صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 09:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.نجاة محمود احمد الامين(د.نجاة محمود&bayan)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2006, 05:36 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء


    دكتورة نجاة محمود اجمد الامين

    الغابة والصحراء بين النظرية والتطبيق


    المبحث الأول: الغابة والصحراء .. البعد التنظيري

    إن فكرة الغابة والصحراء لم تولد من فراغ، بل أتت عبر مخاض مؤلم وطويل، وبحث دائب عن الهوية، فلا غرو فهي ظهرت بعد الاستقلال مباشرة، وعندما كانت الدعوة للقومية تفرض وجودها في بداية القرن، كانت في الأساس لتوحيد الشعور الجمعي السوداني وتزكية النفوس لتوحيد الصف السوداني لدحر الاستعمار ... وبعد أن نال السودان استقلاله ظهرت التساؤلات التي تخص الهوية السودانية.
    وهذا ما قد يجعل المبدع يحتفي بإفريقيته كقيمة حضارية بقدر احتفائه بعروبته، وقيل في ذلك "عن موروثنا الإفريقي يجب أن نعتز به ونفاخر به بدلاً أن نقلد غيرنا فلا نحسن التقليد".
    ومن ثم "إن خصوصية الثقافة ليست مظهرية أو خارجية ولكنها كنه مستبطن لا بد من التنقيب فيه والتفتيش عنه" ، إن حركة الغابة والصحراء هي من مجملها حركة "لبعث" العنصر الإفريقي في تكوين السوداني و"ليس معنى
    الحركة أنها (إدارة) ظهر لكل ما هو عربي بقدر ما هي التفات جاد إلى كل ما هو سوداني".
    ويقول محمد عبد الحي في ذلك: "جماع الغابة والصحراء لم يكن ودياً في البداية ولكن زحام هذا اللقاء الشرس بين فرسان الخيول العربية وبين سبايا الغاب الإفريقي نحتنا وجوهنا ... الأفكار لا تجدي ... الاعتراف، عودة إلى الجذور الأصلية المنسية، ضغوط، يتم لقاؤنا بشمس الحقيقة".
    فالثقافة التي ننشدها يجب أن تكون ثقافة هجينة مثلنا، "فهي إفريقية أصلاً ولكنها عربية الملامح".
    كما أن دعوة الهجنة في أصولها "العرقية عند (ماكمايكل) وتجلياتها الثقافية عند (ترمنجهام)، تنطوي على فرضية انحطاط وهو انحطاط نجم في نظر دعاتها على امتزاج العرب المسلمين بالنوبة الإفريقيين". ثم شرح ما يرمي إليه قائلاً:
    "فقد جاء عند ماكمايكل ما يوحي بأن (الدم) العربي أرفع من الدم الإفريقي، وجاء عند ترمنجهام أن الهجين العربي الإفريقي قد سرب من العقائد إلى الإسلام ما أدخله في الوثنية. من الواضح أن المكون الإفريقي في هذا الهجين هو أكثر من تأذى لنظرية الانحطاط هذه".
    وقيل: "وثاني ما ينبغي أن نذكره هو أنه إذا كان السودانيون نتاج امتزاج العنصر العربي الإفريقي، فلا ننسى أن العنصر العربي كان هو الظافر المنتصر ـ منه الفاتحون ـ ومنه السادة، الذين أسروا العبيد واقتنوا الرقيق، وملكوا الأرض، فلا عجب أن يحاول أحفادهم تغليب العنصر السيد على العنصر المسود في
    تكوينهم، الطبيعي أن يكون شعورهم الأول هو التقليل من أهمية العنصر المغلوب أو إنكاره بتاتاً".
    ثم أردف قائلاً: "في هذا العامل قوة تذكرنا إن العنصر العربي المنتصر لم يكن أعلى شأنا من الناحية العسكرية وحدها بل كان أرقى ثقافة وأنضج من حضارة راقية لا يعرفون لها نظيراً لدى العنصر الإفريقي الذي لم يعرف إلا همجية وبدائية ـ بل له لغة هي أعلى كعباً من مراقي اللغات البشرية وعن جميع اللَّهجات واللغات الإفريقية التي لا تعرف حتى مجرد الكتابة".
    ومما قيل، نجد أن عدم الموضوعية وعدم معرفة بعض النقاد* المصريين بتأريخ السودان، يجعلهم يطلقون أحكاماً مطلقة تدل على الجهل المتعمد، لوضع السودانيين في درجة أقل وهي درجة المتلقي وليس المرسل، والمتأثر وليس المؤثر. فالمعروف تاريخياً، أنه عندما دخل العرب السودان، كانت هنالك ممالك مجيدة، مثل النوبة، والمقرة وعلوة وقبلها كانت مملكة مروي**، التي استخدمت اللغة المروية وهي لغة مكتوبة وآثارها باقية إلى الآن.***
    ومن ثم انبثقت الغابة والصحراء كحركة بعثية لتبعث العنصر الزنجي في السودان.
    وإننا بتجاهلنا، واحتقارنا لهذا المكون الزنجي الذي يبدو في ملامحنا، ولوننا، كعلامات فارقة بيننا وبين العرب الخلص ـ الذين بدورهم ينظرون إلى السوداني بدونية واحتقار ـ لن تكتمل هويتنا. "وعدَّ محمد عبد الحي انتماءنا إلى العرب تكبراً أجوفاً". كما أضاف محمد المكي إبراهيم في هذا الأمر قائلاً بـ"إننا أنكرنا إفريقيتنا في تلهفنا للانتماء الأكبر".
    والمثير للدهشة أن النور عثمان أبكر ـ أول من استخدم رمزية الغابة والصحراء في السودان ـ فكر في سؤال الهوية بصورة جدية حال وجوده في ألمانيا، في عام 1963، أي أنه كان يعيش في محيط حضاري غربي، ونجده يقول في ذلك: "إن انتباهي إلى مسألة الغابة والصحراء تم لي وأنا في محيط حضاري غربي رفض هويتي الإفريقية حين أفكر ورفض هويتي العربية حين أكون".
    وعن فلسفة الفكرة نجد أنه عندما تحدث عن العنصر الزنجي في مكون السوداني، قام بنشر مقال أثار ضجة كبيرة وردود فعل متباينة في عام 1967، وفي ذلك المقال نوه أنه كتب هذه المقالات في شكل مذكرات عام 1962 وهي بعنوان (لست عربياً ... ولكن).
    ومضمون هذا المقال الذي يعد من بدايات الغابة والصحراء، يحوم حول تمجيد العنصر الإفريقي في مكوّن الإنسان السوداني، وكذلك تمجيد للثقافة الإفريقية، كما إنه أرجع بعض الظواهر في الثقافة السودانية إلى العنصر الإفريقي، مثل الانفعالات الدينية التي تحدث عن حالة الجذب الصوفي، وقد افتتح النور عثمان أبكر مقاله الشهير قائلاً:
    "كل ما هو غيبي وعميق في السودان إنما هو عطاء الغاب .. تجريدية الفكر الإسلامي استحالت إلى ليونة المدنية البدائية التي تأخذ فكرها على حاجتها المباشرة الخيط الأساسي في وجودنا ليس هو الصوفية الشرقية بل هو الحركة الرخيمة لرقصات الغاب، وللطبل وللبوق". كما نجده أرجع حلقات الذكر وإيقاعاتها ولغة الجسد و(النوبة) والحالة الأخيرة للتقمص (الجذب والفناء) إلى
    البدائية الإفريقية وليس الإسلام، كما أضاف أن نبضنا وإيقاعنا إفريقي بدائي قائلاً:
    "إيقاع عمرنا سماحه وتبذيراً وخمراً واستهتاراً وحباً* للَّهو والمرح، إيقاع نبض عمرنا إفريقي بدائي أما الأمور التي تقدمه له فهي ما يحتاجه هذا الإيقاع ليعبر هوة الاتصال بينه وبين (جلابته)**". ويقول موضحاً: "التردد حقيقة في انطلاق جرس هذا الإيقاع بعيداً عن جذوره ومصادره الهامة الأصلية".
    كما نلاحظ أن النور عثمان أبكر يرى أن العلاقة بين الغابة والصحراء ليس علاقة مترابطة بل هناك نزاع وصراع ولكنه يلطف الأمر قائلاً:
    "نزاع الغاب والصحراء في عمرنا هو لونية هذه السماحة في علاقتنا مع إخواننا العرب وإخواننا الزنج". ويمضي في مقاله متحدثاً عن موضوع في غاية الحساسية وهو الرق ويحمل مسؤوليته للعرب الجلابة قائلاً:
    "الخروج من الغاب إلى الصحراء والوادي المحدد بها تم عن طريق (الجلابة) أو المارق الذي في بطن ذاكرته أفراح لم ينعم بها عاد يسترق منها مقاطع يبيعها إن لم يحتفظ بها (أبو لكيلك)*** وأيامه مرقه من الغاب وعوده إلى الغاب".
    ثم يتحدث عن كيفية تكوينه قائلاً: "يتم التقاء بخيت آخر بمرجانه ويكون المارق (نوراً) كيف له إذن أن يدعي أنه عربي؟" . ثم يتساءل النور عثمان أبكر باللسان؟**** أي هل هو عربي لأنه فقط يتحدث باللغة العربية. فهو يرى أن "عربيته تطويع لاحتياجات إيقاع الرعب والفرح الوجودي الأولي في التعبير بعد أن فقد شكل كلمة القبيلة". ثم يستطرد ليدلل عدم أهمية اللسان أو اللغة في بينونة أصول الإنسان. "إذن مثل الجزائري الناطق بالفرنسية الصدور عن الغاب، عن الأوراس عبر لغة مكتسبة".
    ثم بعد أن أورد هذه الحجة الخطيرة أراد أن يبعد سوء الظن عنه قائلاً: "الكاتب لا يضمر أي تلميح لاستعمار العربي لأرض الزنج". ويجد أن ما قاله هو الذي جعل الكثيرين يشككون في نواياه ويتهمونه بالشعوبية وبأنه ضد الإسلام والعروبة، وفي ذلك نجده يتحدث في مقابلة معه: "إن الإفصاح الفكري والسلوك الإبداعي من مسألة الغابة والصحراء هي مسؤولية النور عثمان أبكر وقد ذاق الأمرين متهماً في إسلامه وفي عروبة لا يدعيها وفي مواقفه السياسية في قضية النضال العربي".
    ونجد أن التوقيت الذي اختاره "النور عثمان أبكر" لنشر مقالاته، التي سجلها في شكل مذكرات في نهاية 1962، وقام بنشرها في 19/9/1967، هي التي أدت إلى اتهامه في مواقفه السياسية، تجاه قضية النضال العربي إذ نشرت في وقت غير مناسب البتة. إذ نشرت بعد نكسة 1967 مباشرة، وكانت العروبة آنذاك جرحاً نازفاً، والسودان استضاف مؤتمر قمة عربي شاركت فيه كل الفعاليات العربية. وقرُبت الآراء وسُميت الخرطوم بعاصمة "اللاءات" الثلاثة، واستقبل عبد الناصر في الخرطوم استقبال الفاتحين، على الرغم من الهزيمة، إذن في هذا الوقت بالذات كانت مقالة "النور عثمان أبكر" تعد خطأ لا يغتفر في حق العروبة، وخيانة للأمة العربية، نجد أنه قد احتفظ بهذه المذكرات منذ 1962 لينشرها في ذلك الوقت، بالتحديد مع سبق الإصرار والترصد. ولكن نرجع إلى أن حرية الرأي هي
    جوهر الديمقراطية، وحق لكل مبدع لينشر ما يريد وقتما يريد. ولذلك اتهمه الكثيرون بالخيانة، والعداء للعروبة وبالتالي الإسلام، وها هو صديقه "صلاح أحمد إبراهيم" ينبري للرد عليه في ذات المنبر الذي انطلق منه بمقال عنوانه (بل نحن عرب العرب) في جريدة الصحافة في 25/10/1967م، حيث سنعرضه لبلورة فكرة الغابة والصحراء.
    ابتدأ "صلاح أحمد إبراهيم" مقاله منتقداً التوقيت الذي اختاره "النور عثمان أبكر" لنشر مقاله، قائلاً: "في رأيي أن المقال غير موفق من حيث توقيته على الأقل ـ فجنودنا الذين في خط النار قد اختاروا مصيرهم هناك في مواجهة المعتدين الصهاينة، المصريون على شمالهم والجزائريون على يمينهم وقلوب العرب ـ كل العرب ـ ترف عليهم لا تفكر أصابعهم القابضة على الرشاش إذا كانت أصابع عربي أو زنجية أو بين بين".
    ثم بعد هذه المقدمة دلف معلقاً على مقال النور عثمان أبكر حيث يصف سؤاله (لست عربياً ... ولكن؟) بالعنصرية، وإنه سؤال لا معنى له قائلاً:
    "السؤال مطروح على صعيد عنصري لا معنى له ولا يمكن أن تكون له إجابة نهائية أو قيمة حقيقية ولكن قد يكون تساؤلاً سياسياً ومراجعة لمواقعنا الرائعة أو التشكيك فيها".
    ثم احتج على استخدام النور عثمان أبكر لكلمة "نزاع" متسائلاً:
    "نزاع الغابة والصحراء ـ أي نزاع بين الغاب والصحراء" ثم عرض بالنور عثمان أبكر قائلاً: "الزنجي بأكثر من النور عثمان أبكر، والمناضل بأكثر من النور عثمان أبكر (كوامي نكروما) أوقف حياته لأن يحث ويؤكد بأن الصحراء لم تكن في يوم من الأيام حاجزاً بين عرب الشمال وزنج الجنوب بل ظلت حتى قدم الرجل الأبيض طريق القوافل حاملة الملح إلى
    الأشانتي وقافلة بالذهب من كوماسي".
    كما يرد على قول النور عن السوداني "في قاعة الجامعة العربية يلهج الابن بعروبته وفي كوناكري يصر على إفريقيته".
    فيعلق صلاح على ذلك بأنه في وضعه للعروبة في مقابلة للإفريقية خبث قائلاً:
    "إن وضع العروبة مقابلاً للإفريقية هو مفهوم خبيث فالعروبة قد تكون إفريقية في الواقع وأكثر من سبعين بالمائة من العرب إفريقيون".
    ثم يتهم مقال النور بالشعوبية "وإن قال الكاتب إنه لا يضمر أي تلميح لاستعمار عربي لأرض الزنج".
    كما يعلق صلاح قائلاً:
    "لأن هذه الأفكار ليست جديدة ومهما كانت دوافع النور في قول مثل هذا القول فهو لا يقول جديداً .. أعداء العرب الذي يدرسون عوره العرب في المعاهد الخاصة ويحاولون طعن العرب في كعب أخيلهم يثيرونها بطريقة النور هذه من المحيط إلى الخليج".
    ثم يمضي في مقاله معدداً للفتن في الوطن العربي آنذاك، في مصر الدعوة الفرعونية وفي سوريا الدعوة الفينيقية الخ ... الخ .. ثم ذهب إلى أن توحد السودانيون لطرد المستعمر كان بسبب العروبة قائلاً:
    "بل إن كل ما هو عزيز لدينا شعورنا بالكرامة ونهضتنا القومية وحركتنا الوطنية سببها العروبة".
    ثم يوضح قائلاً: "سؤال الهوية من نحن؟ وهل نحن عرب أم إفريقيون؟ وهل نحن عرب؟
    أسئلة تطلق أحياناً في براءة وأحياناً في خبث .. أسئلة تنبع من جهل صادق أحياناً وأحياناً من خطة ماكرة".
    ثم يسترسل متهما النور بعدم الاطلاع الكافي، الذي يؤهله لخوض هذا الموضوع الشائك، بعد أن يؤكد أننا "عرب العرب" لما فينا من أخلاق العرب وكرمهم وشجاعتهم الخ ... الخ.
    وبعد كل هذا الحماس والتأكيد على عروبتنا. يراجع صلاح أحمد إبراهيم نفسه في خاتمة مقاله قائلاً:
    "لا يا نور بل نحن عرب العرب جمعنا ما في العرب من نبل وكرم وخير ما في الزنج من شدة وحمية".
    ثم يحضر صلاح شاهداً من الشعر السوداني. وأحسب أن التوفيق قد جانبه في الاختيار إذ أن فيه تنميط لشخصية الإفريقي، والشاهد للشاعر صالح عبد القادر.
    "أنا ابن وادي النيل لو فتشتني
    لوجدت في بردى بطش أسود
    وأنا ابن وادي النيل لو فتشتتني
    تجدين مجموع الكرامة والنهى
    تجدين حلم البيض جهل السود".
    ومن هذا العرض للمقالين اللذين يرى غالبية مؤرخو* الأدب السوداني،
    أنهما بذرة الغابة والصحراء. فهذين المقالين يفتقدان إلى العقلانية والموضوعية، ودوافع كتابتهما دوافع عاطفية ولحظية. استخدم النور لغة زئبقية شاعرية كما وصفها صلاح أحمد إبراهيم، الذي بدوره استخدم خط دفاعي وتقريري وعاطفي. وبما أن هذين المقالين نشرا في عام 1967 فإذن كيف تكون هي بداية لمدرسة الغابة والصحراء!؟
    فقد بدأ كتابها يكتبون منذ أوائل سنوات الستين مثل قصيدة (العودة إلى سنار) لمحمد عبد الحي التي كتبها في سنة 1963 وقصيدة (صحو الكلمات المنسية) للنور عثمان أبكر وكتبها في عام 1963 أيضاً، وكذلك قصيدة يوسف عيدابي (أبو دليق) كتبت في عام 1963 وقصيدة (أصابع الشمع) لمصطفى سند كتبت كذلك في سنة 1963*، هكذا دون اتفاق كتبت هذه القصائد، وهي تحوم حول سؤال الهوية.
    وقد تحدث النور عثمان أبكر في صحيفة الأيام بشأن الغابة والصحراء والبدايات مجيباً عن سؤال: في حياتنا الفكرية كانت مدرسة الغابة والصحراء إلى أي مدى تركت هذه المدرسة بصماتها؟
    أتت إجابة النور عثمان أبكر على هذا السؤال:
    "إن أول قصيدة كررت لفظ الغابة والصحراء وحاولت الغابة والصحراء هي قصيدة (صحو الكلمات المنسية) كتبت 1963 ـ وهي منطلقة من مقالة سجلت في شكل مذكرات نهاية 1962 ونشرت بالصحافة عام 1967 عنوانها (ليس عربياً ... ولكن) أيامها كان محمد المكي إبراهيم معي بألمانيا الاتحادية".
    ثم بعد ذلك تحدث عن محمد عبد الحي وعلي عبد القيوم ومن هو واضع اللبنات الأولى لهذه المدرسة قائلاً:
    "كان محمد عبد الحي وعلي عبد القيوم في بداية دراستهما. يمكن أن تسجل هنا أنني تخرجت من الجامعة سنة 1962 جامعة الخرطوم. وأريد أن أسجل شيئاً يخصني ويهمني حتى لا يتهمني أحدهم مستقبلاً بأنني زميل "محمد عبد الحي" أو "علي عبد القيوم" أو "النصيري" أو أنني شاركت في مسألة الغابة والصحراء، أود أن أسجل مقطع واحد* له دلالته بالنسبة لشعر كثير واهتمام ببعض المدن السودانية المداخل والمخارج".
    من كاهن هذا المعبد أوصده
    في وجه العابر والساعي؟
    غرت على "سنار" رفعت ندائي غضبي
    أشهر من مصباح اللؤلؤ "سنغانيب":
    خزيت أرحام الموتى شبعاً، عافية، راحة بال ووساد
    حتى يرفع إنسان رأسه
    يرعب، يجرف اطمئنان الموت على "مروي"
    
    الغرس الطيب يعطي الغصن الأخضر والمرعى
    من يصعد جبل الرب يبيع حشاه الأوحد كي نعطي
    غرساً يرجى؟
    من يضرب بعصاه الصخر، فتنبجس الأعين،
    يعلم كلّ مشربه
    نسقي، نرعى
    مولود الغابة والصحراء.
    من هذا الطافر كالجبل الأسمر
    كمنارة ساحلنا الأزرق،
    رجل أوقظ؟ غاب؟ مرآة الأعمار الأولى؟
    ذهبٌ ألق الجبهة، قضب الزيتون، عواميد اللَّهب
    الممتد الأعراف إلى قمم الآفاق العاليه
    هذا صحو الكلمات المنسيه.
    يتابع إجابته عن السؤال قائلاً:
    "لا أدري كيف بلور الأصدقاء أعضاء رابطة أدباء الجامعة على أيام علي عبد القيوم ومحمد عبد الحي مفهوم الغابة والصحراء؟".
    ثم ربط هذه المدرسة فيما بعد بمدرسة الخرطوم التشكيلية. ولكنه يؤكد ادعاءه على أنه أول من فكر في مسألة الغابة والصحراء قائلاً:
    "ما أدركه يقيناً أن الإفصاح الفكري والسلوك الإبداعي في مسألة الغابة والصحراء مسؤولية النور عثمان أبكر".
    وقد أكد هذا الأمر الشاعر "محمد المكي إبراهيم" في مقابلة أجريت معه في مجلة "الثقافة الوطنية" حيث قال عن بداية مدرسة الغابة والصحراء:
    "وكنت وصديقي "النور عثمان أبكر" حينما بدأنا هذه الحركة بمواجهة القضية ونحن في ألمانيا ونحن نسأل إن كنا عرباً أم أفارقة .. وكان هناك توتر وعدم اقتناع بإجابة كل منا حينما يقول النور: إنه (إفريقي) وأقول: (إني عربي) وبدأنا البحث والتدارس والتراسل وعبارة (الغابة والصحراء) من صياغة النور وابتكاره المعهود" ثم أردف مؤكدا دوره في تأسيس الغابة والصحراء قائلاً:
    "ورجعت إلى السودان قبل النور عثمان وحملت معي هذه النار المقدسة
    وجدت تجاوباً من كثير من الإخوان. واستطعنا أن ننشر ونبدأ الكتابة".
    وكان كثير من النقاد قد زعموا تأثر هؤلاء بـ"سنغور" نفى محمد المكي تأثرهم بـ"سنغور" الذي عرفوه فيما بعد وذكر أن هناك فارقاً كبيراً بين حركة الزنوجة التي يرى أنها كانت مرحلية وحركة الغابة والصحراء دائمة، ولا مجال للمقارنة بين دعوة لتنبيه الناس إلى هوية ودعوى توفيقية لإشعار شعبين من شعوب العالم الثالث بأنهم شيء واحد وأن الوشائج التي تربطهم أكثر من الخلافات التي تفرقهم.
    وفي هذا الأمر يقول محمد عبد الحي:
    "في وقت واحد تقريباً وقبل أن يعرفوا بعضهم البعض ـ بدأ "محمد المكي إبراهيم" و"النور عثمان أبكر" في ألمانيا و"صلاح أحمد إبراهيم" في غانا و"يوسف عيدابي" من رفاعه بقصيدة (أبو دليق) 1963 و"مصطفى سند" في أم درمان في (أصابع الشمس) 1963، و"محمد عبد الحي" في (العودة إلى سنار) 1963 في الخرطوم. يكتبون شعراً فيه بعض الملامح المشتركة التي لا تخفى الاختلاف العميق في العناصر المكونة لرؤاهم الشعرية وفي التشكيل واللغة الشعرية في قصائدهم".
    والذي يجدر ذكره أنه لم يكن هناك خطاب تأسيسي لهذه الجماعة، شأنها شأن مدرسة الخرطوم التشكيلية. كما أن كثيراً من الشعراء الذين أدرجوا في هذه المدرسة من قبل نقاد*، أكدوا عدم انتمائهم لها فيما بعد. وهنا نخلص إلى بعض الأسباب التي أرى أنها السبب الرئيس في رفض أو إنكار بعض شعراء هذه الجماعة الانتماء لما يسمى (الغابة والصحراء) بعد استقراء للظرف التأريخي آنذاك.

