From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
رحيل الرمز الإسلامي نجم الدين أربكان/الطيب مصطفى
By
Mar 1, 2011, 22:17

زفرات حرى

الطيب مصطفى

رحيل الرمز الإسلامي نجم الدين أربكان

 

دمعات حرى خرجت من مقلتىَّ وأنا أتلقى نبأ وفاة المجاهد الأكبر نجم الدين أربكان.. رجل نذر حياته من أجل هدف واحد هو إعادة تركيا إلى الإسلام بعد أن اقتلعه عدو الله ورسوله أتاتورك من حياة الأتراك ومن دولتهم التي لطالما حملته عقيدة وشريعة ونظام حياة قبل أن ينصب اليهود ذلك الشيطان زعيماً على تركيا.

بدأت أخط بعض الأسطر في حق ذلك المجاهد لأعقد المقارنة بين دعاة الحق ودعاة الشر وكنت أودُّ أن أقارن بين الأنموذج الذي مثّله أربكان والأنموذج الذي مثّله عرمان ومنصور خالد وأبو عيسى وغيرهم من شياطين الإنس.. كنت أود ذلك لكني وجدت فيما خطه يراع الأخ عبدالمحمود الكرنكي عزاء وسلوى وبالرغم من أنه نشر مقاله في «ألوان» فإني أُعيد نشره اليوم راجياً من القراء الكرام أن يتأملوا سيرة هذا الرجل الأمة الذي ينبغي أن يكون أنموذجاً يُحتذى.

رحيل الرمز الإسلامي نجم الدين أربكان

فقدت الأمة الإسلامية علماً من أعلامها ورمزاً رائعاً من رموز بعثها الحضاري. فقد رحل أمس الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان، الذي انتقلت نفسه راضية مطمئنة إلى رحاب الله لتنعم بجواره السرّمدي في نعيم بعد نعيم.

نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا هو الأب الروحي والأب السياسي للحركة الإسلامية التركية الحديثة.

 توفي نجم الدين أربكان يوم الأحد 27/ فبراير 2011م، بعد صراع طويل مع المرض.. الزعيم الإسلامي الراحل أحد كبار رموز الحركة الإسلامية الحديثة، وأحد أبرز نجومها المتلألئة. فقد كان «المعلِّم الأكبر» للحركة الإسلامية التركية. بِبُعد نظره وأُفقه الواسع وصبره الإستراتيجي الممتد وكفاحه الإسلامي الديمقراطي ضد العلمانية، فتح أربكان الطريق في نهاية المطاف أمام الإسلاميين ليكتسحوا الانتخابات ويتبوَّأوا قيادة تركيا. حيث أحرزوا نجاحاً باهراً في الحكم منذ 2002م، فضاعفوا الدخل القومي ثلاث مرات وأصبح الاقتصاد التركي في المرتبة السادسة أوربياً تحت قيادتهم. وفي صناعة البناء والتشييد أصبحت تركيا الثالثة عالمياً بعد أمريكا والصين. وقد أظهرت التجربة التركية أن الإسلاميين الديمقراطيين رجال دولة من الطراز الأوَّل.

وُلد نجم الدين أربكان في 29/ أكتوبر 1926م. حصل في الثلاثين من عمره عام 1956م على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة «آخن» الألمانية، في مجال هندسة المحركات. عمل خلال دراسته في ألمانيا رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات «كلوفز ــ هومبولدت ــ دويتز» بمدينة كولونيا. توصَّل المهندس أربكان أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محرِّكات الدبابات التي تعمل بكل أنواع الوقود. عند رجوعه إلى تركيا أسَّس أربكان مصنع (المحرِّك الفضي) الذي تخصّص في تصنيع محركات الديزل. وبدأ الإنتاج عام 1960م. ينتج المصنع اليوم ثلاثين ألف محرِّك ديزل سنوياً، لتصبح تركيا اليوم تحت قيادة الإسلاميين تصدر 1.2 مليون عربة سنوياً.

في وسط المحيط السياسي العلماني الهادر، قام نجم الدين أربكان عام 1970م بتأسيس «حزب النظام الوطني»، بعد تحالف جماعته مع «الحركة النورسيّة» التي يرجع تأسيسها إلى «بديع الزمان سعيد النورسيّ». النورسيَّة حركة إسلامية ذات طابع صوفي تربوي تعليمي أخلاقي. كان «حزب النظام الوطني» أول حزب سياسي إسلامي تركي منذ سقوط الخلافة وارتفاع رايات العلمانية. تأسيس حزب النظام كان اختراقاً تاريخياً لجبهة السياسة العلمانية التركية الصلبة. اُنتُخِب أربكان عضواً في البرلمان. لكن حظِر عليه المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب توجهه الإسلامي ومعاداته العلمانية. بعد تسعة شهور من الانتخابات احتال العلمانيون على «حزب النظام الوطني». فتمَّ حلّ الحزب بقرار من المحكمة الدستورية «العلمانية»، بعد أن تلقى الحزب تحذيراً من قائد الجيش التركي «العلماني» محسن باتور. لكن أربكان بحنكته وصبره وطول نَفَسِه السياسي، وبدعم من جماعته وتحالف النورسيين قام بتأسيس حزب السلامة «الإسلامي» عام 1972م. حيث شارك في الانتخابات وأحرز خمسين مقعداً أمكنته عام 1974م من المشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري «أسسه كمال أتاتورك مؤسِّس الجمهورية العلمانية». تولّى أربكان في الحكومة الائتلافية منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة «بولند أجاويد». كان نجاح «حزب السلامة الوطني» كسباً كبيراً لتيار الإسلام السياسي، حيث برزت أهميته في الساحة السياسية التركية.. بعد تشكيل الحكومة الائتلافية وضع أربكان بصمته على القرار السياسي التركي، وضرب بعض معاقل العلمانية.. حيث قدَّم إلى البرلمان مشروع قرار حظر الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير العلاقات التركية ـ العربية، وأبرز العداء الواضح لإسرائيل ودعم قضية فلسطين وحجب الثقة عن وزير الخارجية خير الدين بسبب تأييده إسرائيل.. في عام 1980م قدَّم «حزب السلامة الوطني» مشروع قرار قطع العلاقات التركية مع إسرائيل. وأعقب ذلك بتنظيم مظاهرة ضد القرار الإسرائيلي بضمِّ القدس. كانت تلك المظاهرة هي أعظم ما شهدته تركيا في القرن العشرين.

