أيام سعيد بلبل ـ قصة قصيرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 04:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-14-2007, 10:00 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أيام سعيد بلبل ـ قصة قصيرة


    يوم ولادتي ، وحالما سمع صراخي من وراء الحيطة ، ضرب (سعيد بلبل) برميل(العرقي) برجليه ساخطا : (سُبْ عليك يا علي جـِمِعْ) . سعيد بلبل سيكون حلقه مكتوما طوال أيام السماية(1). لأن أغنية (فراش القاش) للفنان (زيدان إبراهيم) التي يهيم بها أثناء النشوة ، ستضيع في طبول فرقة الحباب الشعبية بأهازيجها في الشارع الخلفي ، احتفالا بقدومي للمعمورة ـ على الأقل لمدة أسبوع (بحسب رواية أمي) ... كان سعيد ينظر لـ( علي جـِمـِع) بعيون ثملة من وراء حيطة خشبية (سمحت لقامته المديدة أن ترى ما يحدث في الخارج دون أن يتحرك من مكانه ، كالجمل).
    في تلك اللحظة رقص (علي جمع) بالسيف و حوله دائرة من المعجبين بينما وقف "عثمان عمركنتيباي" (الذي قـُتل ، بعد ذلك بسنوات ، في الحروب الأهلية لجبهة التحرير الأرترية) مقابلا له في ساحة الرقص.
    دمدم سعيد بلبل متضايقا
    ــ والله أنا ما عارف حأعرس ، ولا يعرسَّوني بعد العمر دا.
    و بالرغم من أنه أحب جارتنا (حـّوا موسى) لسنوات طويلة نشطة، إلا أن العرقي(ماركة أبو حمار) كان أحب إليه منها ومما سواها . وبضياع هذه السنين في حب (حوا موسى)، والعرقي (ماركة أبو حمار) ، أصبح أكبر عازب في الحارة . بعدما جاء إلينا من أقاصي الأنساب المجهولة في الشمال ، بعينين حمراوين في الصحو والسكر يعلوهما جبين أسود مغضّن بخطوط جلدية متراكبة توحي عبوسا دائما .
    كان يحبنا نحن أطفال حارة (ديم كوريا) كلما ناديناه في السبعينات الجميلة :
    ( سعيدة يا عم سعيد)
    بعد ولادتي بسنوات لم أنس ذلك الشجار الذي دار بينه وبين جارنا (حماده الفـّلاتي) عندما أصابنا المرح فقمنا بجولة من الخراب في سيارته الخردة . خرج علينا حماده غاضبا بـ(ما يوه) كمصارع أفريقي مهزوم. والحقيقة أن خروج حماده لم يكن بسبب لهونا في السيارة الخردة ؛ بل بسبب علامات الفزع التي بدت على وجه (زنـّوبة ) وهما على السرير. وحين فرقع صوت (العنج) طاااخ على ظهر صديقنا (بامنتو) ـ الذي أمرناه بمراقبة الباب ـ .( وكان ذلك بسبب حالة أصابت بامنتو منذ الصغر في تتبع ما يراه بشغف لذلك سميناه " تبع التابعين" ) بدأت المطاردات في الحارة .
    الأزقة الضيقة لم تكن تسمح لنا بالمراوغة والمهارة أثناء الجري ، إلا أن الخُوَخْ
    جمع خوخة ، بين الجدران الخشبية في (ديم كوريا) ، وبسبب كونها ممرات للعبور السريع بين البيوت والشوارع( وأشياء أخرى سأذكرها في نهاية هذه القصة) مكنتنا من الخروج إلى الشارع الثاني والدخول إلى بيت سعيد بلبل ؛ مما اضطر (حماده) إلى الحياء عن مطاردتنا عبر البيوت بذلك الزي (المحتشم) . فاستدار ساخطا ليلحقنا عبر الشارع الثاني . وحينما دخل إلى منزل سعيد بلبل كان يسبنا سبا قبيحا أثار غضب سعيد فقال له
    ــ يا أخي اختشي .. انتا ما شايف شكلك كيف ؟
    في تلك اللحظات كنا نتسرب عبر الخوخة للشارع الآخر حين سمعنا حماده ينفجر في وجه سعيد بصوت عال
    ــ وانتا دخلك شنو يا (سكران ديما)
    ــ صح، أنا سكران ديما .... لكين أنا ما باكل مال النبي...