    (عدل بواسطة bayan on 05-16-2006, 05:54 PM)

                  

05-16-2006, 05:38 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)




    والأسباب التي من أجلها نفى بعض شعراء هذه الجماعة انتماءهم لهذه المدرسة هي:
    أولاً ـ كان الفكر السياسي المسيطر آنذاك على الساحة هو الفكر اليساري، ونجد بعض هؤلاء الكتاب محسوبين على الحزب الشيوعي السوداني مثل: "محمد المكي إبراهيم"، و"صلاح أحمد إبراهيم" فاندراجهم تحت ما يسمى بالغابة والصحراء يتناقض مع مبادئ وأساسيات الفكر الشيوعي، إذ أن مثل هذه الدعاوي هي في حد ذاتها دعاوي شعوبية ضيقة والشيوعية فكر أممي حسب رأي الشيوعيين.
    ثانياً ـ في تلك الفترة تأريخياً بالتحديد، مثل هذه الدعوة التي تدعو إلى بعث ثقافة العنصر الزنجي، تُعَد خيانة للعروبة وقضيتها، وخيانة بالتالي لـ"عبد الناصر" الذي كان مثار تقدير وإعجاب لدى السودانيين.
    ثالثاً ـ هؤلاء الشعراء ما عدا "النور عثمان أبكر" يؤمنون في دواخلهم أنهم عرب ولو أنهم اعترفوا بالعنصر الزنجي كمكون آخر لهم.
    وقد نجد أن فترة سنوات الستين، أفرزت كثيراً من الحركات الأدبية والفكرية، بالإضافة إلى الغابة والصحراء ، ظهر الأكتوبريون تيمناً بثورة أكتوبر عام 1964 التي انتصرت فيها إرادة الشعب بطرد العساكر وإرجاعهم إلى الثكنات، وقيام حكومة ديمقراطية. وكتب الشاعر محمد المكي إبراهيم أكتوبراياته الشهيرة، وصلاح أحمد إبراهيم، وكجراي، والشعراء التقليديون، والمحدثون، احتفوا بهذه الثورة، والتقليديون مثل الشيخ أحمد محمد صالح الذي كتب قصيدة طويلة عن أكتوبر ورد فيها هذا البيت:
    كلهم كانوا المنادي قرشياً مظفراً ميمونا
    ويقول "عبده بدوي" معلقاً على شعر أكتوبر وعلى قصيدة أحمد محمد صالح:
    "فالتقليديون فرحوا به ـ يعني أكتوبر ـ وراحوا يربطونه بالأمجاد القرشية
    والوطنية، في الوقت نفسه داخلهم الزهو بالتراث".
    لا يخفى هنا أن عبده بدوي جانب الصواب في إرجاع "قرشياً" إلى قريش، فالمعروف هنا أنها ترمز إلى القرشي الشهيد، وهذه على ما يبدو سمة عند كثير من النقاد العرب عند ينتقدون أعمال الأدباء السودانيين، فكثيراً ما يخطئون في تفسير كثير من الظواهر وهذا يرجع في رأيي لعدم الاهتمام الكافي بمعرفة الآخر الذي هو السوداني وآدابه.
    وفي أواخر سنوات الستين ظهرت حركة "ابيداماك" تيمناً بالإله النوبي "أبيداماك"، وهذه الحركة تبناها اليساريون فانظر إلى هذا التناقض بين الفكر والسلوك لديهم! وكان كتاب هذه الجماعة في الغالب يكتبون بالعامية عن أشياء سودانية بحتة ولكن سرعان ما انتهت هذه الجمعية، وكما ذكرنا سابقاً في الفصل الأول أن محمد عبد الحي كان قد نشر تكذيباً عندما ادعى البعض أنه ينتمي إلى هذه الجماعة مما أثار غضب اليسار عليه.
    ونجد أن أطروحات الغابة والصحراء تطورت فيما بعد لتصبح الأفروعربية التي كتب فيها الكثير من الكتاب مثل عبد اللَّه علي إبراهيم في تحالف الهاربين* وعبد الهادي الصديق في كتابه السودان والأفريقانية** ومحمد المكي إبراهيم ونجد أن عبد اللَّه علي إبراهيم في مقاله (تحالف الهاربين) تحدث عن مدرسة الغابة والصحراء وذكر أن دعاة الغابة والصحراء لم يكونوا منزهين عن الغرض حيث اختاروا بعث العنصر الإفريقي قائلاً:
    "لا تهدف الأفروعربية إلى تحجيم الانتماء العربي الصريح وحسب بل إلى إجراء تحسين جذري في المكون العربي الإسلامي من الذاتية السودانية فاستعادة
    التراث الإفريقي في نظر الأفروعربيين ليست مجرد تصحيح لمعادلة مختلة إنما القصد منها تهريب أجندتهم الاجتماعية والفكرية إلى الثقافة العربية الإسلامية الغبشاء المتشددة الحنبلية (في قول المكي) بقصد حملها على التلطيف والسماحة".
    ونجد أن عبد اللَّه علي إبراهيم لا يخلو من خبث هو نفسه في قوله هذا إذ يريد أن يخبرنا أن لهؤلاء أجندة خاصة وخفية ولكن نجد أن عبد اللَّه علي إبراهيم لا يخلو من أجندة خاصة وخفية لإبراز هؤلاء وكأنهم فقط بانتمائهم لإفريقيا يستطيعون أن يفعلوا ما يرمون إليه من انفلات وتهتك من وجهة النظر الإسلامية.
    ومما سبق نخلص إلى أن الغابة والصحراء لم تكن مدرسة ذات أبعاد فكرية موحدة، أو التزام بخط فكري موحد. إذ نجد أن كل من هؤلاء الأدباء يحمل فكره الخاص به وإن كانت الهوية السودانية هي شغل شاغل لهم. ولكن نجد أن كل واحد منهم ولج إليها من مرتكزه الخاص. وقد اختلفت هذه المرتكزات بينما نجد محمد المكي إبراهيم وصلاح أحمد إبراهيم ينتميان إلى اليسار. نجد مصطفى سند ومحمد عبد الحي لا ينتميان إلى خط فكري موحد ولكن في داخلهما يؤمنان بالوجود الديني عند الإنسان ثم نجد "النور عثمان أبكر" كان ينتمي إلى الفكر الوجودي.
    ولكن إذا كان الخط الفكري هو علامة فارقة بين هؤلاء الأدباء، غير أن هناك أشياء كثيرة متشابهة بينهم وهذا هو الذي جعل النقاد* يدرجونهم تحت ما يسمى بمدرسة الغابة والصحراء فنجد أن الإطار الجوهري (الشكل والمضمون) يحفل بكثير من العوامل المشتركة وهي:
    1 ـ مفهوم البعث الحضاري السوداني القديم (مروي).
    2 ـ هموم الهوية السودانية.
    3 ـ بعث العنصر الزنجي في الشخصية السودانية.
    4 ـ استخدام سنار كرمز للسوداني الخلاصي (بداية التكوين).
    5 ـ استخدام مفردات سودانية.
    6 ـ إيراد رمزية الغابة والصحراء في شعرهم.
    7 ـ قضية الموت والبعث بالمفهوم الإفريقي.
    8 ـ ظاهرة العرافة والكجور.
    وعلى الرغم من أن الشكل عندهم كان شكلاً "حداثياً" التزموا فيه بأوزان الشعر الحر، وكما ذكرنا سابقاً في الفصل الأول في معرض حديثنا عن الشعر عند محمد عبد الحي أن هناك موقفين من استخدام اللغة وتوظيفها، الأول يميل إلى وضوح الأسلوب والتقريرية والثاني هو استخدام اللغة بتكثيف للصور وملئها بالإشارات والغموض وفي هذا تقول سلمى خضراء الجيوشي في معرض حديثها عن الشعر السوداني في سنوات الستين:
    "الأول يميل إلى وضوح الأسلوب، بسط الحدود الخارجية للصورة وشيء من الهلهلة في تركيب العبارة أحياناً وزعماؤه شعراء كعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور أما التيار الثاني فهو تيار الشعر الخاطف المكتنز بالمعاني والصور الذي كسر منطق التركيب القديم في العبارة وجزاء الصورة أبرز شعرائه أدونيس".
    ومن هذا المنطلق نجد أن صلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم يكتبان تحت التيار الأول لعل ذلك لارتباطهم بمدرسة الواقعية الاشتراكية، بينما يكتب محمد عبد الحي والنور عثمان أبكر ومصطفى سند تحت التيار الثاني هذا من ناحية شكل القصائد عند جماعة الغابة والصحراء.
    ومن هنا نخلص إلى أن الغابة والصحراء هي حركة بعثية للعنصر الزنجي، والاعتراف به كمكون أساسي، في الإنسان السوداني وثقافته وكما ذكرنا على الرغم أنه لم يكن هناك خطاب تأسيسي، إلا أن لهذه الجماعة قاسماً مشتركاً، ألا وهو فكرة الهوية السودانية وهمومها التي كانت ضرورة في سنوات الستين، وأن يحدد السوداني موقفه من حركة النضال الإفريقية أو العربية*. وكذلك لحسم الحرب الدائرة في الجنوب التي يراها البعض أنها حرب عرقية بين زنوج وعرب، فلذلك فكرة الغابة والصحراء وانصهار العنصرين الزنجي والعربي قد يقرب شقة الخلاف بين الجنوب والشمال.

    (عدل بواسطة bayan on 05-16-2006, 05:50 PM)

                  

05-16-2006, 05:41 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    المبحث الثاني: تطبيقات على مفاهيم الغابة والصحراء


    أوردنا في المبحث الأول أن شعراء الغابة والصحراء على الرغم من اختلاف منطلقاتهم الفكرية إلا أنهم طرحواالكثير من المضامين والمفاهيم المشتركة فيما بينهم، مما جعل النقاد* يدرجونهم تحت لافتة الغابة والصحراء، على الرغم من تنصل البعض من هذه المدرسة وأفكارها، وفي هذا المبحث سنقوم بمناقشة هذه المضامين والاستدلال بمقاطع من شعراء هذه المدرسة وهم محمد عبد الحي وصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم والنور عثمان أبكر ومصطفى سند.
    والجدير بالذكر أن المتطلع للأعمال الشعرية لهؤلاء الشعراء، الذين أدرجوا تحت راية الغابة والصحراء ـ قسراً أو اختياراً ـ يلاحظ أنه لم تكن هناك قصيدة كاملة، تحمل أفكار الغابة والصحراء، ما عدا قصيدة (العودة إلى سنار) لمحمد عبد الحي التي سنحللَّها لاحقاً ـ في الفصل الثالث ـ بل نجد هذه المفاهيم منتشرة في أعمال شعراء هذه المدرسة في شكل مقاطع في قصائدهم، ولذلك اقتطعت هذه المقاطع من قصائد، ثم قمت بتحليلها لنرى إلى أي مدى توافقت فيها مفاهيم ومضامين الغابة والضحراء، التي هي في حد ذاتها ذات المتشابهات التي ربطت بين هؤلاء الشعراء، وهذه المفاهيم المشتركة قد سبق ذكرها في المبحث الأول.**
    والذي يجدر ذكره أن هناك مضامين كثيرة أخرى وموضوعات عامة أوردها هؤلاء في شعرهم مثل النضال السياسي في إفريقيا، وثورة أكتوبر ... الخ وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.
    1 ـ هموم الهوية السودانية والثقافة العربية الإفريقية:
    كانت هموم الهوية السودانية هي من الأساسيات التي قامت عليها الغابة والصحراء، كما أن السودان كبلد إفريقي عربي اكتظت ثقافته بثنائيات الثقافة الزنجية، والثقافة العربية فشكلت رافدين أساسين في الثقافة السودانية.
    وها هو صلاح أحمد إبراهيم* يبرز هذه الثنائية في قصيدته (فكر معي ملوال)**:
    ملوال ها أنا الحس سِنّة القلم
    ألعق ذرة من التراب
    أضرب فخذي بيدي .. أقسم بالقبور .. بالكتاب
    شلت يدي جنازة لو أنني كذبت يا ملوال
    ولينشف اللسان من جذوره، ولتنفطر هذي اللَّهاة من ألم
    كأنها حنظلة الجبال
    لو أنني كذبت يا ملوال
    وقبل أن تنكرني اسمع قصة الجنوب والشمال
    حكاية العداء والإخاء من قدم
    حيث بعد ذلك ينتقل إلى التحدث عن الطريقة التي كون بها الشمالي، إلى أن يقول:
    تفتحت حقيقة سمراء في أحشاء كل أم ولدٍ منهن، من بنات جدك الأكبر،
    مما بذرته نطف الأعراب
    فكان منها الفور والفنج، وكل سحنة فاحمة، وسمة غليظة، وشعر مفلفل
    ذُرّ على إهاب
    حقيقة كبيرة عارية كالفيل كالتمساح، كالمنيف فوق كسلا، سليطة الجواب:
    كذاب الذي يقول في السودان إنني الصريح، إنني النقي العرق، إنني المحض ..
    أجل كذاب
    يدعو صلاح هنا ملوال* قائلاً:
    نحن يا ملوال لا نختلف كثيراً، فأنا عندما أقسم يا ملوال الحس ذرة التراب، وكذلك أضرب على فخذي لأغلظ القسم، ولتأكيد صدقي، كما أنني أيضاً أقسم بالكتاب، فلتشل يدي يا ملوال وتصبح ميتة جنازة لو أنني كذبت يا ملوال، ولييبس لساني من حده، ولتشق لهاتي مثل الحنظلة الجبلية الجافة لو أنني كذبت فيما أقول.
    وقبل أن تنكرني وتكذبني اسمع قصة الشمال والجنوب وقصة هذا العداء وكذلك الإخاء من أقدم الزمان، وبعد أن أكد على المتشابهات ذهب في المقطع الآخر يؤكد على شيء مختلف فهو يريد أن يخبرنا كيف تم تكوين ما يسمى بالسودان فقال:
    تفتحت حقيقة سمراء، يعني تكون طفل يحمل الخاصة السوداء والبيضاء، لأن اللون الأسمر هو اللون الذي يتكون من الأبيض والأسود معاً، هذه الحقيقة كانت في رحم جدتك، التي تخصبت بنطف العرب، وهنا يرمز إلى الحقيقة التاريخية، إلى أن الهجرات العربية إلى السودان، كانت هجرات رجالية لوعورة وبعد الطرق فأتى العرب، وتزوجوا من النساء الزنجيات ليكونوا ما يسمى السوداني الآن.
    فكان من ذلك الإخصاب الفور والفونج وكل من هو أسود وأكرد الشعر
    وذو ملامح غليظة، وأسمر الجلد.
    وهي حقيقة عارية وصارخة مثل الفيل والتمساح وجبل التاكا في كسلا سريعة الإجابة.
    فاسمع يا ملوال، كذاب من يدعي أنه العربي الخالص في هذه البلاد.
    في هذه القصيدة يخاطب صلاح أحمد إبراهيم ملوال، مقسماً له بكل الأقسام التي يعرفها ملوال ليؤكد أنهما بعض من كل، وهو السوداني ومن المعروف، أن الجنوبيين ينظرون إلى الشماليين على أنهم عرب، ولكن الشاعر الشمالي يريد أن يخبر ملوال، ويدعوه إلى أن يضع يده في يد الشاعر، وليبحثوا عن نقطة التلاقي لا نقاط الاختلاف، وأنهما ينتميان إلى ثقافة واحدة. ويخبره كيف تم تكويننا إذ أن الشمالي ما هو إلا أخوه من أبناء جدته الكبرى ويخبره أنه كذاب كل من يدعي العروبة الخالصة في السودان، ومن هنا نجد أن الشاعر يؤكد على وجود الدماء الإفريقية في السوداني الشمالي، كما يؤكد على توحد الثقافة.
    على الرغم من جمال هذه القصيدة، إلا أنّ بها كثيراً من المفاهيم العاطفية الساذجة، لا أدري هل أراد الشاعر هذه البساطة حتى يفهم بملوال الذي يبدو أنه غير متعلم وبدائي وهذا في حد ذاته تنميط للإفريقي، فملوال هنا يرمز إلى الجنوبي.
    ولعل حضور ملوال في ذاكرة الشاعر يمثل الأنا (الإفريقي) في نفس الشاعر ورغم أن هذا حوارٌ ثنائي إلا أنه تتحد فيه الأضداد لتمثل شخصية السوداني المنقسمة على نفسها المتحدة في جذورها. فيرى أنه يقسم بالقبور يستدعي التراث الإفريقي وعبادة الأجداد، وبالكتاب الذي هو رمز الثقافة العربية الإسلامية التي في تمثلها في الواقع السوداني لم تسقط الرمزية الدينية للقبور دفعة واحدة ولعل ملوال بهذه الطريقة التي أكد له فيها الشاعر وحدة جذره العرقي معه، يكون أقرب لفهم سطحية العداء المتوهم بين الجنوب والشمال أو بالأحرى بين الإفريقي والعربي، وهناك خيط رفيع بين العداء والإخاء من القدم، والشاعر يستدعي هنا قصة هابيل وقابيل التي تتمثل فيها قمة الإخاء والمودة وقمة الدموية والعداء، وقد أسهب
    الشاعر في ذلك.*
    ثم ينتقل الشاعر للحديث عن قضية "اثنيه" هي سمرة السودانيين (تفتحت حقيقة سمراء) يستدعي فيها تراث الفقه المالكي في مسائل أمهات الأولاد. وهي من صميم الثقافة العربية في تمازجها مع الميراث الإفريقي. فأمهات الأولاد هم بدايات هذا التمازج العربي الذي أنتج الفور والفونج وكل سحنة فاحمة ... الخ.
    وهذه حقيقة كبيرة وعارية كما يرى الشاعر تقف ضد كل ادعاءات النقاء العرقي تذكر ملوال بالتواصل الحميم بينه وبين الشاعر. وبنظرة فاحصة للأمر، لعل ملوال وذلك الأنا الإفريقي الذي حاول الشاعر إخفاءه ولكنه لم يستطع فتصالح معه. ونسب إلى الكذب من يدعي غير ذلك فملوال حقيقة ماثلة تعلو على كل الحقائق وهي كالفيل والتمساح وجبل التاكا، وهو يشكل أبجديات الوجود السوداني وليس أكذوبة ولكنه حقيقة عارية بل الكذب الصراح هو إنكار تلك الحقيقة العارية.
    وتأكيداً لمفهوم الثقافة الإفريقية في الثقافة السودانية، نأخذ هذا الجزء من قصيدة (ميلاد) للنور عثمان أبكر** الذي يقول فيه:
    مولود النبعة والصحراء
    يتقطر وعدا، حبا،
    يجرح شح الأرحام ويجتاز الأسوار
    هبت صارخة الجبهة والثديين
    ما عار العرى، وما زهو المؤتزرين؟
    خلدى مائدة العمر هنا
    وقد الجمر الأزليِّ، نداء المجرى
    زهرا
    شهدا
    حقلا لقحه الموتى
    في موسم إيراق الذات وأخصاب الأحياء.
    يقول الشاعر في هذه القصيدة:
    مولود النبعة والصحراء، وهو يستخدم هنا ثنائية التضاد فالنبعة أو بركة الماء، تعاكس لمفهوم الصحراء الجرداء .. وهنا يرمز الشاعر للزنجي بالنبعة التي هي قد تكون مركزاً للغابات الاستوائية المليئة بالينابيع. وهنا أراد الكل فأطلق الجزء، وكذلك الصحراء ترمز للإنسان العربي الذي يعيش في الصحراء، فرمز له بها، وهذا المولود هو مولود هجين بين الزنج الذين رمز لهم بالنبعة والعرب الذين رمز لهم بالصحراء.
    فهذا المولود ينتظر منه الكثير فهو مملوء بالأمل والحب، وهو يخصب الأرحام الشحيحة التي لا تعطي، ويجتاز الأسوار ويفك القيود. فهبت وهي عارية مرفوعة الجبهة دلالة على العظمة ومزهوة بثدييها، ولذلك لم تسترهما، وهي لا ترى جدوى من ذلك، فما الذي يعيب العري!؟ وما الذي يجعل اللابسين مزهوين بذلك؟ وهنا للدلالة على العري الذي لا يرى فيه الإفريقي عيباً ولكن في المقابل نرى أن العرب ينظرون إلى هذا العري باحتقار. ونرى هنا مقابلة بين ثنائية متضادة وهي العري الذي يرمز إلى الزنوج واللبس الذي يرمز إلى العرب.
    فاستعدي بالولائم، واجعلي مائدة العمر، ويريد بها الشاعر صفحة الحياة، اجعليها خالدة وباقية إلى الأبد واشعلي ذلك الجمر ولا تتركيه يخبو، ونداء المجرى قد يقصد به نهر النيل فلبي نداءه زهراً وعسلاً، وهذا الحقل من قبل كان قد لقحه من ماتوا من الأجداد في موسم ووقت الإخصاب وصنع الذات.
    وهنا يرى الشاعر أن هناك أشياء هي صميم الثقافة العربية، ثم يضع هذه الأشياء في مقابلة مع الثقافة الزنجية، ولا يرى في هذه المقابلة أي تناقض، أو تنافر بل هي تعطي أملاً وشهداً وحياة. لاحظ قوة الأفعال التي استخدمها الشاعر مثل: يجرح، هبت، ليدلل على قوة حجته.
    ورغم علو النفَس الشعري عند النور عثمان أبكر إلا أنه يسعى جاهداً لتوطين الثقافة الإفريقية وإعطائها بعداً فكرياً أولياً إزاء الجانب العربي لهذه الثقافة. وللغابة معاني الأصل والجذر والنبعة والبدايات التي ما كان قبلها بدايات. فهي وقد الجمر الأزلي وهي نداءٌ ما قبله نداء وهي بدايات الرحم والتكوين، يحتفل النور عثمان أبكر لكل هذه المعاني الإفريقية، ويرى أنها هي التي تضفي على الأشياء معاني أخلاقية وثقافية (ما عار العري وما زهو المؤتزرين) فهذا العري الإفريقي هو منبع للقيم وبأذائه كساء هو دخيل على أصل النبعة. فأصل القيم هو ذلك الإفريقي المنفلت من كل شيء الذي تبدأ عنده الأشياء.*
    كما أشرت سابقاً فمفردات هذه القصيدة بها من القوة والعنف ما يمثل حيوية الإفريقي، وصخبه وأنه أساس ميلاد هذه الثقافة السودانية والنور عثمان أبكر هنا ليس مثل صلاح أحمد إبراهيم، فهو جزء من القصيدة نرى صوت الشاعر فيه شاهداً على تلك البدايات ليس معتذراً لإفريقيته، وليس مؤكداً لحقيقة اندثرت ولكنه بحضوره في القصيدة وعلو صوته، يجعل لإفريقيته أولوية وسبقاً هي التي منحت معاني الصحراء شيئاً جديداً تمثل في الثقافة السودانية. فالميلاد والأصل هو للنبعة رغم أن هذا المولود هو هجين بين النبعة والصحراء. فالوعد والحب الذي فيه يشهد البدايات الإفريقية الأزلية، والتجاوزات التي جعلت هذا اللقاح ممكناً هي تجاوزات موسم الإيراق، والإخصاب ليست هي تجاوزات العداء والإخاء مثل ما هو الأمر عند صلاح أحمد إبراهيم وإنما هي تجاوزات بناء ذات جديدة، فيها كل معاني الفورة وتجاوز الموت الذي يهب الحياة لميلاد جديد.
    ونموذج آخر لهذا المفهوم يتمثل في مقتطع من قصيدة مصطفى سند* (الغابة)، حيث يقول الشاعر:
    كأنما في هذه العروق من طبولها المدمدمات
    بالأسى شرارة
    ورثتها كما أحسّ، من دنانها.
    .. وعشبها .. وبرقها المخيف ..
    .. من سهول الجنس .. والدماء .. والإثارة
    .. إذا وطئتها أموت من تلهفي
    أذوب في العناصر الطلاسم
    أشم نكهة الغموض في تعاقب المواسم
    أشم نكهة البكارة
    أحس أنني إلى هنا انتميت، منذ هاجرت
    بويضة الحياة عبر جدّتي
    وأنكرتْ حواضن الإله لمعة الحضارة
    تلوح في جبيني الهجين، في نحاس الشمس
    سال في دماي، في غرابة الملامح
    وعندما سجنتُ في رواق الليل
    كانت الطبول والخمور والذبائح
    يقول الشاعر: كأن في عروقي شيء من أصوات الطبول ودمدماتها. مليئة بالأسى، لقد أتت لي عبر ميراثي الزنجي، بكل شيء أتتني من كؤوسها، وعشبها، وبروقها المخيفة، من الجنس، من الدماء، والإثارة. إذا أتيت إليها، أكاد أموت من اللَّهفة التي تذيبني في عناصرها المختلفة، ورموزها الغريبة، فأنا أشتم رائحة الغموض في تعاقب الفصول واختلافاتها، فأنا أشتم رائحة البداءة والبكارة، وكذلك أحس بأن انتمائي إلى هذه البقعة هو انتماء حقيقي على الرغم من الهجرة ـ والجدير بالذكر أن الشاعر الشمالي كان قد عمل في جنوبي السودان وربما يعني الهجرة إلى الشمال ـ وهو يؤكد انتماءه عبر جدته الزنجية.
    أنكرت الآلهة ما أتت به الحضارة الجديدة، وهنا قد يعني آلهة الجدة الوثنية وحضارة الجد الإسلامية العربية، مهما كانت الأفكار لهذا الانتماء إلا أنها تبدو في شكلي ولوني الهجين في اللون النحاسي المصهور بالشمس، لقد سالت كل هذه الأشياء في دمي في ملامحي غير المألوفة، وعندما يجن الليل أحن إلى الطبول التي ترمز إلى الثقافة الزنجية وكذلك ما يصحبها من ولائم وخمور واحتفالات. فنفس الشاعر وجلده يؤكدان الانتماء إلى الثقافة الزنجية التي هي مكون أساس في ثقافته السودانية.
    مرة أخرى يستعيد مصطفى سند المعاني التي أثارها صلاح أحمد إبراهيم في قضية أمهات الأولاد. (أحسب أنني إلى هنا انتميت منذ هاجرت بويضة الحياة عبر جدتي) وصار يرى هذا الهجين يلوح في جبهته، هذه الرموز الإفريقية بطلاسمها وطبولها وخمورها تعصف في داخله لتذكره ببدايات ذلك اللقاء العربي الإفريقي. الذي كان لقاءً حضارياً تمثلت فيه هذه العناصر وأنتجت ذلك الهجين. في ذاكرة الهجين تبدو هذه الأشياء واضحة، بينة أعظم ما يمكن التعبير عنها هو لسان الشاعر، الذي يرى في أعماقه ما لا يراه الآخرون، يحس بهذه الطبول المدمدمات، وبالعشب والطلاسم في شاعرية هي المعبر الحقيقي عن هذا التمازج الثقافي، وليس صدفة أن خير من يعبر عن ذلك اللقاح الحضاري هو الشعر. حيث تذوب العناصر الأولية فيه في بعضها البعض مكونة شيئاً جديداً، يعلو على الفهم الوارد ولكي تقتنصه عبارات الشاعر، ولعل هذه الأبيات هي وسطٌ بين محاولة النور عثمان ومحاولة صلاح أحمد إبراهيم في التعبير عن هذا التمازج بين الثقافة الإفريقية والثقافة العربية. فالآخر الإفريقي ليس ملوال ولكنه جزءٌ صميمٌ في شخصية الشاعر، فالشاعر هنا يتحدث عن نفسه بضمير الأنا (أذوب، أشتم، أحسب، سال في دمائي ... الخ)، أمهات الأولاد هنا هي جدته هو الفرق بينه وبين صلاح أحمد إبراهيم أن الأنا الإفريقي في داخله هو آخر علاوة على نفسه. كما اتضح لنا أن صوت الشاعر في أبيات قصيدة الميلاد التي اتخذناها أنموذجاً من شعر النور عثمان أبكر، صوت الشاعر ينفجر في داخل الرموز التي ذكرها بين النبعة والصحراء وهو شاهد ذلك الميلاد، ولكنه ليس جزءاً منه شاهد يرى الأشياء في بدايتها ولكنه لم يشارك في صنعها أما سند فهذه الأشياء تمثل جزءاً من تاريخه الشخصي.
    ومن ثم نجد أن هؤلاء الشعراء عندما يضعون الثقافة العربية، في مقابل الثقافة الزنجية لا يجدون أي تعارض بينهما، بل يشكلان إضافة موجبة فالهجنة دائماً قوة، فهو يحمل الصفات الوراثية لعنصرين، فلذلك يأتي قوياً من الناحية الجسدية والعقلية، وكذلك يكون هناك ثراء في الثقافة إذ أنها نتاج ثقافتين.

