From sudaneseonline.com

بقلم : عاطف عبد المجيد محمد
الحوار الوطنى بالسودان والصياغات خارج النص/عاطف عبد المجيد محمد
By
Feb 14, 2011, 10:29

 

 

الحوار الوطنى بالسودان والصياغات خارج النص

 

يبدو ان لتقدم السن دورا كبيرا فيما يجرى على الساحة السياسية السودانية , فمن جانب المؤتمر الوطنى وهو المتربع على سدة الحكم امتدادا لحقبة اكثر من عشرون عاما يرى ان الحوار يجب أن يجرى وفق سياسة البيع بالتجزئة , وأن المائدة المستديرة فى عرف مرتكزاته اخلال بموازين القوى , فالقوى المعارضة مجتمعة وهى اللاهثة والمتعطشة للسلطة لاتعير أمر شكل المائدة مستطيلة أم مستديرة ذلك الشأن الكبير , فكلها موائد . كذلك الحوار بالجملة أم فرادى , فهو لايخل بالامر , فكله حوار . والمؤتمر الوطنى حينما يؤكد الثوابت , فالمواطن البسيط يفتقر للالمام بتلك الثوابت , فهو كالعادة غير معنى بالحوار , فالحوار فى السودان تاريخيا معنى به شخصيات بعينها , منذ فجر الاستقلال والى يومنا هذا , فهولاء هم الاوصياء على هذا الشعب بعد رحيل الاستعمار ظاهريا , فالدهر لايزيدهم الا حنكة وفطنة وبعد نظر , وهنا لاندرى من ذلك المتزاكى والفيلسوف الذى أبتدع سن التقاعد هذا , بلا شك أنه لم يدرك أن هنالك بقعة من اليابسة تدعى السودان , شعبها يتميز دون شعوب الارض كافة , بأنه كلما طال به العمر أزداد حنكة وحصافة , على العكس من تلكم الشعوب مثل بريطانيا وامريكا الذين يعانون الشيخوخة المبكرة لذلك يقدمون على انتخاب شباب فى اواخر الثلاثينيات واوائل الاربعينيات مثل اوباما وتونى بلير , ففى السودان يبدأ الشباب بعد السبعينات .

 

نعود لثوابت المؤتمر الوطنى , فما توافرت عليه هو التمسك بالشريعة , وهنا أتساءل , ماهو مصدر التشريع الذى كانت تتمسك به الانقاذ خلال العقدين السابقين ؟ فاذا كانت تلك هى الشريعة , فالامر يتطلب حقيقة اولا عقد مؤتمر يضم علماء الامة , لنتفق اولا عن مايعنيه هذا الاصطلاح , وأعنى هنا بعلماء الامة الذين يجمعون بين علوم أصول الدين والعلوم الانسانية والطبيعية , فالقضايا الخلافية اكثر عمقا ممايصورها الكثيرون , فالحديث عن الاصلاح الاقتصادى والقانونى وهيكلية الدولة المسلمة والعديد من القضايا الجوهرية كانت ولازالت هى بلا شك المحاور التى يفترض انها مسار الحوار الان بين من يتفاوضون ان لم اكن مخطأ , فكيف يستقيم الامر لمن يسمى عالم يدلى بالمشورة لارساء قواعد العدل وهو لايلم بحيثيات وادبيات حقوق الانسان المجازة دوليا , وهل سنتبنى نهج الشورة وفق الاصول الاسلامية أم الديمقراطية لوست منستر ؟ وأى فلسفة اقتصادية نتبنى , القائمة على ادبيات الحقوق الاقتصادية وعلى رأسها حق الغذاء وبروتوكوله الملحق اخيرا لحقوق الانسان ومقررات قمة الجوع الاخيرة بروما , أم فلسفة اقتصادية أخرى لا أجد لها صياغة واضحة يمكن أن يثرى لنا بها المؤتمر الوطنى ثقافتا ,غير صيغ التمويل , والزكاة ومصارفها , وناسيا أو متناسيا أدارة المال بالدولة المسلمة فى أطار مفاهيم العصر من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد , وسياسة واستراتيجية محاربة الفقر , وماتعرف بشبكات الامان الاجتماعى . فهل المؤتمر الوطنى له اجابات واضحة ومحددة لثابته الشريعة بما يتوافق وهذه المفاهيم ؟ هل طرح لنا المؤتمر الوطنى الصياغات الشرعية لكيفية تطبيق الاعمال المطرد الطوعى لحق الغذاء ؟ وهلا طرح للمواطنيين البسطاء الذين سيطلب منهم لاحقا للتصويت , ماهو الاعمال الطوعى المطرد لحق الغذاء ومدى موائمته للاصول الشرعية , خاصة فى دولة مثل السودان , وهل الذين يتحاورون اليوم معنيين أصلا بهذا الامر ؟

 