    كان سعيد بلبل يعني ذلك اليوم الذي استيقظ فيه أهل الحارة فرأوا صورة مصغرة للقيامة . أفواج هائلة من الفلاته والتكارين نساء ورجالا أمام منزل حماده.امتلأت بهم ظلال البيوت ومداخل الحارة وساحات الشوارع ، كانوا يتكلمون بدمدمات غاضبة . في اليوم الثاني تزايدوا مثل الجن بعد أن غاب حماده عن الحارة . فزاد جنونهم، و أصبح الأمر مثيرا بالنسبة لنا لأن الازدحام بدا فعلا صورة مصغرة لـ(القيامة) . بسبب احرامات الحج التي لبسوها استعدادا للسفر وهم يهللون ويكبرون (كانوا في ثياب الحج مثل طابور من الجنائز الواقفة) . و بعضهم جلب معه ما يستعين به على قضاء الوقت من أواني الأكل والشرب . وعمت الجلبة والصياح شوارع الحارة . وتناقل الناس همسا أن حماده تعهد للفلاتة بالحصول على تأشيرات الحج للسعودية . وجمع منهم مبالغ ضخمة . بعد أيام ، تفرق الفلاته و رجموا منزله بالعصي والحجارة وروث الأغنام , عندما علموا بسفره للخرطوم .
    الغريب أن الفلاتة لم يتعظوا مما جرى لهم من قبل ، حين وعدهم (بامكار) مرشح انتخابات دائرة ديم كوريا ـ قبل ذلك بسنوات ـ بأن مشروعه الانتخابي هو إقامة جسرعلى البحر الأحمر طوله 270 ميل بحري بين مدينتي (بورسودان) و(جدة) لتسهيل رحلات الحج ( كداري) خصوصا للفلاته.
    ولأنهم يحبون الديار المقدسة فقد منحوه أصواتهم بالجملة لـ(بامكار)، (أكثرهم صوت مرتين) مخالفين بذلك مرشح حارتهم (ديم تكارين ـ حي الشجرة) المدعو (ذكريا صالح زول الله )، ثم هتفوا بعد ذلك (حين لم يرو أثرا للكبري في البحر) أمام منزل (بامكار) متظاهرين :

    (وين الكبري.. يا بامكار.. يا مكّـار... وين الكبري .. يابامكار يا مكار ... وين الكبري يا ...) ؟

    كان حماده الفلاتي (بغض النظر عن الحالات التي تعكر مزاجه) شخصا لبقا مقبلا على الحياة رغم رعونتها في الحارة . وكثيرا ما كنا نراه ينزل من سيارات فارهة أمام منزله في زي أنيق (كنغولي مقـّـلم) أو (بدلة سفاري) مبتسما بأسنان بيضاء تكشف عن كمية هائلة من السعادة التي بداخله، بسبب تهريب البضائع ، الذي ازدهرت تجارته في السبعينات (حتى جارنا إبراهيم منتاى الذي غامر مرة وركب في رحلة فاشلة بالسنبوك للسعودية اضطر فيها للرجوع بعد أن رأى أنوار مدينة جدة . وكان بعد ذلك يسمع من بنات الحارة كلاما لذيذا، فيقول لنا منتشيا :
    ــ يادين النبي دي بس أنوار جدة ، ومال كان رحت جدة كيف؟ .
