محمد ويهود بن النضير (1/3) غالب حسن الشابندر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 12:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-18-2007, 00:04 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد ويهود بن النضير (1/3) غالب حسن الشابندر

    غالب حسن الشابندر



    --------------------------------------------------------------------------------


    تعتبر قضية إجلاء بني النضير من المفردات المهمة و الخطيرة في تاريخ السيرة النبوية، والأسباب كثيرة بطبيعة الحال، منها كونها تتصل بالعدو التقليدي للإسلام والمسلمين في الجزيرة العربية، ومنها لان المصادر التاريخية تصور يهود بني قريضة بالشريحة اليهودية المتفوقة غيرها من الفرق أو الجماعات اليهودية بالقوة والمنعة والموقع الاجتماعي، فهم كما ينقل عن النبي مثل بني المغيرة في قريش /الواقدي ص 375 /، كما تصورهم مصادرنا التاريخية والتراجمية بالغنى وا لأنفة وسعة الرزق، ويقولون إنهم كانوا أكثر حضورا من بني قينقاع وقريضة . ومن هنا، ولهذه الاسباب يستغرب القا رئ كيف يكون هناك اختلاف في توريخ هذه القضية رغم أهميتها ودورها، وموقعها في تاريخ الاسلام ومصيره في الجزيرة العربية، ومن الغريب أن يصدر هذا الاختلاف في قضية بالغة الاهمية على مستويات عالية من الرواة الأوائل ممّن يُعتمد عليهم إعتمادا كبيرا في الرواية مثل عروة بن الزبير الزهري وابن اسحق وغيرهما من أساطين مصادرنا في السيرة والمغازي . فقد جاء في كتاب المغازي للبخاري باب حديث بني النضير [ (قال الزهري عن عروة) كانت على رأس شتة أشهر من وقعة بدر قبل أحد، وجعله ابن إسحق بعد بئر معونة وأحد، وقد وافق ابن إسحق جل أهل المغازي كما قال الحافظ في الفتح ] / فتح الباري 7 ص 330 . وقت
    الروايات التي تتحدث عن قضية بني النضير قليلة جدا، ولكن الأختلاف فيها كثير جدا، وفي ضوء هذا من حقنا أن نتساءل عن قيمة الرواية الشفهية في حدث مهم، حيث الروايات الشحيحة والاختلافات والمفارقات الجوهرية!!
    الروايات عندما تكون شحيحة والاختلاف كبير نكون أمام مشكلة، وتتعقد مشكلة التاريخ، أي كتابة التاريخ عندما يكون ذلك في نطاق حدث يعتبر مهم وجوهوي وخطير . كان هناك اختلاف في توقيت القضية، وأسبابها، ومجرياتها، وبعض نتائجها، فيما كانت الروايات المتعرض للحدث أصلا قليلة، فما هي القيمة الحقيقية للشفاهي إذن؟

    كلمة حول المصادر
    تتعرّض مصادر السيرة والتاريخ لهذا الحادثة بتفاوت، أقصد على مستوى السرد، ومن الطبيعي أن تكون مصادر السيرة والمغازي والتراجم مثل سيرة ابن هشام والواقدي وطبقات بن سعد أهم من مصادر التاريخ الاسلامي العالم، بما في ذلك الطبري .
    بعض كتاب السيرة يتطرق لحادثة ما، ثم يسرد عشرات المصادر كإحالات على هذا الحدث، بصرف النظر عن موقف الكاتب من الحدث بالذات، ولكن فيما لو رجعنا إلى هذا الكم الهائل من الإحالات لوجدناها تنتهي عند مصدر أو مصدرين أو ثلاث! وهذا في تصوري تعقيد .والغريب أن بعضهم يقوم بعملية نقد للمصادر المتقدمة على ضوء المصادر التالية وبحقب زمنية ربما طويلة نسبيا! فهو مثلا يصحح خبر ابن هشام برواية عن ابن الاثير في الكا مل، أو يصحح خبر الطبري بخبر أخر يرد في كتاب (تاريخ الخميس)، وهناك ما هو أدهى وأمر، كثيرا ما يصحح تاريخا مسندا برواية غير مسندة، كأن يصحح رواية ابن إسحق المسندة برواية (أعلام الورى) لمصنفه، وهو كتاب مراسيل بامتياز . لا يعني هذا أن رواية ابن هشام معصومة، ولا يجوز الاقتر اب منها، و لكن كونها مسندة هي أو لى با لتعامل الإيجابي معها من رواية صاحب (إعلام الورى) غير المسندة بالمرّة، حتى إذا كان سند ابن إسحق ضعيفا .