الجميع يدرك ان الخلل ليس بالشريعة الاسلامية , فرسالة الاسلام هى خاتمة الرسالات , ومصادر التشريع وفق الشريعة الاسلامية تشمل الكتاب والسنة والقياس والاجماع . ولكن هل أجتهد علماء الامة بمايكفى ليقدموا لنا الصياغة المتكاملة لشكل وهيكلية ونظم الدولة المسلمة الحديثة المعاصرة , وتمكنوا من استلهام مضامين الادبيات المعاصرة المزكورة اّنفا وردها لموازين الاصول الشرعية والفقهية بما يمكن كافة المسلمين لتبنى هذا النموزج ؟ ان الواقع الاسلامى من خلال حجم التباين الصارخ بين نظم الحكم فيه حتى التى تدعى أنها اسلامية , يؤكد أنهم لم يسعوا , حتى ولو عبر مؤسستهم الاسمية (المؤتمر الاسلامى ) لتقديم نموزج لنظام الحكم بالدولة المسلمة , والكل يعلم الاسباب , حيث بلا شك سيؤدى الى قرار بحلّ منظمة المؤتمر الاسلامى , لانها ببساطة تكون قد تعدت الخطوط الحمراء . فقضية نظام الحكم بالدولة المسلمة من القضايا المحظور تناولها بجلّ الدول الاسلامية . حيث يقود اولا لكيفية اختيار ولى الامر بالدولة المسلمة وفق الاصول الشرعية , هذا ناهيك عن بقية الاجهزة بالدولة , التشريعية ( هل برلمان منتحب , أم مجلس للشورى وكيفية اختيار عضويته وفق الاصول الشرعية ) , هذا وحينما ندلف للجانب الاقتصادى , ونتناول مثلا , قضية الاعتداء على المال العام وكيفية الحكم فيها وفق الاصول الشرعية , كيفية التصرف فى المال العام وودائع العملاء بالبنوك بما لايقود للفساد وفق الاصزل الشرعية , وان حدث , ماهو الحكم الشرعى لمن أقدم عليه , بحسبان اضراره الجسيمة على اقتصاد الدولة المسلمة , واكتناز المال لدى فئة محدوة من المجتمع , واتساع دائرة الفقر ومايتبع ذلك من قضايا الهجرة من الريف للمدن , وانتشار الفساد , والسرقة والانحلال ...الخ من عواقب تترتب كنواتج متلازمة لذلك السلوك  وهو ما أسبتته كافة الدراسات فى هذا المجال . التوظيف وفق المحسوبية , وماهى الاحكام الفقهية وفق الاصول الشرعية ؟ الاصول الشرعية لاحكام الهيمنة الاقتصادية من قبل الشريحة الحاكمة على مفاصل اقتصاد الدولة المسلمة , وبما ينتج عنه من اثار اقتصادية واجتماعية وسياسية مدمرة للدولة المسلمة . السياسات المالية والاقتصادية التى تنمى موارد القلة على حساب السواد الاعظم من مجتمع الدولة المسلمة , وحكمه الشرعى فى الاسلام . فلسفة الضرائب والجمارك والايرادت الاخرى مثل العوائد ورسوم المحليات .....الخ , أسس تحديدها وأوجه صرفها وفق الاصول الشرعية .

 

 

فحينما يتحدث المؤتمر الوطنى عن أن أحد ثوابته هو الشريعة , يذهب فكر الكثيرون الى أن المؤتمر الوطنى يعنى بالشريعة فقط , الحدود , الولاية , الصيغ الاسلامية بالبنوك , وقوانين الاحوال الشخصية , فأن كان المؤتمر الوطنى يعنى بالشريعة هذه الجوانب فقط , فلا حاجة بنا لثابته هذا , أما اذا كان يعنى بالشريعة طرحا يقدمه لنا متضمنا كافة مناحى الدولة اّنفة الذكر , بمختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتشريعية , كما أشرنا لمكوناتها , فكم نكون له شاكرين ان ينشرها لنا , حتى نلم بها , ونتحمس جميعا لدعمها , ويفترض بالمتفاوضين مع المؤتمر الوطنى حتى يكونوا امينين أمام من فوضوهم أن يطالبوا المؤتمر الوطنى بكتاب مفصل حول طبيعة الدولة المسلمة التى يطرحها , ولكن ليس مفردة ضبابية بأعتماد مفردة الشريعة هكذا على عوانها , أى يأتى الاجتهاد لاحقا , فالمفترض من المؤتمر الوطنى وحسب تاريخ قياداته الممتد لعقود من الزمن ان يكون مثل هذا الكتاب حاضرا الان ويفاوضون على اساسه , أما اذا كان غائبا , فهذا يضعف من كونه ثابتا فى التفاوض , واعتماد صيغة كون الشريعة دين الدولة بحسبان اغلبية المجتمع من المسلمين , واعتبار الشريعة الاسلامية مصدرا أساسيا للتشريع بالدولة بجانب المصادر الاخرى المتعارف عليها من ديانات واعراف اجتماعية وقيم ومبادىء انسانية لهى الصيغة الامثل لتجاوز هذه المعضلة , خاصة فى غيبة كتاب يترجم كافة المضامين التى اشرنا لحكم الدولة المسلمة .