    كان حماده الفلاتي رغم لباقته ، مستعدا لممارسة أقصى حالات الرعونة إذا تعكر مزاجه . (مثل اليوم الذي طاردنا فيه بالمايوه) . وهو أول من أدخل التلفزيون في الحارة ولهذا السبب كنا نتطفل في منزله من بعد العصر حتى الساعة التاسعة مساء أي ذلك الوقت الذي يبدأ فيه بالحمحمة والنحنحة معلنا نهاية الفرجة بالنسبة لنا، من ناحية . ولاستقبال زائرات الليل بعد نشرة الأخبار القومية من ناحية أخرى .
    أما أنا ، ولأن حماده كان مستأجرا ً لمنزل عمي ، فقد كنت أستمتع بأوقات زائدة أمام صندوق الصور الصافية الذي كان يسّمرني أمامه بطاقة من الدهشة . وفي حالات لا تنفع فيها نحنحات حماده ولا حمحماته . خصوصا في الأفلام الهندية. و لا أغادر إلا عندما تنقطع الكهرباء ، فجأة ـ كالعادة ـ ... حتى كان ذلك اليوم الذي تابعتُ فيه وقائع الفيلم الهندي (شعلي) من بطولة (دهرمندرا)، و(أميتاب خان) "الذي نسميه في بورسودان جاك طويلة" . كانت الأحداث ساخنة ، بينما انتهى الوقت المحدد للعيال المتفرجين بحلول التاسعة ليلا دون أن ينتهي الفيلم. انسحب الجميع من الصالة مع ازدياد النحنحات والحمحمات التي تجاهلتها مبهورا .
    فجأة امسكني حماده من يدي بقوة ودفعني غاضبا إلى غرفة النوم ... لوهلة لم أتبين ما بداخل الغرفة بسبب دخان الصندل العابق لكني بعد ذلك تبينت جسد (زنـّوبه) . كانت مستلقية على بطنها وتدندن بصوت خفيف أغنية مبتذلة للطقاقة السودانية الشهيرة ( حنان بلو بلو) :

    (حمادة مالو ماجانا .. حمادة بوّظ أعصابنا )

    فرد عليها حماده وهو ممسكا بيدي
    ــ العفريت دا أخـّرني .
    انزلقت مسرعا . بعدما تراخت قبضة حماده حين رأى جسد (زنـّوبه) على السرير.عندها عرفت (الفيلم) . شتمته في نفسي شتما شديدا. ففي تلك اللحــــــظة كان
    ( دهر مندرا) قد قفز من أعلى البرج بحركة في الهواء إلى الأسفل واستوى جالسا على الدراجة النارية خلف (جاك طويلة) . ثم قذف العملة المعدنية على كف صاحبه لتبدأ تصفية الحساب مع الـ(الخيانة).
    خرجت ساخطا ولم أدخل منزله إلا يوم حفل خطوبته على (زنـّوبة) . كان الحفل يوما مشهودا من كل نواحي المدينة ؛لأن حماده جلب ـ على سبيل التفاخرـ فنانين من العاصمة القومية على رأسهم (زيدان إبراهيم) و (ابراهيم موسى أبّـا) . كان ذلك تحديدا في شهر فبراير 2 من العام 1974. بيد أن سعيد بلبل بدا أسعد الناس في ذلك اليوم (حتى ظن بعض الضيوف أنه العريس المفترض ) ، لا بسبب الخطوبة (الفشنك) ، ولكن لفرحته بلقاء فنانه المفضل شخصيا . فكان يعبر عن البهجة بتكسير قوارير العرقي الفارغة فوق رأسه على الطاقية (أم قرينات) التي يبلسها دائما أيام البرد . وحينما أحتج عليه أحد منظمي الحفل قائلا :
    ــ يا عم سعيد قزازك المكسر حيجرح الناس
    رد عليه مبتسما
    ــ أسمع يا واد، البعمل فيه دا 1 0/0 (واحد في المية بس) من البهجة عشان كده أحسن تخليني .