    2 ـ البعث الحضاري للحضارات السودانية القديمة:
    نجد أن أهم وأخطر المضامين التي أوردها هؤلاء الشعراء هي بعث الحضارات القديمة وتمجيدها، وأرى أنهم فعلوا ذلك ليدحضوا الآراء التي تقول إن العرب عندما دخلوا السودان، كان الزنوج في أرض السودان يعيشون في بدائية وهمجية، ولا حضارة لهم، وكأنهم بإدراجهم لمروي يرمزون إلى عظمة تلك الحضارة، التي عرفت الحديد، وصناعته وبنت المعابد وكانت لغتهم لغة مكتوبة، وكذلك إدراجهم لسنار تلك السلطنة الإسلامية التي يرى البعض أنها تشكل النواة الأولى للسودان الحالي.
    يقول النور عثمان أبكر في مقطع من قصيدته (صحو الكلمات المنسية):
    من كاهن هذا المعبد أوصده
    في وجه العابر والساعي؟
    غرت على "سنار" رفعت ندائي غضبى
    أشهر من مصباح اللؤلؤ "سنغانيب":
    خزيت أرحام الموتى شبعاً، عافية، راحة بال ووساد
    حتى يرفع إنسان رأسه
    يرعب، يجرف اطمئنان الموت على "مروي"
    يتساءل الشاعر: من ذلك الكاهن الذي أغلق باب المعبد في وجه العابرين والطالبين؟ وعرجت على "سنار"* وناديت وأنا غاضب رافع مصباح اللؤلؤ "سنغانبيب"** عاشت أرحام الموتى وهي شبعى وممتلئة بالعافية، والصحة، وراحة البال، ووساده. يعني وضع هادئ ومريح إلى أن يرفع إنسان رأسه فيثير الخوف ثم مرة أخرى يجرجر الاطمئنان والهدوء على "مروي".***
    لعل قصيدة (صحو الكلمات المنسية) التي منها هذا الجزء الموحي الذي يحمل بين سنار ومروي في نسق فريد. فالشاعر يقولها صراحة من قبل بلوغ العالم هذا العصر السامق كان النبض الأول في الغابات وبدايات الحياة الإنسانية كانت هنا في الغابة ثم من بعد هذا المقطع يتساءل من كاهن هذا المعبد؟ فهذا المعبد في (مروي) بدايات التحضر في الثقافة السودانية، ولكنه أوصد لتبدأ بداية جديدة، لم ترق للشاعر فهو قد غار على سنار ورفع عقيرته بالنداء غاضباً ومندداً بما قد حدث فسنار في مواجهة مروي، مروي هي اطمئنان الموتى والنسيان ولكنه نسيان مرعب لأنها هنا في داخل سنار رغم أن قصرها قد أوصد وكاهنها قد شرد، لكنه لم يراوح مكانه، بقاء ثقافة الموتى فينا تمنحنا حياة ضاربة الجذور والأعماق تمثل مولود النبعة فينا. هنا الشاعر يبدي انحيازه واضحاً لثقافة ما قبل سنار. لأول مرة كحركة هذه الرسوم الصامتة المتمثلة في ذلك المعبد المروي الذي أوصد عنوة.
    ويبدو أن ذكرى النسيان قد شملت كاهن ذلك المعبد، ولكن الشاعر يراه حاضراً ويريد أن يستدعيه من أشباح الموتى.
    كما يقول الشاعر محمد عبد الحي من مقطع من قصيدته (مروي 1962):
    في القفر وحدي تحت شمس (مروي) أقرأ في حطام
    أحجارها السوداء والرخام
    أنصت للعصفور
    بين بساتين النخيل والرمال والصخور
    مغنياً عبر العصور
    في الصحراء، وقفت تحت شمس مروي وحدي، أقرأ وأتطلع إلى الحطام، والآثار، وحجارها السوداء والرخام، وفي ذات الوقت أنصت لتغريد طائر، بين الحدائق والنخيل، والرمال، والصخور، وهذا الطائر يغني على ما يبدو على مر العصور، منذ زمن طويل، وكأنه يخبرنا عما كان هناك في ذلك الزمن البعيد.
    وفي مقطع آخر من قصيدة "سنار 65" يقول:
    حين أبحرنا إلى (سنار) عبر الليل كانت
    سدرة التاريخ تهتز بريح قادمٍ من جزر الموتى
    حين أبحرنا إلى سنار في الليل كانت شجرة التاريخ تهتز وتميل استجابة لهبوب ريح قادم من الجزر التي يسكنها الموتى.
    الأبيات للنور عثمان أبكر، ولمحمد عبد الحي كلها تتحدث عن سنار ومروي وتستخدمهما رمزاً للحضارات القديمة التي ما زالت آثارها باقية.
    فـ"مروي" كانت حضارة سادت في وادي النيل ردحاً من الزمن، أقامها النوبة الذين هم من عناصر زنجية، قامت هذه الحضارة وازدهرت وصارت لها شأن
    في التاريخ الإنساني، لما قدمته من إرث حضاري، أسهم في تطور تاريخ الحضارات القديمة، لتدلك على أنه عندما دخل العرب السودان لم تكن هذه المنطقة خاملة الذكر، أو بدائية كما يدعي البعض.
    وسنار هي مملكة إسلامية، قامت في القرن الخامس عشر، وقد أقامها جنس هجين بين العرب والزنج، وكانت أول مملكة إسلامية في السودان، ويرى كثير من المؤرخين أن سنار هي نواة للإنسان السوداني الحالي، كون أن السوداني الشمالي هو خلاصي بين العرب والزنج ويدين بالإسلام.
    ونلاحظ أن محمد عبد الحي قد كتب قصيدة أسماها مروي 1965 وقصيدة أخرى أسماها سنار 1962 ولعل الشاعر أراد أن يربط بين مروي وسنار في الطريقة التي سمى بها القصيدتين رغم أنه لم يذكر ذلك في سياق واحد أو قصيدة واحدة رمز سنار ومروي. فبالنظر في قصيدة مروي 1965، نرى أن الشاعر يقف تحت وهج الشمس مستنطقاً الأحجار والحطام، عله يرجع إلى بدايات مروي التي هي جزءاً من ذاكرته المفقودة ليست حاضرة فيه، ولكنها تمثل بعداً من ذاكرة التأريخ يحتاج منه إلى التأمل والاستقراء للحطام، فهي تأريخ مفقود تليد لكنه حطام فهو حينما ينصت للعصفور بين بساتين الحاضر والرمال يريد أن يفهم شيئاً عن نفسه ربما أباح بسره ذلك العصفور، ولكنه سيسمع لغناء لا معنى له وجزء من ذلك الحطام لذلك القفر، (وحدي) يقول الشاعر تحت شمس مروي اقرأ الحطام، من يقرأ، تحت وهج الشمس في ذلك الحطام يمسك بتأريخ هو ليس له إنما هو تأريخ غابر قد اندثر. تلك هي مروي في مخيلة الشاعر تقف بإزاء سنار التي تمثل حضوراً أبدياً راسياً في نفسه، يبحر إليها عبر الليل فهي له ملاذٌ لجأ إليه، ولكنها تبقى في ذاكرة التأريخ رمزاً يستكين إليه، وليس صدفة أن نرى أنه حينما أبحر إلى سنار لم يبحر وحده ولكنه أبحر ومعه زخم من الأضداد والتأريخ والحضور، فسدرة التاريخ تهتز له لتمنحه حياةً وجوداً راسخ القدم، ليس في سنار حطام وإنما
    تأريخٌ ناصعٌ لا يستعصي على القراءة، وليس هناك طلاسم وإنما تبدو سدرة التاريخ لتمنحه أصولاً، وجذوراً واضحة المعالم. فمروي حطام يستعصي على القراءة وسنار تأريخ بيِّن المعالم.
    وإن كان النور عثمان أبكر يقف ذلك الموقف الغاضب من سنار، الداعي لحضور مروي في ذاكرتنا، فإن محمد عبد الحي يثبت عمق استدعاء مروي في ذاكرتنا ويبين الحضور الطاغي لسنار في وعينا، وهي التي تهبنا التأريخ وتمثل موقفاً بإزائه نُدرك وجودنا في التأريخ، فمروي وسنار رمزان عند النور عثمان أبكر يمثلان التقاطع بين العرب والزنج، ومروي وسنار عند محمد عبد الحي تمثلان استحالة التواصل، وبين استحالة التواصل والتقاطع يبدو موقف النور عثمان أبكر واضحاً إزاء الثقافة السودانية وكيفية البعث الحضاري لها ويبدو كذلك واضحاً عند محمد عبد الحي عدم جدوى مروي بإزاء سنار وبدايات سنار هي البدايات، وما كان في مروي قد كان لكن ذاكرة التاريخ قد ضيعته وصار حطاماً.
    وباستخدام الرموز مثل سنار، ومروي لبعث الحضارات القديمة يشحن السوداني الحالي بالفخر من ماضيه والاعتزاز به، سواءً أكان العنصر الزنجي أو العربي، كلاهما أتيا بحضارات عظيمة جديرة بالاحترام والإعزاز، ولذلك يرى هؤلاء الشعراء أنه من المهم أن نعتز بهويتنا الخلاصية هذه، وهذا واحد من أهداف مدرسة الغابة والصحراء عندما بدأوا في بعث الحضارات القديمة، وذكرها في أعمالهم الشعرية.
                  

05-16-2006, 05:42 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    3 ـ العنصر الزنجي في الشخصية السودانية:
    لقد كان سؤال الهوية، هو من أهم الأسئلة التي طرحتها مدرسة الغابة والصحراء، إن كان على مستوى التنظير أو التطبيق، وهذا ما تميزت به هذه الجماعة، إذ أن الغالبية من الشعراء السودانيين كانوا عندما يتحدثون عن إفريقيا، يتحدثون من بعد وكأنهم غير أفارقة، أو بالأحرى فقط جغرافياً، ولكنهم عرب.
    نقتطع جزءاً من قصيدة (هايدي) للشاعر محمد المكي إبراهيم:
    وأنا فارسها القادم من رأس المدار
    من بلاد تأكل الجوع وتقتات الدوار
    جارحاً يطعن حتى اللون والعطر
    وفتلات الإزار
    وهي وعد النار للغابات، وعد النسل
    وعد الجوع والفوضى
    ووعد الأصبع الدامي بأبواب النهار
    تتمشى في أضاليعي حمياها فانهار جموحاً وانبهار
    أنا هذا الفارس القادم إليك يا (هايدي) من المدار ويعني خط الاستواء، من بلاد جافة تأكل من جوعها الجوع، وتعيش في حالة مستمرة من الدوار، وهنا يصف إفريقيا التي أتى منها بأشياء اشتهرت بها في العالم، حيث الجفاف والتصحر يؤذيان إفريقيا، مما يؤدي لظهور جوانب سالبة، مثل الجوع والفوضى، وعدم النظام، والعطالة، والانتظار للفرج الذي قد يأتي به النهار الذي قد يرمز إلى الوعي والمعرفة والاستقلال. فكل هذه التناقضات والهذيان يا (هايدي) تضطرب في داخلي فتجعلني متمرداً ومنبهراً.
    ويقول صلاح أحمد إبراهيم في مقطع من قصيدته الجميلة (يا مرية):
    يا مرية:
    أنا من إفريقيا: صحرائها الكبرى وخط الاستواء
    شحنتني بالحرارات الشموس
    وشوتني كالقرابين على نار المجوس
    لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس
    وأنا منجم كبريت سريع الاشتعال
    يتلظى كلما اشتمّ على بعدٍ تعال
    النموذج الثاني من قصيدة (يا مرية):
    ينادي الشاعر هنا محبوبته (مرية) ويقول لها: أنا من إفريقيا التي بها الصحراء الكبرى وخط الاستواء. ملأتني بالحرارات التي جعلتني أسود كعود الأبنوس، وطبعي حامي وفوار، فأنا يا (مرية) مثل الكبريت سريع الاشتعال والانفجار، وهذه اللواعج تزداد سخونة كلما تحسست، وحتى ولو من بعيد إيماءات قبول من امرأة حسناء، ونجد أن صلاح أحمد إبراهيم هنا يؤكد على حرارة عاطفة الزنجي الإفريقي وهذه خاصية اشتهر بها الأفارقة.
    فإذا نظرنا إلى النموذجين المذكورين آنفاً نلاحظ قصيدة (هايدي) لمحمد المكي إبراهيم، و(هايدي) اسم لامرأة غربية، في الغالب بيضاء، وكذلك قصيدة (يا مرية) لصلاح أحمد إبراهيم، كتبت لامرأة اسمها (مرية) وأيضاً هذا اسم لامرأة غربية أو بيضاء، فنرى أنهما طرحا إفريقيتهم لتقف موقف النقيض مع الطرف الآخر، وهو طرف غربي أبيض في مقابلة للعنصر الأسود، فهما هنا يضعا ذاتهما كما يريانها، ويوضحانها للآخر، الذي قد لا يعرفها، ونجد أنهما في هذا المقام لا يذكران المكون الآخر وهو العنصر العربي، فيعرفان أنفسهما على حسب الموقع الجغرافي، وكأني بهما يعرفان أنهما قد يكونا مقبولين لدى الطرف الآخر الأبيض إذا كان الأمر لا يتجاوز اللون، ولكن بالمقابل عندما يدخل العنصر الآخر يجرجر معه الديانة ويكون الاختلاف بين الإسلام في مواجهة المسيحية، وهو في رأيهما فارق أساسي قد يحدث الرفض من الآخر "المسيحي الأبيض" لهما بسبب الديانة ولذلك تجاهلا ذكر العنصر الآخر.
    ومن ثم نجد أن هؤلاء الشعراء اعترفوا بالمكون الإفريقي وعللوا سبب طبيعتهم الحامية إلى وجود أثر هذا المكون الزنجي في إهابهم ودواخلهم.
    إن مقطع قصيدة (هايدي) للشاعر محمد المكي إبراهيم، فيه اعتراف ضمني
    بالعنصر الزنجي، في إزاء الحضارة الغربية وإنسانها الأبيض. فهذا الجنوب، الذي يحن إلى الشمال، صار معنًى دائراً في الشعر السوداني. يتخطفه الشعراء حيناً، ويحوله كتاب القصة إلى مغزى عميقٍ عن الصراع الحضاري، والشاعر هنا فارس قادم من رأس المدار رغم قتامة البلاد التي أتى منها، ووصفها بالجوع، والفوضى، العارمة، بإزاء النظام والحياة السهلة الرغدة في الغرب، هذا الفوران الإفريقي، والصخب الذي فيه، هو الذي يمثل الجنوب، ويمثل العنصر الإفريقي فيه، وكذلك "مرية" ومثلها مثل هايدي امرأة أوربية، بإزائها يكتشف الشاعر إفريقيته ويعتز بها. (أنا من إفريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء). ولعل صورة الإفريقي هو ما تحتاج إليه هذه المرأة البيضاء، وكلاهما محمد المكي إبراهيم وصلاح أحمد إبراهيم يكتشفان إفريقيتهما وهما في مواجهة الحضارة الغربية بمعنى أن هذه الإفريقية ليست أمراً أصيلاً فيهما، وإنما ضرورة الصراع والمواجهة هي التي دعته إلى ذلك الاكتشاف، ولعل في المقطعين ما يدلك على ذلك.
    4 ـ مفهوم الحب وجماليات المرأة السودانية:
    نجد أن غالبية من كتبوا في هذا المضمون من الشعراء السودانيين عندما يتحدثون عن امرأة، يصفونها بنفس الأوصاف التي يصف بها العرب نساءهم، وهي في كثير من الأحيان لا تنطبق على المرأة السودانية التي هي هجين بين العرب والزنج، ونموذج لذلك قصيدة عبد اللَّه الطيب (سمرقند) التي يصف فيها امرأة قائلاً:
    والتي أشبهتك جيدا فرعا ء رداح هركولة* هيدكر**
    ولكن في المقابل نجد أن شعراء الغابة والصحراء عندما كتبوا في الحب والمرأة،
    كتبوا عن امرأة سودانية بمواصفات امرأة خلاصية وهجين، ليست بيضاء وليست لها حاجب نوني.
    وقصيدة محمد المكي إبراهيم* الشهيرة (بعض الرحيق أنا ... والبرتقالة أنت) تحتذي هذا الوعي، وترتبط بالبيئة السودانية، وتتحدث عن امرأة بعض عربية وبعض زنجية، ومنها نقتطع هذا المقطع لندلل على مفهوم الحب والمرأة عند شعراء الغابة والصحراء.
    اللَّه يا خلاسيه
    يا حانةً مفروشة بالرمل
    يا مكحولة العينين
    يا مجدولة من شعر أغنيه
    يا وردةً باللون مسقيه
    بعض الرحيق أنا
    والبرتقالة أنت
    يا مملوءة الساقين أطفالا خلاسيين
    يا بعض زنجيّه
    يا بعض عربيّه
    وبعض أقوالي أمام اللَّه
    في هذه القصيدة الجميلة يبرع محمد المكي إبراهيم في تصوير، هذه العلاقة
    الخاصة التي تربطه بهذه المرأة الخلاسيه، التي يمور في دواخلها الدم الزنجي، مختلطاً بالدم العربي لتأتي هذه المرأة الخلاسيه الرائعة الجمال، فهو هنا يستخدم اسم الجلالة ليبين انبهاره وحبه لها، ويصفها وكأنها حانة أرضها مفروشة بالرمل، وهي امرأة جميلة مكتملة الزينة، ذات عيون مكحولة، وبارعة الجمال، وكأنها شيء خرافي، فهو يخبرنا أنها مثل الأغنية، ولها جدائل مضفرة، وكذلك هي مثل الوردة المشبعة الألوان، ثم يقف مستدركاً ليقول لها أنا يا محبوبتي بعض رحيق من برتقالة ولكن أنت هذه البرتقالة الجميلة، وكأنه هنا يصفها بالكمال ولكن يصف نفسه بأنه جزء من هذا الكمال، ثم يناديها قائلاً لها:
    يا أيتها الجميلة المملوءة بالأطفال الخلاسين أي أن أطفالك هم هجين عربي زنجي، فأنت يا محبوبتي بك شيء من العرب وشيء من الزنوج. كما أنك يا محبوبتي قطعاً ستمثلين جزءاً من أقوالي أمام اللَّه، وهو قد يعني هنا أنه عندما يأتي يوم الحساب ستكون هي جزءاً من حسابه أمام اللَّه.
    نجد محمد المكي إبراهيم في هذه القصيدة يتعشق امرأة إفريقية عربية، وهي هجين بين العرب والزنج، ونجده يصفها بصفات اتسمت بها المرأة السودانية، فهي ذات شعر مجدول وجدل الشعر عادة إفريقية، تمارسها السودانية والإفريقية، لطبيعة شعرها الأجعد، الذي هو ناتج عن الهجين وهو شعر تتراوح خامته بين النعومة والخشونة، وعادة تكون مختلفة من شخص لآخر، فإذا نظرنا إلى الشعر السوداني الذي كتبه شعراء سودانيون نجد المرأة عندهم هي المرأة التي كان يصفها العرب في شعرهم، فليس لها من الزنجية من شيء ، ولكن نرى شاعراً آخر فك نفسه من ربقة التقليد ليكتب شعراً يعبر به عن الواقع الذي يعيشه من البيئة التي يعيشها، ولذلك كانت معشوقته خلاسيه وجميلة.
    كما كتب أيضاً الشاعر صلاح أحمد إبراهيم قصيدته (هدية ـ ليلة الفزع
    والأحزان) وفيها يصف محبوبته التي هي بدورها تحمل سمت السوداني ونقتطع منها هذا الجزء:
    ومشيت إليك أكاد أطير بأجنحة، فأنا فرحان
    وأمام البيت تهيبتُ
    فتذكرت الوجه الأسمر
    والرقة في الوجه الأسمر
    والبسمة في الوجه الأسمر
    في ذلك اليوم بتلك الأمسية
    في هذا المقطع يتغزل الشاعر في امرأة ذات لون أسمر، وإنه عندما استعد للخروج كان فرحاً بلقاء المحبوبة، وكأنه كان يطير لأنه كان مسروراً، وفرحاً لهذا اللقاء المرتقب، وعندما أتى أمام البيت دخله خوف ورهبة، ولكن عندما راح في ذاكرته ذلك الوجه الأسمر، وتلك الرقة والعذوبة في ذلك الوجه الباسم، وكان ذلك في أمسية اللقاء، ونجد الشاعر تحدث عن فتاة ذات لون أسمر.
    إن اختيار مفهوم الحب وجماليات المرأة السودانية هو واحد من عناصر توطين الشعر في بيئة الثقافة السودانية، فإن كان الشعراء مثل عبد اللَّه الطيب، ومحمد سعيد العباسي وغيرهما، يكتبون شعراً ينتسب إلى بناء القصيدة العربية، وجمالياتها، ولا يمت بصلة للواقع السوداني، فإن شاعراً مثل محمد المكي إبراهيم، قد حاول كسر هذه السطوة التراثية التبعية لجماليات المرأة في الشعر السوداني. رغم الغنائية الحافلة التي اتسمت بها قصيدة (بعض الرحيق أنا ... والبرتقالة أنت)، إلا أنها محملة بمعان فكرية عميقة. بها مواقف جمالية مغايرة لما ألفه سمت القصيدة العربية في السودان، فهي عنده (بعض عربية وبعض زنجية وبعض أقوالي أمام اللَّه)، لا شك أننا ندرك هذا التبعيض الثلاثي لهذه المرأة، فبعضها العربي مفهوم لدينا، وبعضها الزنجي مفهوم لدينا، وبعض أقواله أمام اللَّه هي تلك الذاتية التي تجعل هذا التبعيض كلاماً موحداً في امرأة، جمعت هذه الأبعاض، لكنها تكاملت في شيء جديد، إذا أمعنا النظر فيما ذهب إليه صلاح أحمد إبراهيم، وتعشقه للسمرة وترداده لها ثلاثة مرات في المقطع الذي اخترناه (تذكرت الوجه الأسمر، والرقة في الوجه الأسمر، البسمة في الوجه الأسمر) فهذا الترداد يؤكد المعنى في نفس الشاعر، ويجعل في السمرة قيمة جمالية. ولا شك أن كلاهما قد نجح، في توطين جماليات المرأة عند الإنسان السوداني في شعرهم.
    ومن هذه النماذج نخلص إلى أن مفهوم هؤلاء الشعراء للمرأة هو فهم واقعي نابع من الحياة في السودان، فنلاحظ أن خيالهم لا يجمح عندما يتحدثون عن امرأة بيضاء وهركولة وهيدكر، وبذلك يكونون من الرواد في طرح مفاهيم الحب وجماليات المرأة بمواصفات وتصورات نابعة من واقعنا الثقافي، حيث قال محمد المكي: "أنا شخص خلاصي حبيبتي خلاسيه، ومؤهل للحب والزواج من خلاسية وبلدي كلها خلاسية".