    إن تصحيح المتقدم بالاعتماد على المتأخر شي خطير، ويحتاج إلى دقة وعناية زائدة، خاصة إذا كان المتأخر غير مسند، أو قد نُقِل إلينا وجادة، أو إذا كان أصله تالفا، ومرّ بعدة محاولة نسخ وتهذيب وتشذيب لا ندري ما هي معاييرها ولا دقة عاملها .
    مصادر قضية بني النضير كثيرة، وكثيرة جدا، فنحن يمكن أن نراجعها في سيرة ابن هشام، ومغازي الواقدي وطبقات بن سعد وتاريخ الطبري، ومغازي الذهبي، وتاريخ الخميس، وتاريخ اليعقوبي، وأنساب الأشراف، والمحبّر، والمنمّق والمسعودي، وتاريخ وفاء الوفاء، والعبر لإبن خلدون، وتاريخ المنتظم لإبن الجوزي، وصفوة الصفوة، والمبتدا والخبر، وأسد الغابة، والإصابة في معرفة الصحابة، وإعلام الورى، والبحار، والصحاح، والمسانيد، والسنن، وغيرها ما شاء الله من المصادر والاسفار والموسوعات، ولكن بعض هذه المصادر تفتقر إلى السند تماما، كما هي رواية اليعقوبي والبلاذري في أنساب الإشراف، كما أن بعضها تقتصر على سند ناقص، كما هو في سيرة ابن إسحق نفسها كما سنرى، وبعض هذه المصادر هي تكرار لسابقتها، أو اختصارا لها تبعا لتلمذة اللاحق للسابق كما هو في مجمل طبقات بن سعد تبعا لشيخه الواقدي، وبعض هذه المصادر متأخر زمنيا، مثل الكامل والبداية والنهاية وغيرهما من المصادر التاريخية، وبعض هذه المصادر مختصر جدا، كما نقرا في المحبر عن بني النضير بضعة كلمات (ثم عزوة بني النضير في سنة أربع، خرج إليهم يوم الثلاثاء لأثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، فحاصرهم ثلاثة وعشرين يوما حتى أجلاهم، ورجع يوم الخميس من شهر ربيع الأول) ص 113 . كما أن بعض المصادر لا يعدو كونه جامعا للروايات والسرود الواردة في مصادر سابقة، وخير من يمثل ذلك مغازي الذهبي الذي هو جزء من تأريخه الجامع لسابقه أو الجامع للكثير من سابقه، والرجل معروف كونه رجاليا أكثر من كونه مؤرخا (ت 748) .
    الذي أريد أن أخلص إليه من كل هذا، أن رجوع بعض مؤلفي السيرة إلى مصادر كثيرة لا يعني بالضرورة إنه يرجع إلى مصادر متعددة الينابيع، فهي قد تتشابه بالمسانيد، وقد يكون بعضها قد أخذ من بعض، وقد تكون خالية من الإسناد بالكامل!!

    مصادر حادثة بني النضير
    في تصوري إن أهم المصادر التي يمكن أن نرجع إليها في معالجة حادثة بني النضير وكثير من حوادث وأمور وقضايا السيرة النبوية هي سيرة ابن إسحق، ومغازي الواقدي، وطبقات بن سعد، وأنساب الاشراف، والطبري من المؤرخين بالدرجة الأولى، ثم تلي الباقيات، ولا ننسى ما ورد في الصحاح ولكن بشرط عدم الأخذ بالقول الذي يرى أن كل ما فيها صحصح، وإلاّ لا نستطيع أن نؤسس تاريخا حقيقيا .
    تعرض ابن إسحق للحادثة في رواية عن يزيد بن رومان، وفي رواية حَدَّثه فيها عبد الله بن أبي بكر مُحَدَّثَا، وفي رواية حدّثه فيها بعض(أل يامين) ... والحصيلة النهائية لهذا الا ستعراض، إن رواية ابن إسحق مرسلة، فإن يزيد بن رومان من تابعي التابعين، توفي سنة ثلاثين ومائة للهجرة . وعبد الله بن أبي بكر حُدِّث، فهناك واسطة مجهولة، ثم لا ندري من هم هؤلاء بعض (أل يا مين) وأل يامين يهودي أسلم بعد إجلاء بني النضير .
    تعرّض الواقدي للحدث في رواية مسهبة تعادل سردية ابن هشام كثيرا، وفيما يستعرض رجاله في الرواية ينهي السند بقوله (في رجالٍ ممّن لم أُسمِّهم) ص 363، ثم في رواية سندها (حدّثني يحي بن عبد العزيز قال: كانت القبة ...) ص 371، وهي رواية مرسلة، وفي رواية سندها (أبو بكر بن أبي سبرة، عن رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جدّه، قال: لقد مرّ ...)، والسند مخدوش بـ (رُبيح)، فهو (ليس بمعروف ... وقال الترمذي في العلل الكبير عن البخاري: ربيح منكر الحديث) تهذيب التهذيب 3 رقم 460 . وعبد الرحمن بن سعيد الخدري ليّنه ابن سعد / مغني الذهبي رقم 3571 . على أن المصدر القريب للواقدي في هذه الرواية هو (ابو بكر بن أبي سبرة) يعد من أسوأ الرواة في تاريخ الرواية الإسلامية السنية، فهو بقول عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس بشي، وكان يضع الحديث ويكذب، وبقول ابن معين ليس حديثه بشي، وقال ابن المديني كان ضعيفا، وبقول مرّة كان منكر الحديث، وبقول البخاري ضعيف، وبقول النسائي متروك / تهذيب التهذيب 12 رقم 138 . فما الذي بقى من الرواية؟ وفي رواية أخرى يتحدث الواقدي عن سلاحهم الذي قبض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بسند (حدّثني أبو بكر بن عبد الله، عن المسور بن رفاعة، قال: وقبض ...) ص 377، ولي خمس ملاحظات على المسور بن رفاعة، وهي: ــ
    الاولى: إ نه قرظي، فإ ن اسمه الكامل هو: المسور بن رفاعة بن أبي مالك القرظي .
    الثانية: يروي عن القرظيين .
    الثالثة: تابعي توفى سنة 138 .
    الرابعة: لم يتضح مصدره في رواية الواقدي عنه .
    الخامسة: لم يوثّقه غير ابن حبان، وفي توثيقاته نظر وتحفُّظ كما يقول الرجاليون . تهذيب التهذيب 10 رقم 286 .