    بعد ذلك صدح العندليب الأسمر (بتاع السودان) الفنان زيدان إبراهيم بأغنية (فراش القاش) رقص خلالها سعيد بلبل في حال لا توصف من المرح خصوصا عندما غنى زيدان هذا المقطع

    (القاش(3) وشمس الصيف ** والقيف يعاين القيف)

    في تلك اللحظة صعد سعيد بلبل متراقصا حتى وصل إلى منصة الحفل ثم نشر أوراقا نقدية من فئة (الطرادة ) على رأس زيدان . وأخذ ينهق معه حتى نهاية الفاصل الغنائي عند ذلك حياه زيدان إبراهيم وقال بصوت عال أمام الحفل
    ــ يا جماعة ، كان سافرت بكره للخرطوم . حيغني بدلي سعيد بلبل في الحارة .
    ـ (أيووووووي)
    صرخ سعيد من شدة الفرح بهذه الوكالة الحصرية لأغاني نجم السبعينات الجميل (زيدان إبراهيم) . ومنذ ذلك اليوم انهالت عليه الدعوات في حارة (ديم كوريا) التي لا تكف عن إقامة (البارتيات) ، الحفلات ، وجولات السكارى اليومية في شارع الجسر. كانت الحارة تحب المرح آناء الليل وأطراف النهار. حتى علـّـق أحد أبناء حارة(ترب هدل)
    ــ حارة (كوريا) إذا ولدت لهم (غنماية) يعملوا ليها بارتي.
    فرد عليه سعيد ساخرا
    ــ ومالو ياأخي ديل ناس يحبو المرح . ما زي أولاد حارتكم . كان شافوا سكران في (ترب هدل) يعملو ليهو زفة . يوم دخلت حارتكم بالليل بعد الحفلة عملوا لي زفة وهلـّـولة ، الأولاد من ناحية ، والكلاب من ناحية . وكلما فتشت حجر لقيتو مربوط . حارة عجيبة، يربطو الحجار ويفكوا الكلاب . العيال زفوني لحدي ما طلعت من الحارة بعد داك قلت للعيال بذمتكم يا ناس "ترب هدل" ماشفتو واحد سكران ؟ انتو عنزة ديم كوريا أفهم منكم) .
    لكن سعيد بلبل بالإضافة إلى حالة الغرور التي أصابته ، أصبح يطرب نفسه في أغلب الحفلات التي يحييها . لأن العرقي كان يرسل الكلمات من حلقه بنبرات غامضة(تشبه نبرات الفنان حسن عطية) (وأحيانا خضر بشير). وكلما لامه المستمعون على ذلك النهيق يحتج عليهم باليوم المشهود (أي يوم الخطوبة الفشنك لحماده الفلاتي على زنوبه حيث عمـّده زيدان إبراهيم خليفة له في الحفل الشهير عام 1974 ) ... مع إصرار سعيد بلبل على الغناء في حالات السكر الشديد بتلك الحنجرة الذهبية. قـلت حفلاته في الأحياء المركزية فتحول إلى الهوامش في أحياء ( دار النعيم) و(فلب) و(والأندلس) . وانقطعت أخبار ه عن ديم كوريا . وأصبح يغني أحيانا مقابل كأس من العرقي . وأحيانا ( كُباية مريسة). وكانوا يحملونه حملا للمنصة.