    5 ـ استخدام المفردات السودانية:
    نجد أن شعراء الغابة والصحراء كثيراً ما ينقلون صوراً من السودان ويستخدمون فيها مفردات سودانية وهي نابعة من الثقافة السودانية.
    وهذا هو الشاعر صلاح أحمد إبراهيم يكتب قصيدته Fuzzy Wuzzy التي نقتطع منها هذا المقطع الذي يصف فيه بدقة أوشيك:
    ولم يعد "أوشيك" غير هذه النعال
    صداره والثوب والسروال
    والسيف والشوتال
    وشعره المغوّف الوديك والخلال
    وعلبة التنباك
    يراقب الزقوم والصبار والأراك
    السلّ في ضلوعه يفح أفعوان
    عيناه جمرتان
    في وحدة الرهبان إلا أنه
    يحب شرب البنّ يمقت "الشفتة" و"الحمران"
    دبايوا*
    يقول الشاعر: لم يعد أوشيك (هو الاسم الذي يطلق بدلاً عن الشيخ عند قبائل الهدندوة التي تسكن شرق السودان)، يمتلك غير هذا الحذاء والصديريه، والثوب، والسروال وهذه هي الملابس التي يلبسها الهدندوي، ومعها مكملات للزينة مثل السيف والشوتال** وفي شعره الكثيف المدهن بالودك،*** يرشق الخلال (والخلال عود يرشقه الهدندوي في شعره تظرفاً) وعلبة التنباك، والتنباك مادة يستخدمها السودانيون بعامة، ولكن اشتهر باستخدامها الهدندوة إذ قل ما يوجد من لا يستخدمها بينهم، وهي مادة شبه مخدرة وتعد من المكيفات ويصور الشاعر أوشيك بدقة، في وقفته تلك وهو يراقب الزقوم، والصبار، والأراك، وهذه أسماء لنباتات صحراوية تنمو في البيئات الجافة الصحراوية، وأوشيك مريض بمرض السل الذي يفتح وينشر في صدره مثل الثعبان، وعيناه حمراوتان مثل جمرتا نار دلالة على استفحال المرض فيه وتقدمه، وأوشيك في وقفته تلك وحيداً مثل الراهب، وهو يحب شرب القهوة مثله ومثل بقية أهله، ولكنه كذلك يكره بشدة الشفته (عصابات مسلحة في الجبال الواقعة في تخوم إرتريا تهاجم الهدندوة وتسلبهم ممتلكاتهم) والحمران هي قبيلة تجاور الهدندوة، وبينهم حروب دائمة في المراعي
    كما تدل قصة تاجوج* على تلك الحروب، وكلمة دبايوا معناها أهلاً مرحباً باللَّهجة الهدندوية.
    في هذه القصيدة يطرح الشاعر مشكلة الجفاف في تلك المنطقة الجبلية التي تعيش فيها هذه القبائل كما يطرح أيضاً ما يحدث عندما يأتي الجفاف، وكيف تقل الموارد مما يفرز مظاهر اجتماعية سالبة، وبهذا ينقل لنا واحدة من المشاكل المحلية في السودان مستخدماً مفردات سودانية لا يستخدمها إلا السودانيون ولذلك نجده قد قام بشرح معاني المفردات في هامش القصيدة إذ أنه لاختلاف القبائل ولهجاتها من السودان قد يصعب على بعض السودانيين معرفة دلالات هذه المفردات، والمفردات هي دبايوا، شفتة، شوتال، وخلال، والتنباك، وكلها مفردات خاصة بالبيئة في السودان.
    ومن ثم نجد أن السمة البارزة لشعراء سنوات الستين هي محاولة تأصيل لشعر سوداني، يتحدث عن مواضيع سودانية، توظف فيها المفردات السودانية، وهذا يبدو في النموذج السابق الذي يبدو فيه هذا الفهم العميق لخصوصية السودان وثقافته، والرغبة في إبرازهما.
    هذه المقاطع من قصيدة صلاح أحمد إبراهيم (Fuzzy Wuzzy) رغم أنها تنتمي إلى مدرسة الواقعية الاشتراكية، إلا أن لها سمة عن محاولة لتمجيد كل ما هو سوداني، فالإنسان ربما يحتقره الآخر، ولا شك أن وصف (Fuzzy Wuzzy)** من قبل الرجل الأبيض، قصد بها التقليل من قيمة هذا الإنسان السوداني "أوشيك" ولكن بهيئته، وزيه، وشارته، وعشقه للتنباك، وصحته ومرضه، وحبه للبن، ومقته للشفته، كل هذه المعاني التي فيه هو وحده، قائمة بذاتها لن تجدها في أي وطن آخر، هذا التعدد الذي فيه، جعل الشاعر يقتنص للحظة بشاعريته هذا التوحد، والتفرد، صحيح أن الكلمات التي استخدمها الشاعر لا تجدها إلا في السودان، ولا تجدها مجتمعة إلا عند "أوشيك" فهي صورة معبرة عنها بدقة، وهو إضاءة عظيمة الفائدة للتعريف بالإنسان السوداني "أوشيك"، رغم أنه ينتمي إلى ثقافة قد يدعى أنها هامشية، إلا أنه يشارك الثقافة السودانية بهذه المفردات الفريدة التي عنده والتي لا تكتمل صورة الثقافة السودانية إذا أبعد منها أوشيك، وهو حاضر غائب، حاضر برموزه غائب في ذلك الكل المعقد، الذي نسجت منه تلافيف الثقافة السودانية.

    6 ـ استخدام الماورائيات مثل العرافة:
    نجد أن ظاهرة العرافة، والمنجم، والكجور، أو الساحر، هي في غالبها ظواهر إنسانية بعامة، ولكنها اتخذت بعداً آخر في الثقافة الإفريقية الوثنية، وبالتالي نقلت إلى الثقافة السودانية حيث تجد رواجاً في كل السودان، حتى بين المسلمين ـ على الرغم من تناقضها مع الإسلام ـ إلى أن نقلها الشعراء السودانيون إلى شعرهم بقصد كشف المستقبل، وكذلك كشف هذا الجانب الغيبي في السودان.
    والنموذج التالي من قصيدة (سيرة ذاتية) للنور عثمان أبكر نقدم منها هذا المقطع لنبين توظيف الماورائيات عند شعراء الغابة والصحراء:
    وشيخ هدّه التجواب، تحكي عينيه الأسفار
    تأملني وناداني
    تفرس راحتي حينا وباركني
    وعوّذ لي من الريح الخبيث ومن عيون الناس
    وقال جبيني الخلاق أفلاك، فراشات، شذى أعراس
    وقلبي وافر الإحساس
    تأملني يباركني ويهديني دروب الشمس
    وهذا الشيخ الذي تبدو عليه الخبرة، التي اكتسبها من الأسفار المختلفة ..
    هذه المعرفة متجلية في عينيه، يقول الشاعر بلغة المتكلم نظر إليّ بإمعان ثم ناداني، عندما ذهبت إليه أخذ كف يدي، وتفرس فيها لبرهة من الزمن ثم باركه وتعوذ له من الريح الخبيث من الحسد، وأعين الناس والسحر، ثم أخبره أن في جبينه، والجبين هو مقدمة الوجه (الجبهة) وكثير من الناس يعتقدون أن كل ما كتب لك في هذه الدنيا مسجل في الجبين، فقالوا في المثل الدارجي "المكتوب في الجبين لا بد تشوفه العين"، ثم قال له العراف إن جبينه العظيم الخلاق فيه كثير من الأفراح والشذا يعني هنا أن سجل حياته مليء بالأفراح، ومستقبله مضمخ بالشذا وأن له قلباً مليء بالإحساس، ثم نظر مرة أخرى وباركه وأعطاه هدية دروب الشمس، التي قد تعني طرقاً مضيئة ومليئة بالنجاحات، وأنه قد تفاءل خيراً لهذا الاستشراف الحسن.
    ومن قصيدة محمد المكي إبراهيم (قصيدتا حب ومهرجان) نقتطع هذا الجزء:
    أعطى الحبيب كفه عرافه الحمى
    أعطى حرير غيمه ومهد شاعر
    وحقل أنجم وقال:
    "عرافة الحمى شقي الغيوب
    سدد لها، واقتحمي على المجهول صمته وعزلته"
    ... تأملت وهدهدت في حضنها كف الحبيب لحظتين:
    لحظة الدهش ولحظة المواجهة
    وانطلقت بعدهما تقص رؤياها على الحبيب
    في هذا المقطع يصور الشاعر ببراعة صورة لعرافة الحي وهو يقول:
    أعطى الحبيب كفه إلى عرافة الحي وهي ناعمة مثل الحرير، وبها مولد شاعر وحقول وأنجم، ويعني أن حياته حافلة بكل ما هو جميل وها هو يستحث العرافة لتدلف إلى الغيوب، وتهتك سرها، وتخبره عن المستقبل الذي هو في حكم المجهول،
    وتناولت العرافة يد الحبيب ونظرت إليها، ومن الوهلة الأولى بدأت الدهشة ثم بعد ذلك أتت لحظة مواجهة هذا المجهول ومعرفته ثم بدأت تقص على الحبيب بعد أن تجاوزت دهشتها.
    ومن هاتين التجربتين نرى على الرغم من أن ظاهرة الإيمان بالعرافات هي ظاهرة إنسانية عالمية، إلا أنها اتخذت في البلاد العربية بعامة والسودان بخاصة بعداً آخرا على الرغم من موقف الدين الإسلامي المناهض لها، وعلى ما يبدو أنها عادة كانت تمارس في الجاهلية وهي تختلف من وسيلة إلى أخرى، فهناك التطلع إلى النجوم، والضرب على الرمل، وقراءة الفنجان، وقراءة الكف، والودع (أصداف بحرية)، وفتح الكتاب الخ .. الخ .. ولكن في السودان الضرب المتفشي هو ـ رمي الودع ـ.
    ونجد أن الشاعرين استخدما قراءة الكف، وهي غير معروفة بكثرة في السودان ولكنها معروفة عند العرب بصورة أكبر.
    نخلص إلى أن استخدام شعراء الغابة والصحراء لهذه الماورائيات، إنما هو جزء من العقل الجمعي الإنساني، ونجد أن عبده بدوي في كتابه (الشعر الحديث في السودان) أفرد جزءاً من هذا الكتاب ليتحدث عن أن الكجور والعرافة هي سمة بارزة من سمات هذه الجماعة، وأرجعها إلى الثقافة الإفريقية الزنجية، على الرغم من أنها ظاهرة إنسانية، ومكثفة في العقل الجمعي الإنساني باختلاف الألوان والثقافات.

    7 ـ مضمون الموت والبعث من منطلق إفريقي:
    إن الموت في الديانات الإفريقية لا يعني نهاية للإنسان بالضرورة، بل هو انتقال إلى درجة أخرى حيث يحل الميت في أبنائه وأحفاده حيث يبعث فيهم (لا نعني هنا التقمص بالطريقة الهندية).
    وفي هذا يقول الشاعر محمد عبد الحي في هذا المقطع من قصيدته (العودة
    إلى سنار):
    الليلة يستقبلني أهلي
    أرواح جدودي تخرج من
    فضة أحلام النهر، ومن ليل الأسماء
    تتقمص أجساد الأطفال
    تنفخ في رئة المداح
    وتضرب بالساعد
    عبر ذراع الطبال
    وهنا يخبرنا محمد عبد الحي عن أرواح الجدود التي تخرج من فضة أحلام النهر، وقد يعني بذلك الخروج من الأمسيات، حيث يكون لون النهر في لون الفضة، خاصة في الليالي المقمرة، فتتحول هذه الأرواح إلى طاقة روحية هذه الطاقة الروحية، تدخل وتتلبس الأطفال ليكونوا امتداداً لهذا السلف، ثم تتحول هذه الطاقة في عدة صور أخرى، قد تدخل من رئة المداح والمداح هو المغني الذي يمدح الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وهنا يرمز إلى الثقافة الإسلامية العربية، وكذلك تتحول إلى طاقة تتملك ضارب الطبل وكأني به يعني الثقافة الإفريقية التي كثيراً ما يرمز لها بالطبل إذ أن الطبول آلات موسيقية إفريقية برع الأفارقة في الضرب عليها.
    ومن ثم إن الموت عند محمد عبد الحي لا يعني الانقطاع التام من هذا العالم، ولكن هو بقاء في مستوى آخر ولا يزال يؤثر على الأحياء. فروح الأجداد ما زالت بيننا "تنفخ في رئة المداح حيناً وفي حين آخر تضرب بالساعد على ذراع الطبال"*. وهي لا تنفك تتقمص أرواح الأطفال، وهذه الأرواح أو الطاقة التي ينفثها الجدود في العالم الماثل هي متأثرة بالهجين المكون لها ولذلك فهي تارة تتحول
    إلى طاقة تضرب بالساعد عبر ذراع الطبال وتارة أخرى تنفخ في رئة المداح*، وفي ذلك تبدو الثنائية الإفريقية العربية.
    وفي نموذج آخر للشاعر النور عثمان أبكر يعبر فيه عن مضمون الموت والبعث بلغة حفية جميلة وساحرة إذ يقول:
    زهراً
    شهداً ـ
    حقلاً لقحه الموتى
    في موسم إيراق الذات وإخصاب الأحياء
    وفي قصيدة أخرى يقول:
    بدايتي نهايتي بداية لآخر
    وهنا يقول الشاعر:
    زهر وعسل حقول الموتى في موسم التناسل، وبعث الذات حيث يخصب الأحياء ليتناسلوا تكون نهاية آخر، هي بداية لمولود جديد، وبهذا يؤكد على مفهوم البعث على الطريقة الإفريقية، فإننا في تصوره لا ننقطع عن هذا العالم الماثل، وإننا بدورنا عندما أتينا كنا امتداداً لجدود قدامى وكذلك أحفادنا يكونون امتداداً لنا، وبذلك تستمد سيرورة الحياة ولا تنقطع، وهو يرى أننا كهجين ستكون آثار ذلك التكوين المختلط باقية مهما طالت الأزمان، واتسعت شقة الزمن بيننا وبين جدودنا، ولذلك لن يأتي ذلك اليوم الذي نتخلص فيه من أي مكون من مكوناتنا العربية الزنجية.
    ونجد فكرة الموت والبعث عند هؤلاء الشعراء دائماً تكون بتأكيد المفهوم الإفريقي وكأنهم لا يريدون لنا أن نفهم أننا يمكننا أن ننفك من أسر العناصر
    المكونة لنا وهي، العربية والإفريقية.

    8 ـ استخدام رمزية الغابة والصحراء:
    لقد حفلت كثير من القصائد التي كتبها هؤلاء الشعراء باستخدام رمزي الغابة والصحراء مباشرة أو غير مباشرة، فالغابة عندهم ترمز للثقافة الزنجية الإفريقية، والصحراء ترمز للثقافة العربية الإسلامية. يكونان معاً الثقافة السودانية الهجينة. فأول من استخدم هذا المصطلح للتعبير عن الثقافة الهجينة هو الشاعر السنغالي "ليوبولد سنغور" ، وفي السودان أول من استخدم هذا الرمز هو النور عثمان أبكر، عندما كان في ألمانيا سنة 1962، في قصيدته الشهيرة (صحو الكلمات المنسية)، والغابة والصحراء تعني قضايا مختلفة، لشعراء مختلفين. وهو عنوان جامع للتعبير عن تجارب شعرية، قصد بها البحث عن هوية الثقافة في السودان. فتارة يبدو الصوت الإفريقي عالياً، لتمجيد الرموز البدائية، ولتهميش العنصر العربي، وخير مثال لذلك الشاعر النور عثمان أبكر، وتارة أخرى يبدو فيها العنصر العربي حياً، وفعالاً في إعطاء هذه الثقافة السودانية سمتها، ومكونها الأساسي وهو الثقافة العربية الإسلامية، وخير من يمثلها محمد المكي إبراهيم.
    أما الحالات التوفيقية لإحداث توازن، بين العناصر العربية والإفريقية، نجدها ممثلة في تجربة محمد عبد الحي ومصطفى سند.
    وهنا نموذج للنور عثمان أبكر يقول فيه:
    مولود الغابة والصحراء
    من هذا الطافر كالجبل الأسمر
    كمنارة ساحلنا الأزرق
    رجل أوقظ؟ غاب؟ فترة الأعمار الأولى؟
    ذهب ألق الجبهة، قضب الزيتون، عوامير اللهب الممتد الأعراف
    إلى قسم الآفاق العالية
    هذا صحو الكلمات المنسية
    يقدم الشاعر في هذا النموذج جملة خطابه في الهوية" فهو يتحدث عن مولود الغابة والصحراء الذي يشابه الجبل الأسمر في بروزه، ثم يتساءل الشاعر عنا أهو مستيقظ، وهل هو غابة، أم دلالة ومرآة للبدايات الأولى، لامع وقيم كالذهب وأخضر مثل غصن الزيتون، وكذلك حامي الطبع مثل العواميد الملتهبة مولود الغابة والصحراء، الذي تمتد أصوله وأعراقه إلى قمم عالية تتسد الآفاق، وبتمجيدنا لهذا الميراث يكون فيه صحو الكلمات المنسية، التي يرمز بها النور للغة القبيلة التي نسيناها، ولكن ما زالت في دواخلنا كرموز تمثل أصولنا.
    وهذا النموذج لمحمد المكي إبراهيم يوضح رؤيته لمسألة الهوية هذه قائلاً:
    الرؤيا تزحم عيني الريا
    أتلمس في الأدغال وفي الصحراء البهو معالمها
    أتلمس لا ألقى إلا حبات مسابحكم
    حبات مسابحكم
    حبات مسابحكم
    سبحان الحكم الطيب فوق مداخل إفريقيا
    أمتلئ بالنظر والرؤيا، وعندما أنظر بإمعان لأبحث عن الأدغال والصحراء في معالم هذه الثقافة، ولكنني لا أجد عندما أتلمسها إلا حبات مسابحكم، وثم يكرر هذا المعنى الذي يرمز إلى الثقافة العربية، ولعله يشير إلى الوجود العربي
    الفارض في إفريقيا.
    والرمز في النموذج الأول للنور عثمان أبكر، رمز واضح ومباشر. يتحدث فيه الشاعر عن الغابة التي يرمز بها إلى الثقافة الإفريقية، والصحراء التي بدورها ترمز للثقافة العربية. وناتج لقاح الغابة والصحراء هو إنسان مميز، جمع بين ثقافتين عريقتين بكل ما فيهما من ألق، ولمعان، وجيشان، وحضور، وغياب، وذاكرة، والكلمات المنسية هي اللغة الأولى الأصلية القابعة في ذاكرتنا البعيدة، التي يسعى الشاعر لاستردادها عبر صحو شعري فريد، وباستعادة هذه اللغة ترجع له كينونته المفقودة وهكذا تكتمل الدائرة.
    وفي النموذج الثاني، لمحمد المكي إبراهيم لم يذكر عبارة غابة وصحراء مباشرة، ولكنه ذكر الأدغال، وهي الغابات التي تدل على الثقافة الإفريقية، والصحراء هنا ترمز إلى الثقافة العربية، ولعل الثقافة العربية، قد تغلبت على الثقافة الإفريقية، فرمز لها بالمسابح (وهي عقد من الخرز يسمى مسبحة يستخدم في التسبيح لله يستخدمها بعض المسلمين عندما يسبحون للَّه سبحانه وتعالى) وهي من صميم الثقافة الإسلامية.
    من الواضح أن إثارة الرمز، عند النور عثمان أبكر، وتكييفه قصد منه البحث عن البدايات الأولى، ومحاولة استعادة حضورنا الفاعل للتعبير عن ذاتيتنا. وهي دعوة لاسترداد البدائية، التي فقدت بسبب التمازج الزنجي العربي ، بينما نجد محمد المكي إبراهيم لا يعنيه الأمر كثيراً، بقدر ما هو يسعى لوصف ديناميات التزاوج وتغليب الثقافة العربية.
    في هذا الفصل تحدثنا عن الغابة والصحراء، من ناحية تنظيرية حيث تتبعنا قيام الفكرة منذ البداية إلى أن تحولت إلى دعاوى الهوية والبحث عن الذات ومعرفتها.
    حيث تكون في عقد سنوات الستين ما أطلق عليه النقاد مثل عبد الهادي صديق وسلمى خضراء الجيوشي وعبده بدوي تيار الغابة والصحراء ليرمز للمكون الإفريقي العربي داخل الإنسان السوداني، حيث تبلورت هذه الفكرة، وأتت بإنتاج أدبي تركزت عليه مفاهيم اجتمع حولها هؤلاء الشعراء مما أدرجهم تحت راية الغابة والصحراء، التي كثيراً ما أطلق عليها مدرسة وتارة أخرى تياراً، فمهما تكن التسمية فإن هؤلاء الشعراء الأماجد كتبوا الشعر الحديث وأن اختلف تناولهم له من ناحية الشكل، فبعضهم كتب بأسلوب بسيط ومباشر بعيداً عن الزخرف اللغوي والغموض، مثل صلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم وفي رأيي أنهما كتبا شعرهما هذا بعيداً عن التعقيد اللغوي والغموض الذي هو السمة البارزة للشعر العربي الحديث في سنوات الستين، لا لضعف في شاعريتهم أو قصر قامة بين الشعراء بل لانتمائهما الفكري لحركة اليسار وكتبابتهما تحت المدرسة الواقعية الاشتراكية التي ترى أن للأدب رسالة محددة، ولذلك حتى تفهم وتصل بصورة واضحة وتؤدي الرسالة كاملة يجب أن تكون واضحة ومباشرة، ولذلك نجد أن شعر محمد المكي إبراهيم وصلاح أحمد إبراهيم اتسم بالتقريرية التي قد يرى فيها النقاد سمة الخطابية والهتافية.
    وفي المقابل نجد شعراء مثل مصطفى سند والنور عثمان أبكر ومحمد عبد الحي اتسم شعرهم بالغموض والعوالم الغيبية (الفنتازيا)، وأتت لغتهم رنانة وقوية وغامضة، ونجد أن كلاً من هؤلاء الشعراء حاول أن يكوّن قاموسه الشعري الخاص الذي يميزه من بقية الشعراء، وكان التكثيف اللغوي الذي يعطي صوراً شعرية مليئة بالغموض، وكأنها عالم الأحلام الساحري، الذي لا يستقيم فيه منطق الوعي، ومن ثم نجد أن الغموض عندما يتحول إلى غاية أيضاً يخل برسالة الشاعر ويكون شعره غير مفهوم للكثيرين ما يصرف المتلقي منه وبذلك يكون شعره محدود الانتشار.
    والجدير بالذكر أن كل هؤلاء الشعراء ما عدا مصطفى سند درسوا في جامعة الخرطوم في أواخر سنوات الخمسين وسنوات الستين ويرى بعض النقاد مثل عبد الهادي الصديق وسلمى خضراء الجيوسي أنهم تأثروا بدراستهم للآداب الغربية، إذ أن غالبيتهم يعرفون أكثر من لغة أجنبية.
    ولقد قمت بتقديم نماذج تطبيقية لهؤلاء الشعراء لأدلل على المفاهيم المشتركة التي جمعتهم والتي ناقشوها في أعمالهم الشعرية، وكان التحليل على مستوى المضامين فقط، وهذا لأن البحث أصلاً يدرس مفاهيم ومضامين هذه الجماعة، ولكن هذا لا يعني تجاهل أن جوهر الشعر ككل يقسم إلى شكل ومضمون وأننا لا نستطيع فصلهما.
                  

