From sudaneseonline.com

بقلم : هاشم بانقا الريح
أبحثوا عن رسائل الدكتوراه التي تطيح بالوزراء/هاشم بانقا الريح
By
Mar 4, 2011, 21:21

أبحثوا عن رسائل الدكتوراه التي تطيح بالوزراء

هاشم بانقا الريح

[email protected]

لا شك أن القُرّاء الكرام قرأوا وسمعوا نبأ استقالة وزير الدفاع الألماني كارل ثيودور تسو غوتنبيرغ Karl-Theodor zu Guttenberg من منصبه في الأول من مارس الحالي. استقال الوزير – أيها السادة- بعد اتهامات له بالغش في أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه في القانون من جامعة بايروث University of Bayreuth التي تقع إلى الجنوب الشرقي من ألمانيا.

الوزير الألماني البالغ من العمر 39 عاماً حصل على هذه الدرجة العلمية عام 2006م. والسيد كارل ليس وزيراً  لوزارة هامشية في دولة غير موجودة على خارطة العالم المتحضر الذي لا يحكم بنظام المؤسسات المستقلة، بل هو وزير للدفاع في ألمانيا وتعلمون ماذا تعني ألمانيا، علاوة على ذلك فالسيد الوزير كان من المرشحين الأقوياء لخلافة المستشارة الألمانية. ليس هذا فحسب بل إن صحيفة نيويورك تايمز  New York Times   وصفت الوزير الألماني بأنه "أحد أكثر السياسيين شعبية في البلاد." ولم يشفع كل هذا للوزير أمام الانتقادات القوية  وقيام آلاف الأكاديميين الألمان بالكتابة للمستشارة الألمانية يجأرون بالشكوى مما قام به وزير دفاعها. 

 ويتركز الاتهام الموجه له في أنه أورد في رسالته المشار إليها فقرات كاملة نقلها حرفياً من مؤلفات أخرى دون الإشارة إلى مصادرها. هذا كل ما قام به الوزير لكي تُقام الدنيا وتُقعد عليه، وتوجه له الاتهامات والانتقادات الحادة وتمارس الضغوط عليه وعلى الحكومة، وتسحب الجامعة شهادة الدكتوراه التي منحتها له، ويضطر "المسكين" إلى تقديم استقالته قائلاً في مؤتمر صحفي نظّمه على عجل: (لطالما أبديت استعداداً للنضال، لكنني بلغت الحد الأقصى لقدراتي.) وتقدم الوزير المستقيل بالشكر للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأعضاء حزبه المحافظ والجنود الألمان. وأضاف: (يجب عليّ ان أتفق مع أعدائي الذين قالوا إنه لم يتم تعييني كوزير للدفاع الشخصي minister for self-defence ، وإنما وزيراً للدفاع defence minister.) ووصف الاستقالة بأنها الخطوة الأكثر ألماً في حياته.

والآن وبعد أن رحل الوزير ونجحت الحملات الصادرة عن مؤسسات راسخة في الكشف عن ما قام به من خيانة للأمانة العلمية، والسطو على الحقوق الفكرية للآخرين، ماذا عسانا مستفيدين من ذلك؟ الحق يقال إن ما قام به وزير الدفاع الألماني لا يساوي معشار ما يحدث عندنا في المؤسسات الأكاديمية، التي أصبحت مراكز جباية يأتيها القوم من كل حدب وصوب يحملون الملايين فتغدق عليهم الشهادات العليا ممهورة بالتواقيع والأختام المعتبرة، ويمضون يتباهون بالحرف أو الحروف التي يحملونها. لا أحد يسألهم عن محتوى رسائلهم، وأمانتهم العلمية، فقد أمنوا كل هذا، وأيقنوا يقيناً لا يخالجه شك أنهم لن يتعرضوا لأي ضغوط من أي جهة تُشكك في قدراتهم الأكاديمية والبحثية، وتعمل على تحميص ما كتبوه وترده إلى مصادره الأصلية، وتلزمهم بأصول البحث العلمي الرصين.... فتأمّلوا!! 