    يتعرض ايضا في رواية أ خرى بسند (حدّثني موسى بن عمر الحارثي، عن أبي عُفير، قال: إنما كان يُنفق على أهله من بني النّضير ...) ص 378 . والرواية تتحدث عن توزيع الغنائم، ولم أجد ترجمة لموسى بن عمر الحارثي فيما عندي من مصادر، كذك رواية عن معمر عن الزهري، عن خارجة بن زيد، عن أم العلاء، يتحدث فيها عن توزيع الغنائم .
    الطبري تناول الحدث، مستنداً إلى رواية ابن إسحق مفصلا، ورواية الواقدي الرئيسية مختصرا، وفي رواية يتحدث عن مدة حصارهم من قبل النبي، بسند (حدّثني محمد بن سعد، حدَّثني أبي، قال: حدَّثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني بني النضير ــ خمسة عشر يوما ...) 3 ص 153 .
    نطالع أكثر من روا ية في البخاري وصحيح مسلم عن حادثة بني النضير، وهي روايات لا تسرد الحدث بقدر ما هي اشارات ومعلومات متجزّئة، نتعرض لها أثناء حديثنا المفصّل إن شاء الله تعالى .
    وإذا راجعنا جيدا المسانيد والمتون لوجدنا أن أهم المتون في الحدث مرسلة، أقصد متون السرد، في سيرة ابن إسحق والواقدي وطبقات بن سعد، وفي لقاء اخر نفصل أكثر .



    http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2007/9/268114.htm
                  

10-18-2007, 00:05 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ويهود بن النضير (1/3) غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)