05-16-2006, 05:45 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    محمد أحمد محجوب، في أول عدد لمجلة الفجر الجديد.
    زين العابدين، أحمد الطيب، (مقال السودانوية التشكيلية)، حروف، ص 23.
    المرجع السابق، ص 24.
    المرجع السابق، ص 24.
    المرجع السابق، ص 27.
    علي إبراهيم، عبد الله، تحالف الهاربين، ص 160.
    المرجع السابق.
    صديق، عبد الهادي: أصول الشعر السوداني، دار جامعة الخرطوم للنشر، ط2، 1989م.
    المرجع السابق.
    * للاستزادة راجع كتاب: تأريخ وجغرافية السودان، لنعوم شقير، مطبعة دار المعارف، القاهرة، 1930.
    ** مملكة مروي من ممالك وادي النيل، وكانت قبل الميلاد وكان بها حضارة مجيدة، ما زالت آثارها باقية إلى الآن.
    *** راجع: النويهي محمد، الاتجاهات الشعرية في الأدب السوداني، مطبعة النهضة، القاهرة، 1957.
    علي إبراهيم، عبد الله، (تحالف الهاربين)، ص 162.
    أصول الشعر السوداني.
    ملف الآداب والفنون، صحيفة الأيام، مقابلة مع النور عثمان أبكر، يوم 24/3/1979.
    المرجع السابق.
    * وردت هذه الأخطاء النحوية في النص والصحيح هو: تبذيرٌ وخمرٌ واستهتار وحبٌّ.
    ** الجلابة تعني العرب.
    المرجع السابق،
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    *** أبو لكيلك قائد من قواد المهدية.
    مقابلة النور عثمان أبكر.
    مقال لست عربياً ... ولكن؟.
    **** حديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلم: « إنما العربية اللسان »، قال ابن عساكر في (تأريخ دمشق) 407ـ21 بسنده، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: « يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي ».
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    مقابلة مع النور عثمان أبكر، ملف الآداب، الأيام.
    أحمد إبراهيم، صلاح، نحن عرب العرب، الصحافة، يوميات الصحافة، 25/10/1976.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    لست عربياً ... ولكن؟.
    بل نحن عرب العرب.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    * النويهي، عبده بدوي، عبد الهادي الصديق، إحسان عباس.
    * راجع: الجيوشي، سلمى خضراء، مجلة الثقافة السودانية.
    مقابلة النور عثمان أبكر.
    المرجع السابق.
    * هذا خطأ لغوي في النص، الصحيح: مقطعاً واحداً.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    عيدروس، مجذوب، جلسة حوار مع الشاعر محمد المكي إبراهيم، مجلة الثقافة الوطنية، العدد الثالث، السنة الأولى، نوفمبر 1988م.
    مجلة الثقافة الوطنية كانت في فترة الديمقراطية الثالثة، ووقفت بعد ثورة الإنقاذ.
    مقابلة مع محمد المكي إبراهيم.
    الجيوشي، سلمى خضراء،.
    * راجع: الجيوشي، سلمى خضراء، والنويهي، محمد، الصديق، عبد الهادي.
    راجع: كتاب أصول الشعر السوداني لعبد الهادي صديق.
    بدوي، عبده، الشعر في السودان، ص 310.
    مصطفى سند، حروف، ص 172.
    * راجع: مقال تحالف الهاربين.
    ** راجع: كتاب السودان والإفريقانية، الصديق، عبد الهادي، سلسلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات الاستراتيجية، الخرطوم، 1997م.
    إبراهيم، عبد اللَّه علي: تحالف الهاربين.
    * الجيوشي، سلمى خضراء، بدوي، عبده، الصديق عبد الهادي.
    راجع: غضبة الهبباي وغابة الأبنوس، لصلاح أحمد إبراهيم، أمتي لمحمد المكي إبراهيم، البحرا لقديم لمصطفى سند، العودة إلى سنار لمحمد عبد الحي.
    الجيوشي، سلمى خضراء: مقال (الشعر العربي في السودان ...)، ص 93.
    * راجع: الصديق عبد الهادي، السودان والأفريقانية، سلسلة الدراسات الاستراتيجية، 1997. وراجع: الخاتم، عبد القدوس، مقالات نقدية، إدارة النشر الثقافي، 1977. وراجع: سنغور، ليوبولد، الزنجية والعروبة، مجلة المجلة المصرية، عدد 123، مارس 1967.
    * الصديق، عبد الهادي، عيدروس مجذوب، بدوي، عبده.
    ** راجع صفحة 104.
    * صلاح أحمد إبراهيم: ولد بأم درمان ودرس بمدارس أم درمان، ثم نال دبلوم جامعة الخرطوم في الأداب سنة 1958، وعمل بالسلك الدبلوماسي، وكان نشطاً سياسياً وثقافياً وقد نفى نفسه إلى باريس بعد استيلاء الجبهة الإسلامية على الحكم 1989، وتوفي بباريس 1992 رحمه اللَّه.
    ** ملوال اسم لشخص من قبيلة الدينكا النيلية، ورمز لأبناء الجنوب.
    أحمد إبراهيم، صلاح، غضبة الهبباي، دار الثقافة، بيروت، د.ت، ص 43.
    المرجع السابق، ص 45.
    * راجع: دينق، فرانسيس، طائر الشؤم، ترجمة عبد اللَّه النعيم، شركة ميردابت ومكني أبكر، لندن، الطبعة الأولى، 1992.
    * للاستزادة في معرفة عادات قبيلة الدينكا، راجع كتابات فرانسيس دينق عن الدينكا، ديوان غابة الأبنوس، قصيدة أخي قابيل، ص 43.
    ** النور عثمان أبكر: درس في جامعة الخرطوم كلية الآداب، وعمل معلماً بالمدارس الثانوية ثم بعد ذلك خرج من السودان إلى الخليج وهو من أشهر شعراء السودان ويمتاز شعره بجودة الخيال ونصاعة اللغة.
    أبكر، النور عثمان، صحو الكلمات المنسية، دار التأليف والنشر، الطبعة الأولى، د.ت.، ص 6.
    * راجع: الصديق، عبد الهادي، السودان والإفريقانية.
    * مصطفى سند: والده كان شاعراً، ولد بأم درمان وعمل بمصلحة البريد، درس الآداب في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، يمتاز شعره بالجمال وهو من الشعراء القلائل الذين كونوا قاموساً خاصاً بهم وهو غزير الإنتاج.
    بدوي، عبده، الشعر في السودان، ص 312.
    بدوي، عبده، الشعر في السودان، ص 203.
    شقير، نعوم، تأريخ وجغرافية السودان.
    أبكر، النور عثمان، صحو الكلمات المنسية، ص 76.
    * سنار مدينة في أواسط السودان، وكانت مملكة إسلامية عظيمة.
    ** جزيرة في البحر الأحمر قرب بورسودان.
    *** مدينة في شمال السودان، كانت مملكة عظيمة قديماً.
    عبد الحي، محمد، الأعمال الشعرية الكاملة، ص 54.
    المرجع السابق، ص 55.
    شقير نعوم، تأريخ وجغرافية السودان.
    شبيكة، مكي، السودان عبر القرون، دار الثقافة، بيروت، 1966.
    إبراهيم، محمد المكي، ص 161.
    أحمد إبراهيم، صلاح، ص 35.
    راجع: الطيب صالح: رواية موسم الهجرة إلى الشمال، دار العودة، بيروت.
    راجع: علي إبراهيم، عبد اللَّه، مقال تحالف الهاربين، مرجع سابق، ص .
    * الهركولة: التي تتمتع بجسم حسن.
    ** الهيدكر: التي تتبختر.
    المك علي: مختارات من الأدب السوداني، دار جامعة الخرطوم للنشر، د.ت.
    انظر: قصيدة محمد سعيد العباسي في مختارات من الأدب السوداني.
    * محمد المكي إبراهيم: من مواليد الأبيض بإقليم كردفان في غرب السودان تلقى تعليمه هناك، تخرج في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم، قضى قرابة العامين قبل تخرجه في أوربا حيث كتب قصيدته الخرطوم الثانية، اشتغل بالمحاماة قرابة العام وتركها إلى الدبلوماسية، درس اللغة الفرنسية بباريس حيث كتب مجموعة قصائد زنزباريات وهي أكثر تشرباً بالإفريقية، يعد من طليعة شعراء السودان، ويمتاز شعره بنضارة الأسلوب ونقاء الخيال وجمال الصورة، وهو الآن في منفى اختياري بفرنسا لخلاف دب بينه وبين نظام الجبهة الإسلامية.
    علي المك، مختارات، ص 18.
    عبد الله الطيب، محمد سعيد العباسي،
    محمد المكي إبراهيم، ص 48.
    أحمد، إبراهيم صلاح، غابة الأبنوس، ص 42.
    اللون الأسمر هو لون بين الأسود والأبيض، وهو اللون المميز للسودانيين.
    مجذوب عيدروس، الثقافة الوطنية.
    أحمد إبراهيم، صلاح، غابة الأبنوس، ص 16.
    * دبايوا: تعني كلمة الترحيب عند الهدندوة.
    ** الشوتال: خنجر الهدندري.
    *** الودك: دهن حيواني يستخدمه الهدندوة.
    * راجع: شقير، نعوم، جغرافية وتأريخ السودان، ص 155.
    ** Fuzzy Wuzzy اصطلاح أطلقه "تبلنج" على قبيلة الهدندوة بشرقي السودان وسارت عليهم.
    عثمان أبكر، النور، صحو الكلمات المنسية، ص 48.
    إبراهيم، محمد المكي، أمتي، ص 136.
    عبد الحي، محمد، العودة إلى سنار، ص 9.
    * راجع: دينق فرانسس، طائر الشؤم، ترجمة عبد اللَّه النعيم، شركة ميرادتب ومكني أبكر، لندن، 1992م.
    * المداح هو المادح أو المنشد لشعر في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أبكر، النور عثمان: صحو الكلمات المنسية، ص 7.
    المرجع السابق، ص 32.
    راجع: بدوي، عبده، الشعر الحديث في السودان.
    صديق، عبد الهادي، السودان والأفريقانية.
    مقابلة النور عثمان أبكر.
    مقابلة محمد المكي إبراهيم
    .
    ديوان أبكر، النور عثمان.
    ديوان المكي، محمد إبراهيم، ص 48.
    علي، إبراهيم عبد اللَّه.
                  

05-16-2006, 06:30 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)
                  

05-16-2006, 08:46 PM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    ألأخت نجاة
    مجهود مضني وجبار ولكن هل قصيدة ألعودة إلى سنار كتبت عام[63]?
    أعتقد[لا] .
    ألعودة إلى سنار إكتملت كتابتها في أعوام[73/74]في لندن أيام كان
    عبدألحى طالب دراسات عليا هناك.قلت ذلك لأننا وبعد وفاة عبدألحي أقمنا
    إحتفالية ثقافية تحت مسمى[جلسة ثقافية فى ديوان عبدألحى ألثقافي]وعرضنا في هذا ألديوان كل مايتعلق بعبد ألحي [مرسلات ,تشكيل,مديح وعقدالجلاد والسمندل والطاهر بشري وبشير سهل]وكان من ضمن ذلك ألمعروض[رسم]تخطيطي لتخلقات[ألعودة إلي سنار]عثرنا عليه بدار ألوثائق ألمركزية في صندوق أودعه خالد ألمبارك ومعـه خطاب من عبدالحي إلي خالد ألمبارك يوضح فيه عبد الحي[ ألرهق]ألذي أصابـه من جراء هذه القصيده.
    وقمت أنا وبعد إنتهاء ألإحتفالية بإيداع كل ذلك ألعمل للأستاذة عائشه موسى زوج عبد ألحي وليس لمصلحة ألثقافة لأنى كنت أتحسب ألفصل من ألخدمة
                  

05-16-2006, 11:07 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: abdalla elshaikh)

    الاخ الكريم كارلوس
    سلام

    كتبت القصيدة ونشرت في سنة 1963
    لقد وجدت في حروف كثير من المعلومات ساعدتني كثيرا. ولكم الشكر جميعا..
    كل من قام بتحرير ذلك العدد...
    القصيدة التى اجريت غليها البحث هي نسخة 1973
    فقد كتبت اكثر من سبع مرات..وقد رايت المخطوطات الذي مدني بها صديق
    وبدات في كتابة دراسة عنها. بعنوان رحلة الوجه والقناع
    .
    وهنا ما قال عنها شاعرها..


    كتب الشاعر محمد عبد الحي هذه القصيدة في عام 1962 وبعملية حسابية بسيطة ندرك أنه كتبها وهو بعد في الثامنة عشرة ربيعاً.* ونشرت سنة 1963. ولكن من المعروف أن هذه القصيدة كتبها الشاعر أكثر من سبع مرات وكأنها جزء من سجل حياته تنمو معه نضجاً وعمقاً كلما نضج هو وكبر.
    حيث يقول عنها:
    "تحولاتها ـ تحولاتي (هل أنا غير حصاة، تتبلور فوق جمر الأغنية؟؟ منذ أن كتبت ثم نشرت في الرأي العام في ديسمبر 1963 وحوار 1965 وتم كتابتها مرة أخرى وأخرى في يوكشير وأكسفورد". وقد ذكر الشاعر وسوغ كتابتها مرات ومرات وما تمثله هذه القصيدة في نفسه يخبرنا قائلاً: "لسبب ما فعل ذلك أليوت بمسودات الأرض اليباب ربما أراد أن يتخلص من وزره، وأفعل ذلك تخلصاً من أثمي الخاص. لقد أصبحت القصيدة مركزاً جاذباً لقواي الشعرية، إذا لم أتخلص منها ستظل تجتذبني وذلك مضر. لقد أضر بأذراً باوند في أناشيده فقد أصبحت ديناصوراً شعرياً يصعب التحكم فيه ولا يشبع أبداً مهما ألقمته من الكلمات والكلمات".
    فهي إذن بالنسبة له تطهر من إثمه الخاص. ولكنها كما ذكرت سابقاً تمثل تأريخه الفكري وقد نمت معه "وربما كانت (العودة إلى سنار) دفعة من كيان الفنان في شبابه حينما رغب مثلما ـ رغب جويس في أن يشكل في مصهر روحه ضمير أمته الذي لم يخلق بعد. وربما كانت فتحاً آخر. وإلا كيف أفسر أنها كتبت سبع مرات أو نحو ذلك كأنها تدرج من مقام إلى مقام حيث تأريخ الذات وتأريخ القبيلة شيء واحد".

    وشكرا لك كثيرا ونتمنى ان تاتي مرة اخرى لاثراء الحوار..
                  

05-17-2006, 09:09 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    فووووووووووووووووق
                  

05-17-2006, 06:37 PM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    ألأخت نجاة تعلمين أن ألـمعرفة هى ضالة ألباحث.وخاصة عندما تبحث
    في تراث قامة فكرية مثل عبدألحى,وفنان قلق ألمـزاج مثل عبدألحي.وفي بئة
    سياسية وثقافية مضربة مثل ألتى نعيشها بالسودان,منذ دخول محمد علي إلي ألسودان وحتي ألآن
    سأعودإلي ألدراسة بعد أن أقرأها مرات ومرات.خاصة فيـما يتعلق بسؤال ألهوية,والذى أعتقد أنه من ألأسئلة ألخطاء,وألتى إنطرحت,أمام واقع معقد
    أثنيا كالوقع ألسودانى
                  

05-17-2006, 08:03 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: abdalla elshaikh)

    الاخ عبدالله

    صحيح ان البحث لا ينتهي ابدا في كل مرة تظهر اشياء جديدة
    ومعلومات جديدة لم تتوفر حين الكتابة..

    هناك صعوبة كبيرة في جمع اي معلومات في السودان
    لان كثير من الصحف اختفت. والمراجع لا توجد
    وعليك بالبحث عن ابرة في كومة قش..
    انا ابحث في الصحف واحدة واحدة صفحة صفحة
    لاجد معلومات...
    ولذلك تجدني سعيدة جدا
    في اي تصويب او اضافة راي..في النهاية لا يوجد راي قاطع
    وبالنقاش يمكن تعديل كثير من الافكار..
    ويسعدني انك تقرأه مرات ومرات..
    قبيل سفري سانزل لك تحليل قصيدة العودة الى سنار
    واتمنى لو شرحت لي وجهة نظرك في سؤال الهوية ولماذا تظن انه خطا
    ولك دائما الاحترام والتقدير لارائك النقدية فانت واحد من أميز
    النقاد في السودان..وكم افدتنا في كثير من النواحي الاكاديمية
    .. ويرجع الفضل لك في كثير تطوير الاطروحات الفكرية لعدد
    منا نحن زملائك في الشعبة.
    اتمنى ان يرسل لك احدهم كي بورد عربي واعرف انك ستثري هذا المكان
    ..ادبا ونقدا..
    وفي انتظارك
    ..
                  

05-21-2006, 04:42 PM

Bannaga ELias
<aBannaga ELias
تاريخ التسجيل: 01-24-2006
مجموع المشاركات: 192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    الأستاذة العزيزة/ د. نجاة
    لك يدوم الود والاعزاز وبعد،
    نشكرك على هذا الجهد الجبار في توثيق فكر وأدب شاعرنا الكبير صلاح أحمد ابراهيم والذي نحلم أن تضمه يوما دفتي كتاب .أرجو مخلصا تصويب هذه المعلومات الهامة عن شاعرنا صلاح أحمد فلقد ذكرت في لائحة المراجع أن الشاعر صلاح أحمد ابراهيم نفي نفسه إلى باريس في عام 1989 بعد استيلاء الجبهة القومية الاسلامية على السلطة والصحيح أن صلاح لجأ إلى باريس عام 1976 بعد تركه منصب سفير للسودان بالجزائر عندما قام بتقديم استقالته من السلك الدبلوماسي احتجاجا على تناقض سياسات الرئيس جعفر نميري وعمل مستشارا بالسفارة القطرية بباريس حتى موته وكتب في تلك الفترة ديوان " محاكمة الشاعر للسطان الجائر". كما أنه قد توفي في عام 1994 وليس عام 1992 مع خالص تمنياتنا لك بالتوفيق في انجاز هذاالتوثيق عن صلاح الشاعر والانسان..
                  

05-17-2006, 09:36 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52539

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    بيان الظلامية.

    دي مش ياها الافكار التي أهمتم بها بعض المثقفين البلهاء؟
    غابة شنو وصحراء شنوا, أنتم المثقفاتية الشمالين تلفوا وتدورو وترجعوا لموضوع العروبة ده ومحاولة أقناع نفسكم بهوية زائفة أصلا. هوية لا علاقة لها بأرض السود.

    دينق.
                  

05-18-2006, 01:26 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    أخى دينق
    الاخت بيان
    يسعدنى فى هذه العجالة ان القى اضواء سريعة على فكرة مدرسة الغابة والصحراء ..وفهمى كمصطلح عروبى صاغه ذوو الثقافة العربية حيث الصحراء رمز للعروبة والغابة رمز لافريقيا وبين الرمزين ضاع تاريخ وضاعت حضارة .. عندما دكت جحافل العرب مملكة علوة أخر الممالك النوبية المسيحية واعملت فيها خرابا سجله التاريخ بخراب سوباالشهير فى عام 1505 .. خراب سارت باسمه الركبان وذهبت مثلا.. هى مدرسة بذرت نواتهاعلى حطام مملكة.. ونتاج هذه المدرسة الشائهة هو ما نشاهده اليوم فى التشوهات التى لحقت بالهوية السودانية.. التى صارت كمشية الغراب الذى حاكى مشية الطاؤوس فلم يستطع وعاد الى مشيته الاولى فنسيها فصار اعرجا... هوية ضائعة بين افريقيا والعرب.. وليس ادل على ذلك من وصف الرئيس الغينى الراحل احمد سيكوتورى للسودان برجل افريقيا المريض..

    أذكر ان احد الاسلاميين كان قد اعد كتيبا فقيرا فى محتواه واقترح مسمى جمهورية سنار اسما للسودان بدعوى ان السودان اسم عنصرى يطلق على قوم سود.. واختزل تاريخ السودان كله فى مملكة سنار!! اين كوش ؟ واين مروى ؟ واين نباتا واين كرمة؟؟؟ انها اسماء سابقة واكثر عراقة من الاسماء اللاحقة!! ولكن اكثر الذين بهم غاشية لا ينظرون الى ابعد من ارنبة انوفهم.. لم يبدأ تاريخ السودان من مملكة سنار فلم العودة الى سنار فقط؟ ان هذا التعريف كان مقدمة لغرس فكرة ان السودان الشمالى كله عربى وجنوبه افريقى وان التتلاقح الثقافى والفكرى تم على هذا المحور بينما كان هناك محور ثقافى أخر امتد من الغرب الى الشرق وكان التقاؤهما فى مركز ثقافى استقر مؤخرا حول ملتقى النيلين.. غير ان هذا المركز اداة القهر الثقافى الذى تجلى احيانا فى القمع والاستعباد والاستعلاء العرقى..

    ارجو ان اجد متسعا من الوقت لسبر اغوار هذا المبحث والعودة الى مدرسة الغابة والصحراء والتى نعتبرها محاولة لقراءة جديدة للهوية السودانية من منظور عروبى يحاول الاعتراف بانه هجين.. يتغنى بلسان ويصلى بلسان..