مضى الوزير وتركنا في حيرة من أمرنا، ماذا نحن صانعون بآلاف شهادات الماجستير والدكتوراه التي منحتها مؤسسات تعليمنا العالي في السنوات الأخيرة، وبها ما بها من غمز ولمز لم يكن همساً بل تعدى ذلك إلى مجالس "الونسة" في بيوت الأفراح والأتراح، وإلى وسائل الإعلام؟ وقد كتب أحدهم ذات مرة أنك إذا وقفت في وسط الخرطوم وناديت: (يا دكتور) لالتفت إليك كل من كان يمر بالشارع في تلك اللحظة!!

كتب الدكتور زهير السرّاج في 30 أكتوبر 2009م مقالاً بعنوان (الأخ برضو بروفيسور؟)، تحدث فيه عن ظاهرة الدكترة والبرفسة التي نمر بها واصفاً الظاهرة بــ (البروفيساريا)، معدداً أنواعها والجهات التي أسهمت في هذه البرفسة: (فالبعض برفستهم أجهزة الدولة، والبعض برفستهم أجهزة الإعلام والبعض برفستهم جامعات هي نفسها موضع شك، والبعض برفستهم الصداقة، والبعض برفسوا أنفسهم، أما أنجع طرق البرفسة فهي الموالاة إذ يظهر أحد الموالين فجأة في أجهزة الإعلام منتفخ الأوداج "من جلسات اللقيمات والشاي باللبن" وهو يحمل لقب بروفيسور ثم يجلس على مقعد أكاديمي رفيع ليسوط ويجوط على كيفه.)..

وإني لأعجب أن يُنتج نظام تعليمي ضعيف، يفتقر للأدوات والوسائل المعرفية الحديثة، وتضج مؤسساته العليا بالشكوى من شح تمويل برامج البحث العلمي، ويشكو  أساتذته وطلابه من نقص الكفاءات العلمية، واللوجستية، أعجب أن يُنتج مثل هذا الوضع ويفرّخ آلاف الشهادات العليا كل عام. أليست هذه ظاهرة يجب الوقوف عندها.. أليست جامعاتنا على اختلاف تصنيفاتها ومواقعها الجغرافية بمسؤولة عن هذه المهازل التي تجري؟

المدهش أن الأمر وصل إلى خارج الحدود، فمن أنباء بعدم الاعتراف بالشهادات التي تصدرها بعض مؤسساتنا الجامعية، إلى التهكم من جرأة هذه المؤسسات في منح الشهادات العليا حتى لغير السودانيين القادرين على الدفع بالدولار.

في يناير 2009م كتب أحد المشاركين في منتدى تعليم المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ما يلي:

(في العام السابق جاءنا المدير وهو يقول أنا أحمل شهادة دكتوراه وغيّر جميع الخطابات الصادرة من المدرسة ... وبعد صدور خطاب تحذيري من الوزارة في العام السابق مفاده منع هذه الأمور إلا في حالة اعتمادها رسمياً يعني الاعتراف بها من وزارة التعليم العالي، أُزيل الدال، وفي الأسبوع الماضي غاب يوم الأربعاء وجاءنا يوم السبت وهو يقول باركوا لي حصلت على شهادة الدكتورة من جامعة في السودان " نسيت اسمها" وعندي مكتب ارتباط لمن أراد أن يدرس في  السودان. بمعنى السنه "هذي" أصبح تاجر دكتور وسطر اسمه بحرف الدال على مكتبه وعلى خطابات المدرسة.)).. انتهى ما كُتب في المنتدى..

 استقالة وزير الدفاع الألماني بسبب ملاحظات على شهادة الدكتورة التي مُنحت له واتهم فيها بالتزوير وعدم النزاهة، وما كتبه أحدهم في منتدى تعليم المنطقة الشرقية من السعودية، مهداة إلى مؤسسات تعليمنا العالي، علّها توقظها من سباتها وتبدأ بصورة جادة في فحص الشهادات التي منحتها، وتراجع بصورة علمية أسس منح هذه الشهادات، وأساليب البحث العلمي المتبعة، وربما تتكرم علينا بنشر أسماء من مُنحوا هذه الشهادات لاسيما من تسلموا مناصب حساسة في الدولة أو المؤسسات الأكاديمية. ولعل القارئ يتطلع إلى قراءة عناوين وملخصات هذه الرسائل في مواقع هذه الجامعات على شبكة الإنترنت.

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com