From sudaneseonline.com

بقلم : سيف الدين عبد العزيز ابراهيم
وداعا أستاذى كمال عبد الرازق سودانى /سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
By
Feb 14, 2011, 11:04

وداعا أستاذى كمال عبد الرازق سودانى

سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة

[email protected]

عندما كتب الشاعر التونسى الراحل الشابى ابياته: (اذا الشعب يوما أراد الحياه: فلابد أن يستجيب القدر- ولابد لليل أن ينجلى: ولابد للقيد أن ينكسر) والتى اصبحت ملهمه وملهبه للثورات والثوار لفترات طويله آخرها تلك الهبه التى اجتاحت المنطقه العربيه مؤخرا وخصوصا فى تونس ومصر , لم يقم الشابى بدراسه استراتيجيه لجعل تلك الكلمات وبقية أعماله الشعريه بوصله للشعوب ولكنه كتب ماكان يحس به وما كان يعتقد أنه كلام وعمل مؤثر وجيد يستخدمه كمساهمه منه فى شكلها الفنى لشعبه وخارج حدود بلده الجغرافيه الى رحاب المتحدثين بلغته العربيه ولم يكن يعلم أنها ستترجم الى أكثر من لغه ليردده الشباب المعارض فى فنزويلا . لم يدرى الشابى أن كلماته ستكون شعارا لكل محبى الحريه حتى بعد عقود على وفاته ولكنه كان يؤمن بقوتها واهميتها. وهكذا حال أعمال وأفعال العظماء أمثال غاندى فى الهند ومانديلا فى جنوب أفريقيا, وعمر المختار فى ليبيا والامام المهدى فى السودان ومارتين لوثر كنغ فى الولايات المتحده و كثيرمن القاده الذين الهمت كلماتهم وافعالهم الاجيال تلو الاجيال وعاشوا من خلال تلك الافعال الى يومنا هذا لقوة ماقدموه.  هؤلاء القاده لم يخططوا للخلود ولكنهم فعلوا ما أملاه  عليهم ضميرهم وتابعوا مايؤمنون به وبعمق وتجرد واخلاص ولذلك خلدوا الى يومنا هذا. وبنفس القدر والقيمه هناك رجالا ونساءا قدموا كل فى مجاله فى صمت و بكل تجرد ونكران ذات دون أى طموح أو رغبه فى شهره ولكن ذلك لم يمنعهم من بذل كل جهدهم لايصال رسالتهم الساميه سواء كانت فى مجال الطب والهندسه او الدين او أى من المجالات الاجتماعيه التى تثرى حياة الناس وترفع من قيمة الانسان وتعد الاجيال للمستقبل وهذا الاعداد للأجيال يجعل من هؤلاء العظماء الذين لم تكتب عنهم الصحف خالدين عند تلك الاجيال من خلال اعمالهم. وفى تقديرى ان مهمة هؤلاء الجنود المجهولين أكثر صعوبه من القاده المشهورين لانهم طالما تعرضوا لبطش الطغاه دون ان يدافع عنهم أحد أو يعلم بمعاناتهم سوى القله ولكن ايمانهم بما يقدمونه كان دافعهم واخلاصهم ونكرانهم لذاتهم كان وقودهم.

أستاذى وأخى المرحوم كمال عبد الرازق عبد الله أدم سودانى أو (كمال قرض) كما كان يحلو لرفاقه والذى توفى فجأه مؤخرا كان أحد هؤلاء الجنود المجهولين. هذا الرجل القامه كان بحق عملاقا فى أفعاله عاش حياته كما دعا اليها, كان له ايمان عميق بضرورة اثراء المجتمع الذى يحويه. لم يكتفى كمال بتدريسنا اللغه الانجليزيه بمدرسة الابيض الثانويه والتى أجادها ولكنه تخطى ذلك بمراحل الى تحفيزنا بالتفكير خارج نطاقنا الفكرى الضيق او الجغرافى المحدود ودعانا الى التوسع فى القراءه والتطلع الى رحاب اوسع دون كتابة روشته محدده ذات أهداف وانما أضاء لنا الطريق وترك لنا الخيار للاستكشاف. هذا العملاق الفكرى لم يبخل علينا يوما بكتاب او مجله يملكها أو لم يملكها رغم فارق السن بيننا. لقد خاطبنا كراشدين فاضطررنا الى الارتقاء بخطابنا وافعالنا حتى لانخيب ظنه. لم يحكم على أحد, لايتحدث يسوء عن أحد, يكره النميمه, لاتمتد يده الى مالايخصه, يتحدث الى الكبير والصغير بنفس الادب والاحترام, لقد أجبرنا بأفعاله ليس على احترام افكاره فحسب بل على فعل الخير وان نرتقى بطموحاتنا الى ماهو ارفع وأسمى وان نفضل ونقدس المصلحه العليا بدلا عن الاهداف الشخصيه الضيقه. فى تلك الفتره التى كنا فيها طلابه كنا مراهقين لاندرى شيئا ولكنا كنا نعتقد اننا ندرى كل شئ, كمال لم يستهزأ بنا لم يستخف بما نحس به ولكنه ناقشنا دونما وصايه أو محاولة التاثير على أفكارنا ولكن بطرح افكاره كرأى وفقط. لقد تعلمنا منه كيفية انتقاء الكتب التى يمكن ان نقراها, أعاننا على تصنيف الاذاعات العالميه والتى كانت تمارس غسيل المخ والتى كانت تحرف المعلومات فى فترة ماقبل ثورة المعلومات, وابان لنا اساليب تقييم الاذاعات أو مصادر المعلومات التى يمكن الثقه بجزء مما تصدر. كان كمال بمثابة (قوقل) لنتاكد عنده عن معظم ماكان يخفى علينا ولكنه لم يستغل جهلنا وشغفنا للمعلومات بشحننا بما آمن به شخصيا (رغم ان ما آمن به كان محل فخرنا لطهره ونزاهته) ولكنه كان يريدنا ان نستكشف ونصل الى الحقيقه بانفسنا لأنه كان يؤمن ان اهم وسائل النجاح فى تحقيق الاهداف هو الايمان بما تفعل وبالتالى تحفزك على الابداع والاخلاص لما تؤمن به.