    لم تكن عودة محمد عبدالحى الى مروى كعودته القوية الى سنار ففى الذاكرة مخزون عربى قوى .. يرفده نهر ثقافى يمتد من الشمال الى الجنوب.. من الرسالة والهلال والبعكوكة وروز اليوسف وركن السودان ودعاوى القومية العربية وصوت العرب الى حضارة السودان وبخت الرضاوالبعثة التعليمية المصرية.. ان المخزون فى اللاوعى السودانى فى الشمال يوحى للجميع ان كل شمال السودان بشرقه وغربه عربى مختزلا كل ثقافات شرق السودان وغربه واقصى شماله وقد وضح ذلك من ادبيات الحوار السياسيى والاتفاقات السياسية الاخيرة ان الشمال عربى والجنوب افريقى.. من الذى كرس هذا التعريف وهذا المفهوم؟ لقد وقفت مدرسة الغابة والصحراء فى مفترق طرق وكأنها فى عطلة.. لم تستطع ان تقدم نفسها كنموذج للتلاقح والانصهار الثقافى والفكرى ومعيارا لقياس الهوية السودانية التى انكفأت نحو ذاتها وكادت ان تصير هويات متناقضة..

    هل يمكن ان نأخذ هذا المصطلح ونسقطه على حالات اخرى كان فيها تمازج بين العروبة والافريقانية كما هو الحال فى شمال افريقيا بين الثقافتين العربية والامازيغية ويربط بينهما البحر والصحراء والعربية والافريقانية بين المجموعات العربية والافريقية فى موريتانيا والصحراء العربية وهجين الحراطين والافارقة وكذا فى شرق افريقيا حيث لعب الرق دوره فى تشكيل هوية الخلاسيين الذين تغنى بهم محمد المكى ابراهيم.. هذا كلام طويل ساعود اليه لاحقا لقراءته بتأن.. وشكرا..

    نورى جليلة (نورالدين منان)
                  

05-18-2006, 03:29 AM

Saifeldin Gibreel
<aSaifeldin Gibreel
تاريخ التسجيل: 03-25-2004
مجموع المشاركات: 4084

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: Mannan)

    الاخت العزيزة الدكتورة بيان ان الأفروعربية كمصطلح لغوي ردها الشاعر الدكتور محمد عبد الحي إلى دعوة سودنة الشعر التي نادى بها الناقد حمزة الملك طمبل وإلى مدرسة الفجر (مجلة أدبية أصدرها عرفات محمد عبد الله خلال ثلاثينيات القرن الماضي) وقد جاءت دعوة طمبل لتأسيس وإستحداث رؤية نقدية مميزة للأدب السوداني بعيدا عن مفاهيم الأدب الغربي التقليدي وموازية له في تلك الفترة كما جاءت دعوته لتنقض المسلمات الفنية لمدرسة الإحياء الشعري في العقدين الثاني والثالث من القرن الماضي لنقد شعر محمد سعيد العباسي وود البنا والذى كان متأثرآ بالبيئة العربية، وقد كانت دعوته للشعراء السودانيين ليعبروا عن البيئة السودانية والطبيعة السودانية بكل التنوع والتمايز الذي تحمله "حتى يقول قارئ شعرهم إن هذا شعر سوداني حق، فيه الحساسية والتضاريس السودانية". وقد كانت الدعوة كلها تمثل تسامي الصفوة ليعبروا عن السودان كله وكان البحث عن القاسم المشترك الأعظم بين الهجين العربي الأفريقي في السودان ليعبروا عنه، لذلك اثمر على جهدك هذا واتمنى ان تحاولى الحصول على كتاب الاستاذ حمزة الملك طمبل ( الادب السودانى وما يجب ان يكون عليه) والذى صدر على ما اعتقد فى عام 1928.
    كما اتمنى ان ترجعى لجنوبيات محمد المهدي المجذوب التي يقول فيها:
    وليتني في الزنوج ولي رباب تميد به خطاي وتستقيم
    وفي حقوي من خرز حزام وفي صدغي من ودع نظيم
    وأجترع المريسة في الحواني وأهذر لا أُلام ولا ألوم
    وأصرع في الطريق وفي عيوني ضباب السكر والطرب الغشوم
    طليق لاتقيدني قريش بأحساب الكرام ولا تميم

    مع فائق تقديرى

    سيف الدين جبريل
                  

05-18-2006, 07:55 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: Saifeldin Gibreel)

    الاخ العزيز سيف
    شكرا لك كثيرا. لقد قرات كتاب طمبل* وتعرضت لاطروحاته
    في المدخل لبحث الدكتوراه حيث تتبعت كل دعوات القومية
    وبالتأكيد رجعت للمجذوب وتاج السر والمحجوب
    وعدد كبير من ادباء العشرينات والثمانيات
    فالمنشور الان هو الفصل الثاني,,
    وقد نشرت يوما المدخل وهو تتبع للحركة الفكرية والادبية
    منذ 1900 الى 1960
    واكيد لا احد يكتب عما حدث في الستينات دون
    النظر الى الخلفيات التاريخية.
    لقد قرات كل الملاحق الثقافية في فترة الستنيات
    و قرأت المجلات التي صدرت في تلك الحقبة
    لاصل الى ما وصلت اليه في هذا البحث..

    وشكرا لك كثيرا على قراءتك المتأنية...
    وساقوم باذن الله
    باحضار اللنك..للمدخل وستجد فيه ضالتك
                  

05-18-2006, 03:09 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)



    العزيزة الدكتورة بيان

    لك التحية

    حقيقة بحث رائع وجميع نقب فى جوانب مجهولة وفى أدبيات تقرأ بالجملة وفى جماعة ظل الكل يعاملونها معاملة "الكُوار" ولا يبينوا الاختلافات بينها وهاهو احدهم هنا يجمعهم كباحثون عن هوية عربية فى ارض سوداء ... وحينما نتحدث نحن يصفوننا بالعنصرية ...

    بحث جميل سيدتى ويضيف الكثير فلك الشكر وجهدك مقدر عزيزتى وليت الجميع يأتوننا ببحوث مثل هذه تسلط الضوء على مسميات كاد أن يغشاها النسيان ويطويها الاهمال وتنشأ مكانها دعوات بغيضة لا ترضى احى بينما كانت تلك توافقية نجد هذه مغرقة فى الحيادية ...

    والشكر لادباءنا الكبار العمالقة الذين ارسوا لنا الطريق جليا واضحا وعملوا على جعلنا ذلك الانسان السودانى المتميز ....

    فالنرضى جميعنا بأننا تكوين خاص له سلبياته وايجابياته ككل شعوب العالم ولكننا نتميز بانتماءنا لوطن اسمه السودان ....

    مع كل الود
                  

05-18-2006, 06:48 PM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: قرشـــو)

    في شتاء[92]أقام [مركز ألدراسات ألسودانية]ندوة
    بإتحاد ألمحامين ألعرب بالقاهرة وشاركت فيها بورقة تحت عنوان
    [مقدمة حول سؤال ألتنمية أم ألهوية].مفترضا أن [سؤال ألهوية]في ألسودان
    هو سؤال مضلل جدا.ثم أنه سؤال إنطرح في فضاء[ألأيدلوجيا]
    وألأيدلوجيا هي الوعي الزئف بالذات.وهي إختزال للتأريخ في ألعرق
    أواللون أوألجنس .وقد تشـمل ألحزب وألدين.ولذلك جاءت إلإجابات علي ذلك
    السؤال:-
    1-نحن عرب 2-لا..نحن أفارقة 3-لاهذا ولاذاك فنحن آفروعرب
    فأضعنا سبعون عاما من ألجدل ألعقيـم ومانزال
    [يتبع]
                  

05-18-2006, 07:25 PM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: abdalla elshaikh)

    أعتقد لو أن هؤلاء ألنفر من ألـمثقفين لو أنهم طرحوا هذا ألسؤال
    في ألفضاء ألثقافي لـ[تـرتب]لديهم تأريخ ألسودان بدءا من مـمـالك
    [كوش]ألقديـمة مـرورا بالدولة السودانية ألـمسيحية ثـم مـمالك
    سنار والفور وتقلي ألأسلامية إنتهاءا بالسودان ألحالى ألقائم علي
    إلإختلاف في كل شئ.فقط يحتاج إلي نحترم هذا ألأختلاف.
    قلت لو أن هؤلاء ألنفر ناقشوا هذه[ألهوية]ألضهبانة..في فضائها
    ألثقافي لأنزلوها من برج ألأيدلوجيا لـ[وحل]ألواقع ..من زيف كوني[عربي]
    لا[أفريقي]..نعم[آفروعربي]إلي كوني سوداني,وهذه حقيقة تأريخية
    وجغرافية
    ولذلك أنا أنحاز تـماما لـمقولة ألشاعر[ألعبادى]

    يكفي ألنيل أبونا والجنس سوداني
    فالعبادى ,يا أصدقائ إستند علي[ألنيل] والنيل ظاهرة كونية ليست مـحل دجل أو خلاف..بينـما إستند ناس ألـمحجوب وخضر حـمد وحـمزه طنبل وعبدالنبي عبدالقادر مرسال علي جدلية[ألأدب ألسودانى وماينبغى أن يكون عليه]فإنولد مـن تلك أللحظه هذا ألحيوان ألغريب[ألهوية ألسودانية]
                  

05-18-2006, 07:32 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: قرشـــو)

    Quote: فالنرضى جميعنا بأننا تكوين خاص له سلبياته وايجابياته ككل شعوب العالم ولكننا نتميز بانتماءنا لوطن اسمه السودان ....


    العزيز قرشو
    سلام
    لا ادري كلماا ارى اسمك احس بفرح عظيم.
    وكأنك صديق قديم رايتك بعد فترة طويلة..
    تعرف الان صار المكان ما هو المكان
    ولكن وجود الحرس القديم المؤسس
    يجعل للمكان نكهته
    اتمنى ان اراك اكثر نشاطا..
    يا وجه مالوف وسط زحمة غريبة..
    ما ختمت به هو بيت القصيد..
    بس لو الناس تعرف..
                  

05-18-2006, 08:03 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    الاخ سيف جبريل

    ها اعود لانشر جزء من المدخل تتبعت فيه ظهور فكرة القومية..
    لقد ذكر لي الاخ الفيا ان هناك بعض المغالطات التأريخية وان هناك خطأ
    يخص موقف المحجوب. لم اراجع ذلك بعد. كما انه لدهشتي
    لم يلفت ذلك نظر دكتور الداروتي المشرف الخارجي وبروفسور عباس محجوب
    المشرف الداخلي ولا الممتحن الخارجي ولا الممتحن الداخلي.
    او بروفسور مدثر عبدالرحيم الذي راجعه مراجعة دقيقة جدا..وعدد من الذين قد قراوه
    وهو مبحث قائم على مراجع ورصد تاريخي لا راي لي فيه كبير..
    كان من المفترض ان يكون في الفصل الثاني
    ولكن رأت لجنة الدراسات العليا التي اجازت خطة البحث ان اقوم بتحويله الى مدخل..
    واحيل المدخل الى مقدمة بعد اجراء اصلاحات..

    هذا هو...









    أولاً ـ الحركة الفكرية:
    قيل "بين الماضي والحاضر تفاعلاً مستمراً*. والماضي يكيف الحاضر".** ومن هذا المنطلق لا يتأتى لنا أن ندرس حركة فكرية مثل الغابة والصحراء بمعزل عن الحركات التي سبقتها وكذلك لا يمكن أن ندرس شاعراً أو أديباً دون الرجوع إلى الخلفية التي وقف عليها. إذ أن مدرسة الغابة والصحراء تطور طبيعي للفكر السوداني، الذي يبحث عن التفرد منذ مملكة مروي، حينما نبذ المرويّون الآلهة المصرية واتخذوا الإله (أبيداماك)*** الإله المروي المحلي. وعندما تكاثرت الهجرات العربية في أوقات مختلفة، ومن أماكن مختلفة، ولأسباب مختلفة، وتزاوجوا مع السكان الأصليين من النوبة والزنوج، ليكون هذا الهجين الخلاصي الذي يسمى الآن بالسوداني. هذا الإنسان الخلاصي الذي أفلح في تكوين مملكة سنار في القرن الخامس عشر، وتمثلت في هذه المملكة الثقافة العربية الإسلامية، ثم في القرن الثامن عشر حيث جمع المهدي كل السودانيين تحت لواء المهدية، لدحر الاستعمار فتكونت هذه الوحدة رافعة شعار الإسلام، وفي ذلك يقول محمد أحمد محجوب: "في سنة 1885 نجحت قوات المهدي أخيراً في التغلب على الحكام العثمانيين وأسست حكماً سودانياً ودرجة من الوحدة بين العرب الإفريقيين الشماليين وزنوج الجنوب".
    ومن ثم نجد أن توحيد السودان لدحر الاستعمار من قبل المهدي، لم يكن بقصد تكوين قومية سودانية، إذ أن المهدي كان يعتقد أن دعوته دعوة أممية، والدليل على ذلك الرسائل التي أرسلها إلى ملك الحبشة وفيما بعد الرسائل التي أرسلها الخليفة عبد اللَّه التعايشي إلى الملكة "فكتوريا" ملكة بريطانيا العظمى يدعوها للإسلام، وقيل في ذلك "وعلى الرغم من أن دمج المهدي لهذه المجموعات القبلية لم يتم من الناحية النظرية على أسس قومية، بل تم في إطار فكرة تحقيق المجتمع الواحد الذي يقوم على أسس دينية".
    ومن ثم يمكن أن ينظر إلى المهدية على أنها سعت لبث الروح القومية بين السودانيين. وحينما تم التوحد حققت المهدية الهدف بدحر الاستعمار "فإذا نظرنا إلى المهدية من حيث كونها بعثاً للتراث المحلي على ضوء من المفاهيم السلفية في الدين" نجدها قد نجحت حقاً في ذلك إلى حد بعيد حيث اندرج تحت لوائها عدد كبير من الأنصار من مختلف القبائل والثقافات المحلية في السودان.*
    ولكن سرعان ما دحرت قوات المهدي في كرري سنة 1898م، وبهذا أسدل الستار على حقبة من تاريخ السودان امتازت بالبطولات والبحث عن الاستقلال والتفرد. ثم أتت مرحلة الاستعمار تحت إدارة الحكم الثنائي البريطاني المصري ومنذ بداية الاستعمار شهد السودان عدة ثورات مناهضة للاستعمار مثل ثورة ود حبوبة في الحلاويين التي انتهت بإعدامه.
    وفي بداية سنوات العشرين ظهرت بوادر الثورة في السودان تيمناً بثورة سعد زغلول في مصر حيث قامت حركة اللواء الأبيض بقيادة علي عبد اللطيف بمواجهة عسكرية سنة 1924 انتهت بالهزيمة، وكان شعار هذه الحركة "وحدة وادي النيل تحت التاج المصري".
    وبعد ذلك اتجه السودانيون إلى الأدب يدفنون فيه خيبة أملهم بعد أن تأكد لهم أن المواجهة المسلحة لا جدوى منها. وكذلك بعد أن خذلهم المصريون وصاروا يبحثون عن حلول فردية لبلادهم .. ومن هذا المنطلق بدأ المثقفون السودانيون في البحث عن قومية خاصة بهم وحدهم ليتوحد الصف الداخلي لدحر الاستعمار.
    وفي البدء كانت القومية مرتبطة بوحدة وادي النيل، ثم بعد ذلك للأسباب المذكورة آنفاً بدأ السودانيون في البحث عن قومية خاصة بهم والتخلص من الاستعمار الإنجليزي المصري وكان شعار هذه الدعوة "السودان للسودانيين".
    ثم بعد ذلك نشط المثقفون السودانيون في مسألة البحث عن قومية سودانية وسادت فترة سنوات العشرين على الرغم من تجميد الاستعمار للنشاط الثقافي بعد ثورة 1924 حركة مكثفة في اتجاه التنظير عن القومية السودانية. ونجد أن هناك كثيراً من العوائق التي قد تقف في توحيد الصف السوداني وتكوين قومية سودانية واحدة منها على سبيل المثال وليس الحصر: تفشي الأمية الأبجدية والحضارية بين السودانيين آنذاك. ومن أكبر العوائق على الإطلاق هو عصبية القبيلة والولاء للقبيلة قبل كل شيء، حيث لعب الاستعمار دوراً كبيراً في إذكاء هذه الروح القبلية من قبيل "فرق تسد" إذ أنهم يعرفون أن توحد الصف السوداني يعني خروجهم من البلاد وفي هذا الأمر ذكر أحد طلاب كلية غردون "وكان عدد القبائل في فرقتي يربو على العشرين وكنا إذ ذاك ندرس التاريخ الطبيعي ونحس جلياً كثرة الحشرات وتعدد فصائلها فلاحظ أحد الزملاء أن كثرة القبائل عندنا تشبه فصائل الحشرات. ولذلك صممنا أن تكون لنا جنسية واحدة. فإذا سئل أحدنا عن جنسيته كان جوابه على الفور سوداني لأن في تعدد تلك القبائل وتفرقها ما يزيد في آلام هذا البلد الناشئ ويكبله بالقيود فيشب أبناؤه على التفرقة خصوصاً إذا كان تأريخ القبيلة يفرض فرضاً". وسرعان ما انعكست هذه الدعوة على الأدب حيث كتب إبراهيم العبادي خاتماً مسرحيته المك نمر:
    جعلي وشايقي ايه فايداني
    خلو نبانا يسري في البعيد والداني
    غير خلقت خلاف خلت اخوي عاداني
    يكفي النيل أبونا والجنس سوداني

    وعندما حلت الثلاثينات بدأت مجلة الفجر في الصدور تحولت بدورها إلى منبرٍ لدعاة القومية حيث نُشرت كثير من المقالات بين مؤيد ومناهض لفكرة القومية، ومن بواكير الكتابات في موضوع القومية ما كتبه أحد مفكري سنوات الثلاثين قائلاً:
    "وكم سألت نفسي أصحيح أن هناك قومية سودانية؟ وكم رددت هذا السؤال، فكان الجواب دائماً سلباً. أجل هناك أفراد ولكنهم مبعثرون، لا تربطهم غاية، ولا يجمعهم مبدأ يسيرون في أودية مختلفة وشعاب متفرقة فكلهم في بيداء الحياة وهناك وكلهم فريسة سهلة لذئب الفلاة ولقمة سائغة لكل قادم".
    ثم بعد ذلك توالت الكتابات التي تدعو إلى القومية وتوصف السودان بالأمة كما تدعو إلى توحد الشعور والرجوع إلى التاريخ وفي هذا يقول أحد المفكرين:
    "أول ما يعوزنا هذا الشعور القومي فلنوجه العناية إليه، ولنبذل الجهد في خلقه ولنشعر أننا أمة لها كيانها الخاص، وتقاليدها المو########، ولها تاريخ، وأن لم تكن صفاته أروع الصفحات وأبعدها في المجد حيناً فهو على كل حال يطبعها بطابع الشجاعة والنخوة ويسمها بميسم الكرم والسماحة ويصلح أن يكون نواة طيبة لما قد يضيف من اللبنات".
    ومن ثم انتقلت دعوة القومية من السياسة إلى الأدب، حيث دعا بعض الأدباء إلى أدب سوداني قومي ليذكي روح النضال ويخلق التوحد الذي يقود إلى التحرر من ربقة الاستعمار، حيث بدأت تظهر مقالات تتحدث عن الأدب القومي خصائصه وشروطه. والملاحظ أنه كانت هناك اتجاهات مختلفة للنظر إلى هذه الدعاوى، فهناك من نظر لها على أنها مجرد حركة سياسية تدعو إلى الانفصال عن مصر ويمثل هؤلاء محمد سعيد العباسي الذي كتب قصيدة يوضح رأيه في هذه الدعوة قائلاً:
    ما تريدون من قومية هي في
    لا تخدعوا إن في طيات ما ابتكروا
    ليصبح النيل أقطاراً موزعةً
    لسنا القطيع قطيع الضأن يزجره
    راي السراب على القيعان رقراقا
    معنى بغيضاً وتشتيتاً وإرهاقا
    وساكنو النيل أشياعاً وأذواقا
    الراعي كما شاء أشياخاً وأعراقا