    يقول اليعقوبي (ثم كانت وقعة بني النضير، وهم فخد من جذام / سوف نناقش ذلك لاحقا /... وكان رسول الله بعث إليهم بعد أن وجّه من يقتل كعب بن الأشرف اليهوديّ، الذي أراد أن يمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم: أن إخرجوا من دياركم وأموالكم. فوجّه إليهم عبد الله بن سلول وأصحابه المنافقين، لا تخرجوا فإنا نعينكم، فلم يخرجوا. فسار إليهم رسول الله...) اليعقوبي ص 49.
    والنص يواجه مشكلة الإرسال، فهو غير مسند بالمرّة، ثم مقتل (كعب بن الأشرف / وياتي يوم اناقش فيه أصل القضية /) كان في تاريخ سابق على إجلاء بني النضير، فإن كثيرا من الروايات تفيد أن مقتل كعب هذا جاء بعيد معركة بدر كما عليه سيرة ابن هشام والواقدي وغيرهما!
    يقول المسعودي في تنبيه الأشراف (ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول بني النضير من اليهود... وكانوا موادعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم همّوا بالغدر به، فنذر بهم، فنبذ إليهم، فأقاموا الحرب، فسار إليهم، فحصرهم خمسة عشر يوما) ص 213.
    هذا النص يواجه معضلة الإرسال.
    يروي بن مردويه رواية طويلة أنقلها مختصرة عن فتح الباري الجزء السابع ص 255 (... أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمة بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب كفّار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممّن يعبد الاوثان قبل بدر، يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهمَّ ابن أُبي ومن معه بقتال المسلمين، فاتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم، فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا، فلما كانت وقعة بدر كتبت كفّار قريش بعدها إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، فاجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك أتبعناك. فأشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر، فأرسلت أمرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم، تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبَّحهم بالكتائب، فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة فحا صرهم فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الأبل إلاّ السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أوّل حشر الناس إلى الشام) 7 ص 255.
    هذه الرواية توردها الكثير من المصادر، ولكنّها مصادر متأخرة نوعا ما، وبعضها ليست ذات قيمة سندية معتبرة، وكل صيغها تنتهي بـ (رجل من أصحاب النبي...)، وإذا كان العسقلاني وغيره يعتبرها صحيحة السند، فان الباحث العلمي يتوقف عند بداية السند (رجل من أصحاب النبي...)، ولا يتساهل في ذلك على إعتبار أن الصحابة كلهم عدول، فذلك شأن المحسوبين على التوجه الديني السني التقليدي. على أن هناك بعض الملاحظات الأخرى على الرواية. منها العجب من غياب أسم هذه المرأة التي أنقذت الموقف كله، ومنها غياب أسم الاخ الذي كان واسطة نقل الخبر من أخته إلى الرسول الكريم، فمن الصعب التصديق بأن التاريخ يهمل مثل هذين الاسمين الخطيرين، فقد لعب صاحباهما دورا إنقاذيا لكل التاريخ الاسلامي، بل لنبوة محمّد بحد ذاتها.
    الرواية بطبيعة الحال تختلف عمّا جاء في مصادر السيرة المهمة، مثل سيرة ابن هشام والواقدي وطبقات ابن سعد وأنساب الاشراف وغيرها من المصادر المهمة الاخرى. كما أنها تختلف مع روايات أخرى يعتمدها أهل الفقه، مفادها أن النبي لم يقاتل بني النضير، بل استلسم القوم، كما سيأتي بيانه إ ن شاء الله.
    بعد كل هذا تشخص الرواية الأهم، المشهورة في كتب السيرة الأصلية، وملخص الأمر ، هو أن عمر بن أُميّة الضمري كان قد بعثه النبي صلى الله عليه وآله في مهمّة إلى مكّة / سأذكر نوع المهمة فيما بعد لاسباب فنية تتعلق بطبيعة البحث / ولما رجع إلى المدينة لقي رجلين من بني عامر، فاعتقد أنهما كانا يتجسسان ويتحسسان أمر النبي وأصحابه بتكليف من قريش، فقتلهما معاَ غيلة، وأعلم النبي بذلك فاستكثره عليه بحجة لعهد بينه وبين بني عامر، فلزم النبي أن يدفع ديّة الرجلين (فخرج رسول الله إلى بني النضير يستعينهم في دِية ذينك القَتيلين من بني عامر، اللذين قتل عمرو بن أميَّة الضّمري، للجوار الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما، كما حدّثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النّضير وبين بني عامر عقد وحلف، فلمّا أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتليلين، قالوا: نعم ، يا أبا القاسم، نُعينك على ما أ حببت، مما استعنت بنا عليه، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد، فمن رجل يعلو هذا البيت، فيُلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فأُنتدِب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدُهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليُلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضوان الله عليهم. فأتى رسولَ الله الخبرُ من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج ر اجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابُه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مُقبلا من من المدينة، فسألوه عنه فقال: رأيته داخلا المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنتهوا إليه، فأ خبرهم الخبر، بما كانت اليهود أرادت به من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ب التهيؤ لحربهم، والسير إ ليهم... فتحصنّوا...) سيرة ابن هشام ص 121.
    وحاصل الرواية إن النبي محمد قرر تصفية الموقف مع بني النّضير بسبب التأمر على قتله، أي كانت البداية مؤامرة يهودية مسبقة، تعاهد عليها بنو النّضير مستغلين فرصة ذهبية كانت قد توفرّت، ولكن عنصر المفاجأة في الرواية هو كيفية علم النبي بهذه المؤامرة، فالرواية تؤكد أ ن السماء هي التي أبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فتحرك على ضوء هذا الإخبار السما وي، وقرر تصفية الموقف مع هذه الجماعة اليهودية المتأمرة.
    يروي ذلك مفصّلا الواقدي، كذلك كاتبه ابن سعد في طبقاته مختصرا حديث شيخه محمد بن عمر الواقدي كذلك بصورة مختصرة أنساب الأشراف، والتنبيه والاشراف للمسعودي، وغيرها من المصادر الأخرى.
    ويمكن أن نسجل الملاحظات التالية على هذه الرواية، مركِّزين على رواية ابن اسحق والواقدي باعتبارهما أهم مصادر الرواية المذكورة.
    أولا: هذه الروايات إمّا بلا سند أصلا، أو سندها مرسل. ويكفي أن نعرف أن رواية ابن اسحق مصابة بهذه الآفة، كذلك رواية الواقدي.
    ثانيا: أن بعض هذه المصادر لم تذكر قصّة المؤامرة، فلم نجد لهذه المؤامرة ذكرا في (أنساب الأشراف) مثلا، وهو مصدر مهم.
    ثالثا: وهناك إرتباك كبير في قصة القتلين العامريين اللذين جاء النبي بسببهما إلى بني النّضير لأشراكهما في ديتهما، ومن مصاديق هذا الإرتباك، أن ابن اسحق يذكر مقتلهما علي يد عمرو بن أميّة الضمري عندما رجع من (بئر معونة) إلى المدينة، حيث كان النبي أرسله إلى (بئر معونة) لاستجلاب جثة(خبيب بن عدي) الذي قتله القريشون هناك / سيرة ابن هشام ص 118 ، فيما يذكر الواقدي مقتلهما على يد عمرو بن أميّة هذا بعد رجوعه من (مكّة). وكان قد بعثه النبي إليها ليقتل سفيان بن حرب لان الأخير كان قد خطط لقتل النبي، فاراد النبي أن يستبقه بقتله، فكلّف عمرو بن أميّة لذلك، ولكن الأخير فشل، وفي طريقه إلى المدينة من مكّة التقى هذين الرجليين العامريين فقتلهما لظنه إنهما كانا في مهمة تجسسية! وأيده في ذلك ابن هشام في رواية خاصة به مستدركا على ابن اسحق كما مرّ بيانه / سيرة ابن هشام ص 397 /.
    نعم، هناك أحتمال ا لجمع بين روايتي الواقدي وابن اسحق بالقول أن (عمرو بن أميّة الضمري) قتل أربعة رجال من بني عامر، ولكن هذا الجمع صعب وتحميلي أكثر من اللازم. خاصة إن النبي كان يريد أن يدفع دية قتيلين وليس اربعة، فيما كلهم من بني عامر، حيث يجب دفع دية كل القتلى بسبب المعاهدة بينه وبين بني عامر.
    رابعا: إن بعض المصادر لم تتعرض إلى الإخبار الألهي لمحمد فيما يخص قتله أو إغتياله، وأنا أركز على هذه النقطة هنا، لأن الرواة المسلمون يهتمون بالجوانب الغيبية خاصة فيما يتصل بحوادث ووقائع السيرة النبوية الشريفة، ومن هنا نتساءل عن أهمال البلاذري مثلا لهذه النقطة في كتابه المهم (أنساب الاشراف)، وفي كتابه الاخر (فتوح البلدان) / ص 27 طبع دار الهلال / وقد تجاوزها أيضا اليعقوبي في تاريخه، كذلك المسعودي في (التنبيه والاشراف).
    خامسا: هناك ا ختلافات بين مصادر الخبر التي نحن بصددها وهي تتحدث عن مؤامرة يهود بني النّضير لقتل النبي الكريم وإخبار السماء له بذلك، نشير إلى بعض منها.
    1: نقرأ في سيرة ابن هشام أن يهود بني النّضير أجتمع بعضهم لبعض (فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة) ثم يقترحون بصيغة الجمع إلقاء الصخرة عليه ص 121، فيما يقول الواقدي (ثم خلا بعضهم إلى بعض فتناجوا، فقال حيَيّ بن أخطب: يا معشر اليهود، قد جاءكم محمّد في نُفير من أصحابه... فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الذي تحته فاقتلوه) ص 364.
    2: جاء في رواية ابن إسحق إن النبي الكريم حاصر يهود بني النّضير ستَّ ليال ص 121، فيما في مغازي الواقدي حاصرهم خمسة عشر يوما ص 374، وفي (أنساب الأشراف) نقرا (وحصرهم خمس عشر ليلة) ص 339.
    3: يذكر الواقدي في روايته أن يهود بني النّضير لم يتحصّنوا فقط، بل (جعلوا يرمون ذلك اليوم بالنُّبل والحجارة حتى أظلموا) ص 371، فيما يخلو مصدر ابن إسحق من ذلك تماما، وينستشف من كلامه أنهم استسلموا بلا قتال، وكان النبي قد أمضى لهم ما حملت أبلهم من أموال إلا السلاح ص 121.
    هذه عينات مهمة تبين مدى التباين بين الروايات في نقاط مهمة من الحدث، ممّا يجلعنا على حذر من قبول ما يروى جزافا، وتشكل هذه الاختلافات والتباينات نقاط ضعف في الرواية عموما.


