From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
الحرب على الفساد «2-2»/الطيب مصطفى
By
Mar 6, 2011, 22:32

زفرات حرى

الطيب مصطفى

الحرب على الفساد «2-2»

 

كنا قد كتبنا بالأمس عن أحد وجوه الفساد المتمثل في الشركات الحكومية وانصبّ تركيزُنا على مراكز القوى والوزارات السيادية التي لا تطولها يد القانون ولا تخضع لولاية وزارة المالية على المال العام، ومن أسفٍ فإن أرباح هذه الشركات لا تقلل من عبء وزارة الدفاع أو الداخلية أو جهاز الأمن على الخزينة العامة إنما هي زيادة خير بالرغم مما يُحدثه ذلك السلوك من تشويه للاقتصاد ومن تأثير سلبي يحدُّ من قدرة القطاع الخاص على الانطلاق وهل تقوم النهضة ويحدث التطور إلا بماكينة القطاع الخاص؟!

يلزمُني أن أوضِّح هنا أنني لا أعني بربطي بين الشركات الحكومية والفساد أنها جميعها فاسدة في سلوكها الإداري فهذا ما لا أملك دليلاً عليه لكني فقط أريد أن أؤكد على أن السماح بإنشاء شركات للقطاع العام هو في حدّ ذاته سلوك فاسد لا يستقيم بأي حال مع ما جرت عليه الممارسة السياسية الراشدة في العالم الأمر الذي جعل الحكومة ترفع شعار التخلص من هذه الشركات منذ وقتٍ طويل كما أن وجود هذه الشركات يؤدي إلى سياسات خاطئة وفاسدة بما في ذلك الاستثناءات التي تحصل عليها دون غيرها من الشركات وكذلك الحظوة التي تجدها من خلال جعل النشاط الحكومي حكراً عليها بغض النظر عن أسعارها ونوعية خدماتها مما يضيِّق الخناق على القطاع الخاص.

كنت قد تحدثت عن فشل ذريع يتهدد مفوضية مكافحة الفساد ما لم تعمل بتفويض مطلق ودعم غير محدود من رئيس الجمهورية وأقول مفسراً إن مكافحة هذه الشركات التي تمدّدت تشعّبت وأصبح بعضُها إمبراطوريات تجارية ومصالح ضخمة وشركات قابضة بل متعددة الجنسيات أمرٌ ستُبذل دون حدوثه المُهج والأرواح وسيواجَه بمقاومة شرسة تُستخدم فيها كل أسلحة الدمار الشامل ولذلك لامناص، إن كنا جادين بحق في إحراز نجاح هذه المرة، من أن نُعمل سيف القوة الذي لا يملكه غير السيد رئيس الجمهورية مع بعض المعينات الأخرى.

يجب، لكسب هذه الحرب، أن تتضافر جهود كل أجهزة الدولة بما في ذلك البرلمان الذي ظل يعمل في أوقات سابقة كتابع للسلطة التنفيذية وديكور يزين أعمالها ويُكسبها الشرعية وهل أدل على ذلك من نيفاشا التي بصم عليها بعد أن فعل ذلك مجلس الوزراء؟! على البرلمان أن يخلع عنه رداء الاستكانة للسلطة التنفيذية وأشعر بصعوبة ذلك في ظل الهيمنة التي يفرضها عليه المؤتمر الوطني حيث لا معارضة ولا صوت يملك أن يجهر برأي مخالف الأمر الذي يقلِّل من فرص الاستعانة بالجهاز الرقابي التشريعي ويزيد العبء على رئيس الجمهورية.

بالنسبة للسلطة القضائية فإن المرء لا يستطيع الحديث بصراحة حول هذا الموضوع خوفاً من محاذير كثيرة ولا أزيد!!