كانت تلك المظاهرة كذلك أعظم استفتاء على شعبية الإسلام السياسي بقيادة نجم الدين أربكان. فكان أن تمّ بعد أيَّام انقلاب عسكري بقيادة قائد الجيش «كنعان إيڤرين» في سبتمبر 1980م. أطاح الإنقلاب العسكري الحكومة الإئتلافية وعطَّل الدستور وحلّ الأحزاب واعتقل الإسلاميين وفي طليعتهم الزعيم نجم الدين أربكان، الذي خرج بعد ثلاث سنوات في عهد حكومة «أوزال» ليؤسس حزب الرفاه الوطني «الإسلامي» عام 1983م. في انتخابات 1996م نجح «حزب الرفاه الوطني» في الفوز بالأغلبية وأصبح أربكان رئيس الوزراء في حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم بقيادة «تانسوتشيللر». انفتح أربكان بفاعلية كبيرة على الدول الإسلامية، كأنما يستعيد دور تركيا القيادي الإسلامي. وطرح أربكان مشروع «السوق الإسلامية المشتركة» لتحقيق الوحدة الاقتصادية بين الدول الإسلامية. فزار إيران وليبيا حيث استقبله القذافي استقبالاً شنيعاً. إذ بدلاً من الترحيب بطرح «السوق الإسلامية المشتركة»، تحدث العقيد القذافي عن ظلم الأكراد في تركيا. واصل أربكان مسيرته الجديدة لتوحيد الدول الإسلامية اقتصادياً. فأعلن عن تشكيل «مجموعة الثماني الإسلامية» التي تضم تركيا وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا. كما رمى أربكان بثقل تركيا لحل المشكلات الداخلية في الدول الإسلامية فأرسل وفوداً لحلّ نزاعات المجاهدين في أفغانستان. لكن المؤسسة العسكرية التركية العلمانية الموالية للغرب، ظلت ترقب عن كثب نشاط أربكان فقدَّم إليه جنرالات الجيش قائمة بإلغاء كل المظاهر الإسلامية في تركيا سواء في السياسة أو التعليم أو العبادات. عندها قدّم رئيس الوزراء أربكان استقالته تفادياً لانقلاب عسكري يطيح مكاسب الحركة الإسلامية الصاعدة، كما أطاحت مكاسبها انقلابات عسكرية سابقة. لكن استقالة أربكان من رئاسة الوزارة، لم تُشفِ غليل الجيش العلماني فحظر حزب الرفاه عام 1998م، وقُدِّم أربكان إلى المحاكمة بتهمة انتهاك قوانين علمانية الدولة، وحظِر عليه العمل السياسي لمدة خمسة أعوام. لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية، وبتجربته الواسعة قام بتأسيس «حزب الفضيلة» الذي تولَّى قيادته أحد قيادات «حزب الرفاه». لكن القوى العلمانية المتنفذة المتربصة، أصدرت قرار حظر حزب الفضيلة عام 2000م. بعد نهاية فترة الحظر عاد أربكان مرة أخرى ليؤسس «حزب السعادة» عام 2003م. لكن العلمانيين المتربصين اعتقلوا أربكان وقدموه للمحاكمة. وحُكم على الزعيم الإسلامي بالسجن سنتين، وكان قد بلغ من العمر «77» عاماً. بعد اكتساح حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الانتخابات، أصدر الرئيس «عبد الله غول» عفوًا رئاسيًا فخرج أربكان من السجن، وقد تدهورت صحته. منذ سجنه الأخير، دخل الزعيم الإسلامي في صراع طويل مع المرض حتى يوم أمس الأحد، حيث انتقل نجم الدين أربكان بعد كفاح طويل في سبيل الإسلام إلى رحاب الله. لقد أفنى الزعيم أربكان عمره الزاهر في سبيل الله وصراطه المستقيم. لقد وهب نجم الدين أربكان كل حياته وطاقته وعلمه وذكائه ووجدانه من أجل المشروع الإسلامي. كان أربكان علماً رائعاً من أعلام الإسلام ومعلِّماً فذاً. ألا رحمة الله عليه في الخالدين.



© Copyright by sudaneseonline.com