    ثغرة كبيرة
    ينطوي النص على مفارقة كبيرة، لعلَّها تطيح بمشروعيته التاريخية بالصميم، فإن النص يفيد أن النبي الكريم قد أعلمته السماء بمخطط بني النّضير بقتله، فما كان من النبي إلاّ أن ينقض عهده معهم، ويقرر إجلائمهم!
    لا يمكن للنبي أن يلزمهم بهذا الإخبار أبدا، فإن إلزامهم يجب أن يكون بجرم مشهود، وليس بالاعتماد على إخبار غيبي، ومن المعروف عن النبي أنه كان يقضي بين المتخاصمين حسب معطيات ا لشهادة الحسيّة وليس حسب معطيات علمه الشخصي، بل هذه احدى قواعد القضاء في الفقه الاسلامي، فإن القاضي حتى لو كان نبيا لا يجوز له الحكم منطلقا من علمه بالواقع، بل منطلقا ممّا تفضي به شهادات الشهود ومعالم البينات، ولا يجوز له أن يقضي أو يلزم أو يبرم أو ينقض بناء على علم خاص به. وربما لذلك عزف الكثير من المؤرخين التطرق إلى هذا الإخبار، أي إخبار السماء للنبي، وإذا أردنا أن نسامح الرواية نصرف علم النبي بمحاولة قتله إلى الحس وليس الغيب، و أنهم عرفوا بعلم النبي هذا، وبذلك تكمل المعادلة بشكل واضح، وقد أسفر الواقدي عن هذا المعنى في تضاعيف سرده للحدث، فقد جاء في السرد أن النبي كان قد أرسل مبعوثه الخاص لبني النّضير يأمرهم بالخروج من وطنه، وممّا قاله هذا السفير إلى بني النضير هو قول النبي (قد نقضتم العهد الذي جُعِلَت لكم بما هممتم به من الغدر بي) ص 367، ويضيف الواقدي بأن هذا المبعوث (أخبرهم... ظهور عمرو بن جِحاش على البيت يطرح الصخرة، فسكتوا فلم يقولوا حرفا) ص 367 /. فهذا النص يبين بوضوح أن النبي كان قد رآهم يهمون بقتله، بل رأي المنفذ للعملية، وهو كما في الروايات (عمرو بن جحاش)، وهذا التصوير ينسجم مع أبسط قواعد الفقه الإسلامي في القضاء، كما أنه ينسجم تماما مع حق النبي بنقضه العهد معهم، ولا يدع حجة لبني النّضير بالرد أو المراوغة، وهو ما اشار له النص.
    لم يحتج النبي على يهود بني النّضير بمادة الإخبار الغيبي، بل احتج عليهم بانه نقضوا العهد بمحاولتهم قتله دون الاحتجاج دليلَّا بالأخبار السماوي، ومن ثم، لم يتطرق القرآن إلى هذه النقطة الحسّاسة، رغم أنه تناول موضوعة بني النّضير في سورة الحشر.
                  

10-18-2007, 00:06 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد ويهود بن النضير (1/3) غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)




    محمد ويهود بن النضير (1/3)

    محمّد ويهود بني النّظير (2/3): قراءة جوانية في سبب (الإجلاء)



