From sudaneseonline.com

كلام عابر بقلم : عبدالله علقم
أن تكون قائد ثورة/عبدالله علقم
By
Mar 9, 2011, 09:12

(كلام عابر)

أن تكون قائد  ثورة

أن تكون رئيسا لدولة أو قائدا لانقلاب عسكري أو حاكما منتخبا فكلها مناصب ليس لها صفات الدوام فرئيس الدولة أو الحاكم المنتخب يمكن أن تنتهي ولايته بالانتخاب أو بالانقلاب وقائد الانقلاب يمكن أيضا أن تنتهي ولايته بانقلاب مضاد أو بتحوله إلى حاكم منتخب أيا كانت طريقة الانتخاب. كل منهم لا بد وأن يترك المنصب  بطريقة أو بأخرى ، طوعا أو كرها ،إلا زعيم  الثورة، فزعامة الثورة ليست منصبا رسميا حتى يستقيل شاغله أو يتنحى ، والثورة تحدث مرة واحدة ولا يتسع المكان لأكثر من قائد واحد للثورة الواحدة، وتظل صفة قائد الثورة ملازمة للقائد حتى نهاية حياته لا ينازعه فيها أحد ، فالثورة حدث تاريخي، قابل للحدوث في أي مكان على وجه الأرض بأبطال آخرين، لكنه لا يتكرر حدوثه في نفس المكان، ولهذا فالزعيم معمر القذافي قاد ثورة في ليبيا  وجمع لفترة بين صفتين صفة قائد الثورة وصفة الحاكم ثم تخلى عن الحكم واكتفى بصفة قائد الثورة ولهذا ليس من حق أحد أن يكالبه بالتنحي لأنه لا يشغل منصبا يستقيل أو يتنحى منه، ولهذا سيظل يحمل صفة قائد أو زعيم الثورة إلى الأبد. هكذا يقول السيد معمر القذافي عن نفسه ولهذا لن يتخلى عن  صفة قائد الثورة لأنه لا يملك أن يتخلى عنها فهي حدث تاريخي وقع. كان قائدا لثورة الفاتح من سبتمبر1969م(وهي انقلاب عسكري كسائر الانقلابات العسكرية شائعة الحدوث  في بلدان العالم الثالث ولكن البلدان العربية درجت على إطلاق مسمى ثورة على كل انقلاب عسكري)، وبهذه الصفة يظل في موقع الزعامة والقيادة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو إلي أن يحين أجله كسائر البشر.

مثل المؤتمرات الشعبية والكتاب الأخضر والنظرية الثالثة وغيرها  فاجأ القذافي العالم بتفسير جديد للبقاء في السلطة غاب عن ذهن كل طغاة العالم.أن تكون قائد ثورة فذلك هو الخلود بعينه، لا أحد ينازعك في المنصب لأنك لا تشغل منصبا رسميا ولا تحكم، ولكنك في نفس الوقت لك الكلمة العليا على من تحتك  ومن حولك من حكام ومسئولين لأنك قائد ثورة. تنتهي دورات البشر الحياتية ودورتك الحياتية تراوح مكانها، فأنت قائد ثورة. يتغير الجميع وقائد الثورة باق إلى الأبد. تنتهي صلاحية الثورة نفسها ولكن قائد الثورة صالح لكل زمان ومكان ولا تنتهي  صلاحيته إلا بنهاية الكون.

نابليون كان أيضا "قائد ثورة"، في يوم 5 أكتوبر 1795م اطلق المدافع على المتظاهرين  في شوارع باريس فقضى على 1400 متظاهر في لحظات و"طهّر الشوارع بنفحة من مدفع" كما يقول أحد المؤرخين في وصف المجزرة ،ثم صاهر الضابط  الشاب السفاح الذي نفذ أوامره بإطلاق النار على المتظاهرين وعينه وزيرا فيما بعد، ثم مضى نابليون ليقضى آخر أيامه سجينا في جزيرة نائية في وسط المحيط الأطلسي."قائد الثورة" يقصف المتظاهرين ليس بالمدافع الميدانية وحدها مثلما فعل نابليون ولكن بالطائرات أيضا.

حالة مرضية مستعصية ومزمنة ، شارك في صنعها كثيرون، تجمع بين كل ما تحفظه ذاكرة الماضي والحاضر من سوءات  وأمراض  النابليونية وولاية الفقيه والتسلط العسكري.

(عبدالله علقم)

[email protected]



© Copyright by sudaneseonline.com