From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
الحرب على الفساد «1 ــ 2»/الطيب مصطفى
By
Mar 6, 2011, 08:55

زفرات حرى

الطيب مصطفى

الحرب على الفساد «1 ــ 2»

 

عندما مرت العربة الليموزين التي استأجرناها للسفر إلى مدينة كسلا على الحاجز الأول لم يتوقف السائق خلف السيارات الأخرى المتوقفة أمام الحاجز المخفور بالشرطة وإنما انطلق لا يلوي على شيء من خلال الحاجز الآخر في الاتجاه الآخر من الشارع، وعندما سألت عن سبب ذلك التجاوُز وعدم التوقف وسداد الرسم المعلوم جاءني الجواب المحزن: إنها سيارة تتبع لإحدى شركات القوات المسلحة السودانية!!

عندها ظللت أرقب عدد الحواجز التي مررنا بها منذ تحرُّكنا من الخرطوم إلى أن عُدنا من كسلا فكانت لا تقل في تقديري عن عشرة تجاوزتها سيارتنا «المحظوظة» جميعها بدون أن تدفع قرشاً واحداً بينما كانت رصيفاتها المملوكة لشركات القطاع الخاص تسدد الرسوم المقررة على دائرة المليم!!

فكّرت ملياً.. إذا كانت تلك الشركة الحكومية تمتلك ـ كما علمنا ـ مئات السيارات التي تنهب الطرق يومياً بين مختلف مدن السودان فكم يبلغ ما تجنيه من أرباح تخسرها شركات القطاع الخاص المنافسة لها وكم ضيّقت تلك الشركة على القطاع الخاص وجماهير الشعب السوداني من أرزاق طوال السنوات الماضية منذ إنشائها؟!

هذه الواقعة فرضت نفسها عليَّ حتى أسطِّرها في هذا المقال وأدخل بها إلى قضية كبرى يجدر بنا أن نفتح الباب واسعاً لمناقشتها ونحن بين يدي مرحلة جديدة وجمهورية ثانية نريدها خالية من الكوابح والمعوِّقات التي من شأنها أن تعطِّل مسيرتها كما حدث للجمهورية الأولى خلال سني الإنقاذ!!

إنها ظاهرة الشركات الحكومية أو شركات القطاع العام التي أُنشئت لجنة لتصفيتها منذ أكثر من عشر سنوات لكن هل تملك تلك اللجنة أن تقترب من أعشاش الدبابير ومراكز القوى؟!

كنت والله أتحدث من داخل القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء عن مراكز القوى وأسأل وزير المالية حينها «الزبير أحمد الحسن» رئيس القطاع في حضور الوزراء المعنيين.. لماذا تتحدثون عن ولاية وزارة المالية على المال العام وتصوغون القوانين لتحقيق تلك الغاية ولا تتحدثون عن ولاية وزارة الصحة على المؤسسات العلاجية ونحن نرى السلاح الطبي ينشئ المستشفيات في القرى التي لا علاقة لها بالقوات المسلحة ولا تتحدثون عن ولاية وزارة التعليم العالي على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ونحن نرى بعض الجامعات التي تُنشئها بعضُ الوزارات «القوية» ـ مثل الداخلية ـ وتجهزها بما لا تملك أن تفعل جامعة الخرطوم بكل عراقتها وعظمتها ووجودها الفاعل داخل مجلس الوزراء؟!

كان الناس يصمتون ويعتبرون حديثي خارج الأجندة تماماً كما حدث عندما انتقدتُ عرض بروتوكول الثروة في اتفاقية نيفاشا علينا داخل القطاع الاقتصادي بعد أن وُقِّعت الاتفاقية وقيل يومها إن البرلمان لا يحق له أن يعدل «فاصلة» من محتواها؟! قال لي أحد الوزراء معترضاً على حديثي حول عرض البروتوكول «بعد الذبح».. «هي ليلة سياسية»؟! وكان يتحدث بصوت مرتفع معترضاً على مجرد إبداء رأيي من داخل مجلس الوزراء!! وبالطبع لم يُسجَّل ما قلت في محضر الاجتماع!!

ما ذكرتُ ذلك تباهياً وإنما لأحكي واقعاً مأساويًا آن لنا أن نصحِّحه إذا كنا جادين في معالجة أوضاعنا مستفيدين من دعوات التغيير التي تجتاح منطقتنا العربية!!

أرجع للموضوع وأقول إننا بين يدي مرحلة جديدة حيث أعلن السيد رئيس الجمهورية أنه قد استلّ سيفه لمحاربة الفساد الذي استشرى وزاد خلال السنوات الأخيرة فقد أعلن عن إنشاء مفوضية لمحاربة الفساد لكني أقول إن العبرة ليست في إنشاء المفوضية وإنما في قدرتها على الفعل، وهل كانت لجنة التصرف في مرافق القطاع العام إلا مُنشأة بموجب قرار وهل كانت القوانين التي تحرِّم الفساد وتمنع الممارسات الخاطئة إلا صادرة بقرارات من مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية والبرلمان؟! وهل أُنشئ ديوان المراجع العام إلا لضبط الأداء المالي والإداري وفق القانون ولمحاربة الفساد؟!

اسمعوها مني فوالله والله لن تفلح هذه المفوضية إلا إذا عملت بماكينة رئيس الجمهورية ولن تنجح في كبح جماح غول الشركات الحكومية خاصة في الوزارات والهيئات السيادية إلا بحماية ودفْع من رئيس الجمهورية ولن تتمكَّن من أداء الدور المنوط بها ما لم تبعُد عن تعيين أعضائها على أساس حزبي وليت الرئيس يخرج عن حصر نفسه في كوادر الحزب الحاكم فالوطن مملوك للجميع وليس حكراً على فئة دون أخرى وهو رئيس للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية.

أعلم علم اليقين أن الفساد هو نقطة الضعف الكبرى التي تتهدد هذه الحكومة وما من شيء آخر في ظني يشكِّل خطراً عليها ومن شأن إعلان الرئيس الحرب على الفساد والبدء باتخاذ خطوات عملية مقنعة وجادة أن يكبح حركة التغيير ويطمئن الشارع الذي أعلم علم اليقين أن هناك ما يدعوه إلى الثورة لولا خوفُه من البديل بعد أن جرّب انتفاضات خاسرة جعلته بعدها يخرج في مسيرات تصرخ خلف الفريق عبود «ضيّعناك وضعنا وراك» ولم تجنِ من الانقلاب على نميري غير الفوضى والجوع وصفوف البحث عن لقمة العيش وقطرة الوقود.

أقول كذلك إن مهمة مكافحة الفساد ستستدعي مقاومة عنيفة ووساطات وعلاقات فقد كانت السلطة والثروة من قديم هما أهم أدوات الصراع لتغيير الأوضاع على مدار التاريخ ولذلك فإن هذا الهدف يقتضي شحذ إرادة قوية من الرئيس شخصياً يعلن فيها مبدأ أنه لن تأخذه في الحق لومة لائم وأنه «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها».

غداً أواصل الحديث عن مكافحة الفساد إن شاء الله.

 



© Copyright by sudaneseonline.com