    فجأة اختفى سعيد بلبل من ذاكرة البلدة مع انقلاب (ثورة الإنقاذ) عندما اختفت الحفلات وقلت الأعراس ، وهاجر الناس أفواجا إلى السعودية والخليج وأوربا وأمريكا. خصوصا في موسم العمره . ثم هجم على البلد جوالون من أطراف بعيدة اكتسبوا مهاراتهم من هوامش الأعمال اليومية . مثل بيع الماء في الصيف . وتوزيع الصحف في الشوارع التي أصبحت مهن محترمة تدر دخلا يسيل له لعاب الفتيات اللواتي يئسن من الزواج بموظفي الحكومة . اللذين يندر أن تجد أحدهم يعمل في دوام واحد . وأغلبهم كانوا يبيعون الماء ملثمين خوفا من تلك النكته التي اشتهرت بينهم . عندما سأل شحاذ بائس أحد موظفي الحكومة بإلحاح فلم يتخلص منه الموظف إلا حينما قال له
    ــ يا أخوي أنا زيك زميل ... لكين زميل سوبر
    عرفنا بعد ذلك أن سعيد بلبل سكن (حي الأندلس) وهو مقاطعة عشوائية من الصفيح والقش خلف الطريق السفري الدائري لمدينة بورسودان . ولأن سعيد بلبل أصبح معدما ، كان يعجز حتى عن ثمن الحافلة التي تقطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى قلب المدينة . وكان دائما يتعزى بحكاية (حاج كوريا) لمن يسألون عنه فيجيبهم
    ــ أنا بقيت زي حاج كوريا ، الله يرحمه ، حاج كوريا ، خمس طاشر سنه ما ركب البص من ديم تكارين لـحد السوق ، لمَّن مات جنب طبلو، كان بينه وبين السوق خمسة كيلومتر.. سيبك من الخمسين كيلو بتاعت حي الأندلس ... ( كان حاج كوريا مسحراتي عموم الديوم الجنوبية التي تشمل كوريا وديم جابر وديم تكارين . في ليالي رمضان طوال السبعينات الجميلة) . .. وبدلا من تعب المشاوير عبر الحافلات كان سعيد بلبل دائما يهاتف المعجبين عبر هواتف المنحة الإيطالية لحكومة الإنقاذ، تلك التي قام بتركيبها في البلدة عمال مصريون كلما أصابهم العطش ولم يجدوا ماء تندلع النكات من شفاههم الحارة
    ــ (ولله عال فئر وعن(.........)ة).
    وبرحيل سعيد بلبل إلى حي الأندلس تحول إلى فأر هرم دربته سنوات نظام حكومة الإنقاذ على الفقر تدريبا . مثل كل الذين يخرجون يوميا لإ كتشاف مهارت جديدة في الصبر على البلاء . أصبح يكتفي بـ (مريسة المشك) بدلا من عرقي السبعينات الفاخر. كانت أخباره تصلنا (نحن رابطة أبناء ديم كوريا في السعودية) بين الحين والآخر وكنا نسمع أن جسده يتلاشى يوميا . مع ذلك لم يكف سعيد بلبل يوما عن شرب العرقي ، و تدبير المقالب في دعوات الغناء التي تأتيه من أطراف الديوم . ففي اللحظة الأخيرة للذهاب إلى حفل في الأندلس مثلا ، يتوجه شرقا لحي الرياض بسبب امتياز العرقي (ماركة أبوحمار) على (مريسة) الأندلس .
    ذات يوم استيقظ سعيد بلبل ليلا على رنة الهاتف حين سمع تحية ذكرته بالزمن الجميل :
    ــ سعيدة يا عم سعيد
    ــ أكيد أنت واحد من عفاريت ديم كوريا
    ــ أنا من السعودية (كان المتحدث يتكلم من ديم كوريا) مندوب أبناء رابطة ديم كوريا بالسعودية ، ناس الرابطة حبو يكرموك على مشوارك الفني وأشترو ليك عربية (سيارة) . نحنا كنا عاو زين نخليها مفاجأة ، لكين قلنا يمكن تموت من الفرحة . عشان كده العربية موجودة في بيتك القديم بديم كوريا مربع 1 منزل رقم 90 وبكره الصباح حتستلم خطاب التكريم .
    ــ كلمتوا ناس الجمارك
    ــ كلمناهم . وقمنا بكل الإجراءات .