    ليس النقاش في أصل الحرق، ولكن في سعته، ومداه، هذا ما نريد أن نناقشه في ضوء الروايات والاية الكريمة.
    روى موضوع الحرق البخاري في صحيحه عن إبن عمر رضي الله عنهما (حدّثنا آدم، حدّثنا الليث،عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النّضير وقطع البُويرة ، فنزلت من ليِّنة أ و تركتموها...)، وفي رواية أخرى (حدّثني إسحق... عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أ ن النّبي صلى الله عليه وسلم حرّق نخل بني النّضير...)، ورواها مسلم في صحيحه عن ابن عمر أيضا، كذلك سنن ابن ماجة ، والترمذي أيضا، عن ابن عمر، وبالتالي، فإنها رواية أحاد، ولكن وردت في صحيح البخاري بصيغة (حرّق) أي بالتضعيف، فيما وردت في صحيح مسلم (حرَقَ) وفارق بين الصيغتين كما هومعلوم، فإن صيغة (مسلم) قد تفيد أن هناك حرقا طفيفا، مساحته بسيطة وعدد نخيله معدود. ولكن رواية البخاري هذه، أو عملية الحرق الشامل المضعّف يتضاد مع ر وايات كثيرة تؤكد أنّ جلائهم كان صلحا، والصلح لا يتقدمه حرق نخيل بطبيعة الحال، اللهم إلا إذا كان بمستوى بسيط كأن تكون هناك نخلات في الطريق إلى الهدف، أي حصونهم.
    وهناك رواية أخرى بالحرق، رواها ابن سعد في طبقاته (أخبرنا محمّد بن حرب المكّي، وهاشم بن القاسم الكناني، قالا: أ خبرنا الليث بن نافع، عن عبد الله بن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّق نخل النّضير، وهي البُويرة، فأنزل الله تعالى: ما قطعتم من ليِّنة أو تركتموها قائمة على أصولها) ص 58.وهي ذات الرواية التي نقرأها في البخاري، لأنها عن الليث عن عبد الله بن عمر، فلا زيادة.
    ولكن هنا القرآن الكريم وهو يتعرّض لموضوعة النخيل لم يذكر أبدا مسألة التحريق، بل إكتفى بالقطع!! فيما روايات البخاري تفرد التحريق حصرا!!!
    فما هو السبب؟
    يقول القرآن (ما قطعتم من ليِّنة أو تركتموها قائمة...)، فلم نصادف هنا أي ذكر للتحريق، الامر الذي يثير الاستغراب حقا.
    هذا وسوف نعود لمناقشة رواية عبد الله بن عمر هذه في ضوء تضاعيف روايته وبلحاظ ما جاء في القرآن الكريم وبعض الروايات، حيث سنرى هناك إضطرابا مريعا في روايته هذه.

    قطع النَّخْل / فوضى المعنى
    تقول الاية الكريمة (ما قطعتم من لِيْنَةٍ أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين).
    لم يتطرق القرآن الكريم إلى عملية الحرق، بل القطع وحسب، وكما هو معلوم من جماع الروايات التي تعرضت لقضية النخيل، إن يهود بني النّضير كانوا قد اعترضوا على القطع والتحريق معا (فما بال قطع النخيل وتحريقها) سيرة ابن اسحق ص 121.
    فكيف يستثني الحرق دون القطع وكلاهما محل إعترض أو تساؤل من قبل يهود بني النّضير؟ مع العلم أ ن الحرق أشد من القطع إيذاء وتخريبا وتدميرا؟
    ولكن أختلف اللغويون إختلافا كبيرا في بيان معنى (لِينة)، الامر الذي يعقّد عملية فهم الاية، فاصل الكلمة يرجع إلى مادّة (ل، ي، ن) وهي ضد الخشونة. فإذا ما أردنا أن نصرف ذلك للنخل فليس من المعقول أن ينصرف إلى كل أنواعها، إذا لا تنطبق عليه عدم الخشونة، ومن هنا قال بعضهم أن اللّيِنة نوع من النخيل وليس كله، فهو صنف من النخيل، وقد قال السهيلي (وفي تخصيصها بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو ما ليكون مٌعَّدا للإقتيات، لأنهم كانوا يقتاتون على العجوة والبرني دون اللينة) العسقلاني ص 54 مسحوب على النيت / وفي مفردات الراغب الاصفهاني [ (ما قطعتم من لِينة) أي من نخلة ناعمة... ولا يختص بنوع دون نوع ]، مما يعني إنهم كانوا يقطعون نخلا، ولكن ليس كل أنواع النخل الموجود، بل الناعم منه فقط، ولكن ما هو الناعم من النخل؟ هل المقصود هنا التي لا تحمل ثمرا؟ أم هناك أنواع من النخل تسمّى ناعمة؟ وعلى كل حال، فإن عملية القطع الواردة لا تشمل كل أصناف وأعمار النخل. وقد استشهد صاحب مجمع البيان بشعر ذي الرمة (طِراق الخوافي واقع فوق لِينة بذي ليلة في ريشة يترقرق) حيث أتبع ذلك قوله (فأن اللينة نوع من النخل أي ضرب منه) ص 389. وينقل صاحب التفسير الكبير عن أبو عبيدة قوله (اللينة: النخلة ما لم تكن عجوة أو برنية) 15 ص 284. وينقل أيضا عن ابن مسعود (قطعوا منها ما كان موضعا للقتال) ص 284، ويُنقَل عن قتادة وابن عباس انها كل نخلة سوى العجوة، وفي معاني القرآن للفراء المتوفي سنة 207 [ (ما قطعتم من لينة) حدّثنا الفراء قال: حدّثني حِبَّان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع النخل كُلِّه ذلك اليوم، يعني: يوم النّظير إلاّ العجوة. قال ابن عباس: فكل شي من النخل سوى العجوة هو اللين) 3 ص 144. وفي مجمع البيان أيضا إنها النخلة الكريمة ص 389. وعند بعض اللغويين وا لمفسرين أن (لِينة) تنصرف إلى الدقل وهو تمر في غاية الردائة ! وعند أخرين تنصرف لكل الأشجار.
    وفي الحقيقة أننا بين يدي فوضى لغوية، فكم هو الفرق بين قولنا أن (اللينة) تعني كل أنواع النخيل وبين قولنا أنها تعني كل الاشجار؟ وكم هو الفارق بين قولنا إنها تعني كل أنواع النخيل وبين قولنا أنها تعني النخل الناعم فقط؟ وكم هو الفرق بين قولنا أنها تعني كل أ نواع النخيل وبين قولنا أنها تعني ذلك سوى العجوة، و أحيانا سوى العجوة والبرني؟


