعم الثقيل حيث ظهر خلاف في بعض جوانبه وذلك بسبب تدخلات الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية التي كانت وراء إصدار القرار 1706 الذي رفضته الحكومة السودانية حيث تضمن القرار نصاً يدعو لتحويل القوات الأفريقية إلى قوات أممية في خروج واضح على مقررات اتفاقية أبوجا التي تنص على أن مهمة حفظ السلام في دارفور مسؤولية الاتحاد الأفريقي. وقد احتوى القرار 1706 على بنود اعتبرتها الحكومة السودانية مساساً بالسيادة السودانية مثل تلك المتعلقة بالقضاء والشرطة. وحاولت الإدارتان الأميركية والبريطانية الالتفاف على مقررات أبوجا بإدخال عناصر القرار 1706 ضمن تفسيرات مقررات أبوجا، وعندما تحفظت عليها الحكومة السودانية، وكالعادة ارتفعت الأصوات المعادية للسودان في لندن وواشنطن ونيويورك تنادي بالعقوبات على السودان ودق طبول الحرب عليه، وتوترت العلاقات بين السودان والأمم المتحدة بشكل لم يسبق له مثيل. وبدأت عملية ابتزاز للقوات الأفريقية بحجب التمويل الأممي عنها لإثبات عجزها وفشلها، والهدف المنشود من ذلك هو أن يجد السودان نفسه في موقف لا مفر منه سوى الموافقة على الضغوط والتفسيرات الإلتوائية البريطانية والأميركية. ونشطت آلة الإعلام الغربية المعادية، وللأسف لم تنجو من ذلك حتى وسائل الإعلام العربية، لإظهار السودان وكأنه تراجع عن اتفاقيات والتزامات سبق ووافق عليها. واشتدت الحملة الغربية لتهيئة المناخ لفرض العزلة والعقوبات على السودان.
    وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، انعقدت قمة الرياض العربية الأخيرة، والتقط القفاز الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين رئيس القمة العربية، ودعا إلى قمة خماسية ترأسها هو، وشارك فيها الرئيس عمر البشير والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي البروفيسور الفا عمر كوناري. وأهم ما خرجت به هذه القمة هو أنها نزعت فتيل التوتر بين السودان والأمم المتحدة، وتوصلت لفهم صحيح ومشترك لقرارات أبوجا، واتفقت على تشكيل لجنة فنية ثلاثية من الأمم المتحدة والسودان والاتحاد الأفريقي لوضع التفاصيل المطلوبة لتنفيذ إتفاق أبوجا. وعقدت اللجنة الثلاثية اجتماعاتها في مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا في إبريل (نيسان) 2007 وتوصلت لاتفاق باستثناء موضوع الطائرات المروحية الذي وافقت عليه الحكومة السودانية مؤخراً بعد أن تلقت ضمانات بأن الطائرات دفاعية وليست هجومية وأنها خاصة بقوات الاتحاد الأفريقي وتحت سيطرتها. وعليه تصبح الحكومة السودانية موافقة بالكامل على تفاصيل الحزمتين الخفيفة والثقيلة، مبدية استعدادها للحوار حول تفاصيل العملية الهجين، مما دفع بالكرة إلى ملعب مجلس الأمن الدولي. ويبقى التساؤل المطروح أمام الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية هو هل ستفسحا الطريق لمواصلة تمويل قوات الاتحاد الأفريقي بواسطة الأمم المتحدة، حتى تتمكن الدول الأفريقية من إرسال مزيد من القوات، أم ستمضيان في خطة الإبتزاز والمراوغة لتحقيق أجندتهما السياسية؟
    والآن فلنعد إلى عنوان المقال «دارفور ـ آفاق الحل» لننظر في موقف الحكومة السودانية عما إذا كانت لديها رؤية وإستراتيجية لمعالجة هذه القضية التي شغلت الرأي العام المحلي والعالمي. جاء في خطاب الرئيس عمر البشير في فاتحة أعمال الهيئة التشريعية القومية (البرلمان) ـ دورة الانعقاد الرابعة يوم الاثنين الثاني من ابريل 2007 بخصوص دارفور ما يلي: «ظلت الحكومة تسعى حثيثاً بالتعاون مع الأطراف المعنية لضم غير الموقعين لمسيرة السلام، حيث وافقنا على مبادرة الاتحاد الأفريقي المدعومة من الأمم المتحدة، لعقد مؤتمر توحيد القيادات الميدانية، وتابعنا في الوقت ذاته الجهود المقدرة التي تقوم بها دولتا إريتريا وليبيا لإقناع القيادات السياسية لكل الحركات بالتوحد، والجلوس إلي مائدة المفاوضات وأن رؤيتنا الواضحة يمكن تلخيصها فيما يلي:
    أولا: ان الحل السياسي هو الخيار الأوحد لوقف الصراع في دارفور.
    ثانياً: ان الإطار السياسي ينبغي أن يكون شاملا للجميع إلا من أبى.
    ثالثاً: ان اتفاق سلام دارفور (أبوجا) يظل أساس الحل السياسي.
    رابعاً: ان الحوار الدارفوري ـ الدارفوري يمثل عنصراً مكملا للوصول إلى سلام مستدام في دارفور.
    خامساً: أن يكون الاتحاد الأفريقي راعياً للعملية السياسية ومشرفاً عليها بالتعاون مع الأمم المتحدة والأطراف الأخرى إقليمياً ودولياً، على أن يظل الاتحاد الأفريقي قائداً ومسؤولا عن الجانب الأمني وأن تكون مشاركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في إطار الحزم الثلاث التي جرى الاتفاق بشأنها مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة والتي ما يزال الحوار بشأنها جارياً.
    سادساً: ان تحقيق العدالة والمحاسبة على التجاوزات يظل شأناً وطنياً تلتزم به مؤسسات العدالة الوطنية والتي شهد لها العالم بالكفاءة والنزاهة والخبرة.
    سابعاً: وأخيراً، إن قضية دارفور يجب أن يستكمل حلها في إطار المسؤولية الوطنية لأبناء وبنات السودان وبأيديهم أولا وأخيراً.
    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق


                  

08-12-2007, 07:21 AM

الدكتور حسام الدين مصطفي

تاريخ التسجيل: 02-26-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: الدكتور حسام الدين مصطفي)
                  

08-12-2007, 07:32 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كــ تـرى الخرطـــوم أزمـــة دارفــور ـــــيف ؟؟؟ د. مصطفى عثمان إسماعيل - في حلقات (Re: الدكتور حسام الدين مصطفي)


    شكرا أستاذ سيف الدين عيسى للمرور وشكرأ يا دكتور على إكمال الحلقات وحقيقةً إخوتي إن قضية دارفور يجب أن يستكمل حلها في إطار المسؤولية الوطنية لأبناء وبنات السودان وبأيديهم أولا وأخيراً
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de