 

اما الحديث عن رفع حالة الطوارىء وقانون القوات المسلحة والقوى الامنية الاخرى والعقيدة التى تؤسس عليها صياغتها واعادة هيكلتها , وقانون الصحافة والمطبوعات وفلسفة الاعلام , وقوانين تنظيم الاحزاب والنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدنى , كلها قضايا ورش عمل متخصصة ,يستعان فيها برجالات الفكر والباحثين والمتخصصين , بالاضافة للخبرات الدولية المشهود لها , حتى تفضى الى صياغات واقعية وعملية وتتناسب والواقع السودانى , ومستلهمة ارثه الثقافى والاجتماعى .

 

والجانب الاكثر أهمية والحاحا , هو هيكلية نظام الحكم بالبلاد , فالترهل الحالى احجم أجهزة الدولة لايختلف أثنين على أنه يمثل العبء رقم واحد على ميزانية الدولة , فاللامركزية فى الحكم لاتعنى الترهل , وفى ظل عصر ثورة الاتصالات والمعلومات الحديثة , تعتبر الحكومة الالكترونية الاكثر فاعلية والاقل كلفة فى ادارة شؤون البلاد , وليس تلكم الجيوش الجرارة من الاداريين والموظفين , وحيث يدرك الجميع تماما , بأن اقتصاد البلاد بعد تاريخ 9 يوليو القادم , هو اقتصاد أزمة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى , وانحدار الناتج الاجمالى المحلى وايرادات الدولة لادنى مستوياتها أمر حتمى , والمراهنة على تدفق بترول دولة جنوب السودان عبر الشمال أمر لايخلو من المخاطر والمفاجأة , فجنوب السودان يمكن ان يكون لها خيارات أخرى , فى ظلّ اقتصاد بالشمال يقوم على الاستيراد فى جلّ مناشطه , وحتى الزراعة المفترض بها العمود الفقرى لما بعد 9 يوليو , معظم مدخلات انتاجها تستورد من الخارج , والحديث عن الامن الغذائى للبلاد فى المستقبل المنظور على ضوء المرتكزات القائمة , حديث بعيد المنال , فالقوة الشرائية للجنيه السودانى مرشحة لمزيد من الضعف , وهو ماسوف ينعكس سلبا على معدل النمو , واكبر اثرا على معدلات التنمية , وهو مما يزيد الاثار السالبة الاجتماعية , ومن ثم الاستقرار السياسى على ضوء تدنى مستويات المعيشة .  

 

خلاصة الامر , على الحكومة والقوى السياسية أن تتسم بالموضوعية , فقضايا بهذا المستوى من التشعب والتعقيد لايمكن بأى حال من الاحوال تناولها فى اسلوب حوار كالذى يجرى الان على الساحة , فحينما كنت مساندا لدعوة الحوار كأساس , هو حوار جماعى لرسم اطار للاسلوب العلمى والمنهجى والموضوعى لفلسفة تناول القضايا الملحة والتحديات التى تواجه البلاد , من خلال الاعداد المؤسسى لمنتديات وسمنارات وورش عمل يشارك فيها الجميع بلا اقصاء وبمعاونة المنظمات الاقليمية والدولية ورجالات الفكر والباحثين من الداخل والخارج بغية الوصول لصياغة نموزجية تعبر بالبلاد نحو مستقبل مشرق ووفق خطوات مدروسة تعبر عن طموحات الشعب بمختلف مكوناته , وتعكس نقلة نوعية لاشكالية المشاركة الواسعة فى الحكم , وليس حوار الطرشان الذى يجرى الان على الساحة , وعلى المؤتمر الوطنى أن ينأى عن فلسفة الاستقطاب , خاصة فى مرحلة بالغة الحساسية على المستوى المحلى والاقليمى , وكذلك بالنسبة للقوى السياسية الاخرى , فالموافقة لتناول هذه القضايا الملحة على هذا النهج يعكس جليا أنها لاتتعلم من دروس التاريخ , ولاتتعاطى بما يجرى من حولها , وكما زكرت يبدو أن عامل الشيخوخة أخذ يلقى بظلاله على أدائها السياسى , فقدت هرمت , وأضحت لاتتعاطى مع المتغيرات على الساحة المحلية والدولية , ولازالت تعيش على عقلية عام 1986 , فهل يتدراك القائمن على الحوار كافة هذه المعطيات ,أم يستمرون فى السباحة عكس التيار , فيبتلعهم اليم بأمواجه المتلاطمة .

 

 

والله من وراء القصد

 

 

عاطف عبد المجيد محمد

عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء – هايدلبرغ – المانيا

عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا

الخرطوم بحرى – السودان

تلفون:00249912956441

بريد الكترونى:[email protected]



© Copyright by sudaneseonline.com