    كما أن هناك من نظر إلى هذه الدعوة بتحفظ مثل محمد عشري الصديق الذي وضع شروط لهذه الدعوة قائلاً:
    "إننا نحتاج إلى أدب قومي ونشجع الداعين إلى الأدب القومي لأننا في حاجة إلى أدب قومي".
    وعلى الرغم من أنه يرى أن دعاة الأدب القومي "لم يمحصوا الفكرة ولم يعملوا الرأي ويدرسوا المسألة من جميع أقطارها فيستبينوا غرضهم واضحاً من غير إبهام ولا تلميح".
    وهو كذلك يرى أن هؤلاء الدعاة لم يرجعوا إلى تاريخ القوميات ليدرسوها، حتى لا تنبت قوميتهم من فراغ، ثم اختتم مقاله قائلاً:
    "إذا كان عندنا إخلاص وأمل كبير فلندرس تاريخ المسارح في أوربا، ولنعمل كل ما في وسعنا لإنشائها في بلادنا وتمثيل الروايات المنقولة والموضوعية حتى يفهم الناس الحياة على وجهها الصحيح وحتى يستطيع الكاتبون أن يكتبوا الأدب القومي الحقيقي الجدير بالإعجاب".
    ومن جهة أخرى نجد من المتحمسين إلى دعوة الأدب القومي الذي كتب سلسلة من المقالات، الشاعر حمزة الملك طميل حيث حوّمت هذه المقالات حول فكرة ربط شخصية الأمة وكينونتها الخاصة بآدابها حيث كان يريد للأدب أن يكون عاكساً للسودان وروحه قائلاً عن الآداب التي يريدها أن تكون:
    "دالة على السودان ومذكرة من إهابه أعني سودانية بكامل معناها حتى الشلوخ والوشم".
    وقد حدد دعوته هذه بصورة واضحة وجلية قائلاً:
    "نريد أن يكون لنا كيان أدبي عظيم فريد، أن يقال عندما يقرأ شعرنا من هم خارج السودان أن ناحية هذا التفكير في هذه القصيدة أو روحها تدل على أنها لشاعر سوداني، هذا المنظر الطبيعي الجليل الذي يصفه الشاعر هو حالة السودان ـ هذا الجمال الذي يهيم به الشاعر هو جمال نساء السودان، نبات هذه الروضة التي يصفها الشاعر ينمو في السودان".
    فالناظر إلى دعوة حمزة الملك طمبل يجدها مرتبطة بالبيئة السودانية مما يمثل نظرة أحادية إقليمية ضيقة لها كثير من الحس الشوفيني وقد وجه لدعوته هذه الكثير
    من النقد مثل ما قيل عنها:
    "تأكد لنا دعوته عن نزعة إقليمية ضيقة وأنه لم يستشرق الآفاق الواسعة لمفهوم قومية الأدب بمعناه الصحيح ذلك لأن الأدب القومي يقوم وفق هذا المفهوم على ركيزتين أساسيتين أولهما استكشاف التراث الشعبي المحلي وتنقيته من الرواسب التي تعوق تطوره ونضجه، والثانية استيعاب التراث الإنساني والاستفادة منه. وحقن التراث المحلي بدماء جديدة ومن التفاعل العضوي بين القومية والإنسانية وخلال التأثر والتأثير يستطيع الأدب القومي أن يساهم في الأدب الإنساني لأنه في الحقيقة ليس سوى مجموعة متناسقة من الآداب القومية بلغت حداً من النضج الفكري والذي جعلها تساهم في التراث الإنساني وتضيف إليه وتوسع رقعته".
    بالإضافة إلى أن دعوته لم تقف عند الارتباط بالبيئة السودانية، بل ذهب أبعد من ذلك، إذ دعا إلى التخلي عن التراث العربي إذ يرى أنه لا يفيدنا بل يقيدنا كما أنه عاجز عن مساعدتنا في خلق ما نحتاجه من أدب جديد. وهذا الرأي مخالف لآراء غالبية الذين كتبوا عن القومية ودعوة الأدب القومي السوداني، إذ نرى رأي الغالبية أن هذه القومية المرتجاة تقوم على دعامتين هما: اللغة العربية والثقافة الإسلامية وقيل تدعيماً لذلك "فالخطوة الأولى في سبيل إحياء الأدب القومي، تكون بإحياء اللَّغة العربية المتميزة".
    كما نوه إلى أهمية الإسلام في هذه القومية المحجوب قائلاً:
    "نحن بما عندنا من عصبية للعرب وما خصنا اللَّه من عقيدة إسلامية ثابتة، تنظم جل أفراد الأمة لا يمكن أن يتجه شعورنا القومي نحو الهمجية والإلحاد".
    كما أن هذه الدعوة إلى الرجعة إلى الماضي كانت قوية وملحاحة من جانب
    عدد كبير من الأدباء مثل محمد أحمد محجوب، ومحمد عبد الرحيم وهذا على سبيل المثال وليس الحصر، حيث علق أحدهم على هذه الرغبة القوية في الرجوع إلى الماضي العربي وأمجاده قائلاً:
    "هذا ألا يغال في العودة إلى الماضي العربي لا نرى شبيهاً لها في أدب أي قطر عربي بما فيهم الشاميين (أعرق الأقطار العربية في الشعور بالقومية وأكثرها تجرداً عن النزعات الإقليمية ونزوعاً إلى الوحدة العربية)* لا نعتقد أن السودانيين أعرق من الشاميين عروبة، ولكن عقدة السودنة عملت عملها في هذا الموقف المتطرف. فالسودانيّون يعرفون أن تحدرهم من أصل هجين تختلط فيه الدماء العربية بالدماء الإفريقية، ولكن هاجسهم الأكبر التخلص من عقدة الزنوجة المرتبطة تاريخياً بفكر العبودية".
    كما نجد أن المحجوب من المتحمسين لفكرة الأدب القومي هذه قد سعى جاهداً لخلق نماذج لهذا الأدب ولكنه رأى أن يكون للأدب القومي غرضٌ محددٌ وهو نشر الوعي والإسهام في تحرير البلاد سياسياً واجتماعياً "هذا الأدب الخاص يكون خاصاً ويكون أدباً سوداني الوجه والروح ووطني التوجه والنزعة".
    كما يضيف المحجوب محدداً موضوع هذا الأدب بأن يكون التاريخ ولكن عندما نرجع إلى تاريخ الأمة يجب أن نكون انتقائيين فنختار لهذا الأدب الشخصيات التاريخية والبطولية والعادات الحميدة لنرسخها في وجدان شعبنا وتكون مثالاً يحتذى قائلاً:
    "للشعر القومي خصائصه ومميزاته التي إذا لم تراع كان من سقط المتاع موضوعه على الدوام مستمد من حياة الأمة تليدها والطريف كالإشادة بذكر الأبطال الذي يحق للجيل الناشئ أن يتخذ منها قدوة".
    ومن الملاحظ أن المحجوب على الرغم من دعوته إلى الأدب القومي والرجوع إلى التراث المحلي، إلا أنه يرى أن الحياة في السودان حياة ميتة، لا توحي للأديب ولذلك فهو يرى أنه في الوقت الحالي (آنذاك) يجب ألا يكون هذا الأدب مرآة عاكسة لما في السودان، بل يجب أن يكون هدف هذا الأدب "نقداً واستخلاصاً وتوجيهاً لقوم غافلين". ويضيف موضحاً رأيه: "ما دام الأدب وليد الحياة وأن انفقدت الحياة فليكن أدبنا في الوقت الحاضر نقداً واستخلاصاً وتوجيهاً لقوم غافلين، حتى يفتحوا عيونهم على الدنيا فيرحبوا بأدب الحياة".
    بينما نجد من يرى خلاف رأي المحجوب قائلاً:
    "أصحيح أن مجتمعنا فقير في مادته لا يستطيع الأديب أن يستوجبه نثراً أو نظماً؟ أنا لا أظن ذلك، بل لنجعل من هذا الفقر مادتنا التي نبني منها أدبنا. لنجعل أمراضه العديدة همنا الأول نحيا من أجل إصلاحه ونموت في سبيل إصلاحه نفرح له ونتألم له ونتغنى بما فيه من فضائل الشجاعة والكرم والمروءة والنجدة وندعوه إلى سبيل الإصلاح وننير أمامه طريق النجاة".
    فالمتأمل لدعوة الأدب القومي في السودان يلاحظ أن لها كثيراً من الغايات والمقومات والخصائص نلخصها في الآتي:
    1 ـ من غايات هذا الأدب هو الإصلاح الاجتماعي والانتقائية في العادات والتقاليد فيقول عرفات محمد عبد اللَّه في ذلك: "أمامكم عاداتنا في البيت والسوق، في الزواج والطلاق في كل شيء وفيها من العيوب ما استعصى مع
    الزمن وتأبى على الدواء".
    2 ـ وكذلك هناك غايات سياسية في هذه الدعوة للأدب القومي حيث تدعو الدعوة إلى القومية إلى توحد السودان لدحر المستعمر الذي يستفيد من حالة الشتات هذه وقد نوه لهذا المحجوب قائلاً: "وبذلك تنقلب هذه الحركة من نهضة أدبية إلى نهضة سياسية تكون نتيجته استقلال البلاد سياسياً واجتماعياً".
    ولكي تتحقق هذه الغايات يجب أن تكون هناك دعامات وأسس سليمة لقيام هذه الدعوة ولتصل إلى الأمل المنشود ومن هذه الدعامات والمقومات:
    1 ـ أن يتغير التعليم نوعياً وكيفياً، وليس ذلك التعليم الذي يعني به مسح الأمية الأبجدية لعدد مخصص من الناس ليشغلوا المناصب الدنيا في الدولة* بل تعليم جديد يهدف إلى تحقيق السعادة والرفاهية ويعني بحاجة الحاضر والمستقبل.
    2 ـ الرجوع إلى تاريخ الأمة وإعادة كتابته وتنقيته من أهواء كتابه "إعادة كتابته فالأجنبي مهما نزهت غايته وشرف مقصده فهو أجنبي لا يعرف من ألوان حياتنا إلا مظاهرها".
    3 ـ الاهتمام باللغة العربية بوصفها الوعاء الذي يصب فيه هذه الأفكار يعد من أهم الدعامات التي يقوم عليها الكيان القومي.
    4 ـ الدين الإسلامي الذي نجد غالبية هؤلاء الدعاة يرونه موضع توحيد ويطالبون بأن الدين الإسلامي والثقافة العربية هما بمثابة المنهل الذي يستسقي منه الأدباء.
    كما يرى البعض في خصائص هذا الأدب المرجو أن يكون أدباً واضحاً
    وجميلاً حتى يجذب الناس وفي ذلك يقول المحجوب ملخصاً خصائصه:
    "فالشعر القومي يحتاج إلى جمال ساحر يجذب الناس إلى قراءته وتذوقه والتغني به حتى يسكرهم ويتغلغل في الصميم من أرواحهم، فيكون قد أدى حينذاك وظيفته، وهذا الجمال الساحر، لا أعني به الألفاظ البراقة ولا الجمل الموشاة، ولا أقصد به التلاعب اللفظي ولكني قصدت إلى الجمال المعنوي، والتعبير التام الموافق، ومن خصائص هذا الجمال الساحر البساطة والسهولة".
    كما نرى أنهم لم يقفوا (دعاة القومية) عند ذلك الحد بأن يحددوا موضوعاته ولغته، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث حددوا الشكل الذي يكون عليه فتخيروا له من الأوزان والبحور ما يجعله شعراً جميلاً ملهباً للمشاعر ويقول المحجوب في ذلك أيضاً: "الشعر القومي إذا فقد الموسيقى كان كالجثة الهامدة في حاجة إلى من يحركها ومن المحال أن يثير العواطف أو يلهب النفوس لأن الموسيقى هي شرارته الحية".
    ونخلص إلى أن دعوة القومية هذه في كثير من الأحيان لم تكن منزهة عن الغرض فالذين رفعوا شعار "السودان للسودانيين" بأن يحكم الإنجليز إلى أن يعدوا السودانيين لحكم أنفسهم بأنفسهم كانت لهم فائدة مباشرة ومنفعة من وجود الإنجليز في البلاد مثل حمزة الملك طمبل الذي نشأ في مصر، وعين في السودان في السلك الحكومي بواسطة الإنجليز ولذلك انصبت دعوته على نبذ ما هو عربي وإسلامي بالتالي مصري وكانت هذه رغبة الإنجليز بالانفراد بحكم السودان دون مصر.
    وفي المقابل نجد من اتجه إلى دعوة القومية متأثراً بمصر ورفع لذلك شعار وحدة وادي النيل وحكم السودان ومصر تحت التاج المصري، إذ يرون من هذا الانتماء انحيازاً للثقافة العربية الإسلامية مثل المحجوب.
    ومهما تكن الغاية فقد وجهت لهذه الدعاوى كثير من النقد حيث أنها لم تتجاوز حد التنظير ولم تأت بإنتاج تطبيقي ليدعم البيان بالعمل ويورد محمد فوزي في كتابه القيم "عاب على دعاة الأدب القومي أنهم لم يتبعوا القول بالعمل ولم يخرجوا لنا نماذج من الأدب الذي يدعون إليه فانحصرت دعوتهم في مجموعة من الأوامر الفكرية".
    ومن الملاحظ أن دعاوى القومية في السودان لم تعتبر العنصر الزنجي كمكون من مكونات الثقافة السودانية فلذلك أتى خطابها قاصراً، وفي هذا يقول محمد عبد الحي:
    "ليس في كتاباتهم مبدعو مدرسة الفجر غير طائف نظري حول الذاتية العربية الإفريقية للسودانيين لم يتنزل إلى اتخاذ شعر لتزاوج الثقافة العربية الإفريقية".

    ثانياً ـ الحركة الثقافية (1900 ـ 1960):
    التعليم (1900 ـ 1960):
    من المعروف أنه لم يكن هناك نشاط ثقافي بالمعنى المعروف في فترة التركية والمهدية في السودان، لأسباب عديدة أهمها:
    الأمية المتفشية بين السودانيين إذ كان النشاط الأدبي الوحيد لا يتعدى القصائد والإخوانيات ولكن في المقابل كان هناك ثراء كبير في الأدب الشفاهي الشعبي.
    ونحن إذ نتحدث عن الأرضية الثقافية في تلك الفترة فلا بد لنا بالضرورة أن
    نتطرق للتعليم آنذاك، فمن المعروف أن السودان عرف المدارس الحديثة قبل الحكم الثنائي في فترة التركية ، ولكن أثره كان محدوداً نسبة لقلة هذه المدارس، فسرعان ما اختفى هذا النوع من التعليم بعد حلول الثورة المهدية التي رجعت إلى التعليم التقليدي المتمثل في الخلاوي والزوايا، وعند بداية الحكم الثنائي بدأ الاهتمام بالتعليم الحديث ولكن لأغراض تخص المستعمر نستخلصها من حديث اللورد كرومر حدد فيه الهدف الذي لأجله افتتحت هذه المدارس: "إنني أوضح ما أعنيه بالطبقة المتعلمة، فإنني لا أرمي إلى التعليم العالي ... فإن كل ما تتطلبه الحاجة الآن هو تلقي بعض المعلومات من القراءة والكتابة والحساب، لعدد خاص من الشباب حتى يتمكنوا من احتلال بعض المناصب الصغرى في إدارة القطر وأن الحاجة لهذه الطبقة لجد عظيمة".
    ومن هذا المنطلق تم إنشاء أول مدرسة ابتدائية في سنة 1900 في أم درمان وكان طلابها خليطاً من السودانيين والمصريين ثم تلا ذلك إنشاء خمس مدارس أخرى لحاجة البلاد لعدد أكبر من الخريجين ليسدوا الوظائف الصغرى في البلاد. ثم بعد ذلك تم إنشاء "كلية غردون التذكارية" التي نقلت لها مدرسة أم درمان الابتدائية، والمدرسة الصناعية، ومدرسة المعلمين، ومدرسة القضاة الشرعيين حيث بلغ عدد طلابها 1533 طالباً سنة 1905م وتم استيعابهم في الخدمة المدنية.
    وبعد ذلك توالى افتتاح المدارس على حسب حاجة الخدمة المدنية حيث افتتحت مدرسة أم درمان الصناعية سنة 1907م لتخريج فنيين مؤهلين لتغطية حاجة البلاد من الفنيين ثم افتتحت مدرسة عطبرة الصناعية سنة 1924م ليعمل خريجوها في ورش السكة الحديد بعطبرة، واستمر الحال هكذا إلى أن كونت لجنة لدراسة وضع التعليم في البلاد وكانت اللجنة برئاسة "دي لاوار" الذي كتب تقريراً مفصلاً وخطة لتحسين التعليم وكان من أحد مقررات هذه التقرير "أن توقف
    الحكومة التعليم الوظائفي الذي انتهجته لتخريج موظفين في الكلية وأن تتجه للتعليم العام ثم إنشاء تعليم بعد الثانوي".
    ومن نتائج هذا التقرير تم إنشاء بعض المدارس العليا مثل الآداب والعلوم والبيطرة والزراعة والهندسة حيث صارت هذه المدارس نواة لجامعة الخرطوم فيما بعد.
    وقد تم إنشاء معهد أم درمان العلمي سنة 1913 تحت إشراف الشيخ أبو القاسم هاشم وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تخريج قضاة شرعيين ومعلمين للغة العربية والتربية الإسلامية وكان شبيهاً بالأزهر وكان الطالب يقضي فيه اثنا عشر سنة يتخرج بعدها بدرجة تسمى العالمية.
    ومن المعهد العلمي بأم درمان تخرجت أعداد من الطلاب أثروا الحياة الأدبية والثقافية في السودان وعلى سبيل المثال "التيجاني يوسف بشير" و"خالد أبو الروس"، وقد شكل خريجو هذا المعهد الذين عملوا في الثقافة التيار العربي الإسلامي في الثقافة السودانية، وبالمقابل شكل خريجو كلية غردون بطابعها الغربي التيار الآخر الذي يعتمل في داخل الثقافة السودانية وهو التيار الغربي.
    والجدير بالذكر أنه كانت هناك هجرات مكثفة إلى مصر للدراسة هناك على الرغم من محاولة الاستعمار للحد من هذه الهجرة إلا أنه لم تنقطع هذه البعثات، التي أسهم خريجوها في إثراء الثقافة السودانية أيضاً حيث نقلت هذه الفئة كل المستجدات الثقافية والأدبية في مصر إلى السودان مما كان لها أبلغ الأثر في الثقافة في السودان ، عندما بدأت بشائر التجديد في الأدب العربي الحديث على يد "محمود سامي البارودي" و"أحمد شوقي" و"حافظ إبراهيم" وشعراء المهجر كان لها صدى في كل الدول العربية بما فيها السودان (الذي كان يتلقى الصحف والكتب من مصر) بعد أن كان كغيره من الدول العربية يجتر التراث العربي القديم وتاريخه المجيد في انبهار وإعجاب، ظهر أثر هذا التجديد في السودان في كتابات كثيرة لشعراء تلك الفترة ونذكر منهم تقليد الشاعر "مدثر البوشي" لهمزية "أحمد شوقي" عن السيرة النبوية وتقليد البنا لـ"حافظ إبراهيم" بقصيدة عن "عثمان بن عفان" مجارياً فيها عمرية حافظ.
    ومن ثم نرى أن التعليم الحديث في السودان الذي بدأ في التوسع منذ بداية القرن العشرين قد أسهم في خلق وعي واستنارة بين الشعب السوداني وقيل:
    "لما أشرف التعليم في السودان على نهاية أعوام الحرب الثانية كان قد أعد شباباً يؤمن بالفكر والحرية والديمقراطية بالإضافة إلى العلوم والمعارف، وكانت لتلك التعاليم الجديدة أثرها في الحركة الوطنية فيما بعد".
    والجدير الذكر أن الشريحة المتعلمة في السودان تجمعت فيما بعد لتكون اتحاد الخريجين الذي لعب دوراً عظيماً في الاستقلال ومفاوضاته ونشر الوعي بين الناس من خلال نواديه المنتشرة في السودان.

    أندية الخريجين (1918 ـ 1938م):
    لقد لعب الخريجون دوراً عظيماً في إذكاء روح الكفاح، والنضال، وبث الوعي بين الشعب السوداني الذي كان غارقاً في ظلمات الجهل والخرافة والفقر فقد كان "الجهل يخيم على الشعب كل الشعب. والفقر منتشر في أنحاء البلاد، والتأخر يبدو في كل مرفق ... وأسباب الإصلاح غير موفورة، بل معدومة، والمستعمر القابض على أجهزة الدولة وأعناق الناس، لا يترك متنفساً واحداً ... والحرية عملة غير متداولة وغير متعارفة، وهزيمة المهدية، الضربة القاصمة التي لقيها السودانيون، وما تلاها، خلقت حالة من الذهول أنست جل الناس كل المعاني الكبيرة، وزرعت في نفوس الأغلبية الشعور بالنقص والضعف المخزي، فسادت مظاهر الأنانية والنفاق والكبرياء على أنقاض العزة الجريحة والكرامة المهدورة". هكذا كان حال السودان كما وصفه الدرديري، فكان لا بد من منافذ ومنابر لبث الوعي، فإن المدارس منابر محدودة والصحافة مقيدة بشدة، والاستعمار يجثم على أنفاس المثقفين ويريد تحجيم دورهم، فكان أن اهتدى البعض لفكرة إنشاء نادٍ يجمع الخريجين لا سيما أن الأندية كانت تلعب دوراً كبيراً بالنسبة للجاليات الأجنبية في السودان، حيث قال الدردري: "كان أكثرنا من المدرسين، وكنا نندفع بوحي المهنة لنقل مهمتنا في التربية والتعليم والإرشاد من ميدانها الضعيف في المدارس، إلى ميدان أرحب يشمل أكبر عدد من أفراد المجتمع، استحوذت على أذهاننا فكرة قيام نادي الخريجين، وجدت الفكرة إقبالاً واستحساناً ولما استكملت الفكرة طور النضج نقلناها إلى حيز التنفيذ".
    ومن ثم تأسس نادي الخريجين سنة 1918، أي بعد الحرب العالمية الأولى حيث اجتذب عدد كبيراً من الجمهور واللاّفت للنظر أنه قد انضمت إليه فئات كانت محسوبة على السلطة الدينية. "ففي هذا النادي وفروعه الموزعة في الأقاليم، برزت ذاتية الخريجين، ووضح كيانهم مع الزمن، وترسخت شعاراتهم في الأوساط الشعبية، فأصبحوا عاملاً مؤثراً في المحيط العام".
    فقد كان هناك دوافع عديدة لقيام هذه الأندية؛ فهناك من ذكر أنها مأخوذة من فكرة النوادي المصرية، كما ذكر بعض آخر أنها فكرة من الاستعمار لأغراض سياسية، ولقد لعبت هذه الأندية دوراً أساسياً في مسرح الحركة الوطنية في السودان إلى أن حل عام 1931م حيث وقع الانشقاق السياسي بين أعضائها.
    لقد كان نادي أم درمان بمثابة الرأس لهذه الأندية، لم يقتصر أثر هذه الأندية على العاصمة فقط بل تجاوزها إلى الأقاليم المختلفة، لانتشار الخريجين، وعملهم في الخدمة المدنية في السودان، حيث مورس نشاط ثقافي وفكري واضح في هذه الأندية، وكان فيه يناقش الشباب أفكارهم بموضوعية وتجرد بعيداً عن التناحر والتنافر الفكري والمذهبي، وكان الكل يعتقد أن كل هذه التيارات تصب في منبع واحد وهو المجتمع السوداني.
    وكما أسلفنا فإن نادي أم درمان كان هو النادي الأساسي، حيث نجح أعضاؤه في خلق علاقات خارجية "مع مفكري البلدان العربية والأجنبية، فكان مركزاً لمحاضرات المستشرقين الأجانب، ومنبراً للنثر والشعر في مختلف المناسبات". ومن هذا النادي لمعت نجوم كثيرة من قادة العمل الوطني في السودان، مثل "محمد أحمد محجوب"، "محمد عبد الحليم"، و"مصطفى يوسف التني" ... الخ.
    كما أن نشاط هذه الأندية كان رافداً من روافد أندية الجاليات التي كان للخريجين علاقات قوية بها خاصة النادي المصري حيث ثبتت هذه العلاقة في محاكمة "علي عبد اللطيف" في جلسة 16 مارس 1925م حيث قال: "أنا لم أدخل النادي المصري إلا مرة واحد لأشاهد مسرحية (الويه الواجب) وكنت أعلم أنه لا يقبل عضواً غير مصري".
    ثم كانت لاتفاقية 1936م الأنجلو-مصرية ردة فعل عنيفة بين الخريجين إذ أغضبتهم بنود هذه الاتفاقية خاصة البند رقم (11) حيث نص على وجوب استمرار الحكم الثنائي الأنجلو المصري، وتمسك الحاكم العام بسلطاته نيابة عن الدولتين، وكذلك تقيد الوظائف الجديدة وإعطائها للمصريين والبريطانيين في حالة عدم وجود سودانيين أكفاء، كما اشتملت على بنود مجحفة أخرى، أثارت الاستياء العام بين المثقفين، مما جعلهم يبدأون في تنظيم أنفسهم، لمجابهة الاستعمار وإبداء عدم الرضى، حيث اقترح عقد مؤتمر للخريجين حيث يقول المحجوب: "أعطانا استياؤنا العميق دافعاً إلى تنظيم أنفسنا سياسياً في الحال، وأخذنا نحض
    على تأليف جبهة موحدة تقيم برنامجاً للعمل، ثم اقترحنا عقد مؤتمر للخريجين لوضع هذا البرنامج".
    كما أكد المحجوب أيضاً أنهم كانوا معجبين بالنموذج الهندي، وكان لكتابات "غاندي" و"نهرو" أبلغ الأثر مما جعلهم يتبنون التجربة الهندية، كما أن نادي الخريجين في الخرطوم كان قد تبنى نفس هذه الآراء على الرغم من تردد رئيسه "إسماعيل الأزهري" في بادئ الأمر، ولكنه وافق بشرط أن يشمل كل الخريجين لا أعضاء النادي فقط، ثم تم تغيير معنى خريج حيث صار "أي شخص تلقى تعليما ما يعادل مستوى المدرسة الابتدائية" وبذلك اتسعت القاعدة للخريجين.
    ومن ثم قام مؤتمر الخريجين سنة 1938 وكانت أهم أهدافه كما ورد في رسالة إلى الحاكم العام "خدمة مصالح البلد العامة، ومصالح الخريجين" وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية حجمت من نشاط هذا المؤتمر، مما حد من انتشاره في السودان.
    وبعد أن عمل المؤتمر أربع سنوات كقاعدة موحدة في الحركة القومية والوطنية أخذ يتضاءل نشاطه ويتقلص، حيث ظهرت فئات سياسية جديدة منها جماعة الأشقاء التي ترأسها الأزهري "هذه الجماعة، وجماعات أخرى تألفت بعد انحلال المؤتمر، وتحولت في النهاية إلى أحزاب سياسية هيأت القاعدة في تقدمنا الأخير نحو الاستقلال".
    كما أن المحجوب كان يرى أن تبرز الحركة الوطنية في السودان وترتبط بالكفاح من أجل الاستقلال الذي كان يعم القارة الإفريقية فقال:
    "السودان بلد إفريقي الوجود، عربي التطلع والمصير لأسباب جغرافية
    وعرقية وتاريخية وثقافية، ولكنه سيبقى عربياً في مظهره ومصيره، إنه كبلد سيشكل رأس حربة في الشرق الأوسط وفي إفريقيا جنوب الصحراء".