كمال كان انسانا بكل ماتحمل تلك الكلمه من معانى حيث طال خيره كل من تربطه به صله او من التقاه عن طريق الصدفه منذ أيامه بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم حيث تخرج فى بداية الثمانينات وانخرط بعد تخرجه فى مجال التعليم حيث كنا من المحظوظين ان نتشرف باستاذيته هو وشقيقه صلاح فى منتصف الثمانينات بالابيض الثانويه كما أسلفت. أنخرط بعدها فى العمل الطوعى فى منظمات الامم المتحده وهو عمل يشبه المرحوم الى درجه بعيده لان حياته كلها كانت عملا طوعيا ولكن اراد الله له أن تكون هى مهنته والتى مارسها الى وفاته المفاجاه بدولة اثيوبيا. لقد أصر كمال أن يقدم ويخدم المستضعفين والاقل حظا فى هذه الدنيا وهو مايجعله نبيلا فى نظرنا. لكل طلاب واصدقاء واسرة كمال أقول أن كمال لم يمت بيننا وانما رحلت روحه الطاهره الى المولى عز وجل ولكن كمال يعيش فى وبين المئات من طلابه ومحبيه, كمال يعيش بين وفى دواخل طفليه وزوجته الاستاذه الجليله لبنى, كمال يعيش فينا وبيننا وشعاع نوره ونبراسه الذى اضاءه بأفعاله سيظل مشتعلا لاجيالا قادمه مثلها مثل اعمال العظماء الخالده على مر التاريخ. كان كمال صديق الكل ولكنه كان مقربا جدا من شقيقى الدود حيث دأبوا على الجلوس أمام المنزل بالليل فى نقاشات عده تتناول الكثير من الامور العامه الثقافيه وغير الثقافيه كدأب أهل مدينة الابيض (مدينة المثقفين) وكنا (نتطفل) على أحاديثهم ومجالسهم وكان هناك بعض التذمر أحيانا أو عدم الارتياح من بعض أصدقائهم على وجود هؤلاء الصبيه (نحن) حواليهم ولكن كان كمال يتصدى للدفاع عنا دوما وتكرارا بقوله ان وجودنا بقربهم للتفاعل مع مايطرح مفيدا لنا كصبيه لنتعلم منهم ومن تجاربهم ومفيد للكبار لأنه يدعوهم الى آداب الحديث والتحوط أو التأكد من أقوالهم وأفعالهم لأن هؤلاء الصبيه هم مقتدون بكل مانقوم به, هذا ماكان يقوله كمال لرفاقه, ألم أقل لكم أن لكمال رساله انسانيه كان يود نشرها وعلى عجل وكأنه كان يحس بأن أيامه اقصر وأثمن من أن تهدر فى غير مايفيد.

وكما قال الرئيس الامريكى السابق بل كلينتون عند تأبينه لوالدته عند وفاتها بأن قال للحضور, أنا لم آت هنا للحزن والبكاء على والدتى, وانما للاحتفال بحياتها لأنها أنجبتنى وأخى وربتنى وها أنا رئيس لاقوى دوله فى العالم وبالتالى كلما ذكر رئيس الولايات المتحده فانها ستكون حاضره وبالتالى هى خالده فينا وبنا. أعود واقول أن أستاذى أدى رسالته ورحل فى هدوء ولكنه لم يغب وسوف يظل مضيئا لنا وبنا باذن الله. رحم الله كمال بقدر ماقدم واسكنه فسيح جناته والهم أسرته وطلابه ومحبيه الصبر وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون.



© Copyright by sudaneseonline.com