    مأساة المعجم العربي في ثروته
    هذه من القضايا التي يجب أن تثار، فإن معاني الكلمات لم تصلنا خالصة، المعجم العربي ثروة على صعيد المنقول من المعاني لهذه الكلمة أو تلك. ومن الصعوبة الرجوع خالصا إلى المعجم من دون قرائن وعلائم حالية ولغوية من داخل النص وتصورات قد يكون لها علاقة صميمية بموضوع المفردة، فإن المعروف عن الاسلام ا حترامه للنخلة خاصة، ويروى أن محمد كان يقول ما معناه، أكرموا النخلة فإنها عمّتكم، كما أن الأدب الاسلامي حاشد باحترام النبات، بل وفي التوصيات التي تفيد الحرص على الزرع حتى في أثناء القتال، ومن الادبيات الشائعة في كتب الفقه توصيات النبي والخلفاء للمحاربين المسلمين أنْ لا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا أمراة وأن لا يقطعوا شجرة...
    إن تعميم القطع هنا لكل نخيل بني النّضير يجافي الحقيقة، بل يعني نوعا من التكلف الصلف، بل هو تكلف لا يراعي حرمة اللغة ولا حرمة التاريخ ولا حرمة المنقول الصحيح على صعيد الادب الاسلامي في الحروب والقتال.
    إن الحاصل الذي يمكن أن نخرج به من هذه المُحْتشَد من المنقول على صعيد المعاني اللغوية والمورث الإسلامي بل وربما مجريات الأحداث، وبلحاظ ما جاء في الكتاب الكريم، إن عملية القطع كانت حاصلة قطعا، ولكن كما يبدو على مدى ضيق مساحة وعددا... وسوف يأتي المزيد من الشواهد والادلة.
    أسباب سياسيِّة خفيَّة
    تقول رواية عبد الله بن عمر (حدّثنا اللّيث، عن نا فع، عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقَطعَ وهي البويرة فنزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها على أصولها فبإذن الله).
    الغريب أن ابن عمر يقول إن النبي الكريم (حرّق) نخل بني النّضير، ويستشهد بقوله تعالى (ما قعطتم من لينة أو تركتموها على أصولها فبإذن الله) ، حيث يغيب خبر الحرق في الآية الكريمة! فليس هناك تماهيا، ليس هناك تطابقا كما هو واضح.
    تتحدث الروايات الشيعية عن هذا القطع فتحصره في مساحة ضيقة جدا، ففي (بحار الانوار) وهو مصدر شيعي مهم، نقلا عن الكازروني (فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، وكانت النخلة من نخيلهم ثمن وصيف، وأحبُّ إليهم من وصيف، وقيل: قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة، وقيل: كان جميع ما قطعوا وأحرقوا ست نخلات...) 20 ص 165.
    وفي الحقيقة هناك فرق هائل بين (حرّق نخل بني النضير) وبين قطع ست نخلات أو حتى عشرين نخلة، ويكمن وراء هذا الخلاف سبب سياسي عميق، ذلك إن هناك روايات كثيرة عن طريق السنّة تؤكد أن أرض بني النّضير وزروعها وخيراتها تحولت إلى صفو لرسول الله وأهل بيته، وفي ذلك روايات كثيرة.
    نقرا في فتوح البلدان للبلاذري (حدّثني عمرو بن محمد الواقد... عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قال عمر بن الخطاب: كانت أموال بني النّضير، ممّا أفاء الله على رسول الله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت له خالصة، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله) ص 29، ورواه كذلك عن الليث عن ابن سعد عن عقيل، عن الزهري (أن وقيعة بني النّضير من يهود كانت على ستة أ شهر من يوم أحد، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء ، وعلى أن لهم ما أقلت الأبل من الأمتعة إلا ّ الحلقة فأنزل الله فيهم سبح لله ما في السموات وا لارض...) ص 28، حيث لم يأت على ذكر التحريق! كما أنه يروي عن ابن زائدة عن محمّد بن إسحق في تفسير قوله تعالى: ما أفاء الله على رسوله منهم. من أنها نزلت في ثروة بني النّضير وأنها لم يوجف عليها من خيل ولا ركاب ص 28، ولم يذكر عملية التحريق في الاثناء ، ويروي عن سفيان، عن الزهري أنه قال: (كانت أموال بني النّضير مما أفاء الله على رسوله، ولم يوجف
    عليها بخيل ولا ركاب). وكما قال السهيلي (ولم يختلفوا في أن أموال بني النّضير كانت خاصّة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإ نه لم يقع بينهم قتال أصلا).
    إن الرواية التي تحكي عن تقطيع نخل بني النضير وتحريقه بكامله، أو بمديات واسعة جدا تجرّد هذه الارض من قيمتها، ممّا يوحي من طرف خفي أن جعلها بخيراتها خالصة للنبي وأهل بيته كما تقول هذه الروايات / وبعضها روايات سنية صحيحة وبها قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري / موطن تشكيك، أو هي محاولة ذكية في سياق صراع سياسي ومذهبي لتسريب شك دقيق ورشيق في تضاعيف النتيجة المذكورة.
    في هذا السياق تتحدث رواية عائشة رضي الله عنها ، فقد روي عنها أنها تقول (... وكان منزلهم ــ بني النّضير ـ ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الأبل... فقاتلهم النبي حتى صالحهم على الجلاء...)/المستدرك للحاكم 2 ص 483، وقال على شرط الشيخين /، فهذه الرواية تتضاد مع الروايات السابقة، كما أنها تتضاد مع الموقف الفقهي الذي نقلناه سابقا من خيرات بني النّضير. ونظرة خاطفة إلى رواية عائشة تكشف عن عدم اتساقها مع بعضها، فهي تعاني من قفزة غير طبيعية، ف
    يصف الفرّاء الحادثة بما يلي [... وقوله تعالى (فما أوجفتم عليه من خيل لا ركاب) كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرز غنيمة بني النّضير وقريظة وفدك، فقال له الرؤساء: خذ صفيَّك من هذه وأفردنا بالرّيع، فجاء التفسير: إن هذه قرى لم يقاتلوا عليها بخيل، ولم يسيروا إليها على الأبل، إنّما مشيتم إليها على أرجلكم، وكان بينها وبين المدينة ميلان، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم لقوم من المهاجرين، وكانوا محتاجين، وشهدوا بدرا، ثم قال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى)... فهو لله وللرسول خاصّة، ثم قال (ولذي القربى) لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (واليتامى)، يتامى المسلمين عامّة، وفيها يتامى عبد المطلب...) معاني القرآن 3 ص 144.
    إن رواية عائشة رضي الله عنها التي تدعي حصول القتال على أرض بني النّضير تنفي خلوص أرضها ونخلها للنبي وأهل بيته، فهل هناك حرب روائية تختفي وراءها أسباب سياسية؟
    يروي الواقدي أن محمد صلى الله عليه وأله وسلم كلّف أبو ليلى بقطع العجوة، وعبد الله بن سلام بقطع اللّون، وهي رواية غير مسندة، فضلا عن التشكيك بصدقية الواقدي عند أهل السنة، وعدم أهليته لدى الشيعة أيضا بدرجة و اضحة!! والغريب هنا، فيما يذكر هذا المصدر الذين كلّفهم النبي بالقطع، لم يكشف لنا المصدر نفسه وغيره عن الذين كلّفهم النبي بالحرق.
    إن (تحريق) نخل بني النّضير يحيط به الكثير من الغموض، والكثير من القرائن لا تنسجم مع وقوعه.