    الصحف والمجلات (1889 ـ 1960):
    لعبت الصحف دوراً كبيراً في إذكاء روح النضال ضد الاستعمار وبوجود هذه الصحف اتخذت الثقافة السودانية منحى جديداً حيث تحولت هذه الصحف إلى منابر لإبداء الرأي ونشر الوعي وإذكاء روح النضال الوطني.
    يقال إن أول مطبعة دخلت السودان لا يعرف تاريخها بالتحديد. إلا أنها استخدمت في إنجاز الأعمال الحكومية البسيطة، ولقد اهتمت القوات المنتصرة عند دخولها السودان بهذه المطبعة حيث جلبت لها معدات حديثة ماكينة للطباعة لعمل المطبوعات الحكومية كما طبعت فيها "الفازيتا السودانية" في شهر مارس 1899م. وكانت هذه الصحيفة مختصة بنشر قوانين الحكومة وأوامرها، وإعلاناتها إذ أنها كانت الصحيفة الوحيدة في السودان.
    وفي عام 1903م صدرت أول صحيفة في السودان تحت إشراف "خالد نمر" و"يعقوب صروفي" و"شاهين مكاريوس"*، وكانت هذه الصحيفة نصف أسبوعية.
    وفي عام 1909م صدرت أيضاً صحيفة اسمها "الخرطوم" تحت إشراف "أسعد يس" ولكن سرعان ما توقفت، ثم حاول "أسعد يس" إصدار صحيفة أخرى باسم كشكول المساح سرعان ما توقفت بعد ذلك.
    وفي يناير 1913م تم إصدار مجلة "رائد السودان" ، وهذه المجلة أيضاً بجهود
    أجنبية إلا أنها كانت ذات صلات قوية بالمتعلمين السودانيين الذين زاد عددهم في تلك الفترة.
    وفي عام 1918م صدرت مجلة السودان في رسائل ومدونات.*
    وشهد كذلك عام 1919 ظهور أول صحيفة سودانية الملكية وهي "حضارة السودان" وكانت تحت إشراف "حسين شريف" الذي يعد الصحافي السوداني الأول، وقد أشرفت على هذه الصحيفة شركة مكونة من السادة "عبد الرحمن المهدي" و"محمد الخليفة شريف" و"حسين شريف"، و"عثمان صالح" و"حسن أبو" و"محجوب فضل المولى" و"عبد الرحمن جميل" وكان الجامع لهذه الجماعة أنهم ينتمون لحركة الأنصار. وقد قامت هذه الصحيفة كردة فعل للَّهجوم الذي شنته الصحف المصرية على السودان بعد أن قام وفد من أعرق البيوت السودانية بزيارة إلى بريطانيا لتهنئتها بالنصر في الحرب العالمية فقامت الصحف المصرية بمهاجمة هذا الوفد ولذلك قامت هذه الصحيفة لتبرير هذه الزيارة والرد على الصحف المصرية. ثم توقفت هذه الصحيفة في عام 1934م وعاودت الصدور تحت اسم "ملتقى النهرين" وكان رئيس تحريرها "أحمد عثمان القاضي".
    وفي عام 1927م قام "سليمان داؤود منديل" بطلب لإصدار "الجريدة التجارية" ومن اسمها نعرف أن الغرض منها نشر الأخبار التجارية وقد تم له التصديق بإنشاء هذه الصحيفة حيث خرج عددها الأول سنة 1928م.
    وفي عام 1930م قدم "محمد عباس أبو الريش" أول طلب لإنشاء مجلة النهضة وهي مجلة أدبية أسبوعية، كانت ملتقى لعدد من الأدباء السودانيين مثل: "محمد أحمد محجوب" و"إسماعيل العتباني" و"عرفات محمد عبد اللَّه".
    وفي عام 1934م صدرت مجلة "الفجر" تحت إشراف "عرفات محمد عبد اللَّه" حيث التف حول هذه المجلة لفيف من أدباء السودان الأماجد الذين أثروا الساحة الأدبية بإسهاماتهم العديدة والمتنوعة، وقد كانت هذه المجلة منبراً حراً طرحت فيه الكثير من الآراء المختلفة وهي بحق كانت مرآة صادقة للصراعات التي كانت تدور في الساحة الفكرية والأدبية آنذاك، ولقد توقفت هذه المجلة بموت صاحبها "عرفات محمد عبد اللَّه" ثم عاودت الظهور مرة أخرى بإشراف "أحمد يوسف هاشم" سنة 1938م.
    لقد أدى ظهور الأحزاب في منتصف الثلاثينات إلى ظهور ما يسمى بالصحف الحزبية، التي تكون لسان حال الحزب وناطقه الرسمي حيث أصدر حزب الأمة صحيفة "الأمة" وأصدر الحزب الوطني الاتحادي صحيفة "العلم" وكذلك الأحزاب التقليدية ذات المرجعية الدينية كانت قد أصدرت صحف خاصة بها مثل طائفة الختمية أصدرت صحيفة صوت السودان، أما طائفة الأنصار فكان اسم صحيفتهم "النيل".
    والجدير بالذكر أن سياسة التساهل التي انتهجها الإنجليز في تلك الفترة تجاه حرية التعبير ساعدت في أن تنشر كثير من الصحف المستقلة حيث صدرت في منتصف الأربعينات صحيفة "السودان الجديد" وفي سنة 1945 صدرت صحيفة "الرأي العام" وصحيفة "كردفان" وفي عام 1952 صدرت صحيفة "الأيام" وفي سنة 1954 أصدر الحزب الشيوعي السوداني صحيفته "الميدان".*
    وعلى الرغم من الاستقلال الظاهري لهذه الصحف إلا أنها كانت تخضع للرقابة التي وضعت بعض الشروط لتحد من انتشار الصحف الجديدة، كما أضيفت مواد ولوائح لقانون الصحافة لمحاسبة الصحف والصحافيين وكانت العقوبات تتراوح من الغرامات إلى التوقيف وفي الحالة الشديدة السجن.
    ولقد مارست الحكومة سياسة المحاباة والتقريب لبعض الصحف ورؤساء تحريرها الذين يسايرونها، ومن قبل أن تنال البلاد استقلالها كان هناك سبعة صحف يومية وأربع عشرة صحيفة أسبوعية باللغة العربية وصحيفة يومية باللغة الإنجليزية وكذلك صحيفة باللغة الإغريقية، على الرغم من أن نسبة التعليم المنخفضة التي لم تكن تتجاوز 5% من عدد السكان.
    وفي الفترة العسكرية الأولى تم إيقاف كل الصحف الحزبية وكانت تصدر فقط "الأيام"، و"الرأي العام"، و"السودان الجديد"، كصحف يومية، أما الصحف الأسبوعية التي كانت تصدر فهي: "الأخبار"، و"الناس"، و"أبناء السودان"، و"الصراحة"، ولقد فرضت على هذه الصحف رقابة صارمة من قبل النظام العسكري آنذاك، وقد شهدت هذه الفترة محاكمات لبعض الصحافيين الذين نشروا أخباراً لا تتوافق وسياسة الدولة.
    ومن ثم نخلص أن كل هذه المؤثرات التي اعتورت داخل الثقافة السودانية منذ بداية القرن العشرين، هي التي وجهت الحركة الثقافية والفكرية في السودان، لتؤول إلى ما آلت إليه في منتصف سنوات الخمسين، ولتؤدي إلى ظهور ما يسمى بالغابة والصحراء فيما بعد.
    نجد أن عزلة المثقف السوداني بدأت منذ بداية التعليم الحديث في السودان، بواسطة السياسة التي مارسها الاستعمار مع المتعلمين حيث كونوا طبقة مستنيرة ومتعالية على بقية الشعب، وفي المقابل كلية غردون بطابعها الغربي العلماني والمعهد العلمي بطابعه الإسلامي شكلا تيارين من الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية، التي لا زالت تحمل في جوفها هذه الثنائية، وصراعاً، يظهر ويختفي بين القيم الغربية والقيم العربية الإسلامية، وما زال الحال هكذا حتى ظهرت حركة السودنة ولكنها كانت مربوطة بالثقافة العربية الإسلامية، لتأتي في سنوات الستين حركة الغابة والصحراء لتبعث العنصر الإفريقي في المكون السوداني، داخل الثقافة السودانية، الذي كان مهملاً، ومنكراً تماماً من قبل السودانيين. وفي ذلك يقول اليازجي: "فإن الشعور بالانتماء العربي في السودان كان يقويه عنصر التحدي للزنوجية أو السودنة والهروب من هوان الانتماء إلى الإفريقية التي لم تكن قد استقطبت قوميتها بعد".
                  

05-18-2006, 08:08 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    * وردت هذه الأخطاء النحوية في النص الأصلي والصحيح (تفاعل مستمر).
    ** راجع: الخاتم، عبد القدوس: مقالات نقدية، إدارة النشر الثقافي، 1977، ص 63.
    *** الإله أبيداماك إله نوبي، للاستزادة في هذا الأمر ارجع إلى: الذاكي، عمر حاج: الإله آمون في مملكة مروي 750ق.م. ـ 450م، مطبوعات كلية الدراسات العليا، جامعة الخرطوم، 1983، ص 133.
    محجوب، محمد أحمد: الديمقراطية في الميزان، دار النهار للنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1982، ص 67.
    مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1972، ص 205.
    راجع: شبيكة، مكي: السودان عبر القرون، دار الثقافة، بيروت، 1966.
    * المكي، محمد إبراهيم: الفكر السوداني أصوله وتطوره، وزارة الثقافة والإعلام، الخرطوم، 1976م.
    راجع: إبراهيم، حسن أحمد: الإمام عبد الرحمن، الناشر: جامعة الأحفاد للبنات، السودان، ط1، 1998م.
    راجع: Abd al-Rahim, Muddather: Imperialism and Nationalism, Oxford, 1969.
    Woodward, Peter: Condominium and Sudanese Nationalism, Res Collings, London, 1979.
    راجع: مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، ص 205.
    الداروتي، عوض الله: جماعة الفجر واتجاهاتهم الأدبية، بحث دكتوراه، جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، 1989م، ص 20.
    العبادي، إبراهيم: مسرحية المك نمر، نسخة على الرونيو، مكتبة المعهد العالي للموسيقى والمسرح، الخرطوم، ص96.
    مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، ص 112.
    المرجع السابق، ص 212 ـ 213.
    المرجع السابق، ص 223.
    عشري الصديق، محمد: آراء وخواطر، لجنة التأليف والنشر، 1969، ص 56.
    المرجع السابق، ص 57.
    المرجع السابق، ص 57.
    مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، ص 222.
    فضل المولى، محمد الحسن: (حمزة الملك طمبل والدعوة إلى القومية في الأدب السوداني)، مجلة دراسات إفريقية، العدد الخامس عشر، 1996، ص 107.
    المرجع السابق، ص 107.
    المرجع السابق، ص 108.
    مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، ص 232.
    * هذا الكلام مناف للصحة إذ أن الدعوة إلى الفنيقية بدأت في الشام.
    اليازجي، حليم: السودان والحركة الأدبية، ج2، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1985، ص 560.
    المرجع السابق، ص 560.
    مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، ص 230.
    المرجع السابق، ص 230.
    المرجع السابق، ص 230.
    المرجع السابق، ص 30.
    المرجع السابق، ص 230.
    المرجع السابق، ص 236.
    * للاستزادة في هذا الأمر راجع: القدال، محمد سعيد: الانتماء والاغتراب، دار الجيل، بيروت، ص 111.
    المرجع السابق، ص 236.
    مصطفى، محمد فوزي: الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، ص 230.
    المرجع السابق، ص 230.
    الثقافة العربية وأثرها في تماسك الوحدة القومية في السودان المعاصر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1972، ص 232.
    إبراهيم، عبد الله علي: (تحالف الهاربين)، مجلة المستقبل العربي، المجلد الخامس، العدد الثاني، 1987م، ص 112.
    راجع: بشير، محمد عمر: تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900 ـ 1966م، دار الجيل، بيروت، 1987، ص 205.
    ضرار، صالح ضرار: تاريخ السودان الحديث، الدار السعدانية للكتب، القاهرة، ط2، 1975، ص 19.
    ضرار، صالح ضرار، ص 21.
    الداروتي، عوض اللَّه، ص 24.
    المرجع السابق، ص 24.
    محمود، نجاه: محاولة لدراسات الحكاية الشعبية عند خالد أبي الروس، بحث لنيل درجة دبلوم النقد، 1985، المعهد العالي للموسيقى والمسرح، مخطوطة.
    ضرار، صالح ضرار: تأريخ السودان ...، ص 231.
    اليازجي، حليم: السودان والحركة الأدبية، ص 580.
    اليازجي، حليم: السودان والحركة الأدبية، ص 580.
    المرجع السابق، ص 580.
    المرجع سابق، ص 580.
    جعفر، عثمان النصيري: المسرح في السودان 1905 ـ 1930، منشورات المسرح القومي، د.ت.، ص 6.
    محجوب، محمد أحمد: الديمقراطية في الميزان، ص 41.
    المرجع السابق، ص 43.
    المرجع السابق، ص 44.
    المرجع السابق، ص 44.
    المرجع السابق، ص 44.
    محمد صالح، محجوب: الصحافة السودانية في نصف قرن، ج1، قسم التأليف والنشر، جامعة الخرطوم، د.ت.، ص 11.
    * أصحاب دار المقطم والمقتطف في القاهرة.
    محمد صالح، محجوب: مرجع سابق، ص 37.
    * صدرت كملحق لجريدة "السودان هيرالد" الإنجليزية.
    محمد صالح محجوب: الصحافة السودانية في نصف قرن، ص 168.
    المرجع السابق، ص 168.
    * قلندر، محمود: الإعلام الجماهيري في السودان، الجامعة الإسلامية العالمبة ماليزيا، الإعلام في العالم الإسلامي، بحث تحت الطبع باللغة الإنجليزية.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق.
    المرجع السابق، ص 136.
    اليازجي: السودان والحركة الأدبية، ص 560.

    ملحوظة
    شطب مرجع طمبل بناء على توصية المشرف لانني لم اجد الكتاب الذي قرأته قبل
    سنوات واعتمدت على مرجع ثاني اخذ منه..
                  

05-18-2006, 07:59 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    Quote: في شتاء[92]أقام [مركز ألدراسات ألسودانية]ندوة
    بإتحاد ألمحامين ألعرب بالقاهرة وشاركت فيها بورقة تحت عنوان
    [مقدمة حول سؤال ألتنمية أم ألهوية].مفترضا أن [سؤال ألهوية]في ألسودان
    هو سؤال مضلل جدا.ثم أنه سؤال إنطرح في فضاء[ألأيدلوجيا]
    وألأيدلوجيا هي الوعي الزئف بالذات.وهي إختزال للتأريخ في ألعرق
    أواللون أوألجنس .وقد تشـمل ألحزب وألدين.ولذلك جاءت إلإجابات علي ذلك
    السؤال:-
    1-نحن عرب 2-لا..نحن أفارقة 3-لاهذا ولاذاك فنحن آفروعرب
    فأضعنا سبعون عاما من ألجدل ألعقيـم ومانزال


    الاخ عبدالله
    ان تحديد اطار معين للهوية يحبس النظرية فى قفص صغير ولا يسمح له بمواكبة ما هو معاش فى تطور الفكرة نفسها.. فتسمية الغابة والصحراء نفسها تختزل المصطلح فى اطار مكانى وليس زمانى.. علما ان تعريف الهوية يجب ان يستوعب ظرفى المكان والزمان وعوامل الانصهار والاندغام بين الهويات الموجودة اصلا.. والحال هكذا فليس هناك ما يمنع من القول بمدارس اخرى ذات فضاءات ارحب كالسودانوية فالسودان لم يكن ارضا بلقعا من قبل دخول العرب بثقافتهم العربية الاسلامية كما ان العرب لم يقطنوا فى صحراء السودان عا القليل منهم وانما تدفقوا الى سهول السودان بعد اتفاقية البقط (د. يوسف فضل) علبرين غير مقيمين.. ولو اقام العرب فى صحراء السودان لما كانوا اضافوا شيئا يذكر فى الانصهار الثقافى والاثنى شيئا ولدينا امثلة حية فى عرب الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام فقد كان المجتمع العربى منغلقا على ذاته وغير فاعل حتى ظهور الاسلام بفتوحاته.. والقول بان العربى هو من نطق بالضاد ليس كافيا للاستدلال به لآن القول به يعنى ايضا ان كل من نطق بالانجليزية فهو انجليزى وقس على ذلك.. ولدينا شعوب افريقية وعربية وأسيوية تتحدث بلغات اجنبية ولا يعنى ذلك ابدا ان هوياتهم تابعة للدول التى استعمرتهاباعتبار ان اصحاب هذا القول لا يعتبرون ان اللغة العربية لغة استعمارية بل هى هبة الهية لهذه الشعوب انطلاقا من ان اللغة العربية هى لغة القرأن علما بان ان اكثر من ثمانين بالمائة من المسلمين لا يتحدثون بالعربية..

    ولنأخذ مثالا مصر الجارة التى اتت منها كل الغزوات منذ زمن الفراعنة وحتى تاريخ اليوم.. كلها صحراء (مدرسة الصراء) واتت منها كل هذه المتغيرات بما فيها الشعر الذى حاول البعض ان ينجر له مدرسة تحت مسمى الغابة والصحراء.. ان مصر التى احتضنت الثقافة العربية قبل السودان لم تدخل فى مثل هذه الاشكالية النمطية لتعريف الهوية.. واستطاعت ان توائم بين هوياتها المتعددة فهى تارة فرعونية وتارة اسلامية وتارة عربية واستطاعت ان تقدم نفسها الى العالم بهوية تشبه صحن السلاطة بينما فشل السودان حتى فى الاعتراف بماضى هويته.. ووصل الامر ببعض العروبيين ان يطالبوا بقذف التماثيل النوبية فى فاع النيل لانها رموز للكفر كما نادى اول وزير للثقافة والاعلام فى عهد الانقاذ بتحطيم بعض اعمال النحت.. كيف يمكن خلق إطار صحيح لتعريف الهوية السودانية ومازال هناك من يرفض إرثا تاريخيا عريضا بكل ما اختزن فى الذاكرة الجمعية من تداخلات وتحولات لا يمكن حبسهافى فقص نظرى صغير..

    لا بد ان اشيد بجهد بيان اعلاه فهذا حقها رغم اختلافى معها فى كثير من الأراء التى لا اعتبرها مسلمات بل هى قابلة للجرح والتعديل والكمال لله.. وارجو ان لا تعتبر رأيى هذا تنازلا عن المناكفات السابقة والتى لها صلة ايضا بمسألة الهوية والانصهار.

    ولى عودة..

    نورى جليلة (نورالدين منان)
                  

05-21-2006, 08:53 PM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: Mannan)

    Quote: دي مش ياها الافكار التي أهمتم بها بعض المثقفين البلهاء؟



    دينق يا يد البورد الواجعاه

    كدا بجرة كي بورد نفيت اجعص حركة ادبية شهدها
    السودان من مروي حتى الانقاذ..وطلعتهم بلهاء
    انت لما عمرك كان 24 سنة و اقل كنت بتعمل في شنو؟

    لانه البلهاء ديل هم في العمر دا
    كانوا خطوا بصمتهم في الدنيا..

    بالله يا دينق ما تخلي حركاتك معاي ومطاردتك لي
    تعميك عن الحاجات الممتازة..

    ضلامية احسن من اكون جنوبي مركب مكنة
    موندكورو ويعاني من ازمة هوية..
    قلد البط لا احسن المشية البطية ولا طيران الزرازير..
    انت لو قايل انك حتطاردني وتغيظني
    اقوم اقوليك كلام بتاع عنصرية تقوم تشتكيني ويفصلوني
    دي في الشاشة الغشاشة..
    شوف حاجة تانية يفصلوني بيها.
    اسع بالله ما بتخجل من نفسك شوف الناس الدخلت هنا دي
    وشوف كلامك.
                  

05-24-2006, 10:40 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    العزيز بانقا

    سلام

    شكرا لك على القراءة المتأنية. ساقوم بالتعديلات اللازمة...

    مودتي
                  

05-24-2006, 10:43 AM

Kamel mohamad
<aKamel mohamad
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3181

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    العمة العزيزة د.بيان :

    بمناسبة ذكري وفاة الراحل صلاح أحمد إبراهيم أهديكـ رائعته مرية من ديوان غابة الأبنوس




    قصيدة (مرية ) للشاعر السوداني الراحل صلاح أحمد إبراهيم:



    مريّه

    يامريّه:

    ليت لي ازْميل((فدياس)) وروحاً عبقرية

    وأمامى تل ُ مرمر

    لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك

    تمثالاً مُكبر

    وجعلت الشعر كالشلال : بعضُُ يلزم الكتف

    وبعض يتبعثر

    وعلى الأهداب ليلاً لا يُفسر

    وعلى الخدين نوراً يتكسر

    وعلى الأسنان سُكر

    وفماً كالأسد الجوعان زمجر

    يرسل الهمس به لحنا معطر

    وينادى شفة عطشى وأخرى تتحسر

    وعلى الصدر نوافير جحيم تتفجر

    وحزاماً في مضيقٍ ، كلما قلتُ قصيرُُ هو،

    كان الخصر أصغر

    يا مريه

    ليت لي إزميل ((فدياس)) وروحاً عبقرية

    كنت أبدعتك يا ربة حسنى بيديَّ

    يا مريه

    ليتني في قمَّةِ ((الأولمب)) جالس

    وحواليَّ العرائيس

    وأنا في ذُروة الإلهام بين المُلهماتْ

    أحتسي خمرةَ ((باخُوس)) النقيَّة

    فإذا ما سرتْ النّشْوةُ فيَّ

    أتداعى ، وأُنادى : يا بنات

    نقٍّّروا القيثار في رفقٍ وهاتوا الأغنياتْ

    لمريه

    يا مريه

    ما لعشرينين باتت في سعير تتقلب

    ترتدى ثوب عزوف وهي في الخفية ترغب

    وبصدرينا ((بروميثيوس)) في الصخرة مشدوداً يعذب

    فبجسم الف نار وبجسم الف عقرب

    أنتِ يا هيلينُ

    يا من عبرت تلقاءها بحر عروقي ألفُ مركبْ

    يا عيوناً كالينابيعِ صفاءْ...ونداوة

    وشفاهاً كالعناقيدِ امتلاءْ...وحلاوة

    وخُدوداً مثل أحلامي ضِياءْ ....وجمالا

    وقواماً يتثنّى كبرياءْ...واخْتيِالا

    ودَماً ضجَّتْ به كلُّ الشرايينِ اشتهاءْ..يا صبيَّة

    تَصْطلي منهُ صباحاً ومساءْ....غجريَّة

    يا مريّه

    أنا من إفريقيا صحرائها الكبرى وخطِّ الإستواءْ

    شحنتْني بالحراراتِ الشُموسْ

    وشوتني كالقرابينِ على نارِ المجُوسْ

    لفحتني فأنا منها كعودِ الأبنوسْ

    و أنا منْجمُ كبْريت سريعِ الإشتعالْ

    يتلظَّى كلًّما اشتمّ على بُعدٍ (تعالى))

    يا مريه:

    أنا من إفريقيا جوْعانُ كالطِّفلِ الصَّغيرْ

    و أنا أهْفو إلى تُفاحة حمراء من يقربها يصبح مذنب

    فهلُمي ودعي الآلهةَ الحمقاءَ تغضبْ

    وانْبئيها أنها لم تحترم رغبة نفسٍ بشرية

    أيُّ فردوسٍ بغيرِ الحبِّ كالصَّحراءِ مُجدبْ

    يا مريه

    وغداً تنفخُ في أشرِعتي أنفاسُ فُرْقة

    و أنا أزدادُ نأياً مثْل ((يوليس)) وفي الأعماق حرقة

    رُبما لا نلتقي ثانيةً

    يا ....مريه

    فتعالى وقّعي أسمك بالنار هُنا في شفتي

    ووداعاً يا مريه

                  

05-24-2006, 12:34 PM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)

    د. بيان كيفنك
    متابعين بي مزاج
                  

05-24-2006, 08:09 PM

منى أحمد

تاريخ التسجيل: 01-27-2006
مجموع المشاركات: 362

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: طارق جبريل)

    العزيزة بيان ..
    مثل هذا ( التفرد ) يصيبنى في الغالب
    بفوبيا التعليقات الخرقاء !!
    أتقزم و أتضاءل
    هنا شعرت بالخجل فاتنى الكثير
    و أناأزرع و أقطف من حدائق الجيران !!
    ربنا يحفظك
    مودتى الكبيرة





                  

05-24-2006, 09:34 PM

تولوس
<aتولوس
تاريخ التسجيل: 06-06-2004
مجموع المشاركات: 4132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: منى أحمد)

    اختي بيان
    اشعر بالغبطة دائما لوجودي بين بوستاتك ... وخاصة عندما يتعلق الامر بالشعر والشعراء في بلادي..


    خففي علي اخونا دينق شوية ودعيه .. لن يطول منك شيأ
                  

05-30-2006, 08:38 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صلاح احمد ابراهيم.... الغابة والصحراء (Re: bayan)



    العزيزة دكتورة بيان

    الله يديك العافية يا ستى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de