مصطفى سيد احمد يقول :- أحلم باليوم الذى يكون فيه بداخل كل دبابة مسجل

مصطفى سيد احمد يقول :- أحلم باليوم الذى يكون فيه بداخل كل دبابة مسجل ...

لقد إرتبطت معاناة المبدع مصطفى سيد أحمد فى أذهان الناس كافة بالعلة الجسمانية وصراع العافية مع المرض فى حين أن المعاناة الحقيقية للراحل كانت نفسية أكثر منها جسدية .. معاناة معنوية ..

لقد كان مصطفى- رحمه الله- يهلك نفسه فى الفكرة مئات المرات فى اللحظة ..كان يغنى لتلك الفكرة وصبر عليها وكان دائماً ما يردد أن الانسان السودانى هو إنسان عظيم ورائع لكنه مغبون " يا جمة حشا المغبون فى الزمن الهلاك منجاة " إنسان رشيد كامل الاهلية ورغم ذلك فرضت عليه الابوية , إنسان فطن بليغ لسن لكنه أخرس بفعل فاعل " عبد الرحيم يا حُر ماكا حُر " هذه هى الفكرة التى كرس مصطفى نفسه وحياته كلها لخدمتها وظل يسعى اليها بين الناس علهم يستردون المفقود فكرة آمن بها ...وعاش لها ...دافع عنها.. ومات تحت راياتها

ذات مساء وفى العهد المايوى ومصطفى وقتها كان طالباً فى المعهد وفى حفل عرس بحى العمدة قال مصطفى :-"
كل الناس ديل دعاهم العريس لى فرح فى يوم واحد .. فرح قصير وبكرة كل الناس تعيش لى فقر طويل .. زى ضحكةوسط دموع ...فرح ساعات وحزن دهور .. دا هو زاتو السودان انقليز سنين طويلة .. حرية .. اولاد بلد انقليز حرية .. اولاد بلد انقليز .. حرية وهكذا ... والحرية زى الفرح دا وسط حزن طويل عشان كدة أنا عايز أغنى بشكل تانى ..

مرت الأيام والسنين حينها سألناه :-
قلنا له :- يا مصطفى " ما قلت عايز تغنى بشكل تانى خالص ؟؟
قال مصطفى :- نعم سأغنى وأنا منتظر الشعراء المطاليق ..
قلنا :- الشعراء المطاليق ديل منو ؟؟
قال مصطفى :- ناس " القدال " ديل عندهم قصايد بالشكل التانى .
قلنا :- طيب والحل شنو ؟؟ والشعراء المطاليق ديل ما عندهم حق " السفة "
قال مصطفى :- الحل كلنا نغنى و نطرح الفكرة الروعة البتخلى البلد تبقى غنوة وحكومات الطغيان تبقى ذكرى تتبد بين آهات المنشدين
قلنا :- انت بتحلم .. من الله خلقك شفت دبابة دركسونها شمال او فيها مسجل او رادى منو البسمعك وهو جوة بطن الدبابة
قال مصطفى :- المدفع لمن ننزلو من البرج وتنفتح الدبابة ويدخل غنانا جواها والريح الصرصر .. الكل حا يسمع النشيد
قلنا :- احسن يا مصطفى تربطها بى شنب على مهدى وتجرها لى عرس "حميد " على بت اسمها السودان ..
دى دبابة مش لعب . ضحك مصطفى يومها بين دموعه وتركناه يحلم ويحلم ..

ذات مرة قال الاستاذ خطاب حسن احمد – رد الله غربته - والله نحنا مع الطيور الما قادرة ترجع للوكر ..الفرق بينا وبينها انو نحنا طيور موكرة وما قادرة تطلع او ترحل وديك طيور حرة و ما قادرة ترجع .. لقد نجح خطاب بعد طول معاناة وعذاب – نجح فى ان يرحل ويلحق بالطيور المهاجرة ويغترب .. وحتى محمد الحسن حميد دايماً يحب الموية من نورى والنيل لى الدوحة والخليج لى جدة والبحر الاحمر..
بينما ظل محمد طه القدال كما هو عمدة فى " أم بدة " بالردمية ولا يزال يتعجب من تفتيش العساكر نص الليل للجهال الشلوخهم شوية .. ولا يزال يسال عن حميد وأرضو ويقول غنوات على البلد البسير جنياتها لى قدام ويسب ويلعن عقال وعرب الجزيزة الببيعو الزيوت ضنب عمو سام .. ويتعجب من تراب الارض المبوسب يقوم دخن لو زرعتو الحجارة .. وبرضو نستورد القمح .. ويكره الدقون الكبيرة ويتالم الجياع العرايا الذين يحلمون برغيفة وكرامة وسلامة ..ويحلم بقريته الحليوة ليلة المولد

رحم الله مصطفى الانسان الذى ظل يحمل هموم هذا الامة السمراء العجوز حتى مضى الى تلك المضارب الرحبة الطاهرة وهو فى ريعان الشباب مثلما مضى فرس عاطف خيرى و كلاهما مضى تتبعه أحزان موحشة

يا فرس كل القبيلة تلجمو يستر قناعاتا ويفر ..
يسكن مع البدو فى الخلا ما يرضى غير الريح تجادلو تقنعوا "

رياح التغيير التى انتظرها مصطفى والعميرى وعلى عبد القيوم والدوش ورحلوا وتركونا ننتظرها نحن ..

" كان ياما كان فى سابق العصر والاوان " .. " فنان وكما انسان " " عندنا فى السودان "
"رفض البطش والطغيان " .. " هاجر لبلاد العربان " " لكن تلقاهو على مر الازمان " شاب اسمر اللون كما
ارضنا السمراء اخضر القلب كغابات " مريدى " عذب الصوت كما البلبل فى " تلوشى" فيه كل ملامحنانفس الملامح و" الشنب " سافر مع الطيور فى فضاءات النفوس بلا خرطة ولا جواز سفر ليستقر فى سويداء محنتنا ..