    كلمة في قصة ابن يامين
    وبالمثل ما ينقله الواقدي عن تحريض النبي الكريم أحد أبرز يهود بني النَضير على قتل ابن عمه، فقد جاء في المصدر المذكور (فلما أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن يامين: ألم تر إلى ابن عمِِّك ابن جحاش، وماهمّ به من قتلي؟... فقال ابن يامين: أنا أكفيكه يا رسول الله. فجعل لرجل من قيس عشرة دنانير على أن يقتل عمرو بن جِحاش، ويقال خمسة أوسق من تمر، فأغتاله فقتله، ثم جاء ابن يامين ألى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقتله، فسُرِّ بذلك) ص 374.
    أ ن هذا الخبر جزء من رواية عامّة للواقدي مر سلة، ويرويها ابن إسحق بسند مرسل (حدّثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمِّك، وما همّ به من شأني؟ فجعل يامين بن عُمير لرجل جُعلا على أن يقتل له عمرو بن جِحاش، فقتله كما يزعمون). فالرواية مرسلة، ولابن إسحق موقف متردّد منها. ومن الصعب أن نتخيل أن الإسلام دخل في قلب يامين بهذا العمق وبهذه السرعة الخيالية،، بحيث تحول إلى مثل إسلامي عال، لا يتأثر بنسب ولا بإنتماء ديني سابق بين عشية وضحاها، بل في لحظة دخوله إلى الاسلام، فيقدم على قتل ابن عمه بحجة أنه كان يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم. فإن يامين (ويدعى أحيانا ابن يامين) حسب المعطيات التي تضعها بين أيدينا كتب السيرة كان واحدا من اثنين من يهود بني النّضير قد أسلما في لحظة تخيير بني النّضير بين الهجرة أو المحاصرة أو المقاتلة كما تقول الروايات، وكان اسلامهما من أجل الحفاظ على مالهما ودمائهما، ففي سيرة ابن إسحق (ولم يُسلم من بني النّضير إلاّ رجلان: يامين بن عمير، أبو كعب بن عمرو بن جِحاش، وأبو سعد بن وهب، أسْلما على أموالهما فأحرزاها) سيرة ابن اسحق ص 122. ويورد الواقدي الخبر من غير إسناد بقوله (فلّما رأي ذلك يامين بن عُمير، وأبو سعد ابن وهب قال أحدهما لصاحبه: وإنك لتعلم أنه لرسول الله، فما تنظر أن نُسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا؟ فنزلا من الليل فأسلما فاحرزا دماءهما وأموالهما) ص 373.
    ولست أدري ما الذي كان يمنع (يامين) هذا من الدخول في الاسلام وهو يعلم أن محمدا نبيا مرسلا حقا؟ ولماذا جاء وقت دخوله إلى الاسلام في لحظة الخيار بين المال والهجرة ؟
    يرويها ابن إسحق عن (أل يامين)، وصاحب المنقبة هو (يامين)، وبالتالي، هي رواية قد تكون ذات طابع نَسبي لا أكثر ولا أقل، ولكن مع كل هذا تبقى إنها رواية مرسلة.
    وسوف نعالج بعض القضايا الاخرى في فرصة آتية بإذن الله

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de