الجهاز التنفيذي نفسه بمقدوره أن يُسهم بقوة في الحرب على شركات القطاع العام وعلى الفساد وخاصة وزارة المالية التي ينبغي أن تُمنح تفويضاً مطلقاً من الرئيس لإعمال مبدأ ولايتها على المال العام بعيداً عن أية محاباة أو خوف من بعض الوزارات والأجهزة النافذة وأنا مندهش  والله أن وزير المالية ما عاد يرأس القطاع الاقتصادي الوزاري الذي لاحظت أن نائب الرئيس هو الذي ظل يرأسه خلال جلساته الأخيرة بعد أن كان الوزير هو الذي يرأس ويوجِّه في حدود لا يستطيع تجاوزها ولا يملك أن يقترب من عش الدبابير؟! على أن ما يُحزن أن وزارة المالية كانت في أوقات سابقة ترأس بعض مجالس الإدارات وتُسبغ على الشركات التي ترأسها حماية فما أتعس الحال عندما يكون حاميها هو...!! على كل حال نحمد الله كثيراً أن الرئيس أصدر قراراً يمنع تولي الوزراء رئاسة مجالس إدارات الشركات وليته يصدر أمراً يمنع احتكار بعض العباقرة، في زمن عقمت فيه نساء السودان عن إنجاب العباقرة، احتكارهم لمجالس الإدارات فتجد الواحد منهم يخرج من اجتماع لمجلس إلى آخر هذا بالطبع علاوة على أعبائه التنظيمية في الحزب الحاكم والسلطة التنفيذية!! فهل آن الأوان لتوزيع هذه الأعباء على عباد الله بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية؟!

أرجع لموضوع السلطة التشريعية التي كنت ولا أزال أرى أن تُمنح سلطة رقابية حقيقية من خلال لجان البرلمان التي ينبغي أن تدخل إلى السراديب المعتمة وتغوص في الأعماق لاكتشاف مجاهيل شركات القطاع العام مع العمل على وضع جداول زمنية لإنفاذ خوصصتها والتحقق من أن ذلك يتم بصورة صحيحة وبشفافية عالية تجنِّبنا تكرار ما حدث لسودانير.

إن للمراجع العام دوره الكبير وإذا كان المراجع العام قد ظل يكشف عن اختلاسات مليارية كل عام وهو في وضعه الحالي فماذا تُراه يفعل إذا أُطلقت يده بصورة مطلقة وقويت شوكتُه وتمدد إلى شركات القطاع العام (المحصّنة) التي لا تطولها يدُه بسبب الحماية الممنوحة لمراكز القوى؟!

تطرقت إلى باب واحد من الأبواب التي تهبُّ منها رياح الفساد وهناك أبواب كثيرة لم تُفتح لعل أهمها ما يحدث في الولايات خاصة البعيدة منها عن عين الرقيب وعن الأجهزة والصحف الناقدة الراصدة وكذلك الشركات الحزبية.

خمس عشرة ولاية ملأى بالمحليات والمجالس التشريعية والشركات الحكومية والمؤسسات التي تعمل (على كيفها) في بلاد قفزت في الظلام نحو نظام فيدرالي لم تُدرس كلفتُه ولم تُعرف أبعادُه السياسية والاقتصادية.. بلاد تسيطر عليها القبلية والجهوية وتفتك بها الحروب فأي شيطان ذلك الذي أوحى للدولة بأن تهوي بمِعْولها على أمّ رأسها؟!

الحديث عن الفساد في الولايات يطول فذلك مما يحتاج إلى مقالات كثيرة في ظل سلطة مطلقة مُنحت للولاة المنتخبين الذين لا يستطيع المركز أن يحاسبهم ولا المجالس التشريعية الواقعة تحت رحمتهم وخزائنهم؟!

 

ارعوا بي قيدكم أيها السفهاء!!

 

 ويظن باقان وعرمان وغيرهما من السفهاء أنهما يستطيعان أن يهددا ويتوعدا وهما لا يعلمان أنهما أجبن من أن يُقدما على فعل يفتح عليهما أبواب جهنم!!

ما أصدق جرير حين خاطب الفرزدق متهمكاً

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً

فابشر بطول سلامة يا مربعُ

ربما لا يعلم الرويبضة عرمان المرتجف كالفأر المذعور أنه أجبن من أن يهدِّد ويتوعَّد فقد والله صبرنا على نزقه طويلاً ولم نعد نحتمل المزيد من سفهه وليعلم أنه لم يعد له مستقبل في هذه البلاد بعد أن تحررت من عبء الجنوب أما باقان فإنه أصبح أجنبياً ولا يحق له أن يتطاول في السودان الشمالي ويهرف بما ظل يتقيأه قديماً وبالتالي فإنه يخضع لما يخضع له الأجانب فهلاّ رعى عرمان وباقان بي قيدهم؟!

 



© Copyright by sudaneseonline.com