    ــ يعني كلو تمام
    ــ كلو تمام .
    ــ يا سلاااااا م ... شكرا ياشباب ... شكرا جزيلا .
    استيقظ سعيد بلبل صباح اليوم التالي منزعجا على طرقات قوية.
    ــ إنشاء الله خير
    ــ خير ، ياعم سعيد دا جواب جاك من السعودية الليلة ومعاهو شهادة تقديرمن RADKS))
    ــ ديل أكيد ناس الرابطة ....
    ذهب مسرعا إلى قهوة حي الأندلس ليــُسمِع الجميع خطاب التكريم الذي أعاد إليه بهجة السبعينات الجميلة. وبدأ يستمع للخطاب مستمتعا بقراءة جمعة صاحب المقهى:

    * * *
    [ إلى الفنان القدير سعيد بلبل ... إيمانا منا بدور الفن في ترقية الذائقة العامة وتجسيد قيم التسامح والمحبة والبهجة . وبدور الفنان في القيام برسالته الفنية على أكمل وجه ؛ فلقد قررنا نحن (رابطة أبناء ديم كوريا بالمملكة العربية السعودية ، رادكس ، ) . تكريم أحد المبدعين الذين أسهموا ولسنوات طويلة في صقل وجداننا بأدائه الرائع طوال السبعينات الجميلة . هو الفنان العم سعيد بلبل]
    . ـ في هذه اللحظة صفق سعيد بلبل وصفق معه من في المقهى لمدة 5 دقائق ـ
    ... ثم تواصلت القراءة : [... سعيد بلبل الذي أشجى حارتنا بأعذب الأ غاني ، وشهد أعراسها ومناسباتها بغنائه المتواصل مع جميع أجيالها . ورغم السنوات الطويلة التي فصلتنا عنه ،إلا أن سعيد بلبل ظل حاضرا معنا في سنوات الغربة القاسية بأغنياته الجميلة التي ملأتنا دفئا ً. وإذ نتذكر اليوم سعيد بلبل ، فإنما نتذكر سنوات الصبا ، و مشاوير الغرام وحنين العمر ، وذاكرة السبعينات الجميلة . دروب الحي ، وجسر السكارى ، وجنينة المساجين ، ومريسة (غولدامائير) ، ومُخبازة هارون . وحماده الفلاتي . وحاج محمد . ورابطة الديوم الجنوبية للرياضة . وحاج كوريا . وقهوة حسين إبراهيم ، ومطعم (جنة العذابة) بسوق ديم سواكن ، وأغاني زيدان خصوصا فراش القاش) و (قصر الشوق) و (أسير حسنك) و (وسط الزهور مصـّوِ ر) .... وروائع الفنان محمد الأمين (الموعد) و (الجريدة) و(شال النوار) (تتعلم من الأيام) و(ابتسامة).... وغناء (البلابل) ـ بنات طلسم ـ (شارع بيتنا) ... و(الشايلة المنقا) .... و ( مجبورين عليك) و ألحان الموسيقار بشير عباس . ونجم السبعينات العالمي (بوب مارلي). الذي أدخل سعيد بلبل إيقاعاته العالمية لأول مرة في أغاني الحقيبة . وصحافي الحارة الكبير محمود دليل الذي رفع اسم الحارة في صحف العاصمة القومية . وخصوصا (جريدة القوات المسلحة) . وسينما الخواجا . ومدينة الملاهي . والبث الإذاعي الأول لرائعة لفنان السودان العظيم بل وفنان أفريقيا الأول الفنان محمد وردي : (جميلة ومستحيلة) ، عام 1977 التي تقطـّع سعيد بلبل في أدائها لأول مرة ، وفرقة جاز البوليس . وحديقة عبود . وديجانغو (أظرف مجنون في الحارة) . وجميع من نسيناهم ومن لا يتسع المجال لذكرهم لكل ذلك فقد قررت (RADKS ) إهداء سعيد بلبل سيارة (كريسيدا)
    مود يل 2005 وهو أقل ما يستحقه هذا الفنان العظيم ..
    الموقعون أدناه .... رابطة أبناء ديم كوريا بالسعودية RADKS ] .....

    * * * *

    أفاق سعيد بلبل بتصفيق حارمن رواد القهوة. دمعت عيناه وهو يستعيد السبعينات الجميلة بسبب هذا الخطاب الذي أحيا فيه روحا جديدة ، وذكره برفاق الحارة الذين أكلتهم الأيام ، وطردتهم دروب العمر. ..
    في اليوم التالي تبرع ( جمعة) ، صاحب القهوة ، بتوصيل سعيد بلبل غدا إلى منزله القديم في ديم كوريا لاستلام الجائزة ، بعد سنوات طويلة ، إلا أن شباب الحارة أصروا أن يشيعوا سعيد بلبل في اللواري السفرية التي أعلن سائقوها ذلك اليوم إضرابا عاما ً . وعندما وصلت الزفة مشارف (ديم كوريا) . طلب سعيد بلبل من جمعة أن ينحرف يمينا في أول الشارع الخلفي لمدرسة ديم (برتي) المتوسطة
    فرد عليه جمعة
    ــ أنت من زمن المرحلة المتوسطة ياعم سعيد . المتوسطة ما (ذوبوها)
    ــ الذوبا منو ؟
    ــ ذوبوها ناس حكومة الإنقاذ في نظام الأساس قبل 16 سنة في خطة التعليم الجديد
    ــ ذوبوها يعني ايه؟
    ــ يعني لغوها من التعليم ؟!
    في بداية الشارع طلب سعيد من جمعة أن ينظر أمامه للمنزل رقم 90 كوريا مربع واحد . لكن جمعة لم يبصر شيئا ً أمام المنزل. كانت الحارة خالية في ذلك الصباح . نزل سعيد بلبل ثم نظر إلى أعلى الباب فرأى لعبة أطفال على شكل سيارة (كريسيدا) معلقة . دقق النظر في اللعبة و طلب من (جمعة) أن يقرأ له ما في أسفل اللعبة . .. قرأ جمعة العبارات في أسفل اللعبة بصوت عالي
    ( هدية رابطة أبناء ديم كوريا بالسعودية " RADKS " للفنان العظيم سعيد بلبل )
    ثم قرأ اسفل الإهداء بحروف صغيرة
    (إنتاج ورشة "على جزمه" لصناعة لعب الأطفال ــ المنطقة الصناعية ـ بورسودان)
    فجأة صرخ سعيد بلبل بصوت عالي
    ــ مؤامرة .... عملوها أولاد الكلب .... عملوها مع " علي جزمه "
    ... آه يا (RADKS) .... يا جـِـــزَمْ ...
    كان سعيد بلبل ذاهلا عمن حوله حين أصابته نوبة من الضحك الهستيري عرف الجميع بعدها أن سعيدا في حالة نفسية سيئة . حاول النهوض لكنه تداعى. ولم يفيق إلا عندما سقوه جرعة من قارورة العرقي التي كانت بجيبه في سيارة جمعة .
    وعندما أفاق التفت إلى الجميع ثم قال
    ــ خازوق جميل .... أليس كذلك .
    نطق سعيد بلبل الكلمة الأخيرة بعربية فصيحة أذهلت الجميع ؛ ثم التفت إلى جمعة وصاح
    ــ طواااالي ياجمعة
    ــ على وين ؟
    ــ على الفردوس المفقود .
    ــ وين ...؟
    ــ على الحارة يا حمار
    .............................................
    ينبع البحر 15/ مايو/أيار 5/2005
                  

11-15-2007, 11:37 AM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أيام سعيد بلبل ـ قصة قصيرة (Re: محمد جميل أحمد)

    *
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de